Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

سكون الروح: قليلٌ من فكرٍ وكثيرٌ من الحب
سكون الروح: قليلٌ من فكرٍ وكثيرٌ من الحب
سكون الروح: قليلٌ من فكرٍ وكثيرٌ من الحب
Ebook785 pages8 hours

سكون الروح: قليلٌ من فكرٍ وكثيرٌ من الحب

Rating: 5 out of 5 stars

5/5

()

Read preview

About this ebook

(سكون الروح).. كتاب يتطرق بشكل عام للأمور اليومية الحياتية التي قد يتعرض لها الإنسان في رحلة حياته. يعرج على مجموعة من المواضيع التي لا غنى لأي إنسان عن الوعي بها؛ منها الوعي بالنفس والجسد والعلاقات. هي مجموعة أفكار لدى الكاتبة تعرضها للقارئ؛ ليتفكر في حياته ويتحمل مسئوليتها، بدل إلقاء اللوم على الآخرين أو الأنظمة. بقليل من تحمل المسئولية، وشحذ الهمة الداخلية، تسكن الروح في الجسد، ويندمج الفرد مع أسرته ومجتمعه، متحملاً مسئولية حياته، ناشراً للحب والعطاء. تعرض الكاتبة أيضاً مفاهيم مختلفة عن الحياة لنراها بطريقة مختلفة. بطريقةٍ تجعل من الحياة متعة بدل أن تكون همّاً نتحمل مسئوليتها بغير وعي. فالعمل من قلبٍ محب للنفس والحياة يصقل الحياة، وتزيد ذبذبات السعادة، ويتوازن المرء مع أحداث حياته الإيجابية والسلبية. هي ليست منهجاً، إنما نظرةٌ بعين أُخرى ربما تضيف للقارئ زاوية معتمة لم يفكر بها، أو لعلها تقول له هناك من يشاركه نفس الفكر والمنطق. وليس هناك صوابٌ أو خطأ، إنما هي خيارات متعددة.
Languageالعربية
Release dateJan 28, 2021
ISBN9789948256168
سكون الروح: قليلٌ من فكرٍ وكثيرٌ من الحب
Author

Zainab Alrustamani

- مهندسة معمارية حاصلة على الماجستير في نفس التخصص ببحث عن تأثير التغير المناخي على التنمية الحضرية. - مهتمة في التنمية الذاتية والغوص في أعماق النفس والحياة. - مؤمنة أن التغيير هو أساس العيش في الحياة، والعودة إلى الإنسانية المتأصلة في دواخل كل فرد حق أصيل لكل إنسان، وهي تجربة فردية يعيشها كل إنسان على حدة وفق القيم التي يرتضيها لحياته.

Related to سكون الروح

Related ebooks

Reviews for سكون الروح

Rating: 5 out of 5 stars
5/5

1 rating0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    سكون الروح - Zainab Alrustamani

    سكون الروح

    قليلٌ من فكرٍ وكثيرٌ من الحب

    زينب الرستماني

    Austin Macauley Publishers

    سكون الروح

    زينب الرستماني:

    الإهـداء

    حقوق النشر ©

    شكر و تقدير

    مقدمة

    زاد البدء

    أين يُعبد الله

    الوعي معرفة وإدراك

    الوعي بالنفس

    الوعي بالجسد

    الوعي بالعلاقات

    خواطر فكرٍ من وحي الحياة

    الحب

    المرأة

    الزواج و تكوين الأسرة

    الأبوّة

    الأبناء

    إدارة الخلافات

    الطلاق

    الميراث و الوصية

    قراءة في المنهج القرآني للحياة

    أصناف الناس

    بدء الخلق و اختبار الإيمان

    خطابات الله للذين آمنوا

    موسى و الاصطناع الإلهي

    إن إبراهيم كان أمَّة

    كان الناس امة واحدة

    أنت قائد حياتك

    نحن من نغير قصتنا

    زينب الرستماني:

    linew

    مهندسة معمارية حاصلة على الماجستير في نفس التخصص ببحث عن تأثير التغير المناخي على التنمية الحضرية.

    linew

    مهتمة في التنمية الذاتية والغوص في أعماق النفس والحياة.

    linew

    مؤمنة أن التغيير هو أساس العيش في الحياة، والعودة إلى الإنسانية المتأصلة في دواخل كل فرد حق أصيل لكل إنسان، وهي تجربة فردية يعيشها كل إنسان على حدة، وفق القيم التي يرتضيها لحياته.

    الإهـداء

    إلى ابنتي الجميلة

    { هند }

    نور حياتي

    إلى ابني

    { عمر }

    صديقي في الطريق

    إلى ابني

    { راشد }

    روحي المرحة

    إليكم أهدي ما أفهمني الله

    فأنتم نور كوني..

    حقوق النشر ©

    زينب الرستماني (2021)

    تمتلك زينب الرستماني الحق كمؤلفة لهذا العمل، وفقاً للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948256175 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948256168 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب:MC-10-01-6869227

    التصنيف العمري:E

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقاً لنظام التصنيف العمري الصادر عن المجلس الوطني للإعلام.

    الطبعة الأولى (2021)

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    202 95 655 971+

    شكر و تقدير

    أبي الغالي وأمي الحبيبة، شكراً لقبولكم اختياري لكما لآتي للحياة من خلالكما، وتحملكما مسؤولية تربيتي وإعطائي نموذجاً حياً للحب المطلق المتقبل لاختياراتي المغايرة لاعتقاداتكم بكل حب وقبول واحتواء

    أبنائي الغوالي، شكراً لاختياركم لي أماً ورفيقة لكم في هذه الحياة الطيبة الجميلة، شكراً لأنكم أنتم كما أنتم.

    شكراً لكل فرد قابلته وسوف أقابله في هذه الحياة.. شكراً لك أنت ولكِ أنتِ يا من قررتم أن تقتنوا هذا الكتاب.. شكراً لكل فرد في الكون؛ لولاكم جميعاً ما كان الحب وما كانت الحياة بكل أوجهها.

    شكراً لوجودكم الجميل في هذا الكون بكل اختياراتكم وأقوالكم وأفعالكم.. شكراً لزينب التي أحبها بلا شروط كما هي.

    مقدمة

    يحدث أن تستيقظ يوماً، وتكتشف أنك وسط حلم لا تدري متى بدأ أوله وكيف سيؤول آخره. مشاكل جسدية، أحداث حياة مبعثرة، فقد عزيز أحسست بعده بالضياع، ابن مريض، علاقة حب فاشلة، عمل غير مرضٍ، أمواج تلاطمك من جميع الجهات...

    لحظتها لحظة القرار المصيري، إما أن تستسلم وتعود للنوم حيث تعتقد أنك أعلى ممَّن يشبهونك من البشر المسؤولين مسؤولية تامة عن تقصيرهم تجاهك، أو أن تقرر أنك أنت المسؤول عن حياتك، وأنت وحدك القادر أن تغير القصة وتحدد مآلات الأمور.

    إن قررت أن تستيقظ، فها هو العالم الواسع الجميل يفتح أبوابه لك. ذلك الكون المسخَّر لخدمتك؛ فهو مقدِّرٌ لك شجاعتك ومستعد لدعمك. لأن العبء والمسؤولية أصبحتا أعلى وأكبر على عاتقك، إلى أن يستيقظ من حولك معك. حدد مسؤولياتك وامضِ في حياتك.

    استيقظت يوماً، وما سمعت غير صراخ داخلي أسمعه أنا فقط، وعندما تشجعت وتكلمت أدركت أن صوتي لا يُسمع، أو يُفهم بغير ما أردت أن أوصله، فعشت صمتاً خارجياً وضوضاء داخلية. ففهمت الصامتين الذين بين طيات عقولهم يعيشون، وبنبضات قلوبهم يحبون ويكرهون، وبين تأرجح مشاعرهم يتقلبون، وفي عالمهم الفريد ينطوي عالمهم الأكبر.

    بين خوف ورجاء، حب وكره، ومشاعر متضاربة نختار أن نعيش بحذرٍ تارة، وبحب تارة أخرى. وحدهم من قرروا الحياة اختاروا أن يعيشوها بأوجهها المختلفة. هم من سمحوا لأرواحهم أن تزهر وتزدهر من خلال هذا الجسد ليعيشوا الحياة في نفوسهم، ويجسدوها في واقعهم. هم من صبروا على تلك البذرة، حموها بأنفسهم، ورووها بدمائهم، وزكُّوا أنفسهم وتفاعلوا مع الحياة بصبر وروية وقبول.

    هم من عرفوا أن كل ما يرون من صنع أنفسهم وأفكارهم وأفعالهم فتحملوا مسؤولية حياتهم. هم من أرادوا الفردوس فبنوها في قلوبهم وتجلت في واقعهم بعد حين.

    تحية لكم، فأنتم من صنعتم ذلك الكون الجميل بصمتكم المهيب، عندما قررتم أن تواجهوا حياتكم وتتقوا، وتزكوا أنفسكم، وعدتم للحياة لتختبروا تلك التجربة، وتكونوا مشكاةً يهتدي بها الضالون بطيب عشرتكم وحسن معاملتكم وعمق نواياكم وشمولية رغباتكم. كنتم أنتم من بنيتم سفن النجاة ليلحق بكم من يرتجي النور.

    في حياة متطورة متسعة مفعمة بالحرية الفردية والتناغم الكلي تطل علينا أرواحنا لتطمئنَّ على وجودنا. لتُخرجنا لبرهة خارج تلك المتاهة التي نعيشها، وترينا صورة أكبر حُجبت عنا، أو اخترنا طواعية أن نحجبها. تأخذنا تلك الروح طوعاً أو كرهاً. أياً كان فذلك نور الله في قلوبنا يريد أن يزيح عنا ظلمة الدرب.

    لا أدّعي أني أقدم منهجاً علمياً أو رأياً قاطعاً أو قانوناً كونياً؛ كل ما أعرضه فكرة بُذرت في لحظة حبٍّ وأنا في رحلة الحياة أعيشها؛ كما تأتي تارة، وكما أريد تارةً أخرى. أراقبُ بذرتي وهي تشق طريقها في الحياة بذلك النور الخافت؛ علّ تلك الكلمات تأخذ بيد أحدٍ كردِّ جميل للحياة التي مدت لي يديها، وأعطتني من خيراتها، وسخرت لي من المعلمين الكثير ليأخذوا بيدي في عزِّ الظلمة ليروني ما لم أرَ.

    تلك البذرة التي أحببت أن أسقيها بلحظات النور التي ينيرها الله لي. شاكرة لكل الشجعان من المعلِّمين والمؤثرين والملهمين الذين التقيت بهم في تلك الرحلة، وسألتقي بهم في المستقبل. فكلنا في ذلك النسيج أحباب الله، متحابون داعمون لبعض.

    هي الروح المشتاقة إلى الدور الذي اختارته أن تكون يوماً على هذه الأرض. وما أجمل أن يتصل كل منا بروحه. فالكون باتساعه يشملنا جميعاً متحابين، متآخين، منسجمين مع قلوبنا وأفكارنا وأجسادنا الخاصة، متناغمين في علاقاتنا وظروفنا.

    ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير.

    تمنياتي لك عزيزي/ تي برحلة ممتعة

    زاد البدء

    قبل بدء أي رحلة، نتزود لنستطيع البدء والإكمال. زادي تساؤلات بسيطة خفيفة تُعِينُ على الاتصال بذلك النور فتزيد وهجه.

    عندما استيقظت، انتبهت لنداءات عديدة لم تطربني يوماً عند نومي، نداءات العدالة والمساواة، نداءات وقف العنف ضد المرأة والأطفال والرجال، نداءات المساواة في الأجور، نداءات تغيير الحكومات، نداءات لتحسين مستوى المعيشة، وما أكثرها من نداءات تدعو إلى التغيير الخارجي الملحِّ.

    كلُّها تتحدث عن هناك، المكان أو الوضع الذي نعتقد أو نفترض أن نكون فيه، لم تزدني إلا توتراً وصراعاً داخلياً وإرهاقاً وشعوراً أعمق بالمظلومية. نعم هي مطالب جميلة وبرّاقة في الظاهر، وهي حقوق مشروعة وطبيعية ليس لأحد المطالبة بها إنما عيشها. أدركتها عندما بدأت رياحي بما لا تشتهي سفينتي ففقدت اتزاني وأضعت بوصلتي وتخبطت خياراتي وبدأ عالمي بالتهاوي.

    فتساءلت: (إذا كانت حقوقاً مشروعة، فكيف لي أن أصل لها من هنا؟ أولى المحاولات كانت محاولات الهروب من هنا بطرقٍ شتى، ولم أنتبه إلا عندما وصلت إلى هنا نقطة الصفر بعد كل تجربة هروب وكأنها دوامة لا تنتهي. هل فعلاً أنا بين اليقظة والمنام؟).

    لا بأس، لا زال في العمر بقية.. على الأقل تلك التجارب علَّمتني الكثير، فقررت أن أتحمل مسؤولية عودتي إلى هنا مراتٍ عديدة، والسماح لنفسي بالنمو مع كل تجربة للوصول إلى هناك. في المنتصف ربما عَلِقْتُ في احتمالات عديدة أذكر بعضها هنا بين طيَّات هذا الكتاب، أسلِّطُ الضوء على بقعة النور التي أضاءت طريقي علّها تنير الدرب لمن تشابه طريقي معه، فطريق الحياة الطيبة واحد، والوصول إلى ذلك الطريق بعدد أنفاس البشر.

    لكُلٍّ منا طريقه الخاص، نتشارك جميعنا في رب واحد. ومهما اختلفنا في تبنِّي الحقائق المتغيرة، يبقى الله هو الحقيقة الوحيدة، هو القوة المسيطرة على كل الكون وقوانينه الثابتة. آمنا بذلك أم لم نؤمن، فنحن من نقرر ما نؤمن به.

    وأنا قررت أن أومن أن طريق حياتي الطيبة يبدأ من قراءة وتطبيق منهج الحياة الطيبة؛ قرآننا العظيم.. فمن خلقنا تعالى لن يتركنا بدون بقعة الضوء التي تنير دربنا. إذا كان لنا كتيّب استخدام، فكتيّب استخدامي وتعاملي مع الحياة هي كتب الله السماوية من قرآن وإنجيل وتوراة؛ لأني أومن أن كل تلك الكتب منزلة من ربٍّ واحد، ودين الله هو الإسلام بكل دياناته. وكوني غير مطلعة على الإنجيل والتوراة ولست بعالمة في علم الأديان، أقتصر في البحث عن إجاباتٍ لتساؤلاتي في القرآن الكريم. ذلك الكتاب الذي جمع بين طياته الحل لجميع ما نواجه من تحديات.

    ****

    هل نعيش بلا ذنب؟

    عندما عصى آدم ربه بدأت حياته. كانت الجنة ملكه، يتمرغ في خيراتها كيفما يشاء. كان له فيها ألّا يجوع ولا يعرى، ولا يظمأ ولا يضحى. له كل الخيرات ما لم يظلم؛ والظلم هو العمل المنهي عنه. والظلم في تلك الحالة هي القرب من تلك الشجرة التي لا نعلم ماهيتها نحن، وعَلِمَها آدم وإبليس؛ فكان الظلم هو سبب الخروج من الجنة، والغواية بتزيين الممنوع طريقاً للخروج من تلك الجنة. فأغواه إبليس ليظلم ولم يفعل شيئاً غير الغواية، فذلك دوره، وهو بريء من أن يحرِّك جسم آدم ليفعل ما منعه الله من فعله. فليس له عليه سلطة أو قوة في تحريك الماديات.

    وكان الله أعلم بآدم، وأدرى بضعف نفسه، فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه. سبحانك يا ألله! أنت من تُعصى وأنت من تُلقي الكلام وأنت من تتوب وتعطي فرصاً عديدة. كان ذلك الهبوط المهيب ليكون فرصة ثمينة لرسم الحياة مرة أخرى كما يريد بهدي من الله سبحانه. وماذا بعد ذلك الهدي؟ لا خوف ولا حزن.. ثقة تامة بمعية الله، بقوة عظمى تدير الكون، ثق أن مالك الكون يمسك بيدك، فلا يخيفك بشر ولا جان ولا شيطان.

    فلك الحق بخوض تجارب حياتك، ولك الحق في الاختيار وعليك تحمل مسؤولية خياراتك كلها، فلك حق الحياة فعشها بسلام مع نفسك والكون بكل ما فيه من مخلوقات تراها أو لا تدركها فهي موجودة برغم قصور إدراكك.

    قِسْ على ذلك أحداث حياتك؛ فكل شيء تراه وتختبره هو من صنعك. إن كنت في جنة ورغبت بغيرها فلك ذلك. لك أن تعصي قوانين جنتك فتكون النتيجة إخراجك منها أو الخروج منها طواعية بغية اكتشاف غيرها فلك ذلك. فأنت من صنعت كل شيء تمر به، فاحذر أن تلومنّ غيرك، ولا تخف من الذنب. فكلنا ذوو ذنوب عديدة، فالحياة هنا لنذنب ونستغفر ونتوب ونعمل صالحاً ونعود لنذنب ونكمل الدائرة تلو الأخرى. فلا تفزع، فنحن في دوائر الحياة نتعلم ونجرب ونرتقي.

    ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٥٣﴾

    [الزمر: 53]

    نعم، هو الله الذي يغفر كل ذنوبنا، واطمئن، الخطاب موجه لجميع البشر؛ عباد الله الذين أسرفوا على أنفسهم، فلا تذهب نفسك على أحد حسرات وتريد أن تدخلهم الجنة والنار بخوفك عليهم، فمن فضل الله علينا أن جعل الحكم عنده سبحانه، فاعمل على نفسك واتصل بربك.. كن دوماً بخير...

    هل نعيش بلا حلم؟

    أتساءل دوماً: ما الذي يبقينا على قيد الحياة؟ ما المعنى الذي نعيشه؟ هل نحن مخيرون أم مسيرون؟ لماذا نعيش في بؤس أو نعيم؟ لماذا لا نرى استمراريةً فيما نحب؟ لماذا نحن موجودون من الأساس؟

    الكون مليء بمليارات الكواكب، إن كنا مخيرين، لِم لمْ نختر كوكباً لكل منا يعيش عليه لوحده؟ لِم وُجدنا على ظهر هذا الكوكب ونحلم بإيجاد غيره لنعيش عليه؟ لِم نحب فيقتلنا الحب؟ ولَم نبغض من يحب أن يسعدنا؟ أسئلة تدور في ذهني إلى أن بدأت أن أحلم.

    أحلم بمدينة أفلاطونية فاضلة، حيث الداخل مثل الخارج، والمستور مثل الظاهر. سهولة وسلاسة ونظام وحب، جنة تمرُّ في الخيال اليقظ لكنها لا توافق الواقع ولا حتى أحلام المنام.

    عندما بدأت سلسلة أحلام اليقظة، عشت في عوالم مختلفة، عالم أحلام اليقظة وكمالها، عالم الواقع وازدواجيته، وعالم المنام المتخبط وعالمي الخاص الذي أعيش فيه بيني وبين نفسي، أكلمها وأحادثها، وألاطفها وأصاحبها تارة، وأشدُّ عليها وأخاصمها تارة أخرى.

    أدركت حينها أن العوالم كلها موجودة في داخلي، وما أحب أن أراه في عالمي ممكن رهن إشارتي، ما إن أقرر أن أعيش حياة أصنعها بوعيي ويقظتي فلي ذلك. إما أن اعتزل وأعيش وأبني عالمي الوردي في خيالي وبين طيات كتبي خلف شاشة جهاز آلي أُظهر فيه ما أحب أن أكون عليه، أو أعيش الواقع كما هو وأتأقلم معه في دائرة راحة لأعيش أحلام غيري، أو أعيش حلمي واقعاً بخطوات صغيرة ثابتة أتعلم من تجاربي وأرى الحياة بمناظير مختلفة كما هي هناك وليست كما هي في خيالي.

    بخطواتي الصغيرة قررت أن أعيش حلمي رويداً رويداً.. من يدري؟ ربما يأتي يوم أعيشه هنا كاملاً كما هو هناك في عالمي الافتراضي.

    بين هنا وهناك، وحتى يتجلى الواقع، أنا أعترف وأقر وأتحمل مسؤولية الواقع الذي أنا عليه الآن في هذا الزمان والمكان؛ فالعصا السحرية تغير الواقع في عالمٍ موازٍ لا يعترف بالزمن، ومدى تجلي ذلك الحلم يعتمد على عمق جذوري وقوة أجنحتي وقبولي التام لكل ما حدث لي حتى هذه اللحظة. فلن يختفي أحد أو يموت لأنني لا أحب وجوده، ولن تتغير القوانين الأرضية لأنها لا تعجبني، ولن تتوقف الأرض عن الدوران والشمس عن الشروق والغروب لحزني أو سعادتي. فأنا مسؤولة عن حلمي وواقعي وليس أحلام غيري وواقعهم.

    اِحلم، فلا ضير في الحلم، واسألوا الله من فضله؛ فإنه قريب مجيب الدعاء. حدد رغباتك واستمتع برسم تفاصيلها، فرغباتنا المجتمعة بطاقتها الحركية هي التي تصنع عالمنا الذي نريد. بفضلٍ من الله أعيش العالم الذي أريد في كل لحظة وكل عائقٍ يواجهني ما هو إلا درسٌ أتعلم من خلاله أن أستمتع أكثر وأحيا أكثر، أنا وكل من حولي. وكلما ازددت حياةً حقيقية، اتسعت دائرة حقيقتي وأسقطت أقنعتي رويداً رويداً، فلا حاجة لي بها في عالمٍ يقبلني كما أنا وأقبله كما هو فالحب يشمل كل الوجود.

    ﴿وَلَو أَنَّهُم رَضوا ما آتاهُمُ اللَّـهُ وَرَسولُهُ وَقالوا حَسبُنَا اللَّـهُ سَيُؤتينَا اللَّـهُ مِن فَضلِهِ وَرَسولُهُ إِنّا إِلَى اللَّـهِ راغِبونَ ﴿٥٩﴾

    [التوبة: 59]

    ****

    أنا و البحر

    للبحر عشق خاص، حلمت يوماً أن أكون جاره، وأخوض غماره، وأستكشف كنوزه، وأركب أمواجه، وأطفو على سطح حنانه. رسمته في خيالي صورة جميلة، حتى قرّبني منه لأعرفه.

    ما إن جاورته حتى عرفته أكثر، فهو تارة هادئ وديع، وتارة غضوب كاسر. أحببت هدوءه، وفزعت من ثورته. قالوا أنه يحب من يحبه ويبتلع من يهابه، ويحمل من يثق به. بمجاورتك عرفت الفرق بين الخيال والواقع، فبين الخيال والواقع عالم يعلِّمنا كيف نعيش دواخلنا بمشاعرنا وأفكارنا وردَّات أفعالنا. خِفْتُ مراتٍ عديدة وأنا أراك هنا.. تخيَّلت نفسي في وسطك وفي عمقك.. عايشت مشاعر عديدة، ما علمتني إياه بقربك صنع فيَّ الكثير.

    هناك في عمقك، لا مجال للخوف؛ فالخوف موت محتم، وفي المنتصف يجب أن تختار بين ترك الحياة فتودعك روحك أو تقرر أن تعيش فتستسلم لقيادة روحك المتحدة مع كل شيء في الكون، المتصلة بالخالق والأبدية، فتدخل في سبات تقوم بعده وكأن ما عشته حلماً تقرر بعده أن تعيش كينونتك فتسكن روحك.

    اختيار الحياة يُلزمك الاستسلام التام للبحر وهيجانه فيُكسبك لطفه، ليحملك عائداً إلى بر الأمان فقط لأنك استسلمت له وقررت الحياة، ليعطيك فرصة أخرى لتتعلم لغته وتتصالح معه؛ فما هو إلا جزء من ذلك الكون بكل حالاته، سواء أعجبتنا تلك الحالات أم لم تعجبنا. فهو مرآة لنا، نرى فيه ما نراه في أنفسنا.

    ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٦٣﴾

    [الأنعام: 63]

    شكراً أيها الجار، ما عدت أخشاك، وكلي شوق لاكتشاف كنوزك.

    اللهم ألهمني شكرك وحسن عبادتك والطف بنفسي وخلقك ما حييت؛ فمن غيرك إلهي يصنعنا ويربينا. ربِّ اصطنعنا لنفسك، وحدِّثنا دوماً، فبغيرك إلهي لا نحيا ولا نهتدي ولا نعلم.

    ****

    الملائكة و الشياطين

    راقبت نفسي وأحوال الناس من حولي، لاحظت صفة ربما قد تكون مشتركة بيننا، وربما أكون قد أخطأت في تقديري. لاحظت أننا نشترك في وصف أنفسنا بالصفات الملائكية وغيرنا بالشياطين. لاحظت أننا ننعت غيرنا بالسوء من وراء ظهورهم وفي حضرتهم يتحول الحديث معهم لحديث ملائكي. نجتهد لنظهر كاملين خالين من العيوب والنقص، مستعدين لإسداء النصائح في أي وقتٍ، متبرعين بلا طلب.

    هل هي طبيعة بشرية، أم أننا نخاف على مشاعرهم إن واجهناهم؟ أم نخاف على أنفسنا من الهجوم العكسي؟ هل هو نفاق أم فطنة وذكاء اجتماعي؟ أم خوفٌ من قول الحقيقة أو سماعها؟

    تشجعت يوماً وقررت أن أعبِّر عن وجهة نظري معززة فكرتي بآراء فريق العمل في سلوك شخص وأعماله التي تؤثر على سير العمل في حضرته بعيداً عن أعين الناس، وأقيِّمه وأتيح له مجال الحديث لأرى الموضوع من وجهة نظره؛ ونتحاور لنصل إلى حل لذلك الموضوع الذي كنت أعتبره معضلة، وبعد أن قمت بدوري في التبيُّن والسؤال والتقصي؛ تفاجأت بسيل الأعذار واتهام الغير لتبرير موقفه وحماية مركزه! ذُعرت من كمية الخوف الذي يحمله قلبه، وكمية الاستغراب من حجب الحقائق التي شهدتها بعيني، ووصلت إلى تغيير أقوالي على لسانه أمامي. احتضنت روحه وتوقفت عندها عن النقاش لأفكر بطريقة أخرى لأتحمل مسؤولية الموقف، وأرى الأمر بشكلٍ أعمق من سطحيته المُحيِّرة. عدت لأرى ما الذي أفزعني وهزني في العمق.

    رفقاً بقلوبنا وقلوب جميع الخلق؛ فكلنا بشر كغيرنا، كلنا يمشي بأقنعة مختلفة ليحمي وجوده، ويحافظ على ملائكيته. لسنا ملائكة خالصين، ولا شياطين كاملين؛ كلنا خليط بينهم، نعمل على تغذية الجانب الذي نريد. فما نغذيه يكبر فينا. ولا بأس أن نرى ونُري غيرنا وجوهنا المختلفة الحقيقية الملائكية والشيطانية بلا أقنعة بين الحين والآخر. فلطفاً بقلبك وقلوب غيرك، فكل منا يؤدي دوره، فركز على دورك.

    رب اجعل لنا من دعاء عبدك ذي النون نصيباً..

    ﴿ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾

    [الأنبياء: 87]

    ****

    كوكبك الخاص

    لكل منا عالمه الخاص. وعلى غرار الكوكب 612 في رواية الأمير الصغير للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري أنشأت في خيالي كواكب عديدة ألجأ إليها، منها كوكب 167 وكوكب 367 وكوكب 679 وكوكب 922 وغيرها من الكواكب. في تلك الكواكب بذرت أحلامي وسقيتها وتعهدت برعايتها كل يوم.

    في كل منها أشخاص مختلفون، نعيش معاً حياة جميلة، فيها ما يناسب قاطنيها، من حب مطلق، وبيئة داعمة للنمو واهتمام ورعاية.

    أعود إليها عندما تلاطمني أمواج الحياة؛ لأعود إلى سكينة قلبي، وأعاود الاتصال بروحي. فتحملني الأمواج بكل رفق وثبات وهدوء إلى بر الأمان؛ لأتعلم كيف أتخطى انزعاجي، وأتعلم كيف أتعايش مع هذه الأرض بتناغم جميل مع كل من يقطنها ويعيش عليها.. فهنا في قلبي الساكن تكون الحياة.. هنا كوكب الوجود، حيث الجذور تضرب عمق الأرض، والأغصان تطال عنان السماء.

    وأهم شيء أنني امتلكت العديد من الكواكب دون أن أدفع شيئاً...

    صُنع الواقع يبدأ بفكرةٍ وحُلم وشجاعة في التنفيذ، وصبرٍ على ما لم تحط به خُبراً، مع الاستمرار والمصداقية والنزاهة بينك وبين نفسك، وبينك وبين دوائر دعمك ومجتمعك.

    أنت من تصنع حلمك، والأحلام متاحة لك رهن إشارتك، وأنت من يصنع عالمك.

    اسمح لنفسك بالنمو، وزر كواكبك بين الفينة والفينة.

    ****

    أبناء الحياة

    رحم الله جبران الذي أُلهِم مقولة: أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها. جرَّبْتُ مرَّةً أن أعيش ابنةً للحياة. اتخذت قرارات استخدمت فيها قلبي لاتخاذها، وعقلي في ترجيحها، وتوكلت على الله في تنفيذها. واعتقدت أن بلوغي سن الأربعين شفيعاً لي لأقول لنفسي وللكون: أنا ابنة الحياة المشتاقة إلى نفسها.

    في غمرة عزفي للحن الحياة اصطدمت بجدار الواقع. خُيّرت بين حياة ملونة لا تُشبهني بكل ما فيها من رفاهية وأمان وقيود، وبين إيماني بحق حريتي بتجربة الحياة. أبت روحي إلا أن تمضي بثبات نحو الحياة، فعَقَدْتُ وثيقة صلحٍ بين نفسي والحياة، والخضوع لشروطها لأبدأ عملية شفاءٍ روحيٍّ عميقة، لأستعيد نفسي، وتدبُّ روح الحياة فيَّ من جديد، بقناعات تناسب واقعي الذي أريد، متناسقة مع كتيِّب استخدام ذلك الكيان المسمى إنساناً، مُكِنَّةً كل الاحترام للقوانين والأنظمة الموجودة. وما إن يبدأ المرء الطريق، يظهر له المعلمون والداعمون. فلا يأس مع الحياة، وما إحساسنا بالظلم إلا ضعف في دواخلنا. فلنسمح لأنفسنا بشفاء ضعفنا بالحب.

    فهأنذا، ابنة الحياة المشتاقة لنفسها، المشتاقة لوجودي، منكِ خرجت وإليك أعود.

    ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ﴿٥٥﴾

    [طه: 55]

    ****

    اصمت أيها العقل

    تكاثرت الدعوات إلى إيقاف العقل وعمليات التفكير. جرَّبت ذلك مراراً، بالتأمل تارة، وبالحركة تارة، وبالنوم تارة أخرى؛ فأدركت أنني اخترت عقلاً لا يهدأ. رجوته أن يصمت فأبى. فما كان مني إلا أن أتعايش معه، وأفهم لغته وأعرف كيف أعقد معه عقد تبادل منفعة يستفيد كلٌّ منا من الآخر فنفوز كلانا.

    راقبته فترة، أوهمني أنه يعلم ما أنا بحاجته.. أوهمني أنه كل القصة، وأن الكون يقبع فيه.. لاحظت قدرته الهائلة على الخيال والتحليل والربط والفبركة، وأدركت محدوديته.

    فها هو يمنطق كل شيء، ويختزل كل شيء بمحدوديته! فعرفت كيف أتعامل معه، وأقنعته أنه جزء لا يتجزأ من الكون، وهناك أمور فوق مستوى الفهم...يجب أن أفسح له المجال ليتجلى في حياتي بدون تفكيره المفرط.

    وها هو الآن صديقي الحميم، أغذِّيه بما أشاء من قناعات وأفكار، وأُبرمجه بما أشاء من برامج تشغيلية وأوامرَ تُنفّذ تلقائياً؛ فيقوم بدوره في التحليل والتفكير والابتكار لحمايتي وحماية قلبي؛ لأقوم بدوري بالاتصال بالله مصدر كل شيء، لأتصل برسالتي ورغباتي لأقوم بدوري.

    ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴿١٢﴾

    [النحل: 12]

    لا تُسكتوا عقولكم، فقط أعيدوا توجيهها، فهي حارسكم الأمين، ومخترعكم الذكي.

    ****

    الوقت المناسب

    كم كلمة أبيتَ أن تنطق بها انتظاراً للوقت المناسب، وكم من فعل تأخَّرْتَ بفعله انتظاراً للوقت المناسب، وكم من حياة تأخرت في عيشها انتظاراً للوقت المناسب؟ أيها الوقت المناسب متى تشرفنا بحضورك؟ جعلناك شمَّاعة نلقي عليها عبء تكاسلنا عن المضي، وخوفنا من اقتحام الحياة، وحماية لقلوبنا وتغطية لوجودنا.

    تُرى، كيف سنرى الوقت المناسب ساعة رحيلنا؟ هل هو شعورٌ بالندم لتفويت الفرص؟ أم حزن لانتهاء الوقت؟ أم هو ترى شعور بالخلاص لعدم فائدتنا؟ هل ستفرح الحياة لرحيلنا؟ أم ستبكينا افتقاداً لنا؟

    هي حياة واحدة، وكل الوقت مناسبٌ لعمل ما نحب أن نقوم به.

    أيها الوقت، عذراً لانتهاك خصوصيك، فأنت مناسب كل لحظة...

    أدركت حينها أن الوقت وَهْم نحن من صنعناه، بدل من أن نستخدمه أداة لتيسير أمورنا وترتيب أوقاتنا وتسهيل تعاوننا.

    فكما جعل الله لكل صلاة ميقاتاً ثابتاً، نظِّم أعمالك في مواقيت معلومة، وأدِرْ حياتك مع شروق الشمس وغروبها؛ لتستفيد من ذلك الوقت المسخر لك؛ فدقائق يومك إن رحلت لا تعود.. تأكد أنها ترحل وأنت حاضرٌ فيها.

    ****

    الاختيار و تحمل مسئولية حياتنا

    هل أتينا للدنيا طواعية أم أُجبرنا على الوجود فيها وعيشها؟ هل نحن ضحية الظروف والمجتمع والأهل أم نحن من اختار كل ذلك. هل نحن مخيرون أم مسيرون؟ في لحظات السعادة، كل تلك الأسئلة ليست لها أي أهمية كوننا منغمسون في الاستمتاع بالعمل الذي نقوم به مع من نحب. تطفو تلك الأسئلة الحائرة عن لحظات الضعف أو القهر أو انعدام الحيلة أو الألم العميق، وكلٌ منا حسب معتقده يعيد توازنه ويبدأ باتخاذ القرارات التي يعتقد أنها تناسبه ليصحح من وضعه أياً كان وتحت أي برمجة كانت.

    كل قرار واختيار نرسمه في حياتنا هو ما يُشكِّل حاضرنا ومستقبلنا. أنماط قراراتنا ترتبط بشكل كبير بطريقة تفكيرنا سواء الواعي منها أو غير الواعي. الموضوع كبير ومتشعب تحدث عنه الكثيرون. وكلنا نعيش تلك الأفكار والمشاعر، ونتائج حياتنا هي ما تُرينا حصيلة تلك القرارات.

    ما أدهشني في تجربتي الشخصية فكرة تحمل مسئولية كل ما يحصل لي منذ أن خُلقت ولا أدري متى خُلقت فعلمه عند الله حتى هذه اللحظة. تلك الفكرة حررت نفسي من سيطرة عقلي. فالعقل يحمينا بطريقة أو بأخرى. والعقل جهازٌ فعّال جداً تمّت برمجته ويتعامل مع الحياة بتلك البرمجة ليحقق رغباتنا التي أودعناها أو أودعها الله فينا أياً كانت، فتلك أفكارنا ونحن من نقرر أن نحولها لواقع يُعاش أم تكون أسيرة لعقولنا. الخيار لنا.

    ماذا عن قرار وجودنا نفسه؟ نعلم أن الله أوجدنا، فماذا قال سبحانه عن تلك الوجودية...؟

    ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴿١٧٣﴾

    [الأعراف: 172- 173]

    التفاسير كثيرة، كلها تؤكد على وحدانية الله، حذرنا الله في تلك اللحظة من أن نشرك به سبحانه، وحذرنا من تقديم أعذار الغفلة أو تحميل آبائنا أو المبطلين منا وزر ذلك الشرك. هؤلاء هم نحن في وعي آخر جمعنا الله وأشهدنا وأخبرنا. هؤلاء هم نحن الذين نسينا ونعيش هذه الحياة الآن بكل أبعادها التي ارتضيناها لأنفسنا.

    الله هو الأعلم بنا، لكن فكرة أننا اخترنا أدوارنا في الحياة واخترنا أوضاعنا من أهل وآباء وإخوة وأرض نولد عليها وأسماءنا وقرارات ظاهرياً لم تكن تحت تصرفنا كان لها وقع جميل لدي، وأعطاني دفعة قوية لتحمل مسئولية حياتي والتوقف عن إلقاء اللوم على غيري. أدركت

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1