Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

ملك سفر الخطية
ملك سفر الخطية
ملك سفر الخطية
Ebook378 pages2 hours

ملك سفر الخطية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

ربما يحمل العنوان شيئًا من ملامحها أو يدل عليها... فالملائكة المعصومون هم فقط في السماء. ولكن على الأرض لكل منا سفر خطيئته يتلوہ في حياته بإرادته الحرة. عمدًا أو جهلًا.. ويسير بخطواته إليه. هكذا جاءت شخوص الرواية بكل ما فيها من براءة ومن خطايا.. لتغوص بنا في داخل أبطالها فتسمعنا كل الذي لا تقوله الألسن.. بل وأحيانًا تستحي أن يمر بخاطرها..وتزيح الغطاء لتواجه الشخصيات حقيقتها العارية وخطاياها الخفية. ليكون الاختبار الحقيقي لتلك الشخصيات.. هو: ماذا بعد الكشف؟ ومتى أوان التطهر؟
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2014
ISBN9789771446569
ملك سفر الخطية

Related to ملك سفر الخطية

Related ebooks

Reviews for ملك سفر الخطية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    ملك سفر الخطية - محمد حنفي

    1

    نبهها باتزانه المعهود:

    حضرتك ليكي حقوق يا هانم.

    أجابته بلا تردد:

    - أنا متنازلة عن كل حاجة يا مولانا.

    - يعني على الإبراء؟

    أحنى نظره قليلًا ثم رفع عينيه إليه يسأله:

    وانت موافق؟

    أجاب دون أن يرفع عينيه عن الأرض:

    - هي اللي عايزه كدا.

    - حسنًا.. انظر إليها وقل لها: «إنتي طالق».

    - إنتي طالق..

    ألقى بالكلمتين كمن يلقي بكرة كانت في يده ونهض سريعًا ليوقِّع.

    وكتمت «ملك» أنفاسها حتى تتيح لصدرها أن يستنشق نفسًا جديدًا خارج مكتب المأذون.. أنفاس لا تلوثها أنفاسه التي تخرج لاهثة أو لاهية من صدره.

    وهي.. كما هي دائمًا.. تعلمت من أسرتها ذات الأصول الأرستقراطية أن ترفع رأْسها عاليًا قدرالاستطاعة؛ خاصة في أشد لحظات الانكسار؛ لذا كان الرأس الذهبي الشعر يرفع الوجه الأبيض دقيق الملامح عاليًا قدر استطاعته، وهي تحمل أقدامها إلى شقة الزوجية وتحمل في داخلها لقب «المطلقة»، سنة واحدة من الزواج أحالت حياتها جحيمًا! وحين أصرت على الطلاق كانت الأم أفضل من يساوم للحصول على مكاسب الانسحاب، شقة الزوجية بكل ما تحمله من الأثاث النفيس، تفننت الأم في اختياره من صالات المزادات وخبراء الأنتيكات، وها هي ملك تعود إلى شقتها مطلقة منتصرة.. وامرأة مهزومة.

    قُضي أن تعيش داخل تلك الجدران المزخرفة بعذاباتها، وتذكارات الألم المزدانة بالإهانة والتحف، تزوجت سأمًا من إلحاح الأسرة الحريصة على استثمار جمالها المثير.. أسلمت الراية بعد ثلاثة أعوام من المقاومة، كانت فيها تنطلق بحثًا عن حب لم تجده فاختارت حبًّا قد يوجد بعد.. دارت دائرة الحسابات، المستوى المالي، التعليم، الثقافة، الشكل العام، الوسط الاجتماعي، هكذا علمتها الحياة، عاشت حياتها بلا حب يهزها كالبركان، فآمنت أنه لايوجد إلا في صفحات الكتب وأساطيرالخيال – فما الذي يحدث لو أكملت الدائرة بلا حب، ومن يدري؟ ها هو رجل الأعمال الشاب، حقًّا هو ليس من دائرة الأسر العريقة، ولكن الأم ترى أن ما لديه يعوض ذلك الشرط الذي تتمسك به تلك الدائرة. تمسك العجوز بأحلام المراهقة، بينما رجل الأعمال يبحث هو أيضًا عن تلك الحورية التي تدخله تلك الدائرة ليتمتع بأصالتها لتكون تذكرة المرور إلى المصالح الكبرى، المال يتزوج العراقة فينجبان جنينًا مشوهًا من الزيف..

    هكذا تمت الصفقة.. في أچندة أعماله وجدوله اليومي، لم تجد لها مكانًا لهمسة أو دفء يحتويها كامرأة.. عامٌ كامل عاشته فقط جسد امرأة، أما عواطفها التي كانت الدم الذي في الوريد وأكسچين الحياة فقد غابت عنها طوال ذلك العام، وطوال ذلك الزواج كانت قد عاصرت كل أحوال الاختناق.

    «أدارت جهاز الأسطوانات فاندفعت في أرجاء المكان نغمات أوبرا «كارمينا بورانا»، رغم إجادتها لأكثر من 4 لغات فإنها لا تستطيع أن تلتقط كلمات من الحوار، كان الصراخ البشري فقط يهزها واستغاثات النغم الذي يحمل معنى الحصار والهزيمة والكارثة، وبينما هي تمتص سيجارتها بين شفتيها، جاءها رنين الهاتف يعلنها أن هناك عالمًا آخر خارج أسوار النفس يسمى الواقع ولابد من مواجهته، كانت «مجيدة» صديقة الدراسة ورفيقة الدائرة، ودون أن تفكر في وقع الكلمات على نفسها انطلق صوتها بمنتهى الثبات الزائف:

    مجيدة: أنا اطَّلقت.

    اطلقتي من سعيد؟!

    لسانها الساخر دائمًا ما يسعفها في أشد اللحظات مشقة.

    هو انا كنت متجوزة غيره؟

    اطلقتي ازاي؟! وليه؟ ملك إنتي كويسة.. تحبي أجيلك؟

    أنا كويسة جدًّا جدًّا.. خليكي مرتاحة، أكيد حنتقابل في العشا يوم الجمعة عند طنط دولت .

    علمتها الحياة أن يدها هي الوحيدة في ذلك العالم الذي يمكن أن تربت على كتفها؛ لذلك دون وعي كانت يدها اليمنى تحتضن الكتف اليسرى مواسية لها، هي حقًّا لا تعاني ألم الطلاق والانفصال والوحدة ولكنها فقط تعاني ألم التجربة والاحتمال الذي فاق طاقة البشر، لماذا تأخرت هكذا في اتخاذ القرار؟! لماذا تأخرت في التمسك بحقها كإنسانة تحمل مشاعرها دائمًا داخل صناديق الذكريات المظلمة، والدموع الحبيسة، صدمة الواقع أشد دائمًا من الخيال، ولكنها دائمًا أهون على النفس من أن تحيا بلا ملامح، بلا مشاعر.. بلا هوية.. .لا تعلم لمن تنتمي! ولماذا تنتمي؟ لهذا الزواج الذي أفقدها ملامح وجهها التي تظل تبحث عنها في المرآة كل صباح فتجد تجاعيد الألم ترتسم فوق عينيها؟!.. لهذا البيت الذي يشبه المتاحف يسكنه جسد المومياء.. بينما الروح حبيسة في أدراج الزمن؟! أم تنتمي «لملك»؟! تلك التي أبعدتها الليالي فصارت شبحًا يحلم بالعودة للجسد المنهك، كان القرار.. «ستستعيد ملك».. وظل ابتسامة في ركن عينيها.. بينما اليد اليمنى تحتضن الكتف اليسرى.. تربت عليها.. وتمسح حزنها وتناجيها.

    حتعدِّي يا ملك.. حتعدي.. كل حاجة بتاخد وقتها وتعدِّي.

    2

    كمراهقة تنطلق بسيارتها بسرعة شديدة في طريق الأوتوستراد.. تنطلق موسيقى أغنيات مطربها المفضل «بيللي جولي» من كاسيت السيارة بينما هي تغني معه بمنتهى الحيوية والتحدي:

    I don’t care what you

    Say any more it’s my life

    Let me aLone

    تحركها معاني الكلمات

    « أنا لم أعد أهتم لأي شيء تقوله

    إنها حياتي .. دعني وحدي».

    تتنسم رائحة الحريـة، فقط وحدهـا.. مـلك مع مـلك، بلا انكسار أو هزيمة، تستمتع برشفة من سيجارتها المدلاة من جانب شفتيها الأيمن.. من يراها هكذا بالتأكيد سيعشق التدخين وهو يرنو إلى تلك اللذة الفاتنة وهي تنفث دخانها من بين شفتيها! هكذا يقول لها محب دائمًا».

    أنا لوعندي شركة سجاير حدِّيكي مليون جنيه!

    عشان اعمل إعلان وانتي بتدخني.. إنتي خطرعلى شباب مصر!

    ضحكته الصافية تتردد في المكان وصدق عينيه يجذبها دائمًا إليه.. رفيق العمل.. يُدرس هو مادة علم النفس الاجتماعي بينما هي تُدرس مادة العلوم السياسية.. كثيرًا ما يختلفان ولكن دائمًا يظل الود سيد الموقف، والاحترام الذي تراه في عينيه يعيد إليها ذاتها.. رقيق هو كعاشق، ليس معها فقط ولكن مع الجميع، وعنيف كثائر حين يصطدم بأفكار لا يؤمن بها، اختلفا كثيرًا حول مفهومها للغرب، عدالة الغرب، ديمقراطية الغرب، قيمة الإنسان لدى الغرب، ثقافتها التي جمعتها من الدراسة بين ربوع أمريكا وجامعات عدة في الخارج شكلت في وجدانها أن الحل هناك، القيمة هناك، بينما دراسته في جامعة القاهرة رسخت في داخله أن الإنسان في عيون الغرب ليس المطلق بل من يحمل الملامح.. فقط من يحمل الملامح الغربية، الجنسيات الغربية هي الإنسان، وكل من يحمل ملامح شرقية في نظر الغرب هوضحية مباحة، وأوطان مستباحة، هكذا قال التاريخ وصدق الواقع..

    ورغم الاختلاف البين في المفاهيم وفى النشأة بين «محب» سليل الأب العصامي الذي بنى نفسه من الصفر ليصبح من كبار رجال الأعمال وحطمته تيارات السياسة والخصخصة، «محب» الذي عاش حياته بين مصر الجديدة بأحلامها ومصرالقديمة بحواريها ، ينهل من كل منهما دون أن تلوث إحداهما الأخرى، وبينما تلك التي عاشت حياتها جوالة بين ربوع أوروبا وأمريكا وحضارة الثقافة وثقافة الحضارة كما تعتقد، ثم عودة إلى أرض المنبت تحمل أرستقراطية الجدود وتعالي ثقافة الغرب وصراع الرغبة بين الحق والاستحقاق، ترى أن الحق لمن يستحق، تحمل في داخلها بذور الانتماء والعطف على فقراء هذا الوطن.. تبكي من أجل دمعة عين على وجه طفل بائس تراه في الطريق صباحًا، بينما في المساء ترتدي فاخر الثياب في حفل كوكتيل يجمع في أرجائه من يمتصون دم الطفل البائس الذي بكته صباحًا، ولكن هذه هي قواعد الدائرة؛ الانفصام وأمراض الذات التي لا نواجهها إلا مجبرين، وكثيرًا ما أجبرتها الظروف على مواجهة «محب»، هجومه الكاسح على سفالة الغرب ودفاعها الأكثر استماتة عن جودة الغرب وجودة الإنسان..

    وحين فاجأها في مكتبها صباح ذلك اليوم الذي أطلقت عليه اسم يوم الاستقلال كانت ضحكته تسبق وقع قدميه!

    إيه بقى الحكاية، جاية بدري ومتفائلة كدا بالحياة؟ خير .. م الآخر.. اطلَّقت.

    لم يستطع أن يكبح زمام الرغبة في عينيه من النظر إلى يدها اليسرى.. إلى إصبعها الفارغ من خاتم الزواج الماسي، لا يدري هل يصرخ فرحًا كما يشعر هو حقيقةً أم يربت عليها مواسيًا ؟ حائرًا بين آلاف الأحاسيس، هل يعيد له هذا الخبر الحق في الحلم؟ نعم هو يحبها، ولكنه ذلك الحب المحظور على القلب أن يبوح به حتى للذات، يحترمها.. يعشقها.. يقضي لياليه الطويلة حائـرًا في أحاسيسه التي لايملك الحق في التعبير عنها ولا القدرة على الرهان عليها، زميلته.. صديقته.. حبيبته.. متزوجة!

    أعلن لنفسه للمرة المليون بعد الألف أنه لن يراهن بخسارتها، لن يخدش طهر ذلك الاتصال الجميل بين من يعشق لفتاتها، نظراتها واطمئنانها إلى جواره، كما أنه ليس من هذا النوع الذي تسمح له أخلاقه بتدنيس الطاهر أو تلويث البراءة، ثلاثه أشهر وهو يعاني ألم الصمت والحرمان، ودموع تسيل رغمًا عنه، هي وليس سواها من يحلم بها.. ولكن اليوم.. ماذا يقول؟!

    هي ليست المرة الأولى التي ينخرس فيها القلب وتختنق الكلمات على شفتيه، كثيرًا ما كادت تفضحه عيناه وهو يتأمل ذلك الوجه الجميل الذي يحمل عذابات لاتستطيع أن تداريها الأعين.

    هي بالنسبة له الحلم المستحيل، والواقع الذي يتقبله راضيًا، زميلة وصديقة، ونسمة الهواء في حياته الخانقة.

    طال صمته ولم يخرجه منه سوى صوتها المختنق.

    - كان لازم آخذ قرار.

    - وأعظم حاجة إنك أخدتيه، مش مهم صح أوغلط، بس أسوأ شيء إن الواحد يفضل راكب مرجيحة ومش عارف يستقر..

    - ملك تعالي أعزمك على الغدا.

    أجابته بابتسامة شقية.

    - إيه بقى!! دعوة للفتنة دي علشان اطلقت!!

    - لأ.. عشان قبضت النهارده!

    3

    «أيقظه رنين الهاتف فمد يديه باحثًا عنه بعيون مغلقة، لم تتجاوز الساعة الثامنة صباحًا بعد. جاء صوت الطرف الآخر ناعمًا بجرأة.

    شاهيناز: إيه لسه نايم؟

    عمر: يعنى.. مين؟

    شاهيناز: كده برضه؟ شاهيناز يا عمر.

    عمر: آسف sorry لسه نايم .. إيه الأخبار؟

    شاهيناز: عروض المناقصات وصلت.

    عمر: يبقى لازم اشوفك النهارده.

    شاهيناز: دا انت طماع قوي! مشبعتش من امبارح!

    عمر: لأ طبعًا، العبيط هو اللي يشبع من متعتك.. 8 بالليل مستنيكي ياحياتي .. باي.

    لم يكن عمرقد أفاق من نومه بعد تلك السهرة التي قضاها في أحضان شاهيناز، امرأة بمعنى الكلمة، لاشك في أنها من نسل من أخرج آدم من الجنة، دهاء الحية ولهيب الأنوثة الذي يشعل الأجساد التي تطوف حولها ليل نهار، ولدغة العقرب، سلاح هي في يده، أتاحت لها مؤهلاتها الأنثوية مكانة مرموقة في المكتب المجاور للسيد الوزير، وأتاح لها ضعف السيد الوزير اقترابًا من كل خيوط اللعبة في كسب الأموال، تعلم أن المرأة التي تستطيع أن تجرد الرجل من ملابسه قادرة على أن تجرده من أسراره، لا تحلم بالزواج منه بورقة عرفية؛ فالمناصب مهما طال زمانها إلى زوال، ولكن الأسرار يظل لها دائمًا سوقها الذي لا يكسد، وزبائنها الذين يتلهفـون على دفـع مئات الألـوف مقابل الفتـات منها، وها هي اليوم توصلت إلى أسرار جديدة في سوق الصباح، ستصبح لا قيمة لها إن أشرقت عليها شمس يومٍ جديد، والزبون هو «عمر» يمنحها فوق الحساب ليالي ملتهبة كبقشيش يروي ظمأها في سرير يجيد تأمينه حفاظًا على سمعته، ويمنحها هي أيضًا تأمينًا حفاظًا على سمعتها، وها هي صفقة جديدة .

    حقيقة أنها سوف تربح نصف مليون جنيه من ورائه ولكنه سوف يجني صفقة تتجاوز عشرة ملايين، تستحق معه ليلة أخرى، ليكن.. فما زالت الفرصة متاحة أمامه لأسبوع قادم حتى تعود مرجريت من زيارة عائلتها بأوروبا.. هو ليس زير نساء كما قد يطرأ على ذهن البعض . ولكنه اعتاد توظيف كل ما يقع أمامه لخدمته، رجال، نساء، صحف.. إلخ.. طريقه نحو مكانة مرموقة في الحزب لم يأت من فراغ، من البداية حدد لنفسه هدفًا لابد من الوصول إليه، السلطة والمال..

    نفسه هي الإله الوحيد الذي يقف أمامه خاشعًا للعبادة، المبادئ يصنعها لخدمة ذلك الرب، منذ أن تركه أبوه في سن العاشرة وطلق الأم وتزوج أخرى لم يرضع من ثدي أُمه سوى الكراهية والرغبة في الانتقام. كان يسأل نفسه دائمًا لماذا فعل الأب ذلك؟ وما الذي يدفع بالإنسان إلى أن يتبرأ من كل حياته ليبدأ حياة جديدة؟

    سنو عمره العشرة لم تتح له الإجابة عن ذلك السؤال الصعب الذي يفتك بالملايين من الأطفال، ولكن كانت الإجابة على لسان الأم وحدها..

    ليجعلك مشردًا يتيمًا بينما هو يهب أبوته لابنته الجديدة «ملك».

    وكان ذلك هو مصدر حقده الشديد على شقيقته ملك.

    ثروة الأم لم تجعله يعاني الشقاء، بينما حقده على الأب وزوجته الجديدة وطفلته جعله يعايش دائمًا تلك الرغبة الحارقة في الانتقام من أبيه.

    ما إن أصيب الأب بشلل مؤقت حتى سارع إلى المستشفى ليلقي عليه نظرة التشفي ويخبره ببرودة أعصاب متناهية بقراره برفع دعوى للحجر عليه وهويغادره. دون أن ينسى أن يمنح «ملك» ابتسامة صفراء حارقة وهي تفتح الباب طاردة إياه من غرفة المستشفى.

    شركاته الآن تجاوزت أصولها الثلاثين مليونًا ولم يستطع أن يتخلص بعد من الإحساس بالغيرة والرغبة في الانتقام من أبيه ومن ملك، رغمًا عنه كانت تصل إليه أخبارها منذ عودتها من الخارج وعملها بالتدريس، نجاحاتها أحيانًا تتحدث عنها الصحف كإحدى الناشطات في العمل الأهلي، بينما هو تملأ أخباره الحزبية صفحات الجرائد، جاهدًا كان يحاول اتقاء مصادفتها في أماكن العمل العام أو في دائرة الأسرة المغلقة على أصحاب التاريخ والمناصب، هي أيضًا كانت تتجنب ذلك، وإن حدث كان الإتيكيت يفرض نفسه على اللقاء، وإن لم يكن الأمر يخلو من نظرات جارحة أو كلمة كالرصاصة يعلم أنها وحدها التي ستدركها وتعاني آلامها.

    هاجسه الوحيد لم يكن «ملك» بل «عزت» ذلك الوجه الجديد القادم بقوة من عالم الرأسمالية إلى عالم السياسة، تضخمت ثروته في أعمال المقاولات واجتذبته أضواء السلطة فبدأ هو الآخر في اللعبة نفسها، سريعًا ما لمع نجمه في صفوف الحزب، وصار الصراع واضحًا بينه وبين عمر على منصب مرموق. هو يدعمه المال الذي تجاوز المليار وعمر يستند إلى دائرة الصفوة التي ينتمي إليها. هي لعبة الزمن الحالي، والميكيافيلية التي ترتفع إلى مرتبة الكتب المقدسة.

    لذلك حين طالع في الصفحة الأولى خبرًا «بارزًا» عن المؤتمر الذي حضره عزت بمناسبة إعلان برنامج الحزب سارع إلى تليفونه المحمول غاضبًا ومتخليًا عن هدوئه المعهود، بينما على الطرف الآخر كان الصوت اللزج لرئيس التحرير يحاول امتصاص ثورته.

    عمر إيه الحكاية؟ انتو حتفضلوا تنفخوا فيه كده كتير؟

    رئيس التحرير: ده خبر عادي يا عمر بيه.

    عمر: لأ مش عادي، لما يبقى في الصفحة الأولى وصورته هو اللي منشورة ما يبقاش عادي! لما يبقى المانشيت بتصريح على لسانه مايبقاش عادي! إيه!!

    طب ممكن حضرتك تهدى بس، أنا حبعت لك حد النهارده يعمل ريبورتاج عن تقييمك للمؤتمر والبرنامج السياسي

    أنا مبحبش اللعب على الحبلين يا أستاذ عبدالمقصود، يا معايا.. يامعاه!!

    إحنا رجالتك يا باشا.

    هدأت ثورة عمر قليلًا بعد أن أغلق الموبايل وأطاح بالجريدة بطول ذراعين، بينما استدعى رئيس التحرير أحد رجاله لتلقينه التعليمات الخاصة بريبورتاج «عمر بيه» دون أن ينسى أن يسلمه نسخة من لائحة الإعلانات الجديدة التي سيوقعها عن شركاته في الأشهر الثلاثة القادمة. ونسخة أخرى لـ«عزت بيه» إذا ما رفض الأول أو أبدى اعتراضه.. ففي عالم الصحافة - وفي بعض دروبها المظلمة - إن لم يقبل حليفك أن يسدد الفاتورة فعليك أن تكون جاهزًا بخصمه ليسدد بدلًا منه، وإن لم يقبل عمر بيه حصة الإعلانات في الجريدة فهو على يقين أن عزت على استعداد أن يسدد أضعافها، هي الصحافة ولكن حين تمارس في الأضواء الخافتة رقص الاستربتيز!

    4

    إحساسٌ جديد وهو جالس بجوارها الآن، بالتأكيد هي ليست المرة الأولى التي تجمعهما سيارتها الفخمة، ولكن لماذا تشعر الآن بتلك الحرية التي تملؤها، هل تخلصها من ذلك القيد الدامي هو السبب الوحيد في سعادتها الآن؟

    تنظر بجانب عينيها لـ «محب» وشعور جديد يحيط بها، ليس من حق أحد محاسبتها، هي لم ترتكب في حياتها خطأ تخجل منه.. ولكن دائمًا كان الحساب عسيرًا وخانقًا، جمالها كان دائمًا سببًا في شقائها!

    ما إن تدخل مكانًا حتى تلتف حولها العيون والأجساد، ما إن تنطق حتى يسارع الجميع إلى فتح الحوارات

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1