Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الأعمال الكاملة.. القصص القصيرة
الأعمال الكاملة.. القصص القصيرة
الأعمال الكاملة.. القصص القصيرة
Ebook497 pages2 hours

الأعمال الكاملة.. القصص القصيرة

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

برع الدكتور نبيل فاروق في وصف الشخصيَّة المصريَّة من خلال قصصه القصيرة، المُعبِّرة عن الإنسان ومعاناته ومخاوفه وأفكاره.
وعلى عكس الطابع البوليسي الذي يميز الدكتور نبيل فاروق في أعماله، تجيء هذه القصص الممتعة المجمعة في كتاب الأعمال الكاملة قصص قصيرة لتحكي لنا ببراعة الأديب المتمرّس في الكتابة عن المشاعر والحياة وتناقضاها، نغوص في أعماق شخصيات القصص لنعيش معهم كل ما يحملونه من مشاعر الحب والخوف والترقُّب من منظور اجتماعي نفسي ممتع ومشوق. حتى تشعر أثناء القراءة أنك تقرأ بعضًا من حكاياتك أنت.
هذا الكتاب هو بمثابة بوابة تطل على الإنسانية، كل حكاية ستجدها مشابهة لقصة تعرفها، أو قصة عشتها
هي قصص قصيرة عن الحياة، الحب، والناس. كتبت بقلم متمرس عالم بخبايا النفس البشرية وما بها من أحلام وطموحت وتناقضات.
Languageالعربية
Release dateMar 31, 2024
ISBN9789776337329
الأعمال الكاملة.. القصص القصيرة

Read more from نبيل فاروق

Related to الأعمال الكاملة.. القصص القصيرة

Related ebooks

Reviews for الأعمال الكاملة.. القصص القصيرة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الأعمال الكاملة.. القصص القصيرة - نبيل فاروق

    الأعمال الكاملة

    القصص القصيرة

    د. نبيل فاروق: الأعمال الكاملة.. القصص القصيرة

    طبعة دار دَوِّنْ الأولى: أغسطس ٢٠١٠

    رقم الإيداع: ١٥٠٣٠ /٢٠١٠ - الترقيم الدولي: 9 - 32 - 6337 - 977 - 978

    جَميــع حُـقـــوق الطبْــع والنَّشر محـْــــفُوظة للناشِر

    لا يجوز استخدام أو إعادة طباعة أي جزء من هذا الكتاب بأي طريقة

    بدون الحصول على الموافقة الخطية من الناشر.

    © دار دَوِّنْ

    عضو اتحاد الناشرين المصريين.

    عضو اتحاد الناشرين العرب.

    القاهرة - مصر

    Mob +2 - 01020220053

    info@dardawen.com

    www.Dardawen.com

    د. نبيل فاروق

    الأعمال الكاملة

    القصص القصيرة

    إهــــداء

    قد تكون تلك هي المرة الأولى التي تقرأ فيها كتابًا يهديه الناشر إلى المؤلف!!

    ولِمَ لا إذا كان المؤلف بقامة وحجم د. نبيل فاروق، والناشر هذه المرة هم مجموعة شباب تعلموا القراءة على يديه، وأدمنوا الأدب بسببه..

    أستاذنا العظيم د. نبيل فاروق..

    نشكرك على كل شيء فقد تعلمنا منك الكثير.

    الانتظار

    كالمعتاد، وصلت هي أولًا..

    وكان عليها أن تنتظره..

    كل مرة يحدث هذا..

    كل مرة يكون عليها هي أن تنتظر..

    زفرت في حنق وتطلعت إلى ساعتها، ثم عادت تتطلع إلى الطريق..

    إنه لا يحترم أية مواعيد..

    حتى في عمله يصل متأخرًا..

    وهي على عكسه تمامًا، تصل دومًا في موعدها..

    وتنتظر..

    ولأول مرة، منذ بدأت علاقتهما شعرت نحوه بالسخط..

    لماذا تحتمله هي دومًا؟

    لماذا تحتم قواعد التعامل أن تدلل النساء الرجال قبل الزواج؟

    وفي أعماقها انفجرت ثورة..

    لا..

    لن تنتظره هذه المرة..

    لقد وصلت في موعدها وما دام هو لم يصل، فليحتمل النتائج..

    وفي حزم اندفعت تغادر مكانها في غضب، وعبرت الطريق في عصبية مفاجئة..

    وارتفع صرير إطارات سيارة تحتك بالطريق في قوة مع محاولة صاحبها إيقافها في استماتة، وأعقبه صوت ارتطام السيارة بجسم لدن..

    وشعرت هي بالصدمة ثم تلاشى شعورها بالألم بغتة، وراحت روحها تفارق جسدها في نعومة وهدوء محلقة نحو الأبدية..

    والعجيب أنها لم تشعر برهبة الموت حينئذ، بل كل ما شعرت به هو السخط لأنه حتى في هذا ستذهب هي أولًا..

    وسيكون عليها أن تنتظره..

    * * *

    البطل

    كان ذلك الزقاق مظلمًا على نحو مخيف، حتى إن ركبتي (فتحي) راحتا تصطكان في قوة وهو يعبره، في حين راح هو يلعن ذلك الملل الذي دفعه إلى إبدال مساره المعتاد الذي يقطعه يوميًّا منذ ثلاث سنوات عائدًا من عمله إلى منزله..

    وفي تلك الساعة المتأخرة بدا له كل شيء مرعبًا..

    الظلال التي تلقيها صفائح القمامة..

    صوت الحشرات.. حفيف أوراق قديمة، تطيرها النسمات..

    كل شيء بدا له مخيفًا..

    وفجأة سمع صوتًا يأتي من خلفه.. وتجمدت أطرافه..

    وهمس في صوتٍ مرتجف:

    - منْ.. منْ هناك؟

    وتحرك شيء ما في عنف.. ولم ينتظر (فتحي)..

    انطلق يعدو كالصاروخ وقد صور له رعبه ذلك الشيء شبحًا رهيبًا، أو جنيًّا مخيفًا.. وعبر الزقاق كله في عدد محدود من الخطوات بالسرعة التي ينطلق بها..

    وفجأة ومع وصوله إلى نهاية الزقاق ارتطم بشخص ما في قوة، وسقط معه أرضًا.. وسمع ذلك الشخص يطلق سبابًا بذيئًا ورآه يستل مدية كبيرة، فقفز محاولًا الفرار إلا أن قفزته جاءت ضعيفة فتعثر، وسقط فوق ذلك الشخص مرة أخرى وسمعه يشهق في ألم ثم تخمد حركته..

    وفجأة هتفت سيدة:

    - أيها البطل.. لقد أنقذتني من ذلك اللص الوضيع.

    وهتف الرجل:

    - أنت أشجع من رأيت في حياتي كلها..

    وفي الصباح التالي كانت صوره تتصدر الصحف، مع وصف مستفيض لشجاعته وجرأته، وذلك الأسلوب البطولي الذي واجه به أحد المجرمين الخطرين على الأمن عندما حاول هذا الأخير سرقة سفير دولة عربية صديقة وزوجته بالإكراه..

    وراح الجميع يهنئونه على شجاعته وبطولته، واكتفى هو بابتسامة هادئة، زادت من احترام الجميع له ومنحته مظهر بطل اعتاد البطولة.. أما في أعماقه فقد كانت هذه الابتسامة تحمل هيئة ضحكة ساخرة كبيرة، فهو وحده يعرف حقيقة البطل..

    ولكنه لم يكشف السر أبدًا..

    لقد احتفظ به في أعماقه مع قرار حاسم، اتخذه بعد ذلك الحادث مباشرة.. لقد قرر ألا يعبر ذلك الزقاق المخيف..

    لن يعبره مرة ثانية.. أبدًا..

    * * *

    التائه

    (الأربعون على الأبواب، والعمر يمضي)..

    ترددت تلك العبارة في رأس (فكري) للمرة الألف، وهو يستقبل عيد مولده هذا الصباح.

    إنه عامه الأربعون..

    نقطة الانتقال من عالم الشباب والرجولة إلى مرحلة الكهولة وأعتاب الشيخوخة.. وعندما ذكر هذا لوالده قهقه ضاحكًا، وقال وهو يربت على كتفه في حرارة:

    - ماذا أقول أنا إذن وسأحتفل بعيد مولدي السادس والستين بعد شهر أو يزيد؟!

    كان والده يقولها وهو مفعم بالحيوية والنشاط وابتسامته تملأ وجهه الباسم الذي تحيط به هالة من الشعر الأشيب الذي زاده مهابة ووقارًا.. ولكن (فكري) كان يشعر بأنه أكبر من والده..

    ربما لأنه لم يحظ بعد بما حظي به والده منذ بلغ عمره ربع القرن بالتمام والكمال.. لم يتزوج بعد..

    وتنهد (فكري) في أسى وهو يستعيد ذكريات مضت..

    ذكرى تلك المرة الوحيدة التي حاول فيها الزواج..

    كان في الرابعة والعشرين من عمره، تخرج منذ عام واحد من كلية التجارة، والتحق بالعمل في بنك وطني صغير عندما التقى زميلة دراسته (هبة) التي ربط الحب بين قلبه وقلبها منذ عامها الأول في الكلية، وقال لها في لهفة:

    - (هبة).. أعتقد أنه يمكنني التقدم لطلب الزواج منك الآن.

    كان يتوقع منها فرحة عارمة وسعادة لا حد لها، وهما اللذان يخططان للزواج مند تخرجهما، ولكنه فوجئ بوجهها يشحب، وبعينيها تغرورقان بالدموع، وبشفتيها ترتجفان في مرارة، فهتف بها جزعًا:

    - ماذا حدث یا (هبة)؟

    يومها تركت دموعها تغمر وجهها الجميل وهي تخفض عينيها، قائلة:

    - لقد تقدم لي عريس آخر.

    انتقل شحوبها إليه، وقفزت ارتجافتها إلى شفتيه وصوته وهو يقول:

    - عريس آخر؟!

    بكت في مرارة وهي تشرح له كيف رآها ذلك المقاول في أثناء عودتها إلى منزلها وكيف تبعها وعرف عنوانها واسمها، ثم تقدم لطلب يدها من والدها الموظف البسيط، واعدًا إياه بأنه لن يطالبه بأي شيء، وسيتكفل وحده بكل متطلبات الزواج، إلى جانب استعداده لشراء شبكة غالية الثمن ودفع مهر محترم، وإقامة حفل زواج يليق بمقامه وتجهيز شقة فاخرة بأفخم الأثاث وأحدث الأدوات..

    ولم يجد والدها مبررًا للرفض وهو الذي يستيقظ كل صباح مهمومًا، يتساءل: كيف يمكنه تجهیز بناته الثلاث للزواج؟

    كانت بالنسبة إليه فرصة لا تعوض لتزويج كبرى بناته دون أن يتكلف قرشًا واحدًا.. وكانت الموافقة فورية، وتمت قراءة الفاتحة وتحديد موعد الخطبة والزواج..

    واستقبل (فكري) حديثها - آنذاك - كمن يتلقى صدمة كهربية عنيفة.. لقد انتفض جسده في عنف، وجلس يحدق فيها ذاهلًا مصعوقًا حتى نهضت هي تمسح دموعها وتقول في همس حزين:

    وداعًا يا (فكري).. لن أنساك أبدًا.

    وانهار هو تمامًا..

    لم يستطع أبدًا استيعاب فكرة العريس الثري الذي يظهر فجأة ملوحة بأمواله فيخطف قلب شاب ويحطم آخر..

    وفي اليوم نفسه، تسلل ليلقي نظرة على ذلك المقاول وهو يتمنى أن يجده ضخمًا أصلع الرأس تحيط بكرشه الضخم حلة غالية الثمن فاسدة الذوق.. ولكن الصورة جاءت مختلفة تمامًا..

    لقد وجده رجلًا وسيمًا أنيقًا، قوي الشخصية، مهاب الطلعة..

    وفي حفل الزفاف، الذي حضره خلسة، تبين له أن (هبة) قد انتبهت إلى كل تلك الصفات في عريسها، فقد كانت هناك ابتسامة خلابة تضيء وجهها، وهی تتأبط ذراعه وتصعد معه إلى مسرح صغير لتقطيع كعكة الزفاف الضخمة..

    وبكى (فكري)‍ طويلًا..

    بكى حتى جفت دموعه، ثم اتخذ قراره بعدم الزواج إلى الأبد، والتركيز على بناء مستقبله..

    وفي اليوم التالي، استقال (فكري) من عمله في البنك، وقرر اقتحام عالم الأعمال الحرة..

    وكانت أنجح خطوة في حياته..

    ففي الأعوام التالية، راح ينتقل من نجاح إلى نجاح، واشتهر بحسن سيرته في مجال بيع السيارات المستعملة، حتى افتتح معرضًا لبيعها في منطقة هادئة أنيقة، ثم لم يلبث أن حصل على توكيل لبيع واحدة من أشهر طرازات السيارات في العالم، وانضم اسمه إلى قائمة كبار رجال الأعمال في (مصر)..

    ولكنه لم يتزوج بعد..

    لقد انهمك في عمله تمامًا، حتى إنه نسي نفسه ومستقبله، ولم ينتبه إلى أنه لم يتزوج حتى أصبح على أعتاب الأربعين..

    لحظتها بدا كالتائه في صحراء الحياة الجرداء يلهث من أجل قطرة ماء، ولمحة من الظل..

    وفجأة أيضًا، بدأت عيناه تتابعان الحسناوات في رواحهن وغدوهن وقلبه يخفق مع كل وجه جميل وابتسامة فاتنة..

    وفي صباح عيد مولده تضاعف لديه هذا الإحساس عشرات المرات.

    إحساس التائه.. وعندما زار أمه، وانحنت لتطبع قبلة على وجنته وتهنئه بعيد مولده، فاجأها قائلًا:

    - أريد أن أتزوج..

    لم تصدق الأم نفسها في البداية، وهي التي طالما ألحت عليه ليتزوج، ثم تهللت أساريرها وهي تهتف في سعادة:

    - مبارك.. مبارك..

    ثم مالت نحوه، هامسة في جذل:

    أهناك واحدة بعينها؟

    هز رأسه نفيًا، وهو يجيب:

    كلا.. ابحثي لي عن زوجة مناسبة.

    اعتدلت أمه ووجهها يهتف بالبشر، وقالت في حماس:

    - غالٍ والطلب رخيص.

    وفي المساء نفسه، وهو يطفي شموع عيد الميلاد، كانت تحمل له عشرات الصور العديد من الفتيات الجميلات.. وانتقى هو واحدة سحرته ابتسامتها، وخلب جمالها الهادئ لبه، ولكن والدته قالت:

    - إنها للأسف - أفقرهن، فوالدها مجرد موظف بسيط، و...

    قاطعها في حسم:

    - هذا لا يهم.. سأتكفل بكل شيء..

    أخبريهم هذا.. المال لا يهمني قط.

    وابتسمت أمه، قائلة:

    - على بركة الله.

    ولم يمض أسبوع واحد حتى كان يجلس في منزل الفتاة التي اختارها وهي تجلس أمامه صامتة، وإلى جوارها والداها اللذان رحبا به في حرارة وابتسما في ارتياح وهو يؤكد أنه سيتكفل بكل المصروفات من الألف إلى الياء، ثم أعلن الأب موافقته بلا تحفظ، وشد على يده وهما يقرآن الفاتحة، في حين أطلقت أم العروس زغرودة قوية مجلجلة وكأنها تعلن خبر الزواج للحي بأكمله..

    أما العروس نفسها، فقد بدت ساهمة واجمة وكأنما باغتها الأمر، أو لم ينل رضاها.. وعندما صارح أمه بهذا وهما في طريق العودة قهقهت ضاحكة، وقالت:

    - كلهن هكذا.. إنها تراك لأول مرة والخجل يعقد لسانها.

    واقتنع بهذا التفسير، وهو يرقد في فراشه مبتسمًا ويهنئ نفسه على الفوز بتلك الساحرة التي فتنت قلبه منذ اللحظة الأولى.

    وفي الصباح التالي، بدأ يشاهد معارض الأثاث ويتفقد قاعات الأفراح في الفنادق الكبرى و...

    وفجأة، وقع بصره عليها..

    خطيبته الشابة الفاتنة وشاب في مثل عمرها..

    كان يجلسان حول مائدة صغيرة في حديقة مطلة على النيل، هي تبكي في مرارة وحرارة، وهو يحدق فيها ذاهلًا مصدومًا..

    وفهم (فكري) كل شيء من النظرة الأولى..

    فهم ما يعنيه هذا المشهد..

    بل رأى نفسه جزءًا منه..

    لم يكن أحد الجالسين حول المائدة، بل كان ذلك المقاول الذي انتزع منه (هبة)..

    وفي المساء نفسه، زار (فكري) خطيبته وأعلنها أنه رآها مع حبيبها، وقبل أن تفزع شرح لها أن هذا لم يؤذه، وأنه يفهم موقفها، بل وطالبها بأن ترسل الشاب للعمل في شركته بمرتب ضخم، يتيح لهما الزواج وتأثيث منزل مناسب بأسرع وقت..

    وبكت الفتاة بين يديه وهي تشكر له شهامته ورجولته وكرمه..

    وغادر هو منزلها وهو يبتسم في ارتياح..

    وبالفعل حضر إليه الشاب وألحقه هو بالعمل، وساعدهما على الزواج في أسرع وقت، وكان شاهد العقد في حفل زفافهما..

    ولكنه لم يفكر بعدها في الزواج قط..

    لقد اكتفى بذلك الشعور الذي ملأ كيانه كله، فانزاحت عنه كل المشاعر الأخرى.. شعور التائه.

    * * *

    الثأر

    انكمش (هريدي) في مقعده، في ركن ذلك المقهى الصغير، في قريته الرابضة في أعماق الصعيد، وهو يستمع إلى حكايات رواد المقهى عن بطولات شبابها الذين ثأروا لقتلاهم عبر تاريخ القرية الطويل، والذين حملوا السلاح، وأطلقوا الرصاص على القتلة بلا تردد..

    كان يعلم كغيره أن تلك البطولات الزائفة قد كلفت أصحابها الكثير، وأنها قد ألقت ببعضهم خلف القضبان لمدد تتجاوز أصابع اليدين، وألقت بالبعض الآخر لمدد تزيد على عدد أصابع الجسم كله، في حين تدلى البعض الآخر من حبل المشنقة..

    وكان يعلم أن الثأر قد حرم القرية خيرة شبابها على مر الزمن..

    إلا أنه كان يشعر بالخزي والعار..

    كان محرومًا من البطولة..

    ومن الثأر..

    لم يكن في عائلته كلها ثأر يستوجب السير خلفه، والأخذ به..

    لم يكن هناك أمل واحد في البطولة..

    كان حلم (هريدي) بأن يثأر من شخص ما، من أجل شيء ما، حتى يوضع اسمه في سجل الأبطال، وتتحدث القرية كلها عنه في مجالس المقهي والمجالس الخاصة..

    لابد له من ثأر..

    أي ثأر..

    وفجأة برزت في رأسه الفكرة..

    برزت صورة والده المشلول..

    ها هو ذا ثأر يلوح في الأفق..

    إنه يذكر في سنوات طفولته الأولى أن والده كان سليمًا معافى..

    ثم انطلقت رصاصة طائشة من بندقية ما، وأصابت عموده الفقري..

    ومن يومها ووالده مشلول..

    سيثأر له.. هذا هو الثأر..

    نهض من مقعده في حزم، وارتفعت هامته في اعتداد، وهو يتجه إلى منزله في خطوات سريعة، ويحمل بندقيته التي دفع ثمنها عشرة قراريط كاملة من أرضه، ثم يتجه إلى منزل أبيه..

    لابد أن يعلم من أصاب والده بالشلل..

    لابد أن يثأر له..

    ولم يكد يلمح منزل والده، وبندقيته معلقة خلف كتفيه، وعيناه تبرقان بذلك البريق، حتى توجست أمه خيفة، فسألته وقلبها يرتجف مع صوتها:

    - عم تبحث يا (هريدي)؟

    اتجه إليها وهو يقول في حزم:

    - عن الثأر يا أماه.

    سألته في جزع:

    - أي ثار يا ولدي؟ ليس لعائلتنا ثأر في أية جهة.

    هتف في صرامة:

    - ثأر أبي يا أماه.

    رددت خلفه في دهشة وحيرة:

    - ثأر أبيك؟!.. ولكن أباك حي يرزق.

    صاح في حدة:

    - ثأر ممن أصابه بالشلل.. سأقتل الفاعل.

    انقبض قلبها في قوة وخوف، وهي تقول:

    - رويدك يا بني.. هذا أمر قديم قدم الدهر، ووالدك لم يطلب ثأرًا.

    صاح هادرًا:

    - ولكنني أنا أطلب الثأر يا أماه.

    انكمشت في رعب، وهي تقول:

    - صدقني يا ولدي: من فعل بوالدك هذا لم يكن يقصد إصابته.. لقد كان يعبث بالبندقية، فانطلق منها عيار طائش، و..

    قاطعها في ثورة:

    - سيدفع الثمن.

    ازداد انكماشها ورعبها، وهي تقول:

    - لا يا ولدي.. لا أحد يطلب الثأر..

    هتف في قسوة:

    - أخبريني من فعلها يا أماه.. أخبريني وأقسم أن أقتله، حتى ولو كان.. حتى ولو كان..

    صمت لحظة قبل أن يضيف في وحشة:

    - حتى ولو كان أنتِ.

    انكمشت تمامًا في رعب هائل، وهي تقول وقد انهمرت دموعها في غزارة:

    - لم يكن ذلك متعمدًا يا ولدي.. أقسم لك.. حتى والدك لم يحمل في نفسه أية ضغينة للفاعل.

    أمسك معصمها في قوة، وهو يهتف:

    - من فعلها يا أمي؟.. من فعلها؟

    انحنت أمامه، وهي تقول في ضراعة:

    - لا يا ولدي.. لا تفعلها.

    صرخ:

    - من فعلها؟..

    ثم اتسعت عيناه، وهو يستطرد:

    - أهو أنتِ يا أماه؟.. أنتِ فعلتها؟!

    هتفت في هلع:

    - لا.. لست أنا.

    ثم خفضت عينيها، وعادت الدموع تنهمر منها في غزارة وهي تستطرد:

    - إنه أنت.

    ومن يومها، لم يعد (هريدي) إلى حمل بندقيته أبدًا..

    ولم يجلس على المقهى بعدها قط..

    أو يبحث عن الثأر..

    * * *

    الجزاء

    ارتجفتُ بحق، وأنا أخطو داخل حجرة مدير تلك الشركة الكبرى التي ذاع صيتها في (مصر) كلها، والتي أعلنت منذ يوم واحد عن حاجتها لمهندس جديد، وخفضت وجهي في توتر، وأنا أقترب من مكتب المدير الذي أصر على اختبار كل المتقدمين لشغل الوظيفة بنفسه، ووحده..

    وكنت أعرف حظي..

    دائمًا منحوس..

    لم أنجح في عملٍ واحدٍ في حياتي كلها..

    وحتى عندما تقدمت للاختبار لم أتوقع أن يتحسن حظي، فقد كان ذلك يحتاج إلى معجزه، و...

    انتفض جسدي في قوة عندما سمعت صوت المدير يقول في صرامة:

    - ما اسمك؟

    أجبته وأنا أرتجف:

    - (حسين).. (حسين وجدي).

    أتاني صوته جافًّا:

    - اجلس.

    جلست على الفور، وسمعته يقول في حدة:

    - هل تخشى التطلع إلى وجهي؟

    قلت وأنا أرفع عيني إليه في سرعة:

    - لا يا سيدي.. مطلقًا.

    بدا وجهه مألوفًا لديَّ كثيرًا، وإن كنت لا أذكر أبدًا متى ولا أين رأيته، ويبدو أن وجهي كان مألوفًا له، فقد انعقد حاجباه وهو يحدق في وجهي بكل اهتمام، قبل أن يسترخي في مقعده،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1