Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

اللحظة صفر: سلسلة ابن الفوضى, #1
اللحظة صفر: سلسلة ابن الفوضى, #1
اللحظة صفر: سلسلة ابن الفوضى, #1
Ebook613 pages4 hours

اللحظة صفر: سلسلة ابن الفوضى, #1

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

لا تخف ما هذه إلا رواية عابرة وسوف تنتهي

 

شخص مجهول، غير معلومة أهدافه، غير واضحة وسائله، يقوم بعملية غسيل دماغ معقدة لعدد من الضحايا بالتعاون مع امرأة كانت سابقاً قد جُندت للعمل ضده، فمن منهم الذي نجح في غسل دماغ الآخر؟!

ما بين إسرائيل، أمريكا، سوريا، العراق، مالطا، تركيا، يخوض الاستثنائيون حرباً استثنائية، لم تسمع بمثيل لها من قبل.

هذا ما ستتعرف عليه في أحداث هذه الأولى من سلسلة روايات ابن الفوضى.



أحداث هذه الرواية حقيقية، أو ربما غير حقيقية

الأمر يعود لتفسير معنى الحقيقة لديك

او ما سوف يغدو عليه

 

أقدر تماماً أن وقتك ثمين، صدقني، أنا أكثر من يعلم.

لهذا كنتُ حريصاً ألا تكون هذه مجرد رواية تقليدية، عادية، للتسلية أثناء شربك فنجان قهوتك الصباحي.

لعلي أريد بها إثارةَ ذلك الجنون داخلك، الذي قيل لك دوماً، أنه سيكون سبباً في نبذك، وطردك، خارج القطيع.

 

بحث عنه البشر عبر آلاف السنين من تاريخهم، وقد أجابوا عليه كلَ مرة، على الرغم من أنهم لم يجيبوا ولا مرة، السؤال الأعظم والأكثر منطقية والأكثرُ غموضاً بين الأسئلة الوجودية كلها!

ماذا كان قبل أن يكون أي شيء؟ كيف نشأ كل شيء؟ ما هو الزمن صفر؟ ما هي اللحظة صفر؟ ما هو اللاشيء؟

 

إلى كل المنطوين على ذاتهم، المنعزلين الغرباء عن مجتمعاتهم

إلى كل المجانين، في نظر من حولهم

أنتم من يحدث الفارق

Languageالعربية
Release dateNov 10, 2022
ISBN9798215143674
اللحظة صفر: سلسلة ابن الفوضى, #1
Author

Ahmad I. Alkhalel

I want to stir up that madness within you, who you have always been told, would be the cause of your ostracism, and your expulsion, out of the herd. When I was a child, I made sure to write down all my concerns, wishes, and aspirations, which were not always childish, or perhaps even so childish, that would occur only to a child who was naive enough of his peers, and then I burned this paper, believing that this would make my words merge with the whole universe so that it, in turn, could react to them as it sees fit. Since then, I have lived a life that may not be successful to the standards of many people today, but it is very exceptional, and the difference between success and exception is a thorny dilemma, with a slight difference. Every exception is a success, but not every success is an exception, at least this is how I see things from my own perspective. And the problem with exceptional people is, that many people are not qualified to see success behind their exceptions. If we wanted to group people according to their academic success, every few million of them would be grouped into one group, and for me, my goal in this life was not to be in a crowded group. In my opinion, the real success lies in the memoirs. If you ever decide to write your own memoirs, do you think that it will be exceptional from the rest of the memoirs of millions and millions of people crowding into your group? You own the answer.

Related to اللحظة صفر

Titles in the series (4)

View More

Related ebooks

Related categories

Reviews for اللحظة صفر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    اللحظة صفر - Ahmad I. Alkhalel

    الإهداء

    نظنّ أن حكاية كلُ فردٍ منّا تبدأ في مرحلة ما من مراحل حياتنا، وأنّه على منعطف ما، ونتيجة حادثةٍ ما يتحوّل الأشخاص الهامشيون على صفحات الحياة إلى عظماء مؤثرين.

    الحقيقة أن الحكاية تبدأ يوم ولادتنا، فنحن نُصنَع من عوامل عديدة، ليس فقط البيئة والأسرة والأصدقاء، أو ما نسمعه ونراه، بل عوامل أخرى ربما تكون أشدُ تأثيراً، قد لا تراها ولا تسمعها، ولكن في مرحلة ما ستشعر بها، لتعلم أنّ كل ما أصابك كان لا بد أن يصيبك، ليشكّل ما أنت عليه الآن. فالحتمية فرضت كلمتها وانتهى.

    إلى كل المنطوين على ذاتهم، المنعزلين الغرباء عن مجتمعاتهم

    إلى كل المجانين، في نظر من حولهم

    أنتم من يحدث الفارق

    كلمة الكاتب

    عندما كنت طفلاً، حرصت على كتابة كل همومي، أمنياتي وطموحاتي، التي لم تكن طفولية دائماً، أو ربما كانت على ضخامتها طفولية لا تخطر إلا على بال طفل فاق بالسذاجة أقرانه، ثم أحرق هذه الورقة، لاعتقادي بأن هذا سيجعل كلماتي تندمج مع الكون كله، ليقوم بدوره بالتفاعل معها بما يراه مناسباً.

    منذ ذلك الوقت عشت حياة قد لا تكون ناجحة على مقاييس كثيرٍ من البشر اليوم، ولكنها استثنائية جداً، والفارق بين النجاح والاستثناء معضلة شائكة، يفصل بينهما شعرة، فكل استثناء نجاح، إلا أن ليس كل نجاح استثناء، على الأقل هكذا أرى الأمور من منظوري الخاص. ومشكلة الاستثنائيين تكمن، أن كثيراً من الناس، غير مؤهلين لرؤية النجاح خلف استثنائهم.

    فلو أردنا أن نفرز البشر على مجموعات حسب نجاحاتهم الأكاديمية، لصنفنا كل بضعة ملايين منهم في مجموعة واحدة، وهدفي في هذه الحياة، كان ألا أكون في مجموعة مزدحمة.

    في نظري، النجاح الحقيقي، يكمن في المذكرات، فلو قررت يوماً أن تكتب مذكراتك الخاصة، فهل ترى أنها ستكون استثنائية عن باقي مذكرات ملايين وملايين البشر المتزاحمين في مجموعتك؟ أنت من يجيب!

    عندما سألني أحدهم كم من الوقت احتجت لكتابة هذه الرواية؟! كان جوابي واضحاً وصارماً ولا مجال للنقاش فيه، استغرق مني الأمر أربعين عاماً، كما سوف يستغرق كل أمرٍ آخر سأفعله في هذه الحياة، ابتداءً من طريقة تدخيني لسيجارة، وحتى قراراتي المصيرية.

    ويبقى السؤال الشائك

    من كتبها؟

    بكل صدق لا أعلم، كل ما أتذكره كان قراري بكتابة شيء ما، ويدي، أصابعي، وحتى عقلي، كانت مجرد أدوات للكتابة والتعبير، حالها حال جهاز الحاسب الذي استخدمته، أما الكاتب، فهو شيءٌ أو شخصٌ لا أعرفه، قابعٌ داخلَ جسدي يحاربني للخروج من سجنه، فأساومه على بضعِ كلمات تعبر عنه، كنت كفنانٍ تشكيليٍ تائه، لوحته أمامه وريشته بيده لكن أفكاره مبعثرة، لا يعلم كيف يصلها ولا كيف يبدأ، لكن حواسه تبدأ بحياكة نسيجَ أفكارِ ذاك القابع عميقاً داخله، وتترجمه، ليصنع أكثر اللوحات تعبيراً.

    كل سطرٍ كتبته لم أعلم شيئاً عما سيليه! حتى إنني فوجئت ببعض الفصول وتفاعلت معها، تماماً كما ستتفاعل أنت، فقد كانت جديدة عليّ كما هي عليك، وفي بعض الأحيان كنت أقف مذهولاً لأستوعب ما كتبته، أو لأفهم الترابط الذي كنت قد اكتشفته تواً بين الشخصيات.

    هذه الرواية، كانت منجزة سلفاً في داخلي، لا محالة، فقد كُتبت دفعة واحدة، كانت موجودة مسبقاً، أما تفريغها على ورقٍ، فقد استغرق بعض الوقت، أعبرُ بها عن جزء من استثناء أرى أنني عشته في حياتي.

    لا يمكنني تأكيد أحداثها أو نفيها، رغم أنها قد تكون حدثت بالفعل، بكل تفاصيلها، ما يجزم الأمر هو منظور فهمكم للحقيقة، قد تكون حقيقية تماماً، أو مجرد وهمٍ وخيالاتِ حالمٍ، الأمر يرجع لماهية الحقيقة لديك، أو ما ستغدو عليه.

    أقدر تماماً أن وقتك ثمين، صدقني، أنا أكثر من يعلم.

    لهذا كنتُ حريصاً ألا تكون هذه مجرد رواية تقليدية، عادية، للتسلية أثناء شربك فنجان قهوتك الصباحي.

    لعلي أريد بها إثارةَ ذلك الجنون داخلك، الذي قيل لك دوماً، أنه سيكون سبباً في نبذك، وطردك، خارج القطيع.

    أخيراً، في أثناء كتابتي لكلمة الكاتب، لم أكن أحمل جهاز الحاسوب خاصتي، لذا استعنت بجهاز قريبتي ثم التفت إليها قائلاً، هذه محاولتي الأولى للتعبير عن شيءٍ عشته وعلمته. في حال شعرتي بالسرور، الفخر، الاستثناء، يوماً ما، أن كلمة الكاتب كُتبت على جهازك هذا، فسيكون هذا مؤشراً هاماً لمواصلة ترجمة ما يريد قوله ذلك المنبوذ، المجنون في داخلي، على شكلِ روايات.

    أحمد أ. الخليل

    المقدمة

    بحث عنه البشر عبر آلاف السنين من تاريخهم، وقد أجابوا عليه كلَ مرة، على الرغم من أنهم لم يجيبوا ولا مرة، السؤال الأعظم والأكثر منطقية والأكثرُ غموضاً بين الأسئلة الوجودية كلها!

    ماذا كان قبل أن يكون أي شيء؟ كيف نشأ كل شيء؟ ما هو الزمن صفر؟ ما هي اللحظة صفر؟ ما هو اللاشيء؟

    آه، نعم لقد وجدنا الجواب، هي نقطة في السماء، هناك بعيداً، انظر إليها، لقد درسناها وفهمناها وحللناها وبتنا قادرين على فهم كل شيءٍ جاء بعدها، إنها البداية يا عزيزي، التي بدأ منها كل شيء، سواء كان حولك أم لا، أسترح أيها المُنهك.

    وعلى حين غرةٍ ينتفض الفكر بذات السؤال، ولكن من أين أتت تلك النقطة؟

    وبعد بضعِ مئاتٍ من السنين والتطور والتقدم....

    آه، وجدنا الجواب، علمنا من أين أتت، أخطأ أسلافنا. لقد جاء كل شيءٍ وأتت هي من نقطة أصغر منها وأبعد منها، انظر هناك، لقد درسناها وحللناها وفهمناها وبات كل شيءٍ واضحاً، استرح أيها المُنهك.

    ثم يعاود الفكر انتفاضته بذات السؤال، ولكن من أين أتت النقطةُ الأصغر؟

    وبعد بضع آلاف من السنين....

    آه، وجدنا الجوابَ الحاسم، إنها ذرةٌ صغيرةٌ، أصغرُ من كل شيءٍ عرفناه، انفجرت بطاقةٍ هائلة، فوُلِدَ الكون، تمدد، توسع، وسوف يستمرُ بالتوسع حتى تنفذ طاقته، ثم سينكمش على ذاته ويُسحق، أو سيتوسع ويتمدد حتى يتجمد، وفي كلتا الحالتين سيموت، وما بين الولادة والموت، نشأت الحياة، وجدت طريقها من باب الصدفة.

    ثم ينتفض فكرٌ مشاكسٌ، لا يفهم شيئاً في الفيزياء ولا تعقيداتها، لم يدخل مختبراً كيميائياً يوماً، انتهى قبل برهة صاحبه من وجبةِ غداءٍ دسمة، متكئاً على أريكته غيرَ مبالي، لينسف كل فرحةِ اكتشافنا ويعيد السؤال ذاته، حسناً ولكن أين كانت الذرة؟

    -كانت في الفراغ يا مشاكس

    -آه... إذا من أين جاء الفراغ؟ ومن أين أتت الذرة؟

    لحظة!! ومن أين أتت الصدفة؟

    وبعدها وقبلها.....

    لقد وجدنا الجواب، انه الله، الذي خلق كل شيء، كان وما زال وسيظل، أرح عقلك طويلاً، انتهى البحث.

    ثم فجأة يسأل أحد المجانيين، ولكن من أين جاء.....

    اصمت، أنت تكفر بالله الذي خلقك، لا يوجد نقطة بدأ منها كل شيء، ولا حتى ذرة. هذه الأسئلة خارج حدود قدرتنا على التفكير، لا تجاري العلماء ولا الفلاسفة، هذا كفر، يا كافر، اصلبوه، احرقوه، اقتلوه.

    وحين تنتهي مراسم الصلب والحرق، يصحو أحدهم من سكرته الهمجية، ونشوة العقل الجماعي، ويتساءل ...

    أأحرقتموه لأن السؤال خارجَ حدود تفكيرنا؟ ولكن كيف فكر فيه إن كان خارج حدود التفكير! لماذا يعطينا الله القدرة على التفكير في مسألة لا يريد منا البحثَ فيها؟

    ويضيف مجنونٌ آخر، الله يعلم كل شيء، وهو من أعطانا قدرة العصيان، إذاً لماذا يخلقنا ويعطينا هذه القدرة على عصيانه، ثم يعذبنا على ذنب قد علم قبل خلقنا أننا سوف نقترفه؟ فلو سألني الله قبل أن يخلقني، هل أخلقك بشراً بقدرتك على العصيان، أم ملاكاً لا قدرة له على عصياني، لاخترت الثانية، كلنا لاخترنا الثانية.

    ولكن كيف سيسألني وهو لم يكن قد خلقني بعد؟ لا يهم، هو الله قادرٌ على فعل هذا، لماذا لم يخلقني ملاكاً؟ ما ذنبي انا!

    منحني القدرة على اتخاذ القرار؟ حسناً انا لا أرى هذه إلا نقمة، وقراري هو أني أرفض قدرتي على الاختيار، وأنا غيرُ مسؤولٍ عن أي ذنبٍ اقترفه بعد الآن، لا أريدها. كنت سأختار كوني ملاكاً غير قادرٍ على العصيان، أطير هنا وهناك في ملكوت الله بين الكواكب والنجوم، أُسبح بحمده وشكره طوال حياتي، الطويلةِ جداً.

    أليس من العدل أن يكون لدي القدرة على اختيار ماهيتي؟ فمقدرتي على اتخاذ القرار قد تنتهي بي لجنةٍ ونعيم أو لجهنمٍ وجحيم، وقد قررت أنني لا أريد المخاطرة، لا أريد هذه القدرة، لا أريد جميع ملذات بني الإنسان، المباحة منها والمحظورة، لا أريدها كلها، أريد أن أصبح ملاكاً وهذا قراري، فلمَ المخاطرة بالمكوث في الجحيم يوماً واحداً؟

    لحظة! ....

    الاختيار؟ القرار؟ هل أنعم الله عليّ بسلبي القدرة على عصيانه من قبل! في حياةٍ سابقةٍ ربما؟ وقد فعلت هناك أشياءً جَعلتْ من حياتي هذه لوحةً مرسومةً مسبقاً؟ ولكن ماذا حدث هناك؟ وكيف وصلتُ إلى هنا؟ ما الذي اقترفته، حتى عُوقِبتُ بمنحي القدرة على عصيان الخالق؟

    اصلبوا الثاني والثالث والرابع والعاشر... احرقوهم، هذه الأسئلة محرمة عليكم، ستقودكم إلى الجنون، أو الكفر بالله.

    ولكن هل سبق وسُمح لنا بالتفكيرِ في هذه الأسئلة، حتى نجد الإجابات وهل وجد أحدهم الإجابات من قبل ثم كفر؟ نحاول دوماً جعل السؤال متشبثاً بالأديان حتى نتهربَ من الإجابة عليه، الإجاباتُ مختلفة كلٌ منا على نهج دينه، القناعاتُ مختلفة، لا إجابةٌ مقنعة، لا إجابةٌ من الأساس...

    توقف عن هذه الأسئلة الوجودية فهي إحدى مراحل اللاتوازن النفسي المؤلمة! توقف عن افتعالِ هذه الفوضى الفكرية.

    الفوضى الفكرية هي ألا تعرف إجابةً لهذه الأسئلة، ثم لمَ قلت الفوضى! ألم يرتب الله كل شيء في ملكوته اللانهائي؟ وأفكاري جزء من هذا الكل؟ فكيف أسميتها فوضى؟

    بعد برهةٍ من الزمن، وآلاف مراسمِ الصلب والحرق، يصمت الجميع، الألم لا يطاق، هذه الخلايا الحسية تعذبنا، تستعبدنا، لو أن عقلي توقف عن معالجتها أو الاستجابة لها، أو تجاهل إشاراتها العصبية ببساطة، لما خفتُ من النتائج، ولما توقفت عن البحث عن إجابة.

    الألم؟ لماذا لم يتعلم العقل التحكم به عبر آلاف السنين من التطور!، هذا العقل في هذا الجسد، أكثر الأجهزة المعروفة تعقيداً عجز عن إيجاد آليةٍ بسيطة، بسيطةٍ جداً، للتحكم في عملية نقل الإشارات العصبية، ليجعلها أقلَ ألماً إذا اقتضى الأمر.

    هل عجز العقل عن إيجادها حقاً؟ أم أنه تعمدها مع سبق الإصرار والترصد؟ هل هو مبرمجٌ لجعلنا نخاف الألم؟ هل الألم ما يحدد حدودنا التي لا يمكننا تخطيها بسبب الخوف من العقاب أو الشعور بالألم؟ أليس الأمر نابعاً من داخلنا؟ هل منحنا الله القدرة على العصيان والقدرة على الشعور بالألم حتى يحقق التوازن؟

    آه... مبارك لكم، لقد اكتشفنا للتو أصولكم...

    مبارك لكم أيها القردة، الأذكى.

    لا لم نثبت شيئاً، ولكن هذه الهرطقة تستحق أن تكون نظرية، لم نثبتها أصلاً ولم نقترب حتى، ولكنها تستحق الجوائز! أولاً وأخيراً يجب علينا إيجاد إجاباتٍ ونظرياتٍ تشبع شهوة الهامشية لديكم حتى وإن كانت لا تصدق.

    أيها الرجعيون المتدينون المتخلفون! اختلقتم فكرة الله من بنات أفكاركم، كيف تنكرون أصولكم، لولا الحمض الأميني، لولا صعقة البرق تلك، لولا الصدفة والحظ، لما كان لكم وجود.

    حسناً يا سيدي، ولكن عذراً، من أين أتت صعقة البرق تلك :)

    أكتفي بهذه المقدمة، وقبل بداية الفصل الأول سأنقلك مباشرةً إلى النهاية، نهايةٌ قبل البداية، فرصةٌ ذهبية علك ترح نفسك من عناء المضي في قراءة قصة أبطالها ثلةٌ من المتخبطين والمرضى النفسيين، ولكن قبل اتخاذ قرارك بالتوقف، وأرجح أن هذا ما سيشجعك عليه عقلك، أو ربما يفرض رأيه بأن يأمر جسدك أن يقوم بإفراز بعض هرمونات الضيق أو ما يشابهها، لمَ لا؟ أليس هو من يسيطر على كامل جسدك، فكر للحظة، ماذا لو...

    ماذا لو كان عقلي هو ألد أعدائي؟

    النهاية

    الفصل الأول. أوراق الشجر

    وقف أطفال الحي في أحد أزقةِ مدينة الخليل القديمة في فلسطين، ليس بعيداً عن المسجد الإبراهيمي، حيث مقامات أنبياء الله إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوب وزوجاتهم. يراقبون بسخرية ذلك الرجل الثلاثيني العربي، تعلو محياهم ضحكاتِ الاستهزاء الطفولية. فهذا غريب الأطوار، واقفٌ منذ أربعِ ساعاتٍ أمام شجرة الزيتون، منهمك في شيءٍ هام، يحرك أصابعه على أوراقها تارةَ، يضعُ شريطاً على غصنٍ، ثم ينتقل للغصن التالي.

    لقد دأب موسى منذ أيامٍ على تكرار هذا المشهد بصورةٍ منتظمة، يقف ساعاتٍ طوال أمام شجرةِ زيتونٍ، يختار من بينها أكبرها، وبلا كلل ولا ملل، يبدأ بعد أوراقها.

    لم يفهم أهالي الحي ما أصابه! شابٌ يافع رزينٌ ذكي، أسمر البشرة، طويل القامة، مفتول العضلات، يقضي أغلب وقته بين عمله ونادي بناء الأجسام، مرتبط، وزواجه قريب، ناجحٌ مهنياً، موظفٌ في إحدى شركات العلاقات العامة المرموقة، إذا تحدث اقنع وإذا صمت تعلم.

    فجأةً دخل في عزلته، أغلقَ على نفسه باب بيته، بالكاد يراه أحد.

    وبعد أشهر بدأ يخرج، بشرته شاحبة، منهك، تعب، كأنه بقي في عزلته ألف عام. كلُ شيءٍ فيه منهك إلا عضلاته المفتولة، وكأنه يملك نادي لبناء الأجسام في منزله.

    لعله أصيبَ بمسٍ شيطانيٍ، يقف ساعات وساعات لا يفعل شيئاً إلا عد أوراق الشجر! يهمس بصوت خافت وحازم، سأستهلك كل ما تبقى لديك، أنا السيد هنا. هل تتألم؟ أطعني إذاً...!

    بعد ساعات طوال، يقف للحظة، لقد نسيت! أين وصلت بالعد؟ لمَ نسيت؟ تباً لك، تتلاعب؟

    ثم يحل جميع الأشرطة، ويبدأ من جديد. وهذه المرة بلا أشرطة، فضلاً عن عدد الأوراق فستتذكر جميع الأغصان المنتهى من عدها بلا علامات.

    وسنعلم من منا أصلبُ رأساً وأعند رأياً.

    الفصل الثاني. مفتاح التطور

    على ضفاف نهر البسفور في إسطنبول، يتلألأ متحف التوب كابي، بجوار كنسية أيا صوفيا وعلى مرمى حجرٍ من مسجد السلطان أحمد، يضم المتحف عدداً من أعظم تراث المسلمين، بضع خصلاتِ شعرٍ قيل إنها لنبي الله محمد، وعددٍ من مقتنياته الشخصية.

    وقف روبرت ويل طالب الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتقنية في ممرٍ ضيق في أحد أبنية المتحف عائداً بخياله قرنٌ ونصف القرنِ من الزمان، موجهً كلامه لرداءٍ أصفر اللون، عباءةٌ عربيةٌ قديمة، وضعت في صندوقٍ زجاجيٍ كبير مُحكم الإغلاق، يحيط به أكثر أنظمة الإنذار حساسية في العالم، عباءة ثمينة جداً، قيل أنها تعود لنبي المسلمين محمد.

    ينظر لها بكل وقار، متسائلاً: كيف عرفت أن هذا ممكن الحدوث؟ قبل قرن ونصف! كيف علمت بذلك!

    شابٌ في منتصف العشرينيات من عمره، طويلُ القامة، نحيلُ الجسد، أبيض البشرة، أزرق العينين، شعر بني ووجه مستدير، خليط من الأعراق، أبٌ إنجليزي، أمٌ يهودية بولندية، يشببها كثيراً، بينما العناد وصلابة الرأس؟ فهذا إنجليزيٌ لا محالة.

    لم يثنه كونه ابن أحد سماسرة العقارات عن اختيار المجال الأكاديمي، فقد شغفته الفيزياء حباً، ففي طفولته اعتاد مراقبة الغيوم وحركتها الفوضوية، النجوم وأشكالها، مواقعها، المسافات بينها، وجد في الفيزياء مجالاً من الخيال لا متناهياً في التفكير والبحث المستمر عن إجابات، ليس بالشيء الجديد فالإنسان بطبعه يمجد ما يثير فضوله.

    وعلى الرغم من دراسته لإدارة الأعمال تحقيقاً لإرادة والده، ثم تخبطه بين رغبته في جعل الفيزياء جزءاً من حياته ومساعدة والده في عمله، إلا أنه تمكن أخيراً من تحقيق حلمه بالالتحاق في معهد ماساتشوستس للتقنية في مدينة كامبردج شرق الولايات المتحدة الأمريكية. واحدٌ من أرقى المعاهد في العالم، إن لم يكن أرقاها، تخرج منه أعظم علماء الفيزياء في القرنِ العشرين، وأكثر نتائج أبحاث الفيزياء بشاعةً، القنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناجازاكي.

    لأي شابٍ، فالدراسة هنا حلمٌ بعيدُ المنال، فبالنظر لمصاريف المعهد السنوية التي تقارب ال 60 ألف دولار أمريكي، ومثلها لمصاريف السكن الخاص والمعيشة، روبرت كان محظوظاً جداً، فهو واحدٌ من ألف طالب فقط تم قبولهم، من أصل 22 ألف طالبٍ تقدموا للالتحاق بالمعهد هذا العام.

    أشارت الساعة إلى الثانية عشر والربع ظهراً حين خرج من المتحف، سار في زقاقٍ صغير نزولاً نحو المدخل الرئيسي لحديقة غولهانه القريبة، جلس في مقهاها المجاور لسورها التاريخي.

    كانت هذه الحديقة ملحقة بقصر التوب كابي في عهد سلاطين الدولة العثمانية، مخصصة لحاشية السلطان وحريمه، زوجاته وجواريه، لهذا فالباب الوحيد من القصر الذي كان يمكن وصولها منه هو باب مبنى قصر الحريم، هذا قبل أن تقوم الحداثة بعملها على أكمل وجه، وتحول أكثر الأماكن حرمة للسلطان إلى مزار للسياح وتفتح أبوابه من كل اتجاه.

    نظر مطولاً إلى قائمة المشروبات ثم طلب فنجاناً من القهوة التركية.

    -مشهدٌ غريبُ أن يحتسي أجنبياً هذا النوع من القهوة! أتاه صوت النادل مع نظرة استغراب ممزوجة بابتسامة ودودة، وهو يسجل الطلب.

    -ودون أن يلتفت: هو المشروب القومي هنا، صحيح؟ أودُ تجربته.

    -ضحك النادل: من قال لك هذا؟

    -نظر إليه: اسمه؟ ألا يكفي؟

    -بنظرةٍ تخفي وراءها سخرية، أجابه: لا يا سيدي، اسمها القهوة التركية، لكنها تُزرع وتستورد من البرازيل، وهي بمثابة مشروبٍ قوميٍ عند العرب، إن أردت تجربة مشروبنا القومي فعليك بكأسٍ من الشاي التركي، أنا على يقينٍ أنك لم تتذوق مثله من قبل.

    -أثارت جملة النادل الأخيرة حفيظته: الشاي؟ هل تعلم أني إنجليزي! هل تذوقت الشاي الإنجليزي من قبل؟

    النادل: بالتأكيد، لكن عليك تجربة الشاي التركي قبل أن تتعجل بالحكم يا سيدي.

    روبرت: ربما لاحقاً، الآن دعني أجرب مشروب العرب، فيبدو أن حكايتي معهم ما زالت في بدايتها.

    قادماً من مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب عاصمة إسرائيل، هبطت به طائرة الخطوط الجوية التركية في الساعة الثانية عشرة وأربعون دقيقة من ظهر اليوم السابق.

    سارع الخطى، لم يطق صبراً، أراد الوصول إلى ساحة السلطان أحمد في قلب إسطنبول القديمة، القسطنطينية. أنهى إجراءات القادمين، خرج إلى باحة المطار، استقل سيارةَ أجرة، إلى ساحة السلطان أحمد.

    السائق: ما اسم الفندق يا سيدي؟

    روبرت: أريد الذهاب إلى متحف التوب كابي مباشرة

    -هل تود زيارة المتحف؟

    -نعم

    -ولكن أخشى ألا يسعفك الوقت لزيارته اليوم، فأبوابه تغلق في تمام الساعة الثالثة عصراً.

    نظر إلى ساعته، أشارت إلى الثانية والخمس دقائق عصراً، أخرج من جيبه هاتفه النقال، فتح تطبيق الحجوزات الفندقية وأظهر عنوان الفندق للسائق، في وسط الساحة التي تعج بعشرات الفنادق القديمة الصغيرة، ذات الغرف الضيقة، فالسكن هنا في أكثر الأماكن اكتظاظا بالسياح في تركيا، مكلفٌ جداً.

    انطلقت سيارة الأجرة، أحاطت التلال الخضراء بالطريق من كل جانب. كان قد أجرى بحثاً سريعاً عبر الانترنت عن هذه المدينة، قبل أن يحسم أمره بأن عليه زيارتها ومقابلة أحدهم.

    ماذا أفعل هنا؟ ما الذي أصابني؟

    قبل شهر حين كلمته أمه هاتفياً من لندن، كان جالساً برفقة زميلته كريستين في مقهى فوربس العائلي في معهد ماساتشوستس، يخطط لإجازةٍ تمتد لأسبوعٍ كامل، وكيف سيستغلها لاستدراج هذه الفيزيائية الحسناء للوقوع في فخ علاقةٍ جادة.

    كريستين فتاة خجولة، ذكية، طاقتها نحو الفيزياء لا تنضب بقدر غموض الكون، أعتقد أن التعبير يكفيها حقها، حاصلة على منحةٍ خاصة للالتحاق بالمعهد، نظراً لتفوقها الأكاديمي، من عائلة كاثوليكية محافظة من أصول أيرلندية هاجر أجداها لولاية كاليفورنيا في القرن التاسع عشر.

    الخجل في المرأة سمة باتت نادرة، ولكن ما زال لها ذات التأثير القديم على الرجل، فلا شيء في هذه الدنيا يثير الرجل نحو المرأة كخجلها. عيناها الزرقاوان الصافيتان وكأنهما السماء في نهار يومٍ ربيعيٍ مشمس، كبحر من السكون يقبع خلف نظارتها ذات الإطار الأسود، شعرها الذهبي وبشرتها البيضاء، قوامها المعتدل، وجسدها الممتلئ، تنظر إلى فنجان قهوتها مرة، وإلى المخرج مرتين قبل أن ترمقه بنظرةٍ سريعةٍ خاطفةٍ خجولة.

    آخر ما كان يتوقعه، هو شيءٌ يقطع روعة هذه اللحظة، لكن أحياناً تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. وصله اتصالاً هاتفياً من شخصٍ لا يمكنه تجاهله، استأذن منها وذهب بعيداً بضعَ خطواتٍ.

    روبرت: مرحباً أمي، كيف حالك

    الأم: بخير، سأذهب إلى تل أبيب في نهاية الأسبوع، هل لديك ارتباطات؟

    -ضحك وقد فهم مقصدها: وما دخل ارتباطاتي في مخططاتك للسفر؟

    -بنبرة الموبخ: هل ستأتي معي أم تدعني فريسةً للمتعصبين؟ أبوك مشغولٌ في عمله، في الحقيقة هو دائماً مشغولٌ عن القيام بأي واجبٍ ديني.

    -حسناً لا داعي للحديث بهذا الموضوع مجدداً، للأسف لدي موعدٌ في نهاية الأسبوع، ربما عليك تأجيلها.

    - وهل هناك موعد أهم من موعدٍ مع الله؟

    - سنلتقي في تل أبيب، أرسلي لي موعد وصول طائرتك

    لم يكن له أن يرفض طلب أمه لزيارة حائط المبكى في أورشليم القدس، فهي يهودية متدينة، أما أبوه، ورغم كونه من عائلةٍ مسيحةٍ متدينة، إلا أنه يعبد العقارات أكثر من أي شيءٍ آخر.

    فمنذ سُمح للنساء بالصلاة عند الحائط في عام 2013 بقرارٍ رسميٍ صادر ٍعن المحاكم المختصة في إسرائيل، دأبت أمه على فعل ذلك، رغم جميع الانتقادات والرفض وبشكل خاص من التيار اليهودي المتشدد الحريديم والذي تسبب بأعمالِ شغبٍ وصل في بعض الأحيان للتهجم على النساء المصليات.

    لهذا ما كان ليترك أمه تذهب وحيدة، ليس الآن على الأقل، ففي زيارتها الأخيرة تعرضت للبصق والتهجم من المتشددين، كادوا يقتلونها، وما كان ليغضبها وهو يعلم كم من الجهود بذلت مؤخراً في إقناع أبيه على مساعدته في دفع تكاليف الدراسة الباهظة في معهد ماساتشوستس.

    وسط هذه الأجواء من الفوضى الدينية، وجدت حياتهم الأسرية سبيلها للاستمرار، فالحب يصنع المعجزات، أو هكذا يقولون، وهو يعلم أهمية زيارة حائط المبكى بالنسبة لها، فلا بد أن أمه المنتسبة لجماعة نساء حائط المبكى لديها ارتباطات هامة، فقد كان لها دور فاعل وهام في نضالهم المستمر منذ عام 1988 للحصول على قرارٍ رسميٍ بالسماح للنساء بالصلاة عند الحائط. وقد حرصت منذ طفولته على اصطحابه معها إلى أورشليم كعادة جميع اليهوديات، فالمرأة اليهودية تورث دينها لأبنائها.

    عاد إلى مقعده يجر أذيالَ الخيبة

    -كريستين أعتذر لدي ارتباطٌ هام في نهاية الأسبوع، لن نتمكن من الخروجِ سوياً

    كريستين متعجبة: عفواً؟ هل كنا قد اتفقنا مسبقاً على الخروجِ سوياً في نهاية الأسبوع؟

    احمرّ وجهه، تصبب عرقاً، تباً لي، لا يوجد بيننا اتفاق على أي شيء! لقد أراد الخروج معها حتى أنه توهم أنه قد طلب هذا وقد قبلت!

    -أعتذر، لم أقصد هذا، تلعثم ثم أضاف: كل ما قصدته أنني كنت أنوي فقط، وددت، فقط أردت،....

    قاطعته: لا عليك، هل استجد لديك شيء؟ ارتباطٌ مفاجئٌ ربما؟

    روبرت: نعم، اسمعي، أود الاعتذار أنا لم أقصد...

    قاطعته مجدداً: لا عليك يا روبرت

    احمر وجهها خجلاً، ثارت رجولته، تأججت مشاعره، حين قالت: في الحقيقة أنا غير منزعجة أبداً.

    لم يكن صعباً على فيزيائيةٍ بذكائها أن تفهم ما خلف نظراته لها، يتفحصني كلما جلسنا، ينظر إلى أدق تفاصيلي كلما أشحت بنظري عنه، شفتاي، رقبتي، كتفي، نظرات ملؤها الشغف والرغبة، هي خجولة ولكنها أنثى، لن تفشل في الإحساس برغبات رجل نحوها، وهذه أحد أهم نقاط قوتها التي ورثتها عن أسلافها نساءُ العصرِ الحجري.

    تشيح بنظرها عنه، ولكنها ما زالت تراه، فالمرأة ترى محيطها بنظرة شاملة أوسع مما يراه الرجل، تلتقط مستشعراتها المخاطر، المشاعر، الرغبات المكبوتة، أضعاف ما يمكنه ذلك.

    يكفي أن تقف أمام خزانة الملابس ودون أن تحرك رأسها أو عيناها، ترى جميع محتوياتها، تجد ضالتها في ثانية، في حين على الرجل أن يحرك عيناه ورأسه وربما معظم أعضائه بالإضافة لجميع حواسه ليتمكن من إيجاد ما يبحث عنه، وفي الغالب يفشل في ذلك.

    هكذا طور عقلنا هذه القدرات الجسدية، عبر آلاف السنين، كلما دعت الحاجة، فحاجة الرجل كانت التركيز على سهمه وفريسته، فتطورت رؤيته الأمامية، صار أكثر تركيزاً، في حين أن حاجة المرأة هي حماية المسكن والأطفال من المخاطر، فتطورت نظرتها الشاملة لترى محيطها بشكل أوسع من الرجل. هكذا برمج عقلنا نفسه، وعلى هذا النهج طور قدراتنا.

    ما ليس له حاجةً به يتركه أو يهمله حتى يذبل ويموت، وما يتهيأ له أنه بحاجته، يبقيه، يعززه، ويقويه.

    الضرورة، هي كلمة السر ومفتاح التطور.

    حتى الرياضيون يدركون هذا جيداً، ففي صالاتِ بناء الأجسام يرفعون الأوزان تدريجياً، لإجبار عقولهم على تغذية وبناء العضلات، وطالما أنهم ما زالوا يتألمون في رفع وزن ما، فإن عقولهم تدرك أنهم بحاجة للمزيد من القوة العضلية، ليتمكنوا من التعامل مع هذا الوزن بلا خطر، فيبدأ العقل بتدعيم العضلات بالبروتين، بالتالي تقويتها وزيادة حجمها، بل إن لم يجد البروتين الكافي في النظام الغذائي، قام بتخليقه.

    وكلما أصبحت العضلات أقوى، وأصبح حمل الوزن على المتدرب أكثر سهولةً، قام بزيادته، ليبدأ العقل بتقوية العضلات أكثر للتعامل مع الوزن الجديد. وإذا توقف عن زيادة الأوزان، تجمدت العضلة عند القوة والحجم الكافي لحمل الوزن الحالي.

    مبدأ الإهمال والاستعمال، ما له حاجةً يبقى، وما ليس له حاجةً يفنى.

    ولكن حاجةَ موسى مؤخراً أثناء ذهابه لصالة بناء الأجسام لا تكمن في تحفيز العقل على تلبية الحاجات العضلية.

    بل أسبابه كانت أكثر عمقاً وخطورةً وجنوناً....

    وحاجة من منا!...

    الفصل الثالث. يوم الصلاة

    -حسناً يا سيدي، هل تريدها سادة؟

    -عفوا؟ سادة؟

    هذه أول مرة يسمع بها هذه الكلمة، كلمة عربية يستخدمها الأتراك كذلك، تعني بلا إضافات، وعندما يتعلق الأمر بفنجانِ القهوة، يصبح المعنى بلا سكر.

    اعتذر النادل: أقصد هل تريدها بلا سكر يا سيدي.

    -نعم

    عجت الحديقة أمامه بالورود من مختلف الأنواع والألوان، بروائحها الزكية، ينشر عبقها الطمأنينة والراحة لمن حولهم، وتحت ظلالِ أشجارها المعمرة الشاهقة، بين حدائق الورود اختلط البشر من مختلف الأعراق والأديان، اتخذت منها آلاف الطيور مسكناً لها، صوت تغريدها يُنازع صوت أغصانها في تمايلها مع نسمات الرياح، ما أطيبَ هذه القهوة، بل ما أطيبَ أي شيءٍ هنا. وعلى بعد أمتار منه، سار العشاقُ أسفل قوسٍ من الورود امتد لبضعة أمتار، تذكر كريستين، ليتها معي الآن.

    جدوله اليوم حافل، فعليه لقاء الشيخ رسلان.

    الشعب التركي في غالبيته مسلمٌ، من أتباع المذهب الصوفي، وأغلب هذه الغالبية يتبعون الطريقة النقشبندية، وبصورة أكثر دقة، النقشبندية الخالدية والتي أخذت اسمها من خالد البغدادي الذي توفي في القرن التاسع عشر.

    لطالما فكر بهذا التشعب والتشظي، وفعلاً هو

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1