Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

زمان يضرب زمان: مفردات الحكاية في الإمارات
زمان يضرب زمان: مفردات الحكاية في الإمارات
زمان يضرب زمان: مفردات الحكاية في الإمارات
Ebook345 pages2 hours

زمان يضرب زمان: مفردات الحكاية في الإمارات

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كان جهد الراحل أحمد راشد ثاني متنوعا في البحث عن الموروث القولي الشفاهي؛ وجمعه وتحقيقه وتوثيقه؛ بجانب أعماله الإبداعية الأخرى في الشعر والمسرح والرواية والدراسات؛ وكنا نتمنى أن يمتد به العمر ليزيد هذه المساحة ثراء أكثر مما تركه. وتكريما لمنجز هذا الكاتب الراحل يأتي حرص دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي على إعادة إصدار ما تركه الراحل. ولعل هذه المبادرة تكون مساهمة وطنية مستحقة. وقد بدأناها بهذه المجموعة من السرد الشفاهي في الإمارات، وسنتبعها بأعمال إبداعية أخرى.
المجمع الثقافي - مشروع إصدارات
زمان يضرب زمان: مفردات الحكاية في الإمارات

Read more from أحمد راشد ثاني

Related to زمان يضرب زمان

Related ebooks

Reviews for زمان يضرب زمان

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    زمان يضرب زمان - أحمد راشد ثاني

    مُنْجَز أحمد راشد ثاني...

    كلمة مستحقّة

    هذا الوطن هو أرض عطاء، ودولة حكيمة، وناس طيّبون بالفطرة، وثقافة أصيلة بالطبيعة، وحياة تسعى دوماً إلى الأخذ بأسباب الحداثة؛ لكنها الحداثة غير منبتّة الصلة بالماضي الذي صنعه وعاشه الأجدادُ، ثم اندرج في رحابه الآباءُ بكل معاناتهم؛ وجُلِّ تشوُّقاتهم وآمالهم لينسجوا حكاياتهم الرحبة التي كانوا بها ينظرون إلى الواقع؛ ويجسّدون علاقاتهم به، وجاء الأبناء ليجعلوا من دولة الإمارات العربية المتحدة «أيقونة» البراعة في كل شيء؛ فيُشار إليها بالبنان؛ دولة معاصرة باقتدار.

    وفي إطار التأكيد على هذا الثابت الثقافي الموضوعي الراسخ، لا بد وأن يقفز إلى المراتب المتقدمة اسم الكاتب الراحل أحمد راشد ثاني؛ الذي غادرنا إلى الحياة الأرحب؛ وهو لمَّا يزل يرصف بجهد معرفي مميز تاريخ الحكايات والأقوال من أهل وطنه؛ منقّباً وراصداً، وراصفاً ما اختزنته الذاكرة الجمعية لإنسان هذا الوطن وما احتفظت به.

    ويأتي جهد الراحل أحمد راشد ثاني الدؤوب ذلك متجلياً في تلك الملاحقة الثقافية للموروث، ليضع بين أيدينا بعضاً من كنوز السرد الشفاهي العميق؛ والذي كان يصوغ الوجدان الجمعي لأهل هذا الوطن في زمانهم القديم؛ من أجل أن يعود إليه الأبناء والأحفاد بثقة؛ ليعرفوا كيف كان الأجداد يعيشون على هذه الأرض، وكيف كانت معاناتهم وتفكيرهم الذي تجسده حكاياتهم ومرويّاتهم.

    جهد الراحل أحمد راشد ثاني كان متنوعاً في البحث عن الموروث القولي الشفاهي؛ وجمعه وتحقيقه وتوثيقه؛ بجانب أعماله الإبداعية الأخرى في الشعر والمسرح والرواية والدراسات؛ لتتربع أعماله المتنوعة في مساحة مميزة من كنوز دار الكتب؛ وكنا نتمنى أن يمتد به العمر ليزيد هذه المساحة ثراءً أكثر مما تركه.

    لذلك... وتكريماً لمُنْجَز هذا الكاتب والشاعر والمسرحي والباحث الراحل يأتي حرص دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي على إعادة إصدار ما تركه الراحل؛ سواء المنشور منه ونفدت طبعاته؛ أو ما لم يكن قد دفعه للنشر من أعماله الجديدة قبل رحيله المباغت وهو في قمة نضوجه الفكري؛ وكذلك ما لم يُكْمله وكان مشغولاً بإنجازه وبقي مخطوطاً.

    ولعل هذه المبادرة تكون مساهمة وطنية مستحقّة؛ لتكريم ابن الإمارات الراحل الذي بذل ما بذل من جهد التوثيق لبعض ما اكتنزته الذاكرة الشعبية لمجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة.

    «دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي»

    (أ)

    آمنة م. ج.

    راوية تبلغ من العُمر خمسين عاماً، كانت تعيش في منطقة «الزبارة» التابعة إدارياً لخورفكان، ثم انتقلت بعد ذلك إلى خورفكان. من الحكايات التي روتها: ولد ليلة (ص127) ورزق واحد (ص303) والصندوقان (263) واليلب (ص27). وهذه الحكايات منشورة في كتاب دردميس ¹.

    الآه هله

    من الحكايات ما يدور حول البدايات الأولى لفن شعبي حركي.

    ومن هذه الحكيات الروايتان² اللّتان دونهما سعيد بن خلفان أبو ميان عن بدايات فن «الآه هله». تقول الرواية الأولى بأنَّ أوّل من ابتدع فن الآه هله هو شخص يُدعى رويمه وهو من أهالي الخان «بالشارقة»، وكما يروى فإنّ هذا الرجل من الرجال ميسوري الحال، وكان يمتلك سفناً (محامل) كثيرة منها سفن الغوص وسفن الأسفار. وكان كثير الأسفار أيضاً ويصطحب معه في أسفاره أعداداً كبيرة من الرجال سواء كان في رحلة غوص أو في رحلة سفر عادية. ويُقال إنه كان (يدندن) بهذا اللون وهو لون «الآه هله» في أوقات استراحته، ومن هنا تم استمداد هذا اللون واستنباطه من هذا الرجل. ويُذْكر أن من قام باستمداده واستنباطه وتطويره والتمسك به أهالي قبيلة الزعاب الذين كانوا يسافرون معه، وكانت لهم به علاقة خاصة ولّدتها تلك الأسفار»، أما الرواية الثانية فتقول بأن «سبب ظهور الآه هله هو مرض الطاعون، لأن هذا المرض حتم عليهم فصل الأصحاء عن المرضى. وكذلك حتَّم عليهم العزلة الجبرية، ويعتقدون أن سبب مرض الطاعون هو عرضة العيالة والطبول المصاحبة للعرضة وغيرها من الفنون التي يكون فيها طبول، ومن هنا جاء منع الطبل عن رأس الخيمة ومنطقة زعاب وهي الجزيرة الحمراء³.

    ابن حجر

    من الحكايات التي كان يتلهف لها سُكان المنطقة حكايات الوعاظ، وفي فترة ما قبل السبعينات من القرن العشرين كان يفد أغلب هؤلاء من الخارج ويمكثون شهراً أو أكثر، ينزلون خلالها ضيوفاً على بيت «أحد التجار أو الأعيان الكرماء». وكانت الناس تحبهم لمزجهم «الموعظة بالملح والحكايات والنوادر». من هؤلاء عُرف في دبي ابن حجر الذي كان كما يصفه أحمد أمين المدني «ذو شخصية محبوبة يعظ في مساجد الشندغة، ولمواعظه تأثير عميق في النفوس»، مما جعلها حديث الناس في المجالس⁴.

    ابن الحطّاب

    حكاية من رواية سعيد م.ع. عن حطاب فقير وابنه. وفي يوم من الأيام قال الابن لأبيه: أنه ينوي الزواج من ابنة الشيخ ويريده أن يذهب لخطبتها. تعجب الأب من هذا الطلب، ومع إلحاح الابن ذهب ولكنه لم يستطع أن يقول ذلك للشيخ إلا في المرّة الثالثة. وباستشارة وزيره، طلب الشيخ من الحطاب «سبع نوق أحمر وسبع نوق أخضر وسبع نوق أبيض». الأب فهم لغز الشيخ على أنه يريد «سبع نوق محملة باللؤلؤ وسبع أخرى بالذهب، وسبع بالفضة». الابن كان قد عثر على كنز. ولهذا قال لأبيه: بأن كل ما يطلبونه عنده. عندما وافق الحطاب على طلب الشيخ تعجَّب الشيخ ووزيره. فهم لا يملكون مثل هذا المال.

    الوزير أخبر بناته. بناته أخبرن ابنة الشيخ بخطبة ابن الحطاب لها فقالت:

            - خَسِيْ يخْطبي وَلدْ الحطّابْ، أنا ما أتْنَزَّلْ أتْفِلْ عليَهْ.

    الشيخ كان لديه ثلاثة أبناء مهرة في القنص، فقالوا لأبيهم أنهم يريدون أن يذهب ابن الحطاب معهم. تفوق عليهم في القنص فأعجبوا به. بعد الزواج لم يقترب ابن الحطاب من زوجته لأنها قالت تلك الكلمة، أما هي فأعجبت بجماله. في الأسبوع الثاني عقب العرس أخذها لزيارة جدّته. في الطريق استراحوا في سيح أقشر أغبر. وإلى جوارهم كان هنالك بدو يفزون مشعلين ناراً. ابن الحطاب طلب من زوجته احضار نار من عندهم. لما رأوا المجوهرات التي تلبسها طمعوا بها رغم تحذير رجل عجوز، وازداد طمعهم بعد أن رأوا أن رجلاً واحداً يرافقها. ذبحهم جميعاً (وكانوا أربعمائة) ألا الرجل العجوز، كما قطع أصابعهم الإبهام ووضعها في قربة. كما حذّر زوجته من إخبار أحد بما حدث.

    في يوم من الأيام قال لها بأنه سيسافر إلى بلد فيها هام يأكل البشر. وكل جمعة يُقدم له الناس بنتاً فإذا تأخروا عنه هجم عليهم وأكلهم. وأوصاها بأن لا تخبر أحداً كذلك. الهام لديه بنت ترى من مسير يومين. قالت له:

            - أشوف شي كما الذره جايه تمشي في الأرض.

    ثم:

            - كبر السمسوم.

    ثم:

            - كبر السِّنار.

    ثم:

            - كبر الشاه.

    ثم:

            - آدمي جاي.

    عندما وصل ابن الحطاب عند الهام وضربه بالسيف. قال الهام:

            - زيد.

    قال ابن الحطاب:

    حيِّ ما علموني أكل العصيدْ

    علموني على ضرب الحديدْ

    وعن ضربتي ما أزيدْ

    فسقط الهام ميتاً.

    دخل ابن الحطاب باغاً مليئاً بالأحواض والأشجار المثمرة. وأمامه لقي سبع غُرف. الأولى مليئة بالأرز. والثانية بالحب والثالثة بأناس معلقين وموتى... وهكذا إلى الباب السابع حيث وجد حصان الهام الذي لا يقترب منه إلا الهام وحده. لكنه تغلب على الحصان أيضاً، أما ابنة الهام فانتحرت.

    حين عرف أبو الزوجة بأن زوجها ذهب للهام وأنه لن يعود زوّجها من ابن عمها الذي قتل سحلية ذات يوم فلم يتركها تنام دون أن تُخبر أبيها بفعلته تلك وشجاعته، فكرهته عندما قارنت بينه وبين ذاك الذي قتل العديد من الغازين وطلب منها ألا تُخبر أحداً. وفي أحد الصباحات هربت إليه واعتذرت عن تلك الكلمة التي قالتها وعاشا معاً في البلدة التي خلّصها من الهام⁵.

    ابن الشيخ

    حكاية دونّ ملخصها السيد حافظ الأسود كما يلي: «يتزوج أحد الشيوخ بامرأة فاضلة تنجب له ابناً واحداً أسماه محمد. لكن رغبة الشيخ في العزوة وكثرة الأولاد دفعته لأن يتزوج امرأة ثانية تُنجب له عدداً لا بأس به من الأبناء، يقع خلاف بين الزوجين ويقوم الشيخ بعزل الزوجة الأولى وابنها في مكان بعيد ويهملها.

    يعمل ابن الشيخ في الزراعة، ويقترب من العامة، ويصبح واحداً منهم بالرغم من انتسابه للشيخ، يتمتع أبناء الزوجة الثانية بالقرب من الوالد أو السلطة والاستئثار بأشياء أخرى، بالرغم من انتسابه للشيخ. يتمتع أبناء الزوجة الثانية بالقرب من الوالد أو السلطة والاستئثار بأشياء أخرى، بالرغم من عدم قيامهم بأي عمل، كما أنهم يتمتعون بحضور المجلس الذي يُقام كل مساء ويترأسه الشيخ. ذات يوم وبينما الشيخ يجتمع ورجال العشيرة وأبناؤه في مجلسه الكبير، يأتي أحد الخدم ويقدم القهوة فنجان القهوة، للشيخ.

    عندما يهم الشيخ بأخذ الفنجان يظهر فجأة رجل، ويقص فردة شارب الشيخ، ويأخذ فنجان القهوة، ويختفي كلمح البصر، يضطرب الرجال ويهرعون للقبض على الرجل الذي اختفى بسرعة فائقة. لا يتمكن الرجال ولا أبناء الشيخ من الإمساك بالرجل بالرغم من ادعائهم القوة والذكاء. في اليوم التالي يعلم محمد – ابن الشيخ من الزوجة الأولى – بما حدث لوالده ويُسرع للمساعدة. يتمكن محمد من اقتفاء أثر أقدام الفاعل حتى يصل إلى صخرة كبيرة، يتجمهر الرجال وبينهم أبناء الشيخ ويزيحون الصخرة ليجدوا بئراً عميقة، يجبن أبناء الشيخ من الزوجة الثانية أن يهبطوا إلى البئر، لكن محمداً يأمر بإحضار حبال طويلة ويربطها معاً ويضعها حول وسطه ويسأل الرجال أن يسحبوا الحبل عندما يحركه أو يشده.

    يغيب محمد في قاع البئر ويجد فتحة مؤدية إلى مملكة أو عالم الجن. يدخل محمد الفتحة ويسير في مملكة الجن، حتى يرى فتاة من الإنس، ويسألها عن رجل أو جني يحمل شارباً وفنجان قهوة. تخبره الفتاة أن ذلك الجن يعيش مع فتاة صغيرة من الإنس؛ ويذهب محمد إلى الفتاة الصغيرة. وتخبره أنَّ الجني قد خطف ثلاث فتيات من الإنس، وأنه خطف أيضاً شارباً وفنجان قهوة، ويضعهما في مكان بأعلى الموضع الذي ينام فيه. وتحذر الفتاة ابن الشيخ من الجني الجبار الذي يتشكل في هيئات متعددة.

    يختبئ ابن الشيخ ويأتي الجني ويقول للفتاة إنه يشم رائحة بشر، فتخبره أن ذلك يمكن أن يكون نتيجة رائحة الشارب، يعطي الجني غزالاً مشوياً للفتاة، بينما يأكل هو حماراً مشوياً. وبعد أن فرغ من الطعام خلد إلى النوم. يظهر ابن الشيخ ويسل سيفه ويضرب الجني ضربة قاضية قائلاً:

            - علمتني أمي أن أضرب بالحديد، وغير ضربة واحدة ما أزيد.

    يحصل ابن الشيخ على الفنجان وفردة الشارب ويعطيهما للفتاة، يذهب بها، ويحضر الفتيات الأخريات. ويذهب بهن إلى الفتحة المؤدية إلى البئر. يُحرك ابن الشيخ الحبل ويُساعد الفتيات على الصعود إلى سطح الأرض بينما الرجال يسحبون الحبل. وعندما جاء دوره تنكر له الرجال – وبينهم إخوته – وتركوا الحبل يسقط به مرّة أخرى في البئر، لكن العناية الإلهية تسخر كبشاً أبيض يتلقاه على ظهره، بالرغم من ظهور الكبش الأسود الذي كان يرغب في أن يهبط به إلى سابع أرض. يتمكن الكبش الأبيض من الصعود إلى سطح الأرض. يذهب ابن الشيخ إلى بيت الفتاة الصغيرة، ويأخد منها فردة الشارب وفنجان القهوة، ويقصد والده ويدهش الجميع لشجاعة ابنه وذكائه، ويوصي بأن يكون ولياً للحكم ويرفعه إلى مكانة عالية، ويتزوج ابن الشيخ من الفتاة الصغيرة (من العامة) التي ساعدته في مهمته الشاقة».

    وفي دراسة بعنوان: «رؤى العالم في الأدب الشعبي لمجتمع الإمارات» يرى الباحث السيد حافظ الأسود بأن راوية هذه الحكاية «ينسج رموزاً يكشف بها عن رؤيته للعدل والرحمة وإنصاف المظلوم. فالشيخ هو رمز للعدل والحكم، وهو الحاكم الذي يجب أن يتصف بالعدل، كما أنه نموذج يحتذي به الأفراد، ولقد أصبح الشيخ رمزاً وتصوراً يستخدمه الأفراد عند الإشارة إلى أشياء وموضوعات أو كائنات حية، تتصف بصفات نموذجية تجعلها أفضل الأشياء. ففي الحديث اليومي يقول الشخص: (هذا شيخ)، وقد يشير بهذه العبارة إلى نوع جيد من التمر أو العسل أو السمك على سبيل المثال. لكن القصة تكشف أن الشيخ يخل بميزان العدل بين الزوجتين وبين الأبناء. ويكون العقاب مادياً أو أدبياً أو معنوياً على يد قوة خفية تنتمي إلى عالم الجن. وقد يسأل: لماذا يأخذ الجني الشارب وفنجان القهوة دون غيرها من أشياء تنتمي إلى الشيخ؟ والإجابة هي أن الرواية الشعبية – التي هي تعبير عن الثقافة الشعبية – تستخدم الرموز كي توصل المعنى إلى المستمع. فالشارب يرمز إلى الهيبة والقوة والرجولة. بينما فنجان القهوة يرمز إلى الكرم وحسن الضيافة والمكانة الاجتماعية. ومن يفقد هذه الرموز فقد صُوِّر أنه فقد الدلالات والمعاني التي تشير إليها. وتصعد القصة من حبكتها في أن تجعل ابن الشيخ الذي وقع عليه الظلم وعاش منعزلاً مع أمه، هو الذي يرد رموز الهيبة والرجولة والمكانة الاجتماعية إلى والده!

    كذلك يرى السيد حافظ الأسود بأنَّ هذه الحكاية على العكس من حكاية البديحة «التي لا تلعب فيها البطلة دوراً فاعلاً بل تتسلح بالصبر الساكن» بينما تصور هذه الحكاية «البطل على أنه فاعل ودينامي، ويتحلى بالصبر الإيجابي. لقد اعتمد على نفسه إلى حد كبير في مهمته. وينطبق ذلك على المثل الشعبي: (لي ما يعرف الشيخ شيخ) بمعنى أنَّ الشيخ الحقيقي هو من يعتمد على ذاته، ويُكوِّن له شخصية مستقلة ولا يعتمد على رموز أية سلطة أخرى.

    ولقد تحقق العدل لابن الشيخ حين رد والده اعتباره، نتيجة ما أظهره من شجاعة واستقلال الشخصية، ومع أنَّ القصة تؤكد على استقلال وشجاعة ابن الشيخ، فإنها تكشف الدور الذي لعبته الفتاة الصغيرة في الحفاظ على الرموز: الشارب وفنجان القهوة وكذلك دور الحيوان المتمثل في الكبش الأبيض الذي حمل البطل إلى سطح الأرض. ويظهر التأثير الديني قوياً في ذكر الكبش الذي يخلص ابن الشيخ وينقذ حياته. فهو تبديل رمزي لكبش الفداء وإن لم يكن هناك أضحية.

    وإذا كانت حكاية البديحة «تكشف عن علاقة عالم البر و(البشر) بعالم البحار، فإن قصة ابن الشيخ تكشف عن علاقة عالم البر أو سطح الأرض (البشر) بالعالم السفلي (عالم الجن). والرؤية الجوهرية في القصتين تتعلق بالعدل والرحمة كأساس للتوازن

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1