Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التعليق الممجد على موطأ محمد
التعليق الممجد على موطأ محمد
التعليق الممجد على موطأ محمد
Ebook763 pages5 hours

التعليق الممجد على موطأ محمد

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

التعليق الممجد على موطأ محمد شرح جليل، عظيم لكتاب " موطأ الإمام مالك "، بالإضافة إلى ذلك فهو أحد الكتب الكبار التي ألفها الإمام اللَّكنَويّ من كتبه الكثيرة البالغة 115 كتابًا، وقد بدأ تأليفه أواخر سنة 1292 ، وكانت سِنُّه 27 سنة، ثم اعترضته أسفار وأعراض وأشغال فأتمّ تأليفه في شعبان سنة 1295، فهي موهبة عجيبة وقدرة غريبة أن يتسنّم كتاب الموطأ شابٌّ هندي اللغة والدار في هذه السن، وقد ضمّنه زاهي علمه وأرقى معرفته في الحديث الشريف وعلومه، وفي الفقه الحنفي والمذاهب الأخرى وسائر ما يتصل بذلك من العلوم من بعيد أو من قريب- فجاء هذا الكتاب درة فريدة من درر العلم وجوهرة نفيسة من أنفس الجواهر
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJul 27, 1903
ISBN9786435243427
التعليق الممجد على موطأ محمد

Related to التعليق الممجد على موطأ محمد

Related ebooks

Related categories

Reviews for التعليق الممجد على موطأ محمد

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التعليق الممجد على موطأ محمد - اللكنوي الهندي

    الغلاف

    التعليق الممجد على موطأ محمد

    الجزء 4

    اللكنوي الهندي

    1304

    التعليق الممجد على موطأ محمد شرح جليل، عظيم لكتاب موطأ الإمام مالك ، بالإضافة إلى ذلك فهو أحد الكتب الكبار التي ألفها الإمام اللَّكنَويّ من كتبه الكثيرة البالغة 115 كتابًا، وقد بدأ تأليفه أواخر سنة 1292 ، وكانت سِنُّه 27 سنة، ثم اعترضته أسفار وأعراض وأشغال فأتمّ تأليفه في شعبان سنة 1295، فهي موهبة عجيبة وقدرة غريبة أن يتسنّم كتاب الموطأ شابٌّ هندي اللغة والدار في هذه السن، وقد ضمّنه زاهي علمه وأرقى معرفته في الحديث الشريف وعلومه، وفي الفقه الحنفي والمذاهب الأخرى وسائر ما يتصل بذلك من العلوم من بعيد أو من قريب- فجاء هذا الكتاب درة فريدة من درر العلم وجوهرة نفيسة من أنفس الجواهر

    (بَابُ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَلا يَفْرِضُ (5) لَهَا صَدَاقًا)

    542 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ بِنْتًا لعُبَيْد اللَّهِ (6) بْنِ عُمَرَ - وأُمها (7) ابْنَةُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - فَمَاتَ (8)، وَلَمْ يُسَمِّ (9) لَهَا صَدَاقاً، فَقَامَتْ أمها (10) تطلُبُ (11) صَدَاقها؟ (1) أي عمر.

    (2) أي تزويج ذي الرأي.

    (3) من اعتبار الكفاءة وتمام المهر.

    (4) لحصول المقصود.

    (5) أي لا يقدّر المهر، ولا يسمّيه عند العقد.

    (6) قوله: لعبيد الله، هو أخو عبد الله بن عمر بن الخطاب، وُلد في العهد النبوي، وقُتل بصفّين مع معاوية سنة 37، وزيد بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب أسلم قبله واستشهد قبله قاله الزرقاني.

    (7) الجملة حالية معترضة.

    (8) وفي رواية يحيى عن مالك: ولم يدخل بها.

    (9) أي عند النكاح.

    (10) وهي ابنة زيد بن الخطاب أخي عمر بن الخطاب.

    (11) أي وكالة عن بنتها عن أبي زوجها.

    فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ لَهَا صَدَاق وَلَوْ كَانَ (1) لَهَا صَدَاق لَم نُمْسِكْه وَلَمْ نَظلمها. وَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ (2) فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ (3) فقَضَى (4) أَنْ لا صَدَاق لَهَا، ولها الميراث. (1) أي لو كانت مستحقة لصداق شرعاً لأعطيته.

    (2) أي قول ابن عمر.

    (3) أي جعلوا زيداً حَكَماً لفصل هذه القضية.

    (4) قوله: فقضى أن لا صداق لها (والمرجح عند المالكية أن لا صداق لها ولها الميراث واجب في مال المتوفى، ولهم قول آخر: إنه يجب الصداق بالموت، قال الزرقاني في شرحه 4/129: وهو قول شاذ عندنا وقال الموفق: لو مات أحدهما قبل الإِصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه وكان لها مهر نسائها، أما الميراث فلا خلاف فيه فإن الله تبارك وتعالى فرض لكل واحد من الزوجين فرضاً، وعقد الزوجية ههنا صحيح ثابت فورث به لدخوله في عموم النص، وأما الصداق فإنه يكمل لها مهر نسائها في الصحيح من المذاهب، وإليه ذهب ابن مسعود وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري وإسحاق، وروي عن عليّ وابن عباس وابن عمر والزهري وربيعة ومالك والأوزاعي: لا مهر لها، وقال أبو حنيفة: كقولنا في المسلمة، وكقولهم في الذميّة، وعن أحمد رواية أخرى: لا يكمل ويَنتصف، وللشافعي قولان كالروايتين. المعني 6/721)، هكذا أخرجه الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي أيضاً، وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن علي بن أبي طالب أنه قال في المتوفَّى عنها زوجها (في الأصل: زوجة، وهو تحريف) ولم يفرض لها صداقاً: إن لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها، قال: ولا يقبل قول أعرابي من أشجع على كتاب الله. ويخالفه ما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي عن علقمة أن قوماً أتوا ابن مسعود، فقالوا: إنّ رجلاً منّا تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً، ولم يجمعها إليه حتى مات، فقال: ما سئلتُ عن شيء منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ من هذه، فأْتُوا غيري، فاختلفوا إليه فيها شهراً، ثم قالوا له في آخر ذلك: من قال محمد: ولسنا (1) نسأل إذا لم نسألك وأنت آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البلد، ولا نجد غيرك؟ فقال: سأقول فيها بجهد رأيي، فإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له وإن كان خطأ فمني، والله ورسوله بريئان، أرى أن أجعل لها صَدَاقاً كصَدَاق نسائها، لا وكس ولا شطط ولها الميراث، وعليها العدة أربعة أشهر وعشراً، قال: وذلك بسمع من ناس من أشجع، فقاموا منهم معقل بن سنان، فقالوا: نشهد أنك قضيتَ بمثل الذي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منا يقال لها: بروع بنت نَأْخُذُ بِهَذَا (1) .

    543 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، عَنْ حمَّاد، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ: أَنَّ رَجُلا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يفْرِض (2) لَهَا صَدَاقاً، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا صَدَاق مِثْلِهَا مِنْ نِسَائِهَا، لا وَكْسَ (3) وَلا شَطَطَ، فَلَمَّا قَضَى قَالَ فَإِنْ (4) يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ (5) وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي (6) وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ، فَقَالَ رَجُلٌ (7) من واشق، قال: ما رُئي عبد الله فَرِح بشيء ما فرح يومئذٍ إلا بإسلامه، ثم قال: اللَّهم إن كان صواباً فمنك وحدك لا شريك لك. كذا أورده السيوطي في الدر المنثور.

    (1) قوله: ولسنا نأخذ بهذا، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه، ولا حجة بعد قول الرسول بقول غيره، وكل أحد يؤخد من قوله ويُترك إلا قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال محيي السنّة البغوي في معالم التنزيل عند قوله تعالى: {لاجُناح عليكم إن طَلَّقْتُم النساء ما لم تمسّوهن أو تفرضوا لهن فريضة} (سورة البقرة: الآية 236): من حكم الآية أنّ من تزوّج امرأةً بالغةً برضاها على غير مهر يصح النكاح، وللمرأة مطالبة بأن يفرض لها صداقاً، فإن دخل بها قبل الفرض فلها مهر مثلها، وإن طلّقها قبل الفرض والدخول فلها المتعة، وإن مات أحدهما قبل الدخول والفرض فاختلف أهل العلم في أنها هل تستحق المهر أم لا؟ فذهب جماعة إلى أن لا مهر لها، وهو قول علي وزيد وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس كما لو طلّقها قبل الدخول والفرض. وذهب قوم إلى أنّ لها المهر لأن الموت كالدخول في تقرير المسمَّى، فكذلك في تقرير مهر المثل إذا لم يكن في العقد مسمى، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي، واحتجوا بما روي عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل تزوّج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله في بروع بنت واشق امرأةٍ منا مثل ما قضيت. قال الشافعي: فإن ثبت حديث بروع فلا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يثبت فلا مهر لها. انتهى. وقال علي القاري في سند الأنام شرح مسند الإمام: قال شيخنا رئيس المفسرين في زمانه الشيخ عطية السلمي المكي الشافعي: فقد ثبت حديثها أخرجه أبو داود والترمذي وصححه وأحمد والحاكم وصححه، وابن أبي شيبة وعبد الرزاق. ولم يتفرد به معقل بن سنان بل قال هو وجماعة من أشجع لابن مسعود: نشهد أنك قضيتَ بما قضى به رسول الله. وهو أحد قولي الشافعي، قاله قياساً، ولو ثبت عنده الحديث لما خالف فيه، وهو المرجّح عند النووي، والقول الثاني رجّحه الرافعي.

    (1) أي بحكومة زيد بعدم الصداق، وأما كون الميراث لها فمجمع عليه.

    (2) بكسر الراء أي لم يقدّر.

    (3) أي لا نقصان ولا زيادة.

    (4) قوله: فإن يكن، فيه إشارة إلى أن المجتهد يخطئ ويصيب، وأن الخطألا يُنسب إلى الله تعالى تأدُّباً.

    (5) أي من توفيقه.

    (6) أي من نفسي ومن وسوسة الشيطان.

    (7) قوله: فقال رجل من جلسائه ... إلى آخره، قال الرافعي من علماء . .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. . . الشافعية في شرح الوجيز: في راوي هذا الحديث اضطراب قيل عن معقل بن سنان، وقيل عن رجل من بني أشجع، أو ناس من أشجع، وقيل: غير ذلك، وصححه بعض أصحاب الحديث، وقالوا: إن الاختلاف في اسم راويه لا يضرّ لأن الصحابة كلهم عدول. انتهى. قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديثه: هذا الذي ذكره الأصل فيه ما ذكره الشافعي في الأم قال: قد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي أنه قضى في بروع بنت واشق، وقد نكحت بغير مهر فمات زوجها، فقضى بمهر نسائها، وقضى لها بالميراث، فإن كان ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أولى الأمور بنا، ولا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم وإن كثر، ولا شيء في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له ولم أحفظ عنه من وجه يثبت مثله، مرة يقال عن معقل بن سنان، ومرة عن معقل بن يسار، ومرة عن بعض أشجع لا يسمَّى، وقال البيهقي: قد سُمِّي فيه معقل بن سنان، هو صحابي مشهور والاختلاف فيه لا يضر، فإن جميع الروايات فيه صحيحة وفي بعضها ما يدل على أن جماعة من أشجع شهدوا بذلك. وقال ابن أبي حاتم: قال أبو زرعة: الذي قال معقل بن سنان أصح، وروى الحاكم في المستدرك، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم يقول: سمعت الحسن بن سفيان يقول: سمعت حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول: إنْ صح حديث بروع قلتُ به، قال الحاكم: فقال شيخنا أبو عبد الله: لو حضرت الشافعي لقمت على رؤوس الناس، وقلت قد صح الحديث فَقُل به. انتهى. وفي فتح القدير: لنا أن سائلاً سأل عبد الله بن مسعود في صورة موت الرجل فقال بعد شهر أقول فيه بنفسي فإن يك صواباً فمن الله ورسوله وإن يكُ خطأً فمن ابن أمّ عبد. وفي رواية ومن الشيطان والله ورسوله بريئان، أرى لها مهر مثل نسائها، لاوكس ولا شطط، فقال رجل يقال له معقل بن سنان وأبو الجراح حامل راية الأشجعيِّين فقالا: نشهد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأة منا يُقال لها برووع بنت واشق الأشجعية بمثل قضائك هذا، فسُرّ ابن مسعود سروراً لم يُسَرّ مثله قط بعد إسلامه. هكذا رواه أصحابنا، وروى الترمذي والنسائي وأبو داود جُلَسَائِهِ: (1) بَلَغَنا (2) أَنَّهُ مَعْقِل (3) بْنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ، وكان من هذا الحديث بلفظ أخصر وهو أن ابن مسعود قال في رجل تزوج امرأة فمات عنها، ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق: إن لها الصداق كاملاً ولها الميراث، وعليها العدة، فقال: معقل بن سنان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثله، هذا اللفظ لأبي داود وله روايات أخر بألفاظ، قال البيهقي: جميع روايات هذا الحديث وأسانيدها صحيحة، والذي رُوي من ردّ علي (أما الذي رُوي عن عليّ رضي الله عنه فلم يصح ولو صح ما أثّر فيه لأن الرواة قد ذكروا عن عمر رضي الله عنه أنه ردّ حديث فاطمة بنت قيس وهو مشهور. والحديث مذكور في مسند أبي حنيفة وبسط في هامشه تخريجه، وقال: رواه الحاكم من وجه صححه، على شرط مسلم ومن وجه على شرط الشيخين، ورواه ابن حبان في صحيحه وحكى الزرقاني عن الإمام مالك بعد ذكر هذا الحديث، قال مالك: ليس عليه العمل. أوجز المسالك 9/305) رضي الله عنه فلمذهب تفرد به، وهو تحليف الرواي إلا أبا بكر الصديق، ولم ير هذا الرجل ليحلّفه، لكنه لم يصح عنه ذلك، وممن أنكر ثبوته عنه الحافظ المنذري. انتهى.

    (1) أي من شركاء مجلس ابن مسعود.

    (2) هذا كلام محمد بيان للرجل المبهم.

    (3) قوله: إنه معقل، بكسر القاف وفتح الميم بن سنان بكسر السين، وبِروع بكسر الموحدة على المشهور وقيل بفتحها وبسكون الراء وفتح الواو بعدها عين مهملة، وقال بعض اللغويين: كسر الباء خطأ، وقيل: رواه المحدثون بالكسر ولا سبيل إلى دفع الرواية، وأسماء الأعلام لا مجال للقياس فيها، كذا في شرح القاري وفي الاستيعاب: بروع بنت واشق الأشجعية مات عنها زوجها هلال بن مرة الأشجعي، ولم يفرض صداقاً، فقضى رسول الله بمثل صداق نسائها. روى حديثها أبو سنان معقل وجراح الأشجعيان وناس من أشجع، وشهدوا بذلك عند ابن مسعود. وفيه أيضاً: معقل بن سنان الأشجعي يُكنى أبا عبد الرحمن، وقيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَضَيْتَ - وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ (1) - بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرَوْعَ (2) بنتِ وَاشق الأشْجَعِيّة، قَالَ (3): فَفَرِحَ عَبْدُ اللَّهِ فَرْحَة (4) مَا فَرِحَ قَبْلَهَا مِثْلَهَا لِمُوَافَقَةِ قَوْلِهِ قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال مسْرُوق ابن الأجْدَع: لا يَكُونُ (5) مِيرَاثٌ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهُ صَدَاق.

    قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.

    15 -

    (بَابُ الْمَرْأَةِ تُزَوَّجُ فِي عِدّتها

    (6))

    544 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شهاب، عن سعيد بن أبا زيد، وقيل أبا سنان، كان فاضلاً نقياً شابّاً، شهد فتح مكة ونزل الكوفة، ثم أتى المدينة وقُتل يوم الحرّة.

    (1) هو الرب تبارك وتعالى وهي جملة اعتراضية تأكيدية.

    (2) قوله: بروع، اسم زوج هلال بن مرة، ذكره ابن مندة في معرفة الصحابة وهو في مسند أحمد أيضاً ذكره ابن حجر في التلخيص (في الأصل تلخيص، وهو خطأ) الحبير.

    (3) أي ابراهيم النخعي.

    (4) التنوين للتعظيم.

    (5) قوله: لا يكون، أي الميراث. يتفرع على الصداق المتفرع على النكاح حقيقة أو حكماً، والميراث متفق عليه، فينبغي أن يكون الصداق كذلك، كذا قال القاري.

    (6) من زوج آخر.

    المسيَّب وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَار، أَنَّهُمَا حَدَّثا: (1) أَنَّ ابْنَةَ (2) طَلْحة بْنِ عُبَيْد اللَّهِ كَانَتْ تَحْتَ رُشَيْد الثَّقَفِيّ، فَطَلَّقَهَا، فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتها (3) أَبَا سَعِيدِ بنَ مُنَبِّهٍ أَوْ أَبَا الجُلاس بْنَ مُنَيَّة فضربها (4) عمر، وضرب (5) (1) أي الزهري.

    (2) قوله: أن ابنة طلحة بن عبيد الله، هو أحد العشرة المبشّرة كانت تحت رُشيد الثقفي نسبة إلى ثقيف قبيلة، كذا قال القاري في شرحه. وهو يفيد أن التي كانت تحت رشيد هي بنت طلحة بن عبيد الله، وهكذا في نسخ متعددة من الكتاب، وفي موطأ يحيى وشرحه للزرقاني: مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيَّب وسليمان بن يَسَار أن طليحة بنت عُبيد الله الأسدية لها إدراك. قال أبو عمر (في الأصل أبو عمرو، وهو تحريف): كذا وقع الأسدية في بعض نسخ الموطأ في رواية يحيى وهو خطأ وجهل ولا أعلم أحداً قاله، وإنما هي تيمية أخت طلحة بن عبيد الله أحد العشرة التيمي، كانت تحت رُشيد - بضم الراء وفتح الشين - الثقفي الطائفي، ثم المدني، مخضرم، فطلَّقها إلى آخره. ويوافقه ما في استيعاب ابن عبد البَرّ في فصل الصحابيات: طليحة بنت عُبيد الله التي كانت تحت رُشيد الثقفي، فطلَّقها ونكحت في عدَّتها، ذكر الليث عن ابن شهاب أنها ابنة عبيد الله. انتهى. فظهر أن الصواب في عبارة الكتاب أن طليحة ابنة عبيد الله كانت تحت رشيد الثقفي ... إلى آخره.

    (3) قوله: في عدّتها، أي قبل انقضائها. أبا سعيد بن مُنَبِّه بضم ميم وفتح نون وتشديد موحدة فهاء. أو أبا الجُلاس كغراب، ابن عمرو بن سويد صحابيان على ما في القاموس بن مُنَيَّة - بضم ميم وفتح نون وتحتية مشددة فتاء تأنيث - والشك من أحد الرواة، كذا قال القاري.

    (4) تعزيراً وتأديباً.

    (5) قوله: وضرب، لأنه ارتكب ما نهى اللَّهُ عنه في كتابه حيث قال: {ولا تَعزموا زوجَها بالمِخْفَقَة (1) ضَرَباتٍ (2)، وفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ عُمَرُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا - وَإِنْ كَانَ زوجُها الَّذِي تَزَوَّجَهَا (3) لَمْ يَدْخُلْ بِهَا (4) - فُرِّق بينهما، واعتدَّتْ بقية عِدَّتِها من (5) الأول، عُقْدة النكاح حتى يبلغ الكتابُ أجلَه} (سورة البقرة: الآية 235) قال ابن عباس: أي لا تنكحوا حتى تنقضي العدة. أخرجه عنه ابن جرير وابن المنذر، وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن مجاهد مثله، نعم قد أجاز الله بالتعريض وإظهار قصد النكاح في أيام العدّة بقوله: {ولا جناح عليكم فيما عرَّضتم به من خِطْبة النساء أو أكننتُم في أنفسكم. عَلِمَ اللَّهُ أنّكم ستذكرونهُنَّ ولكن لا تواعِدُوهنَّ سرّاً إلا أن يقولوا قولاً معروفاً} (سورة البقرة: الآية 235) قال القاسم: هو أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدّتها إنكِ عليّ لكريمة، وإني فيكِ راغب ونحو هذا، أخرجه مالك والشافعي والبيهقي. وأخرج وكيع والفِرْيابي وسعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال: التعريض أن يقول: إني أريد التزوّج وإني لأحب امرأة، ذكره السيوطي.

    (1) قوله: بالمِخْفَقَة، بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الفاء والقاف، هكذا ضبط بالقلم في نسخ قديمة، قال الجوهري: هي الدِّرَّة التي يضرب بها، وفي القاموس كمِكْنَسَة أي على وزنها، قاله الزرقاني.

    (2) أي مرات عديدة.

    (3) هي في عدتها.

    (4) أي لم يجامعها.

    (5) قوله: من الأول، أي العدة الباقية من عدّة الزوج الأول، وأما الزوج الثاني فلا عدة من تفريقه لأنه لم يدخل بها وغير المدخولة لا عدّة لها.

    ثُمَّ كَانَ (1) خَاطِبًا مِنَ الخُطّاب، وَإِنْ كَانَ (2) قَدْ دَخَلَ بِهَا فُرِّق بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعتدَّت بَقِيَّةَ عِدَّتِها مِنَ الآخِر (3) ثُمَّ لَمْ يَنْكِحْهَا (4) أَبَدًا. قَالَ (5) سَعِيدُ بْنُ المسيَّب: وَلَهَا مَهْرُهَا (6) بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا.

    قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ

    545 - أَخْبَرَنَا (7) الْحَسَنُ بْنُ عُمَارة، (1) قوله: ثم كان خاطباً من الخُطّاب، أي ثم كان الزوج الثاني الذي فُرِّق بينه وبينها خاطباً من الخُطّاب، إن شاء يخطب لها ويعقد عقداً جديداً. وفيه إشارة إلى أنه ليس أحقَّ بها من غيره، بل هو خاطب من الخُطّاب، فتنكح من شاءت.

    (2) أي الزوج الثاني.

    (3) بكسر الخاء يعني المتأخر.

    (4) قوله: ثم لم ينكحها أبداً، لتأبد التحريم (قال الباجي: فالمشهور من المذهب أنّ التحريم يتأبّد، وبه قال ابن حنبل، وروى الشيخ أبو القاسم في تفريعه فيه روايتين: إحداهما أن تحريمه يتأبد، على ما قدّمناه، والثانية: أنه زانٍ، وعليه الحدّ ولا يُلحق به الولد، وله أن يتزوجها إذا انقضت عدّتها، وبه قال أبو حنيفة والشافعي. المنتقى 3/317) بالوطء في العدة زجراً له وتأديباً وسياسةً في حقهما.

    (5) في موطأ يحيى: قال مالك: قال سعيد بن المسيب ... إلى آخره.

    (6) ولا مهر لها في صورة عدم الوطء.

    (7) قوله: أخبرنا الحسن، هو الحسن بن عُمارة - بالضم - البجلي الكوفي عَنِ الحَكَم (1) بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: رَجَعَ (2) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الَّتِي تتزوَّج (3) فِي عِدَّتِها إِلَى قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَذَلِكَ (4) أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِذَا دَخَلَ (5) بها فُرِّق بينَهُما ولم يجتمعا أَبَداً، أبو محمد قاضي بغداد، روى عن الزهري والحكم بن عتيبة وأبي إسحاق السَّبيعي وغيرهم، وعنه السفيانان وجماعة، وثقه عيسى بن يونس، وقال: شيخ صالح، لكن جرَّحه كثير: منهم النسائي وابن معين وابن المديني وأحمد وشعبة والدارقطني والساجي والجوزجاني وغيرهم بأنه متروك أو ساقط أو لا يُحتج به أو منكر الحديث ونحو ذلك، وقال النضر عن شعبة: أفادني الحسن بن عمارة عن الحكم أحاديث فلم يكن لها أصل، مات سنة 153، كذا في تهذيب التهذيب وغيره.

    (1) قوله: عن الحكم بن عُيَيْنة، هكذا في النسخ الحاضرة والصحيح على ما في مشتبه النسبة و تهذيب التهذيب و تقريبه وغيرها أنه الحَكَم - بفتحتين - بن عُتَيْبة - بضم العين وفتح التاء المثناة الفوقية وبعدها ياء تحتانية مثناة ثم باء موحدة - أبو محمد الكندي مولاهم الكوفي، روى عن جمع من الصحابة والتابعين، وثَّقه ابن عيينة وابن مهدي وأحمد ويحيى بن سعيد والعجلي وابن سعد وغيرهم، وقال البخاري في التاريخ الكبير: قال القطان: قال شعبة: الحكم عن مجاهد كتاب إلاَّ ما قال سمعت، وقال ابن حبان في الثقات: كان يدلِّس، مات سنة 113 أو 114 أو بعده بسنة.

    (2) عن قوله السابق.

    (3) بصيغة المجهول والمعروف.

    (4) بيان للرجوع (أخرج البيهقي في سننه بطرق عديدة رجوع عمر رضي الله عنه إلى قول عليّ رضي الله عنه. انظر الأوجز 9/361) .

    (5) الزوج الثاني.

    وأخذ (1) صَدَاقها، فجعل في بيت المال فقام عَلِيٌّ كرَّم اللَّهُ وَجْهَهُ: لَهَا صَدَاقها بِمَا استحلَّ (2) مِنْ فَرْجِهَا، فَإِذَا انقضتْ عِدَّتُها مِنَ الأَوَّلِ تَزَوَّجَها (3) الآخَرُ إِنْ شاءَ. فَرَجِعَ عُمَرُ إِلَى قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

    قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.

    546 - أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (4)، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (5) بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: أنَّ امْرَأَةً هَلَكَ (6) عَنْهَا زَوْجُهَا، فاعتدَّت أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ تزوَّجَتْ حِينَ حلَّت (7) فَمَكَثَتْ (8) عِنْدَ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفًا، ثُمَّ ولدتْ وَلَدًا تامّاً (9) ، (1) أي أخذ عمر صَدَاقها وأدخله في بيت المال زجراً لحرمانها.

    (2) أي استمتع ببُضْعها.

    (3) قوله: تزوجها الآخر إن شاء، ولا عِدَّة ثانية بالنسبة إليه، فإن أراد ثالث أن يتزوجها فلا يجوز حتى تخرج من عدَّة الثاني أيضاً، كذا قال القاري.

    (4) ابن الحارث التيمي.

    (5) لم أقف على تعيُّنه وحاله إلى الآن ولعل الله يُحدث بعد ذلك أمراً (هو عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية انتسب إلى جده فأسلم مع ابيه، هذا هو المرجّح عند شيخنا، انظر الأوجز 12/198) .

    (6) أي مات.

    (7) أي خرجت من العدة.

    (8) أي أقامت ولبثت عند الثاني.

    (9) أي غير ناقص الخِلقة.

    فَجَاءَ زوجُها (1) إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَدَعَا عمرُ نِسَاءً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قدَمَاء (2)، فسألهنَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُنَّ: أَنَا أُخْبِرُكَ (3)، أَمَّا هَذِهِ الْمَرْأَةُ هَلَكَ زَوْجُهَا حِينَ حَمَلَتْ، فَأُهْرِيقَتِ الدِّمَاءُ (4) فَحَشَفَ (5) ولدُها فِي بَطْنِهَا (6)، فَلَمَّا أَصَابَهَا (7) زوجُها الَّذِي نَكَحَتْهُ وَأَصَابَ الولدَ (8) الماءُ (9) تحرَّك الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا، وكَبِر فصدَّقها عُمَرُ بِذَلِكَ وفرَّق بَيْنَهُمَا (10)، وَقَالَ عُمَرُ: أمَا (11) إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْهُمَا إلاَّ خَيْرًا (12)، وَأَلْحَقَ (13) الولدَ بالأوَّل.

    قَالَ محمدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، الْوَلَدُ وَلَدُ الأوَّل، لأنها جاءت به عند (1) مستفتياً عما في الباب.

    (2) أي نساءً عارفات عاقلات.

    (3) أي بحقيقة الواقعة.

    (4) أي دماء الحيض أو غيره.

    (5) أي يبس لعدم وصول غذائه وهو الدم.

    (6) فلم يتحرك ولم يتبيَّنْ حملُها.

    (7) أي وطيها.

    (8) مفعول مقدَّم.

    (9) أي المني.

    (10) لوقوع العقد في أثناء العدَّة لأن عِدَّة الحامل وضع الحمل.

    (11) بالتخفيف حرف تنبيه.

    (12) أي صلاح وديانة ولو بلغني شرٌّ لأقمت التعزيز.

    (13) أي أثبت نَسَبَه من الزوج الأول.

    الآخَرِ (1) لأقلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَلا تَلِدُ الْمَرْأَةُ وَلَدًا تامَّاً لأقلِّ مِنْ (2) ستَّة أَشْهُرٍ، فَهُوَ ابْنُ الأَوَّلِ، ويفرَّق بَيْنَهُمَا (3) وَبَيْنَ الآخَرِ، وَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا استَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا: الأقلُّ مِمَّا سُمِّي (4) لَهَا وَمِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا. وَهُوَ قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.

    16 - (باب العزل (5))

    547 - أخبرنا مالك، (1) بفتح الخاء والكسر.

    (2) فإن أقلّ مدة الحمل ستة أشهر بالنص.

    (3) سواء دخل بها أو لم يدخل.

    (4) إن سُمِّي شيء، وإلاَّ فمهر المثل.

    (5) هو أن يجامع ولا يُنزل في داخل الفرج، بل يُخرج الذَّكَر قبل الإِنزال. قوله

    : باب العزل،

    قد اختُلف فيه فأباحه جابر وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وابن مسعود، ومنعه ابن عمر وقال: لو علمت أنَّ أحداً من ولدي يعزل لنكَّلتُه، وقال: ضرب عمرُ على العزل بعضَ بَنِيه، وعند سعيد بن منصور عن ابن المسيَّب: أن عمر وعثمان كانا يُنكران العزل، وقال أبو أمامة: ما كنتُ أرى مسلماً يفعله، وعند أبي عَوَانة أنَّ علياً كان يكرهه، ونَقَل ابن عبد البر وابن هبيرة الإِجماع على أنه لا يَعزل عن الزوجة الحرَّة إلاَّ بإذنها، لأن الجماع من حقِّها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلاَّ ما لا يلحقه عزل، وتُعُقِّب بأن المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلاً، والمعوَّل عليه عند الحنفية أن حقَّها إنما هو في الوطئة الواحدة بعد العقد، يستقرُّ بها المهر. واختلفوا في علَّة النهي عن العزل، فقيل: لتفويت حقِّ المرأة، وقيل لمعاندة القدر، ويشهد للأول ما أخرجه أحمد وابن ماجه عن عمر مرفوعاً: نهى عن العزل عن الحرَّة إلاَّ بإذنها، أخبرنا سالم (1) أبو النَّضر (2)، عن وفي إسناده ابن لَهيعة متكلَّم فيه، ويشهد للثاني ما أخرجه أحمد والبزار بإسناد حسن عن أنس جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن العزل، فقال: لو أنَّ الماء الذي يكون منه الولد أَهْرَقْتَه على صخرة لأخرج الله منها ولداً وليخلُقَنَّ اللَّهُ نفساً هو خالقها. وأخرج مسلم عن جابر: أن رجلاً أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية وهي خادمتنا وسانِيَتُنا في النخل وأنا أطوف عليها، وأكره أن تَحمل، فقال: اعزل عنها إن شئتَ فإنه سيأتيها ما قُدِّر لها. وفي الباب أخبارٌ كثيرة، كذا في شرح مسند الإمام الأعظم (انظر تنسيق النظام في مسند الإِمام للشيخ المحدث محمد حسن السنبهلي ص 134) لبعض المتبحِّرين، وفيه أيضاً قال الحافظ ابن حجر: ينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح، فمن قال بالمنع هناك ففي هذه أَوْلى، ومن قال بالجواز يمكنه أن يقول في هذه أيضاً بالجواز، ويمكنه أن يفرِّق بأنه أشدُّ لأن العزل لم يقع فيه تعاطي السبب، ومعالجة السِّقْط بعد السبب. انتهى. وقال ابن الهُمام في فتح القدير: يباح الإِسقاط ما لم يتخلَّق، وفي الخانية: لا أقول: إنه يُباح الإِسقاط مطلقاً فإنَّ المُحرم إذا كسر بيضَ الصيد يكون ضامنا لأنه أصل الصيد، فإذا كان هناك مع الجزاء إثم فلا أقلَّ أن يلحقها إثم ههنا إذا أسقطت من غير عذر. انتهى. وقال في البحر: ينبغي الاعتماد عليه لأن له أصلاً صحيحاً يُقاس عليه، والظاهر أن هذه المسألة لم تُنقل عن أبي حنيفة صريحاً، لذا يعبرون بقالوا. انتهى. قال الحافظ ابن حجر: يلحق بهذه المسألة تعاطي المرأة ما يقطع الحَبَل من أصله، فقد أفتى بعض المتأخرين من الشافعية بالمنع، وهو مشكل على قولهم بإباحة العزل مطلقاً.

    (1) ابن أبي أمية.

    (2) مولى عمر بن عبيد الله القرشي.

    عامر (1) بن سعد بن أبي وقَّاص، عن أَبِيهِ أَنَّهُ (2) كَانَ يَعْزِل.

    548 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (3) بْنِ أفْلَح مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ وَلَدِ أَبِي أَيُّوبَ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ كَانَ يَعْزِل.

    549 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ضمْرَة بْنُ سَعِيدٍ الْمَازِنِيُّ، عَنِ الحجَّاج (4) بْنِ عَمرو بْنِ غَزِيَّة: أنَّه كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، (1) قوله: عن عامر بن سعد، ابن أبي وقاص الزهري المدني، وثَّقه ابن حبان، مات سنة 96 هـ، ويقال سنة 103، كذا في إسعاف المبطأ.

    (2) لأنه كان ممن يرى الرخصة فيه، قاله الزرقاني. وقال القاري: عن نسائه أو إمائه، والثاني هو الظاهر.

    (3) قوله: عن عبد الرحمن بن أفلح، هكذا وجدنا في نسخ عديدة، وكذا في نسخة شرح القاري، وفي موطأ مالك برواية يحيى، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن ابن أبي أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري عن أمّ ولد لأبي أيوب ... إلخ. وقال شارحه الزرقاني: هو عمر - بضم العين - بن كثير بن أفلح المدني ثقة. انتهى. ويوافقه قول ابن حجر في تقريب التهذيب: عمر بن كثير بن أفلح المدني مولى أبي أيوب ثقةً. انتهى. وقال السيوطي في الإِسعاف: عمر بن كثير بن أفلح المدني مولى أبي أيوب عن ابن عمر وكعب ونافع وجماعة، وعنه ابن عون ويحيى الأنصاري وغيرهما وثقه النسائي. انتهى.

    (4) قوله: عن الحجاج بن عَمرو (ذكره بعضهم من التابعين وهو من رواة الأربعة. انظر: الأوجز 10/268)، بفتح العين، بن غَزِيَّة بفتح الغين المعجمة وكسر الزاء وتشديد التحتية، الأنصاري المازني المدني، شهد صفّين مع علي رضي الله عنه، كذا في شرح الزرقاني.

    فجاءَه (1) ابْنُ قَهْد رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ (2)، إِنَّ عِنْدِي جَوَاريَ، لَيْسَ نِسَائِي اللاتِي (3) كُنَّ بأعجبَ إلَيَّ منهنَّ، وَلَيْسَ كلُّهن (4) يُعْجِبُنِي أَنْ تَحمل مِنِّي، أَفَأَعْزِلُ (5) ؟قَالَ: قَالَ: أَفتِهِ (6) يَا حَجَّاجُ، قَالَ: قُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، إِنَّمَا نَجْلِسُ (7) إِلَيْكَ لِنَتَعَلَّمَ (1) قوله: فجاءه ابن قَهد، بفتح القاف وسكون الهاء فدال مهملة على ما في المغني وقال: كذا جاء في الموطأ غير منسوب، وقيل: بفاء إذلا يُعرف بقاف إلاَّ قيس بن قهد، الصحابي رجل من أهل اليمن بدل عن ابن قهد، فقال أي ابن قهد - لزيد: يا أبا سعيد، إنَّ عندي جواريَ جمع جارية أي إماء ليس نسائي اللاتي كنَّ، أي عندي قبلهن. بأعجبَ، أي أحسن وأرغب إليَّ منهن، وليس كلهن، أي جميع نسائي أو إمائي - وهو الأظهر - يعجبني أن تحمل مني، كذا في شرح القاري وفي شرح الزرقاني: ابن قَهد بفتح القاف ضبطه ابن الحذاء، وجوَّز أن يكون قيس بن قهد الصحابي قال فيالتبصرة: وفيه بُعد، ولعل وجهه قوله رجل من اليمن، فإنَّ قيساً الصحابي من الأنصار، فيبعد أن يُقال فيه ذالك وإن كان أصل الأنصار من اليمن.

    (2) هو كنية زيد بن ثابت.

    (3) قوله: اللاتي كن، في نسخة موطأ يحيى: أُكِنُّ قال الزرقاني في شرحه (3/229): بضم الهمزة وكسر الكاف أي أضمُّ إليَّ.

    (4) لأني أحتاج إلى بيع بعضهن ونحو ذلك.

    (5) بهمزة الاستفهام.

    (6) لما رأى فيه من قابلية الفتوى.

    (7) يريد أنك أعلم مني فأنت أحق بالإِفتاء.

    مِنْكَ، قَالَ. أَفْتِهِ، قَالَ: قُلْتُ (1): هُوَ حَرْثُكَ (2) إِنْ شئتَ عطَّشْتَهُ وإنْ شئتَ سقيتَه، قَالَ: وَقَدْ كُنْتُ أسْمع (3) ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ زيد: صَدَقَ (4) .

    قال محمد: وبهذا (5) نأخذ (1) أي للسائل.

    (2) قوله: هو حرثك، أي بضع إمائك موضع حرثك، فيجوز لك أن تسقيه الماء أو تعزله عن الماء، وكأنه أشار بإطلاق الحرث إلى أن جواز العزل مستنبطٌ من الكتاب فإنه تعالى قال في باب وطء النساء {نساؤكم حرث كم فأتُوا حرثكم أنَّى شئتم} (سورة البقرة: الآية 223) فسمّى بُضعَ المرأة حرثاً، ومن المعلوم أن الحرث يتخير فيه الإِنسان بين أن يسقيه وأن لا يسقيه، فكذلك بضع النساء، وبل: قيل: إن نزول أنّى شئتم أي كيف شئتم كان لبيان جواز العزل، فأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن منيع وعبد بن حُمَيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والحاكم والضياء في المختارة عن زائدة بن عمير قال: سألتُ ابن عباس عن العزل، فقال: إنكم أكثرتم فإن كان قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال، وإن لم يكن قال فيه شيئاً فأنا أقول فيه: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فإن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تفعلوا، وهذا أحد الأقوال الأربعة التي ذُكرت في شأن نزول هذه الآية. وقد بسط السيوطي في الدر المنثور الكلام فيها.

    (3) أي بهذا الحكم فأفتيت على وفقه.

    (4) تصويباً لإِفتاء تلميذه واطمئناناً لقلب سائله.

    (5) قوله: وبهذا نأخذ، وبه قال أحمد ومالك في المسألتين، وقال القاضي عياض: رأى بعض شيوخنا في زوجة الرجل المملوكة لغيره إذنها أيضاً مع إذن سيده لا نَرَى بِالْعَزْلِ بَأْسًا عَنِ الأَمَةِ (1)، وَأَمَّا الحُرَّة فَلا يَنْبَغِي أَنْ يَعزِل عَنْهَا إلاَّ بِإِذْنٍ (2)، وَإِذَا كَانَتِ الأَمَة زَوْجَةَ الرَّجُلِ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يَعزِلَ عَنْهَا إلاَّ بِإِذْنٍ مَوْلاهَا. وهو قول أبي حنيفة رحمه الله. لحقِّ الزوجية، وقال الباجي: قيل: لا يعزل عنها إلاَّ بإذنها أيضاً. وعندي أن هذا صحيح فإنَّ لها بالعقد حقاً في الوطء. وذهب الشافعية إلى كراهة العزل مطلقاً ولهم قول آخر أيضاً.

    (1) قوله: عن الأمة، أي عن أمته فإنها مملوكة بجميع أجزائها وحقوقها، وليس لها حق ورضاء معتبر شرعاً، وكثيراً ما يَكره الرجل النَّسل من الإماء بخلاف الحرة فإن لها حقاً معتبراً، وكذا إذا كان الزوج أمة رجل، فإن لمولاها حقاً معتبراً، فلا يجوز العزل إلاَّ بالإذن. وقد ورد الفرق بين الحرة والأمة مرفوعاً وموقوفاً، فأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه قال: تستأمر الحرة وتعزل عن الأمة، وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس أنه نهى عن عزل الحرَّة إلا بإذنها. وروى ابن أبي شيبة عنه أنه كان يعزل عن أمته. وأخرج البيهقي عن ابن عمر أنه قال: تعزل الأمة وتستأذن الحرة. وعن عمر مثله. وأخرج ابن ماجه عن عمر مرفوعاً نحوه، كذا ذكره ابن حجر في التلخيص الحبير. وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار بعد ما ذكر إباحة العزل عن الأمة لا عن

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1