Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير البسيط
التفسير البسيط
التفسير البسيط
Ebook698 pages5 hours

التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786383244910
التفسير البسيط

Read more from الواحدي

Related to التفسير البسيط

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير البسيط - الواحدي

    الغلاف

    التفسير البسيط

    الجزء 17

    الواحدي

    468

    يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة

    سورة الرعد

    تفسير سورة الرعد

    بسم الله الرحمن الرحيم

    1 - {المر} قال ابن عباس (1): معناه أنا الله أعلم وأرى، وقال في عطاء (2): يريد أنا الله الملك الرحمن، {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} يجوز أن يكون (تلك) إشارة إلى ما مضى، من ذكر الأخبار والقصص بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، قبل هذه الآية، ويجوز أن يكون (تلك) بمعنى هذه، وقد ذكرنا ذلك عند قوله: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة:1 - 2]، والكتاب يعني به: التوراة والإنجيل في قول مجاهد (3) وقتادة (4)، وقال ابن عباس (5): يريد القرآن.

    وقوله تعالى {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} قال الفراء (6): موضع (الذي) رفع بالاستئناف وخبره (الحق)، ويجوز على قول مجاهد أن يكون (1) الطبري 13/ 91، وزاد المسير 4/ 300، والثعلبي 7/ 119 أ، وأبو الشيخ كما في الدر 4/ 80.

    (2) زاد المسير 4/ 300.

    (3) الطبري 13/ 92، وزاد المسير 4/ 4، والثعلبي 7/ 119 أ.

    (4) الطبري 13/ 92، وزاد المسير 4/ 4، وأبو الشيخ كما في الدر 4/ 81، والثعلبي 7/ 119 أ.

    (5) زاد المسير 4/ 4، الثعلبي 7/ 119 أ.

    (6) معاني القرآن 2/ 57.

    الذي عطفًا على الكتاب بمعنى: وآيات الذي أنزل إليك، ثم رفع (1) الحق على معنى: ذلك الحق، أو هو الحق كقوله {وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} وعلى قول ابن عباس في الكتاب أنه القرآن يجوز أن يكون الذي من نعت الكتاب، وإن كان فيه الواو كقوله (2):

    إلى المَلِكِ القَرْمِ وابن الهُمَام ... البيت)

    فعطف الواو وهو يريد واحداً، ويكون (الحق) مرفوعًا بما ذكرنا من الإضمار، هذا كله قول الفراء (3) وأبي إسحاق (4)، وزاد فقال: ويجوز أن يكون الذي رفعًا (5) عطفًا على آيات، ويكون (الحق) مرفوعًا على إضمار هو، فحصل في الذي وجهان للرفع، ووجهان للخفض.

    وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} قال ابن عباس (6): يريد أهل مكة لا يؤمنون، وقال صاحب النظم: في هذه الآية، كأن قائلًا قال: الحق غير ما أنزل على محمد، فأجيب عن هذا القول بهذه الآية؛ أي: إن هذه الآيات والذي قبلها هو الحق، لا ما ذهبتم إليه. وهذا الذي ذكره معنى قول مقاتل (7)، فإنه قال: نزلت هذه الآية حين قال مشركو (1) في (ج): (يرفع).

    (2) البيت بلا نسبة في الإنصاف لابن الأنباري ص 376، وخزانة الأدب 1/ 451، 5/ 107، 6/ 91، وشرح قطر الندى ص 295، والكشاف 1/ 41، والبحر 5/ 213، والقرطبي 1/ 272، والطبري 13/ 92.

    (3) معاني القرآن 2/ 57، 58.

    (4) معاني القرآن وإعرابه 3/ 135.

    (5) كذا في النسخ ولعله (رفع).

    (6) زاد المسير 4/ 300.

    (7) تفسير مقاتل 158 ب، الثعلبي 7/ 119 أ.

    مكة: إن محمدًا يقول القرآن من تلقاء نفسه.

    2 - قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ} قال أبو إسحاق (1): لما ذكر أنهم لا يؤمنون، عرف الدليل الذي يوجب التصديق بالخالق، فقال: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} الآية، العمد (2): الأساطين، ومنه قول النابغة (3):

    يَبْنُون تَدْمُر بالصُّفّاح (4) والعَمَدِ

    وهو جمع عماد، يقال: عماد، وعُمَد، وعُمُد، مثل إهابٌ، وأهَبٌ وأُهُبٌ، قال ذلك أبو إسحاق (5) في قوله {عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 9]، وقال الفراء (6): العُمُد والعَمَد جمع العمود، مثل أديم وأُدُم، وأدَم، وقَضْم وقُضْم، قُضُم والعماد والعمود ما يعمد به الشيء، يقال: عمدت الحائط أعمده عمدًا، إذا دعمته فاعتمد الحائط على العماد، أي امتسك به، ومن هذا يقال: فلان عمدة قومه؛ إذا كانوا يعتمدونه فيما يحزبهم. (1) معاني القرآن وإعرابه 3/ 136.

    (2) تهذيب اللغة (عمد) 3/ 2561.

    (3) عجز بيت للنابغة وصدره:

    وخيس الجن إني قد أذنت لهم

    انظر: ديوانه ص 13، والمحرر الوجيز 8/ 111، والبحر المحيط 5/ 357، والدر المصون 7/ 10، وتهذيب اللغة (عمد) 3/ 2561، ومختار الشعر الجاهلي 152، واللسان (عمد) 5/ 3097، وخيس: ذلل، تَدْمر: بلدة بالشام، الصفاح: حجارة عراض رقاق.

    (4) في (أ)، (ب): (بالصفائح).

    (5) معاني القرآن وإعرابه 5/ 362.

    (6) معاني القرآن 3/ 291، وفيه: جمعان للعمود.

    وقوله تعالى: {تَرَوْنَهَا} فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه كلام مستأنف، والمعنى رفع السموات بغير عمد، ثم قال {تَرَوْنَهَا} أي: وأنتم ترونها كذلك مرفوعة بلا عمد (1).

    قال ابن الأنباري (2): أفاد بقوله ترونها، أنهم يرونها بلا دعامة ترفعها، ولا شيء يمسكها من الوقوع، أي الذي تشاهدون من هذا الأمر العظيم وتعاينونه بأبصاركم يغنيكم عن الإخبار وإقامة الدلائل، فترونها على هذا القول، خبر مستأنف، قال: ويجوز أن يكون ترونها متعلقًا بالسموات، والباء من صلته، وتلخيصه: (ترونها) بغير عمد، فالباء معناها التأخير بعد الرؤية، وترونها على هذا في موضع نصب في التقدير على الحال من السموات. لو صرف إلى الدائم لقيل: رأيتها (3) أنتم بغير عمد، وإذا جعلناه خبرًا مستأنفًا غير متعلق بالباء، كان الباء من صلة الرفع، وقد حصل في ترونها قولان، وهذا على قول من يقول: إن الله تعالى (4) خلق السموات بلا عماد من تحتها.

    وهو قول ابن عباس (5) فيما روى جويبر عن الضحاك عنه قال: يعني ليس من دونها دعامة، ولا فوقها علاقة، وهو قول قتادة (6) وإياس بن (1) ساقطة من (أ)، (ج).

    (2) الأضداد ص 268، والوقف والابتداء 2/ 730، 731، وزاد المسير 4/ 301.

    (3) كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب (رأيتموها).

    (4) (تعالى): ساقطة من (ج).

    (5) الثعلبي 7/ 199 ب.

    (6) الطبري 13/ 94، وعبد الرزاق 2/ 331، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في الدر 4/ 601.

    معاوية (1)، ومقاتل (2) قال: من قائمات ليس لها عمد.

    والقول الثالث في (ترونها) أنه من نعت العمد، المعنى بغير عمد مرئية، وعلى هذا الجحد الداخل على العمد واقع في المعنى على الرُؤية، والتقدير: رفع السموات بعمد لا ترونها، والعرب قد تقدم الجحد من آخر الكلمةإلى أولها، ويكون ذلك جائزًا كما تقول: لا تكلمن بغير كلام يمله السامع. معناه: بكلام لا يمله السامع، ومنه [قول] ابن هرمة (3):

    ولا أَرَاهَا (4) تَزَالُ ظَالِمَةً ... يُحْدِثُ لي نَكْبَةً وتَنْكَأُهَا

    أراد: وأراها لا تزال ظالمة، وهذا التقدير على قول من قال: إن للسموات عمدًا ولكنا لا نراها، وهو قول ابن عباس (5) في رواية، قال: لها عمد على قاف، وهو جبل من زبرجد محيط بالدنيا، ولكنكم لا ترون العمد، وهذا قول مجاهد (6).

    وأنكر قوم هذا التأويل، وقالوا: لو كان لها عمد لكانت ترى، والله -عز وجل - إنما دل هذا على قدرته من حيث لا يمكن لأحد أن يقيم جسمًا بغير عمد إلا هو، وما ذكرنا من الأقوال في (ترونها)، والتقديرات فيه، من كلام (1) الطبري 13/ 94، والدر المنثور 4/ 81، والثعلبي 7/ 119 ب. وهو: إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني أبو واثلة، قاضي البصرة، تابعي ثقة فقيه يضرب به المثل في الذكاء والدهاء والعقل والفطنة والفصاحة. توفي سنة 122 هـ. انظر: حلية الأولياء 3/ 123، وتهذيب التهذيب 1/ 197.

    (2) تفسير مقاتل 158ب، ولم أجده فيه.

    (3) سبق تخريجه.

    (4) في (ج): (ولال راها).

    (5) الطبري 13/ 94، قال: بعمد لا ترونها، الرازي 18/ 232.

    (6) الطبري 13/ 93، وابن أبي حاتم كما في الدر 4/ 600، وزاد المسير 4/ 81.

    الفراء (1) والزجاج (2) وأبي بكر، وقال الزجاج في (3) نظم هذه الآية في سورة لقمان: من قال بعمد ترونها، يكون معنى (العمد) قدرته التي يمسك بها السموات والأرض، وهي غير مرئية.

    وقوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي بالاستيلاء والاقتدار، ونفوذ السلطان، وأصله استواء التدبير، كما أن أجل القيام الانتصاب، ثم قال قائم بالتدبير، والمعنى: ثم استوى على العرش بالتدبير، للأجسام الذي قد كوّنها، فقوله {ثُمَّ} يدل على حدوث التدبير، والكلام في معنى الاستواء ماض بالاستقصاء في سورة البقرة (4).

    وقوله تعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} معنى التسخير التذليل، قال أبو إسحاق (5): كل مقهور مدبّر لا يملك لنفسه ما يخلصه من القهر، فذلك مسخّر، وقال غيره (6): أصله: سخرت السفينة، إذا أطاعت وطاب لها (1) معاني القرآن 2/ 57.

    (2) معاني القرآن وإعرابه 3/ 136.

    (3) معاني القرآن وإعرابه 4/ 195.

    (4) عند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29]، وخلاصة ما ذكره أن للاستواء معاني، منها:

    1 - أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته.

    2 - أن يستوي من اعوجاج.

    3 - بمعى أقبل.

    4 - بمعنى عمد وقصد.

    5 - صعد.

    6 - استولى.

    7 - علا.

    وقد رجح تأويل الاستواء على كل حال وقصد نفي الصفة كما هو مذهب الأشاعرة. وقد تقدم التعليق على ذلك مرارًا.

    (5) معاني القرآن وإعرابه 3/ 136.

    (6) نقله في التهذيب (سخر) 2/ 1650 عن الليث.

    السير، وقد سخرها الله تسخيرًا، وأنشد (1):

    سَوَاخِرٌ في سَواءِ اليَمِّ تَحْتَفزُ

    وتسخرت دابة فلان، ركبتها بغير أجر، ومعنى تسخير الشمس والقمر، تذليلها لما يراد منها، وهو قوله: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} أي إلى وقت معلوم، وهو فناء الدنيا.

    وهذا معنى قول ابن عباس (2) في رواية عطاء، قال: يريد أن (3) هذا كائن إلى يوم القيامة، وروي عنه (4) أنه قال: أراد بالأجل المسمى: انتهاؤهما في السير إلى درجاتهما ومنازلهما، وهو قول الكلبي (5)، قال: للشمس منازل معلومة، كل يوم لها منزل تنزله، حتى تنتهي إلى آخر منازلها، فإذا انتهت إليه لم تجاوزه ثم ترجع، فهذا الأجل المسمى، وللقمر كذلك.

    وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْر} معنى التدبير: تصريف الأمر على ما يقتضيه مستدبر حاله في عاقبته، والله تعالى يدبر الأمر بحكمته. {يُفَصِّلُ الْآيَاتِ} أي: يبين الآيات التي تدل على قدرته على البعث، وذلك أنهم كانوا يجحدون البعث، فأُعلموا أن الذي خلق السموات وأنشأ هذه الأشياء ولم تكن، قادرٌ على إعادتهم، وهو معنى قوله: {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ (1) لم أهتد إلى قائله وهو بلا نسبة في كتاب العين المنسوب إلى الخليل 4/ 156، والتهذيب (سخر) 2/ 1650، واللسان (سخر) 4/ 1963.

    (2) تنوير المقباس ص 155، وزاد المسير 4/ 301، والقرطبي 9/ 279.

    (3) ليس في (ب).

    (4) الثعلبي 7/ 120 أ، القرطبى 9/ 279، الرازي 18/ 233.

    (5) زاد المسير 7/ 19.

    تُوقِنُونَ} قال ابن عباس (1): يقول لكي يا أهل مكة توقنون (2) بالبعث، وتعلموا أنه لا إله غيري.

    3 - قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ}. قال أبو إسحاق (3): دلهم بعد أن بيّن [آيات السماء بـ] (4) آيات الأرض، قال: وهو الذي مد الأرض، روي في التفسير: أنها كانت مدوره فمدت.

    قال أهل اللغة (5): معنى المد: أخذ المجتمع بجعله على الطول والعرض، ولذلك قال الفراء (6): أي بسط الأرض طولاً وعرضًا. {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} أي جبالًا ثوابت (7)، وقال ابن عباس (8): يريد أوتدها بالجبال، وذكرنا معنى الرسو والإرساء في سورة هود (9).

    وقوله تعالى {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} معنى الزوج في اللغة (10) شكل له قرين من نظير أو نقيض، فالنظيران كزوجين من خف أو نعل، والنقيضان كالذكر والأنثى، والحلو والحامض، والرطب واليابس، وقال أبو عبيدة (11): (1) تنوير المقباس ص 155، وانظر: الطبري 13/ 95.

    (2) كذا في النسخ، ولعله خطأ من الناسخ وصحة الكلمة (توقنوا).

    (3) معاني القرآن وإعرابه 3/ 137.

    (4) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).

    (5) تهذيب اللغة (مدد) 4/ 3361، واللسان (مدد) 7/ 4157.

    (6) معاني القرآن 2/ 58.

    (7) هذا قول الزجاج، انظر: معاني القرآن وإعرابه 3/ 137.

    (8) تنوير المقباس ص 155.

    (9) عند قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [آية: 41] انظر: اللسان 3/ 1647 (سها).

    (10) تهذيب اللغة (زوج) 2/ 1574.

    (11) مجاز القرآن 1/ 321.

    الزوج الواحد، ويكون اثنين، وقال الفراء (1): الزوجان اثنان الذكر والأنثى، والضربان، وذكرنا الكلام في هذا في سورة هود (2).

    قال الزجاج (3): أي جعل فيها نوعين، وهو معنى قول ابن عباس (4): يريد صنفين، قال ابن قتيبة (5): أراد من كل الثمرات لونين حلوًا (6) وحامضًا.

    وقوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} ذكرناه في سورة الأعراف (7).

    وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أعلم أن ما ذكر من هذه الأشياء فيه برهان وعلامات لمن يفكر في عظمة الله وقدرته، ثم زادهم من البرهان.

    4 - فقال: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} قال قتادة (8): قرى قريب بعضها من بعض.

    ومعنى المتجاورات: المتدانيات المتفاوتات في الكلام (9). (1) معاني القرآن 2/ 58.

    (2) عند قوله تعالى: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [آية: 40].

    (3) معاني القرآن وإعرابه 3/ 137.

    (4) القرطبي 9/ 280، الثعلبي 7/ 120 أ.

    (5) مشكل القرآن وغريبه ص 230، الثعلبي 7/ 120 أ.

    (6) في (أ)، (ج): (حلوٌ).

    (7) عند قوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الأعراف: 54]. وقال هنالك: والتغشية إلباس الشيء .. قال أبو إسحاق: والمعنى أن الليل يأتي على النهار ويغطيه، ولم يقل يغشى النهار؛ لأن في الكلام دليلًا عليه.

    (8) الطبري 13/ 97، وأبو الشيخ كما في الدر 4/ 83، وزاد المسير 4/ 302.

    (9) كذا في النسخ ولعلها (الكلأ).

    قال مجاهد (1) وابن عباس (2) والضحاك (3)، يعني في الأرض منها عذبة ومنها مالحة، ومنها طيبة تنبت، ومنها سبخة لا تنبت، ونحو هذا قال الفراء (4)، ولا دليل في الآية على ما ذكروا؛ لأن قوله {قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} ليس فيه ما يدل على اختلافها في العذوبة والملوحة، وإنما تتبين الفائدة عند قوله: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ} وقد كشف ابن الأنباري على هذا، فموضع الآية ومحل الأعجوبة، أن القطع المتجاورة تنبت نباتًا مختلفًا، منه الحلو والعذب والحامض البعيد من الحلاوة، وشربها واحد ومكانها مجتمع لا تفاوت بينها ولا تباين، وفي هذا أوضح آية على نفاذ قدرة الله.

    وقوله تعالى: {وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ} الجنة (5): البستان الذي تجنه الشجر، والمعنى: جنات من أعناب ومن زرع ومن نخيل، والدليل على أن الأرض إذا كان فيها النخل والكرم والزرع (6) تسمى جنة، قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} [الكهف: 32] والنخيل: جمع نخل، يقال: نخلة، والجماعة نخل ونخيل، وثلاث نخلات. (1) الطبري 13/ 97، وأبو الشيخ كما في الدر 4/ 83، وزاد المسير 4/ 302.

    (2) الطبري 13/ 97 - 98، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في الدر 4/ 83، وزاد المسير 4/ 302. وهو قول عطاء كما في تفسيره ص 104.

    (3) الطبري 13/ 98، وزاد المسير 4/ 302.

    (4) معاني القرآن 2/ 58.

    (5) اللسان (جنن) 2/ 705.

    (6) في (أ)، (ج): (فالزرع).

    ومن قرأ (1) {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} بالرفع حملهما (2) علي قوله {وَفِي الْأَرْضِ} ولم يحملهما على الجنات، والجنة على هذا واقعة على الأرض التي فيها الأعناب دون غيرها.

    وقوله تعالى: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قال أبو عبيدة (3): الصنوان صفة للنخيل، وهي أن يكون الأصل واحداً ثم يتفرع فيصير نخيلاً، ثم يحملن، وهذا قول جميع أهل التفسير واللغة، قال ابن عباس (4): (صنوان)؛ ما كان من نخلتين أو ثلاث أو أكثر إذا كان أصلهن واحداً، و (غير صنوان) يريد: المتفرق (5) الذي هو واحدٌ واحد لا يجمعهما أصل واحد.

    وقال البراء بن عازب (6): الصنوان المجتمع، وغير الصنوان المتفرق (7). (1) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص (وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغير صنوان) بالرفع، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي (وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) خفضًا. انظر: السبعة ص 356، وإتحاف ص 269، والطبري 13/ 89 - 99، وزاد المسير 4/ 302، والقرطبي 9/ 282.

    (2) في (أ)، (ج): (حملها).

    (3) مجاز القرآن 1/ 322.

    (4) الطبري 13/ 99 - 100، وابن المنذر، وابن أبي حاتم 7/ 2220، وانظر: الدر 4/ 84. وهو قول عطاء كما في تفسيره ص 104.

    (5) في (ج): (المفترق).

    (6) الطبري 13/ 99، والفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2221، وأبو الشيخ وابن مردويه كما في الدر 4/ 63، والقرطبي 9/ 282، ومعاني القرآن للنحاس 3/ 470.

    (7) في (ج): (المفترق).

    وقال ابن الأنباري: الصنوان ما اجتمع أصله من النخل، والذي يفترق أصله فليس بصنوان، يقال: هذا صنو فلان، إذا كان أصلهما واحداً، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن عم الرجل صنو أبيه (1) يعني أن أصلهما واحد

    قال أبو عبيد (2): وأصل الصنو إنما هو في النخل، وقال شمر (3): يقال: فلان صنو فلان، أي: أخوه، ولا يسمى صنوًا حتى يكون معه آخر، فهما حينئذ صنوان، وكل واحد منهما صنو صاحبه.

    وقال أبو إسحاق (4): ويجوز في صنو أصناء، مثل عدل وأعدال، فإذا كثرت فهو الصّني والصنى.

    وقال أبو علي (5): الكسرة التي في صنوان ليست بالكسرة التي في صنو؛ لأن تلك قد حذفت في التكسير، وعاقبتها الكسرة التي يجلبها التكسير، وقد ذكرنا هذا في نظيره من الكلام، وهو قنوان في قوله: {قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [الأنعام: 99] مستقصى، وروى القواس عن حفص (6) صُنوانٌ بضم الصاد، جعله مثل: ذيب وذوبان، وربما تعاقب فِعْلان وفُعْلان على البناء الواحد، نحو: حُش وحُشان. (1) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (983) كتاب الزكاة، باب تقديم الزكاة، وأحمد في مسنده 2/ 322، 323، والترمذي (3761) كتاب: المناقب، باب مناقب العباس مختصرًا. وأخرجه الطبري 13/ 100 - 101.

    (2) غريب الحديث 1/ 217، والتهذيب (صنو) 2/ 2061.

    (3) التهذيب (صنو) 2/ 2561.

    (4) معاني القرآن وإعرابه 3/ 138.

    (5) الحجة 5/ 9.

    (6) قال ابن مجاهد: حدثني الحسن بن العباس عن الحُلْواني عن القواس عن حفص. عن عاصم (صُنوانٌ) بضم الصاد والتنوين، ولم يقله غيره عن حفص، اهـ. السبعة ص 356.

    قال أبو علي (1): وأظن سيبويه قد حكى فيه الضم، والكسر أكثر في الاستعمال.

    وقوله تعالى: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} أي يُسقى هذه الأشياء بماء التي ذكرها من القطع المتجاورة، والجنات والنخيل المختلفهَ، ومن قرأ (2) {يُسْقَى} بالياء، كان التقدير: يسقى ما قصصناه وما ذكرناه، قال ابن عباس (3): يريد البئر واحد، والشرب واحد، والجنس واحد، {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} يخبر بعجائبه وقدرته في خلقه، وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أ: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ}. قال: الفارسي (4) والدَّقل (5) والحلو والحامض (6). (1) الحجة 5/ 9.

    (2) اختلف القراء في الياء والتاء من قوله (يُسْقَى)، وفي النون والياء من قوله (ونُفضِّل). فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (تُسقى) بالتاء (ونفضل) بالنون، وقرأ حمزة والكسائي (تسقى) بالتاء ممالة القاف (ويفضل) بالياء مكسورة الضاد، وقرأ عاصم وابن عامر (يسقى) بالياء (ونُفضَّل) بالنون. انظر: السبعة ص 356، وإتحاف ص 269، والطبري 13/ 101 - 102، وزاد المسير 4/ 303، والقرطبي 9/ 289.

    (3) تفسير كتاب الله العزيز 2/ 294 بنحوه.

    (4) الفارسي من التمر، لعله البرني، وهو ضرب من التمر أصفر مدور، عذب الحلاوة وهو أجوده. تعليق محمود شاكر على الطبري 13/ 103.

    (5) الدقل: أردأ أنواع التمر.

    (6) أخرجه الترمذي (3118) كتاب تفسير القرآن، باب ومن تفسير سورة الرعد، ولكنه قدم الدقل على الفارسي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/ 65.

    وأخرجه الطبري 13/ 103، وعلق عليه أحمد شاكر بقوله "فهذا إسناد كما ترى فيه من الهلاك، وانفراد الضعيف به فيه ما فيه، فكيف جاز للترمذي أن يحسنه مع = وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس (1) قال: يعني تُسْقَى القطع (2) كلها بماء السماء، و {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} يعني اختلاف الطعم والشجر.

    وقال أبو إسحاق (3): والأُكُل الثمر الذي يؤكل، ويفصّل الآيات بالياء؛ لأنه جرى ذكر الله تعالى، فالمعنى: يُفصِّلُ الله الآيات، وكذلك من قرأ بالنون؛ لأن الإخبار عن الله تعالى بلفظ الجماعة كقوله إنا نحن، وقال غيره (4): الأكل المهيأ للأكل، ومنه قيل: للرزق الأُكْل، يقال: فلان كثير الأُكْل من الدنيا.

    وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.

    قال ابن عباس (5): يريد أهل الإيمان وهم أهل العقل الذين لم يجعلوا لله (6) ندًّا، وهذا دليل على أنه لم يجعل الكفار أهل عقل كعقل المؤمنين؛ لأنهم لم يستدلوا بهذه الأشياء على توحيد الصانع كما استدل أهل الإيمان. = هذه القوادح التي تقدح فيه من نواحيه اهـ. تعليق الطبري 16/ 345.

    وروى عن ابن عباس نحوه كما في الطبري 13/ 103.

    وأخرجه ابن المنذر والبزار وأبوالشيخ وابن مردويه، وابن أبي حاتم 7/ 2221، وانظر: الدر 4/ 85.

    (1) الطبري 13/ 103 بنحوه تنوير المقباس ص 155.

    (2) ليس (ج).

    (3) معاني القرآن وإعرابه 3/ 138.

    (4) انظر: تهذيب اللغة (أكل) 1/ 176، واللسان (أكل) 1/ 100 - 101.

    (5) تنوير المقباس ص 155 بنحوه.

    (6) في (أ)، (ج): (الله).

    5 - قوله تعالى {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} قال ابن عباس (1): يريد من كذيبهم إياك بعد ما كنت عندهم الصادق الأمين، وقال جماعة من أهل التفسير (2): وإن تعجب يا محمد من عبادتهم ما لا يملك لهم نفعًا ولا ضرًّا، بعد ما رأوا من قدرة الله في خلقه الأشياء التي ذكرها، فعجبٌ قولهم {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} قال أبو إسحاق (3): أي هذا موضع عجب أنهم أنكروا البعث، وقد بيّن لهم من خلق السموات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة مما قد تبينوا.

    قال ابن عباس: يريد فعجب قولهم أن ضعفوا قدرتي بإنكار البعث، وتلخيصه: إن تعجب يا محمد من اتخاذهم الأوثان وتكذيبك بعد البيان، فتعجب من هذا أيضًا، فإنه موضع العجب، ومعنى قوله: {فَعَجَبٌ قَوْلُهُم} أي عندك؛ لأن الله تعالى لا يعجب من شيء (4).

    قال أبو علي (5): من قرأ (6) بالاستفهام في أإذا وأإنَّا فموضع {أَإِذَا} نصب بفعل مضمر، يدل عليه قوله: {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، لأن (1) أخرجه ابن أبي حاتم 7/ 2221، وأبو الشيخ عن الحسن نحوه كما في الدر 4/ 85، والقرطبي 9/ 284.

    (2) الطبري 13/ 103 - 104، الثعلبي 7/ 121 ب، زاد المسير 4/ 304، القرطبي 9/ 284.

    (3) معاني القرآن وإعرابه 3/ 138.

    (4) سبق التعليق على نفيه هذه الصفة في مبحث منهجه في العقيدة.

    (5) الحجة 5/ 11.

    (6) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (أيذا كنا ترابًا أينا) جميعًا بالاستفهام، غير أن أبا عمرو يمد الهمزة ثم يأتي بالياء ساكنة، وابن كثير بالياء ساكنة من غير مدة، وقرأ نافع (أيذا) مثل أبي عمرو، واختلث عنه في المد، وقرأ (إنَّا) مكسورة الألف على الخبر، ووافقه الكسائى اكتفائه بالاستفهام الأول عن الثاني غير أنه كان يهمز همزتين، وقرأ عاصم وحمزة (أءذاكنا .. أعنا) بهمزتين فيهما جميعًا، وقرأ ابن عامر (إذ كنا) مكسورة الألف من غير استفهام، (آءنا) يهمز ثم يمد ثم يهمز، في وزن عَاعنَّا. انظر: السبعة ص 357، وإتحاف ص 269، وزاد المسير 4/ 304.

    هذا الكلام يدل على نُبعث ونُحشر، كأنه قال: أنبعث إذا كنا ترابًا، وهكذا إذا لم يدخل الاستفهام في الجملة الثانية؛ لأن ما بعد أن فيما قبله بمنزلة الاستفهام، في أنه لا يجوز أن يعمل، فلما قدرت هذا الناصب لـإذا مع الاستفهام، [لأن الاستفهام] (1) لا يعمل ما بعده فيما قبله، كذلك تقدره في أن؛ لأن ما بعدها أيضًا لا يعمل فيما قبلها، وهذا الذي ذكره أبو علي هو شرح كلام أبي إسحاق (2) وقد ذكره.

    وقوله تعالى (3): {وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} الأغلال جمع الغل، وهو طوق (4) تقيد به اليد إلى العنق، يقال منه غل الرجل فهو مغلول.

    قال أبو إسحاق (5): جاء في التفسير أن الأغلال في أعناقهم يوم القيامة؛ والدليل على ذلك قوله (6) {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ} إلى قوله {ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} (7)، قال: ويجوز أن يكون معنى الأغلال هاهنا أعمالهم السيئة التي هي لازمة لهم، كما يقال للرجل: هذا غل في عنقك، للعمل السيء، معناه أنه لازم لك وأنك مجازى عليه العذاب. (1) ما بين المعقوفين ليس في (ج).

    (2) انظر: معاني القرآن وإعرابه 3/ 138.

    (3) في (ب): (وأولئك).

    (4) في (أ)، (ج): (طرق).

    (5) معاني القرآن وإعرابه 3/ 139، وفيه: أن الأغلال الأعمال في أعناقهم.

    (6) في (ج): (تعالى).

    (7) غافر: 71 - 72.

    6 - قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ}، قال ابن عباس (1): يريد العذاب قبل الرحمة (2).

    وقال أبو إسحاق (3): أي يطلبون العذاب بقولهم {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} [الأنفال: 32] قال المفسرون (4): يعني مشركي مكة؛ سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم العذاب استهزاءً منهم بذلك، كما أخبر عنهم في آية أخرى بقوله {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال: 32] الآية، فالمراد بالسيئة هاهنا العقوبة المهلكة والعذاب، والحسنة هي العافية والرخاء، والله تعالى صرف عمن بعث إليه محمد - صلى الله عليه وسلم - عقوبة الاصطلام (5)، وأخّر تعذيب مكذبيه إلى يوم القيامة، فذلك التأخير هو الحسنة.

    قال أهل المعاني: وهي إحسانه بالإنظار في حكم (6) الله أن يمهل هذه الأمة للتوبة، ثم يأخذ من أقام على الكفر بالعقوبة، وهؤلاء الكفار استعجلوا العذاب قبل إحسان الله معهم بالإنظار.

    وقوله تعالى {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} العرب (7) تقول (1) زاد المسير 4/ 305.

    (2) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).

    (3) معاني القرآن وإعرابه 3/ 139.

    (4) الثعلبي 7/ 121 ب، والطبري 13/ 105، وقد روى هذا المعنى عن قتادة وغيره، وزاد المسير 4/ 305، والقرطبي 9/ 284.

    (5) الاصطلام: الاستئصال، واصطُلِمَ القوم: أبيدوا، والاصطلام: إذا أبيد قوم من أصلهم. انظر: تهذيب اللغة (صلم) 2/ 2047، واللسان (صلم) 4/ 2489.

    (6) في (ب): (في حلم).

    (7) تهذيب اللغة (مثل) 4/ 3342، واللسان" (مثل) 7/ 4135.

    للعقوبة: مَثُلة ومُثُلَة، مثل: صَدُقة وصًدُقَة، فالأولى لغة الحجاز، والثانية لغة تميم، ومن قال: مَثُلَة، جمعها مَثُلات، ومن قال: مُثْلَة، جمعها علي مُثُلات ومَثْلات، ومُثْلات، بإسكان الثاء، وهذا معنى قول الفراء (1) والزجاج (2) وبعض عبارتهما.

    وقال ابن الأنباري (3): المثُلَة: العقوبة المبقية في المعاقَب شيئًا بتغيير بعض خَلْقه، الذي إذا أفسد قبحت معه الصورة، وهو من قولهم: مثَّل فلان بفلان، إذا شأن خَلْقه بقطع أنفه أو (4) أذنه أو سمل عينه أو بقر بطنه، يُمثّل مَثْلا بفتح الميم وسكون الثاء، فهذا الأصل، ثم يقال للعار الباقي والخزي اللازم: مُثْلَه. انتهى كلامه. وأصل هذا الحرف من المثل الذي هو الشبه.

    قال أبو عبيدة (5): المثُلات هي الأمثال والأشباه والنظائر، يريد العقوبات التي يشبه بعضها بعضًا في الإهلاك، كعقوبات الأمم الماضية، ونحو هذا قال ابن قتيبة (6).

    وقال الزجاج (7): المعنى أنهم يستعجلون بالعذاب، وقد تقدم من العذاب ما هو مُثْلة، وما فيه نكالٌ لهم لو اتعظوا، فقوله: تقدم من العذاب ما هو مُثْلة، دليل على ما ذكرنا، وقال بعضهم: المثلات العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله. (1) معاني القرآن 2/ 59.

    (2) معاني القرآن وإعرابه 3/ 139.

    (3) زاد المسير 4/ 306.

    (4) في (ب): (أنفه وأذنه).

    (5) مجاز القرآن 1/ 323 قال: واحدتها مَثُلة ومجازها مجاز الأمثال.

    (6) مشكل القرآن وغريبه ص 230.

    (7) معاني القرآن وإعرابه 3/ 140.

    قال ابن عباس في قوله {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ}، قال: ما مثّل الله بالمكذبين قبلهم، والذي يدل من التفسير على ما ذكرنا من الاشتقاق، ما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد (1)، في قوله {الْمَثُلَاتُ} قال: الأمثال، قال أبو بكر: العقوبة يتذاكرها (2) الناس ويضربون بها الأمثال، [فسمي باسم هو من سببها، وعلى هذا سميت العقوبات أمثالًا لما يضرب بها من الأمثال] (3)، والصحيح في اشتقاق المُثْلة أنها العقوبة الظاهرة من قولهم: مثل الشيء، إذا ظهر وانتصب قائمًا، ومنه قول لبيد (4):

    ثم أصْدَرْنَاهُمَا في وارِدٍ .... صَادرٍ وهمٍ صُوَاه قد مَثَلْ

    أي انتصب وظهر، قال الأزهري (5) في هذه الآية: يقول يستعجلونك بالعذاب الذي لم أعاجلهم به، وقد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية، فلم يعتبروا بها، وكان ينبغي أن يردعهم ذلك عن الكفر، خوفًا أن ينزل بهم مثل الذي نزل بمن كفر قبلهم. (1) الطبري 13/ 105، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2223، وأبو الشيخ كما في الدر 4/ 86.

    (2) في (ج): (يتذاكراها).

    (3) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).

    (4) البيت في ديوانه ص 143، وديوان الأدب 3/ 229، وكتاب العين 2/ 132، 7/ 423، وتاج العروس 15/ 684 (مثل)، ومقاييس اللغة 2/ 478، والمعاني الكبير ص 1101، وتهذيب اللغة (مثل) 4/ 3343، واللسان (مثل) 7/ 4135.

    والوارد والصادر: الطريق، وهم. واسع ضخم، صوى الطريق: أعلامه، قد مثل: شخص وبرز.

    (5) تهذيب اللغة (مثل) 4/ 3342.

    وقوله تعالى {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} قال ابن عباس (1): لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا وصدقوا، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} للمصرِّين على الشرك، ونحو هذا قال الحسن (2): {لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} بالتوبة منه، فعلى هذا المراد بالناس المشركون وهو الظاهر؛ لأن الآية نازلة فيهم.

    7 - قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} قال المفسرون (3): إن المشركين تحكموا في طلب الآيات من نحو تفجير الأنهار بمكة، ونقل جبالها عن أماكنها، لتتسع على أهلها أو إنزال منشور من السماء، أو آية كآيات موسى وعيسى، فذلك معنى قوله: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} قال ابن عباس (4): يريد مثل الناقة والعصا، وما جاء به النبيون، وقال أبو إسحاق (5): طلبوا غير الآيات التي أتى بها، فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى، فقال الله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} قال ابن عباس: يريد بالنار لمن عصى الله. قال أهل المعاني: معناه إنما أنت منذر تنذرهم بالنار وليس إليك من الآيات شيء، إنما أمرها إلى الله تعالى، ينزلها على ما في معلومه.

    وقوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال ابن عباس (6) في رواية عطاء: (1) زاد المسير 4/ 6306.

    (2) تفسير كتاب الله العزيز 2/ 294 بنحوه.

    (3) الطبري 13/ 106، والثعلبي 7/ 112 أ، وزاد المسير 4/ 306، والقرطبي 9/ 285.

    (4) انظر: الرازي 19/ 13، وابن كثير 4/ 355.

    (5) معاني القرآن وإعرابه 3/ 140.

    (6) زاد المسير 4/ 307.

    يريد نبيًّا يدعوهم إلى الله تعالى، وهذا قول مجاهد (1)، وقتادة (2)، وابن زيد (3)، واختيار أبي إسحاق (4)، قال: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أي نبي وداع إلى الله يدعوهم بما يُعْطَى من الآيات، لا بما يريدون ويتحكمون فيه، ودل على هذا المعنى ما سبق من الكلام.

    وقال في رواية عطية (5): الهادي هو الله تعالى، وهو قول سعيد (6) بن جبير والضحاك (7)، والمعنى على هذا: بك الإنذار والتخويف، والله تعالى هادي كل قوم، يهدي من يشاء، قال الضحاك: نظيره: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] وقال الحسن (8)، وعكرمة (9)، وأبو الضحى (10): الهادي هاهنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، والمعنى على هذا ما قاله الحسين بن الفضل (11): إن هذا على التقديم والتأخير، التقدير: إنما أنت منذر وهاد لكل قوم، وليس إليك من الآية شيء، غير أنك تنذر وتدعو إلى الحق. (1) الطبري 13/ 107 - 108، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2225، وأبو الشيخ كما في الدر 4/ 86

    (2) الطبري 13/ 108، وأبو الشيخ كما في الدر 4/ 86، وزاد المسير 4/ 307.

    (3) الطبري 13/ 108، وزاد المسير 4/ 307.

    (4) معاني القرآن وإعرابه 3/ 140.

    (5) الطبري 13/ 108 - 109.

    (6) و (7) الطبري 13/ 157.

    (8) زاد المسير 4/ 307.

    (9) الطبري 13/ 107، وزاد المسير 4/ 307.

    (10) الطبري 13/ 106، والثعلبي 7/ 122 أ، وزاد المسير 4/ 307.

    (11) انظر: الطبري 13/ 109، وابن مردويه كما في الدر 4/ 86.

    8 - قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} قال ابن عباس (1): يريد: ذكر أم أنثى، أم واحد أم اثنين أم أكثر (2). وقال غيره (3): الله يعلم في بطن كل حامل، من علقة أو مضغة أو ناقص أو زائد، على اختلافه في جميع أحواله.

    وقوله تعالى: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} الغيض النقصان لازمًا وواقعًا، ذكرنا ذلك عند قوله: {وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود: 44]، وضده الازدياد، وهو أيضًا لازم وواقع، وهما واقعان في الآية، ومفعولهما محذوف؛ لأنهما من صلة (ما) والراجع إلى الموصول يحذف كثيراً.

    واختلفوا في الذي تغيضه الأرحام وتزداده؛ فقال مجاهد (4): هو خروج الدم واستمساكه، فإذا خرج الدم خس الولد، وإذا استمسك الدم تم الولد، وهذا يدل على أن [الحامل] (5) تحيض فعلى هذا الغيض ما تنقصه الأرحام من الدم، والزيادة ما تزداده منه، وقال عكرمة (6): ما رأت من دم على حملها زاد ذلك في حلمها، ونحو هذا رواه عطاء عن ابن عباس (7)، فقال: وما تغيض الأرحام، يريد: من الدم عند الحمل، كما ذكرنا من قول مجاهد، والزيادة أن يزيد على تسعة أشهر. (1) زاد المسير 4/ 308، والقرطبي 9/ 285، والبغوي 3/ 297، والرازي 19/ 13.

    (2) كذا في النسخ والوسيط والمطبوع 3/ 7، وفي الوسيط النسخة المحققة

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1