Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

خبايا النوايا
خبايا النوايا
خبايا النوايا
Ebook391 pages2 hours

خبايا النوايا

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

المقدّمة
كيف تقرأ الكتاب؟
فصل: النيّة
النيّة تصنع الفارق
النّية تجعل عدم الطّواف خيراً من الطّواف بالكعبة
النيّة تجعلنا خير أهل الأرض
هل النيّة في القلب أم في الرأس؟
إخلاص النيّة وصفاؤها
نوايا معياريّة
هل تحقق الهدف؟
النتائج المعدّلة بالإيمان
التعامل مع الله مختلف
قوّة العادات
مركز المكافآت في الدماغ
ماهي مكافأة استمرارك في العبادة
حديث مرعب
فصل الاختبار
مقارنة بين الحياة في المدرسة ومدرسة الحياة:
الرؤية الشّاملة للاختبار
اختباراتنا هي معنى حياتنا
كيف ننجح في الاختبار
فصل التّقوى
ماهي التّقوى؟
التّقوى هاهنا
ليدّبروا
التقوى محور باقي المعاني
ليدّبروا
مرضاة الله والتّقوى
فصل في أعماق المصائب
ماهي المصيبة؟
كيف نميّز المصيبة
الإيمان من دون المصيبة
هل قـُطع الود؟
كيف تعمل المصائب؟
هل نحتاج المصائب؟
يمحّص لنا ربّنا قناعاتنا
المصائب تصحيح وتوازن
شاهد الضّوء آخر النّفق
رؤيتي للمصيبة
فصل الهداية والضّلال
أنواع الهداية في القرآن
نختار الهداية أم يختارها الله لنا؟
فصل: أمراض قلوب الملتزمين
القلوب السّليمة
القلب المريض
من تزكّى فإنّما يتزكّى لنفسه
هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى؟
التزكية والبركة
أمراض الملتزمين
حين لا يرغب بدفع الثّمن
أسباب أمراض الملتزمين
تحوّرات النيّة
وهم الفرقة النّاجية
فصل: أمراض مشتركة بين العامّة والملتزمين
فصل: أمراض عامّة النّاس
عدم الاهتمام بالنّية
خاتمة أمراض القلوب
فصل استخراج الخبايا
الدّاعية
هل حياتك صعبة؟
غرفة الجوائز
كيف للنّوايا أن تتقدّم؟
فصل الطّريق للتقوى
لا تبالغ في نيّتك
حين تتواضع النّيّة يتواضع القول
اختبارات الصدق
الاهتمام الأصيل
الأنبياء يعلّموننا الأولويّة
ترقيات النيّة
لا تصبح درويشاً
لا تقسُ على نفسك
أفحص نيتك بنفسك
استخدم القرائن لتفحص نيتك
الحج يعلّمنا النية
حياة القلوب
بحث تعريف النية السّليمة
فصل: بحث الفتنة في القرآن
التّدبّر يكشف الإعجاز
أوّلاً: الفتنة في القرآن
الفتنة في ألفاظ السنّة النبوية
الفتنة بعد نزول الوحي عند اللغويين
التّساؤلات
القرآن بلسان عربي
المجاز
اللفظ المشترك
أسرار التّكرار
الآباء يحبّون الفلسفة
الشّعوب تتعلّم بذات الطّريقة
البعد الفلسفي لمادة "الفتنة" في القرآن الكريم
المفتون
رحلتي مع كلمة الفتنة
قصور وتقصير
الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآَنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ

Languageالعربية
Release dateFeb 21, 2023
خبايا النوايا
Author

A. A. Alebraheem

Alebraheem is a philosopher, journalist, and traveler. He endeavors to answer tough questions on how man exists in various spheres of life: politics, society, philosophy, science, faith, and everyday life matters. His first work, "5 Essential Dimensions", covers the topic of how we live. In his second book, "When Life Makes Sense", he gives a straightforward answer to the question of the meaning of life as well as explaining human vision and mission. He possesses a deep knowledge of the structure of the human mind, based on 35 years of personal reading and research. Alebraheem’s writing attempts to see things from alternative angles, searching for patterns and creating successful habits for life. He draws from his life experiences that range from traveling between continents to being a column writer for the well-known Kuwaiti newspaper ALQABAS and guest speaker on Kuwait TV and US radio shows.

Read more from A. A. Alebraheem

Related to خبايا النوايا

Related ebooks

Reviews for خبايا النوايا

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    خبايا النوايا - A. A. Alebraheem

    فصل النيّة

    يفهم من كلمة النيّة معنى القصد ، كما يفهم من كلمة النيّة العزيمة على الفعل، ومعناها أفعال الفكر والقلب وليست أفعال الجوارح ، فما هي النيّة؟

    ما هي النيّة السّليمة ؟

    النّية هي العزم والقصد والتدبير والتخطيط والاحتياط للفشل وترتيب الأهميّة وترتيب الأولويّة، فهي أعمال القلب الكثيرة، وليست أمراً واحداً، فكل ما تتحقق به النيّة من أعمال هو من النيّة، فقد دخل آدم جنة البداية، لكنّ بقاءه فيها كان مقترناً بامتناعه عن الأكل من الشّجرة التي حرّمت عليه، و بقاؤه لم يطل ، فهو لم يعزم على الامتناع، بل نوى واكتفى بنيّته الابتدائية بالامتناع دون أن يقوم بما يجب القيام به ليحافظ على الامتناع وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا .

    ولا تكون الحسنة الابتدائية، بل يتوجّب معها كل ما يؤدّي إليها، فآدم احتاج العزم، ونبيّنا ﷺ صبر حين كانت الحاجة إلى الصبر فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ والنيّة لأداء العبادة تحتاج عدم الالتفات للتجارة وقت العبادة أو للملهيّات عنها رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، فقد ننوي الصّدقة ويمنعنا البخل، وننوي الحج ويمنعنا الكسل، وقد ننوي الجهاد ويمنعنا الجُبُن، وقد تحول حالتنا النفسيّة من همّ وحزن دون الطّاعات، ولذا علّمنا نبيّنا ﷺ اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال ، وهكذا فإن النيّة لا تكتمل بالقصد، بل تحتاج العزيمة وتحتاج خطّة واضحة للتنفيذ، وإلّا كانت النيّة ليست إلا أمنية، فالخطّة تتضمن أهدافنا ووسائلنا للوصول إلى تلك الأهداف، والخطط البديلة لمواجهة الفشل، ودراسة المعوقات، وعليه فإنّ تعريفي للنية مستوحى من مفهوم العزم الذي ورد في القرآن الكريم ولغة العرب وهو القصد الذي يشمل خطّة التنفيذ .

    النيّة تصنع الفارق

    حين نضع في نيّتنا الاستعداد لليوم الآخر، سنطعم المحتاجين وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا وحين نطعمهم فلن نرجو منهم ردّاً على إحساننا حين يغنيهم الله، أو نرجو منهم عملاً مكافئاً، نطعمهم إن أظهروا الشكر والحمد أم لم يظهروه، فالمؤمن واثق أنّ الثّواب في الآخرة خير من الثّواب في الدّنيا، ولا تنتهي صدقته بأن يتصدّق، بل تنتهي صدقته حين يعود إلى قلبه ويمنعه أن يتوقّع ممن تصدّق عليه جزاء أو شكوراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ، حتّى وإن أنكر أو جحد سيبقى يتصدّق، لأنّ نيته تبدأ في القلب، وتنتهي دون نتائج يتمنّاها قبل موته، وكل ما يرجوه في الدّنيا أن يقبلها الله منه، أو أن ينظر الله إلى قلبه فيعلم صدقه، وحين نتصدّق على شخص، ويكافئنا من نتصدّق عليه، فيطعن في عرضنا، فالله يأمرنا أن نكمل الصّدقة له، فالصّدقة تقع في يد الله، وحين امتنع أبو بكر عن الإنفاق على الصّحابي مسطح الذي طعن في عرض ابنته عائشة، لم يقلل الله من شأن الطّعن في الأعراض، بل عظّمه إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلّا أن الله ذكّر أبا بكر بالعفو عنه، وذكّرنا معه بأن العفو عن النّاس يقود إلى عفو الله عنّا وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

    من أضمر في نيّته وجه الله، فعليه أن يعضّ على نيته، ولا يسمح لأي طارئ أن يزيحه عن ما نوى، والإمساك بالنّوايا الصّالحة يحتاج إلى قلب متعلّق بالله، متيقّظ لما يغيّرها، بينما القلوب التي لم تتعلّق بالله، تقسو لتصبح مثل الأحجار الملساء، وأعمالها الصّالحات مثل التّراب على تلك القلوب القاسية، وحين تقوم بعمل الصّالحات فهي لا تصل إلى عميق قلوبهم، بل تبقى على السّطح، وحين يمحّص الله ما في قلوبهم تنجلي أعمالهم الصّالحات كما يجلو المطر الحجر الأملس (الصّفوان) ويبقى القلب على قسوته، فحين يتصدّقون لله، يتبعون صدقاتهم بالمن على من تصدّقوا عليه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا و يعود قلبهم القاسي كما يعود الحجر الأملس بعد المطر دون أعمال صالحات ولا يجدون ثواب ما تصدّقوا به لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ .

    وهكذا فإن المؤمن والكافر ينفق ويتصدّق، لكنّ الفارق أنّ المؤمن يتعامل مع ربّه لا مع من ينفق عليه، بينما الكافر يرحم الفقير، ويعطيه، لكنّه ينتظر منه أن يشعر بالامتنان، ويعامله بها، وهكذا كل الأفعال المرتبطة بالنيّة، المؤمن يعقد في قلبه رضا ربّه، ويفترض أن يبتعد عن الانتباه للنتائج وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ .

    النّية تجعل عدم الطّواف خيراً من الطّواف بالكعبة

    وصل رسول الله ﷺ إلى مكة معتمراً، لكنّ قريشاً منعته، فأرسل ﷺ عثمان بن عفّان رضي الله عنه ليكلّم قريشاً، ليوصل لهم رسالة رسول الله ﷺ فقالوا له إن شئت طفت بالبيت الحرام، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله ﷺ، هنا قامت قريش بحبسه لقوله هذا .

    كانت نيّة عثمان بن عفّان ألا يتقدّم على رسول الله ﷺ، وكانت نيته ألا يخرج بفعل لم يستأذن به رسول الله ﷺ، وبذلك كانت نية عثمان بن عفّان رضي الله عنه هي التي جعلت عدم الطواف خيراً من الطّواف ذاته، ولو أنّه لم يطف لتعب ألم به، لما كان امتناعه خيراً من طوافه.

    النيّة تجعلنا خير أهل الأرض

    حُبِس عثمان في مكّة، فأشيع أنّه قتل، وبلغ ذلك الرّسول ﷺ، فاجتمع المسلمون في الحديبية وبايعوا رسول الله ﷺ على ألا يفرّوا وأن يقاتلوا معه ولا يفرّوا، لكنّ خبر عثمان رضي الله عنه تبيّن عدم صحته، ورجع عثمان.

    تمّت تلك البيعة لكنّ ما ترتّب عليها لم يحدث، وقد بايع المسلمون الرّسول ﷺ أكثر من بيعة قبلها، لكن تلك البيعة قد أنزل الله فيها قرآناً يتلى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ، وهنا علينا أن نتوقّف، فالله يقول لنبيّه ﷺ: لقد رضيت عن المؤمنين الذين يبايعونك، لقد كنت أنظر إلى قلوبهم، وقد شاهدت ما وقر في قلوبهم وعلمته ، فأنزلت السّكينة عليهم كمكافأة عاجلة حتّى لا يضطربوا ويخسروا المكافأة الآجلة، فهناك فتح قادم وهو مكافأتهم الأخرى، وقد قالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ بعدها ( يَومَ الحُدَيْبِيَةِ) : أنتُمْ خَيْرُ أهْلِ الأرْضِ .

    هل النيّة في القلب أم في الرأس؟

    العلم التجريبي لا يزال يصرّ على أنّ النيّة في الدّماغ ، وأنّ مركز اتخاذ القرار فيه، لكنّ الله يقول فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ، فليس هناك تأويل يصرفنا عن المفهوم الواضح أن الله يخاطبنا عن أعمال تقوم بها قلوبنا، هذه الأعمال حدد مكانها في القلب الواقع في الصدر.

    العلم يتغيّر مع مرور الوقت، فكم تناولنا دواء لسنين طويلة أصبح خطره داهماً، وكم من أمر ثابت في العلم، تراجع عنه لأمر أفضل منه، أمّا الدّين فلا يتغيّر، والنتائج التي وصل إليها العلماء اليوم هي صحيحة وثابتة وسليمة، لكن من الممكن أن تأتي نتائج علمية جديدة، ويصبح الثّابت غير ثابت، والسّليم يصبح غير سليم، وهذا مما شاهدت وعاينت، ومما بدأ العلم يكتشفه هذه الأيّام أن هناك ٥٠٠ مليون خلية عصبية تقوم بمعالجة التقلصات المعوية والالتهابات وهي ليست في الدّماغ، بل اكتشفوا أنّها موجودة في الجهاز الهضمي، وهذه الخلايا العصبية لم تكن مكتشفة من وقت قريب، ولذا سيأتي العلم بإثبات الخلايا العصبية التي في القلب يوماً ما لا محالة، فالعلم يتغيّر وقول الله لا يتغيّر، ولذا فإنّ علينا أن نؤمن أنّ النية في القلب، حتّى وإن أثبت العلم خلاف ذلك، فالعلم سيتراجع يوماً ويكتشف الجديد، لكنّ فرصتنا بالإيمان تكون قد ذهبت!

    إخلاص النيّة وصفاؤها

    إخلاص النيّة هو خلوّها من الشرك، كما سبقنا أبو حامد الغزالي رحمه الله، فقال وحين يخلص اللّبن يصفو ، يقول الله وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ، أمّا الإخلاص فهو عمل القلب الذي ينوي وجه الله ومرضاته.

    وحين ننوي علينا أن نخرج الشّوائب التي تغيّر نوايانا لتخلص لله، فحين تخرج محفظتك عند باب المسجد لتتصدّق على السّائل، راقب نفسك، هل تبحث عمن ينظر إليك، فترى كيف ينظرون، وإلامَ ينظرون، أم تهرب منهم وتختبئ، وحين ندخل المسجد ونصلّي، هل نبحث عن من يسلّم علينا، هل يهمّنا أن يتعرّف علينا أهل المسجد؟ أم أن صلاتنا وحضورنا بقصد أن يرانا الله مع المصطفّين عنده في بيته فيرحمنا معهم؟ وحين نزور بيت أرحامنا هل نرغب في التبجيل والتقدير والاهتمام، أم أن زيارتنا لأن الله كرّر علينا وصاياه بذي القربى؟ وحين نذهب للعمل، هل نيّتنا الرزق الحلال، أم أننا نريد تقدير الآخرين لنا؟ وهكذا كل عمل يحتمل المثوبة والأجر، نتساءل قبل أدائه، لنتأكّد أن نيّتنا تنتهي بقصد سليم، فقبل أن نتمّ العمل علينا أن نتساءل، هل نتيجة نيّتنا صافية؟ فصفاء النّية هو نتيجة عمل الإخلاص، ولنسأل أنفسنا، حين يؤذينا أقاربنا، هل سنتمسّك بنوايانا الطّيبة؟ وحين تحدث مشكلة في المسجد هل سنبقى حريصين على صلاة الجماعة؟

    الإخلاص هو انعقاد النّية على القصد الخالص لله، فليس فيه لغير الله نصيب، نرغب فيما عند الله بصدق، ولا يدخل ضمن المقصد قليل الدّنيا أو كثيرها، وها هو أوّل حديث ورد في كتب الحديث، روى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّات، وإنَّما لكل اِمْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى ِدُنْيا يُصِيبُها أوِ امْرَأَةٍ ينكحها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ .

    نوايا معياريّة

    النيّة المعيارية هي التي تصلح لأن تكون مقياساً نضع نوايانا بجانبها، ونشاهد الفارق بينهما، ولم نأت بنيّة نبيّنا محمد ﷺ لأنّه قياس مع الفارق، فقد أسري به إلى السّماء، ورأى من آيات ربّه الكبرى، فنيته هي نية من يعلم، بينما نيّتنا هي نيّة من لا يعلم .

    نيّة الصّحابة

    تختبر النيّة بعزم صاحبها عليها، فمن أراد أن يتصدّق وهو بانتظار المال ليأتيه، فعزيمته الأمثل هي التي كلّما طالت فترة الانتظار ازدادت قوّة ولم تتغيّر، وهي التي كلّما زاد المبلغ كانت نيته أكثر إصراراً، فمن نوى أن يتصدّق بدينار في الغد، ثم فعل ليس مثل من أراد أن يتصدّق بمئة ألف دينار، بعد سنة، فالنوايا تتغيّر، وتتأثّر، والعزيمة تتراجع، وحين لا يأتي المال، فلا أحد يعلم كم تغيّرت العزيمة!

    وأعظم الناس نيةً هم أصحاب رسول الله ﷺ، فقد نووا أن يموتوا في سبيل الله، لكنّ الشّهادة أتت بعضهم فمات، وبعضهم لم يمت، لم تتغيّر عزيمتهم، ولم تتراجع، بل ما زالوا عازمين عليها، ينتظرون شهادة الله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا .

    ابن المبارك

    عبدالله بن المبارك هو العالم العابد الزّاهد الشّاعر، كان عالماً في الفقه والحديث والتّاريخ واللغة والتجارة وكان شديد السخاء، يقول عنه الإمام أَحْمَد بْن حَنْبَل: لم يكن فِي زمان ابْن الْمُبَارَك أكثر طلباً للعلم منه، و يقول عنه الذّهبي فريد الزمان وشيخ الإسلام توفّي سنة ١٨١ للهجرة، وقد روى الإمام مسلم أنّه خرج للمبارزة أمام المسلمين متلثّماً، قبل بدء القتال، يقتل الأوّل من الكافرين والمسلمون ينظرون، ويخرج الثّاني للمبارزة فيقتله والنّاس لا تزال لم تعرفه ويقابله المبارز الثّالث فيقتله ويريد الرّجوع إلى صفوف المسلمين قبل أن يُعرف، فيجتمع عليه المسلمون ويكشفون لثامه. وهو عالم يعلم أنّ ذلك المقام يجوز فيه الفخر، فهذا أدعى لإظهار عزّة الإسلام، وأدعى لإدخال الخوف في قلب الكافرين، لكنّه ابتعد عن الفخر وابتعد عما يجوز، فهو أيضاً عالم بماذا يترك وماذا يكسب، وأين رضى ربّه يكون أعظم.

    هل تحقق الهدف؟

    في حديث البخاري، قال رجل لأتصدقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق فقال اللهم لك الحمد، لأتصدقنّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقنّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله إياه ويتصدّق .

    هذا الحديث الشّريف يصوّب مفهومنا الذي نعرفه، فما نعرفه أنّ أعمالنا إن لم تنجز فلا معنى لها، بينما رسولنا ﷺ يقول لنا إنّ أعمالنا إن أدّيناها فقد انتهت، ولا داعي لبحث إنجازها، سواء أنجزت أم لا، وحين نحاول المتابعة، فإنّ النتيجة، قد تكون حسب مفاهيمنا لم تتحقق، مثلما حاول المتصدّق لـ ٣ مرّات، لكنّها في الحقيقة أنجزت منذ المرّة الأولى، فمفهوم الإنجاز علينا مراجعته، وتعديله بمفهوم الإيمان.

    النتائج المعدّلة بالإيمان

    عقولنا متعلّقة بالنتائج، نأكل ونتوقّع الحصول على الطّاقة والشّعور بالشبع، نمشي فنصل وجهتنا، نخطط، نفكر، نتوقّع، وهكذا حياتنا تسير، لكن التّعامل مع الله مختلف، فالأعمال في عالمنا الذي نعيش فيه، والنتائج لا تظهر، ولن تظهر!

    حين نبذر ولا تنبت الزّرعة، فعلينا المحاولة، وعلينا السّعي، بينما في أعمالنا مع الله، فنحن نبذر، إن شاء الله نبتت، وإن شاء لم تنبت، فلا يجب أن ننتظر النّتائج، وعلينا أن نمنع عقولنا أن تتوقّع ما الذي سيحدث بشكل تلقائي وافتراضي، ولذا فعلينا تعديل رغبتنا في الحصول على نتائج، لتكون للاستمرار في تقديم نتائج أفضل، فقد قرأت في أحد الكتب العلمية أن ٩٠٪ من عمل عقولنا هو التنبّؤ.

    نصل أرحامنا، فإن شاء رضوا وإن شاء سخطوا، وفي كلتا الحالتين، سنبقى مع صلة الرّحم، يقول الرسول ﷺ ليس الواصلُ بالمكافِئ ولكنَّ الواصِلَ الذي إذا قُطعتْ رحمُه وصلَها ، نحسن للفقراء، سواء شعروا بالامتنان أو شتموا بنتنا وقدحوا عرضها، وقد بيّنا أنّ الله خاطب أبا بكر رضي الله، وخاطبنا معه أن لا يتوقّف عن النفقة عمن طعن في عرض ابنته، والآيات والأحاديث التي توضّح هذا المفهوم الدّقيق كثيرات.

    العمل ينتهي بأداء العمل، لأنّ الإيمان بالغيب يجعلنا نؤمن بالنتيجة، وحصولها، وكتابتها، وعلم الله بها، فهذا اختبارنا، وعلينا انتظار نتيجة الاختبار، وفي حديث الذي تصدق، فإنّ النتائج الابتدائية لم تتحقق بالمحاولات الثلاث الأوّليات للمتصدّق، وفي كل مرّة يتصدّق تذهب صدقته إلى ما لم يرده المتصدّق، لكنّ قصده الحسن أن تقع في من ينتفع كان موجوداً فلذلك أعاد تكرار صدقته عسى أن تحصل الفائدة على من تصدق عليه، لكنّ الله شاء أن تنتهي محاولاته بالفشل الابتدائي، ليعلم أن الفشل في أن ينتفع المتصدق عليه لا يعني الفشل، وليفهم الجميع أن تكرار المحاولة لن تغيّر من النتيجة التي أراد الله لها أن تكون، وهي الفشل في مفهوم الدنيا والنّجاح في مفهوم الآخرة.

    التعامل مع الله يبدأ بالنيّة وينتهي بأدائنا للعمل لا بالنتيجة، بينما كل شيء في حياتنا يبدأ بالعمل وينتهي بالنتيجة، وعلينا أن نتساءل لنضبط نيّتنا.

    نتساءل من نستهدف؟ البداية ستكون في.. النهاية في..

    الله النيّة العمل

    الآخرين غير الله

    (أنفسنا، مصالحنا، النّاس) العمل النتيجة

    اشتراك الله مع الآخرين النيّة البحث عن نتائج

    التعامل مع الله مختلف

    كان عليٌّ رضي الله عنه إذا كانت آخر ليلة من رمضان صاح وبكى، وقال رضي الله عنه: ألا ليت شعري من هو المقبول فنهنيه، ومن هو المحروم فنعزيه! فلن يعلم أحد منّا إن كانت أعماله الصّالحات قبلت، وعلينا أن نؤمن أنّها إن كانت موافقة للشرع، ونيتنا طيبة قد تقبل، فالله طيّب لا يقبل إلا طيباً، وأنّ نتائج

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1