Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

خطاب الحياة اليومية
خطاب الحياة اليومية
خطاب الحياة اليومية
Ebook367 pages2 hours

خطاب الحياة اليومية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

وهذه الدراسة بعنوان خطاب الحياة اليومية في المجتمع المصري"
وتنحصر هذه المشكلة في سؤال بسيط وهو كيف يتشكل خطاب الحياة اليومية في محطات العالم الرأسمالي؟ وعن هذا السؤال يتفرع عدد من الأسئلة الفرعية ومنها:
• ماهي الموضوعات التي ينشغل بها هذا الخطاب؟
• وما هي خصائصه العامة ؟
• هل يمكن اكتشاف تنويعات مهنية أو طفيلية داخل الخطاب؟
• ما هي طبيعة اللغة المستخدمة في هذا الخطاب ؟
• ما هي الدلالات التي يمكن استخلاصها من هذه اللغة؟
وقد توصلت الدراسة إلى : إن موضوعات الخطاب اليومي تندرج في دوائر تعبر عن حركة الإنسان في مسيرته اليومية. إن لغة الخطاب اليومي ليست أشكالا تعبيرية فحسب بل لها جوانب دينامية.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2017
ISBN9789253574827
خطاب الحياة اليومية

Related to خطاب الحياة اليومية

Related ebooks

Reviews for خطاب الحياة اليومية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    خطاب الحياة اليومية - أحمد زايد

    خطاب الحياة اليومية

    في المجتمع المصري

    د. أحمد زايد

    العنـــوان: خطاب الحياة اليومية في المجتمع المصري

    دكتور/ أحمد زايد

    إشــراف عــام: داليـا محمـد إبراهيــم

    جميــع الحقــوق محفـوظـة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولي: 978-977-14-3350-4

    رقــم الإيــداع: 22802 / 2017

    طبعة: يناير 2017

    Section00002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    الإهداء

    إلى روح والدي (1905 - 1988)

    الذي كان خطابه هو فصل الخطاب.

    أحمد زايد

    مقدمة الطبعة الثانية

    ما سعدت بكتاب كتبته قدر سعادتي بهذا الكتاب. ولعل السبب في ذلك أنني قد قدمت في هذا الكتاب طريقة لكتابة البحث العلمي في مجال العلوم الاجتماعية، أحسب أنها تختلف - إلى حد ما - عما هو دارج. فقد حاولت في هذا البحث أن أقدم مدخلًا جديدًا لقراءة المجتمع كنص، وذلك من خلال قراءة مواقف التفاعل بين البشر، بدءًا من توثيق هذه المواقف كما تحدث في الحياة اليومية وانتهاءً بقراءتها قراءة كمية وتأويلية. وأحسب أن هذا النهج في البحث وكتابة النص البحثي هو نهج جديد بدأ يلقى - منذ نشر الطبعة الأولى من هذا الكتاب - ترحيبًا بين الباحثين في العلوم الاجتماعية بعامة وعلم الاجتماع بخاصة. فهذا المنهج قادر على أن ينقل لنا نبض الحياة الاجتماعية بكل ما فيه من تفاصيل، ويمكننا من أن نمحص الواقع تمحيصًا صادقًا.

    ولعل مبعث الصدق هنا أن الباحث الذي يقرأ الواقع على هذا النحو لا يحاول أن يقرأه قراءة نخبوية بحيث يطل عليه من علٍ، متصورًا أنه كباحث أسمى من الواقع وأكثر قدرة على إصدار أحكام بشأنه. فالباحث هنا لا يفعل هذا أبدًا، بل هو ينأى بنفسه عن التعالي. إن الباحث هنا هو جزء من الموضوع، يتفاعل معه من الداخل، ويدخل معه كموضوع للدراسة. وهنا تنصهر العلاقة بين الذات والموضوع؛ فيصبح الموضوع موضوعًا للفهم بالنسبة للذات، وتتحول الذات إلى جزء من الموضوع القابل للفهم. وغاية البحث ومرماه في هذا المنهج هو الفهم. ورغم أن الفهم قد يتحول إلى هدف في حد ذاته فإنه قد يفيد في تحقيق القدرة على فهم النفس وعلى فهم موقع الذات في العالم، وبالتالي قدرة هذه الذات على أن تعيش وجودًا أرقى. فالفهم هنا هو فهم من أجل تحسين الوجود في العالم، علي اعتبار أن القدرة على الفهم والقدرة على تكوين المعرفة تجعل الفرد قادرًا على أن يتحكم في وجوده أكثر، وعلى أن يعي طبيعة الكوابح المفروضة على هذا الوجود.

    والبحث الذي يصاغ على هذا النحو يكون بحثًا مفتوحًا بشكل دائم على الخبرة، لا يفترض أنه صاحب القول الفصل في كل شيء، فهو مجرد محاولة للفهم، ومن هنا تكون النصوص العلمية الاجتماعية هي نصوصًا تجريبية، فالكتابة تجريب وكفى. وفي كل محاولة لتجريب الكتابة عن الواقع ينفتح أفق جديد للفهم وينفتح أفق جديد للوعي، ويصبح السعي الدائم نحو فهم الواقع، هو سعي دائم نحو فهم الذات ونحو البحث عن الوعي الصافي أو النفي. وقد لا نصل إلى ذلك أبدًا، ولكن القلق الدائم نحو الفهم هو مقدمة للقلق الدائم نحو الوجود، ونحو الارتقاء بهذا الوجود إلى أفضل ما يكون.

    وإذ أعبر عن سعادتي بأن تتبنى دار نهضة مصر طبع هذا الكتاب، أرجو أن يكون فيه بعض الفائدة، وأرجو أن تتمكن الأجيال الجديدة في علم الاجتماع من الاستفادة من هذه المحاولة، وأن تكون أجيالًا قادرة على أن تحقق ما لم نستطع أن نحققه، وهذه هي سنة التقدم.

    أ. د. أحمد زايد

    القاهرة في: 2006/1/1

    مقدمة الطبعة الأولى

    أود أن أقدم هذه الدراسة من خلال الحديث عن تاريخها أو قصتها، لقد انشغلت خلال السنوات الخمس الماضية بقراءة التراث النظري المعاصر في علم الاجتماع على أمل كتابة كتاب عن مشهد الثمانينيات في نظرية علم الاجتماع، ولكنني وجدت أن القراءة قد تشعبت بي إلى آفاق متعددة، جعلت القراءة تطول والعمل لا ينجز، وكنت كلما تقدمت خطوة في بحثي النظري هذا ازددت قناعة بأننا في حاجة إلى تبني أساليب بحثية جديدة وأن نطرح أفكارًا سوسيولوجية غير تقليدية. ولقد تولدت هذه القناعة من خلال الانبهار - وربما الإحساس بالعجز - أمام التطورات الخطيرة التى تحدث في نطاق النظرية الاجتماعية يومًا بعد يوم، وهذه الجهود المضنية التى تقلب الأفكار التي تعلمناها رأسًا على عقب.

    وفي نفس الوقت الذي انشغلت فيه بهذه القراءة النظرية انشغلت بموضوعين: الأول هو كتابة تقرير بحثي حول الطابع القومي للشخصية المصرية أنجز في نطاق المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، والثاني هو إنجاز بحث حول الاستهلاك وثقافته في المجتمع القطري. ووجدتني في البحثين أمام مشكلة انحصرت في سؤال هام: كيف يمكن أن ننجز البحثين بطريقة لا تجعل منهما تكرارًا لما قبل في البحوث السابقة؟ ورغم أن البحثين يتناولان موضوعين مختلفين ومجتمعين مختلفين، فإنهما قد أديا إلى قناعة واحدة وهي أن البحث يمكن أن يقدم شيئًا ذا دلالة لو اقترب من ديناميات الحياة وتفاعلاتها، وإذا حاول أن يكسر الأطر النظرية الجامدة.

    في هذا السياق، تولدت فكرة البحث الراهن، فقد دفعتني القراءة النظرية إلى مزيد من الاهتمام بنظرية التأويل التي يمكن من خلالها أن نعتبر الحياة اليومية نصًّا يمكن قراءته أو خطابًا يمكن تدارسه، كما دفعتني الخبرة البحثية إلى الاهتمام بتفاعلات الحياة اليومية، ولقد دفعني البحث الأول (عن شخصية الإنسان المصري بصفة خاصة) إلى مزيد من التعمق في حياة الإنسان المصري ورؤيته للعالم على نحو يختلف عن بحوث الطابع القومي للشخصية، لقد كان السؤال الذي يلح على ذهني في البداية: كيف نفهم طبيعة التنوع في رؤية الإنسان المصري للعالم وفي ثقافته؟ أو بالأحرى كيف تختلف رؤى العالم باختلاف الطبقات وأنماط الوجود الطبقي؟ وما لبث أن تطور هذا السؤال إلى سؤال: هل ثمة خطاب للحياة اليومية يناظر أو يوازي الخطاب الرسمي؟ وما أوجه التباين في هذا الخطاب؟ ومنذ تبلور هذا السؤال شرعت في إنجاز البحث، وهأنذا أقدمه بين يدي القارئ العربي.

    ولقد أشرت في الفصل المنهجي إلى أن هذا البحث يتناول موضوعًا جديدًا وبأساليب منهجية جديدة؛ ولذلك فإنه يثير المشكلات والفروض أكثر مما يقدم إجابات قاطعة، كما أنه يرتاد آفاقًا متعددة ومتشابكة تحتاج إلى مزيد من الاستقصاء والدرس في المستقبل. وإذا كان هذا البحث قد فتح أفقًا جديدًا لدراسة الحياة اليومية إجمالًا، فإنني أعتبر أنه بداية لمشروع كبير يتناول الموضوعات تفصيلًا.

    والله نسأل أن يوفقنا إلى تحقيق ذلك في المستقبل...

    أحمد زايد

    الفصل الأول

    في منهجية الدراسة

    مقدمة

    أولًا: المشكلة

    ثانيًا: عناصر الإطار النظري

    ثالثًا: الإجراءات المنهجية

    رابعًا: التفسير والتأويل

    الفصل الأول

    في منهجية الدراسة

    مقدمة:

    نعرض في هذا الفصل لمنهج هذه الدراسة.. ومنهج أية دراسة هو تاريخها أو قصة كتابتها، بدءًا من ظهور فكرة البحث وتبلور مشكلته، وانتهاءً بتحليل البيانات وتأويلها، مرورًا بالإجراءات التنفيذية الخاصة بنوعية البيانات وأساليب جمعها، والمحقق أن المنهج هو العمود الفقري لأي بحث، إنه القائم الذي يستقيم عليه البحث؛ ولذلك فسلامة المنهج هي المحك النهائي على سلامة البحث ونضجه. ونزعم منذ البداية أن بحثنا هذا جديد في عالم السوسيولوجيا في مصر؛ جديد في موضوعه، وجديد في بياناته، وجديد في الأسلوب الذى اعتمدناه لجمع هذه البيانات، ونود لو تمكنا في هذا الفصل المنهجي من أن نقنع القارئ بهذه الجدة. ومن ثم، فإننا سوف نحاول أثناء حديثنا عن عناصر البناء المنهجي أن نبرز الطابع الجديد فيما يتصل بمشكلة البحث وإجراءاته وأدواته التحليلية، والأطر النظرية التي يعتمد عليها أو ينطلق منها. وسوف نبدأ حديثنا عن المنهج بتحديد مشكلة البحث، ننطلق بعد ذلك إلى تحديد الفروض، ونوعية البيانات التي يعتمد عليها البحث، وأدوات جمعها، ووسائل تحليلها وتفسيرها.

    أولًا: المشكلة:

    مضى وقت طويل على علم الاجتماع وهو ينشغل بدراسة المؤسسات، ولقد انعكس ذلك على علم الاجتماع في مصر، فقد اهتمت دراساته بأنساق الضبط الاجتماعي وأبنية القوة وطبيعة العلاقات داخل التنظيمات والجماعات بأنواعها (هامشية وغير هامشية). أما الأنثروبولوجيون فقد انشغلوا إما بدراسات وصفية إثنوجرافية وإما بدراسات بنائية نسقية لنفس الموضوعات التقليدية. ولسنا هنا في معرض نقد هذه الدراسات أو التقليل من أهميتها، ولكننا نود أن نؤكد أن مشكلة بحثنا الراهن تختلف كثيرًا عن هذه المشكلات البحثية التي انشغل بها علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في مصر. إنها ترتبط بمحاولة الاقتراب من عالم الحياة اليومية للأفراد والجماعات في المجتمع المصري، ومحاولة إلقاء الضوء على همومها وخصائصها، وعلاقتها بالبنية المؤسسية التي تقف فوقها موجهة وضابطة.

    إن لعالم الحياة اليومية خطابًا خاصًّا يختلف عن الخطاب المؤسسي، وهذان الشكلان من الخطاب لا ينفصلان بل يتبادلان التأثير بشكل صريح أحيانًا وضمني في أحيان أخرى، وفي ضوء ما يتوافر للخطاب الرسمي من مصادر قوة وإمكانيات اتصالية، فإنه يتمتع - بالضرورة - بقدر من السيطرة والهيمنة، وبالتالي فإن خطاب الحياة اليومية يتسم بالخضوع، ولكل نوع من الخطاب موقفه الخاص من الآخر. فقد يتصور القائمون على شئون الخطاب الرسمي أن خطاب الحياة اليومية ساذج وبسيط وأنه يغط في جهل عميق، وفي نفس الوقت قد يتصور الناس في حياتهم اليومية تصورات خاصة عمن يطلون عليهم برءوسهم في الخطاب الرسمي (سواء كانوا مسئولين في المؤسسات الرسمية، أو قادة سياسيين أو قادة للرأي العام)، وفي الظروف الخاصة للمجتمع التابع - كحالة المجتمع المصري - يتشكل الخطابان (الرسمي واليومي أو المؤسسي واليومي) في ضوء ظروف خاصة، فإذا كان خطاب الحياة اليومية يخضع للخطاب المؤسسي أو على الأقل يفرض عليه سماعه، فإن كلا الخطابين يخضعان لخطاب أوسع منهما هو خطاب النظام الرأسمالي العالمي؛ ولذلك فإذا كان الخطاب المؤسسي في المجتمع التابع يخضع خطاب الحياة اليومية ويكبله، فإن هذا الخطاب الرسمي مكبل أيضًا بما هو أقوى منه وبما هو أوسع سيطرة وهيمنة، ونعني بذلك خطاب المجتمع الرأسمالي العالمي. تلك منظومة للخطاب تظهر داخلها أشكال مختلفة للاحتواء والسيطرة، ويكون خطاب الحياة اليومية هو الأكثر خضوعًا.

    ولا نسعى في هذا البحث إلى دراسة كل هذه المنظومة، بل أردنا أن نؤكد حقيقتين في بداية عرضنا لمشكلة البحث، الأولى: أن الحياة اليومية وخطابها لا يدرسان بمعزل عن الإطار العام أو المنظومة الكبرى التي يوجدان داخلها، والثاني: أن الحياة اليومية أكثر خضوعًا ومن ثم فهي أكثر عرضة للقهر وأكثر عرضة للمؤثرات القادمة من أعلى. وفي ضوء ذلك يمكن تحديد مشكلة البحث على نحو أدق. وتنحصر هذه المشكلة في سؤال بسيط هو: كيف يتشكل خطاب الحياة اليومية في محيطات العالم الرأسمالي؟ ومن السؤال تتفرع أسئلة عدة: ما أهم الموضوعات التي ينشغل بها هذا الخطاب؟ وما خصائصه العامة؟ وهل هذه الخصائص أصيلة فيه أم أنها ناتجة عن خضوعه لمنظومة مؤسسية أكبر منه؟ وما التنويعات الداخلية في خطاب الحياة اليومية؟ وهل يمكن اكتشاف تنويعات مهنية أو طبقية داخل الخطاب؟ وما طبيعة اللغة المستخدمة في هذا الخطاب؟ وما أهم الدلالات التى يمكن استخلاصها من هذه اللغة؟ وما علاقة خطاب الحياة اليومية بالمنظومة المؤسسية التى يخضع لها؟ وإلى أي حد يسقط هذا الخطاب في هذا الخضوع المؤسسي؟

    تلك هي أهم التساؤلات التي تكشف إشكالية هذا البحث. إن استقصاء الإجابة عن هذه التساؤلات يكشف لنا عن نواحٍ هامة فيما يتصل بتشكيل الخطاب اليومي في المجتمعات المحيطية التابعة، ومن أهم هذه الجوانب الكشف عن جدلية «الخضوع / اللاخضوع» في خطاب الحياة اليومية، أو قل الكشف عن جدلية «القهر / الرفض» في هذا الخطاب؛ فلاشك أن وجود الخطاب اليومي في قلب هذه المنظومة المؤسسية يجعله خاضعًا ومقهورًا، كما يجعله يعاني مظاهر استلاب واغتراب جمَّة، لكن هذا الخضوع والاستلاب يولد من داخل الخطاب إمكانيات رفض هذا الخضوع ونفضه. إن الكشف عن الوجه الأول يمثل نقدًا لخطاب الحياة اليومية ومحاولة الكشف عن سقوطه في براثن البناء المؤسسي وسقوط وعيه في هموم المعاش اليومية، أما الكشف عن الجانب الثاني فإنه محاولة لتحريك هذا الخطاب إلى آفاق أرحب وأفضل، ومحاولة البحث عن الوسائل التي ترقى بها الحياة اليومية ويرقى فيها المعاش والوعي.

    ولا شك أن صياغة المشكلة على هذا النحو تبعدنا عن دائرة الرؤية الميكانيكية القائلة بالخضوع التام لكل المستويات البنائية لمنظومة النسق الرأسمالي العالمي، ولكننا لا نسلم بذلك على طول الخط؛ فالعمومية لا تلغي الخصوصية، ومن ثم فإن خضوع المستويات البنائية الصغرى - وخطاب الحياة اليومية مثالنا عليها - للمنظومة المؤسسية للرأسمالية العالمية والداخلية، هذا الخضوع تصاحبه دائمًا محاولات هذه الأبنية للفكاك من هذا الخضوع ورفضه. حقيقة إن هذه المحاولات قد لا تكتمل وقد يدركها الفشل، لكن الأبنية الصغرى هذه لا تكل عن إفراز إمكانات مستمرة لنفض التبعية والخضوع. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن مستوى الوعي في هذا الخطاب على درجة من النضوج والاستواء، على العكس من ذلك، فإننا نتوقع أن يكون هذا الوعي ساقطًا منغمسًا في همومه الخاصة ولكننا نتوقع في نفس الوقت أنه يفرز داخله عناصر رافضة تتدرج من النقد البسيط الساذج حتى أكثر الأشكال الرافضة تنظيمًا ودقة.

    ومن الأهمية بمكان أن نوضح بعض الاحترازات المبدئية التس تكشف عن تميز مشكلة بحثنا وتحدد مجال انتمائه العلمي:

    الاحتراز الأول: أن بحثنا هذا ليس إثنوجرافيًّا، فهو ليس بحثًا أنثروبولوجيًّا وصفيًّا للحياة اليومية. وهناك سببان لهذا الاحتراز. الأول أن البحث لا يكتفي بالوصف كما هو الحال في الإثنوجرافيا، ولكنه يطمح لأن يقدم تحليلًا وتفسيرًا وتأويلًا للبيانات الوصفية أكثر من ركونه إلى الوصف. والثاني أنه ينطلق من أطر نظرية لا تمت للإثنوجرافيا بصلة ويعتمد أدوات بحثية لا تنبع من التراث المنهجي للإثنوجرافيا(1).

    الاحتراز الثاني: أن بحثنا هذا ليس دراسة للمشكلات الاجتماعية بالمعنى السائد في الدوائر السوسيولوجية. حقيقة أن عرضنا لموضوعات الخطاب في الحياة اليومية قد يكشف عن بعض المشكلات الاجتماعية، ولكن هذه المشكلات ليست هدفنا وليست هي غاية تحليلنا، ويرجع هذا الاحتراز إلى سبب رئيسي هو أن دراسة المشكلات الاجتماعية كانت ولا تزال جزءًا من علم الاجتماع المؤسسي، وأن هذا البحث يطمح إلى تقديم فهم أكثر اتساعًا وشمولًا من الرؤية المجتزأة التي يقدمها تراث دراسة المشكلات الاجتماعية.

    الاحتراز الثالث: أن بحثنا ليس دراسة للرأي العام؛ فليس من أهداف البحث أن نقدم وجهة نظر الناس في مجموعة من القضايا العامة، ولا يستهدف استقصاء آراء الجمهور حول موضوع معين أو مجموعة من الموضوعات. إن المنطلقات النظرية التي ينطلق منها هذا البحث وإجراءاته المنهجية تبعده عن تراث دراسات الرأي العام مثلما تبعده عن التراثين اللذين أشرنا إليهما فيما سبق.

    ولعل الإشارة إلى هذه الاحترازات الثلاثة تلفت النظر لضرورة فهم هذا البحث في ضوء الآفاق الجديدة التي يرغب في استشرافها، ولعلنا نقترب من حدود هذه الآفاق إذا ما تعرفنا على الخطوة التالية من منهجنا، ونعني بها الإطار النظري للبحث.

    ثانيًا: عناصر الإطار النظري:

    هذا بحث لنوعية خاصة من الخطاب، وهو خطاب الحياة اليومية، ونحن لا نتعامل مع هذا الخطاب اليومي من فراغ، بل ننطلق في التعامل معه من خطاب آخر هو خطابنا السوسيولوجي. إن شروعنا في إنجاز هذا البحث قد جاء استجابة لاهتمامات نظرية في المحل الأول، ومن ثم فإنه محاولة لاختبار افتراضات نظرية خاصة تطورت من خلال قراءة أدبيات متعددة ومتفرقة الاتجاهات. وسوف نحاول في هذا القسم من الفصل المنهجي أن نقدم عرضًا مختصرًا لعناصر الإطار النظري الموجه، فنتحدث عن المدخل

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1