Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل - الجزء الثاني
ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل - الجزء الثاني
ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل - الجزء الثاني
Ebook855 pages5 hours

ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل - الجزء الثاني

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook


فإن كتاب الله تعالى أحق ما أنفقت فيه نفائس الأعمار، وقصر على اعتباره وتدبره الملوان الليل والنهار، واعتمده موئلاً وملاذاً، واعتصم بعروته الوثقى وزراً منجياً وعياذاً، واستنزلت به البركات، واهتدى بواضحات أنواره عوالم الأرض والسماوات.

فهو الهدى والنور، والشفاء لما فى الصدور، والواقى لمن تمسك به واعتلق بسببه من كل مخوف وحذور، والنعمة التي قصر عن الوفاء بشكرها كل مكتوب ومسطور، وأنٍِى يتصور الكفاء ويتوهم الوفاء بشكر: "قد جاءكم من الله نور ".

وإن من مغفلات مصنفي أئمتنا رضى الله عنهم في خدمة علومه، وتدبر منظومه الجليل ومفهومه، توجيه ما تكرر من آياته لفظاً أو اختلف بتقديم أو تأخير وبعض زيادة في التعبير.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 1, 2019
ISBN9786421392504
ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل - الجزء الثاني

Related to ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل - الجزء الثاني

Related ebooks

Related categories

Reviews for ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل - الجزء الثاني

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل - الجزء الثاني - ابن الزبير الغرناطي

    ملاك التأويل (الجزء الثانى)

    سورة هود

    سورة هود

    الآية الأولى

    الآية الأولى منها قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) (هود: 10) ، وفي سورة حم السجدة: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) (فصلت: 50) ، للسائل أن يسأل عن زيادة (منا) وزيادة (من) في سورة السجدة وسقوطهما معا في سورة هود؟

    سورة هود

    والجواب عن ذلك، والله أعلم: أنه لم يرد في هود ما يستدعي تلك الزيادة، وأما سورة السجدة فتدم فيها قوله: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي) (فصلت: 47) قطعا بهم وتنبيهاً على سوء مرتكبيهم، وقد عاينوا الحق، وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل من شركاء الله سبحانه، وظنوا أي أيقنوا وعلموا أنه لا محيص لهم ولا مفر، فلما تقدم ذكر الشركاء قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا) ، فنبه تعالى بقوله (منا) على أن لا شريك له، ولا معطي غيره، وأنه لا يأتي العبد شيء من سواه سبحانه. ولما لم يتقدم في سورة هود ذكر لذلك لم يرد فيها التنبيه بقوله: (منا) وأما زيادة: (من) في قوله: (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) فمناسب لإطناب هذا الغرض في هذه السورة، فناسب ذلك الزيادة. ولإيجاز هذا القصد في سورة هود ناسبه سقوط (من) ، فجاء كل على ما يناسب ويجب، ولم يكن ليلائم كلا من الموضوعين إلا ما ورد فيه، والله أعلم.

    سورة هود

    الآية الثانية

    الآية الثانية منها: (بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (هود: 17) ، وفي آخر السورة إثر قوله: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (هود: 108) ، (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ) (هود: 109) ، وفي سورة السجدة: () وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ) (السجدة: 23) بثبات نون تكن، وحذفها في آيتي سورة هود فللسائل أن يسأل عن ذلك؟

    والجواب عنه، والله أعلم: أن العرب تصرفت في يكون عند دخول الجازم تصرفاً لم تفعله في نظائرها وما يشبهها، وبسط هذا في مظانه، فيكون الوجه في يكون عند دخول الجازم تسكين النون، فتحذف الواو عند التقاء الساكنين كما ورد في سورة

    السجدة، إلا أن حذف النون في يكون من فصيح كلامهم ما لم تكن متحركة، فإن كانت متححركة لم تحذف لقوتها بالحركة وإن كانت عارضة كقوله تعالى: (لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ... ) (البينة: 1) ، ولا تحذف هذه إلا في الشعر نحو قوله:

    لم يك الحق سوى أن هاجه رسم دار قد تعفَّى بالسررْ

    فورد في سورة هود على ما اعتمدوه من تخفيف هذا اللفظ ليناسب بذلك إيجاز الكلام المتعلق بقوله: (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) (هود: 17) ، والمتصل به تمامه تمام معنى المقصود وذلك قوله: (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (هود: 17) ، وكذلك قوله في آخر السورة: (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ) (هود: 109) إلى قوله: (غَيْرَ مَنقُوصٍ) (هود: 109) .

    وورد في سورة السجدة على أصل الكلمة قبل حذفها فقيل: (فَلا تَكُنْ) ، ليجريذلك مع ما ورد في هذه السورة من طول الكلام المتعلق بقوله (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ) (السجدة: 23) ، ألا ترى أن الكلام واحد إلى قوله: (فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (السجدة: 25) ، فنوسب الإيجاز بالإيجاز والطول بالطول والله أعلم.

    الآية الثالثة

    الآية الثالثة منها قوله تعالى: (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ) (هود: 22) ، وفي سورة النحل: (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ) (النحل: 109) ، للسائل أن يسأل عن وجه تخصيص آية هود بقوله: (الأَخْسَرُونَ) وآية النحل (بقوله) (الْخَاسِرُونَ) ؟ (وهل كان يمكن العكس) ؟

    والجواب: أن آية هود تقدمها (ما يفهم) المفاضلة، ألا ترى أن قوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ) (هود: 17) ، الآية يفهم من سياقها أن المراد: أفمن كان على بينة من ربه كمن كفر وجحد (وكذب) الرسل؟ ثم أتبع هذا بقوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) (هود: 18) ، فهذا صريح مفاضلة، ثم أستمرت الآي في وصف من ذكر وعرضهم على ربهم وقول الأشهاد: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (هود: 19، 18) إلى ذكر مضاعفة العذاب لهم، وأستمر ذكرهم إلى قوله: (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ) (هود: 22) ، فناسب لفظ الأخسرين بصيغة التفاضل، ومقصود التفاوت ما تقدم مما يفهم ذلك

    من قوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) (هود: 17) ، وأفعل من كذا في قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى) (هود: 18) ، فالأيات من لدن قوله (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) إلى قوله: (هُمْ الأَخْسَرُونَ) (مبنيات على ما ذكرناه غير خارجة عن هذا المقصود، ولو ورد هنا ((الخاسرون)) مكان ((الأخسرين)) لتنافى النظم وتباين السياق ولم يتناسب.

    وأما آية (النحل) فلم يقع قبلها أفعل التي للمفاضلة والتفاوت ولا ما يفهمهما، وإنما قبلها: (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ) (النحل: 105، 104) ، وبعد هذا (وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (النحل: 107) ، وبعد هذا (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) ، فتأمل هذذه الفواصل واتفاقها في اسم الفاعل المجموع جمع السلامة في قوم متفقي الأحوال في كفرهم إلى أن ختم وصفهم وما قصد من ذكرهم بقوله: (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ) ، فتناسبت الآي في السياق والفواصل، وختمت بمصل ما به بدأت، ولم يكن ليناسب ما ورد هنا لفظ المفاضلة، إذ ليس في الكلام ما يستدعي ذلك لا من لفظه ولا معناه، ووضح إختصاص كل من العبارتين بمكانة، وإن العكس لا يلائم، والله أعلم.

    الآية الرابعة

    الآية الرابعة من سورة هود قوله تعالى في قصة نوح عليه السلام: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) (هود: 28) ، في قصة صالح بعد: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً) (هود: 63) ، للسائل أن يسأل عن مجاوبة كل واحد من هذين النبيين الكريمين لقومه، لم تقدم المجرور في قول صالح عليه السلام (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً) على المفعول الثاني من مفعولي أتى التي هو رحمة والوجه تأخيره لأنه فضله كما تقدم متأخرا في قول نوح عليه السلام (وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) ؟

    والجواب على ذلك: أن قوم صالح، عليه السلام، بالغوا في أساءت الجواب حين قالوا: (قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا) (هود: 62) ، أي قد كنت مرجواً أن تسود فينا حتى نقطع عن رأيك ونرجع إليك من أمورنا، فرموا مقامه النبوي بحط مرتبته عنهم، فلما بالغوا في إساءة الجواب جاوبهم، عليه السلام، ردا لمقالهم الشنيع بقوله: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً) (هود: 63) ، ولا شك أن عليه السلام كذلك، وأنه على بصيرة من أمره، ولكنه خاطبهم على ما يجري في مناظرة من فرض ما لا يعتقده المناظر على حسب نطقه، ولكنه يستنزل بذلك مناظرة ليقيم الحجة عليه، فيقول هب كذا على ما

    تقوله، فعلى هذا جرى قول النبي الكريم (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) ، أي كيف ترون إن كنت على واضحه وعلى يقين من ربي وآتاني منه رحمة فعصيته بموافقتكم، فإن فعلت ذلك فمن ينصرني ويمنعني من عذابه، فخاطبهم عليه السلام بطريقة فرض هذا: إن كان كذا، وهو عليه السلام العليم بحاله الجليل، وعلى بينة من ربي، وأكد بتقدم المجرور في قوله (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً) ، لما يحرز تقديمه من التأكد ويعيه مفهومه من أن الرحمة منه سبحانه لا يشرك فيها غيره، فهو مخصوص لا يحصل مع تأخيره. فتقديم هذا الضمير المجرور كتقديمه في قوله سبحانه: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (الأخلاص: 4) ، وقد تقدم مثله في إنشاد سيبويه (رحمة الله عليه) :

    لتقربن قرباً لجذيا ما دام فيهن فصيل حيا

    فلما بالغوا في قبح الجواب بالغ، عليه السلام في رد مقالهم، فقدم المجرور لتأكيد أن الرحمة من عند الله تعالى: (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً) .

    ولما لم يكن في مراجعة قوم نوح مثل هذا في شناعة الجواب، لأن أقصى المفهوم من قولهم: (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا) ، إلحاقه بهم ومماثلته إياهم، وكلهم يقولون لو كنت رسول لكنت من الملائكة ولم تكن لتماثلنا. فلم يكن في قول هؤلاء ما في قول قوم صالح، فجرى جوابه، عليه السلام، على نسبة ذلك فقال: (وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) ، فأتى بالمجرور مأخراً في محله على ما يجب، حيث لا يقصد في إحراز المفهوم ما قصد في الآية الأخرى، فورد كل على ما يلائم، والله أعلم.

    الآية الخامسة

    الآية الخامسة من سورة هود قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) (هود: 40) ، وفي سورة: ((قد أفلح المؤمنون)) (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ... ) (المنؤمنون: 27) . للسائل أن يسأل عن وقله في سورة هود (قُلْنَا احْمِلْ) وفي السورة الثانية (فَاسْلُكْ) والقصة واحدة فهل ذلك بمقتض لكل واحد من الموضوعين بما وقع فيه؟

    والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن لفظ احملأوسع مواقع في اللغة وأكثر تصرفاً في الكلام تقول: حملت الشيء إلى فلان، وحملته على كاهلي، وحملت العلم عن فلان، وحمل فلان الأمانة، وحمله الغضب على كذا، وحمِل الفارس على صاحبه، وحملت المرأة والشجر، ولا تقول في شيء من هذا سلك إلا أن يكون المحصور فيه حسبما

    تعاقب سلك وحمل إن لم يعرض في المعنى ما يمنع. وأما سلك فإن العرب تقول: سلكت الشيء في الشيء وأسلكته أي أدخلته قال الله تعالى: (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) (القصص: 32) ، أي أدخلها، وقال تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (المدثر: 42) أي ما أدخلكم، وقال تعالى: (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً) (الجن: 17) أي ندخله فيه، وكل ما يخرج سلك عن هذا المعنى من الدخول حقيقة ومجازاً، ففيها من حيث معنها الخصوص، وأما حمل ففيها اتساع لا يكون في سلك. فوجه ورودها في سورة هود مناسبتها من حيث المعنى من حيث ما اقترن بها من لفظ: ((قلنا)) ، فطال الكلام لفظا مع ما أشرنا إليه من سعة المحامل، وإن لم يرد جميعها هنا، لكن ناسب مجموع هذه العبارة ما ورد في سورة هود من إستيفاء قصة نوح، عليه السلام، وطول الكلام بذلك.

    وأما آية المؤمنون ففي قصة نوح فيها إيجاز وإجمال، إلا ترى أنها في كلمها وعدد حروفها - أعني آية هود - على الضعف أو أطول مما في سورة المؤمنون، فلذلك ورد في سورة المؤمنون لفظ ((أسلك)) لإيجازه من حيث معناه وعروه عن (إقتران) لفظ ((قلنا)) أو غيره مما يحرز الطول، بخلاف ما في سورة هود. ومما يعضد هذا المقصود ويشهد له قوله تعالى في سورة هود: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا) (هود: 40) ، وفي سورة المؤمنون: (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا) (المؤمنون: 27) . فتأمل تنظير ((حتى)) وهي على أربعة أحرف بفاء التعقيب في سورة المؤمنون في قوله: ((فإذا)) ، وإنما الفاء على حرف واحد، فنوسب بالفاء موضعها المبنى على الإيجاز، وبحتى موضعها المبني على الاستيفاء والطول، فقد وضح ورود كل من ما في السروتين على ما يجب ويناسب، والله سبحانه أعلم بما أرد.

    الآية السادسة

    الآية السادسة من سورة هود: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) (هود: 58) ، وقال في قصة شعيب عليه السلام: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) (هود: 94) ، فعطفت لما على ما قبلها بواو النسق في هذين الموضوعين وخالفت قصة صالح وقصة لوط، عليهما السلام، في الحرف المعطوف به هذه الجملة المصدرة بحرف الوجوب فقيل في قصة صالح عليه السلام: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) (هود: 66) ، وفي قصة لوط عليه السلام: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) (هود: 82) ، بعطف لما على ما قبلها من هتين الآيتين بفاء التعقيب، فللسائل أن يسأل عن وجه اختصاص آيتي هود وشعيب بالواو وآيتي صالح ولوط، عليهما السلام، (فاء التعقيب؟ وهل ذلك بواجب؟) .

    والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آيتي صالح وهود ورد فيهما ما يقتضي معناه أن يربط بالفاء المقتضية التعقيب، أما قصة صالح منهما فتقدمها قوله تعالى: (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) (هود: 65) ، فكأن قد قيل: فلما انقضت، فالموضوع للفاء لمقصود التعقيب. ومثل هذا من غير فرق قوله تعالى في قصة لوط عليه السلام: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) (هود: 81) ، ولا شك أن المعنى يستدعي تقدير فلما أصبح تحقيقا لصدق الوعيد، وإعقاباً لا يتحصل بغير الفاء، فهذا يوجب خصوص الفاء بهذين الموضعين. وأما قصة هود عليه السلام، فلم يرد فيها ما يستدعي تعقيباً، بل قبلها ما يقتضي أن ينسق ما بعده عليه بواو العطف، وذلك قوله تعالى مخبراً عن قوم هود: (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا) (هود: 57) ، ثم قال: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا) (هود: 58) ، فعطف هذه الجمل بعضها على بعض بما يعطي ذلك، ويناسب العطف بالواو، وعلى هذا وردت آية شعيب عليه السلام، فورد قبلها: (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ) (هود: 93) ثم بعد ذلك: (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) (هود: 93) ، وليس هذا ما يقتضي تعقيباًَ بل بابه حمل الآي بعضها على بعض بحرف التشريك، فجاء كل على ما يناسب، والله أعلم بما أراد.

    الآية السابعة

    الآية السابعة قوله تعالى في قصة هود: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً) (هود: 60) ، وفي قصة موسى بعد من هذه السورة: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً) (هود: 99) فجمع في قصة هود بين اسم الإشارة ولفظ الدنيا الجاري عليه وصفا، وأكتفي في قصة موسي باسم الإشارة دون التابع، فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟ وهل كان يجوز عكس الوارد؟

    والجواب عن ذلك: أن الوارد عليه كلا من الآيتين لا يحسن خلافه ولا يناسب، وذلك لوجهين: أحدهما أن قصة هود، عليه السلام، في هذه السورة أكثر استيفاء من قصة موسي عليه السلام، بكثير فناسب الطول الطول والإيجاز الإيجاز، ولا يليق العكس. والوجه الثاني أن قوله تعالى في قصة هود: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً) (هود: 60) ، وارد على الأصل من الجمع بين التابع نعتاً أو عطف بيان وبين متبوعه، وجاء في قصة موسى عليه السلام: ((وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً) على حذف الوصف للإكتفاء باسم الإشارة، وكل فصيح، فجيء بما هو في الأصل أولاً، ثم جيء ثانياً بما هو ثان عنه على ما ينبغي، ولا يحسن العكس لأن ذلك شبه التفسير وبابه أن يتقدم، فما يحذف يكون لما تقدم من ما يدل عليه ويحذف لما سيأتي بعد إلا في قليل نحو قوله: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض، والرأي مختلف، وهذا الوجه كاف. والوجه الأول أنسب لراعي النظم، والله أعلم.

    الآية الثامنة

    الآية الثامنة من سورة هودقوله تعالى: في قصة صالح: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍقَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (هود: 62) ، وقال في سورة إبراهيم عليه السلام: (وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (إبراهيم: 9) ، للسائل أن يسأل عن ثبات النونين وهما للمضاعفة الداخلة للتأكيد ونون الضمير في ((إننا)) في سورة هود (وسقوط إحدى النونين في سورة إبراهيم من ((إِنّا)) ؟ وعن إفراد النون في سورة هود: (في)) (تَدْعُونَا) والحاق نون ثانية في (تَدْعُونَنَا) من سورة إبراهيم؟

    والجواب عن ذلك: أن ((إننا)) الواردة في سورة هود المضموم فيها إلى أن المشددة الناصبة للإسم والرافعة للخبر نون الضمير المنصوب وارده على ما يجب وعلى الأصل في إتصال الضمير المنصوب، ثم يجوز حذف إحدى المضاعفين تخفيفاً فنقول: (إنا) فنكتفي بالضمير عن النون المحذوفة، وذلك من فصيح كلامهم، والأصل الأول، وإذا تقرب هذا فاعلم أن الضمير المتصل بالفعل في (تدعونا) في سورة هود ضمير مفرد مستتر وهو ضمير صالح، عليه السلام، ورفع هذا الفعل بالضمة المقدرة في الواو من (تدعونا) ضمير قوم صالح. ولا نون هنا غير هذه، وأما قوله في سورة إبراهيم عليه السلام: (مِمَّا تَدْعُونَنَا) فالواو ضمير الرسل المقول لهم: (إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ) ، ورفع هذا الفعل بالنون الأولى والنون الثانية ضمير المدعوّين، فلابد هنا من النونين في (تدعوننا) ، فلما لزمت النونان هنا جيء معهما بإن المحذوفة النون لتقارب اللفظ أعني قرب إن من تدعوننا، فكان في مظنة الإستثقال فحسن الحذف حيث يجوز فقيل: (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (إبراهيم: 9) ، ولما لم يكن في (تدعونا) في سورة هود إلا نون واحدة وهي نون الضمير لم يستثقل، فجيء بإننا على الأصل فجاء كل على ما يجب، والله أعلم بما أراد.

    الآية التاسعة

    الآية التاسعة من سورة هود، عليه السلام، قوله تعالى في قصة صالح: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (هود: 67) ، وقال في هذه السورة في قصة شعيب عليه السلام: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (هود: 94) ، يسأل عن سقوط علامة التأنيث من الفعل في قوله: (وَأَخَذَ) في قصة صالح وثبوتها فيه في قصصة شعيب مع التساوي في الفاعل وهي الصيحة والتساوي في الفصل الواقع بين الفعل وفاعله الرافع له؟

    والجواب عن ذلك: أن التأنيث على ضربين حقيقي وغير حقيقي، فالحقيقي لا

    تحذف تاء التأنيث من فعله غالباً إلا أن يقع فصل نحو قام اليوم هند، وكلما كثر الفصل حسن الحذف، ومن كلامهم حضر القاضي اليوم امرأة، والإثبات مع الحقيقي أولى ما لم يكن جمعاً. وأما التانيث غير الحقيقي فالحذف فيه مع الفصل حسن، قال تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى) (البقرة: 275) ، وهو كثير، فإن كثر الفصل ازداد حسناً، (ومنه) (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) ، فالحذف والإثبات هنا جائزان والحذف أحسن، فجاء الفعل في الآية الأولى على الأولى، ثم ورد في قصة شعيب وهي الثانية بإثبات علامة التأنيث على الوجه الثاني، جمعاً بين الوجهين إذ الآيتان في سورة واحدة وتقدمها الأولى على ما ينبغي، والله أعلم. وهذا ما لم يكن الفاعل ضمير مؤنث فله أحكام تخصه.

    الآية العاشرة

    الآية العاشرة (من سورة هود عليه السلام) قوله تعالى: (أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ) (هود: 68) وقرئ ثمود في الموضوعين بالوجهين من الصرف وعدمه إلا أن أكثر القراء على الصرف في الأول ومنعه في الثاني، فيترتب على قراءة الأكثرين سؤال وهو لم صرف في الأول في قراءة غير حفص وحمزة ومنع الثاني الصرف في قراءة الجماعة غير الكسائي؟

    ووجه ذلك، والله أعلم: التفات شيء في خفاء يراعي مثله وذلك أن الاسم النكرة إذا تكرر وأريد بالثاني الأول ولم يرد غيره لزمت الألف واللام التي للعهد فصار معرفة تقول: رأيت رجلاً فضربت الرجل تريد المذكور ولا تعيده نكرة بوجهه، ولك أن تأتي به مضمراً فتقول رأيت رجلاً فضربته فإذا تكلمت (بهذا) في المعرفة فالأكثر أن تأتي به مضمراً أو موصوفاً كقولك المذكور أو ما لا يخرج عن الأول حتى لا يظن أنك تريد سواه فتقول: رأيت زيداً فكلمته ولقيت عمراً فضربت المذكور أو ضربت عمراً المذكور، والثاني المكرر أبداً إن كان الأول نكرة كان هو معرفة بأداة العهد، وإن كان الأول معرفة كان الثاني أمكن في التعريف إذ قد يدخل الأول اشتراك لوجود أمثله ممن سمّي باسمه، أما الثاني فلا يدخله اشتراك من حيث هو إلا أن يسري له الاشتراك من الأول، (فقد) ثبت على كل حال أنه أبعد من الاشتراك والالتباس من الأول وذلك شفوف له عليه، فكأنه أعرف منه فإذا تكرر غيرر مضمر ولا منعوت وكان علماً مما يجوز في مثله الوجهان من الصرف وعدمه وذلك الثلاثي الساكن الوسط، والعرب قد تصرفه لخفته ومنهم من يمنعه الصرف لوجود علتين ولا يراعى خفته، وقد أنشدوا عليه:

    لم تتلفع بفضل مئزرها دعدّ ولم تستق دعدُ في العلبِ

    فصرف أولاً ولم يصرف آخر، فإذا كان أكد تعريفاً كان الوجه منع صرفه إشعاراً

    لتمكن تعريفه، إذ هذا الضرب من التعريف من موانع الصرف ولا اعتبار بما دونه من المعارف في منع الصرف إلا لموانع أخر، فلهذا كان الثاني في قوله: (ألا بعداً لثمود) أولى بمنع الصرف، والله أعلم، وعلى هذا ورد ما أنشدوه (من قوله) :

    لم تتلفع بفضل مئزرها دعدٌ ولم تسق دعدٌ في العلبِ

    فالمؤنث الثلاثي الساكن الوسط إذا لم يكن منقولاً عن مذكر فيه الوجهان الصرف وعدمه، إلا أن في اختصاص مكرره بالمنع تأنيس لما ذكرناه وإن لم ترد به الشواهد إذ باب هذا معروف ومفهوم لا توقف فيه.

    الآية الحادية عشر

    الآية الحادية عشر: غ - قوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) (هود: 77) ، وفي سورة العنكبوت: (وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ) (العنكبوت: 33) فوردت آية العنكبوت بزيادة (أن) بعد (لما) بخلاف آية هود، فللسائل أن يسأل عن ذلك؟

    الجواب عنه، والله أعلم: أن (أن) هذه الخفيفة كثيراً ما تزاد، وزيادتها على ضربين بقياس وغير قياس، فالذي بغير قياس نحو قوله:

    كأن الظبية تعطو إلى وارث السلم

    فزيدت بعد كاف التشبيه بينها وبين مجهورها، وأما التي تزاد بقياس فبعد لما، ولما ورد في آية هود قوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا) ثم ورد هذا اللفظ بجملته في سورة العنكبوت متكرراً بعينه ورد أولا بغير ((أن)) على الأصل، وورد ثانيا بزيادة أن على الثاني ليحصل (بين) التواردين ما يرفع تقصاقل اللفظ المذكور.

    فإن قلت: فإنه قد تباعد ما بين الآيتين ومثل هذا ما يحصل فيه ما ذكرت، فإقول: لما كان اللفظ اللفظ وكان زيادة (أن) وعدم زيادتها هنا هيناً فصيحاً جيء بالجائزين معاً وتأخرت الزيادة إذ هي غير الأصل إلى المتأخر من الآيتين.

    فإن قلت: إن قوله تعالى: (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ) (يوسف: 96) لم يقع فيه تكرر فلم زيد فيه أن ولم يأت على الأصل؟ قلت: لما كان مجيء البشير إلى يعقوب، عليه السلام، بعد طول الحزن وتباعد المدة ناسب ذلك زيادة أن لما في مقتدى وصفها من التراخي، فورد كل من هذا على ما يجب، والله أعلم.

    الآية الثانية عشر

    الآية الثانية عشر من سورة هود، عليه السلام، قوله تعالى: (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ) (هود: 81) ، وقال في سورة الحجر: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) (الحجر: 85) هنا ثلاثة سؤالات: أحدها (إلا أمراتك) في سورة هود، ولم يقع ذلك الإستثناء في الحجر، والثاني: ما ورد في الحجر قوله: (وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ) ، والثالث قوله: (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) ولم يذكر في سورة هود.

    والجواب عن الأول: أن آية الحجر ورد قبلها قوله في قصة إيراهيم عليه السلام: (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ *الُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ) (الحجر: 57 - 60) ، فلما ورد هنا استثناء المرأة وذكر حالها وقع بذلك الاكتفاء فلم يذكر في الآية بعد، إذ ذلك كله كلام متصل بعضه ببعض، ولم يتقدم لامرأة لوط، عليه السلام، في سورة هود ذكر تحتيجة إلى استثنائها.

    والجواب عن السؤال الثالث أن قوله في سورة الحجر: (وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) (الحجر: 65) زيادة إخبار بما ليس في سورة هود، وقد تأخرت سورة الحجر عنها. فوفت بما لم يذكر في سورة هود، ومصل هذا لا سؤال فيه.

    الآية الثالثة عشر

    الآية الثالثة عشرغ - قولة تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (هود: 82) ، وفي صورة الحجر: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (الحجر: 74) ، ففي الأولى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا) والضمير للقرية والمراد أهلها، وفي الثانية: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا) والضمير لقوم لوط فللسائل (أن يسأل) عن وجه اختلاف الضمير مع اتحاد المقصود؟ والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن كلا من الموضوعين مراعي فيه مناسبة ما تقدمه، ولما تقدم آية الحجر قوله تعالى: (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (الحجر: 58) ، فذكر قوم لوط موصوفين بالإجرام الموجب لهلاكهم فروعي هذا المتقدم فقيل: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا) (الحجر: 74) ونظير هذا قوله تعالى في سورة الذاريات: (الُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ) (الذاريات: 32 - 33) ، فقيل: (عليهم) لما تقدم (قوله) : (إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) ، وأما آية هود فلم يتقدم فيها مثل هذا، فكتفى بضمير القرية فقيل: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا) (هود: 82) ،

    وأغنى ذلك عن ذكر المهلكين إذ هم المقصودون بالعذاب، فورد كل على ما يناسب، والله أعلم.

    الآية الرابعة عشر

    الآية الرابعة عشر من سورة هود قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) (هود: 96 - 97) ، وقال في سورة غافر: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) (غافر: 23 - 24) ، وقال في سورة الزخرف: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الزخرف: 46) ، وقد ذكر صاحب كتاب الدرة هذه الآيات الثلاث لستوائها في الافتتاح والمطالع وانفراد آيتي هود وغافر بزيادة قوله (وسلطان مبين) ، ولم يذكر ذلك في آية سورة الزخرف، وقد ورد في مثل هذا أمثلة في العدد وإن خالفه في المطالع والافتتاح إلا أنها من ضربها وذلك قوله في سورة المؤمنون: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ) (المؤمنون: 45 - 47) ، وتقدم في سورة الاعراف: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا) (الاعراف: 103) ، وفي سورة يونس: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) (يونس: 75) ، فورد في سورة هود وفي سورة المؤمنون وسورة غافر زيادة قوله: (وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ) ولم تزدد هذه الزياده في السور الثلاث الآخر، وورد في سورة يونس وسورة المؤمنون ذكر تأييد موسي بأخيه هارون، عليهما السلام، ولم يرد ذلك في غيرهما، وأنفردت سورة المؤمنون بالجمع بين تأييده، عليه السلام، بأخيه وسلطان مبين، فللسائل أن يسأل عن توجيه ذلك كله لاتحاد الاخبار؟

    والجواب عنه، والله أعلم: أنه حيث يذكر سوء رد المرسل اليهم وقبح جوابهم يقابل ابدا تأيده بأخيه أو عضده بالآيات مما يقتضي القهر والإرغام وهو المعبر عنه بالسلطان المبين فيكون ذلك مقابلة لشنيع مجاوبتهم وسوء ردهم بالجملة، فإنه إذا اجتمع افصاحهم بالتكذيب واستكبارهم جمع في التهديد المتقدم بين التأييد بهارون وسلطان مبين، وحيث يصرح بالتكذيب أو ما يعطيه بيانا كقوله: (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) قدم ذلك التأييد بالسلطان (المبين) ، وحيث تذكرصفتان محوتان على تكذيب من غير إفصاح يقدم ذكر التأييد بهارون، عليه السلام، وما كان دون ما ذكر لم يذكر هارون ولا السلطان

    المبين، فمن ذلك قوله (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) فإنه اخر تعالى عنهم بأنهم لم تجد عليهم البراهين ولا الآيات، إلا اتباع أمر فرعون، وقوله تعالى مخبراًً عنهم في سورة المؤمنون بقوله: (فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ) (المؤمنون: 46) ، إلا ما تبع ذلك محكيا من قبيح قولهم: (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا) (المؤمنون: 47 - 48) وأخباره تعالى عنهم في سورة غافر في قوله: (سَاحِرٌ كَذَّابٌ) (غافر: 24) ، فهذه المواضع لما ذكر فيها شنيع مرتكبيهم في تلقي دعاء موسى، عليه السلام، إياهم قدم تواطئه لسوء مرتكبيهم تأييده، عليه السلام، السلطان المبين ليفيهم ذلك أخذهم وهلاكهم بسوء مرتكبهم، وقدم في سورة يونس تواطئه لما ذكر فيها من استكبارهم واجترامهم تأييد موسي بأخيه هارون، عليهما السلام، وذلك من السلطان المبين، ولما تضاعف المحكي من مرتكبيهم وقبيح مقالهم في سورة المؤمنون قدم في ذكر إرساله تأييده باخيه والسلطان المبين مقابلة للاخبار عنهم بقوله: (فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا) (المؤمنون: 46 - 48) ، فاخبر تعالى عنهم بالتكذيب والاستكبار والاجترام والعلو تامردا وعلوا وادعاء المماثلة لهم في البشرية الاختصار لإقدارهما العلية، فقوبل هذا الاسهاب من مقالهم السيء بالإطالة في ذكر التأييد ليتناسب الطرفان. أما حيث لم يرد ذكر السلطان فنجد جوابهم في ذلك دون ما تقدم من التشديد كقولهم في سورة الاعراف: (فَظَلَمُوا بِهَا) (الاعراف: 103) ، وقوله في سورة الزخرف: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ) (الزخرف: 47) ، فليس موقع جوابهم في هاتين السورتين كموقع ما تقدم في الآيتين، فنوسب بين طرفي الإدعاء والجواب.

    الآية الخامسة عشر

    الآية الخامسة عشر (من سورة هود) قوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 117) ، وفي سورة القصص: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص: 59) ، للسائل أن يسأل عن (قوله في) أولى الآيتين: (وما كان ربك) وفي الثانية (وما كنا) ، وعن قوله في الأولى: (ليهلك) بالفعل الداخلة عليه لام الجحود، وفي الآخر: (مهلك) و (مهلكي) بسم الفاعل، وعن قوله في الأولى: ((مصلحون)) وفي الثانية: ((حتى نبعث في أمها رسولا..) الآية وفي الثالثة: ((إلا وأهلها ظالمون)) فتلك ثلاثة اسأله.

    والجواب: أن آية هود تقدمها قوله تعالى (لَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ

    يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ) (هود: 116) ، أي فهلا كان منهم خيار وينهون

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1