Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

علم نفسك كيف تفكر
علم نفسك كيف تفكر
علم نفسك كيف تفكر
Ebook459 pages3 hours

علم نفسك كيف تفكر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب «علم نفسك كيف تفكر » من أهم كتب التنمية البشرية.. عنوان مثير للتفكير وربما مثير للجدل أحيانًا ويثير الكثير من التحفظات لدى كثير مما يقرءونه، ولكنه في أي حال يدعوك للتوقف عنده ولو للحظات. ويقدم للقارئ آليات تنظيم التفكير وحسن توظيفه وجعله مثمرًا أكثر مما لو ترك يسير على نحو تلقائي غير مضبوط ولا منتظم، ويعلم كيف يستثمر القارئ قدرات دماغه على أفضل ما يمكن أن يكون ....
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2020
ISBN9789771459385
علم نفسك كيف تفكر

Read more from إدوارد دي بونو

Related to علم نفسك كيف تفكر

Related ebooks

Reviews for علم نفسك كيف تفكر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    علم نفسك كيف تفكر - إدوارد دي بونو

    الغلاف

    علم نفسك كيف تفكر

    علم نفسك كيف تفكر

    تأليف: د . إدوارد دي بونو

    ترجمة: د . شريف محسن

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    جميع الحقوق محفوظة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظر طبع أو نشر أو تصوير أو تخزين أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصوير أو خلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريح من الناشر.

    الترقيم الدولي: 978-977-14-5938-5

    رقم الإيداع: 20576 / 2020

    الطبعة الأولى: يناير 2021

    Y9789771459385-1.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفون: 33466434 - 33472864 02

    فاكس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    الباب الأول:

    التفكير: ماهيته وإمكانية تعليم مهاراته

    Y9789771459385-2.xhtml

    لماذا يجب عليَّ أن أتعلم التفكير؟

    أنا أتنفس... أنا أسير... أنا أتكلم... أنا أفكر. في الواقع أنا لست مضطرًّا للتفكير في هذه الأشياء، إذن لماذا عليَّ أن أفكر في عملية التفكير ذاتها؟! إن التفكير عملية تؤدَّى والإنسان سائر في طريقه في الحياة بطريقة طبيعية، والأفراد الأذكياء يستطيعون ممارسة التفكير دون تعلم. نعم قد يكون هناك آخرون لا يستطيعون التفكير مهما بذلوا من الجهد... ولا حيلة لهم في هذا!... السؤال الآن: ما الخطأ في وجهة النظر هذه؟

    أسباب تعلم التفكير

    نرد على السؤال الذي جاء في عنوان الفقرة السابقة ونقول إنه لا بد من تعلم التفكير، والأسباب كثيرة نذكر منها:

    إن عملية التفكير تعتبر من أهم مهارات الإنسان الأساسية، وإن مهارتك في التفكير تحدد بشكل كبير سعادتك ونجاحك في الحياة. إنك تحتاج للتفكير لوضع الخطط واتخاذ المبادرات، وحل المشكلات، وصنع الفرص، ورسم خطواتك المستقبلية.

    دون القدرة على التفكير سوف تصبح كقطعة الفلين الطافية فوق سطح نهر جارٍ لا تملك لنفسها أي سيطرة على مصيرها!

    والتفكير أيضًا يمكن أن يصبح شيئًا ممتعًا ومبهجًا إذا تعلمت كيف يمكن أن تجعله كذلك .

    سبب آخر لتعلم التفكير، هو أن التفكير والذكاء – عكس ما يعتقد البعض– شيئان مختلفان تمامًا. فالذكاء مثل قوة موتور السيارة، بينما التفكير أشبه بمهارة قيادة السيارة. في الواقع إن كثيرًا من الأشخاص ذوي الذكاء المرتفع غالبًا ما لا يجيدون مهارة التفكير، ويقعون أسرى الاختيال بذكائهم. بينما هناك الكثير من الأشخاص ذوي الذكاء الأقل يستطيعون اكتساب مهارات عالية في التفكير.

    ما نود أن نقوله هو: إن التفكير مهارة يمكن تعلمها والتدريب عليها وتنميتها، المهم هو أن تكون لديك الرغبة في تنمية تلك المهارة، تمامًا مثلما يكون لديك الرغبة في تعلم ركوب الدراجة أو قيادة السيارات.

    وأخيرًا نقول: إنه لا بد من تعلم التفكير؛ لأن التعليم التقليدي في المدارس والجامعات – مع الأسف – يُعلم فقط جانبًا واحدًا من جوانب التفكير المتعددة.

    ماذا عن المشاعر والقيم؟

    إذا كنت تعتقد أن المشاعر والقيم لها قيمة وأهمية كبرى في حياتنا وتطلعاتنا، فأنت على حق. ولهذا السبب توجد أهمية كبرى للتفكير؛ فالغرض من التفكير هو أن يرشدك لكيفية الوصول لتحقيق القيم التي تنشدها في الحياة، تمامًا كما يكون الغرض من ركوب دراجة هو إيصالك لحيث تريد أن تذهب بسرعة وتبلغ بها مكانًا أبعد. كذلك فإن التفكير يمكنك من الاستمتاع بتحقيق القيم التي تنشدها في الحياة بطريقة أكثر فاعلية.

    تخيل أنك حُبست داخل حجرة بابها مغلق بقفل كبير!... بالطبع سوف تشعر باليأس من الخروج منها، وستكون لديك رغبة قوية جدًّا في الحصول على الحرية، ولكن ما هو الأكثر فائدة بالنسبة لك في هذه اللحظة، رغبتك القوية جدًّا تلك، أم الحصول على مفتاح للقفل المعلق على باب الحجرة؟... إن وجود مشاعر دون وسيلة للتعبير عنها ليس بالشيء الكافي... كما أن وجود المفتاح دون رغبة لترك الحجرة ليس أيضًا بالشيء الجيد.

    إننا بحاجة لكل من المشاعر والتفكير والقيم في حياتنا، ولكن المشاعر ليست بديلًا عن التفكير؛ والتفكير دون قيم نبغي تحقيقها يصبح بلا معنى.

    إن كتابنا هذا يدور أساسًا حول التفكير، إلا أن المشاعر والقيم لها أهمية كبرى، ولكنها لا تكفي دون التفكير.

    تمهيد

    عند البدء في تأليف هذا الكتاب كان أمامي خياران علىَّ أن أختار بينهما: إما تأليف كتاب ضخم ومعقد يغطي كل نواحي التفكير، أو تأليف كتاب بسيط وسهل التناول يمكن للجميع الاستفادة منه. في النهاية حددت عنوان الكتاب وهو: «علم نفسك كيف تفكر؟» اختياري... فعنوان كهذا لا بد أنه سيكون لكتاب يصلح لأي فرد مهتم بتنمية مهارته في التفكير. فكثير من الناس ينفرون من مطالعة الكتب المعقدة، لذلك فقد راعيت – وأنا أكتب هذا الكتاب – أن يكون كتابًا سهلًا وعمليًّا.

    إني أعلم من الخبرة أن بعض النقاد لديهم حساسية تجاه مسألة سهولة أسلوب الكتابة – الذي أحتذيه – فهؤلاء يعتقدون أن الشيء السهل لا يمكن أن يكون جادًّا أو ذا قيمة. هؤلاء الأشخاص أيضًا تزعجهم مسألة بساطة الأسلوب لأنها تهدد وتعارض الغموض في الكتابة والذي يكون من وظيفتهم شرحه وتبسيطه فيما بعد؛ وبالتالي فعندما يكون الأسلوب في الأساس سهلًا وبسيطًا فستنعدم حينئذٍ وظيفتهم!

    إنني أميل دائمًا لسهولة التناول وأفكر دائمًا في كيف يمكن جعل الأشياء أكثر سهولة، ولعل لهذا يرجع السبب في أن أدوات التفكير التي صممتها تُدرَّس للأطفال في عمر السادسة في مدارس الزنوج الريفية بجنوب إفريقيا، مثلما تُدرَّس – وبنفس القدر – لكبار المسئولين التنفيذيين بأكبر شركات العالم.

    إن إطار عمل قبعات التفكير الست(1) - الشائع الاستخدام - الذي صممته يعتبر أحد الأمثلة على سهولة الفكرة، ومع هذا فهو فعَّال جدًّا عند الاستخدام؛ إذ إنه يوفر بديلًا عمليًّا لنظام الجدل التقليدي والذي ظل مستخدمًا لقرابة ألفين وخمسمائة عام. لذلك فهذا الأسلوب أصبح يستخدم الآن في مجال التعليم والأعمال التجارية والهيئات الحكومية.

    والأهم من هذا كله، فإن الأسلوب البسيط من السهل تعلمه واستخدامه.

    إلى مَن نوجِّه هذا الكتاب؟

    على مدى سنوات عديدة – ألفت فيها العديد من الكتب عن التفكير– أستطيع القول إنه من المستحيل تحديد طبيعة مَن سيقرأ كتابك. إلا أن الخطابات التي وصلتني تشير إلى أن القراء – في الحقيقة – يتنوعون بدرجة كبيرة، ولكن القاسم المشترك بينهم جميعًا هو ما يتمتعون به من حماس واهتمام بعملية التفكير. وكما تعلمون فإن توجهات وسائل الإعلام من إذاعة وتلفاز وصحافة تقلل من شأن ذكاء الجمهور، وترى أن هذا الجمهور لا يرغب إلا في الترفيه والمتعة العابرة. وبالطبع خبرتي تقول عكس هذا!

    فكما أن هناك أناسًا راضين تمامًا عن تفكيرهم، ويعتقدون أنه لا يوجد شيء في هذا المجال عليهم تعلمه؛ فهم يستطيعون الفوز في المجادلات الحوارية ولا يرون في التفكير أكثر من أن يكون لديك وجهة نظر تدافع عنها.

    يوجد أناس شديدو الذكاء لا يقعون في أخطاء وهم يفكرون ويعتقدون أن الذكاء في حد ذاته كافٍ، وأن التفكير دون الوقوع في أخطاء هو التفكير الجيد.

    وعلى الجانب الآخر هناك أناس تخلوا تمامًا عن عملية التفكير وهجروها. فلم يكن أداؤهم الدراسي جيدًا في المدرسة، وهم غير ماهرين في حل الألغاز. فيبدءون في الاعتقاد أن التفكير ليس لأمثالهم، ويقنعون بالحياة هكذا، وكل ما يشغلهم هو قضاء حياتهم يومًا بيوم بأفضل طريقة ممكنة!

    إن الرضا هو عدو كل تقدم وكذلك الخنوع. فأنت إذا اعتقدت أنك ممتاز فلن تقوم بأي مجهود لتكون أفضل، وكذلك الحال إذا أصابك اليأس.

    إن هذا الكتاب موجه لهؤلاء الذين يشعرون بأن التفكير هو نشاط يومي عملي مربك ومحير، ويرغبون في تحسين تفكيرهم ليكون أكثر بساطة وفاعلية، وأن يصبح التفكير بالنسبة لهم مهارة يستطيعون توجيهها للهدف الذي يختارونه.

    (1) أحد أساليب تنظيم التفكير التي صممها المؤلف، وأفرد لها كتابًا مستقلًّا سبق ترجمته من دار نهضة مصر للنشر.

    أنماط التفكير

    أنصحك بأن تتخطى هذه المقدمة، فربما تكون معقدة إلى حد ما بالمقارنة بباقي الكتاب، وقد تعطيك انطباعًا خاطئًا عنه. على أية حال لقد ضمَّنت تلك المقدمة للكتاب من أجل بعض القراء الذين ما زالوا يصرون على أنه لا ضرورة لتعلم التفكير، ويرون أن عادات التفكير التقليدية كافية. فأنا أرغب في أن أوضح لهؤلاء السبب في أن تلك العادات في التفكير رغم صلاحها فإنها لا تكون كافية. فالعجلات الخلفية للمركبات تؤدي دورًا ممتازًا، ولكنها لا تكفي بمفردها! إننا – في الواقع – قد نمينا جزئية واحدة من أجزاء عملية التفكير، ونحن فخورون بهذا للغاية وسعداء بما وصلنا إليه، لكن آن الأوان لندرك أن هذا الجانب من التفكير - وإن كان رائعًا - فإنه لا يكفي بمفرده!

    إن هذه المقدمة ضرورية أيضًا لتحديد إطار باقي الكتاب.

    تخيل معي مطبخًا به الكثير من المواد الغذائية المكدسة على منضدة في منتصفه، ولدينا طباخ يريد طهو هذا الطعام أو إعداده. إن هذا الطباخ ماهر في عمله وقد طهى الطعام دون ارتكاب أي أخطاء. ثم نأتي ونطرح أسئلة من قبيل: كيف جرى اختيار هذه الأطعمة؟ كيف نمت تلك الخضراوات المختارة؟ كيف تم تعبئتها؟ كيف تم إحضارها إلى المطبخ ؟ بعبارة أخرى، فإننا بهذه الطريقة نكون قد حوَّلنا انتباهنا عن عملية الطهو ذاتها إلى الاهتمام بالمكونات.

    نحن نريد أن نتعامل بالمثل مع عملية التفكير؛ فإننا قد ركزنا كثيرًا على جزئية معالجة المعطيات والمعلومات في عملية التفكير، واستطعنا بناءً على هذا أن نطور علومًا رياضية وإحصائية وحواسيب آلية وكافة أشكال المنطق. فنحن ندخل المكونات والمعطيات، فتحدث عملية المعالجة، وتخرج لنا نتائج. ولكننا بالمقارنة كان اهتمامنا ضئيلًا جدًّا بجزئية مصدر مكونات عملية التفكير أو المعطيات التي دخلت عملية المعالجة من الأساس. من أين أتت؟ وكيف تم اختيارها؟ وكيف تم تجميعها؟

    إن مكونات عملية التفكير تُستمد من الإدراك. فالإدراك هو الطريقة التي ننظر بها للعالم. إنه الطريقة التي نحلل بها العالم من حولنا لأجزاء يمكن استيعابها والتعامل معها بسهولة. إن الإدراك هو ما يجعلنا نختار القضايا التي نهتم بها في أي وقت. إن إدراكنا هو الذي يجعلنا نختار هل ننظر لكوب الماء أمامنا على أنه كوب نصفه مملوء أم نصفه فارغ.

    إن معظم التفكير اليومي يقع في مرحلة الإدراك من مراحل التفكير. فنحن لا نطبق عمليات مثل العمليات الحسابية الرياضية إلا في أمور التقنية فحسب.

    في المستقبل، على الأرجح ستقوم الحواسيب الآلية بجميع نواحي المعالجة في التفكير تاركةً للإنسان جانب الإدراك البالغ الأهمية. ولن يعوض تميز الحواسيب الآلية في عملية المعالجة قصورها في جانب الإدراك؛ ولهذا سيكون لجزئية الإدراك في تفكير الإنسان أهمية كبرى في المستقبل.

    إن معظم أخطاء التفكير وعثراته، بخلاف حل الألغاز، ليست أخطاء من ناحية المنطق إطلاقًا [أي: ليست في جزئية المعالجة بعملية التفكير]، ولكنها أخطاء في الإدراك، فنحن لا نرى إلا جزءًا واحدًا فقط من الصورة أمامنا، أو نرى الموقف بطريقة واحدة محددة فقط. ومع هذا فنحن نصر على تصديق أن المنطق [الذي يحكم جزئية معالجة المعلومات بعملية التفكير] هو أهم جزء من التفكير، ولم نفعل شيئًا حيال جزئية الإدراك. وهناك بالطبع أسباب لذلك.

    فعندما تم إرساء عادات التفكير الغربي في نهاية العصور المظلمة وبداية عصر النهضة، كانت معظم الأفكار نابعة من رجال الكنيسة إذ كانوا هم المجموعة الوحيدة التي ظلت، خلال العصور المظلمة، مهتمة بالنواحي العلمية وبالتفكير. كذلك فقد كانت الكنيسة في ذلك الوقت لها القيادة والسيطرة في المجتمع وتدير الجامعات والمدارس...إلخ.

    لذلك كان التفكير الجديد، الذي أتى مع عصر النهضة مُنصبًّا في الأساس على القضايا اللاهوتية العقائدية، والتعامل مع البدع والهرطقة. وفي هذا المجال كانت توجد تعريفات صارمة للرب والعدالة... وغيرها. أصبح الأمر مقتصرًا على التعامل بمنطقية مع مثل تلك التعريفات الثابتة [دون إعادة التفكير في مدلولاتها]. وهكذا لم يكن الإدراك جزءًا مهمًّا في هذا النوع من التفكير. كذلك كان يُنظر إلى الإدراك على أنه أمر ذاتي للغاية في هذه الأمور اللاهوتية. فكان لا بد من وجود اتفاق جوهري على المصطلحات الأساسية.

    نحن أيضًا اعتقدنا أن المنطق في حد ذاته لا بد أنه قادر على تصنيف مفاهيمنا (من حيث قبولها أو رفضها) وهذا كلام فارغ! فالمنطق هو نظام مغلق يتعامل فقط مع ما هو كائن بالفعل، في حين أن الإدراك هو نظام ذو طبيعة خلاقة يمكن أن ينفتح للتعامل مع ما هو ليس له وجود الآن بالفعل. إن هذا المفهوم الخاطئ عن قوة المنطق هو أحد أكبر أخطاء التفكير التقليدي. وهذا الفهم الخاطئ [الخاص بأن المنطق هو معيار قبول أو رفض المفاهيم الجديدة] ينبع من الفشل في التفرقة بين نوعين من الإدراك وهما: الإدراك المتأخر والاستشراف. وصحيح بالطبع أن المنطق في الإدراك المتأخر يمكن أن يلعب دورًا في الإشارة إلى أوجه قصور في الإدراك، ولكن هذا بالطبع يختلف عن الإشارة إلى وجود هذه النواقص في وقت حدوثها.

    ستظل كل فكرة مبتكرة ذات قيمة منطقية للغاية من وجهة نظر الإدراك المتأخر. فعلى سبيل المثال، أنت تستطيع الآن أن تجمع أي أرقام ما بين 1 و100 في ظرف خمس ثوانٍ تقريبًا اعتمادًا على فكرة منطقية تمامًا في الإدراك المتأخر، ولكن التوصل لمثل هذه الفكرة يحتاج إلى إبداع.

    ما هي فرصة وصول نملة تقف على جذع إحدى الأشجار إلى ورقة معينة من أوراق تلك الشجرة؟ فعند كل نقطة تفرع تتلاشى الاحتمالات لأن النملة قد تتجه إلى أحد الأفرع دون الآخر. ففي الشجرة العادية تكون احتمالات وصول تلك النملة واحدًا إلى ثمانية آلاف. والآن لنتخيل أن هذه النملة تجلس بالفعل على ورقة الشجر تلك. ما هي احتمالات وصولها إلى جذع الشجرة؟ إن الاحتمالات هي واحد في واحد أو مائة بالمائة. فإذا تقدمت النملة ببساطة إلى الأمام، ولم تعد أدراجها أبدًا، فلن تقابل أي فرع. والحال نفسه ينطبق على الإدراك المتأخر؛ فما يكون واضحًا وبينًا في الإدراك المتأخر، يكون غير مرئي تمامًا في حالة الاستشراف. وتكون عدم القدرة على رؤية هذا الأمر مسئولة عن الكثير من المفاهيم الخطأ بشأن التفكير. ومع توالي قراءتك للكتاب ستزداد تلك النقطة وضوحًا في ذهنك.

    ربما يكون السبب الرئيسي لعدم اهتمامنا بالشكل الكافي بفهم عملية الإدراك وحتى عشرين سنة مضت [أوأكثر طبقًا لتاريخ طباعة الكتاب]، هو عدم وجود أي فكرة لدينا عن طريقة عمل عملية الإدراك. لقد كنا نعتقد اعتقادًا خاطئًا تمامًا أن كلًّا من عملية إدراك المفاهيم وعملية معالجة المعلومات تحدث في نظم معلوماتية سطحية سلبية. في هذه النظم تكون المعلومات والسطح الذي تُسجل عليه هذه المعلومات كيانات سلبية ليس لها أي دور نشط إيجابي. ومن ثم توجد حاجة إلى معالج خارجي لتنظيم تلك المعلومات وتحريكها واستخلاص مغزى منها.

    أما الآن فقد أصبحنا نعرف أن عملية الإدراك تحدث في نظام معلومات ذاتي التنظيم يُدار بواسطة الشبكات العصبية في المخ. وهذا يعني أن تلك المعلومات والسطح الذي تُسجل عليه لهما نشاط خاص بهما، وأن المعلومات ترتب نفسها في مجموعات وتتابعات وأنماط. إن هذه العملية تشبه سقوط الأمطار على مساحة من الأرض فتتجمع من تلقاء نفسها فتشكل جداول مائية وروافد وأنهارًا. وعلى من يهتمون بدراسة مثل تلك العمليات بالمخ أن يقرءوا كتابَي: «آلية العقل»(2) و«أنا على صواب وأنت على خطأ»(2).

    مجموعة الثلاثة الكبار (سقراط أفلاطون - أرسطو) وأثرهم في تشكيل عادات التفكير الغربي.

    بعد سقوط روما سنة 400 ميلادية، بدأت العصور المظلمة في أوربا حيث تدهور وضع التعليم والتفكير والعلم والمعرفة إلى حد كبير في الإمبراطورية الرومانية، حتى إن شارلمان، على سبيل المثال، والذي كان في وقت ما أقوى حكام أوربا، لم يكن يعرف القراءة أو الكتابة! ولقد انتهت تلك العصور المظلمة ببزوغ فجر عصر النهضة والذي حدث بسبب إعادة اكتشاف الفكر الروماني والإغريقي الكلاسيكي، وهو ما حدث جزئيًّا بفعل النصوص العربية التي انتقلت إلى أوربا عن طريق إسبانيا.

    كان هذا الفكر الجديد بمثابة نفحة قوية من هواء نقي منعش، أعطت للبشر وضعًا محوريًّا أكثر في الكون. فقد أصبح البشر لديهم القدرة على إعمال المنطق والعقل لفهم الأشياء والظواهر، بدلًا من الاكتفاء بقبول كل شيء على أنه جزء من العقيدة الدينية. ولا عجب أن استُقبل هذا الفكر الجديد بشغف بالغ سواء من جانب علماء الإنسانيات أو المفكرين غير المنتمين للكنيسة. والأغرب من هذا أن ثمة مفكرين من داخل الكنيسة أيَّدوا هذا الفكر الجديد. وهكذا أصبح هذا الفكر الجديد/القديم هو الفكر السائد في الثقافة الغربية، وظل هكذا إلى يومنا هذا.

    ولكن ماذا كانت طبيعة هذا الفكر الجديد/القديم؟ نحتاج – للإجابة عن هذا السؤال – إلى الرجوع إلى عصور مجموعة الثلاثة الكبار، الذين صاغوا هذا النوع من التفكير. كانوا قد عاشوا في أثينا ببلاد اليونان في الفترة بين 400 – 300 ق. م. كانت مجموعة الثلاثة الكبار هذه تتكون من سقراط وأفلاطون وأرسطو.

    سقراط(3)

    Y9789771459385-5.xhtml

    لم يعتزم سقراط أبدًا أن يكون من أنصار التفكير البنَّاء؛ فقد كان كل غرضه مهاجمة الخزعبلات والأفكار عديمة المعنى والتخلص منها. فمعظم المناقشات التي اشترك فيها (والتي سجلها أفلاطون) لم تنتهِ بأي نتائج إيجابية على الإطلاق. فقد كان كل هم سقراط إظهار خطأ كل الاقتراحات المقدمة دون أن يجهد نفسه بتقديم أفكار أفضل منها. لقد كان إيمانه يقف في الأساس عند مجرد الحوار أو الجدل، ويبدو أنه كان يعتقد أن المرء إذا هاجم الخطأ فإنه يحصل في النهاية بالقطع على الحقيقة. وقد أدى هذا إلى أن النقد صار يستحوذ على تفكيرنا. فقد صرنا نؤمن بأن تحديد الخطأ وإظهاره أهم بكثير من بناء فكر جديد مفيد.

    أفلاطون(4)

    Y9789771459385-5.xhtml

    أفلاطون كان أحد نبلاء أثينا في شبابه، وقد عرف سقراط وسجل أسلوبه في المحاورات؛ إذ إن سقراط لم يترك لنا شيئًا مكتوبًا بخط يده أبدًا. كان أفلاطون لا يؤمن على الإطلاق بأسلوب ممارسة الديمقراطية في أثينا، وكان يرى أنها عبارة عن مجموعة من الرعاع تحركهم بسهولة الحجج الشعبية، ويبدو أنه كان معجبًا بالنظام الفاشي في أسبرطة. ولقد كان أفلاطون متأثرًا بفيثاغورس(5) الذي صاغ حقائق مطلقة في علم الرياضيات، وكان أفلاطون يرى أن تلك الحقائق هي حقائق مطلقة في كل مكان إن بحثنا عنها بجدية بالقدر الكافي.

    كان أفلاطون أيضًا ضد نظرية النسبية الخاصة ببعض السوفسطائيين(6) الذين كانوا يؤمنون بأنه لا شيء جيد أو سيئ في حد ذاته، بل يتحدد هذا فقط عندما تُقيَّم الأشياء بالنسبة لمنظومة ما. أدرك أفلاطون أن المجتمع لا يمكن أن يُدار بمثل تلك المعايير المعقدة (الخاصة بالسوفسطائيين)؛ إذ كان حادًّا فاشي النزعة.

    ومن أفلاطون جاء هوس البشر بالحقيقة والاعتقاد في أننا يمكننا الوصول إليها عن طريق المنطق. وهذا الاعتقاد كان المحرك القوي لكل أنواع التفكير التي أتت بعد ذلك.

    أرسطو(7)

    Y9789771459385-5.xhtml

    كان أرسطو تلميذًا لأفلاطـون، وكـان أيضًا مُعلـم الإسكندر الأكبر. ولقد ربط أرسطو الأشياء كلها ببعضها في نظام منطقي قوي قائم على قوالب؛ وهـي عبـارة عـن تعريفات أو تصنيفات قائمة على خبراتنا السابقة. وبالتالي فإنه عند مواجهتنا لشيء ما يكون علينا أن نحتكم لأي قالب ينتمي ذلك الشيء لنستطيع أن نحكم عليه بناءً عليه. وإن اقتضت الحاجة، فإننا نقوم بتحليل الموقف إلى جزيئات أصغر حجمًا لنرى إن كان بإمكاننا وضع تلك الجزيئات في تلك القوالب القياسية المتعارف عليها. فكل جزئية إما أن تنتمي لأحد القوالب أو

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1