Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

لعنة زينب: سلسلة ابن الفوضى, #3
لعنة زينب: سلسلة ابن الفوضى, #3
لعنة زينب: سلسلة ابن الفوضى, #3
Ebook453 pages3 hours

لعنة زينب: سلسلة ابن الفوضى, #3

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

بعد الأحداث المشوقة في الرواية الأولى "اللحظة صفر" والثانية "الطائفة" من سلسلة روايات ابن الفوضى، بات لزاماً معرفة هذا بطلها المجهول أكثر، فما قصته؟! من أين هو؟ وكيف أصبح الرجل القادر على التلاعب بالآخرين بهذا الشكل؟! 
ولمعرفته جيداً لا بد من معرفة تاريخه، ليس منذ مولده فقط، بل حتى قبله بمائة عام وأكثر، هذا ما نكتشفه في هذه الرواية.
ما بين اللعنات الفرعونية، والأصول التركية العربية، سر خطير قَدم الرجال أرواحهم قبل عشرات السنين في سبيل الحفاظ عليه، تولد قصة عُنف وجنون صنعت حالة استثنائية.

 

في هذه الدنيا فالبدايات تقرر مصيرك، وفي كثيرٍ من الأحيان، يُصنع الأبطال من بداياتٍ غايةً في الغرابة، خليطٌ من القسوة والألم، والضياع.
فلا تهتم لما كنت عليه، ولما أنت عليه اليوم، المهم هو ما ستكون عليه غداً.

 

هذه الرواية، على الرغم من أنها ضمن سلسلة روايات ابن الفوضى، إلا أن أحداثها ليست في مكان حيث تجري الكثير من أحداث السلسلة، وحتى ليست في زمانها، بل قديم جداً للوراء على خط الزمن الوهمي، حيث البداية، التي كان لا بد منها، لتصنع بطلها، لحظة على نسيج الزمن، لا يمكننا تجاهلها.

فإذا كنت من المعجبين بشخصية بيبرس في رواية اللحظة صفر، ومتشوقاً لمعرفة باقي قصته في رواية اللحظة بيبرس، خاتمة هذه السلسلة، حسناً يا صديقي، بات من حقك أن تعرف من هو، ولمعرفة الإنسان جيداً، لا بد أن تعرف تاريخه، ذلك الذي كان قبل مولده بعشرات السنيين.

فالبدايات تقرر مصيرك، شئت أم أبيت، وما فات، لم يمت، ولك كامل الحق، في معرفة الأسباب التي جعلتك ما أنت عليه اليوم، حتى تلك التي بدأت قبل مولدك بمائة عام، أو أكثر.


*** كلمة الكاتب ***

 

لا، لم أكن نائم ليلة الأمس في لحظة سلام نادرة، ولم يأتني ذلك الصوت في داخلي، ويأمرني بالنهوض وكتابة رواية جديدة.
ولست أجهل من هو هذا القابع داخلي، الذي يستخدمني لكتابة روايات لا أعلم شيئاً عن فحواها وأحداثها، بل أحسب أنني بت أعرفه جيداً.

فالأمر لم يعد بحاجة لكل هذه الإثارة والغموض بيني وبينه.


لقد توطدت العلاقة حقاً، فروايتان سابقتان كفيلتان بتجاوز كل البروتوكولات المملة.

لقد تم تجهز ملف بعنوان لعنة زينب، قبل انتهاء رواية الطائفة، الرواية الثانية من هذه السلسلة، ورغم أنني لم أكن أعلم ما ينوي كتابته، وما زلت أجهل حتى اللحظة ما يريد، إلا أني بت أثق به تماماً، وبت أعلم يقيناً، أنه رغم خلو رأسي الآن من أي أفكار أو أحداث يمكن كتابتها، إلا أنني سوف أستيقظ من نومي صباح الغد، لأجد شلالاً منهمراً منها.

 

لكن دعوني أخبركم بما يقول حدسي….

وكأنه يحكي قصته، على لساني.

 

-أحمد أ. الخليل-

 

***
إلى كل المنطوين على ذاتهم، المنعزلين الغرباء عن مجتمعاتهم
إلى كل المجانين، في نظر من حولهم
أنتم من يحدث الفارق
***

 

"المجانين هم مجرد أشخاصٍ يعيشون ويفكرون بطريقة مخالفة للعقل الجماعي لمحيطهم المليء بالمجانين في نظرهم"
- رواية اللحظة صفر


"إن مرت جميع تجاربك المؤلمة، والمخيفة، بلا أن تتمكن من نقلها للآخرين، فهي لم تكن كذلك، فالألم أول ما يوجد في الإنسان، هو القدرة على التأثير"
- رواية الطائفة


"زارني سارق الذكريات، وقدم لي من مغريات العقود، سيأخذ كل ذكرياتي المؤلمة، ثم يتركني كتلة من السعادة والسرور، وقد هممت بقبول عرضه، لولا أنني في اللحظة الأخيرة، تذكرتك"
- رواية لعنة زينب
 

Languageالعربية
Release dateApr 26, 2023
ISBN9798223241942
لعنة زينب: سلسلة ابن الفوضى, #3
Author

Ahmad I. Alkhalel

I want to stir up that madness within you, who you have always been told, would be the cause of your ostracism, and your expulsion, out of the herd. When I was a child, I made sure to write down all my concerns, wishes, and aspirations, which were not always childish, or perhaps even so childish, that would occur only to a child who was naive enough of his peers, and then I burned this paper, believing that this would make my words merge with the whole universe so that it, in turn, could react to them as it sees fit. Since then, I have lived a life that may not be successful to the standards of many people today, but it is very exceptional, and the difference between success and exception is a thorny dilemma, with a slight difference. Every exception is a success, but not every success is an exception, at least this is how I see things from my own perspective. And the problem with exceptional people is, that many people are not qualified to see success behind their exceptions. If we wanted to group people according to their academic success, every few million of them would be grouped into one group, and for me, my goal in this life was not to be in a crowded group. In my opinion, the real success lies in the memoirs. If you ever decide to write your own memoirs, do you think that it will be exceptional from the rest of the memoirs of millions and millions of people crowding into your group? You own the answer.

Related to لعنة زينب

Titles in the series (4)

View More

Related ebooks

Reviews for لعنة زينب

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    لعنة زينب - Ahmad I. Alkhalel

    فهرس المحتويات

    فهرس المحتويات

    الإهداء

    زلزال تركيا 6-2-2023

    كلمة الكاتب

    المقدمة

    الفصل الأول. الفرن

    الفصل الثاني. السرداب

    الفصل الثالث. طقوس النجاة

    الفصل الرابع. لن تنال مني مرتين

    الفصل الخامس. نسل الأمراء

    الفصل السادس. الطيب النبيل

    الفصل السابع. جهاز يلدز للاستخبارات

    الفصل الثامن. خلية أسيوط

    الفصل التاسع. السيدة الخادمة

    الفصل العاشر. ليلة الالتزام

    الفصل الحادي عشر. الأزقة لن تنساكم

    الفصل الثاني عشر. سقوط الإمبراطورية

    الفصل الثالث عشر. الرداحة

    الفصل الرابع عشر. حتشبسوت العاشقة

    الفصل الخامس عشر. قمر ذات الدماء العثمانية

    الفصل السادس عشر. لا بد من المحاولة

    الفصل السابع عشر. دِماء فِرْعَونِيّة

    الفصل الثامن عشر. الضباط الأحرار

    الفصل التاسع عشر. المهمة المقدسة

    الفصل العشرون. ذات الوجوه المتعددة

    الفصل الواحد والعشرون. الممالك الهاشمية

    الفصل الثاني والعشرون. زواج بالمراسلة

    الفصل الثالث والعشرون. التركماني النبيل

    الفصل الرابع والعشرون. المصائب لا تأتي فرادى

    الفصل الخامس والعشرون. موعد مع الشيطان

    الفصل السادس والعشرون. الغدارة ناكثة العهود

    الفصل السابع والعشرون. العجل السمين

    الفصل الثامن والعشرون. وحيد وسط الفوضى

    الفصل التاسع والعشرون. لعنة سجينة داخلها

    الفصل الثلاثون. كلمة بين شفتيه

    الفصل الواحد والثلاثون. نوبيا ملكة الذّهب

    الفصل الثاني والثلاثون. بيبرس بائع المثلجات

    الفصل الثالث والثلاثون. الجواسيس الصغار

    الفصل الرابع والثلاثون. حتشبسوت النبيلة

    الفصل الخامس والثلاثون. سأحطّم جمجمتها

    الفصل السادس والثلاثون. حب في الجحيم

    الفصل السابع والثلاثون. لستُ وهم خيالك

    الفصل الثامن والثلاثون. الجواسيس الكبار

    الفصل التاسع والثلاثون. الأزقة ما زالت تتذكر

    الخاتمة

    من رواية اللحظة بيبرس. المقر ألفا

    صدر ضمن هذه السلسلة

    حول الكاتب

    روايات سابقة لـ أحمد أ. الخليل

    الإهداء

    إلى جميع قُراء رواية اللحظة صفر، ورواية الطائفة

    إلى جميع الذين يترقبون روايات هذه السلسلة، ورواية اللحظة بيبرس، خاتمة سلسلة ابن الفوضى

    أنتم جوهر حياتي، وأنتم عشيرتي، وأهلي، وأصدقائي.

    إلى كل المنطوين على ذاتهم، المنعزلين الغرباء عن مجتمعاتهم

    إلى كل المجانين في نظر من حولهم

    أنتم من يحدث الفارق

    زلزال تركيا 6-2-2023

    حتى اليوم لم أستوعب بعد، كيف يمكن أن أفقد هذا القدر من البشر الذين عرفتهم على وجه الأرض في أقل من 60 ثانية!!

    الساعة 04:17 صباحاً، فجر يوم الاثنين الموافق 6 فبراير 2023، وقع زلزال جنوب تركيا المُدمر، ليحصد أرواح عشرات الآلاف، وملايين ومليارات الذكريات، حصد معه جزءًا كبيراً مني، وكأن سكيناً اقتطعت معظمي.

    منذ ذلك اليوم، لا أشعر أنني على ما يرام، كأنني شبح يهيم إلى المالانهاية في عوالم الموت، متعجباً تلك العلاقة العكسية بيني وبينه.

    أظن أنني من قلة قليلة، يحبهم الموت، على طريقته الخاصة، فهو لا يأخذهم، ولا يتركهم وشأنهم إلى حين تحين ساعتهم، لا بل لا بد أن يحضر كل برهة من الزمن إليهم، يضمهم بقوة، يحتضنهم، وقبل الرمق الأخير بلحظات، يفلتهم، تاركاً بضع كدمات على أجسادهم كتذكار، وكثيراً من الألم في قلوبهم، الكثير من رحيق الذكريات.

    ليست نعمة كما قد تظن، فالأمر يشبه وحشاً أسطورياً تخشاه

    يأتي إليك

    يفتح فمه

    سيلتهمك

    حانت اللحظة لا مفر منها حتماً

    ثم يتركك!

    هكذا ببساطة! لتعيش ما تبقى لك من وقت، تترقب عودته، ثم يعود مجدداً، يفتح فاه، سيلتهمك، حانت اللحظة، ثم يتركك! ثم يعود مجددا مرة تلو أخرى، وأخرى. في كل مرة يأخذ منك شيئاً، تاركاُ إياك ترمم بقاياك، إلى حين يعيد الكرّة من جديد.

    لقد بكيتكم، ما زال وجه ذلك الطفل الذي بقيت أراه كلما ذهبت إلى المدينة، يلعب في شرفة منزلهم في البناء المقابل لبنائنا، يطاردني، مازلت كل ليلة أجسد لحظة النهاية في عقلي، كيف انهار البناء، وسقط فوق الطابق السادس، ستة طوابق أخرى، ليدفع كتلة تزن الآلاف الأطنان نحو بنائنا، ويأخذه معه بكل ما فيه إلى الهاوية.

    ربما كان لا بد أن يحدث هذا، فالبناءان رغم بضعة أمتار تفصل بينهما، إلا أنهما كانا كالجسد الواحد، شُرف متلاقية، أحاديث متبادلة، وجوه مبتسمة، فناجين قهوة متشابهة، حب بالنظرات، وردة حمراء خجولة تذبل كل صباح، تترقب خروج مريم لتسقيها، ويترقب هو في الشرفة المقابلة، ابتسامة تجعل اليوم أجمل مفعماً بالأمل.

    وتلك الفتاة العصبية في الطابق الرابع، تخرج كل ليلة بعد المغيب، تُحدّث أحدهم خلسة بالهاتف، بنبرة خافتة، تداعب خصلات شعرها أحيانا، تعض إبهامها أحيانا أخرى، يقول شيئا جعلها خجولة، ثم سرعان ما تبدأ تضرب بيدها الهواء، أثار جنونها، قال شيئا أفقدها صوابها، ما الذي فعلته يا هذا؟! ليس هكذا تعامل النساء.

    لعله هو كذلك يبكيها الآن دماً!

    والسيدة في الطابق السادس، أحببت أن أسميها سيدة الغسيل، لم أر في حياتي امرأة تغسل بقدرها! في اليوم الواحد تنشر الثياب مرتين أو ثلاث، وددت لو أنني سألتها في حينها عن السبب، وها قد غادرت عالمنا، ذهبت، وسيبقى السؤال دفين صدري بلا جواب.

    أما زوجها، الغيور، فقد كان يكرهني، أجزم على ذلك، رغم أنني كنت أشيح بنظري بعيداً عن شرفتهم كلما خرجت زوجته، إلا أن نظراته قالت: أكرهك وأكره وجودك هنا ولديه سبب مُقنع، فكم كانت جميلة، كم كنت أحب الشرفة، ليس ذنبي، فأنا رجل أكره الجدران.

    أتمنى أن يكونا دفنا في قبر واحد، فقد جمعهما حب عظيم، ففي تلك الليلة سمعت صراخها، قالت له: أريد الانفصال لقد سئمت هذا الجنون لعلها قصدت غيرته المبالغ بها.

    خرج للشرفة أراد رمي نفسه منها، نعم أراد الانتحار، قال أموت وأنتِ زوجتي خير لي من الحياة بدونك، مشهد درامي، كلمات ساحرة مجنونة، قادتها بين ذراعيه معتذرة، عادت به إلى الداخل، أغلقت الباب والنافذة، وأطفأت الأضواء.

    كان هذا آخر عهدي بهم، حيث غادرت المدينة، للمرة الأخيرة.

    العائلة في الطابق الخامس! يا إلهي ماذا أصابهم! لا أعرف كم عددهم، لكن يكفي أن أقول إن صالتهم فقط كان ينام بها ثلاثة أطفال!

    لعلهم نجوا بطريقة أو بأخرى! نعم لم ينجُ أحداً من البناء على حد علمي، لكن لعل شيئاً ما حدث في تلك الليلة دفعهم للخروج منه قبل وقوع الزلزال، أتمنى ذلك.

    أما العجوزان في الطابق التاسع، فحكايتهما ليست أقل غرابة من حكايتي، في كل ليلة يخرجان إلى الشرفة، يراقبان شرفات بنايتنا، ويراقباني بالتالي، فأنا أسكن في الطابق السادس، في مرمى نظرهم تماماً، مكشوف في العراء، لكنهما كانا لطيفين، ففي يوم التقيتهما صدفة في الحديقة المجاورة، لم يتحرجا من مواجهتي بالحقيقة، يا أحمد! عليك أن تنتبه، أنت تتكلم بالهاتف، وجاركم في الشرفة المجاورة يجلس خلف الجدار الفاصل بينكما مباشرة، لعله يسمع كل حديثك! ولسان حالهم يقول، حافظ على سرية مكالماتك الغرامية الليلية، فمثل هذه الحوارات لا تجري في الشرفات يا عزيزي.

    شكرتهما على حسن صنيعهما معي، لم أتجرأ على الطلب منهما أن يتوقفا عن مراقبة شرفتي، منعني الحياء، فأنا أحفظ شرفات الستة طوابق الأولى من بنايتهم عن ظهر قلب.

    انهار البناءان، لا بل الثلاثة، في الحقيقة يوجد بناء ثالث أسفل منا، لم أكن أجلس في الشرفة المقابلة له، لا أعرف تفاصيل حياة الناس هناك، إلا أنه كما يبدو فهناك من فعل، فقد أبى البناءان إلا أن يأخذاه معهما في رحلة السقوط.

    أحياء مدمرة بالكامل، بالمعنى الحرفي للكلمة، ليس بسبب الزلزال فقط، بل بعضها كان بسبب جشع وطمع بنو الإنسان، مقاولون ومهندسون سمحوا لأنفسهم المقامرة بحياة البشر، بنوا أبنية حديثة تتوافق مع المعايير المتبعة لمقاومة الزلازل، على الورق فقط! بينما في الحقيقة، انهارت فوق رؤوس قاطنيها، جيراننا كانوا في إحداها، إلا أنه وكثير من المباني المشابهة له، أبى إلا أن يُسقط معه بناء آخر، وفي بعض الحالات اثنان.

    ماذا أصابهم؟ لا يمكنني التوقف عن تجسيد لحظات الرعب الأخيرة، هل ماتت مريم في الحال؟ أم بقيت تحت الأنقاض أياماً تبكي وحيدة، خائفة، فالكارثة كانت رهيبة، من الجوانب جميعها، خصوصاً في هذه المدينة حيث لم تصل فرق الإنقاذ إلا بعد أيام وعندما وصلت لم يكن بمقدورها التعامل مع جميع المباني المنهارة، كثير من الناس بقوا على قيد الحياة أياماً وأياماً، دفنوا أحياء، ثم ماتوا في صمت تحت الركام.

    ماذا أصاب الحلاق؟ الخياط؟ موظف السوبر ماركت؟ الطبيب؟ عامل الاستقبال في الفندق؟ تلك الحسناء التي فتنت بيبرس في رحلته الأولى إلى جنوب تركيا، هل ما زالت على قيد الحياة؟! آهٍ صحيح، لم تنشر بعد رواية اللحظة بيبرس، لعلكم تشعرون بألمي الآن...

    كم هو مؤلم غير منطقي أن تكون عاجزاً عن معرفة مصير الكثيرين ممن تعرفهم، فقد دفنوا بلا أسماء، أصبحوا رقماً على قبر، ومثله له في عبوة الحمض النووي DNA إلى حين سؤال أحدهم عن مصير مفقود، لتجري التحاليل الطبية، ويعلم رقم قبر من أحب، عندها فقط، يمكنه مسح الرقم وكتابة الاسم، بعضهم سوف يبقى مجهولاً إلى يوم القيامة، فكم من عائلات مات جميع أفرادها، وحصل كل على رقمه.

    كثير من أحداث الجزء الأول اللحظة صفر والجزء الأخير اللحظة بيبرس من هذه السلسلة، تجري في مُدن وأحياء قد دُمرت الآن، تغيرت خارطة كل شيء وكثير من التفاصيل اختفت، لكنها بالتأكيد باقية في عقول وقلوب كل من يعرفها.

    إلى جميع ضحايا الزلزال، ستبقون أحياءً في قلوبنا، لن ننساكم.

    إلى التفاصيل جميعها، طالما هناك من يحكي القصة، فلن تموتي أبداً.

    كلمة الكاتب

    لا، لم أكن نائماً ليلة الأمس في لحظة سلام نادرة، ولم يأتني ذلك الصوت في داخلي ويأمرني بالنهوض وكتابة رواية جديدة.

    لست أجهل من هو هذا القابع داخلي، الذي يستخدمني لكتابة روايات لا أعلم شيئاً عن فحواها وأحداثها، بل أحسب أنني بت أعرفه جيداً.

    فالأمر لم يعد بحاجة لكل هذه الإثارة والغموض بيني وبينه.

    لقد توطدت العلاقة حقاً، فروايتان سابقتان كفيلتان بتجاوز كل البروتوكولات المملة.

    لقد تم تجهز ملف بعنوان لعنة زينب قبل انتهاء رواية الطائفة الرواية الثانية من هذه السلسلة، رغم أنني لم أكن أعلم ما ينوي كتابته، وما زلت أجهل حتى اللحظة ما يريد، إلا أني بت أثق به تماماً، وبت أعلم يقيناً، أنه رغم خلو رأسي الآن من أي أفكار أو أحداث يمكن كتابتها، إلا أنني سوف أستيقظ من نومي صباح الغد، لأجد شلالاً منهمراً منها.

    لكن دعوني أخبركم بما يقول حدسي...

    وكأنه يحكي قصته، على لساني.

    أحمد أ. الخليل

    المقدمة

    هذه الرواية، على الرغم من أنها ضمن سلسلة روايات ابن الفوضى، إلا أن أحداثها ليست في مكان حيث تجري الكثير من أحداث السلسلة، وحتى ليست في زمانها، بل قديم جداً للوراء على خط الزمن الوهمي، حيث البداية، التي كان لا بد منها، لتصنع بطلها، لحظة على نسيج الزمن، لا يمكننا تجاهلها.

    فإذا كنت من المعجبين بشخصية بيبرس في رواية اللحظة صفر، ومتشوقاً لمعرفة باقي قصته في رواية اللحظة بيبرس، خاتمة هذه السلسلة، حسناً يا صديقي، بات من حقك أن تعرف من هو، ولمعرفة الإنسان جيداً، لا بد أن تعرف تاريخه، ذلك الذي كان قبل مولده بعشرات السنيين.

    فالبدايات تقرر مصيرك، شئت أم أبيت، وما فات، لم يمت، ولك كامل الحق، في معرفة الأسباب التي جعلتك ما أنت عليه اليوم، حتى تلك التي بدأت قبل مولدك بمائة عام، أو أكثر.

    الفصل الأول. الفرن

    تسمرت زينب في مكانها خائفةً ترتجف من هول ما تراه عيناها، ترتجف جسدها ينتفض، كأن مسّاً شيطانيّاً اجتاحها، شيءٌ يسري داخلها، احمرّت عيناها، تفجرّت عروقُ وجهها.

    الموقع جنوبُ مِصرَ، مركز مدينة البداري على ضفافِ نهر النيل، ما بين محافظتي أسيوط وسوهاج، حيث ضربت مصر القديمة جذورها في التاريخ، الذي لن ينساها مهما طال الزمان، حضارة الفراعنة كانت ها هنا، يقول أهلها: إن من بينهم نسل الفراعنة المتبقين على وجه البسيطة، إشاعات يتداولها الناس، عن مجلسٍ سري من الحكماء، يعلمون سراً لا يعلمه أحدٌ غيرهم، يتوارثونه عبر الأجيال، جيلٌ يسلم جيل، سر الدفينة، حيث تقع أسرار مصر القديمة كلها، أو هكذا يدّعون.

    أسيوط، كان يطلق عليها اسم سوت المشتق من كلمة سأوت وتعني حارس باللغة الهيروغليفية، أي حارس الحدود لمصرَ العليا عندما انضمت إلى طيبة عاصمة البلاد في نضالها ضد الهكسوس الغزاة.

    أما مركز البداري، أو مدينة البداري، فهو أحد مراكز محافظة أسيوط وأكبرها مساحة، يضم ستّة وثلاثين قرية، وموطنُ واحدةٍ من أقدم حضارات التاريخ، حضارة البداري 3200 قبل الميلاد، والتي تعتبر أولَ دليلٍ على نمو الزراعة في مصر وشمال أفريقيا، منذ 7000 عام.

    آمن قدماء البدارين بالبعث (الحياةُ الثانية بعد الموت)، دفنوا موتاهم في الصحراء ورأس الميت في اتجاه الجنوب، ينظر إلى الغرب، ملفوفاَ بالحصير، تصحبه حيواناته الأليفة، أو تماثيلٌ لحيواناتٍ أو نساءٍ أو طيور.

    بعد دخول الديانات السماوية إلى أرض مصر، اندثرت تلك الخزعبلات القديمة، أو على الأقل بصورتها المباشرة فالعادات والتقاليد تبقى دوماً سبيلَ الخزعبلات للتحاليل والبقاء.

    توارث بعض البدارين عادات أجدادهم القدماء، من لا يستحق البعث يستحق الفناء، والأرواح الشريرة لا بد أن تفنى للأبد.

    العام 1910 للميلاد

    صبيةٌ يافعة في العاشرةِ من عمرها، ترتجف خوفاً، أحاط بها رجالٌ بلباس أهل جنوب مصر الصعيد التقليدي، ملامحهم قاسية، ترعد حناجرهم تزبد أفواههم بغضب يرددون كلماتٍ مرعبةً الملعونة تخلصوا منها!

    لم تهتز شواربهم الغليظة، ولا لحاهم، وهم يجبرون طفلةً في العاشرةِ من عمرها، على رؤية أختها ورفيقة صباها، بالكاد تكبرها ببضعة أعوام، يمسكها الأب بقوة، يثبتها من كتفيها، تصرخ بأعلى صوتها، تبكي رعباً خوفاً، أمام فرنٍ طينيٍ قديم، ببابٍ حديديٍ أسود، يُغلق ويوضع عليه قضيبٌ من الحديد، يستحيل فتحه إلا من الخارج.

    ارتجفت زينب جسدها ينتفض كأن مساً شيطانياً اجتاحها، شيءٌ يسري داخلها، احمرّت عيناها، تفجّرت عروق وجهها وهي ترى أختها فاطمة تُرمى داخل الفرن حية، ويُغلق الباب.

    تعالت صرخاتها، تحترق ببطء، تتلوى داخل الفرن، تقرع الباب الحديد من الداخل، تتوسل تتألم ثم خيم صمتٌ مهيب، تبعه هبت ريحٍ قوية، طيور تطير متخبطة في كل اتجاه ثم دوت من الفرن صرخةٌ أخيرة، وصل صداها مقابر قدماء البدارين، ثم صمتت الفتاة للأبد.

    لا تسلمي نفسك للشيطان، إياك أن ينال منكِ، حتى لا يكون مصيرك كمصيرها، لقد بقي هذا السر دفيناً عبر آلاف السنين، ولن يفضحه شيءٌ بعد اليوم، ولا بعد الآلاف منها.

    ليلةٌ تتلو ليلة، حرصت الأم على تذكير زينب بالمصير المحتوم، إن ظهر عليها تلك العلامات، التي لا يعلمها ولا يراها إلا حكماء الطائفة، العالمون بخفايا وأسرار مدافن القدماء فيقررون من يحيا ومن يموت.

    خطيئة فاطمة، أنها رفضت، قررت التمرد، فتاة في الرابعة عشر من عمرها، قادها حظها العاثر وجمالها إلى أن يشتهيها عجوزٌ في السبعين من عمره.

    قالت: لا لن أتزوج هذا العجوز، حتى إن كان من الحكماء.

    أجبروها على الزواج وفي ليلة الزفاف هربت لساعاتٍ فقط، قبل أن تعود مقيدة بالحبال.

    ثم يرى بها الشيخ الحكيم علاماتُ لعنة توارثتها الأجيال، روح شريرة تسكنها، تجرأت على الرفض والهرب، لعنةٌ لا بد من حرقها فالشيطان قد يفضح أسرار المقابر على لسانها.

    احترقت الفتاة، وانطفأت النار عن عظامها، ولم تنطفئ شهوة العجوز، لا بد من إشباعها، وتعويضه عن تلك الملعونة، من ذا الذي قد يحل محلها إلا أختها زينب!

    طفلةٌ في العاشرة، ينقصها الشجاعة للهرب، لكن شيئاً تغير في ذلك اليوم، كأن هالةَ مع تلك الصرخة غادرت جسد أختها لتسكن روحها، باتت قوية على غير المعتاد، شيءٌ في داخلها يدفعها للتمرد، اتخذت القرار، استجمعت كل قوتها، وفي ليلة الزفاف، أطلقت لساقيها الريح.

    ركضت طوال الليلة بلا هدى، تطاردها المشاعل والعار يطاردها الفرن، وفي الصباح وجدت نفسها مغشياً عليها بجوار ساقيةَ ماءٍ صغيرة.

    فتحت عينيها على يد تمسح وجهها بالماء، ما أن انقشعت الغشاوة عنهما، حتى تراءى لها وجهٌ مستدير كالقمر، شعر بني عينان زرقاوان ناصع كالثلج، شابٌ يافع بالكاد أتم السابعة عشر من عمره، ليس من هذه البلاد، رغم أنه تحدث بلهجةٍ مصريةٍ مدنية واضحة، ما بك يا فتاة! من أين أتيتي؟

    تلعثمت قلبها خفق بقوة، تذكرت من هي؟ ومن أين أتت، قفزت برعب، تتلفت حولها خوفاً.

    فهم الشاب في الحال، هاربةٌ بالتأكيد، وفي هذه القرى لا تهرب الفتيات إلا من الموت إلى الموت غالباً.

    حملها أسرع بها إلى داخل حنطور الخيل، سلةٌ كبيرة مليئةٌ بالتمر، أفرغها ووضع الفتاة داخلها، انطلق مسرعاً هارباً بها بعيداً.

    شابٌ من أصولٍ تركية، من نسل أمراء الحرب العثمانيين.

    شاءت الأقدار أن يكون ها هنا اليوم، لإنقاذ زينب.

    أو ربما لإنقاذ اللعنة من الفناء!

    أو ربما ليكتب أول حرفٍ، من قصةٍ بدأت أحداثها، تبدأ لتنتهي، في كل لحظة...

    الفصل الثاني. السرداب

    -لا تخاف، تشجع وادخل، فالحبل متين

    -أرجوك أبي، إني خائف

    -قلت لك لا تخف يا مصطفى، ادخل ولا تثير غضبي عليك يا ولدي

    تذرف عيناه الدموع، يتصبب جبينه عرقاً، ينظر إلى المدخل المظلم تارة، ثم إلى أبيه تارة أخرى، باتت ملامحه قاسية أكثر من ذي قبل، حاجباه غليظين، عيناه ضيقتان جشعتان، بشرته سمراء، شفتاه سوداوتان، يعض بأسنان صفراء مفرقة عليهما، يدفع الغلام إلى الداخل، تشجع يا جبان، ادخل.

    تمسك بجلابية أبيه، احتضن قدميه، محاولة أخيرة علّه يستثير شيئاً من بقايا أب في قلبه أو بقايا إنسان على الأقل.

    -لمَ أنا؟ أرسل أخي هريدي مكاني.

    -أنت صغير جسدك النحيل الهزيل هذا قد حان أوانه، لن يتسع هذا الممر الضيق لغيرك، لا تخف، أعدك لن يحدث أي مكروه.

    ينظر إلى عيني أمه مستنجداً، جالسة في زاوية الغرفة، تحتضن أخته زينب، تضمها بقوة، فاطمة بجوارها، تبكي بصمت أخاها الخائف، الأب يلف الحبل على قدميه بإحكام، ثم يحمله ويضع رأسه في مرر ضيق بالكاد يتسع له، ويدفعه إلى الداخل.

    -تقدم يا مصطفى، تمسك بالمصباح جيداً، أخبرني ما ترى على الجدران، صف لي كل شيء.

    في قرى أسيوط كثير من الناس مهوسون بالمدافن الفرعونية، وما تخفيه من كنوز، وكل ما يلزم لينقلب الحال بين ليلة وضحاها من الفقر إلى الثراء، أن تجد بطريقة أو بأخرى إحدى هذه المدافن.

    وبصورة مثيرة للغرابة، بعض الناس يقضون حياتهم يبحثون عن الكنوز بعيداً، في حين أنها تحت أقدامهم مباشرة.

    قبل ساعة، ظهيرة يوم 19-4-1910 ميلادي، مصطفى البالغ من العمر ثمانية أعوام، مستلقٍ على الأرض بسلام، يلعب بحصان خشبي صغير، في حين تلعب زينب وفاطمة ببضع حجارة لعبة شعبية السبع حصوات الأم تشبك قميصاً تشقق للمرة العاشرة، الأب يدخن الشيشة في حين يتفقد هريدي حظيرة الماشية في الغرفة الخلفية.

    ثم على حين غرة، نادى بصوت متلهف: أبي، أبي، .....

    -ما بك!؟

    -تعال بسرعة

    ذهب الأب إلى الحظيرة، لا يفصل بينها وبين الغرفة إلا جدار وباب خشبي ثم خيم صمت مطبق على المكان.

    هريدي: ما هذا؟ هل هي مغارة؟

    -متى ظهرت؟

    -الآن، بلا سابق إنذار، انهار التراب بجوار الجدار، وظهرت أسفل منه هذه الحفرة!

    نظر إلى أبيه نظرة ملؤها الغموض: هل هذا ....

    -اسكت، دعني أتأكد أولا.

    أحضر معولاً، بدأ يحفر أسفل الجدار محاولاً عدم إثارة أي ضوضاء، ثم فجأة صوت فاطمة تصرخ من الغرفة.

    أسرعا إليها، ليجدا أن حفرة أكبر قد انهارت في الطرف الآخر للجدار، كاشفة ستر سرداب مظلم ضيق، وفي صعيد مصر، فهذا السرداب، قد يعني أكثر كثيراً من مجرد كنز مدفون في نهايته.

    -اخرسي، إياك أن يسمعك أحد.

    أغلقت فاطمة فمها بيدها، أغلقت الأم بيدها فم زينب، فلا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1