Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

Politicians and Rhetoric: The Persuasive Power of Metaphor
Politicians and Rhetoric: The Persuasive Power of Metaphor
Politicians and Rhetoric: The Persuasive Power of Metaphor
Ebook1,004 pages19 hours

Politicians and Rhetoric: The Persuasive Power of Metaphor

Rating: 5 out of 5 stars

5/5

()

Read preview

About this ebook

This analysis of the rhetoric of nine successfully persuasive politicians explains how their use of language created credible and consistent stories about themselves and the social world they inhabit. It explores their use of metaphors, their myths and how language analysis helps us to understand how politicians are able to persuade.
Languageالعربية
Release dateFeb 2, 2022
ISBN9789927151859
Politicians and Rhetoric: The Persuasive Power of Metaphor

Related to Politicians and Rhetoric

Related ebooks

Reviews for Politicians and Rhetoric

Rating: 5 out of 5 stars
5/5

1 rating0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    Politicians and Rhetoric - Jonathan Charteris-Black

    تصدير

    لطالما كان من الأفضل بالنسبة للمحكومين أن يَحكمهم ساستُهم بالكلمة المنطوقة لا بالسوط أو الأصفاد أو البندقية. ولهذا السبب حريٌّ بنا أن نكون سعداء عندما يتأسس بنيان السلطة -على الأقل وإلى درجة ما- على اللغة. وعلى الأقل كذلك عندما يتجشم قادتنا عناءَ محاولة إقناعنا، فنحن لدينا خيار قبول حججهم أو رفضها. والقيادة سلوك اجتماعي يتطلب وجود طرفين: أفراد موهوبين في فنون تقديم الذات، وآخرين على استعداد لاتباعهم عندما يقتنعون ببلاغتهم. وتتجه لغة الإقناع إلى الخارج والداخل: فهي تَعِد بمستقبل أفضل، بالبناء غالبًا على ما يبدو من مشكلات في الحاضر، ولكنها تبثُّ هذه الرؤية بتنشيط أفكار وقيم ومشاعر راسخة، كامنة في نفوس الجمهور. والساسة الناجحون هم من لديهم قصص يروونها، ويقدرون على إشراكنا في دراما الحاضر بتبيان الحلول والمشكلات بمفردات بسيطة، ويقنعوننا بأنهم أفضل من خصومهم.

    في هذه الطبعة الثانية من الكتاب اضطلعتُ بتحليل لغة ثلاثة ساسة إضافيين ليكون مجموع السياسيين الذين تناولتهم هذه الدراسة تسعة؛ أربعة منهم بريطانيون وخمسة من أمريكا الشمالية، حققوا جميعًا نجاحًا كبيرًا في قدرتهم على إقناع جمهورهم. وآملُ أن أبين كيف خلق استخدامهم للغة قصصًا صادقة ومتماسكة عن أنفسهم والعالَم الاجتماعي الذي يحيون فيه. وآملُ أن أتناول بالبحث استخدامَهم للمجازات، وأستكشف طبيعة أساطيرهم، وأبين كيف يساعدنا التحليل اللغوي على فهم السبل التي تمكن الساسة من إقناع الجماهير.

    1

    الإقناع وصناعة الخُطب والبلاغة

    1.1 اللغة والسياسة

    اعتمد القادة في أنماط النظم السياسية كافةً على الكلمة المنطوقة ليبيِّنوا الفرق بين المنافع التي تنشأ من تولِّيهم القيادة والمخاطر التي ستنجم من تولِّي خصومهم زمام الأمور. وكلما صارت المجتمعات أكثر ديمقراطية زاد العبء الملقى على كاهل القادة لإقناع الأتباع المحتمَلين بأنهم -والسياسات التي يعرضونها- أهلٌ للثقة. وكما بيَّن بيرنز (Burns 1978: 18) «تُمارَس الزعامة على البشر عندما يحشد أشخاصٌ لهم دوافع وأغراض معينة، بالتنافس أو الصراع مع آخرين، مواردَ مؤسسية وسياسية وسيكولوجية وغيرها، من أجل إثارة دوافع الأتباع وإشراكها في العملية وإشباعها». وفي هذا الكتاب أشرحُ بالأمثلة كيف يُقنع الطامحون للزعامة السياسية، داخل البلدان الديمقراطية، أتباعَهم عن طريق امتلاكهم ناصية البلاغة والبيان ومهارتهم في استخدام المجاز.

    يتخذ الناخبون قراراتهم بناءً على حكمهم على أمانة الساسة وأخلاقهم ونزاهتهم. وتنشأ وجهات نظرهم هذه من اعتبارات مثل اتساق الأفعال مع الأقوال ونجاعة الحجج السياسية. لكنها تتأثر أيضًا بالانطباعات الناشئة عن أسلوب السياسي وطريقة تقديمه نفسه. ويقاس تقديم الذات بالعيون والشعر والطول والبنيان والملبس، وبطيف من الحركات البدنية مثل التحديق والإيماءات. والساسة «يصممون» أسلوبهم الخاص في القيادة عن طريق الأثر التراكمي للسمات التي يملكون قدرًا من التحكم فيها. فهُم يضطلعون، على سبيل المثال، بأفعال رمزية -مظاهر الصحة والنشاط والمهارة البدنية كما في ممارسة إحدى الرياضات- توحي بمعنى رمزي للأتباع. ومع نمو قطاع وسائل الإعلام، تزايدت القوة الإقناعية للمظهر والأساليب اللفظية القائمة على صور مرئية، مثل المجاز. ونحن لا نملك إلا وعيًا جزئيًّا بكيفية تأثير حزمة من السمات المتفاعلة على حكمنا على مصداقية المترشح بوصفه قائدًا. والغرض من هذه الطبعة الثانية من الكتاب تحقيق مزيد من الارتقاء بوعينا بهذه الوسائل الإقناعية حتى نهتدي إلى أفضل المواضع التي نُودِعُ فيها ثقتنا.

    إن اللغة المنطوقة هي الأسلوب الأساسي للتواصل في الفنون المعتدلة للإقناع وإدارة الانطباعات لأنها تعرض معتقدات اجتماعية مشتركة عما هو صائب وما هو خطأ بحيث يمكن تشكيل تحالفات حول تلك المعتقدات. وتتضمن الاستراتيجيات المنطوقة الفكاهة والمجاز وسرد الأسطورة. وأبحث في هذا الكتاب البلاغةَ التي استخدمها أربعة ساسة بريطانيين وخمسة أمريكيين يُنظر إليهم بوصفهم أكثر مستخدمي هذه الفنون إقناعًا. وسأحاجج بأن اختياراتهم للمجاز محوريةٌ في قدرتهم الإقناعية. وسأبين الجاذبية الإدراكية والعاطفية للمجاز وأشرحُ بالأمثلة كيف تسهم هذه الجاذبية في الإقناع. وأشير إلى أن هذا يرجع إلى أن المجاز يستغل مواردَ ما دون الوعي التي تُستحثّ من دون ألفاظٍ ثم تتطور عن طريق اللغة. إن إمكانية المجاز الكامنة تحت الوعي محوريةٌ في أداء أدوار القيادة.

    وأوظفُ في هذه الدراسة وسيلةً إمبيريقية لاستقصاء العلاقة بين البلاغة والمجاز والقيادة. ففي كل فصل أحددُ أولًا نطاقًا من السمات البلاغية التي استخدَمها السياسي الذي نتناول خُطَبَه بالتحليل. ثم أحدد عددًا من المجازات وأرتبها وفقًا لمعناها الأصلي أو «الحرفي». وآخذ بعين الاعتبار من أيّ وجهة اعتُبرَت مجازاتٍ، وهو أمر يتطلب حتمًا قدرًا من الاهتمام بالسياقات التي استُخدمت فيها. ثم بالسير على نهج نظرية المجاز المفاهيمي، كما طرحها أولًا لاكوف وجونسون Lakoff and Johnson (1980) أبحث عن أنماط تفسر صنوف التوافق بين المعاني الحرفية للكلمات وكيف تُستخدَم بوصفها مجازات. ويعني هذا عمليًّا أن نستنتج من مجموعة مجازات مجازًا مضمرًا أو «مفاهيميًّا» يشرح ما المنهجي/النظامي في التوافق بين الاستخدامين الحرفي والمجازي. والمجاز المفاهيمي هو مجاز يرسم نمطًا فكريًّا يُستنتج من عدد من الحالات الفعلية للمجاز. وقد يزيد مثالٌ نسوقُه هذا النهجَ وضوحًا. فالمجازات التالية (بحروف عريضة) اختيرت من كلمات ألقتها مارغرت تاتشر وتتعلق بمجالات مختلفة من السياسات، مثل التضخم، وتملُّك المنازل، والمدارس:

    التضخم يهدد الديمقراطية نفسها. ونحن دائمًا ما نضع انتصارها على قمة جدول أعمالنا. إذ هي معركة لا تنتهي أبدًا. وهذا معناه الحفاظ على ميزانياتكم عند أساس مالي مكافئ سليم.

    نسبة تملُّك المنازل أيضًا حلقت بعيدًا. ولكي نمدَّ الحقَّ لمستأجري المجلس، اضطررنا إلى خوض المعركة كما تعلمون، المعركة في البرلمان على مدى كل بوصة في الطريق. ضد معارضة حزب العمال، وضد المعارضة الليبرالية.

    ثمة معركة جديدة من أجل بريطانيا تدور أحداثها الآن في مدارسنا. وعَلَم حزب العمال المهترئ قائم هناك لمن أراد رؤيته. واهنٌ في النسيم الساكن لأيديولوجيا الستينيات.

    في كل حالة من الحالات الثلاث نرى كلمة «معركة» وغيرها من كلمات الصراعِ مجازاتٍ لأن معناها الأساسي الحرفي يشير إلى اشتباك بدني فيما هي تشير هنا إلى أفعال سياسية مجردة مثل محاولة التحكم في التضخم أو السماح لمستأجري المجلس بشراء منازلهم. وهكذا يمكن إيجاز المعاني المجازية على النحو التالي:

    ● «مناهضة التضخم معركةٌ».

    ● «السعي إلى قبول سياسات ما معركةٌ».

    في كل مثال من الأمثلة السابقة تصف كلمة «معركة» أفعالًا سياسية مختلفة. والأساس الخاص بهذه المجازات المستقلة يمكن، بناء على ذلك، أن تمثله جملةٌ عامة تُظهِر هذا النمط النظامي للتوافق بينهما. وعلى ذلك، فقد يكون «المجاز المفاهيمي» هنا: «السياسةُ صراعٌ». وكما يحاجج بيرنز (Burns) في دراسته الكلاسيكية:

    القيادة كما تُصوَّر ذهنيًّا هنا راسخةٌ في تربة حاضنة للصراع. والصراع آسرٌ بحد ذاته، فهو يثير الناس وينخَسهم ويحفزهم... والقيادة بمثابة قوة محرِّضة ومستثيرة في تحويلها المطالب والقيم والأهداف المتصارعة إلى سلوك ذي شأن. (Burns 1978: 38)

    كما يوجد دليل أيضًا على أن كلمتين مثل «انتصار» و«مهترئ» لهما تقييمات قوية مرتبطة بالأفعال السياسية. وهذا النظام القيمي موصوفٌ بلغة الحرب -أي النصر والهزيمة- وهكذا تنقل الاختيارات اللغوية كيف أضْفت تاتشر قيمة إيجابية على الصراع والتنافس. وقد أبرز هذا النظامُ القيمي رؤيةً عامةً للعلاقات الإنسانية والاجتماعية غَذَّت استخدامَ تاتشر اللغة. وباستخدام مفردات إدراكية يمكن أن نقول إن المجاز المفاهيمي «السياسة صراع» يصف إطارًا أو مخططًا إدراكيًّا مضمرًا في مجازات الصراع لدى تاتشر. وقد يستخدم هذا الإطار لشرح تفكيرها للآخرين، حتى لو كان هذا إطار لا تدركه هي بنفسها عند استخدامها هذه المجازات. ولذلك ففهم الطبيعة المنهجية لاختيارات المجاز ضروريّ إذا أردنا فهم كيف تصير اللغة السياسية مقنِعة.

    ولكن كما ذكرنا بالفعل، ليست اللغة وحدها هي المقنِعة. فثمة وسائل أخرى يتزايد استغلالها في التواصل السياسي الناجع. فالملبس والإيماءات عناصر مهمة في التواصل المباشر، ونوعية الصوت في الإذاعة وحركات العين والفم مهمة في التواصل عبر التلفزيون بسبب صور الكاميرا الملتقطة عن قرب. ويلزم السياسي أن يعرف كيف يستخدم وسيلة إعلامية بعينها لتحقيق أقصى أثر ممكن. ويظهر الاهتمام المعاصر بتأثير وسائل الإعلام في اختيار الكلمة الازدرائية «تحريف spin»، إذ إنها تشير بوجه عام إلى التلاعب باستخدام أيّ قناة من قنوات الاتصال. وعلى الرغم من أن الجمهور لم يكن مدركًا لذلك في حينه، فإن الانشغال بتأثير وسائل الإعلام استُهِلَّ بالحملة الانتخابية لجون كينيدي في 1960. فقد أخفى مستشاروه تشخيصه الطبي بمرض أديسون، ولم يكن تعاطي كينيدي الحُقن جزءًا من المعرفة المتاحة للجماهير. بل شاهد الجمهور قائدًا مهندمًا ونشيطًا يلعب الجولف ويبحر باليخت. فمَن استمعوا إلى مناظراته الإذاعية مع خصمه الجمهوري ظنوا أن «نِكسون» قد فاز، أما من شاهدوه عبر التلفزيون فقد عرفوا أن كينيدي فاز. كان نِكسون يعاني بوضوح بسبب ساقه المصابة وقد ارتسم على وجهه تعبير متوتر، وكان يتصبب عرقًا، «وشعر لحيته ملحوظ في آخر النهار»، وهو مَظهرٌ متسق مع بذلته الشبيهة ببذلة مندوب مبيعات سيارات. وعلى النقيض، كان كينيدي مرتاحًا، والأثر الذي تركه المكياج عليه واسمرار بشرته بفعل الشمس جعله يبدو كما لو كان أحد آلهة الإغريق. استغلت وسائل الإعلام إصابته التي تعود إلى زمن الحرب لكي تصوره باعتباره قائدًا باسلًا وشجاعًا، كما أنه في حديثه تقمَّص هذا الدور بالفعل: كان هذا التوافق بين بلاغته، لا سيما المجازات التي استخدمها، والانطباعات التي مرَّرها إلى ما دون الوعي -أي التوافق بين ما كان الجمهور يسمعه وما يحسه- هو ما أقنع جمهوره للغاية.

    السياسةُ معنية بامتلاك السلطة والحفاظ عليها وتدعيمها: فمدارُها هو كيف تُخصَّص الموارد وكيف يتحقق انسجام الأفعال الاجتماعية مع الأهداف المقررة سلفًا. واللغة شريانُ حياة السياسة: فإمكان تطور اللغة في المقام الأول من دون سياسة أمر قابل للمناقشة والجدل، لكن من المؤكد أن السياسة ما كانت لتتطور من دون لغة. ومع ذلك فكلما زادت مهارة السياسيين في تقديم الذات، زاد الضغط الملقى على كاهلهم لإقناع الأتباع بأنهم هم وسياساتهم أهلٌ للثقة. لبُّ السياسة هو بناء الثقة، لكنْ مع زيادة الوعي باحتمالية التلاعب بالرأي العام و«تزييف» القبول والموافقة عن طريق مجموعات استطلاع الآراء، صارت الثقة عملةً نادرة في البلدان الديمقراطية. نحن نعيش في فترة تشكك في عصر نظريات المؤامرة، معتقدين -وربما كنا على صواب- أنه لا يمكننا أبدًا أن نعرف حتى مجرد نصف الحكاية.

    سأناقش في هذا الفصل أولًا بعض القضايا المركزية في الخطب السياسية، مثل أصالتها ودور كُتاب الخطب والحاجة إلى الثقة. ثم أناقش أصول صناعة الخطبة في البلاغة الكلاسيكية والمنظور المختلف لثقافتنا التي تقودها وسائل الإعلام. ثم أشرح ما أعني بـ«الإقناع»، وعلاقته بالبلاغة وكيف يؤدي الإقناع دوره داخل التواصل السياسي. وفي القسم الأخير من هذا الفصل أشرح كيف تسهم الأيديولوجيا والأسطورة في الإقناع. وفي الفصل الثاني سأبين كيف يسهم المجاز في التواصل السياسي. أما في الفصول الباقية فسأبين بالأمثلة كيف استغل بعض أنجح القادة السياسيين البريطانيين والأمريكيين وأكثرهم بلاغة في العصر الحديث المجازَ والأسطورةَ لنقل أفكارهم للجمهور عن طريق الإقناع.

    2.1 فن صناعة الخطبة

    1.2.1 «التزييف» والتلاعب والثقة

    سأتناول أولًا مسألة أساسية حيرت البلاغيين منذ نشأة التأمل السياسي، هي: هل الغرض من البلاغة الوصول إلى حقيقة وحيدة متفق عليها أو هل باستطاعتنا أن نصل إلى نسخة واحدة من الحقيقة فحسب؟ والطريقة التي غالبًا ما يثار بها هذا السؤال في الفترة المعاصرة تدور حول صناعة الخطب السياسية: إذ بما أنه من المعروف أن المستشارين السياسيين وكُتاب الخطب مشاركون في إنشاء هذه النصوص، فإلى أي مدى يمكننا أن نثق في السياسي الذي يلقي تلك الخُطب؟ هل تنقل الكلماتُ المعتقداتِ «الحقيقية»، أي الجوهر السياسي، للمتحدث أو أيجب الشك حينئذ في أصالته(1) لأن الكلمات اختارها آخرون، والناطق بها -بناء على ذلك- إن هو إلَّا متلاعِبٌ بالناس ومتلاعَبٌ به؟ هل البلاغة وسيلة للوصول إلى الحقيقة أو هي مجرد «وسيلة تزييف» لا أكثر؟

    وفي ظل نمو الاتصال الرقمي صارت كلمات الآخرين متاحة بصورة متزايدة، فكيف نضمن أن أي شخص هو منتِج كلماته بالفعل؟ فمواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الإلكترونية أدت باللغة نفسها إلى أن تصير مدمجة اجتماعيًّا لدرجة تتحدى فيها إحساسنا بالهوية الفردية بل وتهددها: إذ كيف نضمن أننا نسمع أصواتنا داخل بلبلة اللغة والأصوات والصور هذه؟ ومع أن الساسة طالما اعتمدوا على أشخاص آخرين، بدرجات متفاوتة، ليسطروا لهم نصوص خُطبهم، فإن الاعتماد على كتاب الخطب شهد تزايدًا في العصر الحديث. فبعد انتخاب باراك أوباما بفترة وجيزة اعترف علنًا بإسهامات كاتب خطبه «جون فافرو (Jon Favreau)» فعيَّنه في منصب «مدير كتابة الخُطب». ويثير الاعتماد على كُتاب الخُطب وزيادة التسويق السياسي المرتبط به مسائل مهمة محورها الأصالة والمصالح وصناعة الكتابة.

    قد يُنظر لهذا بوصفه جزءًا من عملية أكبر لإدارة وسائل الإعلام «حيث تسعى الأطراف السياسية الفاعلة إلى التحكم في المنظمات الإعلامية والتلاعب بها والتأثير عليها بوسائل تتوافق مع أهدافها السياسية» (Jones 1996: 135). ودور فريق كُتاب الخطب استغلال مجال كامل من الموارد البلاغية للإسهام في صناعة صورة السياسي. لكن كُتاب الخطب ليس بوسعهم سوى اختيار الكلمات التي تناسب صورة السياسي، أمّا معتقداته وهويته السياسية المتفردة فيجب أن يبرزها «الصوت» الذي نسمعه في خطبه، وهذا يقيد بالضرورة الخيارات المتاحة أمام كاتب الخطبة. ومع أن صناعة الكتابة تعتمد على تعاون فريق من الأفراد ذوي المهارات، إلا أن الخطب لن تكلل بالنجاح البلاغي إلا عندما تتوافق مع صورة سياسية مميَّزة «يملكها» السياسي. والسياسي بيده سلطة تعيين كُتاب الخطب وتسريحهم إذا لم يعد بحاجة إلى خدماتهم. ونقيضًا للاعتقاد الشائع، فعادة ما يكون السياسي هو محرك الدمى الذي يجذب خيوط معاونيه، لا العكس. لكن المعرفة بسبل استغلال وسائل الإعلام بغرض «تزييف» الرسائل ساهمتْ في تزايد صعوبة الوثوق بالقادة. لكن لكي تدور عجلة الديمقراطية يَلزم الأفراد أن تكون لديهم أفكارهم الخاصة بدلًا من الاعتماد على أفكار الآخرين، و«رؤية» الثقة باعتبارها شرطًا مسبقًا.

    عادة ما تكون الخطب السياسية الحديثة نصوصًا ألّفها أكثر من كاتب بغرض بلاغي مشترك هو إكساب المتحدث شرعيةً. أما المتحدث السياسي فهو أكثر من مجرد ناطق بلسان آخرين في هذه العملية لأن لديه في النهاية فرصة تحرير محتوى الخطبة والارتجال في أثناء إلقائها. ومع أن الكلمات التي يتفوه بها ربما تكون قد انبثقت في عقول أشخاص آخرين غير مرئيين، فالسياسي مسؤول في النهاية عنها. والكلمات التي يقولها شخص ما له مكانة رسمية -مثل عضو في البرلمان- تسجل في سجلات رسمية (وقائع البرلمان البريطاني) وتعتبر متاحة لعموم الشعب بحيث لا يمكن إنكارها أو التبرؤ منها بعد ذلك. ولهذا السبب قد تقتبس كلمات السياسي وتوضع أمامه لاختبار مدى اتساق مواقفه ونزاهته الأخلاقية. فدور كُتاب الخُطب، إذن، هو الإسهام في تسويق «اسمٍ (brand)» سياسي، ولكن هذا الاسم يملكه السياسي الذي يجب، بناءً على ذلك، أن يُعامَل بوصفه مؤلف خُطبه. أما نحن فيلزمنا أن نكون قادرين على تصديق إمكانية قائد لأن يكون موثوقًا -مع النظر أيضًا بعيون الريبة- عندما يوجد دليل على ذلك، ومنه على سبيل المثال عندما يكون الأسلوب البلاغي متناقضًا مع صورة السياسي.

    1.2.2 صناعة الخطبة قديمًا

    ترتبط أصول صناعة الخطبة بوصفها فنًّا من الفنون ارتباطًا وثيقًا بنشأة الديمقراطية، فما دام أن السلطة ستكون عرضة للتفاوض وستوزَّع على الناس فيجب أن يكون هناك أشخاص ماهرون في الإقناع. عارض سقراط فكرة التوجه بمناشدات إقناعية إلى جماعات المصالح لأنه آمن بوجود حقيقة دائمة ومجردة -أيْ حقيقة تصبّ في صالح الجميع ونفعهم- لا بالمفهوم المتقلب للإقناع. غير أن بلاغيين مثل «أرسطو» و«كوينتيليون» أقرّوا بأن السياقات المختلفة تطلبت وسائل إقناع مختلفة: فالتأثير على قرارات سياسية لن يتطلب الوسائل نفسها التي يتطلبها الجدال بشأن قضايا قانونية أو إحياء ذكرى أبطال سقطوا في المعارك. وكذلك الفلاسفة، فمن شأنهم أن يحتاجوا إلى فهمِ متى تستخدم اللغة للتوصل إلى حقيقة كونية، ومتى تستخدم للتلاعب وتحريف الحقائق. لذلك كان تطور نظرية البلاغة في اليونان القديمة مدفوعًا بفكرة كون الحقيقة متنوعة بحسب الزمان والمكان والموقف.

    لا تقتنع الجماهير إلا عندما تكون بلاغة المتحدث ناجعة. كان تعريف البلاغة في العصور القديمة هو فن التحدث بفصاحة أمام الجمهور (Nash 1989). وكما لاحظ ساور Sauer (1997) يتطلب هذا التعريف حكمًا مقارنًا لأنه يفترض أن بعض الناس يتكلمون بطريقة أفضل من الآخرين، وهذا أمر يتضح في مناسبات إلقاء الخطب مثل منافَسات الجدل والمناظرة والمناظرات البرلمانية المعنية باتخاذ قرارات بشأن إجراءات مستقبلية. وأكثر أداء ناجع بلاغيًّا في إلقاء الخطب والكلمات هو الأكثر إقناعًا، ويقاس نجاحه باستجابات الجماهير. وربما يقال إن الخطاب البلاغي قد أخفق عندما يعرب الجمهور عن معارضته للأغراض المضمَرة للمتحدث.

    في التراث الكلاسيكي تأسست نظرة أرسطو إلى البلاغة على ثلاثة أدلة فنية هي: الموقف الأخلاقي (روح الفرد ومعتقداته ethos) والحجة المنطقية (logos) والتعاطف (pathos). حاجج أرسطو بأنه بالإضافة إلى اتخاذ موقف جدير باتخاذه أخلاقيًّا (ethos) وطرحِ أدلة تدعم الحجة المنطقية (logos)، فينبغي للبلاغيّ الناجح أيضًا أن يكون قادرًا على إثارة المشاعر (pathos). فقد ذهبتْ البلاغة إلى ما وراء التواصل اللفظي للخطيب فوصلت إلى مصداقيته الأخلاقية أو الموقف الأخلاقي. كان الخطيب النموذجي بالضرورة مستقيمًا أخلاقيًّا (vir bonus)، ولم يكن بوسعه إقناع الآخرين إلا إذا قوبل سلوكه باستحسان اجتماعي. وكما سنرى لاحقًا، ثمة توتر محتمل بين تقييم الخيارات اللغوية الحاضرة في نص ما وتقييم سلوك المتحدث. وبالإضافة إلى الموقف الأخلاقي (ethos) تطلبت البلاغة الناجحة أيضًا مزيجًا من الاستكشاف الفعال أو الحجة المنطقية logos (المحتوى المنطقي) مع إثارة المشاعر pathos (المحتوى الوجداني). وعلى سبيل المثال، يمكن إثارة المشاعر بالتفكير في التجارب الإنسانية الجوهرية مثل الحياة والموت. وسنرى أن هذه الأدلة الفنية الثلاثة ما تزال مهمة بالنسبة لتحقق الإقناع في البلاغة السياسية المعاصرة، وهي مجتمعة في الشكل 1-1 (القسم 1-3-1) حيث ألخِّصُ وجهات نظري بشأن الإقناع السياسي.

    لقد حدد البلاغيون القدامى ثلاثة سياقات رئيسية تُلقى فيها الخطب (Sauer 1997). الأول سياق الخطبة التفاوضية deliberative أو السياسية التي تتناول موضوعًا جدليًّا مهمًّا وتُلقى أمام حشد من الجماهير. وتتطلب هذه الخطبة قرارًا يتخذ بشأن خطوة مستقبلية مثل، هل نبرم سلامًا أو نخوض حربًا. والسياق الثاني الخطبة القضائية التي تلقى أمام قاض وهيئة محلفين وتكون معنية بتقييم فعل تم في الماضي مثل جريمة ارتكبت. والأخير، الخطبة المعبرة عن المدح أو التقريع أو الخطبة «الاستعراضية» التي تُلقى أمام جمهور دورُه سلبي؛ وغرض هذا النمط من الخطب إما المدح والإطراء (كما في حفل التأبين) أو إلقاء اللوم على أحد. ولأن تركيزنا هنا منصبٌّ على الساسة فسيركز هذا الكتاب على الخطب التفاوضية بصورة رئيسية، وإن كنت أسوقُ بعض الخطب المعبرة عن المدح/التقريع أيضًا. تنوعت أنماط الخطب الثلاثة بحسب أنماط الاستجابة المتوقعة من الجمهور، مثل الانتخاب أو الإطراء، وبحسب غرضها، ومن ذلك على سبيل المثال ما إذا كانت معنية بالتأثير على إجراءات مستقبلية أو تقييم أفعال تمت في الماضي. وهذا يستتبع أن وسائل الإقناع لم تكن شيئًا غير متغير -بناءً على موقف مجرد أو مثالي- لكنها حللتْ ما رُجِّح أن يكون مؤثرًا في سياق خطبة معين. إن النظر إلى التأثير أو الأثر في عالم المحامين والساسة والمدّاحين جعل صناعةَ الخطبة فنًّا بدلًا من أن يكون مِرانًا في الاستقصاء الفلسفي. أما مدار صناعة الخطبة فخَلْقُ سمعة للمتحدث وصناعة العالَم: مدارُها الأقوال والأفعال.

    ميزت البلاغة الكلاسيكية بين مسائل البنية ومسائل الأسلوب. كانت البنية معنية بكيف يمكن أن يؤثر تنسيق الخطبة في الجمهور. ففي البداية، يلزم المتحدث أن يستحوذ على انتباه الجمهور عن طريق «محفزات الاكتشاف (heuresis)» ثم يواصل مسعاه بحسب خطة (taxis). وقد ركزت مراحل تنظيم الخطبة على اعتبارات محفزات الاستكشاف والخطة والمفردات اللغوية (lexis)(2)، ولكن على القدر نفسه من الأهمية كانت تلك المراحل عوامل أثرت في الأداء أو إلقاء الخطبة. تتسم البلاغة الإقناعية بالقدرة على إخفاء حضور النص الموجود من قبل (الذي تشكَّل بمحفزات الاستكشاف والخطة والمفردات اللغوية) من خلال استخدامٍ ماهرٍ لتقنيات التذكر والإيماءات التي من خلالها تتجلى الخطبة.

    تضمنت الخطة (taxis) أو بنية الحجة خمس مراحل: الأولى الاستهلال (exordium) ويَعمَد فيه المتحدث إلى الفوز بحظوة الجمهور. وهنا قد تكون بعض الأساليب موجَّهة نحو الجمهور، مثل إطراؤه ومدحه أو التماس ودّه ورضاه. وبعض الأساليب قد تكون موجَّهة إلى المتحدث نفسه، مثل الإقرار بالقصور. وبالتناوب يمكن أن تلجأ بعض الأساليب إلى تقاسم المصلحة بين المتحدث وجمهوره، كما في استخدام ضمير الجمع «نحن». والثانية إيجاز الحجة (narratio)والثالثة تدعيم الحجة بأمثلة وسوابق أو تشبيهات (confirmatio). وتأتي بعدها مرحلة توقع الحجج المضادة (refutatio) وأخيرًا، الختام (conclusio) وفيه يستخدم المتحدث شكلًا من أشكال التماس قدرات ومؤهلات أفضل لدى الجمهور. سنرى أن العديد من هذه السمات ما يزال استخدامها متواصلًا في الخطب السياسية المعاصرة.

    1.2.3 البلاغة المعاصرة

    انشغلت الدراسات الحديثة المبكرة للخطب بإدارة التفاعل بين القادة وأتباعهم، فعلى سبيل المثال يستخدم أتكنسون Atkinson (1984) لفظ «claptrap» أيْ «محفزات التصفيق» ليشير إلى حزمة استراتيجيات يمكن استقصاؤها بقياس استحسان الجماهير. وحدد أتكنسون استراتيجيات لغوية مثل ذكر بضع كلمات عن المتحدث -عند تقديمِ شخص سياسي- قبل ذكر اسمه صراحةً. كما حدد أتكنسون استراتيجيات مثل القوائم الثلاثية واستخدام الأزواج المتباينة. ومع أن نهجه كان أهلًا للاستحسان إلا أنني سأحاجج بأنه نهج كثيرًا ما يتجاهَل أهمية المجاز في المساهمة في الأثر الإقناعي. والحالة كذلك على وجه الخصوص عندما تتفاعل هذه الاستراتيجيات البلاغية مع المجاز، وذلك بما أن الأثر المختلط لاستراتيجيات متنوعة هو ما يمكن في الغالب أن يكون له أعظم الأثر في الخطب السياسية. ويكفل التفاعل بين الاستراتيجيات البلاغية المتراكبة تواصلًا سياسيًّا مقنِعًا لأنه يخفي مساهمة أي استراتيجية واحدة بعينها، وهذا يتيح تجنب تنبيه الجمهور إلى أنه يمر بعملية إقناعه بفكرة ما. إذ إن الإقناع لكي يكون فنًّا، فلا ينبغي لحِيَلِه أن تكون ماثلةً للعيان.

    أود أولًا أن أشرح بعض هذه الاستراتيجيات البلاغية المتراكبة بالإشارة إلى بعض العبارات السياسية المعروفة. صارت بعض العبارات القصيرة العالقة بالذاكرة والميسورة الاستدعاء معروفةً في وسائل الإعلام بوصفها «مقتطفات بليغة». فهي عبارات مؤثرة لأنها تمثل زبدة الحجج بتكثيفها فكرةً ضخمة في كلمات معدودة، وبذلك تقتطع وقتًا أقل في وسائل الإعلام. ويمكن استخدامها في العناوين الرئيسية وتحظى بأثر واسع الانتشار فيُعاد نشرها باستمرار عبر وسائل إعلام متنوعة، بما فيها الإنترنت بطبيعة الحال. فهي لذلك تتميز بفعالية بالغة، استنادًا إلى منطق الاتصال. ويلخص الجدول 1-1 بعضًا منها.

    الجدول 1-1 «مقتطفات بليغة» في البلاغة السياسية

    1. ولذلك إخواني الأمريكان: لا تسألوا ما الذي يمكن أن يفعله بلدكم من أجلكم، بل اسألوا ما الذي يمكن أن تفعلوه أنتم من أجله. (كينيدي، خطاب التنصيب، 1961)

    2. الحزم مع الجريمة، الحزم مع أسباب الجريمة. (توني بلير، مؤتمر حزب العمال، 1992)

    3. الشيء الوحيد الذي ينبغي أن نخاف منه هو الخوف نفسه. (ف. د. روزفِلت، خطاب التنصيب، 1933)

    4. السيد غورباتشوف، دمِّرْ هذا الجدار. (ريغان، برلين، 1987)

    تتشارك هذه العبارات المقتبسة كثيرًا عددًا من السمات، فجميعها يطرح حجة موجزة للغاية إذ سيتطلب أيُّ تفسير لها عددَ كلمات أكبر بكثير، ومع ذلك فهذا الإيجاز في الأسلوب لا يضحّي بسبك الحجة. وبوصفها أفعالًا كلامية فهي تتقاسم الغرض البلاغي لحثّ الجمهور على فعل شيء ما (كما يتضح في بعض الحالات باستخدام صيغة الأمر) وهي جميعًا تنقل انطباعًا بأنه ما من ذرة شك تدور في ذهن المتحدث. ومن وجهة نظر لغوية يرجع هذا إلى أنها يُعبَّر عنها بدرجة عالية للغاية من الحساسية: فكلما بدا السياسي مقتنعًا بأفكاره ومعتقداته، رجحتْ كفة قدرته على إقناع جمهوره. ويطرح خطاب القيادة بالضرورة إحساسًا غائيًّا باستخدام بلاغة الاقتناع الراسخ للتعبير عن الثقة بالذات. تضم العبارات الثلاث الأُولى كلها كلمة واحدة على الأقل مكررة، والتكرار يبثّ إحساسًا باقتناع المتحدث. فكِّر مثلًا في كيف تُكرَّر نقطة ما في البلاغة السياسية التقليدية مرارًا بتكرار حركة اليد إلى أعلى وأسفل مع الإشارة بالسبابة.

    تتأسس بلاغة الاقتناع على جاذبيتها الأخلاقية، وهي تثير المشاعر. ففي كل عبارة من العبارات السابقة ثمة تباين بين كيانات سلبية وأخرى إيجابية، بارزة أو مضمرة. وهذه الكيانات هي بالترتيب كما يلي: الأنانية في مقابل التضحية بالذات، الجريمة مقابل أسباب الجريمة، الخوف مقابل الشجاعة (أي بالتغلب على الخوف)، السجن (مضمرًا في كلمة «جدار») مقابل الحرية. يستخدم المثال الأول صورة بلاغية مكونة من جزأين، ترتيب كلمات الثاني فيها قلبٌ لترتيب كلمات جزئها الأول. يعرف هذا الأسلوب باسم «الإقلاب البلاغي»(3)، وقلبُ ترتيب الكلمات يغير المعنى بعكس موقعي الفاعل والمفعول. ويبرِز المثال الثاني التوازي حيث يتكرر نمط نحوي. ويتغير في المثال الثالث الفعل «نَخَاف» إلى الاسم «الخوف» فيضمر معنى أننا لا نخاف شيئًا بتاتًا. أما المثال الرابع فيطرح مناشدة مباشرة للغاية بذكر اسم المخاطَب صراحةً، فعلى الرغم من أن العبارة صيغت في صورة أمر، إلا أن إضفاء الطابع الشخصي على المخاطبة بذكر اللقب هو شكل من أشكال الالتماس. ما أردت إبرازه بهذا التحليل الموجز هو أن الأثر المدمَج لحزمة من السمات اللغوية والبلاغية هو ما يفسر لِمَ استحوذت هذه العبارات على اهتمام وسائل الإعلام، وصارت «مقتطفات بليغة».

    وأود الآن أن أبرز كيف استخدمت مارغرِت تاتشر حزمة من مثل هذه الاستراتيجيات في خطبتها أمام مؤتمر الحزب عام 1987. واحدة من الاستراتيجيات المفضلة لدى تاتشر كانت السؤال البلاغي المجاب عنه بقائمة ثلاثية:

    لِمَ ربحنا؟ أعتقد أننا ربحنا لأننا علمنا ما الذي نناضل من أجله، وأعربنا عما نناضل من أجله. وتمسكنا بما نناضل من أجله.

    وهنا، يلخص العنصر الثالث ويعزز ما سبقه. لولا العنصر الثالث لكانت المقارنة منقوصة. لكن بوجود ذلك العنصر ثمة إشارة واضحة للجمهور بأن هذه نقطة اختيارية (ومثالية) لإظهار استحسانه ما قيل.

    وقد أوضحت أبحاث متنوعة في مجال المحادثة (Tsui 1994) وصنوف أخرى في التحادث والتحاور مثل خطاب الفصول الدراسية (Sinclair and Coulthard 1975) أن الخطاب الشفهي ينتظم بصورة نمطية في ثلاثة أجزاء. الجزء الأول، أو الاستهلال، ثم الإجابة ثم جزء ثالث مطلوب. يتنوع دور الجزء الثالث بحسب إطار الخطاب، لكنَّ دافع العنصر الثالث ليس نقل المعلومات إلى حد كبير (كما هو الحال مع الجزأين الأول والثاني) إنما دافعه جَعْل التفاعلِ مقبولًا اجتماعيًّا وحَسَن الصياغة بحسب العلاقات الاجتماعية القائمة بين المشاركين في المحادثة. أما في المحادثة السياسية فإنني أرجِّح أن وظيفة الجزء الثالث هي تعزيز معنى الجزأين الآخرين بالتكرار وإبراز التمام والاكتمال. وهذا النوع من الإيماء الخاص ببنية الخطاب مهمٌّ في صناعة الخطبة لأنه يشير إلى نقطة انتقال حيث يبرز خيار استحسان الجمهور ما سمع. وكما حاجج أتكنسون:

    يجب على المتحدث، في المقام الأول، أن يجعل من الواضح تمامًا بالنسبة لهم أنه قد بدأ بالفعل في المراحل النهائية لتقديم رسالة جديرة باستحسانهم. وثانيًا، يجب عليه أن يَسُوقَ لهم معلومات كافية بحيث يتمكنون من توقُّع النقطة المحددة التي ستبلغ عندها الرسالة تمامها. (Atkinson 1984: 48)

    تضم خطبة مارغرت تاتشر مثالًا على الطِّباق حيث يمتزج التتابع والمقارنة للمقابلة بين فترة حكومة حزب العمال الأخيرة قبل 1979 والفترة التالية للنصر الثالث لحزب المحافظين. ويشكل التباين بين حزب العمال «آنذاك» والمحافظين «الآن» فكرة متكررة عبر الخطبة، كما في الاقتباس التالي:

    إن بريطانيا القديمة المنتمية لحقبة السبعينيات، بإضراباتها وإنتاجيتها الهزيلة واستثمارها المنخفض وشتاءات السخط والاستياء، وفوق كل ذلك بكآبتها وتشاؤمها وروحها الانهزامية الساحقة -هذه الـ«بريطانيا» قد انتهت. ونحن الآن في بريطانيا جديدة، واثقة من نفسها ومتفائلة ومطمئنة لقوتها الاقتصادية- إنها بريطانيا يأتيها الأجانب لينظروا إليها نظرة إعجاب ويستثمروا فيها، قطعًا، ويتأسَّوا بها.

    هنا، تحقق التباين بين حزب العمال القديم المرتبط في الأذهان بعلاقات صناعية متنافرة وإنتاجية منخفضة عن طريق الاقتران ببريطانيا حزب المحافظين، الجديدة والفعالة والمنتجة.

    وفضلًا عن الصور التي تستغل التتابع والمقارنة وظَّفت تاتشر موارد بلاغية أخرى مثل الإحالة الضمنية الإنجيلية:

    حاشاني أن أهزأ بخاطئ يتوب. إنما مشكلة حزب العمال أنهم يريدون النفع الذي تجلبه التوبة من دون أن ينبذوا الخطيئة الأصلية. هذا مُحال!

    كما وظَّفت التهكم:

    يساورني شعور بأن دكتور أوين، إن لم يكن قد عرف قبلُ، فقد عرف الآن أن: ست بوصات من الصلب الأخوي توجد أسفل لوح الكتف.

    إن التهكم والسخرية خياران أسلوبيان ينقلان توجهات المتحدث بشأن الموضوع إلى الجمهور.

    ما يهم، رغم ذلك، بشأن الأساليب والصور البلاغية أنها تؤدي عملها بتمازج بعضها مع بعض، لا بمعزل بعضها عن بعض. ونحن في الغالب لا نعزل أحدها عن الآخر إلا بغرض تحديد استراتيجيات التواصل. ويأمل أتكنسون (1984: 48) أن:

    ... يؤكد من البداية أن محفزات التصفيق الناجحة تنطوي دومًا على استخدام أكثر من أسلوب في الوقت ذاته. يرجع هذا إلى الصعوبات المتضمنة في تنسيق أنشطة عدد كبير من الأفراد ممن لا يمكن أن يُعتمد عليهم جميعًا في إيلاء اهتمامهم التام لما يقوله المتحدث.

    استخدام الإحالات الضمنية الإنجيلية والتوراتية، وأساليب الخطاب مثل السخرية والتهكم، وسرد حكايات ونوادر، وطرح أسئلة بلاغية؛ كلها أساليب لاستثارة اهتمام الجمهور والهيمنة على اهتمام السامعين. والقادة الناجحون لا يتعاملون مع اهتمام الجمهور بوصفه شيئًا مضمونًا مسلَّمًا به بل يهتفون بأتباعهم المرتقبين من خلال حُزمةٍ غنية ومتنوعة من الاستراتيجيات البلاغية. فالأثر المختلط لتنويعة الاستراتيجيات البلاغية هو ما يشكل لغة القيادة.

    1.3 الإقناع والبلاغة

    1.3.1 الإقناع

    يشير الإقناع بوجه عام إلى استخدامِ طرفٍ اللغةَ ليحثّ طرفًا آخر على قبول وجهة نظر ما. أما البلاغة فهي حُزمة الأساليب المستخدمة لإقناع آخرين، ومع أن البلاغة والإقناع لا ينفصل أحدهما عن الآخر -بما أن أي تعريف للبلاغة يتضمن بالضرورة فكرة الإقناع- فإنهما غير متطابقين. ويفترض الإقناع وجود نية مسبقة من جانب أحد المشاركين قبل أن يبدأ باستهدافِ مشاركٍ آخر سلبي سأشير إليه -مستخدمًا مجازًا مسرحيًّا- باسم «الجمهور». وعندما نفكر في «الإقناع» فإننا نتصور طرفين: أحدهما يستهدف الآخر، ونفترض وجود نية تأتي سابقة على فعل الإقناع. لكن عندما نفكر في جمهور ما بوصفه طرفًا «أُقنِعَ» بحجةٍ (لاحظ صيغة المبني للمجهول هنا)، فإننا نلقي الضوء على أثر الإقناع لأنه يشير إلى تغير في وجهة نظر الطرف السلبي. ونحن على الأرجح نفترض أيضًا أن اللغة أسفرت عن هذا التغير، بما أن من النادر في السياقات السياسية أن يقتنع المرء بالمظهر وحده. وعلى ذلك، يشير «الإقناع» إلى نية تغيير تفكير الجمهور وفعل التغيير وأثره. لذا، ينبغي أن ينظر إلى الإقناع بوصفه فعلًا كلاميًّا، وهذا يعني أنه نوع من اللغة التي تغيّر الإدراك، وليست تصفه أو تصف كيف يتحقق مثل ذلك التغير فحسب. وعلى النقيض، يُستخدَم مصطلح «بلاغة» عندما نريد أن نركز على كيف ينفَّذ الإقناع: فالبلاغة تشير على نحو خاص إلى الأساليب التي يوظفها المتحدث لكي يقنع آخرين، لا إلى مجمل النية والفعل والأثر.

    ولن يكون الجمهور في العادة واعيًا تمام الوعي بوجهة النظر المضمَرة إلى أن يكشف المتحدث عنها النقاب، وإن كان من المحتمل وجود بعض التوقعات القائمة على المعرفة المسبقة بمعتقدات هذا المتحدث وسياق الحديث. فعلى سبيل المثال، من المرجح أن يصوِّر المتحدثُ في اجتماع للجناح اليميني «الأمةَ» تصويرًا إيجابيًّا و«المهاجرين» تصويرًا سلبيًّا عن طريق تعزيز القوالب النمطية الموجودة قبلُ من خلال مجازاتٍ تُجرِّدهم من إنسانيتهم. هذه المجازات قد تتضمن الإشارة إلى المهاجرين كما لو أنهم اندفاع في حركة المياه، مجازات مثل «الفيضان» و«المَدّ». إنّ بَسْطَ المتحدث وجهة نظره المضمَرة حتى تتكشف للعيان -ومن ثم إما أن تُعزز طريقة تفكير الجمهور أو تغيّرها، أيْ طريقة إدراكهم بوصفهم مجموعة -لهو السبيل الذي به أفهم «الإقناع» في سياقات سياسية.

    وكما أشرتُ سابقًا، من المهم التمييز بين دورين في الإقناع. يتسم الدور الفاعل للمتحدث بنوايا مقصودة، فالإقناع لا يحدث بمحض الصدفة، لكن بسبب الأهداف المضمرة للمتحدث وقدرته على إيصال تلك النوايا بطريقة فعالة عبر البلاغة. سيكون الهدف تغيير رأي الجمهور بشأن شيء ما، لأنه ما لم يحدث تغيير في الرأي فلا يمكن القول بأن الجمهور قد اقتنع بشيء. ودور الجمهور سلبي بصورة أساسية، ومع ذلك فالإدراك الاجتماعي لا بد أن يحدث إن كنا سنقول إن الجمهور يفكر بطريقة مختلفة عقب فعل الإقناع. وفي السياقات السياسية الديمقراطية سنعرف مبدئيًّا من خلال الاستجابة متى أقنعَ سياسيٌّ ما جمهوره، وذلك عن طريق التصفيق أو الغناء أو الوجوه المتهللة في السياقات المباشرة. أما في المواقف غير التفاعلية فإننا سنعرف من خلال استطلاعات الرأي ثم من خلال التصويت في الانتخابات. وأخيرًا، في هيئة تشريعية منتخبة فإننا سنعرف أن الإقناع قد حدث عندما يصوت السياسيون لصالح سياسات معينة بحيث تصبح قانونًا.

    وأود الآن أن ألخِّص وجهات نظري بشأن الوسائل البلاغية للإقناع في التواصل السياسي. فالشكل 1.1 قائم على الأدلة الفنية الثلاثة لأرسطو التي قدمتُ لها في القسم 1.2.2 لكنه يأخذ في الاعتبار أيضًا العوامل السيكولوجية والإدراكية التي تؤثر في الإقناع.

    مدارُ الإقناع هو كونُ المرء على صواب، ولا يمكن القول بأن الجمهور قد اقتنع إلا إذا أقنع المتحدثُ جمهورَه بأنه على صواب. ومن الشروط المسبقة لكون المرء على صواب أن يَكسِب المتحدثُ ثقةَ جمهوره بتأسيس نزاهته الأخلاقية، لكن عندما تفقد الجماهير ثقتها في قائدها فلن تكون أي حجج أو سرديات يطرحها هو مقنعةً لها. وتتأسس الثقة بإقناع الجمهور بأن نوايا القائد تجاه الجماعة سليمة وأن مصالح الجماعة تحتلّ صميم قلبه. ولهذا السبب ففضائح الفساد مدمِّرة بالنسبة للساسة، إذ إنها تعني أن نوايا القائد فاسدة لأنه دخل مضمار السياسة سعيًا وراء منفعة ذاتية لا مصالح الجماعة. وعلى ذلك فالنزاهة مفهوم عام يتضمن كلًّا من اللغة والسلوك، وحوله تتنافس الأطراف الفاعلة في مجال السياسة لتأسيس شرعيتها. وقد وضعتُ النزاهة على رأس الشكل البياني لأشير إليها باعتبارها شرطًا مسبقًا للإقناع.

    الشكل 1-1 الوسائل البلاغية للإقناع في التواصل السياسي

    ومن الوسائل البلاغية الأخرى لإقناع جمهور ما بأن المتحدث على صواب استخدامُ الحجج السياسية التي تظهر أن السياسات قائمة على العقلانية. هذا هو ما أصفه بأنه «التفكير بصورة سليمة» لأن الحجج العقلانية مقنعة في جوهرها. وأشرح في القسم 2-2-1 مساهمة المجاز في التفكير بصورة سليمة. وبالإضافة إلى النوايا السليمة والتفكير بصورة سليمة، ينبغي للمتحدث أيضًا إقناع جمهوره عن طريق الأثر الوجداني من خلال «قول ما تستسيغه الأسماع»: وهو القدرة على الاندماج مع جمهوره وجدانيًّا من خلال التعاطف أو حس الفكاهة أو إثارة مشاعر مثل الخوف أو الكراهية. ويتحقق «قول ما تستسيغه الأسماع» عن طريق إبراز قدرة المتحدث البلاغية، لا سيما أن هذا الأسلوب يظهر مقدرته على الاندماج مع جمهوره من خلال امتلاكه ناصية الخطاب السياسي. وعلى ذلك فإجادة البلاغة التقليدية تسهم في خلق المناخ الوجداني المناسب لحدوث الإقناع.

    من منظور سيكولوجي ينبغي للقائد السياسي أيضًا إقناع جمهوره بأنه على صواب من خلال خلق تمثيلات ذهنية تؤثر على أساليب الجمهور في فهم المواقف. أما «سرد قصة ملائمة» فيعني تقديم مجموعة من الأطر أو المخططات التي تجعل الأفعال أو العوامل السياسية جليةً عن طريق طرح تفسير يتماشى مع خبرة الجمهور السابقة وافتراضاته بشأن الطريقة التي يسير بها العالم. وأناقش في القسم 2-2-2 كيف يسهم المجاز بصورة جوهرية في تشكيل هذه التمثيلات الذهنية. وقد أشرتُ في بداية هذا الفصل إلى بعد آخر بوصفه ذا صلة بالإقناع وهو المظهر والهيئة. ويجوز أن نلخص هذا في «المظهر الحسن»، ولم أدرجه في الشكل السابق. أما الجوانب غير اللفظية للإقناع فتتناولها بتفصيل أكبر دراسةٌ عن القادة غير الغربيين (Charteris-Black 2007). والتركيز على المجاز في هذا الكتاب يَحُولُ بيننا وبين استكشافٍ مفصَّل للمظهر وغيره من وسائل التواصل غير اللفظية، وإن كنتُ أعلق على المظهر عند مناقشة تأثير وسائل الإعلام. (القسم 1-3-4).

    1.3.2 البلاغة والجدل المنطقي

    نصادف تقييمًا سلبيًّا للبلاغة في عبارات من قبيل «بلاغة فارغة» أو «حيلة بلاغية»، وهي عبارات تشير إلى استخدام اللغة كما لو كانت منفصلة عن القيم. والأمر يرجع إلى الارتباطات الذهنية الدلالية السلبية التي برزت والتصقت بمصطلح «البلاغة»، فغالبًا ما يحل محله الآن مصطلح «الإقناع» الذي لا يثير في الذهن التناقض ذاته بين ما يقال وما يفعل، أي بين الكلام والفعل. إن الإخفاق في فهم هذا التوتر هو ما أفضى تاريخيًّا إلى بروز معنى سلبي للبلاغة بوصفها استخدامًا مفرطًا للزخرف اللفظي. فهذا المعنى يفترض أن البلاغة هي الأسلوب وحده وليست أيضًا القيم والمصداقية، أي الموقف الأخلاقي للمتحدث. لكن «الإقناع»، وإن يكن إيجابيًّا في دلالته إلى حد كبير، لا يحدد بوضوح الوسائل التي يتحقق بها. إن الانشغال بالنتيجة وحدها يمكن أن يفضي بنا إلى تجاهل الوسائل المستخدمة في التأثير على الرأي، وتأسيس هذه الوسائل كان غرض كل من البلاغة والجدل المنطقي (dialect).

    والواقع أن الشك في البلاغة يمكن أن يقتفى أثره في العصور القديمة إذ انتقد سقراط وأفلاطون البلاغة لقلة انشغالها بالحقيقة التي تكون مستقلة عن مصالح المتحدث، ومن ثم فهي غير متوائمة مع غرض الفلسفة، وهو اكتشاف الحقيقة التي كانت منفصلة عن حسابات المصلحة. وهكذا تطوَّر في الفترة الكلاسيكية تناقضٌ بين البلاغة والجدل المنطقي حيث أعطى الجدل المنطقي ثقلًا مساويًا لجانبي المجادلة وهما يَبرزان في الجدل. في الجدل المنطقي يوجد شريكان ناشطان اشتركا، على أسس متساوية وبطريقة متوازنة، في غرض مشترك. أما البلاغة فكانت معنية بتقديم مسألة من جانب واحد فحسب ومن ثم اتخذت بناء على ذلك صورة مشارك ناشط واحد فقط و«جمهور» سلبي في الغالب.

    أفضت الاختلافات في التوجهات نحو الدعوة القائمة على المصالح إلى اختلافاتٍ بين البلاغة والجدل المنطقي في دور كل من المتحدث والجمهور وأنماط استخدام اللغة، توافقتْ هذه الاختلافات مع اختلافات هدف كل من المتحدث البلاغي والمجادِل المنطقي (dialectician). وقد تطلَّب الجدل المنطقي عمليةَ سؤال وجواب تكشفت من خلالها حقيقةٌ بعد تقديم كل طرف وجهة نظره، أما في الجدل البلاغي التقليدي فيقدم المتحدث عرضًا أمام جمهور، عادة ما يكون حشدًا غفيرًا، ينصت إلى العرض ويشاهده أو يفعل أيًّا منهما، فالمتحدث هو العنصر النشط. والمتحدث مجادل يَبسُطُ ادعاءات ويدعمها بحجج، لكن الجمهور سلبي نسبيًّا فيما يتعلق بعملية الجدل الآخذة في التقدم. (Walton 2007: 17)

    في الجدل، الهدفُ اشتباكٌ تعاوني بين متحدث وجمهور بغرض اكتشاف أو تأسيس ما الحقيقي أو الصحيح وما الخطوة التي يجب أن تُتّخذ. أما في البلاغة فالمتحدث يعلم بالفعل ما الحقيقي أو الصحيح، وهدفُه تمكين الجمهور من اكتشاف

    وجهة نظره. وقد تُقيَّم فعالية الجدل بجودة المحاججة فيما تُقيَّم فعالية البلاغة بمدى نجاح المتحدث في التأثير على جمهوره. وهذا أمر قابل للقياس في صور معينة من الخطب بدرجة أكبر

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1