Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

علم النفس الإيجابي والعلاج الأسري
علم النفس الإيجابي والعلاج الأسري
علم النفس الإيجابي والعلاج الأسري
Ebook416 pages3 hours

علم النفس الإيجابي والعلاج الأسري

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يتميز كتاب "علم النفس الإيجابي والعلاج الأسري، فنيَّات مبتكرة وأدوات تطبيقية"، إلى جانب تناوله الجزء النظري لعلم النفس الإيجابي وعلم النفس الأسري، بعرض الجانب العملي والتطبيقي في طرقِ العلاج الأسري، وسبل إيجاد الحلول للأسر المضطربة أو تلك التي تعاني خللًا في نظامها، ومساعدتها على معرفة أهدافها وغاياتها.
ويوضح الكتاب الفنيَّات المعتمدة في العلاج الأسري الإيجابي، التي يختلف استخدامها من أسرة إلى أخرى، إن في طريقة طرح الأسئلة أو توجيه الحوارات بين الأفراد في الجلسة، أو في تكليفهم بواجبات منزلية هي عبارة عن أدوار سبق وتدربوا على أدائها، وكل ذلك بهدف التركيز على الحل الإيجابي بدل التركيز على المشكلة والدوران في فلكها.
Languageالعربية
Release dateFeb 3, 2022
ISBN9789927141973
علم النفس الإيجابي والعلاج الأسري

Related to علم النفس الإيجابي والعلاج الأسري

Related ebooks

Reviews for علم النفس الإيجابي والعلاج الأسري

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    علم النفس الإيجابي والعلاج الأسري - Conoley Collie W.

    Positive_Psychology-INSIDE_&_COVER-1.jpg

    المحتويات

    تصدير

    الفصل الأول

    البنى التأسيسية للعلاج الأسري الإيجابي

    الفصل الثاني

    فنيات العلاج الأسري الإيجابي

    الفصل الثالث

    برامج التدخل الأسري تثري العلاج الأسري الإيجابي

    الفصل الرابع

    أمثلة لدراسة حالة في العلاج الأسري الإيجابي

    الفصل الخامس

    الخاتمة والتوجهات المستقبلية

    تصدير

    كما يُوضِّح قسم المراجع في هذا الكتاب، لا يوجد نقص في كتب العلاج الأسري المنشورة. وقد يتساءل القارئ المتفكِّر لماذا قررنا إضافته للمكتبة الهائلة القائمة بالفعل. في حين أننا نتحدث بصراحة فيما يخص تاريخ موضوعنا، فإن ما تعلمناه من الآخرين، وكيف أن سعة الاطلاع البحثية والإكلينيكية لأسلافنا ومعاصرينا لا زالت مؤثرة فينا، نعتقد أن لدينا شيئًا جديدًا وهامًا يستدعي مشاركته لمساعدة الأسر كي تصل إلى أفضل مستويات الأداء. وتُلقي الصفحات التالية الضوء على نهجنا الذي يتبنى التدخل العلاجي في علم النفس الإيجابي الصاعد.

    ونحن نتميز بأننا قابلنا العديد من الأسر في إطار السياق العلاجي، وأتيحت لنا فرصة إجراء بحوث على الأسر. كما نتميز بأننا سافرنا حول أمريكا الشمالية، وآسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وأستراليا، وأمريكا الوسطى، والشرق الأوسط، حيث كان باستطاعتنا أن نلاحظ الأسر، وأن نُجري مقابلات مع أفرادها. ونحن لا نقترح أي فهم «شامل» للأسر، بيد أننا اختبرنا أفكارنا، وتعلمنا من الكثيرين غيرنا عبر اثنين وثلاثين عامًا، وفي الواقع، فإن كل ما له فائدة في هذا الكتاب يأتي من تفسيرنا لما تعلمناه من الآخرين، وما يعتقد القراء عدم جدواه (وهو ما نأمل أن يكون أقل القليل) إنما يرجع لقصور قدراتنا على الإفادة من مجالات الدراسة المتعددة، التي تثري الممارسة العلاجية الأسرية الماهرة.

    كما أتيحت لنا أيضًا فرصة عظيمة لمعرفة العديد من أشكال الأسر المختلفة، اشتملت على أفراد من النوعين، ومن كل التوجهات الجنسية، بعضهم أجرى ترتيبات زواج رسمية، وبعضهم لم يكن لديه الخيار، أو فرصة إجراء الترتيبات الرسمية. كذلك تعرفنا على أسر ذات والد واحد، ووالدين، وأسرًا متعددة الوالدين، وأسرًا تعج بأطفال لا تربطهم سوى صلة القربى البيولوجية، أو صلات التبني أو التربية. وتختلف التحديات التي تواجه هذه الأشكال الأسرية من عدة طرق، بيد أن الديناميات المصاحبة لبناء السعادة بين الأفراد ثابتة إلى حد الدهشة.

    ونحن بالطبع أعضاء لأسر متعددة، أسرة المنشأ، وأسرتنا النووية الخاصة، والأسر الجديدة المتشكلة من أطفالنا وأقربائنا. إن الرؤية الأسهل لا تتحصل دومًا من تلك الخبرات الشخصية الحميمية، إنما من خلال تأملاتنا في حيوات أسرنا الخاصة التي أثرتنا وأضعفتنا على نحو يفوق الوصف. لقد منحنا والدانا خبرات ورؤى وميزات رائعة، نأمل أن نتشاركها بكرم كما مُنحت لنا. ولا زال أبناؤنا الثلاثة براين وكولين وكولن، وأصدقاؤهم بيث وغريغ وسامنتا، وحفيدانا هالي ومايكل هم مصدر بهجتنا ودهشتنا. وتمثل حياتهم مصدر إبهار وإرباك، وإلهام لنا، في حياتنا المهنية، وفي هدفنا بأن نكون ميسِّرين لنجاح الأسرة وسعادتها. ونحن متأكدان أنهم لم يكونوا مستمتعين دومًا بانشغالنا عنهم، وانقطاعنا نوعًا ما عما يحدث داخل الأسرة، بيد أنهم جميعًا تمتعوا بالفضيلة والذكاء الانفعالي لإضفاء روح المرح على آبائهم وأجدادهم، فشكرًا لهم.

    كما نشكر أصدقاءنا وزملاء العمر في جامعات شتى الذين أبدوا رغبة في النقاش، والجدل بشأن معاني الصحة النفسية، والمرض النفسي، والنظم الأسرية. وتطول هذه القائمة، إلا أن أسرة أصدقائنا من أنحاء البلاد والعالم يعرفون أنفسهم فقد كانوا لنا في حياتنا هادين بحق.

    لقد أقنعتنا خبرتنا في الحياة مع بعضنا ومع الآخرين، أن السعادة هي الهدف الإنساني الرئيس الذي ينبغي أن نسعى نحوه من أجل تحقيق الحياة الأمثل. فالسعادة ليست في غياب الأسى فقط.

    السعادة تُفضي إلى نضج الأفراد والأسر، والنضج هو ما تحتاجه الأسر، لأن المعالجين الأسريين الذين يوجِّهون عملهم نحو سعادة الأسرة، سيقدمون دعمًا فعالًا لتنميتها.

    كولي وايت كونولي وجاين كلوز كونولي

    أكتوبر 2008

    الفصل الأول

    البنى التأسيسية للعلاج الأسري الإيجابي

    الهدف من الفصل الأول

    يمزُج العلاج الأسري الإيجابي بين نظرية النظم وعلم النفس الإيجابي، كي يستخلص نهجًا يعتمد على نقاط القوة لدى كل فرد من أفراد الأسرة، ويعزز ارتقاءهم ونموهم. ونعتقد أن منهجنا يتسم ببعض الجوانب الفريدة، إذ أنه يعتمد على البحث من مصادر عدة. ويقدِّم هذا الفصل النظرية الموسعة، والأسس التجريبية للعلاج الأسري الإيجابي.

    وللعلاج الأسري جذور عميقة إذا نظرنا إلى الأسر بوصفها أنساق أو نُظُم. لكن توصيف العلاج النفسي الإيجابي بأنه نسقي ومرتبط بالنظم لا يُشبع المفكرين من أصحاب التوجُّه النسقي الشامل. وتُشبه هذه المعلومة القول بأننا نعيش في النصف الغربي للكرة الأرضية عند سؤالنا عن محل إقامتنا. وتركِّز كل نظرية من نظريات العلاج الأسري على تطبيق بعض مفاهيم النظم.

    وبصورة مشابهة، إن القول بأن نهجنا قائم على مبادئ علم النفس الإيجابي إنما هو بداية الرحلة فقط. إن البحوث والنظريات الغنية والوفيرة تاريخيًا، أرست الموجة الحالية لنشاط علم النفس الإيجابي، متخذة مسارات مختلفة عن علم نفس الشخصية، وعلم النفس الاجتماعي. فقد تم الكشف عن العلاج النفسي الإنساني لكارل روجرز وأبراهام ماسلو بشكل مختلف إلى حدٍّ كبير عن العلاج المركز حول الحل لستيف دي شاذير، وإنسو كيم بيرغ، بيد أن كليهما أفادا العلاج الأسري الإيجابي. فقد أثرتنا أعمالهم التأسيسية في علم النفس الإيجابي، وما تضمَّنه من علاج نفسي. كما ننتفع من ميزة إيراد اقتباسات لمارتن سيلغمان، وسونيا ليوبوميرسكي، وباربارا فردريكسون، وشيلى غابليل، وشين لوبيز، ومايكل شيل، وغيرهم من الباحثين والمفكرين؛ في فصول هذا المجلد. ورغم أننا لا نستطيع ذكر كل من يستحق الشكر، إلا أننا نود شكر أسلافنا وزملائنا كلهم في هذا المضمار.

    وللعلاج الأسري -مثل كل مجالات الدراسة- لغة يستخدمها علماؤه وباحثوه. وتتسم تلك اللغة بالدقة والفهم المشترك بين الباحثين. إلاَّ أنها لغة تخصصية يعيبها تعذُّر فهم بناها الهامة من قبل المتعلمين والمبتدئين من الحقول المعرفية الأخرى (أي المصطلحات). وتعرض الصفحات التالية وجهات النظر الرئيسة، ونتائج الأبحاث التي تشكِّل أساس الفنيات (التقنيات) الموصوفة في العلاج الأسري الإيجابي. وتُعرض هذه المكونات في الفصول التالية باللغة اليومية، لكي يجد الممارسون العون في ترجمة الحقائق النفسية المعقدة والدقيقة لمن ليسوا خبراء في الصحة النفسية، ولكنهم بحاجة إلى معرفة عملية لكيفية تحسين حياتهم.

    المفاهيم الرئيسة: الحدود الفاصلة، السببية، الدائرية، البنائية، الإيكولوجية، النهايات المتساوية، التوازن الداخلي، التشكل الحيوي، التشكل المتزن، قابلية النفاذ، استعارات العلوم الفيزيائية، علم النفس الإيجابي، التكرار، الافتراضات المتشابهة، البنائية الاجتماعية.

    المحتويات الرئيسة

    مبادئ نظرية النظم

    ابتكر عالم الأحياء النمساوي لودفيغ فون بيرتالانفي (1976) نظرية النظم العامة، بوصفها نظرية شاملة تتيح فهم كل النظم الحية. ورغم أن نظرية النظم العامة لم تحقق الهدف الأصلي للعلاج الأسري، إلا أن الباحثين والممارسين اعتمدوها في العلاج الأسري لوصف العلاقات العملية داخل الأسرة. وتجاوزت نظرية النظم في تطورها الأنظمة البيولوجية، وطبقت على نظم عديدة تختلف في أحجامها وهياكلها.

    إن تعريف النظام الإنساني يتمثل بأُناس في حالة تفاعل من خلال قضايا مشتركة (von Bertalanffy,1976). وتحتل التفاعلات والافتراضات المشتركة الأهمية الرئيسة. ويعني مصطلح الافتراضات المتشابهة أنه يمكن التنبؤ بالتفاعل بين الأفراد على نحوٍ ما، أو أن هذا التفاعل يكون محكومًا بمعايير النظام أو الأسرة. وحين يتصرف الفرد في النظام يؤثر على كل فرد آخر، ما يؤثر بدوره في الشخص الذي تصرف في البداية، وهكذا دواليك. وهذه هي طبيعة التكرار للنظم الحية. ونظرًا للطبيعة الحيوية المتطورة للنظام، فإن عملية التغير المستمر تكون دومًا في مكانها الصحيح، وهذا ما يُطلق عليه التشكل الحيوي. إلا أن التغير يظل من الضآلة بحيث يحافظ على اتزان النظام، وهذا ما يُطلق عليه التشكل المتزن (Keeney,1983)، ويصف التأثير المتبادل للنظم تلك الإسهامات التأسيسية النظرية للعلاج الأسري. ويمكن للنظام أن يساعد أفراده أو يُسبب لهم الضرر، ويمكن للفرد أن يساهم في اتزان النظام أو يلحق به الضرر. ويحدث التفاعل باستمرار. ونظرًا لأن النظام الأسري هو أكثر النظم تأثيرًا في حياة الفرد، فإن تيسير الأداء ضمن الأسرة يساعد كل عضو فيها. ويُعد كل فرد من الأسرة بمثابة عامل التغيير الذي يهتم أكثر بالعائلة، ويرتبط بها أكثر من أي معالج أسري.

    ويعرِّف النظام الأسري الأسرة بأنها مجموعة من الأفراد الذين يتفاعلون من خلال افتراضات متشابهة. ويشمل النظام الأسري مجموعة الأفراد ممن يمكن اعتبارهم تاريخيًا أسرة ممتدة، أو أسرة نووية، أو مجموعة من الناس يعيشون بتآلف وثيق مع بعضهم بعضًا من دون صلات تربطهم. ونستخدم في الغالب أمثلة لا تتضمن وحدات أسرية كبيرة، أو وحدات أسرية لا تربط أفرادها صلات؛ إلا أن هذه المجموعات تعتبر أمثلة قابلة للتطبيق. والأسرة من منظور تعريفنا النظامي ليست مرتبطة ثقافيًا، لكنها محددة وظيفيًا. ونرغب في العمل على نظام/نظم مؤثرة في تطور وارتقاء الفرد/الأفراد.

    وترتبط المواقف في نظام الأسرة بدور الأسرة أو النظم الأسرية الفرعية (على سبيل المثال والد، طفل، زوج الأم، طفل لأحد الوالدين)، وبالعمر (مثل ترتيب تواريخ الولادة)، والحالة المزاجية (مثل النزعة للتنازل مقابل الامتثال الفردي)، وبتاريخ الأسرة وثقافتها. على سبيل المثال، نتوقع في ثقافة الأغلبية في الولايات المتحدة أن يكون للأب التأثير الأكبر في الأسرة من الطفل، وكذلك تأثير الأطفال الأكبر من الأصغر سنًا. كما لاحظنا أنه في أسرة الوالد الواحد، أو الأسرة التي تضم عددًا كبيرًا من الأطفال، يبدأ أحد الأطفال بتولي دور الوالد، لحاجة هذا الأخير للمساندة والدعم في تربية الأطفال الآخرين. ويُرحِّب العلاج الأسري بتنوع أشكال الأسر والسلطة داخلها. وقد عملنا مع أسر تضم الأجداد والعمات والأصدقاء ممن كانت لهم سلطة كبيرة داخل الأسرة.

    كما نرى أن وضع الأسرة يتأثر بالحالة المزاجية للأفراد. فقد يستحوذ الوالدان أو الأطفال الذين يتسمون بسرعة الانفعال وبكثرة المطالب على سلطة مبالغ فيها داخل الأسرة، إذا ما خضع الآخرون لثورات غضبهم، أو إذا اتسمت نوبات غضبهم بالشدة. ويمكن أن يلعب تباين المهارات دورًا مؤثرًا في وضع الأسرة، في حال أدى الأطفال الذين يتحدثون الانجليزية دور المترجم، أو الوسيط الثقافي لوالديهم اللذين لا يتحدثان تلك اللغة. وقد يصبح للطفل سلطة أكبر داخل الأسرة تتجاوز ما هو متوقع بالنسبة لعمره، أو لإرث الأسرة الثقافي.

    ويمكن اعتبار سلطة النظام الفرعي للأسرة بمثابة النظام التنفيذي (الراشدون لهم الأفضلية). ويمكن لهذا النظام التنفيذي الفرعي أن يدعم أي تغيير أو يقمعه، من خلال سلطة تفوق النظم الأخرى. وتبرز أهمية فهم من ينتمي لهذا النظام التنفيذي، ومدى تأديته لوظائفه. ويمكن أن يتضمن هذا النظام جدًّا أو زعيمًا دينيًا لا يعيش مع الأسرة بالضرورة، بيد أن الحاجة تستلزم وجوده ولو على نحو رمزي، في كل القرارات الهامة.

    وإذا لم يتمكن كل أعضاء الأسرة من حضور جلسات العلاج، يمكن للحاضرين منهم أن يتحدثوا بالنيابة عنهم (مثلًا، لو كان والدك هنا اليوم ماذا كان سيقول؟). ويمثل أحد جوانب النظام الفرعي التنفيذي ذاكرة أفراد الأسرة التاريخيين، الذين نقلوا ثقافة الأسرة. إن إسهام هؤلاء يستحق الاحترام. ونحن نلاحظ هذه التأثيرات، خصوصًا حين تختلف ثقافة الأسرة إلى حدٍّ كبير عن ثقافتنا، أو عندما يحدث تثاقف (تبادل وتكيف ثقافي) سريع، أو حين تستلزم خبرات الهجرة ترك الأسرة الممتدة أو الانفصال عنها.

    ويمكن النظر للنظم بأن لها حدودًا فاصلة (Minuchin,1974). ويرسم الحد الفاصل من هم داخل نظام الأسرة، أو في أحد نظمها الفرعية المعينة، ومن هم خارجه أيضًا. وينبغي للنظم داخل الأسر وبين الأسر أن تتفاعل. على سبيل المثال، يجب أن يكون النظام الفرعي للأطفال متصلًا بالوالدين، وينبغي أن تكون الأسرة على تواصل مع مدارس أبنائها. والحدود الفاصلة عبارة عن بنى تتيح لنا وصف كمية التفاعلات الأسرية ونوعيتها. وقد تكون هذه الحدود الفاصلة قابلة للاختراق تمامًا، ما يوحي على سبيل المثال بأن المعلومات والتأثير العاطفي والملاحظة تتدفق بسلاسة بين الوالدين والأطفال. وربما تكون الحدود الفاصلة غير نفَّاذة. فقد يحتفظ أحد الوالدين بالأسرار بعيدًا عن شريكه، أو يخفيانها عن الأطفال، أو قد يكون أحد الوالدين بعيدًا عن الأطفال، أو لا يمكن الوصول إليه، ما يمثِّل حدًا جامدًا وصارمًا. وقد تنسحب الأسر التي تكابد المرض أو العسر الاقتصادي أثناء محاولتها الخروج من تلك الأزمات. وبالتالي يُحرم أفرادها بطريق الخطأ من موارد هامة. ويجب أن تظل بعض الحدود الفاصلة قائمة، لضرورة وجود كيان يمكن تعريفه بأنه أسرة أو شخصًا.

    إن تقدير مدى النفاذ من الحد الفاصل الأكثر تكيفًا، هو عملية معقدة. وتتحدد وظيفة هذه الحدود من خلال سمات الأفراد ومهامهم التنموية وثقافتهم. وتتحكم الحدود، وهي بمثابة الأغشية الافتراضية، بمرونة النظام الأسري، وقدرته على مواجهة الضغوط. فقد تكون تلك الأغشية منفتحة أو منغلقة إلى حد مبالغ به أثناء الأزمات وعند مواجهة الضغوط. ويمكن لأفراد الأسرة أن يختبروا مشاعر سلبية بسبب ما يُبديه الآخرون من تطفُّل زائد، أو تحفظ زائد، ما يؤدي بهم إلى عيش تجربة غير مسبوقة مثل التخلي عنهم، أو الإساءة لهم، أو السيطرة عليهم.

    وهناك تنبؤ جوهري آخر تطرحه نظرية النظم هو أن مجمل النظام أكبر من مجموع أجزائه (Von Bertalanffy, 1976). إن معرفة أفراد النظام لا يجعلنا على علم بكل شيء عن أدائه. فعلى سبيل المثال، يمكن للأشخاص من ذوي النوايا الحسنة أن يطوروا علاقات سيئة إلى حد كبير داخل الأسر، وهذه نتيجة لم يكن من السهل التنبؤ بها من خلال معرفة كل شخص على حدا. وعلى النقيض (ربما يبعث على سعادة أكبر)، فإن الأشخاص المضطربين والقلقين قد ينجحون ويتطورون ضمن نظام أسري مرن. ويوضح تُراث البحوث المتراكم من علم النفس الاجتماعي، وعلم نفس المجتمع، وعلم نفس النمو (علم النفس التنموي)، مدى نفوذ المحيط والجماعة على سلوك الفرد، ما كان سببًا في نشوء مدرسة علم النفس الإيكولوجي (Bronfenbrenner, 1999). ويرتبط هذا التراث البحثي والنظري ارتباطًا وثيقًا بتفكير النظم، ويفسر أهمية الارتقاء بالبيئات الصحية والجسدية والاجتماعية والعاطفية والإدراكية، لمساندة نمو الأفراد ودعمهم. ويوفر المنظور الإيكولوجي أيضًا تفسيرات للأثر المتواصل للصدمة والحرمان على التنمية البشرية. وتسترشد المناهج الإيكولوجية عند تحديد أهداف الصحة الجسدية والنفسية، بنظرية النظم العامة (Bronfenbrenner, 1999).

    النهايات المتساوية: يؤكد هذا المبدأ في نظرية النظم على تعدُّد الطرق للوصول إلى الحالة النهائية بواسطة نظام حيٍّ منفتح (von Bertalan,1976). وقد تكون الحالة النهائية هدفًا، ما يدل على تعدُّد الطرق لتحقيق الهدف. وتتعدد الطرق التي يمكننا من خلالها الوصول إلى ما نحن عليه اليوم. ومبدأ النهايات المتساوية له آثار مباشرة على العلاج النفسي. إن إدراكنا لوجود عدد لا يحصى من الطرق كي نحقق أهدافنا، يفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من المرونة والتفاؤل. وفي المقابل، يمكن لمن يعانون من المشاكل المتشابهة، أو لديهم مواطن قوة متشابهة أن يكون لديهم تجارب حياتية مختلفة إلى حد كبير.

    التفاعل المتكرر والسببية والتغيير: إن الأنماط التفاعلية لنظام الأسرة تتسم بأنها تكرارية وليست تفاعلات تسير وفق خطوط (Bateson, 1972; Becvarp Becvar, 2003). ويُوحي التفاعل وفق الخطوط بوجود سبب أولي ومحدد للتفاعل. تخيل أنك ركلتَ صخرة، فإن الإحاطة بقوة الركلة وحجم الصخرة يجعلك تتنبأ بالنتيجة. وعلى النقيض من ذلك، يصف التفاعل التكراري تصرفات الناس على اعتبارها ردود فعل تكرارية تجاه الأشخاص والمواقف والذكريات والتصورات؛ وفي هذه النظم الدائرية يصبح اليقين بالسببية خداعًا ووهمًا. على سبيل المثال، بدلًا من تخيُّل ركل الصخرة يمكننا تخيُّل ركل شخص. لا يمكن التنبؤ بردود الفعل تجاه الركلة في هذه الحالة. كيف فسرتُ الركلة؟ هل المبادرة بالركلة كانت لقتل ثعبان على وشك أن يلدغ رجلي؟ ما العلاقة السابقة التي تجمع بين المبادِر بالركلة والضحية؟ وبالحديث عن المبادرة، ما الذي سبب المبادرة بالركلة؟ ما هي ردة الفعل التي ستعقب رد فعل الضحية؟

    إن العواقب الناتجة عن الركلة والشروط المسبقة لها واسعة النطاق. وتتباين الاحتمالات بدءًا من التمتمة بالاعتذار وصولًا إلى الدخول في شجار عنيف، أو بركلة مضادة مؤلمة، أو ربما قُبلة. ولا تخضع التفاعلات المتكررة بين البشر لتنبؤ محدد. فقط معرفة تاريخ التفاعلات والافتراضات السائدة، هو ما يمنحنا قوة محدودة للتنبؤ. فعلى سبيل المثال، هل يمارس الأطفال الأكبر سنًا في الأسرة التنمُّر على الأصغر منهم؟ وهل يفلتون من العقاب؟ أو هل يلتزم الأطفال الأكبر بمعايير سلوك مرتفعة تُعزى للعمر، ويُتوقَّع منهم أن يتحملوا لكمات (وركلات) إخوانهم وأخواتهم الأصغر سنًا؟ نحن بحاجة لمعرفة الافتراضات الكامنة وراء النظام الأسري كي نطرح تخمينًا علميًا. والتخمين يكون دومًا عبارة عن وصف غير مكتمل، لأنه لا يشمل بداية ولا نهاية؛ إنه مجرد لقطة فوتوغرافية لدورة التفاعل. ويتضمن الوصف الأفضل دورات أكثر من التفاعل، لكن يظل الوصف بمجمله غير مكتمل.

    وتُعتبر السببية فكرة شائعة، وتحظى بشعبية إلى حدٍ كبير لدى البشر. فنحن نتخيَّل أن العالم يعمل من خلال السبب والنتيجة. وتجذبنا معرفة أسباب حدوث الأشياء أو إدراكها، ونميل كذلك للبحث عن أسباب فردية لما نشاهده أو نختبره من أحداث. ويُعد تحديد الأسباب وتأثيرها أساس علوم الفيزياء الحديثة. والعلوم الفيزيائية هي النموذج، وهي الاستعارة الأقوى المتاحة لنا، كي نفهم الكثير من أسرار الكون.

    إن الفحص الدقيق لأبسط قواعد السلوك، وما يرتبط به من عوامل مكونة، هو المسار الذي نعادله أو نوازنه مع المنهج العلمي. لقد تأثر العلاج النفسي بقوة بالاستعارات من علوم الفيزياء(1). ويمكن إرجاع الرابط بين العلاج النفسي وعلوم الفيزياء إلى تطوُّر العلاج النفسي في أوروبا والولايات المتحدة، على يد أطباء تدربوا على نموذج السببية في علوم الفيزياء. فكما أن الشقاء الإنساني يرتبط بجراثيم معينة، وبعمليات مرضية، وبأحداث صادمة، فإن المرض النفسي يمكن تفسيره في ضوء أحداث تاريخية، أو أحداث نفسية راهنة، أو مواطن ضعف بيولوجية. كذلك تم شرح الروابط الوثيقة بين العلاج النفسي والطب، من خلال المكانة الرفيعة التي حظي بها العلاج الدوائي في القرنين العشرين والواحد والعشرين. ورغم الفوائد القوية المرتبطة بفهم البشر ككيانات مادية منفردة (أي أننا لسنا عقل وجسد، بل جسد)، فإن غلبة الاستعارات من علوم الفيزياء لها تأثير سيئ إلى حدٍّ ما على ممارسة العلاج النفسي.

    تضلل الاستعارة من علوم الفيزياء المعالجين النفسيين؛ لأن المنطق يقودنا للافتراض بأن الخصائص الإنسانية (مثل القيم، والرغبات، والمشاعر، والإحساس بالذات) محكومة بالمبادئ السببية للتغيير كما في الأشياء الميكانيكية. وينتج عن ترجمة منطق السبب/النتيجة في العلاج النفسي توقعات سببية بسيطة. إذا لم يبدأ محرك السيارة بالعمل، فإن الخطوة الأهم هي معرفة مصدر المشكلة، أي الجزء الذي وقع فيه العطل؟ أي هناك سبب محدد للمشكلة. بعد التقييم الدقيق للمشكلة يمكن استبدال الجزء المعطوب، وتعود السيارة للعمل مرة أخرى! يقودنا التفكير البسيط في السبب والنتيجة للاعتقاد أن فهم السبب سيفضي حتمًا لعلاج للمشكلة. وفي الواقع، إن أكثر المجالات النفسية إفادة في التحليل السلوكي الوظيفي تُصاغ صياغة

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1