الثبات عند الممات
By ابن الجوزي
()
About this ebook
Read more from ابن الجوزي
تذكرة الأريب في تفسير الغريب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأخبار الظراف والمتماجنين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsصيد الخاطر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالعلل المتناهية في الأحاديث الواهية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالضعفاء والمتروكون لابن الجوزي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsذم الهوى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأخبار الحمقى والمغفلين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتذكرة في الوعظ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتلقيح فهوم أهل الآثر في عيون التواريخ والسير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإعلام العالم بعد رسوخه بناسخ الحديث ومنسوخه Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنواسخ القرآن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمواسم العمر لابن الجوزي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنثور Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsزاد المسير في علم التفسير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتقويم اللسان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتلقيح فهوم أهل الأثر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالقصاص والمذكرين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتحقيق في مسائل الخلاف Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاللآلي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأخبار النساء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ من الحديث Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsصفة الصفوة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاللطائف Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتعظيم الفتيا لابن الجوزي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمدهش Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجامع المسانيد لابن الجوزي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكتاب المسلسلات لابن الجوزي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمقلق لابن الجوزي Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related to الثبات عند الممات
Related ebooks
المجموع شرح المهذب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح الباري لابن حجر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنتقى شرح الموطإ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسبل السلام شرح بلوغ المرام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأدب الدنيا والدين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالحث على حفظ العلم وذكر كبار الحفاظ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالنشر في القراءات العشر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح القدير للشوكاني Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح منتهى الإرادات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنيل الأوطار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنتقى شرح الموطأ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsصحيح مسلم: نسحة كاملة Rating: 5 out of 5 stars5/5تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالغرر البهية في شرح البهجة الوردية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأسنى المطالب في شرح روض الطالب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمحلى بالآثار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكشف المشكل من حديث الصحيحين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقصص الأنبياء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمغني لابن قدامة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح المغيث بشرح ألفية الحديث Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمجموع الفتاوى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتحرير والتنوير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح الوهاب بشرح منهج الطلاب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحاشية السندي على سنن ابن ماجه Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكشاف القناع عن متن الإقناع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related categories
Reviews for الثبات عند الممات
0 ratings0 reviews
Book preview
الثبات عند الممات - ابن الجوزي
الثبات عند الممات
ابن الجوزي
597
وهذ المسألة- أعني: الثَّبَاتِ عِنْدَ الْمَمَاتِ- شغلت العلماء منذ زمن بعيد، فألَّفَ فيها أبو بكر ابن أبي الدنيا كتابه المحتضرين، كما ألَّفَ فيها محمد بن يزيد الثمالى الأزدي تابه التعازي والمراثي والمواعظ والوصايا. وللإمام جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي (ت: 597هـ) كتاب: الثَّبَاتِ عِنْدَ الْمَمَاتِ، وخصص أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين بابًا في كلام المحتضرين من الخلفاء والأمراء والصالحين، ختمه بقوله: فهذه أقاويلهم، وإنما اختلفت بحسب اختلاف أحوالهم، فَغَلَب على بعضهم الخوف، وعلى بعضهم الرجاء، وعلى بعضهم الشوق والحب، فتكلم كل واحد منهم على مقتضى حاله، والكل صحيح بالإضافة إلى أحوالهم. أ.ه والمسلم في هذا العصر- الذي انبعَثَ فيه سيلٌ من المُغرِيات المُغوِيات - أحوج ما يكون الى الثبات على الهداية والعصمة من الضلال
الْبَابِ الأَوَّلِ فِي بَيَانِ فَضِيلَةِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ وَلُزُومِ الْقَبُولِ مِنْهُمَا
قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَقْلَ هُوَ الآلَةُ الَّتِي عُرِفَ بِهَا الإِلَهُ وَحَصَلَ بِهِ تَصْدِيقُ الرُّسُلِ وَالْتِزَامُ الشَّرَائِعِ وَأَنَّهُ الْمُحَرِّضُ عَلَى طَلَبِ الْفَضَائِلِ وَالْمُخَوِّفُ مِنْ رُكُوبِ الرَّذَائِلِ وَالنَّاظِرُ فِي الْمَصَالِحِ وَالْعَوَاقِبِ فَهُوَ مُدَبِّرُ أَمْرَ الدَّارَيْنِ وَمَثَلُهُ كَالضَّوْءِ فِي الظُّلْمَةِ فَقَدْ يَقِلُّ عِنْدَ أَقْوَامٍ فَيَكُونُ كَعَيْنِ الأَعْشَى وَيَزِيدُ فَيَكُونُ كَنُورِ الْقَبَسِ وَيَكُونُ عِنْدَ قَوْمٍ كَضَوْءِ الشَّمْعَةِ وَعِنْدَ الْكَامِلِينَ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَى عَيْنِ زَرْقَاءِ الْيَمَامَةِ
وَلِهَذَا تَتَفَاوَتُ الْعُقَلاءُ فِي الْعُلُومِ وَالأَعْمَالِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ رُزِقَ الْعَقْلَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ وَلا يَخْلُدَ إِلَى ضِدِّهِ وَهُوَ الْهَوَى فَمَتَى مَالَ إِلَى الْهَوَى صُيِّرَ الإِمَامُ مَأْمُومًا وَذَلِكَ لَا يَحْسُنُ
فَصْلُ
فَأَمَّا النَّقْلُ فَإِنَّ الْعَقْلَ لَمَّا نَظَرَ فِي مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ صَدَّقَهُمْ وَعَلِمَ أَنَّمَا أَتَوْا بِمَا أَتَوْا بِهِ عَنِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ فَقَوْلُهُمْ مَعْصُومٌ عَنِ خَطَأٍ مَحْفُوظٌ عَنْ غَلَطٍ
وَإِذْ قَدْ بَانَ فَضْلُ الْعَقْلِ وَشَرَفُ النَّقْلِ لَزِمَ الْقَبُولُ مِنْهُمَا الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ مِنْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلاءٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْكِرَ فِيهَا وُقُوعَ الْبَلاءِ
مَنِ اسْتَخْبَرَ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ عَنْ وَضْعِ الدُّنْيَا أَخْبَرَاهُ أَنَّهَا مَارَسْتَانُ بَلاءٍ فَلا يُنْكِرُ وُقُوعَ الْبَلاءِ بِهَا وَلَيْسَ فِيهَا لَذَّةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِنِّمَا لَذَّتُهَا رَاحَةٌ مِنْ مُؤْلِمٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنَ الأَكْلِ إِقَامَةٌ خَلْفَ الْمُتَحَلَّلِ ثُمَّ كَمْ فِيهِ مِنْ مَحْذُورٍ فَإِنِّ الإِكْثَارَ يُوجِبُ التُّخَمَةَ وَمِنَ الْمَطَاعِمِ مُؤَدٍّ بِالإِسْهَالِ أَوْ بِالإِمْسَاكِ وَمِنْهَا مَا يُقَوِّي بَعْضَ الأَخْلاطِ وَإِنَّمَا جُعِلَتِ اللَّذَّةُ فِي التَّنَاوُل كالبرطيل
وَكَذَلِكَ الوطأ فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إِقَامَةُ الْخَلَفِ وَكَمْ فِي ضِمْنِهِ مِنْ أَذًى أَقَلُّهُ قِلَّةُ الْقُوَى وَتَعَبُ الْكَسْبِ ومقاسات أَخْلاقِ الْمُعَامَلَةِ
وَمَتَى حَصَلَ مَحْبُوبٌ كَأَنَّ نَغَصَهُ تُرْبِي عَلَى لَذَّاتِهِ وَيَا سُرْعَانَ ذِهَابُهُ مَعَ قُبْحِ مَا يَجْنِي وَأَقَلُّ آفَاتِهِ الْفِرَاقُ الَّذِي يَنْكُبُ الْفُؤَادَ وَيُذِيبُ الأَجْسَادَ وَكُلُّ مَا يُظَنُّ مِنَ الدُّنْيَا سَرَابٌ وَعِمَارَتُهَا وَإِنْ حَسُنَتْ صُورَتُهَا خَرَابٌ وَمَجِيئُهَا إِلَى مَجِيبِهَا ذِهَابٌ وَمَنْ خَاضَ الْمَاءَ الْغَمْرَ لَمْ يِجْزَعْ مِنْ بَلَلٍ كَمَا أَنَّ مَنْ دَخَلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لَمْ يَخْلُ مِنْ وَجَلٍ
وَالْعَجَبُ لِمَنْ يَدُهُ فِي سَلَّةِ الأَفَاعِي كَيْفَ يُنْكِرُ اللَّسْعَ وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَنْ يَطْلُبُ مِنَ الْمَطْبُوعِ عَلَى الضُّرِّ التَّمَنُّعَ وَمَا أَحْسَنُ قَوْلَ الشَّاعِرِ ... طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا ... صفوا من الأقذار وَالأَكْدَارِ ... وَمُكَلِّفُ الأَيَّامَ ضِدَّ طِبَاعِهَا ... مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَذْوَةَ نَارِ ... وَإِذَا رَجَوْتَ الْمُسْتَحِيلَ فَإِنَّمَا ... تَبْنِي الرَّجَاءَ عَلَى شَفِيرٍ هَارِ ...
وَلَوْلا أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ ابْتِلاءٍ لَمْ تعتور الْأَمْرَاض والأكدار وَلم يضيق الْعَيْشُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَالأَخْيَارِ وَلَقَدْ لُزِقَ بِهِمُ الْبَلاءُ وَعُدِمُوا الرَّاحَةَ
فَآدَمُ يُعَانِي الْمِحَنَ إِلَى أَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَنُوحٌ يَبْكِي ثُلْثَمِائَةِ عَامٍ وَإِبْرَاهِيمُ يُكَابِدُ النَّارَ وَذَبْحَ الْوَلَدِ وَيَعْقُوبُ يَبْكِي حَتَّى ذَهَبَ الْبَصَرُ وَمُوسَى يُقَاسِي فِرْعَوْنَ وَيَلْقَى مِنْ قَوْمِهِ الْمِحَنَ وَعِيسَى لَا مَأْوَى لَهُ إِلا الْبِرُّ فِي الْعَيْشِ الضَّنْكِ وَمُحِمِّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَابِرُ الْفَقْرَ وَقَذْفَ الزَّوْجَةِ وَقَتْلَ مَنْ يُحِبُّهُ
وَلَوْ خُلِقَتِ الدُّنْيَا لِلَّذَّةِ لَمْ يُبْخَسْ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنْهَا فَإِنَّ الْجَمَلَ يَأْكُلُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَالْعُصْفُورُ يُسَافِدُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وجنة الْكَافِر
وَإِذ بَانَ أَنَّهَا دَارُ ابْتِلاءٍ وَسَجْنٍ وَمِحَنٍ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ جَزَعٌ مِنَ الْبَلْوَى الْبَابُ الثَّالِثُ فِي ذِكْرِ الْمُصَابِ بِالْمَحْبُوبِ مِنَ الأَهْلِ ... الْمَرْءُ يُصَابُ مَصَائِبُ لَا تَنْقَضِي ... حَتَّى يُوَارَى جِسْمه فِي رمسه
فمؤجل يَلْقَى الرَّدَى فِي غَيْرِهِ ... وَمُعَجَّلٌ يَلْقَى الرَّدَى فِي نَفْسِهِ ...
وَعِلاجُ فَقْدِ الْمَحْبُوبِ بِثَمَانِيَةِ أَشْيَاءٍ
أَحَدِهَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقَدَرَ قَدْ سَبَقَ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا أَصَابَ مِنْ مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ {لكَي لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَصَائِبَ مُقَدَّرَةٌ لَا أَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ الاتِّفَاقِ كَمَا يَقُول الطباعيون وَلا أَنَّهَا عَبَثٌ بَلْ هِيَ صَادِرَةٌ عَمَّنْ صَدَرَتْ عَنْهُ مُحْكَمَاتُ الأُمُورِ وَمُتْقَنَاتُ الأَعْمَالِ وَإِذَا كَانَتْ صَادِرَةٌ عَنْ تَدْبِيرِ حَكِيمٍ لَا يَعْبَثُ إِمَّا لِزَجْرٍ عَنْ فَسَادٍ أَوْ لِتَحْصِيلِ أَجْرٍ أَوْ لِعُقُوبَةٍ عَلَى ذَنْبٍ وَقَعَ التَّسَلِّي بِذَلِكَ
الثَّانِي الْعِلْمُ بِأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ الابْتِلاءِ وَالْكَرْبِ لَا يُرْجَى مِنْهَا رَاحَةٌ .. وَمَا اسْتَغْرَبَتْ عَيْنِي فِرَاقًا رَأَيْتُهُ ... وَلا أَعْلَمَتْنِي غَيْرَ مَا الْقَلْبُ عَالِمُهُ ...
وَالثَّالِثِ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْجَزَعَ مُصِيبَةٌ ثَانِيَةٌ
وَالَّرابِعِ أَنْ يُقَدِّرَ وُجُودَ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ كَمَنْ لَهُ وَلَدَانِ ذَهَبَ أَحَدُهُمَا
وَالْخَامِسِ النَّظَرُ فِي حَالِ مَنِ ابْتُلِيَ بِمِثْلِ هَذَا الْبَلاءِ فَإِنَّ التَّأَسِّيَ رَاحَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ ... وَلَوْلا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي ... عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وَمَا يَبْكُونَ مِثْلُ أَخِي وَلَكِنْ ... أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي ...
وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ حَرَمَهَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَ النَّارِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا مَحْبُوسٌ وَحْدَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي النَّارِ سِوَاهُ
وَالسَّادِسِ النَّظَرُ فِي حَالِ مَنِ ابْتُلِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْبَلاءِ فَيَهُونَ هَذَا
وَالسَّابِعِ رَجَاءُ الْخَلَفِ إِنْ كَانَ مِنْ مَعْنًى يَصْلُحُ عَنْهُ الْخَلَفُ كَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ
قِيلَ لِلُقْمَانَ مَاتَتْ زَوْجَتُكَ فَقَالَ تَجَدَّدَ فِرَاشِي وَأَنْشَدُوا ... هَلْ وَصْلُ غرَّة إِلا وَصْلُ غَانِيَةٍ ... فِي وَصْلِ غَانِيَةٍ مِنْ وَصْلِهَا خُلْفُ ...
وَالثَّامِنِ طَلَبُ الأَجْرِ بِحِمْلِ أَعْبَاءِ الصَّبْرِ فَلْيَنْظُرْ فِي فَضَائِلِ الصَّبْرِ وَثَوَابِ الصَّابِرِينَ وَسِيرَتِهِمْ فِي صَبْرِهِمْ وَإِنْ تَرَقَّى إِلَى مَقَامِ الرِّضَى فَهُوَ الْغَايَةُ
فَصْلٌ فِي فَضَائِلِ الصَّبْرِ
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطاء قطّ خيرا وَلَا قَالَ الترمذى حَدِيث حسن صَحِيح أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْقَطِيعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ وَمن جزع فَلهُ الْجزع رُوَاته ثِقَات
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّبْرُ فِي أَوَّلِ صَدْمَةٍ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى
وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَسِبَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَا أُخِذَ مِنْهُ وَيُوقِنَ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ وَذَلِكَ يُهَوِّنُ الصَّبْرَ
وَمِنْ عَلامَةِ الصَّبْرِ الْكَفُّ عَنْ تَمْزِيقِ ثَوْبٍ أَوْ لَطْمِ خَدٍّ وَحَبْسُ اللِّسَانِ عَنِ اعْتِرَاضٍ وَتَسَخُّطٍ وَالامْتِنَاعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُوجِبُ إِظْهَارَهُ تَأَثُّرَ الْمُبْتَلِي وَلْيَعْلَمِ الْعَاقِلُ أَنَّ الْبَلايَا ضُيُوفٌ فَلْيُعِدَّ لَهَا قِرَى الصَّبْرِ قَالَ الْحُكَمَاءُ الْعَاقِلُ يَفْعَلُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْمُصِيبَةِ مَا يَفْعَلُهُ الْجَاهِلُ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ
وَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ إِنَّكَ إِنْ صَبَرْتَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَإِلا سَلَوْتَ كَمَا تَسْلُو الْبَهَائِمُ