Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

حرب وأشواق
حرب وأشواق
حرب وأشواق
Ebook326 pages2 hours

حرب وأشواق

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هناك على شاطئ البحر الهادر، وقف يتأمّل ظلّ المدينة. راح يعدّ الأمواج موجة إِثر موجة .كم  طنًا من الزّبد خلّفت تلك الأمواج عبر السّنين، عبر القرون، عبر الأجيال؟ أخذ يحاور نفسه:

-          هل يمكننا أن نتحايل  على الزّمن؟ كيف بي أن أتحايل على عشرين عاما مضت من حياتي؟ لو استعرت كلّ المنطق من المنطقيين، وكلّ الفلسفة من الفلاسفة؛ وكلّ الوقت من علماء المجرّات السّماويّة؛ فلست بقادر على ارجاع  الزّمن ولو بجزء قليل من الثّانية إِلى الوراءْ.

Languageالعربية
PublisherGreen Wave
Release dateJun 12, 2022
ISBN9798201008345
حرب وأشواق

Read more from Green Wave

Related to حرب وأشواق

Related ebooks

Related categories

Reviews for حرب وأشواق

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    حرب وأشواق - Green Wave

    حقوق الملكية الفكرية

    الطبعة :الثانية

    المؤلف: نزهة قاسم أبو غوش

    الناشر: دار الموج الاخضر للنشر ( الجزائر)

    © جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

    التوزيع : TheBookExhibition.com

    ISBN : 978-1-71650-575-1

    EBIN: 6-1-1-201015

    جميع الحقوق محفوظة للمؤلف، ولا يجوز تبادل هذا الكتاب جزئياً أو كلياً بطريقة غير شرعية؛ سواء من خلال إتاحته للتحميل على مواقع الويب أو تبادله عبر رسائل البريد الإلكتروني، كما لا يجوز نسخ جزء من النص بدون إذن مسبق منه.

    إهداء

    إِلى هؤلاء الّذين سكنتهم الأرض قبل أن يسكنوها.

    إِلى الّذين غابوا عنها بأجسادهم، وحضروها بأرواحهم.

    إِلى كلّ الأرواح الصّارخة تحت الأرض وفوقها،

    إِليهم جميعًا أُهدي حروف روايتي.

    نزهة

    شكر وتقدير

    إِلى الّذين ساهموا في اخراج هذه الرّواية إِلى حيّز  النّور.

    إِلى النّساء والرّجال من القدس، وأهالي عمواس في شتاتهم، وأبو غوش والمكبّر وبيت صفافا ؛ الّذين عاشوا الأحداث ورووها بقلوبهم النّازفة وأنفاسهم الحارقة.

    إِلى الّذين قرأوا الرّواية وأدلوا بدلوهم . إِلى أعضاء ندوة اليوم السّابع الأدبيّة المقدسيّة؛ لهم جميعا جلّ امتناني واحترامي وتقديري.

    • ملاحظة: لقد استفدت من كتاب التّهاليل، أغاني تنويم الأطفال في فلسطين: جمع واعداد علي الصّالح، مكتبة كلّ شيء، حيفا، طبعة أُولى، 2004م

    الفهرس

    حقوق الملكية الفكرية

    إهداء

    شكر وتقدير

    جدول المحتويات

    بلاد غريبة

    مرج الذهب

    منطقة التّماس

    أمّ العرب

    في الدّير

    الفرح المخدوع

    بيت نوبا

    أسرى حرب

    خلف الأبواب المغلقة

    فتاة متمرًدة

    الخبر المشؤوم

    سجن الظّاهريّة

    الحبّ المدفون

    البحث عن المحبوبة

    ليلى

    سرّ الأحزان

    الفصل الثاني

    أبو صابر

    في جبل المكبّر

    الضّحايا

    لقاء الأصدقاء

    يوم العيد

    الصدمة

    عين الغزالة

    حنين وأشواق

    الوقوع في الفخّ

    حضن أُمي

    المفاجأة

    الصّدمة

    بلاد غريبة

    هناك على شاطئ البحر الهادر، وقف يتأمّل ظلّ المدينة. راح يعدّ الأمواج موجة إِثر موجة .

    كم  طنًا من الزّبد خلّفت تلك الأمواج عبر السّنين، عبر القرون، عبر الأجيال؟ أخذ يحاور نفسه:

    - هل يمكننا أن نتحايل  على الزّمن؟ كيف بي أن أتحايل على عشرين عاما مضت من حياتي؟ لو استعرت كلّ المنطق من المنطقيين، وكلّ الفلسفة من الفلاسفة؛ وكلّ الوقت من علماء المجرّات السّماويّة؛ فلست بقادر على ارجاع  الزّمن ولو بجزء قليل من الثّانية إِلى الوراءْ.

    قال الحسن البصريّ، رحمه الله:

    إِنّما أنت أيّام معدودة، كلّما ذهب يوم ذهب بعضك . كم  من بعضي قد اختفى خلال عشرين عاما يا تُرى؟ هل صحيح أنّ الإِنسان مجرّد دقائق وثوان، وساعات؟ أشعر أنّ الزّمن قد اجتثّ الكثير من أحلامنا، ومخطّطاتنا، وأرواحنا؛ وجعلنا نقف متأرجحين على حافّته غير واثقين بأنفسنا. لا نحن منتصرون، ولا منهزمون. لا نحن صادقون، ولا كاذبون. لا نحن جهلاء، ولا علماء. لا نحن مبعثرون، ولا نحن متجمّعون. ما أصعب أن تظلّ واقفًا على حافّة الزّمن، تتأرجح، لا أنت واقف، ولا أنت جالس.

    في مدينة موسكو، كنت غريب الأهل والوطن. لم أعرف لمن أبثّ ألمي وحزني.

    في إحدى الأُمسيات جلست مع (نلسن) مدرّب الطّيران. كان يرتشف مشروبه بتلذّذ غريب، تبلّلت لحيته المدبّبة فوق ذقنه الحادّ. لمعت عيناه، وراح يضحك من كلّ قلبه، طلبت من النّادل كأسا من الشّاي، وضع  يده على كتفي، وقال من خلال نبرات ضحكاته :

    - كم أنت بريء يا عزيزي  عليّ، أنت مثل الأطفال.  تنام قبل العاشرة، وتشرب الشّاي السّاخن، و... ما به المشروب ها؟ أنت لست في بلدك، ولا أحد يراك. لا تخف يا رجل، لا شيء أروع من الشرب في هذه الليلة الباردة. لا شيء يدفّئ قلبك إِلّا  هذا، يا صديقي.

    أخذ يصبّ المزيد، وأنا أنظر اليه خائفا أن يسكره هذا المشروب.

    اعتدلت نبرته:

    - أنت يا عليّ رجل قويّ وعندك إِرادة، استطعت أن تتعلّم مهنة الطّيران بمدّة قصيرة، أقصر من المتوقع.

    - هل تعتقد حضرتك بأنّنا سننتصر؟

    - طبعًا طبعًا، لكن حذارِ أن تكونوا دولة معتدية.

    - دولة معتدية؟ نحن لا نعتدي على أحد، نريد أن نستعيد حقّنا فقط، وأنتم تعرفون ذلك جيّدًا.

    - علي، نحن في روسيا لا نشجّع دولة معتدية.

    - لكنّكم ساعدتمونا بالإمدادات العسكريّة. وقد وعدتم زعيمنا، جمال عبد النّاصر بأن تقفوا معنا، إِنّه يذكركم دائمًا في خطاباته، فهل تراجعتم؟

    - طبعًا لا. نحن نقف بجانبكم، نحن دائمًا أصدقاء للعرب. راح يهزّ راسه هزّات غير منتظمة، فاهتزّت معها أكتافه كالميزان المتأرجح:

    - - يجب أن تعلم يا عليّ بأنّ سلاحنا لا يضاهيه سلاح في هذا العالم.

    هل تعرف ماذا فعل سلاحنا في فيتنام؟ ها؟ قلّ لي بربك، ألم يفتك بالجنود الامريكان؟ الفيتناميّون دافعوا عن أنفسهم بقوة. يجب أن يفعل العرب مثلهم....هههههه العرب لا يشبهون الفيتناميين أبدًا.

    عاد إِلى البيت وهو يحمل في قلبه الكثير من خيبات الأمل، ربّما أكثر بكثير من تلك الثّلوج المتراكمة أمامه على بعد الأُفق.

    عادت تراوده الأحلام من جديد. نفس الأحلام تتكرّر، يرى دائمًا  ولده سميح الّذي لم يكمل بعد العاشرة، والّذي تركه في بلدة عمواس يلحق به ويناديه:

    يا با، يابا استناني، وين أنت رايح؟ خذني معك يابا. بترجّاك لا تتركني

    ثمّ يراه مرّة أُخرى ينادي:

    -. وينك يابا؟ أنا بحبك يابا. بترجاك ترجع لنا بسرعة، أنا مشتاق لك كثير يابا، أنا كل يوم بعيّط عليك

    أفاق من نومه مذهولًا. كم تمنى أن يحضن طفله،  ويقبّله ويمسد بأصابعه الخشنة فوق شعره الأسود الأملس اللامع؛ ثمّ يلعبان معًا لعبة العسكري والحرامي، ويضحك سميح، وتصفّق الأمّ ثمّ تهتف :

    - وأخيرًا أمسك  العسكري بالحرامي.

    فيضحك عليّ، ويضحك الطّفل وأُمّه.

    فجأة  تذكّر مسألة الزّمن.

    - " يا الهي! كيف حبا الزّمن؟ بل كيف مشى؟ كبر وكبر وراح يركض، فلم يعد الصّغير صغيرًا، ولا الكبير كبيرًا. أشعر بأنّني أجرّ خلفي حبلًا  طويلًا من الزّمن يبلغ طوله عشرين عامًا من الفراق والتّشتت والألم. لقد خرج رأس هذا الحبل من  بلدة لفتا عند  خديجة الّتي تركتها  هناك تستجدي مؤن الوكالة في مخيّم الأمعري، هاربًا من المحتلّ الاسرائيلي، من بلدتي، أبو غوش، إِلى بلدتي عمواس، تاركًا خلفي زوجة، وطفلًا؛ لينتهي طرف هذا الحبل هنا في  الاتّحاد السّوفييتّي. ياه...ما أطوله من حبل! حبل مغمّس بالألم والأشواق. أشتاق لكلّ شيء في وطني:أشتاق للتّين، للصّبر، للعنب، للرّمان. أشتاق للنّرجس ورائحته الّتي تملأ الجبال. أشتاق للطّحالب الملساء الّتي ترقب الماء حول البئر. كم أنت قاس أيّها الزّمن!

    ماذا قصد المدرّب  إِننا لا نساعد دولة معتدية؟ ماذا قصد بأنّنا العرب لا نشبه الفيتناميين؟

    لم أعد أفهم معايير الحرب القادمة. هل نحن أصحاب الحقّ، أم أعداؤنا؟

    ولماذا يوهمنا السّوفييت بأنّهم يقفون معنا؟ أشعر بأنّ هناك شيئًا مجهولًا يدور حولي، لا أفهم كنهه.

    استطعت أخيرًا أن أجد إِذاعة صوت العرب. خرج صوت عبد الوهاب كأنّه سحر يسيطر على العقل والقلب:

    وطني حبيبي الوطن الأكبر  يوم ورا يوم أمجاده بتكبر

    وطني وطني

    حلوة يا وحدة يا جامعه شعوبنا  حلو يا أحلى نغم مالي حياتنا

    يا نغم ساري بين المحيطين  بين مراكش والبحرين

    في اليمن ودمشق وجدّه  نفس الغنوة لأجمل وحده

    وطني  وطني

    كنت بحاجة لأن أستمع للأغاني الوطنيّة الّتي تقوّيني وتدعمني معنويًّا. أشعر بأنّ الموسيقى تملا عقلي وقلبي، لكنّ هذه الأغاني تصنع بي شيئًا غريبًا لا يمكنني أن أصفه. إِنّها تلامس القلب برعشة؛ فتهزّه ليستفيق . أشعر بأنّني  أطير فوق السّحاب أبعثر الورود المعطّرة  في الفضاء الرّحب؛ لتسقط فوق وجهك يا وطني!  كم يلفحني هواؤك أيّها الوطن! كم يؤلمني بعادك! لا أعرف لماذا تذرف عيوني دموعها عندما أسمع بمعنى الاتّحاد بين الأوطان؟

    يا نغم ساري بين المحيطين  بين مراكش والبحرين .

    لماذا ينظر بي هذا الرّجل بعينيه الفارغتين؟ لماذا يستغرب؟ أُريد أن أرقص، أن أُغنّي، أن أقفز حدّ السّماء؛ ما شأنه بي؟ قلت له ألف مرّة:

    - يا حبيبي  روبيان، نحن العرب عندما نفرح، لا تسعنا الدّنيا.

    - ولماذا أنت فرح الآن، يا عزيزي؟

    - لأن العرب متّحدون. أين تعيش يا رجل؟ ألم تسمع بهذه الوحدة؟

    قهقه روبيان قهقهات غريبة تدحرجت من فمه في كلّ الأرجاء.

    انتظرت خطاب الزّعيم عبد النّاصر بفارغ الصّبر. لقد وعد المذيع في صوت العرب أن يكون الخطاب مباشرًا بعد دقائق. لا أعرف لماذا كلّ هذا التّأخير؟

    وأخيرًا، الحمد لله ها هو صوت الرّئيس راح يدغدغ قلبي وعقلي. عندما حضنت المذياع، وقرّبته من أُذني، قفزت بالهواء، صفّقت مع ملايين المصفّقين؛ وهتفت بصوت متهدّج مع الهاتفين  :

    يحيا جمال عبد النّاصر، يحيا زعيم الأمّة العربيّة

    قال لي روبيان بكلّ هدوء:

    - أنتم يا عليّ في بلادكم تؤلّهون الفرد، صحيح أنّ الرئيس المصري زعيم سياسي قدير، لكنّه ليس إلهًا.

    غضبت من كلام روبيان، وقلت له:

    - وماذا عن  لينين؟ ألم تجعلوه إلهكم، وصنعتم له تمثالًا ضخمًا؟ ألم تحنّطوا جثّته، لتدفنوها بالسّاحة الحمراء، وجعلتموها محجًّا لكم؟

    - هل تقارن زعيم الدّول الاشتراكيّة، ومؤسّس الشّيوعيّة، وقائد الثّورة  البلشيفية، العظيم  لينين؛ بالرئيس عبد النّاصر؟ كان الزّعيم لينين رافعًا شعار الأرض، والخبز والسّلام. ألا تعرف ذلك؟

    أحكمت قبضتي، وصمّمت أن ألقنه درسا لن ينساه. في اللحظة الأخيرة تراجعت. تذكّرته حين قال لي مرّة، بأنّ العرب دائمًا متسرّعون في أخذ قراراتهم، وليس لديهم لغة للحوار، والتّفاهم. العنف هو لغتهم. حينها دافعت عن عروبتي بكلّ ما أوتيت من قوّة.

    أمّا الآن فأنا مضطرٌّ بأن أُثبت بأنّنا العرب، عكس ما يعتقد. قرّرت أن أُجادله بالحجّة والبرهان، وأُقنعه بأنّنا الأقوى؛ لأنّنا أصحاب حقّ.

    شعرت بأنّ اجابتي  لن يكون لها طعم؛ لأنّه لن يفهمها أبدًا. أن تشرح عن قوّة جبّارة قد نمت بذرة في قلبك وضميرك وعقلك، ثمّ أنْتَشت، ثمّ تجذّرت، ثمّ كبرت  معك؛ حتّى أصبحت شجرة عملاقة وصلت عنان السّماء، هذا شيء صعب جدًّا.

    تركت كلّ شيء في غرفتي، وخرجت أسير في شوارع موسكو دون هدف، أو تخطيط.

    أشعر بلسعة البرد القارس، وبحرارة قلبي الّذي راح يفور بداخلي.

    هل نحن على حقّ؟ وهل نسير في الطّريق الصّحيحة؛ من أجل تحقيق الهدف؟

    آه.... الهدف! هنا مربط الفرس، الهدف.

    الهدف واضح ومعروف، لا نريد أن نلفّ أو ندور. علينا أن نحرّر فلسطين، ونعود إليها من شتاتنا ومخيّماتنا بأقرب وقت ممكن، ونرمي اليهود المحتلّين بالبحر، وتأكلهم أسماك القرش - كما يقول أحمد سعيد- كلّ يوم.

    لا أعتقد بأنّ هذا هو الحلّ المنطقي. هناك حلّ سريع ومقبول، ماذا لو أمرناهم بالعودة من حيث جاءوا، بالسّفن والطّائرات؟

    أعرف أنّ الكثيرين لا يؤيّدون ذلك. لكنّ ديننا أمرنا بمعاملة الأسرى معاملة حسنة.

    الحرب... الحرب...الحرب... لا أعتقد بأنّ هناك حربًا نختارها بأنفسنا، وننتقيها.

    حربنا تختلف عن كلّ الحروب، هي حرب؛ من أجل الحريّة؛ من أجل عودة الحقّ لأصحابه؛ من أجل عشرين عامًا في الشّتات، في المنافي، في الخيام والمخيّمات، نتذوّق الذلّ على مدار الزّمن الّذي راح ينزلق من بين أيدينا. حربنا هي قدرنا...لماذا لا يفهم هذا العالم ما معنى القدر؟

    اللهم حقّق ما تبطّنه نفوسنا وقلوبنا وعقولنا.

    كم أشتاق لأهلي، وأُسرتي! كم أتألّم لفراق صغيري سميح! مؤكّد أنّه كبر اليوم، وأصبح  يافعًا. ماذا يفعل اليوم؟ هل يفهم سبب بعدي عنه كلّ هذه الأعوام؟ هل يفهم بأنّنا نضيّع الحياة؛ من أجل الحياة الأفضل؟

    أشعر بأنّني أعيش في بلاد خرافيّة، جمالها ساحر، أبنيتها  فخمة ومرتفعة، شوارعها واسعة ومتفرعة. الثّلوج تربض فوق الطّبيعة معظم أيّام السّنة؛ لكنّي أُقسم بانّني لم أر فيها سحر فلسطين! جبالنا تختلف، وسهولنا أيضًا. الشّمس الّتي عندنا لا شبيه لها. القمر هنا لا يوجد له عيون مثل قمرنا، و دائمًا يحتجب خلف الغيوم. أبدًا لا نقدر أن نناجيه، ولا نفشي له أسرارنا.

    كم سهرت من الليالي وناجيت قمرنا المتألّق بالسّماء، وكم حدّثته عن حبّي وشوقي للمحبوبة! حينها كان يبتسم لي ويهمس بأُذني عن لوعة المحبوبة وأشواقها.

    لاحظ صديقي (روبيان) عدم مشاركتي بالنقاش السّياسي الّذي دار بينه وبين المدرّب (نلسن) عن الطّيران السّوفيتي، سألني مستغربًا:

    - هل تشكّ يا عليّ  في قدرتنا، وقوّة سلاحنا؟  لم ينتظر اجابتي، بل قال بصوت قويّ واثق: -

    -  لقد ارتجف القادة الأمريكان من الخوف؛ عندما أرسلنا رجل الفضاء الأوّل  (غاغارين) إِلى الفضاء الخارجي، دار حول الأرض لمدّة ساعة وثمان وأربعين دقيقة، تصوّر؟ قالوا :

    إِنّ الّذي يقدر على ارسال إِنسان إِلى الفضاء، قادر على وضع رؤوس نووية.

    قلت في داخلي :

    -  كم أخاف أن يقضي علينا غروركم هذا!

    شيء واحد يصبّرني على الخوف من المستقبل، وهو الأمل الّذي يملأ قلبي.

    قال أحد الحكماء يومًا:

    إِنّ أجمل وأروع هندسة في العالم، هي أن تبني جسرا من الأمل على نهر من اليأس.

    منذ خرجنا فيه من فلسطين، ونحن نبني. ماذا نبني؟

    لو تعرف أيّها الحكيم، كم جسرًا من الأمل بنينا فوق هذا النّهر الطّويل الممتدّ عبر الزّمن.

    لو تعلم أيّها الحكيم كم حلمًا حلمنا، و كم نهرًا من اليأس جفّفنا، وكم جبلًا من الأمل بنينا؟!

    الأمل،  تلك الفسحة الّتي نرمي عليها همومنا، وشقاءنا؛ وعذاباتنا؛ من أجل أن نغسلها، وننظّفها ونلبسها أجمل الثّياب، فيرانا الآخرون نلمع من الخارج، بينما لا يعرفون كم هي كالحة الألوان داخلنا!

    في بيت روبيان، عندما ألقت تلك الفتاة الشقراء بنفسها  في حضني، وراحت تداعب شعري، كنت مثل طفل يرتجف؛ خائفًا من عقاب الكبار. قهقه روبيان حينها، وقال :

    - ألا توجد لك تجارب مع النّساء يا عليّ؟ ظلّت الفتاة تداعب شعري،  رأيت الشّيطان  بعيني. همس بأُذني:

    - - اقترب من الفتاة يا عليّ. لا تخجل. كن جريئًا،  احضنها، قبّلها.

    - راحت أنفاسي تعلو وتهبط. اقتربت منها. نظرت بعينيها. لم أعرف ماذا أصابني؟ أمسكت بها من كتفيها  بكلتا يدي للحظات، ثمّ  أُلقيت بها بعيدًا عنّي.

    - صرخت بوجهي:

    - - أنت مجنون علي. أنت عربي مجنون.

    نظر بي روبيان نظرة اشمئزاز واستهجان:

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1