Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير البسيط
التفسير البسيط
التفسير البسيط
Ebook713 pages6 hours

التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786387132695
التفسير البسيط

Read more from الواحدي

Related to التفسير البسيط

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير البسيط - الواحدي

    وقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ} يعني: ولأبوي الميت، كناية عن غير مذكور (4)، وهما والداه. والأصل أن يقال: أبة (5)، ولكن استغنى عنها بأم، فأبوان تثنية أب وأبة، وكذلك لو ثنيت ابنًا وابنًة ولم تخف اللبس لقلت: ابنان (6).

    وقوله تعالى: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ}. أو ولد ابن، واسم الولد يقع على ولد الابن (7). (1) انظر: السبعة ص 227، الحجة 3/ 135، الكشف 1/ 378.

    (2) في (د): (فان).

    (3) انتهى من الحجة 3/ 136 بتصرف، وانظر معاني الزجاج 2/ 18، إعراب القراءات السبع 1/ 129، الكشف 1/ 378. وممن اختار قراءة النصب ورجحها على الرفع الأزهري في معاني القراءات 1/ 293، وابن خالوية في الحجة ص 120، وكثير من أئمة القراءات لم يتعرضوا للموازنة أو الترجيح بين القراءتين، فهما صحيحتان، وقد قرأ بالرفع اثنان من العشرة هما نافع وأبو جعفر. انظر: المبسوط ص 154، النشر 2/ 247.

    (4) الكشف والبيان 4/ 22 أ.

    (5) من معاني الزجاج 2/ 23، لكن فيه: والأصل في أم، أن يقال: أبة.

    (6) انتهى من معاني الزجاج 2/ 23.

    (7) انظر: الكشف 4/ 22 أ، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 335.

    والأب يرث من جهة التسمية السدس، ويرث بغير تسمية على جهة التعصيب.

    مثال ذلك: لو مات عن ابنة وأبوين، كان للابنة النصف وللأم السدس، وكذلك للأب بالتسمية لأن الله تعالى قال: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ}، وههنا ولد وهو البنت، والسدس الباقي للأب أيضًا بحق التعصيب (1).

    وقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}.

    أكثر القراء على ضم الهمزة من (أم) في جميع المواضع. وقرأ حمزة والكسائي بكسر الألف إذا وليتها كسرة أو ياء (2)، (نحو هذا) (3) ونحو قوله: {يَطُوفُونَ} (4)، {أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النور: 61]، {فِي أُمِّهَا رَسُولًا} [القصص: 59].

    فأما إذا كان ما قبل الهمزة غير كسر فالضم لا غير، مثل {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ} [المؤمنون: 50] (5).

    وإنما جاز كسر همزة (أم) لأن الهمزة حرف مستثقل، بدلالة تخفيفهم لها، فأتبعوها ما قبلها من الياء والكسرة، ليكون العمل فيها من (1) انظر: تفسير الطبري 4/ 277، معاني الزجاج 2/ 21، الجامع لأحكام القرآن 5/ 71.

    (2) في الحجة 3/ 137: وقرأ حمزة والكسائي كل ذلك بالكسر إذا وصلا وما ذكره المؤلف أوضح وهو الموافق لما في السبعة ص 228.

    (3) ما بين القوسين ليس في (د).

    (4) هكذا في (أ)، (د) وهو تحريف، والظاهر أن الصواب: {فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [الزمر: 6]، كما في الحجة 3/ 137.

    (5) ما بين القوسين زائد على ما في الحجة لأبي علي وإن كان من لازم كلامه.

    وجه واحد (1).

    قال أبو إسحاق: إنهم استثقلوا الضمة بعد الكسرة في قوله: {فَلِأُمِّهِ}، وليس في كلام العرب مثل: فِعُل بكسر الفاء وضم العين، فلما اختلطت اللام [بالاسم] (2) شبه بالكلمة الواحدة، فأبدل من الضمة كسرة (3).

    وأيضًا فإن الهمزة لما يتعاورها من القلب والتخفيف تشبه الياء والواو، فتتغير كما تتغير الياء والواو، وتقارب الهاء في المخرج، والهاء قد اتبع الكسرة في نحو: بهم، وبهي (4). كذلك الهمزة.

    فإن قيل: وهلا فعلوا ذلك بغير هذا الحرف، مما فيه الهمزة، نحو: أتّ وأسّ وأدّ من أسماء الرجال؟

    قيل: إن هذا الحرف قد كثر في كلامهم، والتغيير إلى ما كثر أسرع، وقد يختص الشيء في الموضع بما لا يكون في أمثاله، كقولهم: أسطاع وأهراق، ولم يفعل ذلك بما أشبهه، كذلك هذا التغيير في الهمزة مع الكسرة والياء اختص به هذا الحرف، ولم يكن فيما أشبهه (5). (1) من الحجة 3/ 137 بتصرف يسير، وسيرجع المؤلف إلى الإفادة منه بعد أخذه من الزجاج. وانظر: السبعة ص 228، المبسوط ص154، الكشف 1/ 379.

    (2) الزيادة من معاني الزجاج 2/ 23 لكي يستقيم الكلام.

    (3) انتهى من معاني الزجاج 2/ 23، وانظر إعراب القرآن للنحاس 1/ 400، الكشف 1/ 379.

    ويرجع المؤلف بعده إلى أبي علي في الحجة فكان كلام الزجاج اعتراضًا أثناء كلام أبي علي، وانظر: الحجة 3/ 137، 138.

    (4) هكذا الكلمة في الحجة 3/ 137، ولعل الأصل: به فأشبعت الكسرة في الهاء فأشبهت الياء.

    (5) انتهى من الحجة 3/ 137، 138.

    و (أما) (1) من ضم الهمزة فإنه أتى بها على الأصل، ألا ترى أن الهمزة في: أد وأف وبابه مضمومة على جميع أحوالها، ولا يؤدي إلى استعمال فِعُل، لأن اللام ليست من أصل الكلمة، واللام (2) من (فلأمه) قديرها تقدير الانفصال (3).

    وقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}. أجمعت الأمة على أن الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس كرجل مات عن أبوين وأخوين، كان للأم السدس، والباقي للأب. فالأخوان فما فوقهما يحجبان الأم عن الثلث إلى السدس. والأخ الواحد لا يحجب.

    وابن عباس يخالف في هذه المسألة: فلا تحجب الأم عن الثلث إلى السدس بأقل من ثلاثة إخوة. وقال لعثمان (4) -رضي الله عنه-: بم (5) صار الأخوان يردان الأم إلى السدس، وإنما قال الله عز وجل: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} والأخوان في لسان قومك ليسا بإخوة؟ فقال عثمان: يا بني إن قومك حجبوها (1) ليس في (د).

    (2) في (أ) والأم، وما أثبته هو الصواب.

    (3) انظر معاني الزجاج 2/ 23، معاني القراءات 1/ 295، الحجة 3/ 137، الكشف 1/ 380.

    (4) هو أمير المؤمنين أبو عبد الله عثمان بن عفان بن أبي العاص القرشي الأموي سبق إلى الإسلام ولقب بذي النورين وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، اتصف - رضي الله عنه - بالحلم وصلة الرحم وكثرة العبادة والإحسان ولين الجانب، استثمهد على يد جماعة غاشمة ظالمة سنة 35 هـ وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وقد قضى في الخلافة أكثر من إحدى عشرة سنة رَضِيَ الله عَنْه وأرضاه.

    انظر: تاريخ خليفة /168 - 180، الاستيعاب 3/ 155 - 165، الإصابة 2/ 462 - 463.

    (5) في (أ), (د): (ثم)، والصواب ما أثبته، انظر: الطبري 4/ 278.

    بأخوين، ولا أستطيع نقض أمر قد كان قبلي (1). مقابلة بالإجماع.

    قال علماء اللغة: قول ابن عباس: الأخوان في لسان قومك ليسا بإخوة غلط منه؛ لأن الأخوين جماعة كالإخوة، وذلك أنك إذا جمعت واحدًا إلى واحد فهما جماعة ويقال لهما إخوة (2).

    وحكى سيبويه أن العرب تقول: قد وضعا رحالهما. يريدون: رحلي راحلتيها (3).

    قال ابن الأنباري: التثنية عند العرب أول الجمع، ومشهور في كلامهم إيقاع الجمع على التثنية، من ذلك قوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78]، وهو يريد داود وسليمان، ومنه قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] يريد قلبيكما (4). والعرب تقول: لطمت أوجه الرجلين، وضربت أرؤسهما، وشققت بطونهما، فيجمعون في موضع التثنية (5). (1) أخرجه بنحوه ابن جرير 4/ 278، وعزاه إلى البيهقي كل من ابن كثير في تفسيره 1/ 499، والسيوطي في الدر المنثور 2/ 223، وضعفه ابن كثير وكذلك الشيخ ناصر العمار في تحقيق المروي عن ابن عباس 1/ 181.

    (2) من معاني القرآن للزجاج 2/ 22 بتصرف.

    وانظر: تفسير الطبري 4/ 278، الكشف والبيان 4/ 22 ب، الدر المصون 3/ 602 تفسير ابن كثير 1/ 499.

    (3) الكتاب 3/ 622، معاني الزجاج 2/ 22.

    (4) في (د): (قلبكما).

    (5) لم أقف على كلام ابن الأنباري، وانظر: معاني القرآن للأخفش 1/ 436، مشكل إعراب القرآن لابن قتيبة ص 283، الطبري 4/ 278 - 279، معاني الزجاج 2/ 22، الكشف والبيان 4/ 22 ب، الدر المصون 3/ 602.

    قال قتادة: وإنما حجب الإخوة الأم من غير أن يرثوا مع الأب (لمعونة الأب) (1)؛ لأنه يقوم بشأنهم وينفق عليهم دون الأم (2).

    وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، أي: هذه الأنصبة إنما تقسم بعد قضاء الدين وإنفاذ وصية الميت في ثلثه، وذكر الوصية مقدمةً على الدين، وذلك تقديم في اللفظ لا في الحكم؛ لأن (أو) لا توجب ترتيبًا، وإنما هي لأحد الشيئين؛ كأنه قيل: من بعد أحد هذين (3) مفردًا أو مضمومًا إلى الآخر (4).

    قوله تعالى: {يُوصِي بِهَا} قرئ بكسر الصاد وفتحها (5).

    فمن كسر (6) فلأنه تقدم ذكر الميت المفروض فيما ترك، يبين ذلك قوله: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} أي: لأم الميت {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} يوصيها الميت. ومن فتح الصاد فإنه يؤول في المعنى إلى يوصي، ألا ترى أن الموصي هو الميت، والذي (7) حسن فتح الصاد أنه ليس (1) في (د): (معونة للأب).

    (2) أخرجه ابن جرير 4/ 280 بمعناه، وقال ابن كثير في تفسيره 1/ 499، عندما ساق هذا الأثر: وهذا كلام حسن وأورده السيوطي في الدر المنثور 2/ 223، وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.

    (3) في (د): (مدبن).

    (4) انظر: معاني الزجاج 2/ 23، 24، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 343، الدر المصون 3/ 603.

    (5) بالفتح لابن كثير وعاصم -في رواية أبي بكر - وابن عامر، وبالكسر للباقين من العشرة. انظر: السبعة ص 228، الحجة 3/ 139، المبسوط ص 154، النشر 2/ 248.

    (6) توجيه القراءتين من الحجة 3/ 140

    (7) في الحجة: وكأن الذي.

    لميت (1) إنما هو شائع في الجميع، فلذلك حسن يوصى (2) (3).

    وقوله تعالى: {أَوْ دَيْنٍ} إن قيل: ما معنى (أو) هاهنا، وهلا كان من بعد وصية يوصي بها (ودين) (4)؟. والجواب: ما قاله الزجاج، وهو أن معناه الإباحة، كما لو قال قائل: جالس الحسنَ أو الشعبي، المعنى: أن كل واحد منهما (5) أهل أن يجالس، فإن جالست الحسن فأنت مصيب، (أو الشعبي فأنت مصيب، وإن جمعتهما فأنت مصيب) (6)، ولو قال: جالس الرجلين، فجالست واحدًا منهما وتركت الآخر كنت غير متبع ما أمرت به. كذلك في الآية لو كان: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا (و) دَيْنٍ} احتمل اللفظ أن يكون هذا (الحكم المذكور في الآية) (6) إذا اجتمعت الوصية والدين، فإذا انفرد كان حكم آخر، فإذا كانت أو دلت على أن أحدهما إن كان فالميراث بعده، وكذلك إن كانا كلاهما (7).

    وقوله تعالى: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}. في هذا قولان: (1) في الحجة: ليس لميت معين.

    (2) في (أ)، (د) يوصا بألف ممدودة، وهو مخالف لقواعد الإملاء المتبعة، وما أثبته هو الموافق لـالحجة.

    (3) انتهى من الحجة 3/ 140.

    (4) في (أ)، (د): أو دين، والتصويب من معاني الزجاج.

    (5) في معاني الزجاج 2/ 24: هؤلاء.

    (6) ما بين القوسين ليس في معاني الزجاج.

    (7) انتهى من معاني القرآن للزجاج 2/ 23، 24 بتصرف يسير، وانظر: الأضداد لابن الأنباري ص 281، معاني الحروف للرماني ص 77، رصف المباني ص 210، إيضاح الجملة الأخيرة عند المؤلف أنه عبر بأو هنا للدلالة على أن الحكم بالنسبة للدين والوصيه في الميراث واحد لا يتغير سواء وجدا منفردين أو مجتمعين.

    أحدهما: أن هذا فصل معترض بين ذكر الورّاث وأنصبائهم، وبين قوله: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ}، ولا تعلق لمعناه بمعنى الآية، ومعنى هذا الفصل في قول ابن عباس والكلبي: أن الله تعالى يُشَفِّع المؤمنين بعضهم في بعض، فأطوعكم لله عز وجل من الآباء والأبناء أرفعكم درجة (1). فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة من ولده رفع الله إليه ولده بمسألته (2)، ليقرّ بذلك عينه، وإن كان الولد أرفع درجة من والديه، رفع الله إليه والديه، فقال الله عز وجل: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}، لأن أحدهما لا يعرف منفعة صاحبه له في الجنة، وسبقه إلى منزلة عالية تكون سببًا لرفعه إليها (3).

    القول الثاني: أن هذا فصل معترض بينهما، ومعناه متعلق بمعنى الآية.

    يقول: لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا في الدنيا فتعطونه من الميراث ما يستحق، ولكن الله تعالى قد فرض الفرائض على ما هو عنده حكمة، ولو وكل إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم، فأفسدتم وضيعتم وأعطيتم من لا يستحق ومنعتم من يجب له الميراث، وهذا قول الزجاج (4)، وابن الأنباري، وجماعة من أهل المعاني (5)، وإليه أشار ابن عباس في (1) أخرجه عن ابن عباس ابن جرير بنحوه 8/ 49، وسنده حسن. انظر: تحقيق المروي عن ابن عباس 1/ 184، وذكره الثعلبي في الكشف والبيان 4/ 23 أ.

    (2) في (أ): (بمسلته).

    (3) ذكر الهواري معنى ذلك من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقريبًا منه قولًا للكلبي. انظر تفسير كتاب الله العزيز 1/ 355، الكشف والبيان 4/ 23 أ، معالم التنزيل 2/ 178.

    (4) ساق الزجاج القولين من دون اختيار لأحدهما. انظر: معاني القرآن 2/ 24.

    (5) انظر: تفسير الطبري 4/ 281 - 282، إيضاح الوقف والابتداء 2/ 593، الدر المنثور 2/ 223, 224.

    رواية عطاء (1).

    وقوله تعالى: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} منصوب على التوكيد من قوله: {وَلِأَبَوَيْهِ}، أي لهؤلاء الورثة ما ذكرنا مفروضًا، (ففريضة) (2) مؤكدة لقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} (3).

    وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}. قال الحسن: كان عليمًا بالأشياء قبل خلقها، حكيمًا فيما يقدر (4).

    وقال عطاء: كان عليمًا بخلقه قبل أن يخلقهم، حكيمًا حيث فرض للصغار مع الكبار، ولم يخصّ الكبار بالميراث كما كانت العرب تفعل (5).

    وحكى الزجاج عن سيبويه، قال: كأن القوم شاهدوا علمًا وحكمة ومغفرة وتفضلًا، فقيل لهم: إن الله كان كذلك، أي: لم يزل على ما شاهدتم (6). (1) لم أقف على هذه الرواية.

    (2) في (أ)، (د): بفريضة، والتصويب من معاني الزجاج 2/ 25.

    (3) من معاني الزجاج 2/ 25، وتوضيح قول المؤلف -تبعًا للزجاج - بأن فريضة منصوب على التوكيد أي: أنها مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة من الوصية، وقد أطلق كل من ابن جرير والنحاس ومكي أنها منصوبة على المصدرية. انظر: تفسير الطبري 4/ 282، إعراب القرآن للنحاس 1/ 398، مشكل إعراب القرآن لمكي 1/ 192، الدر المصون 3/ 606.

    (4) معاني الزجاج 2/ 25، وانظر: إعراب القرآن للنحاس 1/ 400، زاد المسير 2/ 29، تفسير الحسن 1/ 264.

    (5) لم أقف عليه عن عطاء، وانظر: الطبري 4/ 282، الوسيط 2/ 467.

    (6) معاني الزجاج 2/ 25، وانظر: إعراب القرآن للنحاس 1/ 400، زاد المسير 2/ 29، ولم أقف على قول سيبويه في كتابه.

    وقال الخليل: الخبر عن الله عز وجل بمثل هذه الأشياء، كالخبر بالاستقبال والحال؛ لأن صفات الله تعالى لا يجوز عليها الزوال والتقلب (1).

    وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً}. قد أكثروا في الكلالة، والذي عليه الأكثرون وهو الصواب أن الكلالة ما عدا الوالد والولد (2).

    وهو قول أبي بكر، وعمر، وابن عباس، وابن زيد، وقتادة، والزهري، وابن إسحاق (3).

    وأخبرني موسى بن الفضل (4)، حدثنا الأصم (5)، عن محمد بن الجهم (6)، عن الفراء، قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد (7).

    وأقرأني العروضي، عن الأزهري، قال: أخبرني المنذري (8)، عن (1) من معاني الزجاج 2/ 25 بتصرف ودون نسبة للخليل، وانظر: إعراب القرآن للنحاس 1/ 400، زاد المسير 2/ 30.

    (2) انظر: معاني الفراء 1/ 257، مجاز القرآن 1/ 118، غريب القرآن لابن قتيبة ص116، تفسير الطبري 4/ 283، تفسير كتاب الله العزيز 1/ 356، معاني الزجاج 2/ 26، الكشف والبيان 4/ 23 ب، زاد المسير 2/ 30، 31، تفسير ابن كثير 1/ 500.

    (3) انظر: الطبري 8/ 53 - 75.

    (4) لم أقف له على ترجمة.

    (5) هو أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف المعقلي النيسابوري، تقدمت ترجمته.

    (6) هو أبو عبد الله محمد بن الجهم السمري، تقدمت ترجمته.

    (7) قول الفراء في معاني القرآن 1/ 257، وانظر: تهذيب اللغة 4/ 3176 - 3177 (كل) حيث جاء بسند آخر.

    (8) هو أبو الفضل محمد بن أبي جعفر المنذري الهروي، تقدمت ترجمته.

    الحسين ابن فهم (1)، عن سلمة، عن أبي عبيدة، أنه قال: الكلالة كل من لم يرثه (ولد أو أب) (2). ونحو ذلك قال الأخفش (3).

    قال المنذري: وسمعت أبا العباس (4) يقول: الكلالة من القرابة ما خلا الوالد والولد. سموا كلالة لاستدارتهم بنسب الميت من تكلله النسب أي أحاط به واشتمل عليه (5). فهم بمنزلة العصبة، كالإخوة والأخوات والأعمام وأبنائهم.

    قال: وسمعته (6) مرة يقول: الكلالة من سقط عنه طرفاه، وهما أبواه (وولداه (7))، فصار كلا وكلالة، أي: عيالًا على الأصل. يقول: سقط (1) في (أ) كأنها: (الجهين) أو: الجهز بن فهيم، ولعل ما أثبته من (د) هو الصواب لموافقته تهذيب اللغة 4/ 3176 - 3177 (لكل). والحسين هذا هو أبو علي الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فهم البغدادي، إمام علامة عالم بالحديث والتاريخ والأدب من الفصحاء، توفي -رحمه الله - سنة 289 هـ.

    انظر: سير أعلام النبلاء 3/ 427.

    (2) في (د): (ولد ولا أب)، وما أثبته هو الموافق لـالتهذيب، أما المجاز لأبي عبيدة 1/ 118 ففيه: (كلالة) كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة اهـ، وإدخال أبي عبيدة الأخ مع الأب والابن هنا لا يوافق عليه. انظر الجامع لأحكام القرآن 5/ 77.

    (3) تهذيب اللغة 4/ 3176 (كل)، ولم أر الأخفش في معاني القرآن تعرض لتفسير الكلالة.

    (4) هو أحمد بن يحيى المعروف بثعلب، تقدمت ترجمته.

    (5) قول المنذري من تهذيب اللغة 4/ 3176 - 3177 (كل) بتصرف يسير، وانظر: الصحاح 5/ 1811 (كلل)، اللسان 7/ 3918 (كلل).

    (6) القائل المنذري والمسموع أبو العباس ثعلب.

    (7) في التهذيب: وولده.

    (من (1)) الطرفين فصار عيالًا عليهم (2). وقيل: لأن من لا يكون والدًا ولا ولدًا كلّت قرابته عن أن تكون قرابة ماسة. يقال: هو أكَلُّ من هذا، أي: أبعد نسبًا (3).

    وحديث جابر يفسر الكلالة، وأنه الوارث (غير الوالد والولد)؛ لأنه يقول: مرضت مرضًا أشفيت منه على الموت، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إني رجل ليس يرثني إلا كلالة (4).

    أراد أنه لا والد له ولا ولد، فكل من مات ولا ولد له ولا والد فهو كلالة ورثته، وكل وارث ليس بوالد للميت ولا ولد له فهو كلالة موروثه (5).

    فالكلالة اسم يقع على الوارث والموروث إذا كانا بالصفة التي ذكرنا (6).

    ويقال: رجل كلالة وامرأة كلالة وقوم كلالة، لا يثنى ولا يجمع؛ لأنه مصدر كالدلالة والوكالة، يقال: كل الرجل يكل كلالة، أي صار (1) في (د): (عن)، وما أثبته هو الموافق لـالتهذيب.

    (2) تهذيب اللغة 4/ 3176 (كل)، وانظر اللسان 7/ 3919 (كلل).

    (3) هذا القول في توجيه هذه الكلمة ليس في تهذيب اللغة، ولم أقف عليه، وانظر: العين 5/ 279 (كل) ..

    (4) الكلام من قوله: وحديث جابر من تهذيب اللغة 9/ 247، أخرجه ابن جرير 4/ 286 بنحوه، وذكره -بنصه - السمين في عمدة الحفاظ ص 501 (كلل)، وعبارة (غير الوالد والولد) ليست في التهذيب.

    (5) انتهى من تهذيب اللغة 4/ 3176 (كل) بتصرف.

    (6) هناك خلاف: هل الكلالة اسم يقع على الوارث؟ أو المورث؟ أو عليهما معاني الآثار للطحاوي، كما نص عليه المؤلف؟ انظر: تفسير الطبري 4/ 286، ولعل الراجح ما أشار إليه المؤلف. انظر: تهذيب اللغة 4/ 3177 (لكل)، اللسان 7/ 3918 - 3919 (كلل)، عمدة الحافظ ص501 (كلل).

    كلًّا، وهو الذي لا ولد له ولا والد. ذكره الليث (1)، وهو صحيح.

    والدليل على أن الوارث يُسمى كلالة حديث جابر أنه قال: ليس يرثني إلا كلالة، والدليل على أن الموروث الميت يُسمى كلالة قول الفرزدق:

    وَرِثتُم قَناةَ المُلك لا عن كَلالةٍ ... (عن ابنَي منافٍ: عبدِ شمسٍ وهاشم) (2) (3)

    وقول الشاعر:

    يهز سلاحًا لم يرِثه كلالةً ... يَشُكُّ بِه منهَا جلودَ المَغَابنِ (4)

    يصف ثورًا وقرنه وأنه ورثه من أبيه، وجعل القرن له كالرمح من الأسلحة، وأنه يشق به مغابن الكلاب. فالكلالة في هذا البيت يحتمل أنه الوارث، ويحتمل أنه الموروث. (1) لم أقف على ما نسبه المؤلف لليث لا في العين ولا في تهذيب اللغة ولا غيرهما، وانظر: الجامع لأحكام القرآن 5/ 78.

    (2) هذا الشطر الثاني من البيت ليس في (د)، وإنما اكتفى الناسخ بقوله: البيت.

    (3) البيت في الكشف والبيان 4/ 24 أ، اللسان 7/ 3918 (كلل) فيه الشطر الأول، عمدة الحفاظ ص 501 (كلل)، الدر المصون 3/ 607، وقد ذكر د. أحمد الخراط في تحقيقه للأخير أن البيت ليس في ديوان الفرزدق، هذا مع أني لم أجده في معجم شواهد العربية رغم اتفاق من عزوت إليهم على نسبته إلى الفرزدق، فقد يكون سقط من ديوان الفرزدق ومنتهى الطلب، والله أعلم.

    (4) البيت للطرماح كما في ديوانه ص133، والبحر المحيط 3/ 352، وأساس البلاغة (كلل) والصحاح (سلح)، والمحكم (سلح) واللسان (سلح): (بزغ). والمغابن جمع مَغبِن، وهو الإبط والرُّفغ (باطن الفخذ)، وتطلق المغابن على معاطف الجلد أيضًا. انظر: اللسان 6/ 3211 (غبن).

    قال الأزهري: ودل قول الشاعر (1) أن الأب ليس بكلالة، وأن سائر الأولياء من العصبة بعد الولد كلالة، وهو قوله:

    فإنَّ أبا المرءِ أحمَى له ... وَمولى الكَلالةِ لا يَغْضَبُ (2)

    أراد أن أبا المرء أغضب له إذا ظُلم، وموالي الكلالة وهم الإخوة والأعمام وبنو الأعمام وسائر القرابات لا يغضبون للمرء غضب الأب (3).

    وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} الكلالة في هذه الآية الميت، وهو الموروث، والمراد به الأخ للأم إذا مات. ويورث ههنا من: وُرِثَ يُورث، لا من: أُورِثَ يُورَث (4).

    وانتصب كلالة من وجهين: أحدهما: أنه خبر كان (5).

    والثاني: على الحال. المعنى يورث في حالٍ مكللةٍ نسب ورثته، أي لا ولد له ولا والد. وهذا الوجه هو الاختيار، وهو قول الزجاج، والكلالة مصدر وقع موقع الحال، تقديره: يورث متكلل النسب (6).

    وقوله تعالى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} إن قيل: قد سبق ذكر الرجل والمرأة (1) في البيت اللاحق لا السابق.

    (2) لم أعرف قائله وهو من شواهد الزجاج في معانيه 2/ 26، الكشف والبيان 4/ 24 أ، اللسان 7/ 3918 (كلل) إضافة إلى الأزهري حيث أفاد المؤلف منه كما سيأتي العزو إليه.

    (3) تهذيب اللغة 4/ 3177 (كلل)، وانظر معاني الزجاج 2/ 26، اللسان 7/ 3918 (كلل).

    (4) تهذيب اللغة 4/ 3176 (كلل)، وانظر: اللسان 7/ 3918 (كلل).

    (5) انظر: معاني القرآن للأخفش 1/ 438، إعراب القرآن للنحاس 1/ 400، مشكل إعراب القرآن 1/ 192.

    (6) انظر: معاني الأخفش 1/ 438، معاني الزجاج 2/ 25، إعراب القرآن للنحاس 1/ 400، واقتصر الزجاج على ذكر هذا القول فقد يكون اختاره دون غيره.

    في قوله: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} ثم قال: {وَلَهُ أَخٌ} فأضاف إلى الرجل وكنى عنه دون المرأة؟

    قال الفراء: وذلك جائز، إذا جاء حرفان في معنى واحد بـ (أو) أسندت التفسير إلى أيهما شئت، وإن شئت أسندت إليهما (1)، تقول في الكلام: من كان له أخ أو أخت فليصله تذهب إلى الأخ، وفليصلها تذهب إلى الأخت، وإن قلت: فليصلهما، فذلك جائز، (وإن شئت قلت: فليصلهم) (2)، كقراءة من قرأ {إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهم} [النساء: 135] (3) ذهب إلى الجميع لأنهما اثنان غير مؤقتين (4).

    وأجمع المفسرون على أن المراد (بالأخ والأخت ههنا من الأم) (5) (6)، وكذلك في قراءة سعد بن أبي وقاص (7): (وله أخ أو أخت من أم) (8). (1) في معاني الفراء 1/ 257: وإن شئت ذكرتهما فيه جميعًا.

    (2) ما بين القوسين ليس في معاني الفراء.

    (3) نُسبت هذه القراءة لأبيّ -رضي الله عنه - وليست في المتواتر. انظر: البحر المحيط 3/ 370.

    (4) انتهى من معاني القرآن 1/ 257 - 258، وانظر: الطبري 4/ 287 - 288، الكشف والبيان 4/ 24 أ، الجامع لأحكام القرآن 5/ 78.

    (5) في (د): (بالأخ والأخت أولاد الأم).

    (6) انظر تفسير كتاب الله العزيز للهواري 1/ 356، تفسير الطبري 4/ 287 - 288، معاني الزجاج 2/ 26، الكشف والبيان 4/ 24 أ، معالم التنزيل 2/ 180، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 349، تفسير ابن كثير 1/ 500.

    (7) هو أبو إسحاق سعد بن مالك بن أُهيب القرشي صحابي مشهور، أحد العشرة المبشرين بالجنة وآخرهم موتًا. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا. كان فارسًا شجاعًا، وهو أحد الستة أهل الشورى وعرف بإجابة الدعوة، توفي - رضي الله عنه - على الأشهر سنة 56 هـ. انظر: الاستيعاب 2/ 171 - 174، الإصابة 2/ 33 - 34.

    (8) أخرجِ أبن جرير بسنده عن سعد أنه كان يقرأ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} قال سعد: لأمه وذكر هذه القراءة الثعلبي في "الكشف = قال ابن عباس في رواية عطاء: وله أخ أو أخت من أمه (1).

    {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} (وفرض) (2) الواحد من ولد الأم السدس، فإن كانوا أكثر من واحد اشتركوا في الثلث، الذكر والأنثى فيه سواء. هذا لا خلاف فيه بين الأمة (3).

    قال أبو إسحاق: وإنما استُدِل على أن المراد بالأخ والأخت ههنا أولاد الأم بأن ذكر في آخر هذه السورة في قوله: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] (4) أن للأختين الثلثين، وأن للإخوة كل المال، فعُلم ههنا لما جعل للواحد السدس وللاثنين الثلث، ولم يزادوا على الثلث شيئًا ما كانوا، أنه يعني بهم الإخوة لأم (5).

    وقوله تعالى: {غَيْرَ مُضَارٍّ} أي: مدخل الضرر على الورثة (6). قال المفسرون: هو أن يوصي الرجل بدين ليس عليه (7)، يريد بذلك ضرر = والبيان 4/ 24 أ، والسيوطي في الدر المنثور" 2/ 224.

    (1) لم أقف على هذا الأثر إلا عند المؤلف نفسه في الوسيط 2/ 472، وانظر: تنوير المقباس بهامش القرآن الكريم ص 79.

    (2) في (أ): (وفوّض).

    (3) انظر: الطبري 4/ 277، الإجماع لابن المنذر ص 34، الكشف والبيان 4/ 24 أ، معالم التنزيل 2/ 180، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 349، الجامع لأحكام القرآن 5/ 79.

    (4) سياق الآية ليس في معاني الزجاج.

    (5) معاني الزجاج 2/ 26.

    (6) الكشف والبيان 4/ 24 ب.

    (7) ذكر ذلك الثعلبي عن الحسن في الكشف والبيان 4/ 24 ب؛ والبغوي في معالم التنزيل 2/ 180، وانظر: الجامع لأحكام القرآن 5/ 80، البحر المحيط 3/ 190.

    الورثة، فمنع الله منه.

    وانتصب {غَيْرَ مُضَارٍّ} على الحال، المعنى. يُوصَى بها غير مضار (1).

    وقوله تعالى: {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} قال ابن عباس: يريد فريضة من الله (2). وهذا مثل ما ذكرنا في قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11].

    وانتصابه على المصدر من قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} (3).

    وقال الفراء: يريد: فلكل واحد منهما السدس وصية من الله، كما تقول: لك درهمان نفقة إلى أهلك (4). وذكرنا هذا الوجه في قوله: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7].

    وقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} قال ابن عباس: بمن يجوز في وصيته (5). وقال الزجاج: {عَلِيمٌ} (6) بما دبّر من هذه الفرائض، حليم عمّن عصاه بأن أخَّره وقبل توبته (7).

    13 - وقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} الآية.

    ذكرنا معنى الحدود فيما تقدم. قال ابن عباس: يريد ما حد الله من (1) معاني الزجاج 2/ 27، وانظر: مشكل إعراب القرآن 1/ 192، البيان لابن الأنباري 1/ 246، القرطبي 5/ 80، البحر المحيط 3/ 191.

    (2) لم أقف على من خرجه عنه، وانظر: تنوير المقباس ص 79.

    (3) انظر: تفسير الطبري 4/ 275، إعراب القرآن للنحاس 1/ 398، مشكل إعراب القرآن 1/ 192، البيان 1/ 246.

    (4) قول الفراء في معاني القرآن 1/ 258، وانظر: تفسير الطبري 4/ 275.

    (5) لم أقف له على تخريج.

    (6) في (أ): (عليهم)، والصواب ما أثبته كما في معاني الزجاج 2/ 27.

    (7) معانى الزجاج 2/ 27، وانظر: الوسيط 2/ 472.

    فرائضه (1). وقال ابن كيسان (2)، والزجاج: أي: هذه التي تليت في أمر الفرائض وأمر اليتامى في أول السورة (3).

    وقوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ} (4).

    وقرأ نافع وابن عامر بالنون، والمعنى فيه كالمعنى في الياء، ومثله قوله: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ} [آل عمران: 150]، ثم قال: {سَنُلْقِى} بالنون [آل عمران: 151] (5).

    وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا} قال أبو إسحاق: أي: ندخلهم مقدرين الخلود فيها، وهذا كما تقول في الكلام: مررت برجل معه صقرٌ صائدًا به غدًا، أي: مقدرًا الصيد غدًا، لأن الحال لا يكون إلا ما أنت فيه (6).

    14 - وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.

    قال الضحاك: المعصية ههنا الشرك (7). (1) تفسير ابن عباس ص 138، وأخرجه ابن جرير بمعناه من طريق ابن أبي طلحة 8/ 69، 72، وذكره ابن الجوزي في زاد المسير 2/ 33 بلفظ المؤلف. انظر: الدر المنثور 2/ 228، تحقيق المروي عن ابن عباس 1/ 197.

    (2) هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان، تقدمت ترجمته.

    (3) الذي في معاني الزجاج 2/ 27: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي: الأمكنة التي لا ينبغي أن تُتجاوز، ولم أقف على قول ابن كيسان.

    (4) (يدخله) ليست في (د).

    (5) الحجة 3/ 140، 141، وانظر: السبعة ص 228، وهذا القراءة عشرية قرأ بها أبو جعفر أيضًا من العشرة. انظر: المبسوط ص 154، النشر 2/ 248.

    (6) معاني الزجاج 2/ 27 بتصرف.

    (7) لم أقف عليه، وهذا القول مرجوح؛ لأن الآية عامة ولا مخصص لها، وأصوب من هذا القول الثاني لابن عباس لموافقته السياق.

    وقال عكرمة عن ابن عباس: من لم يرض بقسم الله، ويتعدى ما قال الله يدخله نارًا (1)، وقال الكلبي: يعني: يكفر بقسمة المواريث ويتعد حدوده استحلالًا (2).

    وقوله تعالى: {يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14] (3). في نصب خالد وجهان: أحدهما: أنه حال من الهاء في {يُدْخِلْهُ}، على تقدير: يدخله خالدًا في النار، إلا أنه لما تقدم ذكر النار كنى عنها (4).

    الثاني: أنه من نعت النار. في قول الزجاج (5)، وهذا كما يقول زيد: مررت بدار ساكن فيها، ومثله: {مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75].

    15 - قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} الآية. اللاتي جمع التي، وللعرب في جمع التي لغات، يقال: اللاتي، واللات، واللواتي، واللوات، واللوا، واللائي، واللاء، واللآت، واللاآت (6). قال الشاعر: (1) لم أجد قول ابن عباس هذا بنصه هذا ومن نفس الطريق إلا عند المؤلف هنا وفي الوسيط 2/ 473، لكن جاء عنه من طريق علي بن أبي طلحة أنه فسر هذه الآية بقوله: في شأن المواريث التي ذكر من قبل. تفسير ابن عباس ص 138، والطبري 4/ 291 وانظر تحقيق المروي عن ابن عباس 1/ 197.

    (2) انظر: تنوير المقباس بهامش القرآن الكريم ص 79.

    (3) قوله تعالى: {وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} ليس في (أ).

    (4) انظر معاني الزجاج 2/ 27، مشكل إعراب القرآن 1/ 192، البيان في غريب القرآن 1/ 246، الكشاف 1/ 256.

    (5) معاني الزجاج 2/ 27، وانظر: مشكل إعراب القرآن 1/ 192، وقد منع الزمخشري صحة هذا الوجه. انظر: الكشاف 1/ 192، الدر المصون 3/ 615.

    (6) انظر مجاز القرآن 1/ 119، معانى الزجاج 2/ 28، الصحاح 6/ 2479 (لتى)، اللسان 7/ 3994 - 3995 (لتا)، الدر المصون 3/ 616.

    من اللَّواتي والّتي واللاّتي ... زَعَمنَ أنَّي كَبِرَت لِداتي (1)

    فجمع بين ثلاثة أحرف للمبالغة في التوكيد، وكل واحد منها يكفي من الآخر.

    والعرب قد تقول في جمع النساء: التي، فتقول: ما فعل الهندات التي أمرها كذا، وقال الآخر:

    اللَّات كالبِيض لَّما تَعْدُ أن دَرَسَتْ ... صُفرُ الأَنَامل من قَرع القَوَاقِيزِ (2)

    وقال آخر:

    من اللاء لم يَحجُجْن (3) يَبغِين حِسبةً ... ولكنْ لِيَقْتُلن البَريء المُغَفَّلا (4)

    وقال آخر:

    أولئك أخْدانِي وأخلال شِيمَتي ... وأخدانُك اللَّاآت زُّينَّ بالكَتمِ (5) (1) قائله غير معروف، ومعنى لداتي أي: أسناني. انظر: مجاز القرآن 1/ 119، معاني الزجاج 2/ 28، الصحاح 6/ 2479، اللسان 7/ 3995 (لتا).

    (2) هذا البيت للأسود بن يعفر حسب ما في اللسان 7/ 3995 (لتا). لكن فيه: اللأت كالبيض، قال: وُيروى: اللاء كالبيض، واللواتي، واللات بلا ياء، وقافيته في اللسان: القوارير.

    (3) في (أ)، (د): (يحجن).

    (4) نسبه إلى عمر بن أبي ربيعة أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/ 119, 120، وهو في معاني الزجاج 2/ 28، تهذيب اللغة 1/ 415 (التى)، زاد المسير 2/ 34، بدون نسبة، ونسب في زهر الآداب 1/ 168، إلى الحارث المخزومي.

    (5) البيت في اللسان 7/ 3995، الدر المصون 3/ 617 بدون نسبة.

    قال ابن الأنباري: العرب تقول في الجمع من غير الحيوان: التي، ومن الحيوان: اللاتي، كقوله: {أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]، وقال في هذه الآية: {وَاللَّاتِي}. والعِلّة في ذلك أن الجمع من غير الحيوان سبيله سبيل الشيء الواحد. وتأويله قوله: {أَمْوَالَكُمْ} التي (عدتكم (1)) التي جعل الله لكم قيامًا. وجمع الحيوان لا يُجرى مجرى الواحد، ألا ترى أنك تقول: الأموال أخذتها، والأثواب اشتريتها. وتقول في جميع الحيوان: ما فعلت الهندات اللاتي رأيتهن. فتنعتهن بالجمع (2)؛ لأن كل واحدة منهن يقع على عين معروفة، ولا يجري مجرى شيء كما يجري الجمع من الموات مجرى شيء و (عدّه) (3). ومن العرب من يُسَوِّي بين الموات وغيره في هذا المعنى، فيقول: ما فعلت الهندات التي من أمرها كذا، وما فعلت الأثواب اللاتي من قصتهن كذا وكذا. والأول هو المختار (4). وأنشد في جمع النساء:

    من اللَّواتي والّتي واللَّاتي (5)

    وقوله تعالى: {يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} أي: يفعلنها، يقال: أتيت أمرًا قبيحًا، أي فعلته. قال الله تعالى: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27]، وقال: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} [مريم: 89] (6).

    والفاحشة: الفِعلة القبيحة، وهي مصدر عند أهل اللغة؛ كالعافية (1) هكذا في (أ)، (د)، وقد تكون: من ربكم.

    (2) في (أ): (بالجميع).

    (3) هكذا في (أ)، وفي (د): (عدة)، ولم تظهر.

    (4) لم أقف على كلام ابن الأنباري، وانظر: إعراب القرآن للنحاس 1/ 401.

    (5) سبق قريبًا.

    (6) انظر: معاني القرآن للفراء 1/ 258، عمدة الحافظ ص 7 (أتى).

    والعاقبة، يقال: فَحَش الرجل يفحش فحشًا وفاحشةً، وأفحش إذا جاء بالقبيح من القول أو الفعل (1). ذكره الزجاج في باب الوفاق (2).

    وأجمعوا على أن الفاحشة ههنا الزنا (3).

    وقوله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}. أي: من المسلمين (4) {فَإِنْ شَهِدُوا} بالزنا (5) {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ}: أي: فاحبسوهن في السجون (6).

    قال المفسرون: هذا أمر كانوا يستعملونه في أول الإسلام إذا كان الزانيان ثيبين حبسا ومنعا من مخالطة الناس، وإذا كانا بِكْريَن أُوذِيا بالتعنيف والتوبيخ، فيقال لهما: انتهكتما حُرماتِ الله وعصيتماه، واستهدفتما لعقابه، هذا وما أشبهه من الكلام، ثم نَسخ الله الحبس والأذى بِرَجْم الثيِّبين وجلد

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1