Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

عبق الياسمين
عبق الياسمين
عبق الياسمين
Ebook383 pages2 hours

عبق الياسمين

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

عبق الياسمين

لاتزال أمي تركز نظرها خلفي، حين امضي، كأنها تراني وتنظر بعيدا رغم ابتعادي وضياعي في الدروب التي لا يتوقف فيها السؤال عن الهوية تلاحقني بدعائها وعيونها تبقى مصوبة خلفي تستكشف الطرق خوفا أن تلتهمني الأهوال. آه يا فارعتي.. أي حزن يرتسم الأن واي انتظار يشبه رائحة الخريف وتبعثر أيامنا كأوراق الأشجار المتناثرة في الطرقات، تدوسها الأحذية دون الم. الريح تصفر الأن ونباح كلاب ونهيق كالعادة من مكبرات الصوت. المشهد الذي حدث منذ قليل ثلم قلبي أو أضاف له ثلما أخر، حفرة بعمق معين وطول معين لشخص معين حوله معينين هكذا رموه رميا دون الم. بالأمس أظن ... كان جليسهم، كان معهم يضحك أو ربما يروي لهم قصة أو يتقاسمون رغيفا وأقراص فلافل أو موقفا عن الوطن، آه الوطن، اجل الوطن الإخوة والدم واللغة والأمة وكل شيء كلمات أشبه بالعلكة بفم سكير متسربل في طرقات الليل ترك خلفه غانية وبقايا أغنية وكاس فارغة وبعض الأصحاب الذين لم ينتبهوا لمغادرته...، للتو نهض ونحن للتو نقول ... كل المشتركات التي أصبحنا عليها أولاد أمة! كلها تفرقنا رغم أملنا بانها تجمعنا. الوطن يا أمي الذي من أجله لم أراك منذ عشر سنوات، وربما يطول بفراقنا الزمن وتتضاعف المسافات وتكبر، الوطن الذي باسمه لم يتركونا نجلس معك فيه كثيرا ونسمع حكايات عن الجد والجدة والقرية باسمه منعوني أن أعود لك تلك الليلة!! ممنوع هكذا قال المخصي بحزبه، تذهب في الصباح، حينها لم أنام بقيت أتأمل الدقائق تمر ولم انتظر الفجر حين سمعت صوت السيارات أسرعت صوبك، الوطن يا أمي..... الوطن...!! انه قلبي ولكن في القلب أيضا دماءٍ فاسده.!! وامتدت السنوات حملت صورتك بها، لا أعرف ضمن أي الأطر سيضعوننا كل شيء مجهول مبهم وبعناد الريح التي تصفر الأن وبعنادها وبردها وقوتها امسك على صورتك، الوطن.. يا أمي ...دمعتي التي تغلبني كل مرة وتتموج بالحروف لا أراها ويهجرني الطريق، وأبقى أردد الوطن يا أمي .... لا اعرف كما أنت لا تعرفي أين ستستقر الروح أو الريح واي الأوراق ستسقط واي الوجوه ستخونني وتمضي، دون أن أعرف، وهل تعرفي يا أمي؟ ماذا ستحمل الريح من آهات لوجه الصديق أو وجه الحبيب، يخاف قلبي هذا الفراق، أكل من قلبي الفراق يا أمي.... ولم يهزمني يوما الموت فكنت أنت بقلبي الوطن.

Languageالعربية
Release dateMay 10, 2021
ISBN9798201882150
عبق الياسمين
Author

كريم شنشل

كاتب دنمركي من اصول عراقية صدر لي قبل هذا مجموعة قصصية باسم الخيول المقعدة وديوان شعر باسم عصفور البراري وتحت الطبع ديوان  شعر باسم أساور الغربة تولد عام 1961 جنوب العراق . اعيش حاليا في الدنمرك

Read more from كريم شنشل

Related to عبق الياسمين

Related ebooks

Reviews for عبق الياسمين

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    عبق الياسمين - كريم شنشل

    عبق الياسمين

    كريم شنشل

    2018

    المحتويات

    الإهداء

    1 الزيارة

    2 المداهمة

    3 لقاء حب

    4 البقرة والكلب

    5 الحلم

    6 العودة

    7 التلفون

    8 صدفه

    9 الثورة والوردة

    10 الفقدان

    11 صورة الرئيس

    12 صلاة الروح

    ––––––––

    حين تصير كبيرا سوف تتعلم أن الياسمين وردة من الورود التي تعود إلى الظهور .....يحدث للياسمين الشيء نفسه الذي يحدث للبشر الذين يطلعون ويتجولون في أثناء الليل بعد أن أدركهم الموت منذ وقت طويل. ماركيز – عاصفة الأوراق

    الإهداء

    حين كانت الوديان هناك، كانت صرخات الروح تلتقي، لكن ماذا بعد، أن سويت الأرض وغابت الوديان والجبال!! ماذا نقول للروح التي ثلمها النزيز......؟؟ على أي شمعة سأعلقها وباي سراج أنير ظلامها، الظلام الذي اقترب كثيرا، ولم اعد أتلمس الحروف التي كتبتها بعد، آه من صراخ الروح.

    نظمي الشهيد حكاية من حكايات وطن اهديها للتي نزفت الدموع للقاء أو الفراق، للساكنين في القلب، للأمل الذي فجر الألم في الروح كي تروي هذه الحروف يوميات من حكاية.

    1

    الزيارة

    للياسمين قصة، يسهر الليالي بطولها، يحدث الليل عن حلمه بخيوط الفجر وأغاني العصافير التي تملأ أغصان الشجر، بينما الأغصان ترقص كلما حطت عليها العصافير، فينتفض منها الغبار، ويبقى الليل يروي قصته ويأن بغفواتهِ، حتى تنهض أمٌ ترش الماء، فيذوب الليل بخيوط الصبح ويبقى الياسمين يفوح بعطره، كنداءٍ لليل ولحكاية قادمة، كما حكاية دمشق التي تدور بين قلب الياسمين والليل، تدور الحكاية، كخاتم عرس بعين محب، فيروي الليل حلمه للياسمين بعناق الفجر ليصحو على رشة ماءٍ من يد أمٌ دمشقية، ليفوح عطرهُ أسوارا لها.

    كانت أكثر من ألف زنبقة فيروزية كالريح دفعت بنا للكتابة، والكتابة كانت أغاني، وحين لم أرى مرورها في عالمي الافتراضي، أُصيبُ بالملل، حتى ذلك الحين الذي دبت فيه الحروف الأولى بيننا حين قالت:

    نحن بعيدون جدًا

    المسافات أغنية بربوع فيروز قلت لها، فماذا نعمل؟ هل نعمل جسرا! أذن ليكن الجسر أغنية، والأغنية على جسر اللوزية.

    كانت صورة فيروز مطبوعة على الفنجان الذي يفوح برائحة القهوة معانقة خيوط الفجر، كلما احث أقدامي على السير مسرعا إليها، لم يوصلني الدرب، فالمسافات الافتراضية بعيدة جدًا، لامتناهية ونبقى في ذات النقطة والرسائل تبقى أغاني. ضحكنا كثيرا وودعنا ليالي كثيرة ملأناها بالكلمات الرحبانية وموسيقاهم التي تسابق النسيم، فيما كنت ثملا من خيبة الحياة التي لا تريد أن تغفو.... والروح المحلقة في بحر الذكريات والحنين لأيام كلما نفختْ بها الحياة تورمت رئتاي.

    كان الحزن والشك وصغائرنا اليومية كافي ليغرق سفينة نوح، أن كانت هناك سفينة باقية أصلا. لم اعد اشعر بالاسى، ربما ساعدني هذا الشيء كي اهرب دون أن أتلمس جروحي العميقة، بعد العديد من الحروب والتي ربما عمقتها. أصبحت لم أحس بالألم منها، كأني تألفت معها، لكنها سحقتني كثيرا، لم يبقى ألا زنابق قليلة، كدت أريد أن أحييها، ألا أن اغتصاب الروح كالسم انتشر بعروق الزنابق، ذبلت، لم أراها، فماتت تلك الزنابق، ماتت. كثيرون من يموتون في القلب، والقلب لا يرغب أن يكون مقبره، القلب بستان، يزهر بالأحياء وذكرى الأموات، يغني لهم ويرقص ويرحل كثيرا معهم، لم أرَ لها جنة أو قبرا ولم يقم القداس على روحها أو يقرأ شيخ قائمة طويلة بالأسئلة التي ستلقى عليها في القبر!!! ضحكت......!!، عذاب القبر أضحكني، حين سألني صديقي الذي زارني قبل أيام وبعد زمن من الغياب....

    أين تنام؟

    قلت له هنا على هذه الأريكة ...... يمكنني فتحها وأضفت، ألا أني لا ارغب بذلك لأسباب عده أولها المكان ليس واسعا كما ترى، ثانيا وثالثا والاهم هو حين أنام لم أتحرك كثيرا...

    أنها ضيقة يا صديقي، أضاف.

    ضحكت وهززت يدي، مجيبا نعم، ربما قليلا ولكني أدرب نفسي على عذاب القبر، ضحكنا جميعا وأخذتنا موجة الضحك تلك فأضفت مستعجلا، ألا أني قررت ألا أدفن في قبر كي لا أعطيه فرصة لعذابي ......

    كيف إذن؟

    كتبت وصيتي بأن أحرق لا أدفن، وينثر رمادي في البحر أو في النهر، وهكذا سوف أفشل خطة عذابي بالقبر، ضحكنا مجددا.

    انفتحت قريحتي فرميت بها مما وهبنا به البابليون القدامى من خمرا، وشكرت سمير نوف مرددا قوله تعالى ولئن شكرتم لأزيدنكم!!!!! كم اسعد موائد وبشر، شكرا لك سمير نوف، نشربك فننام بعمق ونحلم كثيرا بصباحات تعلو أرضها الزنابق وزقزقة العصافير، لا يهم أن تحققت أو لا، بل المهم أن يحلم الأنسان، الحلم قارب للعبور، ضحكنا ثانيةٍ، فمرت حكاية من السنوات البعيدة، سنوات الحرب* التي مضى عليها سنوات عشرين أو أكثر، عن رجل تحطمت جدران بيته بقصف متبادل في الحرب. لم يبقى ألا جدار واحد جلس يستظله، بقيت عليه ثلاث صور معلقة، ثابتة ٍ يا للرب، انتبه صديقاي كثيرا ورن الصمت، ليس هناك سوى صوتي وكؤوس المشروب وحركة صديقنا متململا بسبب ما أصاب ساقه من قصر، وبأسى قلت، ثلاث صور معلقه على بقايا الجدار، الذي اسند الرجل صاحب المنزل راسه عليه، حين تحكم حياتنا تلك الصورة وتصبح شرطيا يحمل سيف، بينه وبين رقابنا بعض المليمترات تجف الروح شيئا فشيئا، نعم ثلاث صور على بقايا حجر، حجر البيت، حجر العمر وعرق السنين ومخبأ الأحلام والانتظار. لم يصحو من الصدمة ولم ينتبه على هدير محرك السيارة العسكرية التي حملت قوة متوجه للتحقيق بالحادث، ونسي أفراد قوة التحقيق حين وصلوا إلى البيت المحطم مهمتهم فغابوا لبرهة بتأملاتهم للصور الثلاث، وفجأة سمع بصوت يشوبه الرعب، صوت الضابط وهو يصرخ ويسأله لمن هذه الصور المعلقة على الجدار؟ فغر الرجل فمه والتفت إلى ناحية الصوت مرتجفا، نهض وعيناه صوب الضابط، لم يخرج من فمه صوت ألا بعد برهة حين قال، هذه يا سيدي التي على اليمين صورة قائد الأمة! والتي على اليسار صورة إمام الأمة! ثم صمت لبرهة وعيناه مصوبة للأرض فعاجله سؤال الضابط ومن هذا الذي في الوسط؟؟ هز الرجل يده ناظرا صوب الجدار وصوب الضابط وجنوده، وبحسرة خرجت الحروف من فمه تتلوى، هذا يلي أنتــــا.... ت امه؟؟؟ ضحك العسكر حينها وتغامزوا فيما بينهم، وضحكنا نحن الأن بعد هذه السنوات العشرين وضرب سالم على فخذه التي تعاني من الألم، ضربات قوية، فيما بقي الرجل فاغرا فمه يهز بكفه متابعا حفلة الضحك تلك. لم يعيد أحد لذلك الرجل جدرانه أو تعب السنين أو هل منح خيمة أو لا!!، ولم نعرف ماذا حصل معه. رفعنا كؤوسنا مرة أخرى ومضت الساعات عجلى تذوب من بين يدينا دون أن نرقب شيخوختها في أجسادنا. لقد هُدمت الكثير من البيوت، والأكثر منها هدم الأنسان. هكذا سخر الناس، سخرية بألم، من الحروب وأبطالها وثقافة الهدم التي تُركت فينا، فالحروب والعنف الدائم دوما تشد الأنسان للخلف في سباق الزمن، تحرمه وتحوله إلى فراغ.

    رد سالم وهو يتحدث مرة أخرى عن المعتقدات، أوصتني برسائلها ألا أضع تركيزي على هذه الأمور لأنها شخصية، هكذا علمنا أبي... بعد أن اكتشف حقيقة الأديان قالت ذلك، ووعدتها حينها، حاولت أن ابعد سالم عن الحديث فذكرت له القول السومري كما اعتقد دين لا تعبد لا تشتم، حاولت تغيير الحديث وتدخل يونس أيضا معلقا، ألا انه عاد ثانية للموضوع ذاته، لا اعرف كيف أتى على ذكر كلمة الاغتصاب وعقوباتها ...!! ضحكنا!

    قلت له يا سالم الاغتصاب ليس اغتصاب الجسد فقط بل هو اغتصاب الثقة والثقافة والروح والرأي والأرض وحتى كاس الماء، لماذا تركوا كل الأشياء وتمسكوا بالجسد فقط.؟

    نقلني سالم فجأة كبيدق شطرنج إلى ما نحن علية، يا صاحبي كل الأشياء متشابه جذورها.

    قلت له حين لم نعي اغتصابنا الثقافي فليس للجسد قيمه.

    همَ سالم ويونس بالمغادرة ونحن لا زلنا نضحك ونتداول مقترحا لسهرة أخرى، على أن يأتي بها أصدقاءنا وسام وصباح وجيد، اتفقنا على هذه السهرة، وقلت له لتكن غسل للروح والجسد من الداخل، أخذتني الأسئلة لماذا نغسل أيدينا وأفواهنا بعد الأكل؟ لماذا نمسح ونعقم! فيما دواخلنا لا تُغسل، لماذا؟؟ اللعنة على لماذا، ستبقى تدور براسي حتى تصرعني فيطير منه ما شربت.

    كان سالم يستعين بحركته على عكازه الأبيض الطبي المصنوع من الألمنيوم كما أعتقد، تعلوه حرف سي بالإنكليزية كي يسند بها ساعده وحرف أخر كالألف بالعربية مائل ليمسكه بكفة، أغلقت الباب، وعاد بي الزمن للعكاكيز الخشبية التي تشبه مثلث متساوي الساقين، طويلة فيما الضلع الثالث عباره عن مخدة توضع مباشرة تحت الإبط. منذ الطفولة لفتت انتباهي عكازة جارنا النجار وليومنا هذا، خرجت من الأرض الأقمار إلى الكواكب الأخرى ومساحة العالم تقلصت وأصبحت نقطة، ليس قرية فقط، ألا أن العكازة كانت ذاتها لم تتغير في شوارع مدينتي حين عدت لزيارتها بعد ربع قرن من فراقها، تتزاحم الأسئلة، سؤال يدفع الأخر لكنها جميعا تقف عند عتبة السؤال مرة أخرى، لماذا نحن واقفون منحنين القامة؟ قاطعني رنين الهاتف، كان الصوت شجيا، ضحكة طفولية أطربتني كلماتها التي عبرت محلقة فوق محيطات وبحور وغابات .... وتبللت بمائها، لا اعرف أن حملت الندى من صباحات بعيدة إلى ليلي متسائلة:

    " شو شربتوا... شربتوا " ولحقت بالسؤال كركرة،

    أجبتها، من يأخذ عيوني لتلك الدروب البعيدة، من يأخذ بها لحارات الياسمين، لتشم عطر الشباب وذكرياته، وتقبل أقدام مشت فارعة واثقة هناك.

    هل غادر ضيوفك أم لازالوا؟

    نعم، ذهبوا منذُ قليل، وبقيت بصمتي الوذ بالصور وانتظر اتصالك، حلق بي صوتها بعيدا وأزاح عن صدري هموم. كأنها حرارة شمس أشرقت فأزاحت تلك الغيوم السوداء من ضفاف عيني، الغيوم التي تكاد أن تكون سلوتي الوحيدة حين اضجر من كل شيء حتى القراءة، تمر أمام نظري عجلى.

    هل ترى قلت لماجد....

    فتساءل ماذا؟ هل ترى تلك الغيمة كأنها امرأة تتدثر بالوبر أنظر سريعا ستتغير، أنظر فمها الأن كأنها تصرخ، وضحكنا، وأشرت إلى غيمة أخرى كوجه صبيا طائر، الغيوم تمضي صورا، كم من صور البشر رأيت عليها. تتراكض حروفنا ترسمَ كلمات كثيرة، كثرت الأخطاء بأملائنا، حروفها تلهث بالحب، تريد اللحاق ببعضها البعض، لم نشكو من تلك الأخطاء ولم نصححها، كنا نفهم تلك الكلمات، كأنها كركرات أطفال في أعياد الميلاد.

    لا اعرف من أين تأتي تلك الحروف، ذاتها الحروف التي لدينا، كما نعتقد، ثمانية وعشرون حرفا، ألا أنها تزين جميع القرون التي مضت بالكلمات، وربما القرون القادمة أيضا.....، تلمست الحروف القادمة وشممتها، أَحس بحزنها بفرحها. ولكن كيف والحروف رقمية تنتقل بيننا، ليس خط يدها أو يدي! ليس صوتها! إنها روحها، تطير لتربط حروفي بعضها ببعض، لترسم منها على وجهي أملاً للغد، عجبي أن نكتب في ذات اللحظة ذات الكلمات أو نختار سماع ذات الأغنية....، ضحكنا وقلت لها من منا يشاهد ما يكتبه الأخر الأن!! وضحكنا كثيرا، القلوب لدى بعضها، تضحك وتضحك ... تحلق بي الحروف وتقدح الجمل نيران وتضحك كل مياه المحيط الفاصل والغواصات الحربية وأجهزة الرصد، ولكن كيف سمحت تلك الغواصات وأجهزة الرصد لإشارات أهل المريخ أن تتوالف ...!! يا إلهي تأتي أغنية من هناك من المحيط تحمل ألي عبق الشرق وبحرة " بعدك ع بالي، يا قمر الحلوين...

    بعدك سهران؟؟؟

    نعم.

    روح نام وارتاح قليلا.

    لا اتركينا...اتركينا قليلا لو كان لديك الوقت.

    نعم...عشر دقائق فقط.

    شكرا ....

    مضت الدقائق، أغنية عابرة وأخرى قادمه..... تتعالى الأمواج في المحيط الذي تجوبه الأن سفن النفط والطائرات والغواصات ومراكب صيد السمك، ونحن صامتين خلف الشاشات نستمع لأغنية فيروز حبيتك في الصيف حبيتك في الشتي لديها الجو مشمس ودرجات الحرارة عالية، ولدي ساعات وتشرق الشمس التي سيلبسها الطقس نقابا من الغيوم السوداء، برد ومطر، وأنا تحت لحافي أرقص ساعة وأبكي، لا اعرف كأني الطقس هنا تماما.

    **

    *الحرب العراقية الإيرانية 1980

    2

    المداهمة

    عدنا أنا وصديقي جيد بعد الثامنة من حفل ذكرى التأسيس، كان اتفاقنا أن نشرب في هذه الليلة، تسوقنا بعض الأشياء التي تلزمنا للسهرة وتوجهنا للمنزل.

    وجوه كثير في الحفل وأطفال يتراكضون والقاعة باردة. صوت عريف الحفل يأتي مخنوقا، قصائد شعر وشهداء، أغاني وتحيات، وأصدقاء لم أراهم من سنين وذكريات تتجدد. استأذنت محسن أن يصورنا، ضحك مرددا حاضر يا صديقي، اعرف لماذا ضحك، كنت أود أن أرسل لها صورة من الحفل، أنا الذي كنت ضد التصوير في السنوات الماضية! كيف طلبت منه التصوير؟، لهذا ضحك، ولكن كيف عرف ذلك!! اخذ صورتين وتوقف، سأصوركم صورة أخرى قال لنا، وماذا يعني، خذ كما تود... قلت له وضحكت، ذاكرة الهاتف تتسع وقلبك يتسع واليوم نتذكر السنين التي مرت فرحين ببقاء أرواحنا حيه بأفكارها. ضحك فاخذ أربع أو خمسة صور أخرى.

    شربنا على أنغام الأغاني، هناك شيء يزعجني، ألم وشرود، أتلفت صوب التلفون مرة وأخرى لشاشة الكومبيوتر، لم يأتي شيئا، يا للعنه، حتى رسالة تخبرني بوصول الكتاب لها من عدمه لم تصل، ماذا افعل؟؟؟

    لا أريد أن أتسبب لها بإزعاج، نعم لن اتصل، سأتحمل، بالتأكيد ستكتب، ستهدأ وترد، ومرت الكاسات بين الحديث أنا وجيد والضحك على بعض الأشياء، ولكن الحزن يلفني.

    سحبتني اللحظات لذلك اليوم الذي قفزت به جدار بعلو المتر وعشرين سنتيمتر تقريبا، قفزته مرة واحدة من بيتنا إلى بيت خالتي، ثم قفزته مرة أخرى لبيتنا فالتقت عيناي بعيني أبي الذي اسند ظهره إلى جدار المنزل مسندا راسه بكفيه، احتارت الدموع بعينيه، أراد أن يخفيها عنا، خائفا علينا، لقد أتت المخابرات، أتت عسس الليل بسيارات البيجو، جربها من قبل، حين داهمتنا الشرطة ليلا لا لشيء سوى لظنها بوجود صور الزعيم عبد الكريم قاسم لديه. مسك أحد الشرطة بيده، فوقف أبي إلى جانبه مسترخيا تماما، وما أن اطمئن الشرطي حتى شد أبي يده وانطلق راكضا صوب الحقول، ركض الشرطي خلفه، ألا أن أمي عاجلتهم فصرخت بصوتها تطلب من عشيرتها النجدة، فتوقفت دورية الشرطة من المتابعة وعادت إلى مركبها، تحسبا لنتائج قد تكون غير ملائمة لهم لو تدخلت العشائر التي كانت قوية آنذاك. لن اركب هذه السيارة أو اشتريها، أنها لهم، لعسس الظلام أردد تلك الكلمات بسري لا اعرف ما مناسبتها". ألا أنها أعادتني لدورية الأمن التي كان دليلهم أحد رفاق الأمس، والذي تعاون معهم، لحسن الحظ أو بصيرته، لم يدلهم مباشرة على دارنا، بل دلهم على بيت خالي، الذي يقع قبل دارنا بدارين.

    نهض أبو نظمي ليرى من يطرق الباب في تلك الساعة المتأخرة من الليل، وحين فتح الباب كان هناك ثلاثة رجال يتسمرون أمامه وسيارة بيجو تقف خلفهم، لا يعرفهم ولن يراهم من قبل ...

    أين نظمي؟ سألوه.

    ماذا تريدون أجابهم ونصفه داخل المنزل والأخر خارج من الباب

    اخرس أتاه الجواب سريعا أين نظمي؟؟

    صمت أبو نظمي وأشار بيده إلى غرفة نظمي الزوجية.

    حين قلت له باتصال هاتفي مرة

    وصلت بلاد الثلج يا خالي.

    ضحك وقال خالو الدنيا يوما لك ويوما عليك.

    لم يتوقف شريط الذكريات في تلك الليلة بل عاد بي لذلك اليوم الذي التقيت به صديقي رغد الخارج توا من الاعتقال. رغد، ابن الجنوب الذي أتى لبغداد للدراسة الجامعية، بقامته النحيلة وابتسامته التي تعلو محياه ولا تفارقه أبدا حتى حين يتحدث بجدية تبقى تعانق وجهه الذي يشابه أرض الجنوب.. التي أن لم تجد بها زرعا ستجد بها قصبا أو بردي أو ما شئت من النباتات، قطعة من الهدوء والتأمل، صمد رغد، صمد بوجه التعذيب، صمد لأيام وشهور، وذات يوم جردوه من كل ملابسة، وربطوه، فارقوا فخذيه وربطوها.

    كنت اصرخ من الألم، لم تمضي لحظات حتى أتى شخص طويل حالك الوجه عاريا كان ينوي اغتصابي.

    وضع يده على فمه وهو يقولها، لا اعرف هل انه لا يريد للكلمة أن تسقط، أو أنه يكتمها كي لا يسمعها أحدا، كأنه يقطع إيقاعها، هي ذات الحركة التي تقوم بها الأمهات هناك في أرياف الجنوب كأنهن يردن قطع الكلمة تسترا.

    صرختُ.. تريث، ماذا تريد؟

    قال، توقع على أنك لا تعمل باي حزب، وان ثبت بانك تعمل بحزب ما ستكون العقوبة الإعدام......!!

    هززت براسي موافقا، ووقعت، فهل تريدهم يغتصبوني يا رفيق؟

    ليس رباً، كي أقرر أنها حالة تقررها اللحظة أجبته! بماذا أجيبه؟ لكن القرار التنظيمي هو قطع العلاقة مع كل من يوقع أو يعترف كما تعرف!!

    لك رسالة من الرفيق أبو مروان قال رغد

    أبو مروان، أه يا صديقي، هل رأيته في المعتقل وماهي أخباره؟ حتى عائلته عاقبته اقتصاديا على نشاطه السياسي على الرغم من انهم يملكون معامل طابوق وهو طالب جامعي وليس حدثا.

    ماذا حملك برسالته؟

    يخبرك أن تحتاط جيدا، أضاف رغد.

    كنا نمشي بين الأشجار الفارعة في حديقة قرب نهر دجلة.

    يقول لك كل شيء مكشوف لديهم، يؤكد عليك بعدم الذهاب إلى منزلكم العائلي أولا، ويقول إن كل شجرة تنظيمنا الحزبي لدى المخابرات وبالأسماء الصريحة والحزبية وبأسماء الهيئات وغيرها الكثير، لهذا عليك الحذر، ويؤكد عليك أن تنتبه يا رفيق!! هذه هي رسالته التي حملني إياها لك، وهذا ما دعاني للقائك.

    في تلك اللحظة افترقت أنا ورغد ولم أراه أبدا، لكن صورة ابتسامته لازالت تسكن ذاكرتي.

    قبيل اعتقاله بشهور سلمني رغد كراسا تمكن أخيه الموظف في دار الجمهورية للطباعة والنشر أن يخرجه من الدار رغم المراقبة الشديدة على طباعته. كان الكراس يحتوي على نص كامل لحديث صدام حسين في اجتماعه مع مسؤولي العمل الأيديولوجي في حزب البعث. الاجتماع الذي

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1