Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

عندما سقطت ورقة التوت
عندما سقطت ورقة التوت
عندما سقطت ورقة التوت
Ebook417 pages3 hours

عندما سقطت ورقة التوت

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

لقد سقطت ورقة التوت أخيرًا؛ عندما قلت كل الذي كنتُ أظنه لا يُقال. لا أدري ما الذي سيحدث بعد هذا؟! لكن لا أظن أن المياه يمكن أن تعود إلى مجاريها مطلقًا!
Languageالعربية
Release dateAug 31, 2020
ISBN9789948345459
عندما سقطت ورقة التوت
Author

مريم علي باحمدين

معلمة لغة عربية، قارئة بنهم، أكتب لأتنفس، لأفرغ غضبي، لأوصل فكري، لأزرع قناعاتي داخل كل مَن يقرأ لي. بدأتْ بكتابة الخواطر الهادفة منذ نعومة أظفاري، وأشاركها مع متابعيَّ على وسائل التواصل الاجتماعي. حُلم كتابة الرواية حُلم قديم، تأخرتُ في تحقيقه، فاستفدتُّ مِن هذا  التأخير أن أكون أكثر نضجًا وحكمة، وأنْ أصل لمبتغاي مِن الزاوية الأكثر وضوحًا.

Related to عندما سقطت ورقة التوت

Related ebooks

Related categories

Reviews for عندما سقطت ورقة التوت

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    عندما سقطت ورقة التوت - مريم علي باحمدين

    عندما سقطت ورقة التوت

    مريم علي باحمدين

    Austin Macauley Publishers

    عندما سقطت ورقة التوت

    عندما سقطت ورقة التوت

    مريم علي باحمدين

    الإهــــــــــــــداء

    حقوق النشر ©

    شكر وتقدير

    خيبة أمل

    اللـــــقـاء

    عودة الذكريات

    صراع مع الذات

    الحُلـــم

    بعضٌ مِن الماضي

    هــدنــة

    الاعتراف دواء مُرٌّ

    اتفاقية عمل

    فنجان قهوة وأنتِ وأغنية

    حفل الزفاف

    حقيقة مُرَّة

    اعترافات مطوَّلة

    وتستمر الحياة

    صحوة

    عشاء عائلي

    الكاظمون الغيظ

    تصفية حسابات

    بمرور الزمن

    مريم علي باحمدين


    عِنْدَمَا سَقَطَتْ وَرَقَةُ التُّوت

    مريم علي باحمدين

    معلمة لغة عربية، قارئة بنهم، تكتب لتتنفس، لتفرغ غضبها، لتوصل فكرها، لتزرع قناعاتها داخل كل مَن يقرأ لها.

    بدأتْ بكتابة الخواطر الهادفة منذ نعومة أظفارها، وتشاركها مع متابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي.

    حُلم كتابة الرواية حلم قديم لها تأخرتْ في تحقيقه، فاستفادتْ مِن هذا التأخير أن تكون أكثر نضجًا وحكمة، وأن تصل لمبتغاها مِن الزاوية الأكثر وضوحًا.

    الإهــــــــــــــداء

    إلى الذين يريدون أن يتعلموا حلــولًا أسـهل مِن الفراق وتشتُّت العَلاقات، وأن يمسحوا غبار الكبرياء المضلل عن عواتقهم، وألَّا يضيِّعوا وقتًا أكثر ممَّا ضاع، فالعمر قصير.

    إلى الذين أنضجتْهم تجاربهم، والذين يودُّون أن ينضجوا بتجارب غيرهم.. أهدي عملي هذا.

    مريم علي باحمدين

    حقوق النشر ©

    مريم علي باحمدين(2020)

    تمتلك مريم علي باحمدين الحق كمؤلفة لهذا العمل، وفقًا للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب9789948345503(غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب9789948345459 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب: MC-10-01-8281805

    التصنيف العمري: 13+

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقا لنظام التصنيف العمري الصادر عن المجلس الوطني للإعلام.

    الطبعة الأولى(2020)

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد[519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    +971 655 95 202

    شكر وتقدير

    سأجمع باقات مِن كل عبارات الشكر، وأقدِّم أجملها إلى زوجي الغالي الذي آمن بموهبتي، ولم يتوانَ عن مساندتي أبدًا، ثم لشقيقي الذي دعمني بكلماته الرائعة، ورأيه الذي أضعه تاجًا على رأسي، ثم للرائعة التي رفعتْني شهادتها لي يومًا فوق غيمة فرح، كم يسعدني أن نحمل أنا وهي ذات الاسم، على أنِّي أتمنَّى أنْ أشبهها في صفاتها أيضًا.

    فهرس

    مريم علي باحمدينالإ

    هــــــــــــــداء

    حقوق النشر ©

    شكر وتقدير

    خيبة أمل

    اللـــــقـاء

    عودة الذكريات

    صراع مع الذات

    الحُلـــم

    بعضٌ مِن الماضي

    هــدنــة

    الاعتراف دواء مُرٌّ

    اتفاقية عمل

    فنجان قهوة وأنتِ وأغنية

    حفل الزفاف

    حقيقة مُرَّة

    اعترافات مطوَّلة

    وتستمر الحياة

    صحوة

    عشاء عائلي

    الكاظمون الغيظ

    تصفية حسابات

    بمرور الزمن

    خيبة أمل

    كانت دموعها تحفر طريقها على خديها بغزارة وحرقة، وهي ترتّب ملابسها وحاجياتها داخل حقائب سفر كبيرة.. تلك الحقائب ذاتها التي أتت إلى هذه الشقة وسط زفَّة وزغاريد أهلها وصديقاتها، قبل خمسة أو ستة أشهر مِن الآن تقريبًا.. تذكَّرتْ ذلك وهي ترتِّب مجوهراتها بحرص داخل العُلب المخملية الفخمة، لم يمهلها القدَر ما يكفي من الوقت للاستمتاع بارتداء أو استخدام كل تلك المقتنيات.. استعاد عقلها المجهد مِن قلة النوم وكثرة التفكير أحداث الليلة الفائتة، كم كانت ليلة حالمة وغير تقليدية! وفي إحدى لحظاتها الحالمة تلك تحولتْ ليلتها لشيء بشع كسر قلبها.

    كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحًا عندما أغلقتْ حقيبتين كبيرتين ملأتْهما بأغراضها، وقررتْ عندها التوقُّف لأخذ استراحة وصنْع كوب مِن القهوة، فهي تشعر وكأنَّ طاقتها قد استُهلِكَتْ لآخر قطرة، فالليلة الماضية جافاها النوم لساعة متأخرة، وقد نهضتْ مباشرة لترتيب حقائبها.

    إنها إحدى الصباحات النادرة التي لا تبدؤها بكوب ساخن مِن معشوقتها السوداء ذات الرائحة النفَّاذة، وهي الآن في قمة احتياجها لذلك.. رنَّ هاتفها وهي ترفع القهوة عن النار، صبَّتْ قهوتها داخل كوبها المفضل وهي تردُّ بِالْيد الأخرى قائلة:

    - صباح الخير يا إيمان.

    ردَّتْ إيمان:

    - صباح الخير.. ما هذه الحشرجة؟ ما به صوتك يا صديقتي؟

    ردَّتْ سلاف التي صعقتْ مِن صوتها هي الأخرى:

    - لا شيء، كنتُ أشعر بقليل مِن أعراض الإنفلونزا البارحة، يبدو أنها ازدادت دون أن أشعر.

    إيمان بقليل مِن التردد:

    - سلامتك يا صديقتي، آسفة لذلك، ولكن يجب أن أسألك عن موعدنا.

    تنهدتْ سلاف وهي تجيبها:

    - أي موعد؟ ذكِّريني سريعًا، فأنا أريد أن أرتشف قهوتي في هدوء.

    امتلأ صوت إيمان بالامتعاض وهي تقول:

    - هذه الأخلاق التجارية تعني أن حدْسي في مكانه، وأنها ليست مجرد إنفلونزا.

    عقدتْ سلاف حاجبيها وهي تردُّ بنفاد صبر:

    - لا بأس.. اعتبري أنكِ على حق، لكن ليس الآن يا إيمي.

    بدا صوت إيمان مرتبكًا، وانخفضتْ نبرته وهي تقول:

    - حسنًا.. إذن سنتحدث عندما أصل إليك عصر اليوم، لن تغيرِّي رأيك، أليس كذلك؟ عُرس سلمان اليوم.. لا تصدميني.

    نقرتْ سلاف على جبهتها بتوتُّر؛ لقد نسيتْ تمامًا أن عُرس شقيق إيمان الأكبر سلمان سيكون الليلة، كادت تبكي فهي غير مستعدة لمقابلة أحد وهي في تلك الحال، ولكنها تعْلم كم تعتمد عليها صديقتها المقربة في إطلالتها لعُرس أخيها، أي لا مجال للتملُّص أبدًا، لا تستطيع فعل هذا بإيمي توءَمها كما اعتادتْ إخبارها بذلك، فزفرتْ قائلة:

    - لم أنسَ بالطبع، أنا فقط متعبة قليلًا، أنتظرك في نفس موعدنا، إيمي عليّ إغلاق الهاتف الآن، سوف أكون بانتظارك.

    إيمان وقد خفضتْ صوتها، وكأنها تخشى أن تسمعها سلاف:

    - إنَّ سارة قادمة معي.

    بكتْ سلاف بالفعل ولكن دون صوت، وقالت وهي تحاول كتْم انفعالاتها:

    - لا بأس.. أنتظركما.

    أغلقتِ الخطّ قبل أنْ تردَّ إيمان، ومسحتْ دموعها وهي تحمل كوب قهوتها وتتنهَّد متجهة صوب حجرتها.

    تلفَتْ أعصاب يعقوب لكثرة التفكير بها وبردَّة فعلها تجاه ما حدث، واستبدَّ به القلق، فلم يعد يعي ما الذي يقوله أو يفعله، وقرَّر أن يترك عمله ويخرج مبكرًا، فلم يكن هناك شيء مُلِحٌّ يستوجب بقاءَه على أي حال، وقد أوصى العامل الهندي الذي كان يعتني بنظافة المكتب وصُنْع الشاي والقهوة بأن يخبر أي زبون يطلبه أثناء غيابه بإمكانية التواصل معه عن طريق الرقم المكتوب على بطاقة المكتب، وأشار له إلى مكان وجود البطاقات ليؤكد على حديثه، وذهب مسرعًا إلى سيارته ما إن أومأ له العامل برأسه معلنًا أنه فهم.

    دخل إلى المنزل متسلِّلًا وكأنه لصّ، وعقله لا يكفّ عن الثرثرة: ترى ما الذي مرَّتْ به في ليلتها المشؤومة تلك؟ ألا زالت في المنزل؟ هل هدأتْ؟ أم لا تزال غاضبة؟

    لم يشعر بحركة في البيت، فجزع حين ظنَّ أنها رحلتْ، لكنه عندما اقترب مِن حجرة النوم تنفَّس الصعداء عندما سمع صوت التكييف، ففتحَ الباب بحذر، ودخل ببطء، فتناهى إلى مسامعه صوت غطيطها المتقطِّع، فَابْتسم ونظر إليها، تنام بفوضويتها المعتادة، فمها مفتوح قليلًا، وشعرها الطويل حالك السواد مبعثر فوق وسادتها، وقدماها متقرفصتان فوق الغطاء.

    سحَب اللحاف بلطف، وغطَّى قدميها الباردتين، ففتحتْ عينيها، جزع يعقوب وتمنَّى أنه لم يقترب منها، فقد نسي كم أن نومها خفيف في غمرة راحته مِن رؤيتها وهي لا تزال تنير منزلهما.

    وفي لحظة توهان نطقتْ بِاسْمه:

    - يعقوب، متى عدت؟

    ثم انتفضتْ وكأن حيَّة قد لدغتها، ونهضتِ جالسة.

    صمتَ يعقوب تمامًا، لقد تمنَّت كعادتها أن يبادرها الحديث، أن يخبرها بشيء ينسيها ألمها، مع علمها المسبق بأن هذا مستحيل، إلا إنه ظلَّ كما هو يعاني (صعوبات في النطق) كما كان يحلو لها أن تصفه.

    تنهَّدتْ ونطقتْ هي بما ظلَّتْ تفكر فيه، وتصلي الاستخارة له أكثر مِن مرة:

    - مِن الأفضل لنا أن ننفصل بهدوء، طلقني يا يعقوب.

    كان في داخلها شيء يغلي مِن الألم، وخارجها يصارع كي تبقى صامدة، لا بأس أن يَظهر حزنها، ولكنها أبتْ أن تريه دموعها، ثم أكملتْ كلامها: تعلم أنه لا جدوى مِن الكلام يا بن خالتي، فقد اعتنيتَ بنا بعد وفاة أبي، مشكورًا على ذلك بالطبع؛ لذا لا داعي لتشويه بقايا الاحترام بيننا، فمِن العيب أن أخبرك ما أنت بنظري الآن.

    نظرتْ بطرف عينها لرأسه المطأطئ، أحيانًا ترثى لحاله عندما يبحث عن الكلمات لكنه لا يجدها!

    قال أخيرًا بصوت بالكاد ميزتْ كلماته بقدر ما كان مكتومًا، ربما مِن الغضب، أو ربما مِن الخجل، لا تعْلم:

    - لقد آلمتكِ يا سلاف الحبيبة، وأُقسم أن الظروف كانت أقوى مني، ولو كان بيدي لاقتصصتُ لكِ مني؛ لأني وعدتُّكِ أن أقتصَّ لكِ مِن أي أحد يؤذيك، فكنتُ أنا مَن آذيتُك.

    نظر لها لعله يجد أي بادرة، فلم يجد منها سوى هزِّ رأسها بعلامة الرفض، والألم لا زال مرتسمًا على ملامحها التي أحبَّها أكثر ممَّا كان يظنّ.

    أعادت ما قالتْه بثبات:

    - طلقْني بدون أن نُضطَّر لنقاش أمر أرى في عينيكَ الجزع مِن أن يُطلب منك تفسيره، وأعدك حينها ألا أطلب منك شيئًا.

    أخذ نَفَسًا عميقًا وصمتَ قليلًا، ثم أخذ يحوقل وحركات جسده مليئة بالتوتر، وظلتْ هي تراقبه بصمت قبل أن يقول بنفس الصوت المكتوم المغلوب على أمره:

    - لكِ ما تريدين، ولكن ليس الآن.

    شعرتْ بدهشة مِن ردِّه، ولكنها لم تتسرع بالردِّ عليه، وتركتْه يكمل: اسمعيني يا سلاف، لقد آذيتك رغمًا عني، قد لا تودِّين أن تسمعيني الآن، وربما تكرهينني في هذه اللحظات، لكني أتطلَّع في يوم ما أنْ تُصلَح الأمور بيننا، وأستطيع أن أجعلك حينها تستمعين إليَّ، إلى ذلك الحين اذهبي إلى حيث تريدين، لكِ كامل الحرية، لكني لن أنطق بتلك الكلمة التي قلتِها، اجعليني في حياتكِ اسمًا يحميكِ مِن المجتمع، اسمحي لي أن أقدِّم لكِ ذلك لفترة، وبعد أن تهدأ الأمور سأفعل لك ما تصمِّمين على أنه الذي يجب أن يكون.

    رغم انفعالاتها وغضبها وحزنها وجراحاتها التي تدمي قلبها، ورغبتها الجامحة في إيلامه، ورفْض أي اقتراح غبيّ يصدر منه، إلا أن سلاف اعترفتْ بينها وبين نفسها أن يعقوب مُحق، فلا طاقة لها حاليًا لمجابهة قناعات المجتمع بلقب مُطَلَّقة، لم تفكر عندما طلبتِ الطلاق بذلك، ولا يهمها ما ستواجهه مقابل حريتها ولملمة البقية الباقية مِن أشلاء كرامتها، لكنَّ عرض يعقوب ليس سيئًا في الوقت الحالي، فعليها أن تستجمع قُوَّتها، وأن تقف على قدميها، عليها أن تنساه، وتنسى ألم فراقه، أو على الأقل تعتاده، ثم لتواجه أهل الأرض جميعًا بعد ذلك، لا يهمها! فأكبر همها الآن هو كيف تتخطى ألمها، والأصعب أنَّ عليها ألا تبوح به لأقرب الناس إليها.

    وقع نظره على الحقائب المعدَّة، ولمحتْ سلاف حاجبيه ينعقدان، فابتسمتْ باستهجان، وقالت له وهي تنهض متجهة إلى الحمام:

    - بعد قليل، ستأتي صديقتي، بيننا موعد مهمّ، أتمنَّى أن تخرج الآن مِن المنزل، سأتصل إذا انتهيتُ وجهزتُ نفسي لتقلَّني إلى بيت أهلي.

    ظلَّ مطأطئ الرأس صامتًا عندما خرج.. زفرتْ بحرارة شديدة، ما بال الهواء يقل مفعوله حين يغيب؟!

    أخذتْ حمَّامها، وارتدتْ بنطال جينز، وقميصًا قطنيًّا أبيض قصير الأكمام، ووضعتْ قليلًا مِن مرطِّب الشفاه الوردي، وبعض اللون على خدَّيها الشاحبين، ثم ذهبتْ إلى مكتبها الصغير الذي أخذ حيزًا صغيرًا مِن إحدى زوايا حجرتهما، فتحتْ درجه، وأخرجتْ دفترًا صغيرًا اعتادتْ أن تكتب خواطرها ومذكراتها فيه.

    أمسكتْ قلمًا وكتبتْ:

    مؤلمٌ جدًّا أن يكون سبب جرحك العميق والذي مِن الصعب تطبيبه هو أقرب البشر إلى قلبك، ومؤلمٌ أكثر أنه عليك أن تكرهه لتعيش، ولكنك تعْلم يقينًا أنك لن تستطيع ذلك.

    أغلقتْ دفترها، وظلَّتْ ساهمة تفكر، التغييرات القادمة تحتاج إلى قوة، وهي خائفة تشعر بضعف، وذلك على عكس ما تحاول أن تُظهِر.

    رنَّ هاتفها النَّقال.. إنها إيمان، أخبرتْها أنها على الطريق وسارة معها، فنهضتْ لصنْع القهوة، ووضْع البخور في المبخرة الكهربائية، وما إن انتهت حتى رنَّ جرس الباب، وفي تلك اللحظة رَفَعَتْ القهوة عن النار، وصبَّتْها في الفناجين التي جهَّزتْها مسبقًا، وذهبتْ تركض لتفتح الباب.

    صرختْ إيمان وسارة وهما تحتضنان سلاف بعبارات الشوق، فهما لم يعودا يريانها كثيرًا بعد زواجها كما في السابق.

    ابتسمت لهما قائلة:

    - اشتقتُ إليكما.

    ربتتْ إيمان على شَعر صديقتها وهي لا تزال تحتضنها:

    - ما بك يا حلوتي؟

    وجدتْ سلاف نفسها وقد انفجرتْ بكاءً وهي تحتضن صديقتيها المقربتين بشدة، فعقدتْ سارة حاجبيها قائلة:

    - لقد أخبرتْني إيمي أنكِ لستِ على ما يُرام، أريد أن أستمع لأدق التفاصيل يا صغيرتي.. ولكن.. ثم حرّكتْ أرنبة أنفها يمنة ويسرة وهي تدندن: قبل كل شيء أشتمُّ رائحة جميلة وعذبة.

    ردَّتْ سلاف مبتسمة:

    - أسرِعَا إليها إذن.

    ابتدأتْ سلاف بعدما انتهينَ مِن قهوتهن في وضْع مساحيق التجميل على إيمان أولًا، ثم تلتْها سارة.

    وأثناء ذلك حكتْ سلاف، حكتْ لصديقتيها، أخرجتْ كل ما خبأتْه طوال الأشهر الخمسة الفائتة، والتي كانت هي كل المدة التي بقيتْ فيها متزوجة مِن ابن خالتها، أمَّا الآن فقد أخبرتهن أنها ستبقى زوجة على الورق فقط.

    شعرتْ ببعض الراحة على عكس ما ظنَّت، جميل أن تشارك جزءًا مِن أحزانك مع أحدهم، خاصة أنها تعلم جيدًا أن همَّها لا يمكن أن يُحكى لأحد مِن العائلة، وقد خفَّف وجودهما ودعمهما ونقاشهما بِرَوِيَّة معها بعض العبء عن كاهلها.

    شكرتْها سارة، وقبَّلتها إيمان بحب عندما ارتدتْ عباءتها قائلة:

    - آسفة كثيرًا؛ لأني أتعبتُكِ في يوم كهذا، وشكرًا لكِ على هذه الإطلالة الساحرة، لا أحد يجعلني بهذا الجمال سِواكِ، ويؤسفني أنك لن تكوني معنا في حفل الزفاف.

    سلاف:

    - أنت باهرة الحُسْن بدون أي زينة، كلنا نعلم هذا يا إيمي، تعلمين أيضًا أني كنتُ أترقَّب هذا الزفاف بشَوق، ولكنني لا أستطيع أبدًا، سامحيني.

    أومأتْ إيمان برأسها، ومنحتْ صديقتها ابتسامة تفهُّم، وقبَّلتْها ولحقتْ بسارة التي سبقتْها إلى السيارة.

    بعدما ودعتْ سلاف صديقتيها، تأهبتْ هي لرحلة وداع أيضًا، ولكن مِن نوع آخر، نوع يجعلك تختنق بعَبراتك كلما انفردتَّ بذاتك.

    *****

    ثرثرتْ ورد ذات الأحد عشر ربيعًا، وانتقلتْ بين الموضوعات وكأنها فَراشة تتنقَّل بين الأزهار، كلمات فهمتْها سلاف، وكلمات لم تفهمها، سمعتْ شيئًا، ولم تسمع أشياء، كانت ترتشف مشروبًا ساخنًا، وتنظر للخواء بلا هدف، توقفتْ ورد فجأة، وعبستْ صانعةً رقم أحد عشر بين حاجبيها، وسألتْ أختها الكبرى:

    - سلاف، ماذا قلتُ قبل قليل؟

    ألصقتْ ورد سبابتها في منتصف جبهة سلاف، ودائمًا ما كانت تسلي سلاف بشقاوتها وخفة دمها، إلا إن سلاف لم تعد تضحك بسهولة مؤخرًا، وقالت باختصار:

    - اتركيني وشأني الآن، فأنا جائعة.

    مطَّت ورد شفتيها غير راضية، وأخذتْ تتمتم: دائمًا غاضبة، دائمًا تسرحين ولا تسمعينني.

    سمعتْ سلاف باب حجرة ورد يُغلَق بعنف، فتجاهلتِ الأمر تمامًا، وأخذتْ تبحث بنهم عمَّا ستأكل.

    صنعتْ شطيرة بيض بالجبن، كانت تودَّ أن تصنع كأسًا مِن الشاي معها، لكنها اكتفتْ بالحليب؛ لأن والدتها لا تكفّ عن تحذيرها مِن الكافيين، وضرورة اهتمامها بصحتها، فقد اقتربتْ ساعة الوضع.

    حملتْ صينيِّتها إلى الشرفة، فجوُّ الشتاء في جدة منعش، والهواء عليل، وأخذتْ تأكل بتلذذ شطيرتها، وتشرب الحليب وهي تتصفَّح هاتفها الذكي، كان الجو منعشًا ممَّا جعل قريحة الكتابة عندها تنشط.

    اعتادتْ أن تغرد بعض خواطرها على (تويتر)، ولديها متابعون كثر يحبون قراءة سطورها القليلة الكثيرة كما يحلو لصديقتها سارة أن تسمِّيها.

    أخذتْ نفسًا عميقًا مِن الهواء المنعش، وكتبتْ:

    "تستمرُ الحياة بقوة في الوقت الذي نظن فيه أنها توقفتْ، في لحظة اليأس وشدة الألم تنبت حياة مِن اللا حياة، فقلوبنا جُبِلَتْ على حب الحياة والرغبة في نسيان الألم، المشكلة هي أنني دائمًا ما أقف حائرة متسائلة: أين أنت أيها النسيان؟!".

    أغلقتْ هاتفها بعدما غرَّدتْ خاطرتها، وتنهَّدتْ واضعةً كفها على بطنها المنتفخ، وغرقتْ في أفكارها كحالها مؤخرًا، تذكَّرتْ كيف حاولتْ أمها بكل قوتها أن تعيدها إلى زوجها عندما اكتشفتْ حملها، تذكَّرت كيف صارعتْ ولا زالت تصارع للدفاع عن حقها، تصارع أمها وخالتها التي هي أم زوجها، وأخته هند – ولو أنها أكثرهم احترامًا لرغبتها – لقد تعبتْ كثيرا مِن الصراع معهم، ومِن الصراع مع نفسها ومع مشاعرها طوال الوقت.

    سمعتْ صوت أمها وأختها الكبرى يتناهى إلى مسامعها، كانت والدتها تسأل الخادمة عنها، فقالت مِن مجلسها ذاك بصوت مرتفع:

    - إنني هنا في الشرفة يا أُمَّاه.

    دخلتْ أمها وهي تحمل بعض الأكياس وتَنْهَج، ثم جلستْ على أقرب كرسي لها، وفي إثرها دخلتْ أختها الكبرى (دعاء)، وهي تقول منفعلة:

    - سلاف، انظري، أخيرًا وجدتُّ الثوب الذي حلمت به تمامًا لزواج هند، أغمضي عينيك.

    بدأتْ دعاء تُخرج ثوبها حين دخلتْ ورد الصغيرة عليهن، وأسرعتْ تحتضن والدتها وتقول:

    - لماذا تأخرتنَّ؟

    ابتسمتِ الأم قائلة:

    - كيف حال أجمل البنات؟

    نظرتْ ورد إلى سلاف شزرًا وهي تردّ على والدتها:

    - لستُ بخير أبدًا يا أمي!

    عبستِ الأم بوجهها وهي تقول:

    - ولِمَ؟

    أخرجتْ ورد لسانها لسلاف بعبوس قائلة:

    - لا تتركيني وحدي مرة أخرى مع ابنتك العبوس الغاضبة دائمًا هذه.

    صمتتْ سلاف، ونظرتْ تجاه دعاء التي ارتفع صوتها بحماس وهي تعرض ثوبها برفعه عاليًا بين يديها:

    - ما رأيك في هذه التحفة؟

    سلاف:

    - جميل جدًّا.

    دعاء:

    - فقط؟!

    سلاف:

    - يبدو أنني لا أجيد التعبير جيدًا هذه الأيام، أنا أقصد أنه حقًّا رائع، ثم إن القالب غالب، ستزيدينه جمالًا إذا ارتديتِه يا دعاء!

    قفزتْ دعاء في الهواء فرحًا كالأطفال.

    وضعتِ الأم يدها تربت على فخذ سلاف بحنان:

    - كيف حالك يا صغيرتي؟ وكيف هي حفيدتي؟ قالت ذلك وهي تلامس بطن ابنتها برفق.

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1