Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

دردميس: 8 حكايات من الإمارات
دردميس: 8 حكايات من الإمارات
دردميس: 8 حكايات من الإمارات
Ebook516 pages2 hours

دردميس: 8 حكايات من الإمارات

Rating: 5 out of 5 stars

5/5

()

Read preview

About this ebook

دردميس هو الجزء الثاني من سلسلة السرد الشفاهي من الإمارات. وإنه حقا ومما يؤسف له أن جامعة هذه الحكايات الثماني لم تكتب اسمها، ولم أعد أتذكره. إنها جامعة مجهولة. فتحية لها. فهذا الكتاب أؤلفه وأعده، إلا أنها هي التي سارت في تلك الطرقات المغبرة كي تسجله وتحققه في شرائط تسجيل.
مشروع إصدارات - المجمع الثقافي
دردميس: 8 حكايات من الإمارات

Read more from أحمد راشد ثاني

Related to دردميس

Related ebooks

Reviews for دردميس

Rating: 5 out of 5 stars
5/5

1 rating0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    دردميس - أحمد راشد ثاني

    دَرْدَميس

    (⁸ حكايات من الإمارات)

    دَرْدَميس

    (8 حكايات من الإمارات)

    السرد الشفاهي

    في الإمارات

    _2_

    إعداد

    أحمد راشد ثاني

    مراجعة

    جمعة عبد الله القبيسي

    © دائرة الثقافة والسياحة، دار الكتب .

        بيانات الفهرسة أثناء النشر.

    GR295.U5 T43657 2018

    أحمد راشد ثاني (1962 - 2012)

              دَرْدَميسْ: 8 حكايات من الإمارات / إعداد أحمد راشد ثاني ؛ مراجعة جمعة عبد الله القبيسي. ـ ط. 2. ـ أبوظبي : دائرة الثقافة والسياحة، دار الكتب، 2018.

              374 ص. ؛ 14 * 21 سم. ـ (سلسلة السرد الشفاهي في الإمارات؛ 2).

              1 - القصص الشعبية - الإمارات العربية المتحدة.

              2 - الحكايات العربية - الإمارات العربية المتحدة.

                  أ - قبيسي، جمعة عبد الله.    ب - العنوان.    ج - السلسلة.

    الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي، ص.ب: 94000

    publishing@dctabudhabi.ae

    www.dctabudhabi.ae

    هاتف: 579 5995 2 +971

    © حقوق الطبع محفوظة

    دائرة الثقافة والسياحة

    «المجمع الثقافي»

    دار الكتب

    الآراء الواردة في هذا الكتاب لا تعبّر بالضرورة عن رأي دائرة الثقافة والسياحة «المجمع الثقافي»

    تصميم الغلاف: الفنان علي الجاك سعيد

    مُنْجَز أحمد راشد ثاني...

    كلمة مستحقّة

    هذا الوطن هو أرض عطاء، ودولة حكيمة، وناس طيّبون بالفطرة، وثقافة أصيلة بالطبيعة، وحياة تسعى دوماً إلى الأخذ بأسباب الحداثة؛ لكنها الحداثة غير منبتّة الصلة بالماضي الذي صنعه وعاشه الأجدادُ، ثم اندرج في رحابه الآباءُ بكل معاناتهم؛ وجُلِّ تشوُّقاتهم وآمالهم لينسجوا حكاياتهم الرحبة التي كانوا بها ينظرون إلى الواقع؛ ويجسّدون علاقاتهم به، وجاء الأبناء ليجعلوا من دولة الإمارات العربية المتحدة «أيقونة» البراعة في كل شيء؛ فيُشار إليها بالبنان؛ دولة معاصرة باقتدار.

    وفي إطار التأكيد على هذا الثابت الثقافي الموضوعي الراسخ، لا بد وأن يقفز إلى المراتب المتقدمة اسم الكاتب الراحل أحمد راشد ثاني؛ الذي غادرنا إلى الحياة الأرحب؛ وهو لمَّا يزل يرصف بجهد معرفي مميز تاريخ الحكايات والأقوال من أهل وطنه؛ منقّباً وراصداً، وراصفاً ما اختزنته الذاكرة الجمعية لإنسان هذا الوطن وما احتفظت به.

    ويأتي جهد الراحل أحمد راشد ثاني الدؤوب ذلك متجلياً في تلك الملاحقة الثقافية للموروث، ليضع بين أيدينا بعضاً من كنوز السرد الشفاهي العميق؛ والذي كان يصوغ الوجدان الجمعي لأهل هذا الوطن في زمانهم القديم؛ من أجل أن يعود إليه الأبناء والأحفاد بثقة؛ ليعرفوا كيف كان الأجداد يعيشون على هذه الأرض، وكيف كانت معاناتهم وتفكيرهم الذي تجسده حكاياتهم ومرويّاتهم.

    جهد الراحل أحمد راشد ثاني كان متنوعاً في البحث عن الموروث القولي الشفاهي؛ وجمعه وتحقيقه وتوثيقه؛ بجانب أعماله الإبداعية الأخرى في الشعر والمسرح والرواية والدراسات؛ لتتربع أعماله المتنوعة في مساحة مميزة من كنوز دار الكتب؛ وكنا نتمنى أن يمتد به العمر ليزيد هذه المساحة ثراءً أكثر مما تركه.

    لذلك... وتكريماً لمُنْجَز هذا الكاتب والشاعر والمسرحي والباحث الراحل يأتي حرص دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي على إعادة إصدار ما تركه الراحل؛ سواء المنشور منه ونفدت طبعاته؛ أو ما لم يكن قد دفعه للنشر من أعماله الجديدة قبل رحيله المباغت وهو في قمة نضوجه الفكري؛ وكذلك ما لم يُكْمله وكان مشغولاً بإنجازه وبقي مخطوطاً.

    ولعل هذه المبادرة تكون مساهمة وطنية مستحقّة؛ لتكريم ابن الإمارات الراحل الذي بذل ما بذل من جهد التوثيق لبعض ما اكتنزته الذاكرة الشعبية لمجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة.

    «دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي»

    إلى لين،

    وكل امرأة تروي حكاية.

    «قالْ (للرَّاعِيْ):

    - وينْ تِرْوِيْ؟، وينْ الْغَنَمْ يِشْرَبوا؟.

    قالْ (الرَّاعِيْ):

    - إِطْلَعْ شْوَيْ بِتْشوفْ هْناك ثلاثْ حِيضانْ. الْحُوضْ المْيانْ لِلأَوادِمْ والْحوضْ الْمِنَّاكْ للضْباعْ، وِالْحوضْ إللّي مِنَّهْ لِلْهوشْ».

    الحكاية الثالثة

    (ص 161)

    هذه الحكايات

    - 1 -

    في المرحلة الشفاهية من حياة المجتمعات كان للسرد دوره الأساس والمهم، وسواء كانت هذه الحكايات خرافية أو تدور حول أبطال شعبيين، كسيرة عنترة أو السيرة الهلالية، أو الحكاية الشعبية كما حدّدها الفولكلوريون ليميزوا بينها وبين الحكاية الخرافية، أو تلك الحكايات التي يمكن إدراجها فيما يُسمى بـ «التاريخ الشفاهي»، فكلُّ هذه المظاهر أو الأشكال من السرد الشفاهي تؤدي أدواراً مهمة وعضوية في المجتمعات التي لم تترسخ فيها الكتابة ولم تَسُدْ، حيث ينظم السرد في هذه المجتمعات الخبرة والمعرفة، لهذا ما إن يترك الفرد في مثل هذه المجتمعات عمله حتى يسكن إلى الهدأة، وهنا، في هذه اللحظة بالذات، عليه أن يعيد صياغة ذكرياته وانطباعاته وخبراته في خط سردي يُجوهِر تلك الخبرات والانطباعات، بل والأحلام وكائنات المُخيلة، ليس هذا فحسب بل إن تواصله مع الآخر ينتظم هنا، ويتموقع واضعاً نفسه في العمق من المجموع. إنه يلهج ويحكي ويروي الجماعة.

    هكذا حملت الحكايات بمختلف أنواعها وأشكالها، وقبل الرواية والقصة القصيرة، (هذان الشكلان الحديثان هما من نتاج عالم ما بعد المطبعة) خبرات الإنسان وأحلامه، وكانت شغل مخيلته وشاغلها. إنها تعبر عن مخاوفه الشعورية واللاشعورية. كما أنها وبقدر ما تحمل من سمات خاصة بكل تجمع بشري فإنها كذلك تتصل بالعمق الحكائي - إذا صح التعبير - في الداخل من الكائن البشري. وإنه لمن المؤسف حقاً ألا تلاقي أشكال السرد الشفاهية هذه الاهتمام الكافي من المشتغلين في هذا الخضم «المائع» المُسمى بـ «الثقافة العربية المعاصرة». فعالم الحكايات عالمٌ فاتن وغني، ومحمّلٌ وربما أكثر من غيره بأكثر الدلالات ميثولوجية ولغوية وسوسيولوجية. ورغم ذلك فهو مهمل ومُقصى ومسكوت عنه في مجتمعات الخليج، والتي كانت تعيش إلى وقت قريب شفاهية شبه مُسيطرة.

    ونؤكد هُنا أن هذا المجتمع يخسر خسارة إبداعية كبيرة في ظل غياب خطط جمع منظم وشامل لأشكال السرد الشفاهي، خاصة وأن روايات ورواة الحكاية المتمرسين في سبيلهم إلى الانقراض. ولعلّ ذلك من أكثر المظاهر المؤسفة لهدر الإمكانية السائد في مجتمعات كهذه. فالهدر هنا هدرٌ لثراء وغنى وخصوبة روح إنسان هذه المنطقة، أي أنه هدر لما لا يُسترد أبداً.

    - 2 -

    مثلما كنت قد ذكرت في مقدمتي لكتاب «حصاة الصبر»، كان الشيخ الصديق أحمد بن سلطان القاسمي رئيس الدائرة الثقافية بالشارقة في أواخر ثمانينات القرن الماضي يُعد لفتح مكتبتين عامتين في كلٍ من كلبا وخورفكان، بينما كان مُعدُّ هذا الكتاب عائداً من فترة عيش قصيرة في المغرب، ويبحث عن عمل.

    وبنبله المعهود، ومع قلة من الزملاء، كلّفنا الشيخ أحمد آنذاك بتأسيس المكتبتين: مكتبة في كلباء وأخرى في خورفكان إلى أن استقر بي أمر الوظيفة أخيراً بمكتبة خورفكان: ذلك المبنى الأبيض تحت جُنح الجبل. كنت أذهب في كل صباح إلى عملي القريب من بيت الأسرة، نفهرس كتباً ونصنفها وفق ديوي على الأرفف (حينها ربما لمست الروح الظلِّية لبورخس)، أو ننتظر قارئاً، لا يأتي إلا نادراً. وكان ضجرٌ ما.

    تُرى ما علاقة الحكاية، كل حكاية، أي حكاية، بالضجر؟.

    ومع الوقت، وفي تلك المكتبة التي تزورها الأفاعي والظلال أكثر من القراء وجدت نفسي أبحث عن شيء آخر غير الانتظار، وكان من بين وسائلي لمداعبة الضجر تكوين فريق من الفتيان والفتيات لجمع ولو جزء من تراث القول الشفاهي المغمور في هذه المنطقة.

    كانت المؤسسات الثقافية، وعدد غير قليل من الأفراد، في تلك الفترة ولا يزالون، يتأوهون بضرورة المحافظة على «التراث الشعبي». وفي حين تغيب خطة مدروسة وعلمية تتبناها إحدى تلك المؤسسات فإن الأفراد، خاصة حين ينتابهم الإحساس بضرورة القيام بكل الأدوار، تكون النتيجة التي يصلون إليها في الأخير، هي: لا شيء، أو نتائج هزيلة، على أفضل تقدير.

    لِمَ إذن لا أبدأ من البسيط. فتاة أو فتى يحمل شريط تسجيل إلى راوية أو راوٍ، وبشروط بسيطة للجمع يُسَجِّل حكاية أو قصيدة «شعبية» (غير معروفة القائل).

    جمعت الفريق، وبدأ العمل. لكن أوّل من هرب من المهمة الفتيان، فمشاغلهم كثيرة وألذ، فهم الشريحة الأكثر تعرضاً لاستلابات الاستهلاك، أما الفتيات فبعد أسابيع قليلة ستحملهن الباصات إلى الجامعة، وسينشغلن منذ تلك اللحظة بأوهام الاستقرار والوظيفة المناسبة للمجتمع.

    المهم لم ينتج عن هذه التجربة إلا «دفتران» مــن الحكايات «الشعبية»، وما «حصاة الصبر» وهذا الكتاب: «دَرْدميس» إلا الإعداد والتقديم لـ «دَفْتَري خورفكان». أما قبل ذلك بسنوات، أي في حدود العام 1983م، فكنت طالباً في الجامعة، وكنا مدعوين لسهرة وداعيَّة لأحد أساتذتنا في كلية الآداب. وأثناء السهرة كانت هنالك علبة من ورق الـ «كرتون» أعدّها الأستاذ المُغادر لإلقائها في القمامة. سألته عن ذلك «الكرتون»:

    - ماذا فيه؟.

    قال: مجموعة من المقالات عن «التراث الشعبي» وحكايات «شعبية» كنت أطلب من تلميذاتي تدوينها ضمن الواجبات الدراسية الحرّة، وأوراق أخرى.

    - هل تريده؟.

    قالها لي الأستاذ.

    فأخذت تلك العلبة.

    وبقيت معي مجموعة لا بأس بها من حكايات «علبة الدكتور» و«دفتري خورفكان»، أحملها معي من مكانٍ إلى مكان.

    وفي أواخر التسعينات من القرن العشرين، فكّرت وبتشجيع من الأستاذ جمعة القبيسي الوكيل المساعد لدار الكتب الوطنية / المجمع الثقافي، فـي إصدار هذه الحكايات. كل دفتر من «دفاتـر» خورفكـان في جــزء، وحكايات «علبة الدكتور» فــي جــزء. لكن ماذا لو كبر المشروع؟ لو عثرنا على دفاتر أخرى أو «عُلب» ملقاة؟ ماذا لو عثرنا على راوٍ ذاكرته ثرية بالحكايات، أو جامع متحمس؟.

    على هذا المشروع أن يكون مفتوحاً وقابلاً لكل احتمال. ما علينا سوى البدء به.

    وكانت البداية: «حصاة الصبر».

    - 3 -

    ردود الفعل الإيجابية على «حصاة الصبر» فاجأتني، إلا أنها آلمتني من جهةٍ أخرى. فاعتبار «حصاة الصبر» أول كتاب جدي يصدر عن الحكاية «الشعبية» في الإمارات يدلُّ على أنّ الحراك الثقافي في هذا الإقليم لم يفعل شيئاً وفي هذا الحقل، وطوال ثلاثة عقود، مع العلم بأنّ مؤسساته الثقافية من أكثر المؤسسات في العالم ادعاءً بالحفاظ على التراث.

    كما قادتني ردود الفعل هذه إلى استنتاجات منها:

    أولاً: تساؤل بعض هذه الردود عن مصدر هذه الحكايات، فأحدهم رأى أن هذه الحكاية أصلها من الهند، وآخر متأكد من أن تلك الحكاية فارسية..

    فَرِحٌ بالتأكيد بأن هؤلاء على الأقل قرأوا الكتاب، إلا أن معظم الردود تجاهلت أمرين أظنني أكدتهما في «المدخل» إلى «حصاة» وهما:

    أ - أنَّ هذه الـ «حصاة» جمع لعينات من روايات القصِّ، وهي عينات جُمعت بشكل فردي كما سبق وأوضحنا. وبالتالي فإنَّ هذه السلسلة لم تدِّعِ لَمَّ شمل السرد الشفاهي حتى ولو في إقليم محدود كالإمارات. ولا هي كذلك ادَّعت أي تساؤل نقدي، كما وأن هذا التساؤل عن «أصول» الحكايات، يهتم به علم مقارنة الحكايات العالمية، أمَّا وفي المجتمعات الشفاهية فإنَّ البحث عن «أصل» يعني البحث عمَّا هو مدوّن ومكتوب. ولا أعتقد أن ثَم «أصلاً ثابتاً» لحكاية أو قصيدة شفاهية، فـ«الأصل» و «الثابت» و «النص»، وببساطة، مصطلحات تنتمي إلى عالم مغاير هو عالم الكتابة.

    ب - تم التطرق إلى أهمية كل رواية لكل حكاية على حدة، ففي «حصاة الصبر» روايتان مختلفتان لحكايتي: نتيفان (= مشيليف)، وزيد ورباب (= دينوه ورباب). وبظننا أنَّ كل رواية محملة بعبوة نفسية وميثولوجية واجتماعية مختلفة عن الرواية الأخرى. فالأساس هُنا ليس البحث عن العظم الحافي للحكاية، أو عن هيكلها العظمي، وإنما تدوينها بشحمها ولحمها، وما يُحمله للحكاية كل راو لها أو راوية من شحنات ونكهات خاصة.

    ولاحظت أنَّ الفهم العام للحكاية «الشعبية» يختزلها في أنها حكاية تروى للأطفال كـ «خرُّوفة» (= تصغير خرافة)، وهذا الفهم يحتاج إلى مراجعة. إذ للحكاية دورها المتعدد في «المجتمعات الشفاهية»، فهي تنيم الأطفال، وتُوَرِّث الحِرَف للصبيان، ويتسارى ويسمر بها الجيران، وعُمال البحر والصحراء، ويتسابق إلى إتقان روايتها «المطاوعة» ومهرة الكلام لكسب ود هذا الوجيه، أو ذاك التاجر.

    من هُنا فإنَّ الحكاية (والقصيدة) الجناحان اللذان يطير بهما في الوجود ذلك المجتمع الذي سبق النفط وفورته.

    كما لاحظت أن النظرة إلى الحكاية، على أساس أنها «خروفة» فحسب دفعت ببعض المعنيين إلى محاولة توظيف الحكايات التي يسمعونها في قصص مناسبة اجتماعياً وأخلاقياً، وبمعاصرة، للأطفال.

    إنَّ هذه النظرة تحتاج إلى مناقشات عريضة وشائكة، لكنني أحبذ هنا تأكيد ما يلي:

    - بإمكان فنيين القيام بدور تحويل المادة الخام المجموعة من الحكايات في هذه المنطقة أو تلك إلى قصص مطبوعة للأطفال أو رسوم متحركة.. لكن وقبل هذا وذاك علينا جمع الحكاية أولاً.

    - أنَّ المؤسسات المعنية، أو المدعية الحفاظ على التراث، وحينما تقفز عن دورها إلى إنتاج هذه الحكاية، أو تلك الرواية من تلك الحكاية، كقصة مطبوعة للأطفال من سن كذا إلى سن كذا، أو تكرِّس ما لديها من رأسمال مادي لإنتاج فيلم رسوم متحركة، أو معرض فإنها تتبع تلك المظهرية في التعامل المؤسساتي مع الثقافي من جهة، وتتجنب جمع الحكاية وهو العمل الأساس والمتعب الذي ينبغي الشروع به أولاً، والذي هو دورها المنوطة به، بل والذي تدّعيه.

    ومتى ما استمرت هذه المؤسسات في تتبع أوهامها تلك، فإنها على الأغلب ستكتفي ببضع حكايات يتذكرها هذا الشخص أو ذاك، قافزة على المهمة الصعبة والتي ليست بمستحيلة: تدوين ولو جانب من ذلك المخزون السردي الضخم الذي تتمتع به ذاكرات الأمهات والآباء.

    ولاحظت أيضاً أَنَّ أغلب ردود الفعل على كتاب «حصاة الصبر» تعاملت معه كما لو أن الحكايات التي ضمها نموذج للحكاية «الشعبية» في «الإمارات»، وهنا أريد توضيح التالي:

    - لا أحد بإمكانه ادعاء ذلك. والذي اعتقدته على الدوام هو أنَّ «حصاة الصبر» عينة تشير إلى غنى وثراء المخيلة السردية لإنسان هذه المنطقة... وما هذا الكتاب ولا الأجزاء التي ستليه إلا محاولة فردية تؤكد أهمية هذا الميراث السردي. بل وللمصادفة يحمل عنوان الجزء الأول مفردة: «حصاة»، فهو، أو كل هذا العمل، وبأجزائه، مجرد «حصاة» أحاول بها تحريك مياه المؤسسات المعنية الساكنة حتى تتوجه لجمع الحكاية وتدوينها، وبالتالي توفيرها للباحثين والنقاد والقراء. فما يُسمِّيها الفولكلوريون خريطة الحكاية الشعبية لا يمكن أن ينجزها فرد أو حتى مؤسسة مكبلة بالروتين، والتمنع المادي على الثقافي بالذات.

    العمل على جمع الحكاية و«تخريطها»، يحتاج وبصراحة إلى قرار واعٍ وصبور وداعمٍ، واستراتيجي ومفكر... فأين يا ترى بإمكاننا أن نجده؟.

    - تقودني هذه التداعيات إلى أمر آخر... فبعد صدور «حصاة الصبر» دُعيت إلى عدة ندوات أكدت فيها جانبين أراهما متلازمين، فمن جهة علينا الاندفاع للجمع فوراً وقبل كل شيء، بل والجمع الميداني الواسع. ورغم أنّه طرح مثالي قادتني أحلامي إلى ترديده في تلك الندوات أو غيرها، فإنني لن أتردد عن تكراره هُنا: لماذا لا يُطلب من تلاميذ الثانوية العليا والجامعات تقديم شريط أو «كاسيت» واحد مقابل درجة مدرسية، تسَجِّل فيـه هـذه الطالبة أو ذاك الطالـب رواية لحكاية من أمه وأبيه... أو جدته وجدّه؟.

    كم طالباً وطالبة في كل دورة؟. وكم بإمكاننا أن نجني من «ذاكرة» لو فعلنا أو افتعلنا مثل هذه الحملة؟. وإذا ما كانت مؤسساتنا الثقافية غير مقتنعة بالإنفاق على مثلها... فلماذا لا نطلب الدعم من الهلال الأحمر على سبيل المثال؟!.

    - الجانب الثاني يتعلق بنقدية السرد، والشفاهي على الخصوص، فليس من المعقول ألا يوجد في كل إدارات التعليم العالي والجامعات دارس أو مبتعث واحد يحاول التخصص والإمعان في أرواحنا. فإن ما قد يُجمع بحاجة إلى تكوين دفعات من القراء النقدة القادرين على إعادة قراءة هذه الحكايات على ضوء ما يُمكن تسميته بـ «النقد السردي».

    وهذا يقودنا إلى ملاحظة أساسية، وهي أن العمل على «الشفاهي» في هذا الإقليم أو ذاك من أقاليم الثقافة العربية والإسلامية، لا يعني تأسيس «القُطرية» في هذه الأقاليم؛ إذ إنَّ البحث، أي بحث، إذا لم يبحث عن الإنساني في أعماقه، ولم يذهب إلى خلق حوار عميق وداخلي، وتحت القشور عمّا هو أساس وجوهري، فلن يُعوَّل عليه.

    - 4 -

    كنتُ فكرَّتُ بأن يكون الجزء الأخير من هذه السلسلة جزءاً نقدياً، وفي تلك الندوات التي أعقبت صدور «حصاة الصبر» وجدت أنّ النقدي من الممكن أن يقوم به أحد غيري، وأن أنصرف بدلاً من ذلك إلى البحث عن مزيد من الحكايات وتقديمها إلى القارئ.

    أما هذا الكتاب: «دَرْدَميس» فهو الجزء الثاني من سلسلة «من السرد الشفاهي: حكايات من الإمارات». وهو أيضاً الدفتر الثاني من «دَفْتَرَيْ خورفكان». وإنَّه - حقاً - ومما يؤسف له أنَّ جامعة هذه الحكايات الثماني لم تكتب اسمها، ولم أعد أتذكره. إنها جامعة «مجهولة». فتحية لها. فهذا الكتاب أؤلفه وأعدُّه، إلا أنها هي التي سارت في تلك الطرقات المغبرة كي

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1