Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

..عابر
..عابر
..عابر
Ebook372 pages2 hours

..عابر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

في رواية "عابر.." للكاتبة الفلسطينية لما الحاج، يطل علينا بطل الرواية "تميم" وهو شاب فلسطيني يعاني من اضطراب الهوية الجنسية. يشعر تميم بأنه لا ينتمي إلى جسده الذكوري، ويجد صعوبة في التوافق مع المجتمع الذي يحيط به، والذي يفرض عليه معايير الذكورة التقليدية.

تدور أحداث الرواية في فلسطين المحتلة، حيث يعيش تميم وسط معاناة الاحتلال وظلمه. يشهد تميم منذ صغره على مآسي الاحتلال، ويعيش في ظل خوف دائم من الاعتقال أو القتل. تؤثر هذه المعاناة على تميم بشكل كبير، وتزيد من شعوره بالاغتراب وعدم الانتماء.

تتمكن الكاتبة لما الحاج من معالجة موضوع شائك وحساس، وهو موضوع اضطراب الهوية الجنسية، بطريقة فنية وصادقة. تتناول الكاتبة هذه القضية من خلال شخصية تميم، الذي يعاني من صراع داخلي بين جسده ومشاعره. يحاول تميم أن يجد مكانه في المجتمع، لكنه يواجه الكثير من التحديات والرفض.

تُقدم الرواية صورة واقعية للمجتمع الفلسطيني المحتل. تُظهر الرواية كيف أن الاحتلال يؤثر على حياة الفلسطينيين بشكل عميق، ويساهم في خلق بيئة من العنف والخوف. كما تُظهر الرواية كيف أن اضطراب الهوية الجنسية يمكن أن يكون تحديًا كبيرًا في ظل مجتمع يفرض معايير صارمة للذكورة.

تنتهي الرواية بنهاية مفتوحة، حيث يظل تميم يصارع مع هويته الجنسية. تترك الكاتبة النهاية مفتوحة للقراء، ليقرروا بأنفسهم مصير تميم.

تتميز رواية "عابر" بالعديد من العناصر الفنية التي تجعلها عملاً روائيًا مميزًا. تتميز الرواية بأسلوبها الرصين ولغتها الجميلة. كما تتميز الرواية بالواقعية والقدرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية العميقة.

من أهم العناصر الفنية في الرواية هي:

التصوير الواقعي لحياة الفلسطينيين تحت الاحتلال: تُقدم الرواية صورة واقعية للحياة اليومية للفلسطينيين في ظل الاحتلال. تُظهر الرواية كيف أن الاحتلال يؤثر على كل جوانب حياة الفلسطينيين، بما في ذلك الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

المعالجة الفنية لموضوع اضطراب الهوية الجنسية: تُعالج الرواية موضوع اضطراب الهوية الجنسية بطريقة فنية وصادقة. تُظهر الرواية كيف أن هذا الموضوع يمكن أن يكون تحديًا كبيرًا للأفراد، خاصة في مجتمع يفرض معايير صارمة للذكورة.

 تترك الكاتبة النهاية مفتوحة للقراء، ليقرروا بأنفسهم مصير تميم. تُعطي النهاية المفتوحة للرواية مساحة أكبر للتفكير والمناقشة.

رواية "عابر" هي عمل روائي مميز يتناول موضوعين مهمين، هما الاحتلال الفلسطيني واضطراب الهوية الجنسية. تُقدم الرواية صورة واقعية للحياة الفلسطينية تحت الاحتلال، كما تُعالج موضوع اضطراب الهوية الجنسية بطريقة فنية وصادقة. تُعد الرواية مساهمة مهمة في الأدب العربي، وتُستحق القراءة والدراسة.

Languageالعربية
Release dateNov 15, 2023
ISBN9798223470434
..عابر
Author

لُما الحاج

Lama Hatem Haj Mohammed, a talented Palestinian writer born and residing in the city of Nablus. I graduated from An-Najah National University with a degree in Computer Engineering. I have a passion for writing novels, short stories, and poetry. Among my notable works are the novels "Al-Hadaya" and "Aaber", which have garnered wide acclaim from both critics and readers. I have also published a collection of short stories titled "Rahalat" and a poetry collection. My writings have been featured in various Arabic literary magazines, newspapers, and journals, captivating readers with my unique style and refined expression. In recognition of my literary achievements, I have received several awards in the field of short stories. Through my captivating storytelling and ability to create complex and relatable characters, I strive to inspire and engage readers on a profound level. I am dedicated to exploring diverse themes and shedding light on the human experience through my literary works.

Related to ..عابر

Related ebooks

Reviews for ..عابر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    ..عابر - لُما الحاج

    رواية

    عابر..

    ––––––––

    لُما الحاج

    عابر..

    رواية

    لُما الحاج

    تصميم الغلاف

    لُما الحاج

    Published By:

    Kinzy Publishing Agency

    Kinzypa.com

    +201122811065 - +201122811064

    info@kinzypa.com

    ولأن بابا واسع كبحر.. كنتُ نورسا يتعمد كسر جناحه، ليرتمي بين موجه الناعم.

    بروزان لذيذان على صدري..

    تحسست أثر صفعتها على وجهي، كمن ارتكب ذنبا كبيرا يستحق عليه العقاب، كل ما فعلته أنني ذهبت إليها فرحا، بأن لي بروزين صغيرين ناتئين على صدري، كتلك النتوءات التي كانت تبرز لأخواتي في مثل سني، كنت أراقبهن وهن يذهبن إلى أمي يخبرنها بذلك، لم يكن يتعرضن للصفع، بل كانت تقبلهن وتلقي عليهن الكثير من النصائح، لا تركضي في الشارع بعد اليوم، لا تلبسي الكنزات الضيقة، لا تلعبي مع الصبيان بعد الآن، لا تخبري أحدا بذلك، لقد كبرتِ وصرتِ أنثى مكتملة، عليك التصرف على هذا الأساس، ثم تقرب فمها من أذن أختي هامسة لها، قريبا ستزهرين، كانت أختي تفغر فاها دلالة على عدم استيعابها للأمر، فتردف أمي هامسة أيضا سن البلوغ، سوف تخرجين دما أحمر مع البول، لا تفزعي.. هذا يعني اكتمال أنوثتك. كان الموقف ذاته، بكلمات أمي ودهشة أخواتي يتكرر معهن جميعا. ثم في يوم ليس ببعيد من نصائحها، كانت تدعو كل نساء الحارة، يجلسن يغنين دون ضجة بصوت معتدل: عنا بالبيت زهرة.. كبرت صارت جوهرة. كانت ضيافة هذا اليوم تختلف عن بقية جمعاتهن، كان فيه حلوى تسمى بيض الحمام، حلوى مسكرة محشوة بحبة لوز كاملة، ونوع آخر يشبهها دائري الشكل مجعد الملمس، وشراب قمر الدين، وحلويات ملفوفة بورق ملون مجموع في أعلاه بشريط ساتان ملون. كنت أحب هذا الاحتفال كثيرا، تطردني أمي دائما إذا ما لمحتني أتلصص عليهن، فأبتعد قليلا ثم أعود مجددا مستمتعا بهذا الاحتفال المميز، الذي لم أكن أفهم لم هو مميز، كان ما يلفت انتباهي فيه، أن أختي التي كانت تلقي أمي عليها النصائح قبل فترة وجيزة، وتخبرها أنها ستزهر، كانت تلبس فيه ثوبا مطرزا بألوان زاهية، وتطوف هي بين الزائرات تقدم بيدها الضيافة والحلويات، واحمرار الخجل يأكل وجنتيها.

    حين برز لي نهدان ركضت إلى أمي مبتهجا، فصفعتني غاضبة، قالت أنت رجل، الرجال بلا أثداء. ولكنهما موجودان يا أمي أقول وأنا أتحسس أثر صفعتها، فتجيب هذان ليسا ثديين، إنهما دهن زائد سيختفي مع الوقت، إياك أن تخبر أحدا بأمرهما، هذا عيب للرجال، أتفهم؟.

    في الحقيقة مضيت دون أن أفهم ولكني لم أناقشها في الأمر، أعرف أمي جيدا، هادئة فيما يواتي هواها، إلا أنها عاصفة تبرق وترعد فيما يعاند قناعة من قناعاتها. ذهبت إلى الحمام ونزعت كنزتي، مررت يدي على البروزين الدهنيين كما تقول أمي، كانا ينتهيان بدائرتين ورديتين برأسين صغيرين في منتصفهما، على ما أعتقد اسم الواحدة منهما حلمة، رأيت مرة جارتنا الشابة التي ولدت مؤخرا وجاءت تشكو لأمي بكاء طفلها المتكرر، قالت لها أمي لا تحسنين رضاعته فيتسرب الهواء مع الحليب ويسبب له الانتفاخ قالت الشابة ماذا أفعل، أرضعه كما ترضع النساء أطفالهن قالت أمي ألقميه الحلمة جيدا، دعي فمه يلتف على الهالة البنية حولها فلا يسمح بدخول الهواء أثناء الرضاعة، أخرجت الشابة ثديها، ودست ذلك الجزء البني الناتئ منه في فم الطفل، فعرفت أن هذا يسمى حلمة. تحسست أنا حلمتيّ بأطراف أصابعي وأنا في الحمام، كان ينتابني شعور لذيذ، تسري في جسدي قشعريرة لطيفة كلما لمستهما وضغطت على الخرزتين الصغيرتين في منتصفهما. لا يهم ما تقول أمي.. هذا سري الذي سأحتفظ به، بل وسأحرص على بقاء هذا الدهن على صدري ولن أسمح له بالذوبان.

    الطفولة.. الإحساس الرائع.. الذي يزعج أمي..

    لم أكن أبلغ الثانية عشرة من العمر، في قوانين العالم أعد طفلا، إلا في قانون أمي.. فأنا رجل، لا يلعب مع الفتيات، لا يساعد في أعمال المنزل، على أخواتي وإن كن يكبرنني سنا إطاعة أمري، ممنوع علي مجالسة نساء الحارة عندما كن يجتمعن كل يوم اثنين عند إحدى السيدات، كل لها دور.. الاثنين من كل أسبوع كان موعد اجتماعات النساء، كن يشربن النرجيلة بالتمباك العجمي، وكانت أطباق الفاكهة والمكسرات والكعك بيتي الصنع تصطف على مائدة جانبية تتوزع عليها الأطباق، تتنافس كل واحدة منهن بعرض ضيافتها بطريقة جذابة أكثر من الأخريات، كانت أمي إذا حان دورها تخرج الأطباق المذهبة من الخزانة البنية التي يمنع لمسها في أيامنا العادية، وكانت تتفنن في انتقاء زجاجة النرجيلة، فهذه إيرانية منقوشة بذهب خالص، وهذه أردنية مطعمة بالعقيق الطبيعي، وهذه باكستانية بنقوش وألوان تم شغلها يدويا. كن يتفاخرن بإخراج أفضل ما في بيوتهن من أجل أن يتفوقن على بعضهن في امتلاك ما هو ثمين وفريد. وطبعا كانت أخواتي تتزين وتلبسن الأثواب المطرزة المعلقة في الخزائن، التي لا تلبس في الأيام العادية، إلا أنا.. كنت دائما المطرود من هذه الجمعات على الرغم من صغر سني، كنت أغضب وألعن كوني ذكرا، ذاك الشيء الذي حرمني من الجلوس والاستمتاع بينهن وهن يغنين ويلقين النكات ويأكلن ما لذ وطاب من المشهيات، ويشربن العصائر الطازجة والشاي بالميرمية والقهوة.

    لم تكن أي من النساء لتعتذر عن الضيافة إذا ما كان دورها إلا لسبب قاهر، السبب القاهر بالنسبة لأمي كان هو وجود جدتي لأبي في ضيافتنا، فأبي كان ريفيا انتقل للعمل في المدينة لتوفر ظروف عمل أفضل مما هي في قريته، هناك حيث التقى بأمي وأحبها، كان يعمل في مخيطة للملابس، عندما ذهبت أمي لتفصيل فستان بمناسبة زفاف ابنة عمها فخطفت قلبه، ولم يبذل هو مجهودا كبيرا –كما فهمت- في استقطاب قلبها، تلك الفتاة التي تسكن في بيت عمها بعد طلاق والديها وارتباط كل منهما بآخر، تزوج والدها وتزوجت أمها ورفض أي منهما السماح لها بالعيش في كنفه، لم يكن لسبب إلا محاولة كل منهما التنغيص على الآخر، بطفلة ستكون حجرا يُلقى على سطح مياه بحيرة حياتهما لتعكير صفوه، هكذا رآها كل منهما، فأشفق عليها عمها واستضافها في بيته بين ثلاثة عشر من أبنائه بين ذكور وإناث. كان عمها ثريا جدا، له سيارات تنتقل بين الشام (سوريا حاليا) والأردن وفلسطين في ذاك الوقت قبل الاحتلال الإسرائيلي، يجلب معه البضائع مما تشتهيه الأنفس.. من حرير الشام وعلكتها المستكاوية وفاكهتها المجففة التي كانت أمي تقول أنها تشبه ثمار الجنة، وأن المرء لن يتذوق طوال حياته أشهى منها. ويجلب أيضا جواهر نفيسة من الأردن وحليًا من عقود وأساور وخواتم كانت تصنع من الأحجار الكريمة ومن أهمها العقيق المميز، حتى من فلسطين كان يجلب السمك من حيفا في صناديق من الثلج، والتفاح الشهي من الجولان، والبرتقال من بيارات يافا الذي اشتهرت به. عندما انتقلت أمي للعيش في بيت عمها، لم تكن لتسبب لهم ضيقا ماديا، بل كان تأثير وجودها بينهم نفسيا، عنصرا دخيلا عليهم، كانت هي وحدها اللون الشاذ في لوحتهم، العنصر الزائد الذي يفسد طعم الحياة في ذاك البيت، حاولت هي التقليل من أثر وجودها غير المحبب بينهم، فكانت تقوم بمعظم الأعمال المنزلية ومعاونة زوجة عمها بالاعتناء بهذا الكم من الأطفال في بيت واحد. لذا كان أبي مخرجا لها من هذا البؤس الذي كبرت فيه، وإن كانت تحب زوجة عمها وتقدر لها إمدادها بالحنان الذي بخلت به أمها. تزوج أبي من أمي وسط غضب ورفض عائلته، ولو أن أمي كانت تحيا حياة طبيعية في بيت يضم أسرتها لما كان أمر الزواج محببا من طرفهم، في مدينة نابلس كانت العنصرية تحتل جزءا كبيرا من معتقدات الناس، فكان زواج بنت المدينة من قروي عاش في الريف أمرا غير محبب وغير مرحب به، بل كان يثير الأقاويل بأن هذه الفتاة قد قبلت الزواج منه لعيب فيها، أو لجريمة ارتكبتها في السر وستدفع ثمنها بالزواج ممن اقترفت معه هذه الخطيئة. لم تكن هذه النظرة منتشرة في المدن الأخرى في فلسطين، وحدها نابلس هي التي استحوذت على هذا التفكير المجحف. وكذلك لم يكن زواج القروي من ابنة المدينة محببا، نظرا للحرية التي تتمتع بها نساء المدينة اللواتي كن يخرجن بشعر مكشوف وتنانير وفساتين تعلو الركبة قليلا، حتى أمي التي عاشت حياة ليست رغيدة كانت تلبس هذه الفساتين القصيرة مكشوفة الأكمام، الأمر الذي كانت تتجنبه –مرغمة غير راضية- عندما تذهب لزيارة أهل أبي في القرية، أو في حال استضافتهم في بيتنا التي كانت تمتد ربما لأيام، تجلس جدتي فيها كالمتربصة وأمي الجندي دائم الجاهزية للدفاع، وأبي حمامة السلام التي تحاول نشر الصلح وتهدئة الأمور التي على وشك الانفجار في أية لحظة.

    عندما كانت جدتي تأتي لزيارتنا كانت أمي تمتنع عن استضافة النساء في بيتها، فعدا المظهر -غير المحتشم- للجارات على حد قول جدتي، فإن تدخين النرجيلة كان من الكبائر التي لا تغتفر في نظرها، وكانت النكات والضحك والغناء بهذه الطريقة يعد من الكفر، وكانت العلكة المستكاوية التي تجلبها النساء من الشام وتبيعها للنسوة في المدينة بمثابة رجس من عمل الشيطان، لم تكن جدتي لتقبل بهذا في بيت ابنها، وكانت أيام الجمع في منازل الجارات في المقابل تخلو من وجود أمي في حال زيارات جدتي لنا، الأمر الذي كانت تقبله أمي على مضض نزولا عند رغبة أبي ورجاءاته المتكررة بعدم الخروج، ووعوده لها بالتعويض بنزهة مميزة حال رجوع جدتي إلى بيتها.

    بعد دخول الاحتلال الاسرائيلي الأراضي الفلسطينية عام 1967، تغيرت الكثير من العادات بالنسبة للنساء في المدينة، بعد أن أصبح الشعب الفلسطيني شعبا محتلا لا يمكنه ممارسة حياة الرفاهية على أرضه بحرية، هكذا قالت أمي، طالت تنانير النساء وفساتينهن، كما طالت أكمام كنزاتهن، وصارت النساء من بعد الثلاثينات يرتدين الإيشارب؛ قطعة حريرية ملونة مربعة الشكل، تطويها النساء من المنتصف فتصبح بشكل مثلث، يضعنها على رؤوسهن ويربطن طرفيها أسفل ذقونهن، هذا أيضا لم يرق لجدتي، فهذا يكشف الغرة من مقدمة الشعر ولا يغطي الرقبة، والفساتين وإن طالت فإنها لم تتجاوز سنتيمترات أسفل الركبة، والأكمام تحت الكوع بقليل، لم يكن هذا تغييرا يُذكر لدى جدتي وأعمامي الذين تركوا أمر الجدال فيه لجدتي وحدها وكانت قادرة عليه بجدارة، دون تفويت فرصة ولو ضعيفة من أجل رشق الكلام الساخر والجارح أحيانا على مسامع أمي.

    كانت جدتي لأبي ابنة مختار القرية، وكانت مع عماتي الثلاث وكل نسل المختار من الإناث من غير المسموح لهن الظهور أمام العامة، كن يلقبن ب بنات الشيخ وهذا اللقب يجبرهن وإن كن راضيات بلبس عباءات طويلة كحلية اللون مطرزة من أطرافها بشراشيب سود، تنسدل من رؤوسهن حتى أطراف أقدامهن، يمسكن بطرف العباءة من جهة الخد الأيمن ويجذبنها ليخفين معظم ملامح وجوههن، فيعرف جميع من في الطريق أن أولئك النسوة هن من بنات الشيخ عبد الرحيم فيفسحوا لهن الطريق للمرور بشموخ، بنات مختار القرية ومناضلها الذي واجه الاحتلال دون مقاومة مباشرة، بل عن طريق تهريب الثوار وإخفائهم وتسهيل تنقلهم عبر طرق يحفظها الشيخ جيدا، وتسليحهم بما تيسر من البواريد والفشك، وتزويدهم بالمال اللازم من أجل تفرغهم للقتال. عرف الاحتلال كل ذلك عنه إلا أنه لم يكن من الغباء بمحاولة المساس به، نظرا لمنزلته عند أبناء الثورة؛ الأمر الذي كان سيجلب متاعب لا حصر لها لجنود محتلين لم ترسخ أقدامهم بقوة بعد.

    نزاع من نوع آخر.. بلا منتصر ولا مهزوم

    كان في جسدي شيء غريب جدا، مزيج من الذكورة والأنوثة، ظاهريا أنا ذكر لولا هذان البروزان الصغيران المستديران على صدري، ولولا انجذابي الذي لا يقاوم أحيانا نحو كل ما هو أنثوي. كنت أراقب من خلف شق الباب أخواتي وهن يضعن أحمر الشفاه وطلاء الأظافر، ويكوين شعورهن الطويلة الممتدة حتى أسفل ظهورهن، يفردنها على قطعة قماش نظيفة ويضعن أخرى فوقها ويمررن المكواة عليها، فيصبح شعرهن ناعما مفرودا، كنت أتمنى لو أنني أشاركهن هذه المتعة. بل والأكثر من ذلك كنت أسرق سوتيان إحدى أخواتي عن حبل الغسيل وأتسلل به إلى الحمام، ألبسه منتشيا وأتأمله.. ما زال واسعا، أقوم بحشوه بمناديل الحمام، أكورها وأدسها فيه وأرتدي البلوزة الضيقة وأتامل شكلي الجميل في المرآة، أتحسس ثديي الممتلئين الجميلين، ألف جسدي يمينا ويسارا متأملا شكلهما بزهو من كافة الجوانب. أما ما كنت أتوق إليه حقا فهو ظهور ذاك الشق الجذاب بينهما الذي يفصلهما وهما نهدان نافران يفوحان أنوثة. كنت أشعر بخيبة كبيرة كلما تباهت أمي بي أمام عمتي التي لم تنجب الذكور، أنجبت تسع بنات وهي تحاول إنجاب ذكر واحد. ذات مرة وكنت حينها في السابعة من عمري، تشاجرت مع ابنة عمتي على حبات خوخ التقطتُها من غصن تدلى من شجرة الجيران على سور بيتنا، ولما عجزت ابنة عمتي الصغيرة عن الاستحواذ على هذه الحبات، تظاهرت بالبكاء واتهمتني بضربها وبسرقة حبات الخوخ منها، خرجت عمتي وضربتني على كتفي انتقاما لابنتها، مما سبب إزعاجا شديدا لأمي التي كانت تراني كائنا مقدسا كوني ذكرا بين ست بنات، تشاجرت أمي وعمتي وعلا صراخهما، قالت عمتي تفسدينه بتدليلك يا زوجة أخي، ردت أمي محتدة لو أنجبت طفلا بحمامة لأفسدتِه أكثر يا أخت زوجي. تلقت عمتي الكلمات كصفعة، زاغت عيناها وتجمدت وهي تنظر لأمي التي أمسكت يدي ودخلت البيت، في حين بقيت هي متجمدة على وقفتها دقائق قبل أن تنادي بناتها وتغادر دون توديع أحد، كأن أمي اتهمتها بجرم عظيم. كانت هذه آخر مرة تزورنا بها عمتي أو إحدى بناتها في بيتنا. لم يرقني ذلك، كنت أحب عمتي من ناحية، ومن ناحية رأيت بعينيّ انكسار نفسها عندما قذفتها أمي بتلك الكلمات القاسية عليها، بدا ذلك جليا على ملامحها، رأيت شعورا بالحزن يزحف على وجهها ويغلفه، كانت أمي قاسية ودائمة المعايرة، إلا أنها هذه المرة كسرت قلب عمتي دون رحمة. لم يعرف أبي بما حدث، لم تحدثه أمي عندما عاد وسأل عنها وهو يحمل الحلويات والألعاب لبناتها، ولم تخبره كذلك عمتي بالأمر عندما ذهبنا لزيارتها في أول أيام عيد الأضحى المبارك بعد حوالي شهرين من الحادثة، حتى عندما سألها أبي عن سبب رفضها لحضور الوليمة التي قام بها ودعاها إليها مع جدتي، تعللت بانشغالها بأمور مهمة في البيت ولم تبح له بشيء مما حصل مع أمي. كبرت عمتي في نظري كثيرا بعد هذا التصرف الذي يدل على سمو أخلاقها ورجاحة عقلها.

    المقعد الأصفر المشجر.. صار وعاء للموت.. يحمل في جيوبه مفاتيح عديدة للحزن

    عندما وعيت على الحياة، كانت المقاومة تحارب الاحتلال ووجوده غير المشروع في بلادنا، لم نكن نملك أي أدوات للقتال سوى حجارة، حجارة مقابل آليات ومصفحات وأسلحة أوتوماتيكية حديثة، إلا أن المقاتلين كانوا كشوكة في حلق الاحتلال.

    أذكر في ذلك الحين عندما كانت قوانين لا تمت للإنسانية بصلة تشرع من أجل القضاء علينا نحن أصحاب الأرض، كان من بينها سياسة تكسير العظام التي تقضي بعدم قتل الفلسطيني، وإنما إحداث عاهات مستديمة في جسده تجعله يعاني مدى الحياة؛ ليتعذب هو، ويتعذب من يعتني به من أهله. كنت أرى هذه السياسة بوضوح في النقطة العسكرية أعلى

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1