Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

زاد المسير في علم التفسير
زاد المسير في علم التفسير
زاد المسير في علم التفسير
Ebook833 pages5 hours

زاد المسير في علم التفسير

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

زاد المسير في علم التفسير هو كتاب من كتب التفسير، ألفه الحافظ ابن الجوزي يعتبر الكتاب كتاباً متوسطاً في التفسير يجمع فيه المؤلف أقوال المفسرين من المتقدمين وغيرهم، وأحيانا لايذكر صاحب القول وإنما يقول وفي قوله تعالى (ثم يذكر الآية) قولان أو ثلاثة ثم يسردها، وأحيانا يرجح وأحيانا لايرجح، ويتعرض كذلك للقراءات، ويتعرض كذلك للمسائل الفقهية واللغوية.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateAug 19, 1901
ISBN9786402861326
زاد المسير في علم التفسير

Read more from ابن الجوزي

Related to زاد المسير في علم التفسير

Related ebooks

Related categories

Reviews for زاد المسير في علم التفسير

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    زاد المسير في علم التفسير - ابن الجوزي

    الغلاف

    زاد المسير في علم التفسير

    الجزء 9

    ابن الجوزي

    597

    زاد المسير في علم التفسير هو كتاب من كتب التفسير، ألفه الحافظ ابن الجوزي يعتبر الكتاب كتاباً متوسطاً في التفسير يجمع فيه المؤلف أقوال المفسرين من المتقدمين وغيرهم، وأحيانا لايذكر صاحب القول وإنما يقول وفي قوله تعالى (ثم يذكر الآية) قولان أو ثلاثة ثم يسردها، وأحيانا يرجح وأحيانا لايرجح، ويتعرض كذلك للقراءات، ويتعرض كذلك للمسائل الفقهية واللغوية.

    سورة الأحزاب (33) : الآيات 45 الى 48

    يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48)

    قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً أَي: على أُمَّتك بالبلاغ وَمُبَشِّراً بالجنة لمن صدَّقك وَنَذِيراً أي: منذِراً بالنار لمن كذَّبك، وَداعِياً إِلَى اللَّهِ أي: إِلى توحيده وطاعته بِإِذْنِهِ أي: بأمره، لا أنك فعلتَه من تلقاء نفسك وَسِراجاً مُنِيراً أي: أنت لِمَن اتَّبعك «سراجاً»، أي:

    كالسِّراج المضيء في الظلمة يُهتدى به.

    قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً وهو الجنة.

    (1151) قال جابر بن عبد الله: لمَّا أنزل قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً الآيات، قالت لم أقف عليه من حديث صهيب، ولا يصح، وإنما حديث صهيب فيه إثبات الرؤية دون السلام كذا أخرجه مسلم 181 وغيره، وتقدم في سورة يونس.

    وورد ما ذكره المصنف من حديث جابر بن عبد الله، وهو ضعيف. أخرجه ابن ماجة 184 والآجري في «الشريعة» 626 والواحدي في «الوسيط» 3/ 517 من طريق محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وإسناده ضعيف. وأخرجه أبو نعيم في «صفة الجنة» 91 والبيهقي في «البعث» 493 من طريق العبّاداني به. وقال البوصيري في «الزوائد» أبو عاصم العبّاداني منكر الحديث قاله العقيلي. وذكره الهيثمي في «المجمع» 7/ 98 وقال: رواه البزار، وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، وهو ضعيف.

    لم أره مسندا من حديث جابر، وتفرد المصنف بذكره، فهو لا شيء، وأصل الخبر صحيح دون ذكر نزول الآية، فقد ورد من حديث أنس بن مالك وليس فيه سبب نزول الآية في الأحزاب. أخرجه البخاري 4172 و 4834 وأحمد 3/ 173 من طريق شعبة. وأخرجه مسلم 1786 وأحمد 3/ 122 و 134 والطبري 31454 من طريقين عن همام به. وأخرجه مسلم 1786 والبيهقي 5/ 217 من طريق شيبان. وأخرجه الترمذي 3263 وأحمد 3/ 197 من طريق معمر. وأخرجه مسلم 1786 والطبري 31452 والواحدي في «الوسيط» 4/ 132 - 133 من طريق سليمان بن طرخان. وأخرجه الطبري 31453 من طريق سعيد بن أبي عروبة. كلهم عن قتادة به. وأخرجه ابن حبان 371 من طريق سفيان عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قال: الحديبية. قال أصحابه: هنيئا مريئا فما لنا! فأنزل الله لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ قال شعبة: فقدمت الكوفة فحدثت بهذا كله عن قتادة ثم رجعت فذكر له فقال: أما إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فعن أنس، وأما هنيئا مريئا فعن عكرمة. وحديث عكرمة أخرجه الطبري 31457 من طريق شعبة عن قتادة به. وليس فيه سبب نزول الآية في الأحزاب. وقد عزاه السيوطي في «الدر» 6/ 63 إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مردويه عن عكرمة. وذكره السيوطي في «أسباب النزول» 902 وعزاه إلى ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري وفيه سبب نزول الآية في الأحزاب ... وبرقم 903 وعزاه إلى البيهقي في «دلائل النبوة» عن الربيع بن أنس بنحوه.

    الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله، فما لَنا؟ فنزلت هذه الآية.

    قوله تعالى: وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ قد سبق في أول السورة. قوله تعالى: وَدَعْ أَذاهُمْ قال العلماء: معناه لا تجازهم عليه وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ في كفاية شرّهم وهذا منسوخ بآية السّيف.

    سورة الأحزاب (33) : آية 49

    يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (49)

    قوله تعالى: إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ قال الزجاج: معنى «نَكَحْتُم» تزوَّجتم «1». ومعنى «تَمَسَّوهُنَّ» تَقْربوهن. وقرأ حمزة، والكسائي: «تُمَاسُّوهُنَّ» بألف. قوله تعالى: فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها أجمع العلماء أنه إِذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة فلا عِدَّة «2» وعندنا أن الخلوة توجب العِدَّه (1) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 3/ 611: هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة، منها: إطلاق النكاح على العقد وحده، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها.

    وقوله الْمُؤْمِناتِ خرج مخرج الغالب، إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق.

    (2) قال ابن كثير رحمه الله 3/ 612: وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء إذا طلّقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت، ولا يستثنى من هذا إلا المتوفّى عنها زوجها فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشرا وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضا.

    وقال الإمام الموفق في «المغني» 9/ 533: فأما الخلوة بالمرأة، فالصحيح أنها لا تنشر حرمة. وقد روي عن أحمد: إذا خلا بالمرأة، وجب الصّداق والعدة، ولا يحل له أن يتزوج أمها أو ابنتها. قال القاضي: هذا محمول على أنه حصل مع الخلوة الجماع، فيخرّج كلامه بقوله: لا يحرّمه شيء من ذلك إلا الجماع. وفي رواية عن أحمد. فأما تحريم أمها فبمجرد العقد، وأما تحريم ابنتها فبالدخول وقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فأما مع خلّوه من ذلك، فلا يؤثر في تحريم الربيبة لما في ذلك من مخالفة قوله تعالى. وأما الخلوة بأجنبية. فلا تنشر تحريما. لا نعلم في ذلك خلافا.

    وجاء في «المغني» 11/ 197: العدة تجب على كل من خلا بها زوجها، وإن لم يمسها. وإن خلا بها ولم يصبها ثم طلّقها، فإن مذهب أحمد وجوب العدة عليها. وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وزيد، وابن عمر وأصحاب الرأي والشافعي في القديم. وقال الشافعي في الجديد: لا عدّة عليها، لهذه الآية وهذا نص. ولأنها مطلقة لم تمس، فأشبهت من لم يخل بها. ولنا، إجماع الصحابة. فإنه من أرخى سترا أو أغلق بابا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة. وهذه قضايا اشتهرت ولم تنكر فصارت إجماعا. وقد روي عن أحمد، أن الصداق لا يكمل مع وجود المانع، فكذلك يخرج في العدة. لأن الخلوة إنما أقيمت مقام المسيس، لأنها مظنة له، ومع المانع لا تتحقق المظنة. ولأن العدة تجب لبراءة الرحم. وأجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر، مدخولا بها أو غير مدخول بها، سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ.

    وتقرّر الصّداق، خلافا للشّافعيّ رضي الله عنه. قوله تعالى: فَمَتِّعُوهُنَّ المراد به من لم يسمّ لها مهرا، لقوله تعالى: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً «1»، وقد بيَّنَّا المتعة هنالك. وكان سعيد بن المسيّب وقتادة يقولان: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ «2». قوله تعالى: وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا أي: من غير إِضرار. وقال قتادة: هو طلاقها طاهراً من غير جماع. وقال القاضي أبو يعلي: الأظهر أن هذا التسريح ليس بطلاق، لأنه قد ذكر الطلاق، وإِنما هو بيان أنه لا سبيل له عليها، وأن عليه تخليتها من يده وحِباله.

    فصل:

    واختلف العلماء فيمن قال: إِن تزوجتُ فلانة فهي طالق، ثم تزوجها فعندنا أنها لا تطلق، وهو قول ابن عباس، وعائشة، والشافعي، واستدل أصحابنا بهذه الآية، وأنه جعل الطلاق بَعد النكاح. وقال سماك بن الفضل: النِّكاح عُقدة، والطلاق يَحُلُّها، فكيف يحلُّ عقدة لم تُعقد؟! فجُعل بهذه الكلمة قاضياً على «صنعاء». وقال أبو حنيفة: ينعقد الطلاق، فاذا وُجد النكاح وقع. وقال مالك:

    ينعقد ذلك في خصوص النساء، وهو إِذا كان في امرأة بعينها، ولا ينعقد في عمومهن. فأما إِذا قال: إِن ملكتُ فلاناً فهو حُرّ، ففيه عن أحمد روايتان «3» .

    سورة الأحزاب (33) : الآيات 50 الى 52

    يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52) (1) البقرة: 236.

    (2) البقرة: 237.

    (3) قال الإمام الموفق في «المغني» 3/ 488: وإذا قال: إن تزوجت فلانة، فهي طالق. لم تطلق إن تزوج بها، وإن قال: إن ملكت فلانا فهو حرّ، فملكه صار حرا واختلفت الرواية عن أحمد، فعنه: لا يقع طلاق. روي هذا عن ابن عباس. وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، وعروة، وجابر بن زيد، والشافعي، قال:

    وهو قول أكثر أهل العلم لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق فيما لا يملك، ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك». قال الترمذي: وهذا حديث حسن.

    قال أحمد: هذا عن النبي صلى الله عليه وسلّم وعدة من الصحابة. ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم، فيكون إجماعا.

    والرواية الثانية عن أحمد: أنه يصح في العتق ولا يصح في الطلاق.

    - وقال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» 13/ 180: استدل بعض العلماء بقوله تعالى: ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ وبمهلة ثمّ على أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح، وأن من طلّق المرأة قبل نكاحها وإن عينها، فإن ذلك لا يلزمه.

    وقال هذا نيف على ثلاثين من صاحب وتابع وإمام. سمى الإمام البخاري منهم اثنين وعشرين. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم: «لا طلاق قبل نكاح» ومعناه: أن الطلاق لا يقع حتى يحصل النكاح. وقال طائفة من أهل العلم: إن طلاق المعيّنة الشخص أو القبيلة أو البلد لازم قبل النكاح، منهم مالك وجميع أصحابه، وجمع عظيم من علماء الأمة. وإن قال: كل امرأة أتزوجها طالق وكل عبد أشتريه حرّ، لم يلزمه شيء.

    سورة الأحزاب (33) : الآيات 50 الى 52

    يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52)

    قوله تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلَّها له، فقال: أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ أي: مهورهُنَّ، وهُنَّ اللَّواتي تزوَّجْتَهُنَّ بصداق وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ يعني الجواري مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ أي: ردّه عليك من الكفار، كصفيَّة وجُوَيرية، فانه أعتقهما وتزوجهما وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ يعني نساء قريش وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ يعني نساء بني زُهْرة اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ إِلى المدينة. قال القاضي أبو يعلى: وظاهر هذا يدلُّ على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يَحِلَّ له نكاحها.

    (1152) وقالت أمّ هانئ: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاعتذرتُ إِليه بعذر، ثم أنزل اللهُ تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ إلى قوله تعالى: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ، قالت: فلم أكن لأحَلَّ له، لأنِّي لم أُهاجِر معه، كنتُ من الطُّلَقاء وهذا يدلُّ مِنْ مذهبها أنَّ تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر مَنْ لم تُهاجِر.

    وذكر بعض المفسرين: أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه. وحكى الماوردي في ذلك قولين: أحدهما: أن الهجرة شرط في إِحلال النساء له على الإِطلاق. والثاني: أنه شرط في إِحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات.

    قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً أي: وأَحلَلْنا لك امرأة مؤمنة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لك، إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها أي: إِن آثر نكاحها خالِصَةً لَكَ أي: خاصة. قال الزجّاج: وإِنما قال: إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ، ولم يقل: «لك»، لأنه لو قال: «لك»، جاز أن يُتوهَّم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما جاز في بنات العمِّ وبنات العمَّات. و «خالصة» منصوب على الحال. وللمفسرين في معنى «خالصةً» ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراة إِذا وهبت له نفسها، لم يلزمه صَداقُها دون غيره من المؤمنين، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب. والثاني: أنَّ له أن يَنْكِحها بِلاَ وليّ ولا مَهْر دون غيره، قاله صدره صحيح، له شواهد، وعجزه ضعيف. أخرجه الترمذي 3214 وابن سعد 8/ 121 والحاكم 2/ 185 - 224 و 4/ 53 والطبري 28546 والبيهقي 7/ 54 وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» 3/ 613 من طرق عن إسرائيل عن السدي عن أبي صالح عن أم هانئ به. وإسناده ضعيف جدا لأجل أبي صالح واسمه باذام، فقد ضعفه غير واحد، واتهمه بعضهم بالكذب. وصدر الحديث محفوظ، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلّم خطبها، والوهن فقط في ذكره الآية وكلام أم هانئ عقب الحديث، حيث تفرّد بذلك أبو صالح. والحديث ضعفه ابن العربي جدا، وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وقال الترمذي: حسن صحيح!! قلت: وصدره محفوظ، أخرجه مسلم 2527 وعبد الرزاق 20603 وأحمد 2/ 269 - 275 وابن حبان 6268 من طريق معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطب أم هانئ بنت أبي طالب، فقالت: يا رسول الله، إني قد كبرت، ولي عيال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «خير نساء ركبن الإبل صالح نساء أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده». وورد من مرسل الشعبي أخرجه ابن سعد 8/ 120، وكرره من مرسل أبي نوفل.

    الخلاصة: تبين من ذلك أن صدر الحديث محفوظ، والوهن فقط في عجزه. ولم يفرق الألباني في ذلك حيث أورد الحديث في «ضعيف سنن الترمذي» 630، وقال: إسناده ضعيف جدا؟!! قتادة. والثالث: خالصةً لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، وهذا قول الشافعي، وأحمد.

    وفي المرأة التي وهبتْ له نَفْسها أقوال:

    (1153) أحدها: أُمّ شَريك.

    (1154) والثاني: خولة بنت حكيم.

    (1155) ولم يدخل بواحدة منهما.

    (1156) وذكروا أنّ ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها له فلم يقبلها. قال ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم امرأة وهبت نفسها له. وقد حكي عن ابن عباس أن التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث، وعن الشعبي: أنها زينب بنت خزيمة. والأول: أصح.

    قوله تعالى: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ أي: على المؤمنين غيرك فِي أَزْواجِهِمْ وفيه قولان:

    أحدهما: أن لا يجاوز الرجل أربع نسوة، قاله مجاهد. والثاني: أن لا يتزوج الرجل المرأة إِلاَّ بوليّ وشاهدَين وصَدَاق، قاله قتادة. قوله تعالى: وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أي: وما أَبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور.

    قوله تعالى: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ هذا فيه تقديم المعنى: أَحللْنا لك أزواجك، إلى قوله تعالى: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ.

    قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم:

    «ترجئ» مهموزاً وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بغير همز.

    (1157) وسبب نزولها أنه لمَّا نزلت آية التخيير المتقدِّمة «1»، أشفقْنَ أن يُطَلَّقْنَ، فقلن: يا مرسل. أخرجه الطبري 28560 عن عروة مرسلا. وأخرجه الطبري 28557 عن الحكم أن علي بن الحسين كتب إلى عبد الملك قال: هي امرأة من الأسد يقال لها أم شريك، وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلّم. وانظر «الدر» 5/ 395.

    خبر صحيح. أخرجه البخاري 5113 من طريق محمد بن سالم. وأخرجه البخاري 4788 ومسلم 1464 والنسائي 6/ 54 وابن ماجة 2000 وأحمد 6/ 185 والحاكم 2/ 436 وابن حبان 6367 والطبري 28574 والبغوي في «شرح السنة» 2262 من طرق عن هشام به. كلهم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلّم فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل! فلما نزلت: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ قلت: يا رسول الله، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. لفظ البخاري في الرواية الأولى.

    ضعيف. أخرجه ابن سعد 8/ 119 عن ابن أبي عون مرسلا قال: فلم يسمع أن النبي صلى الله عليه وسلّم قبل منهن أحدا.

    أخرجه ابن سعد 8/ 119 عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وهذا إسناد ساقط لأجل الكلبي، فإنه متهم. وأخرجه ابن سعد 8/ 119 عن قتادة مرسلا. وذكره ابن سعد 8/ 255 في ترجمة ليلى بنت الخطيم بدون عزو لأحد.

    ضعيف. أخرجه ابن سعد 8/ 158 والطبري 28567 و 28569 و 28572 من طريق منصور عن أبي رزين به، وهذا مرسل، فهو ضعيف. وأخرجه ابن سعد 8/ 158 والطحاوي في «المشكل» 1/ 456 عن مغيرة عن أبي رزين به أبو رزين هو مسعود بن مالك الأسدي، - أسد خزيمة - تابعي كبير. (1) الأحزاب: 28.

    نبيَّ الله، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودَعْنا على حالنا، فنزلت هذه الآية، قاله أبو رزين.

    وفي معنى الآية أربعة أقوال «1»: أحدها: تطلِّق من تشاء من نسائك، وتُمْسِك من تشاء من نسائك، قاله ابن عباس. والثاني: تترُك نكاح من تشاء، وتَنْكِح من نساء أُمَّتك من تشاء، قاله الحسن.

    والثالث: تَعْزِل من شئتَ من أزواجك فلا تأتيها بغير طلاق، وتأتي من تشاء فلا تَعْزِلها. قاله مجاهد.

    والرابع: تَقْبَل من تشاء من المؤمنات اللواتي يَهَبْنَ أنفُسَهُنَّ، وتترُك من تشاء، قاله الشعبي، وعكرمة.

    وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مصاحَبة نسائه كيف شاء من غير إِيجاب القِسْمة عليه والتسوية بينهنّ. غير أنه كان يسوِّي بينهنّ. وقال الزُّهري: ما عَلِمْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم أرجأ منهنَّ أحداً، ولقد آواهنَّ كلَّهنَّ حتى مات.

    (1158) وقال أبو رزين: آوى عائشة، وأُم سلمة، وحفصة، وزينب، وكان قَسْمُه من نَفْسه وماله فيهنَّ سواءً. وأرجأ سَوْدة، وجُوَيرية، وصفيَّة، وأُمَّ حبيبة، وميمونة، وكان يَقْسِم لهنَّ ما شاء. وكان أراد فراقهنَّ فقُلن: اقسم لنا ما شئتَ، ودَعْنا على حالنا.

    (1159) وقال قوم: إنه أرجأ سَودة وحدها لأنها وهبت يومها لعائشة، فتوفي وهو يَقْسِم لثمان.

    قوله تعالى: وَتُؤْوِي أي: تضم، وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ أي: إِذا أردتَ أن تُؤوي إِليك امرأةً ممَّن عزلتَ من القسمة فَلا جُناحَ عَلَيْكَ أي: لا مَيْلَ عليك بلَوْم ولا عَتْب ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ أي: ذلك التخيير الذي خيَّرناك في صُحبتهنّ أقرب إِلى رضاهنّ. والمعنى: إِنهنّ إِذا عَلِمن أنَّ هذا أَمر من الله تعالى، كان أطيبَ لأنفُسهنّ. وقرأ ابن محيصن، وأبو عمران الجوني: «أن تُقِرَّ» بضم التاء وكسر القاف «أعيُنَهُنَّ» بنصب النون. وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ أي: بما أعطيتَهُنّ من تقريب وتأخير وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ من المَيْل إِلى بعضهنّ. والمعنى: إِنما خيَّرناك تسهيلاً عليك.

    قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ كلُّهم قرأ: «لا يَحِلُّ» بالياء، غير أبي عمرو، فانه قرأ بالتاء والتأنيث ليس بحقيقي، إِنما هو تأنيث الجمع، فالقراءتان حسنتان. وفي قوله تعالى: مِنْ بَعْدُ ثلاثة انظر الحديث الذي قبله.

    لم أره بهذا اللفظ، وخبر سودة دون ذكر هذه الآية. أخرجه الترمذي 3040 والطبري 10613 من حديث ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلّم فقالت: لا تطلقني وأمسكني، واجعل يومي لعائشة، ففعل فنزلت: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا ... النساء: 128. قال الترمذي: هذا حديث غريب اه. وله شاهد من حديث عائشة أخرجه أبو داود 2135 والبيهقي 7/ 47 وإسناده حسن صححه الحاكم 2/ 186 ووافقه الذهبي، وليس فيه ذكر الآية. وعند أبي داود 2138 من حديث عائشة «... وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها» . (1) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» 10/ 315: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال إن الله تعالى ذكره جعل لنبيه أن يرجي من النساء اللواتي أصلهن له من يشاء، ويؤوي إليه منهن من يشاء، وذلك أنه لم يحصر معنى الإرجاء والإيواء على المنكوحات اللواتي كن في حباله، عند ما نزلت الآية دون غيرهن ممن يستحدث إيواؤها أو إرجاؤها منهن.

    أقوال: أحدها: من بعد نسائك اللواتي خيرتَهُنَّ فاخترن الله تعالى ورسولَه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة في آخرين، وهُنَّ التِّسع، فصار مقصوراً عليهنّ ممنوعاً من غيرهن. وذكر أهل العِلْم أن طلاقه لحفصة وعَزْمه على طلاق سَوْدة كان قبل التخيير. والثاني: من بعد الذي أحلَلْنا لك، فكانت الإِباحة بعد نسائه مقصورة على المذكور في قوله تعالى: «إِنَّا أَحللنا لك أزواجك» إِلى قوله تعالى: خالِصَةً لَكَ قاله أُبيُّ بن كعب، والضحاك. والثالث: لا تَحِلُّ لك النساء غير المُسْلِمات كاليهوديّات والنصرانيّات والمشركات، وتَحِلُّ لك المسلمات، قاله مجاهد.

    قوله تعالى: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن تطلِّق زوجاتك وتستبدل بهنَّ سِواهنَّ، قاله الضحاك. والثاني: أن تبدِّل بالمسلمات المشركات، قاله مجاهد في آخرين.

    (1160) والثالث: أن تُعطيَ الرجل زوجتك وتأخذ زوجته، وهذه كانت عادة للجاهلية، قاله أبو هريرة، وابن زيد.

    قوله تعالى: إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ يعني الإِماء. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال:

    أحدها: إِلا أن تَملك بالسَّبي، فيَحِلّ لك وطؤها وإِن كانت من غير الصِّنف الذي أحلَلْتُه لك وإِلى هذا أومأ أُبيُّ بن كعب في آخرين. والثاني: إِلاَّ أن تصيب يهودية أو نصرانية فتطأها بملك اليمين، قاله ابن عباس ومجاهد. والثالث: إِلاَّ أن تبدِّل أَمَتَك بأَمَة غيرك، قاله ابن زيد.

    قال أبو سليمان الدمشقي: وهذه الأقوال جائزة، إِلاَّ أنَّا لا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نكح يهودية ولا نصرانية بتزويج ولا ملك يمين.

    (1161) ولقد سبى ريحانة القرظية فلم يَدْنُ منها حتى أسلمت.

    فصل:

    واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين:

    أحدهما: أنها منسوخة بقوله تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ، وهذا مروي عن عليٍّ، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة، وعلي بن الحسين، والضحاك.

    (1162) وقالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى أُحِلَّ له النساء، قال أبو سليمان الدّمشقي: باطل. هو صدر حديث. أخرجه البزار 2251 «كشف» والدارقطني 3/ 218 من حديث أبي هريرة، وفيه إسحاق بن أبي فروة متروك الحديث. واتهمه الزهري، وهذا الحديث مما صنعت يداه، وهو باطل لا أصل له، وضعفه البزار جدا بقوله: إسحاق لين الحديث، ولا نحفظه إلا عنه. ووافقه ابن كثير في «تفسيره» 3/ 618.

    ونقل الآبادي عن الحافظ في «الفتح» قوله: ضعيف جدا اه. وانظر «تفسير الشوكاني» 2023.

    ضعيف. أخرجه ابن سعد 8/ 102 - 103 عن عمر بن الحكم مرسلا.

    ورد عن عائشة وعن أم سلمة. أما حديث عائشة فأخرجه الترمذي 3216 والنسائي 6/ 56 وأحمد 6/ 41 والحميدي 235 وابن سعد 8/ 140 والبيهقي 7/ 54 من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن عائشة، ورجاله رجال الشيخين فالإسناد صحيح إذا كان عطاء سمعه من عائشة، والظاهر أنه لم يسمعه منها كما سيأتي.

    وأخرجه الطبري 28594 من طريق ابن جريج عن عطاء عن عائشة. وأخرجه أحمد 6/ 180 - 201 والنسائي 6/ 56 وفي «التفسير» 435 وابن سعد 8/ 141 والطحاوي في «المشكل» 522 وابن حبان 6366 والطبري 28598 والبيهقي 7/ 54 من طريق ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة به. ورجاله رجال البخاري ومسلم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن سعد 8/ 140 من طريق عطاء ومحمد بن علي عن عائشة، وفيه الواقدي متروك الحديث.

    - وأما حديث أم سلمة، فقد أخرجه الطحاوي في «المشكل» 524. وإسناده ساقط، فيه عمر بن أبي بكر الموصلي، وهو متروك. وأخرجه ابن سعد 8/ 194 من وجه آخر، وفيه الواقدي متروك. الخلاصة: حديث عائشة قوي، وأما حديث أم سلمة، فهو واه ليس بشيء. والجمهور على خلاف مذهب عائشة.

    انظر «أحكام القرآن» 1828 بتخريجنا.

    يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات.

    والقول الثاني: أنها محكمة ثم فيها قولان: أحدهما: أن الله تعالى أثاب نساءه حين اخْتَرنه بأن قَصَره عليهنّ، فلم يُحِلَّ له غيرهنّ، ولم ينسخ هذا، قاله الحسن وابن سيرين وأبو أُمامة بن سهل وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. والثاني: أنّ المراد بالنساء ها هنا: الكافرات، ولم يَجُز له أن يتزوَّج كافرة، قاله مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وجابر بن زيد.

    سورة الأحزاب (33) : آية 53

    يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53)

    قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ الآية. في سبب نزولها ستة أقوال:

    (1163) الأول: أخرجاه في «الصحيحين» من حديث أنس بن مالك، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمَّا تزوَّج زينب بنت جحش دعا القوم، فطَعِمُوا ثم جلسوا يتحدَّثون، فأخذ كأنَّه يتهيَّأُ للقيام، فلم يقوموا، فلمَّا رأى ذلك قام وقام مِنَ القوم مَنْ قام، وقعد ثلاثة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم فدخل فاذا القوم جلوس، فرجع، وإِنَّهم قاموا فانطلقوا، وجئت فأخبرت النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنَّهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، وذهبتُ أدخلُ فألقى الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله تعالى هذه الآية.

    (1164) والثاني: أنَّ ناساً من المؤمنين كانوا يتحيّنون طعام النبيّ صلى الله عليه وسلّم فيدخُلون عليه قبل الطعام إِلى أن يُدرِك، ثم يأكلون ولا يخرُجون، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتأذَّى بهم، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.

    (1165) والثالث: أن عمر بن الخطاب قال: قلت يا رسول الله! إِن نساءك يدخل عليهنّ البرّ صحيح. أخرجه البخاري 4721 و 6239 و 6271 ومسلم 1428 والترمذي 3218 و 3219 والنسائي في «الكبرى» 11416 و 11420 والواحدي في «أسباب النزول» 706 من حديث أنس.

    ذكره البغوي هكذا بدون إسناد عن ابن عباس، ولم أره مسندا.

    - وورد نحوه عن الربيع بن أنس، أخرجه عبد بن حميد كما في «الدر» 4/ 402.

    صحيح. أخرجه البخاري 402 و 4790 والنسائي في «التفسير» 438 وابن حبان 6896 عن أنس عن عمر به، وأتم. ولم أره عن ابن عمر عن عمر، فالله أعلم.

    والفاجر، فلو أمرتَهُنَّ أن يَحْتَجِبْنَ، فنزلت آية الحجاب، أخرجه البخاري من حديث أنس، وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر، كلاهما عن عمر.

    (1166) والرابع: أنَّ عُمر أمر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحجاب، فقالت زينب: يا ابن الخطاب، إِنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا؟! فنزلت الآية، قاله ابن مسعود.

    (1167) والخامس: أن عمر كان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: احجب نساءك، فلا يفعل، فخرجت سَوْدَةُ ليلة، فقال عمر: قد عرفناكِ يا سَوْدَة - حرصاً على أن ينزل الحجاب - فنزل الحجاب، رواه عكرمة عن عائشة.

    (1168) والسادس: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يطعم معه بعض أصحابه، فأصابت يدُ رجل منهم يدَ عائشة، وكانت معهم، فكره النبيّ صلى الله عليه وسلّم ذلك، فنزلت آية الحجاب، قاله مجاهد.

    قوله تعالى: إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ أي: أن تُدْعَوا إليه «1» غَيْرَ ناظِرِينَ أي: منتظرين أَنْ. قال الزجاج: موضع «أنْ» نصب والمعنى: إِلا بأن يؤذن أو لأن يؤذن، و «غير» منصوبة على الحال المعنى: إِلا أن يؤذَنَ لكم غيرَ منتظرِين. و «إناه»: نضجه وبلوغه. ضعيف. أخرجه الطبري 28621 وفيه عطاء بن السائب، وهو صدوق، لكن اختلط، وهو بهذا اللفظ ضعيف، والصواب ما تقدم برقم 1163 و 1165. وانظر «أحكام القرآن» 1832 بتخريجنا.

    أخرجه مسلم 2170 ح 18 والطبري 28619 من طريقين عن الزهري به. وأخرجه البخاري 6240 من طريق صالح بن كيسان عن الزهري به. وأخرجه البخاري 5237 ومسلم 2170 من طريق علي بن مسهر عن هشام عن عروة به. وأخرجه البخاري 4795 ومسلم 2170 والبيهقي 7/ 88 من طريق أبي أسامة عن هشام عن أبيه به. وأخرجه مسلم 2170 وأحمد 6/ 56 من طريق ابن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه به. وأخرجه أبو يعلى 4433 وابن حبان 1409 من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه به.

    وهم جميعا من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنهما. وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 3/ 620:

    هكذا وقع في هذه الرواية، والمشهور أن هذا كان بعد نزول الحجاب من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين؟ قالت:

    فانكفأت راجعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت فقالت يا رسول الله، إني خرجت لبعض حاجتي، فقال: «إنه قد أذن لكنّ أن تخرجن لحاجتكن» .

    ضعيف. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» 709 عن مجاهد مرسلا، وصوّبه الدارقطني كما ذكر الحافظ في «تخريج الكشاف» 3/ 55. وأخرجه النسائي في «الكبرى» 11419 والبخاري في «الأدب المفرد» 1053 وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» 3/ 621 من حديث عائشة قالت: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلّم حيسا، فمرّ عمر، فدعاه فأكل، فأصابت يده إصبعي، فقال: حس! لو أطاع فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب وهذا منقطع مجاهد لم يسمع من عائشة كما في مراسيل ابن أبي حاتم. ثم إن الخبر منكر. (1) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 3/ 620: حظّر الله على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بغير إذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ لا ترقبوا الطعام إذا طبخ حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول، فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه، قال: وهذا دليل على تحريم التطفيل، وهو الذي تسميه العرب: «الضيفن» اه.

    قوله تعالى: فَانْتَشِرُوا أي: فاخرُجوا. قوله تعالى: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ المعنى: ولا تدخُلوا مستأنِسِين، أي: طالبي الأُنس لحديث، وذلك أنهم كانوا يجلسون بعد الأكل فيتحدَّثون طويلاً،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1