كله خير

By محمد عبد العزيز المكوار

الخير رائع، عجيب أثره، مذهلة عواقبه، فالذي ينفق، ويبذل في الخير، يزيد الخير عنده، ويتضاعف، وما ينقص. ومن احتكر الخير لنفسه، ومنع فضله عن الناس مع قدرته تناقص الخير عنده، وربما زال عنه. الخير الذي تكلم عنه الكاتب محمد المكوار هو نفس الخير الذي تعرفه، ويعرفه الجميع، ولكن من زوايا أخرى. في كتاب (كله خير) يتطرق الكاتب إلى قصص من الواقع عن الخير وأهله، كما في قصة (فخلفه في أهله) التي تحكي عن رجل عربي مقيم، كان يعمل محاسبًا براتب بسيط، قد بارك الله في رزقه، فكان ينفق من دخله المحدود على بناته الصغيرات، وزوجته، وحماته الأرملة التي يتكفل بها. وكان لا ينسى الفقراء من أهله في بلدته فيساعدهم بما يستطيع. وفي عز شبابه وقبل بلوغه الأربعين من عمره شاء الله أن تطوى صفحته، وأن ينتقل إلى رحمته، تاركًا وراءه أرملة، وخمس يتيمات صغيرات، أكبرهن عمرها ثلاثة عشر عامًا، وأصغرهن في الثالثة من عمرها. لكن الله سخّر لزوجته، وبناته من يحمل همهنّ بعد موته، ويخفف عنهن ّ أعباء الحياة. وهذا - والله أعلم - نتيجة صدق النية في فعل الخير، وبالرغم من أن ما كان ينفقه بالخير، نظرً ا لحجم دخله الشهري، ليس بالكثير، لكن عطاء ربك البر الرحيم الكريم الأكرم لا حد ّ له. ومن خاف على ذريته من بعده فليعمل عملاً صالحًا ينفع به الناس في حياته، وليستودعهم في حفظ الله، فهذا هو الضمان، والحفظ، والأمان كما يقول الكاتب محمد المكوار.

• Language: العربية
• Publisher: tevoi
• Release date: Sep 21, 2022

Book preview

C:\Users\Ayham Ramadan\AppData\Local\Microsoft\Windows\INetCache\Content.Word\Screenshot 2022-09-18 121401.png

الأهداء

إلى والدي الحبيب عبد العزيز عمر المكوار

ناظر، ومؤسس وقف البركة الخيري

رحمه الله.

رحمك الله يا أبي فقد عشت لآخر لحظات حياتك

منغمسًا في الخير، وفعل الخير، وتدعو إلى الخير

ولا تترك بابًا لقضاء حوائج الناس إلا ودخلته.

فأسأل الله، الرحمن الرحيم، أن تكون الآن في خير

لا يتبدل، ولا يزول...

مع الأنبياء، والصدّيقين والصالحين، والشهداء

وحسن أولئك رفيقًا.

المقدمة 7

الخير، سيداتي سادتي، رائع.

عجيب أثره... مذهلة عواقبه.

فالذي ينفق، ويبذل في الخير، يزيد الخير عنده، ويتضاعف،

وما ينقص.

ومن احتكر الخير لنفسه. ومنع فضله عن الناس مع قدرته

تناقص الخير عنده، وربما زال عنه.

الخير الذي أتكلم عنه في هذا الكتاب هو نفس الخير الذي

تعرفه، ويعرفه الجميع، ولكن من زوايا أخرى.

أرجو من الله أن يصل كلامي إلى قلوبكم الخيِّة...

وأن تداعب أفكاره عقولً نيِّة فيأخذون منه أحسنه،

ويزيدون عليه.

بين أيديكم كتاب... كلّه خير

المؤلف

16 ربيع أول 1440

24 نوفمبر 2018

الفصل الأول

حكايات من الواقع

الفصل الأول: حكايات من الواقع 11

البِرُّ لا يَفنى

أحكي لكم عن رجلٍ في لحظات حياته الأخيرة.

يرقد على سرير في العناية المركزة بإحدى مستشفيات مدينة

جدة.

تِسعيني، هادئ، وقور، تعلوه السكينة، ووجهه نور.

يحيط به أهله، وأحبابه، ويغمرونه بمشاعر مختلطة من الحزن،

والمحبة، والعرفان.

يتأهب للقاء ربه، الرحمن الرحيم، فيرى ما لا نرى، ويسمع

ما لا نسمع!

ومنذ ولادتي وحتى وفاته، خلال أربعة عقود من حياتي.

رأيت بعيني تفاصيل طيب حياته، وحضرت طيب مماته...

فماذا يرجو الإنسان أكثر من أن يعيش عمرًا مديدًا في حياة

طيبة، مملوءةٍ بالإيمان، والخير، وفعل الخير...

12

مغمورًا ببركة الله، وستره.

قد حفظ الله له إلى هذا العمر صحته، وكرامته، وأهله، وماله.

وحين يأتيه الأجل، يأتيه ونعم الله تحيط به، يتركها هو، ولا

تتركه.

فغاية العقلاء من الدنيا حياة طيبة، وتمام نعمة، وحسن ختام.

وكلها - بإذن الله - بشائر بحسن المآل!...

كان مماته درسًا بليغًا،

كما كانت حياته مدرسة لنا...

فَقبل ذلك الْيَوْم كان هذا الرجل - كعادته - لا يتوقف عن

فعل الخير، لا في صحة، ولا في مرض... لا في حِلّ، ولا في

سفر...

إدمانٌ سيطر على كل حياته...

كانت أكبر مخاوفه أن يموت، فيموت معه عمله، ويتوقف.

فأنشأ مؤسسة خيرية، وأوقف فيها ثلث ماله.

وأوقف لله وقته، وجهده، وفكره،

وقام بتوثيق صك رسمي بأوقاف المؤسسة الخيرية.

الفصل الأول: حكايات من الواقع

13

وعيّ من بعده ابنه الأكبر نائبًا له على نظارة الوقف، ثم

الأرشد، فالأرشد من أبنائه... يليهم الأحفاد، وهكذا.

وقد زرع في الكبير والصغير من أهله أنّ فعل الخير أساس من

أساسيات الحياة!...

ونمّى فيهم قيم الخير، وفعل الخير، وحبّ الخير، وكان هو

علمً من أعلام الخير ومثلً أعلى لهم فيما يدعوهم إليه...

ودأب على تشجيع الناس على فعل الخير من أهله، وأصدقائه،

وكلّ من يقابله.

يحثّهم على المشاركة معه في هذا الصرح الخيري القائم بقدر

إمكانياتهم...

أو بالمساهمة مع مجموعة في شراء عقار وإيقافه لله...

ومن لم يستطع، فيشجعه على المشاركة في فعل الخير حتى ولو

بالوقت، والجهد.

وكان شعاره التعاون على البر، والتقوى في قضاء حوائج

الناس، وخدمة المجتمع.

تجاوز عمره التسعين عامًا... وكان ملتزمًا بدوام صباحي،

وآخر مسائي في مكتب إدارة الوقف.

14

يستخرج القوة من الضعف...

لم يعِقْه وهَنُ عظمه من أن يتنقل مسافرًا بين الفروع الثلاثة في

ثلاث مدن مختلفة ليتابع سير العمل بنفسه...

حتى أن من يراه يرى فيه نشاط الشباب وهمتهم وهو في هذه

السن المتقدمة.

لكنه في الأسابيع الأخيرة من حياته اضطر للمكوث في بيته.

روحه، وعقله، وقلبه كانت لا تزال تنبض بحبّ الخير وفعله.

أما جسده فلم يعد يساعده.

مع ذلك لم يتوقف عن التخطيط والتنظيم، ومتابعة أنشطة

مراكز الوقف فيوصي ابنه بتجهيز كسوة الشتاء، لتوزيعها على

المستحقين لها ويتأكد من توافر أصناف المواد الغذائية في المخازن،

والثلاجات في الفروع الثلاثة لتوزيعها على آلاف الأسر يوميًّا كما

كان يفعل منذ عشرات السنين بلا توقف. وكثَّف في أيامه الأخيرة

كتابة التعليمات الإدارية، وتدوين أفكاره وتطلعاته في تطوير

العمل الخيري واستمراريته، فقد كان يعتبر نفسه مسؤولً عن كل

ذلك طالما قلبه ينبض. ويعتبر أن عمل الخير نعمة حباه الله بها..

وعليه أن يواصل شكر هذه النعمة العظيمة لآخر أنفاسه.

الفصل الأول: حكايات من الواقع

15

وجاء اليوم الذي ترجل فيه فارس الخير، ورحل عن الدنيا،

وانتقل إلى ذمة الله ورحمته.

رحل بعد أن أطال الله في عمره، وبارك له فيه، وفي ذريته

ورزقه.

رحل وقد أكرمه الله بأن يقضي كل أموره بنفسه لآخر يوم من

حياته.

رحل وبقي أثره الطيب... يزيد، ولا ينقص

رحل تاركًا عمله ينبض بالخير، والحياة، والبركة.

رحل بهدوء، وبلا معاناة محاطًا بأحبابه.

رأيت رحيلً مطيّبًا كما رأيت حياته الطيبة.

بكاه أهله، وبكته الأرامل، كما بكاه الأيتام، والضعفاء،

والمساكين.

بكاه أهل الخير، والمتعاونون معه على الخير.

ومنذ لحظة دفنه في البقيع الغرقد بالمدينة المنورة - كما كان

يتمنى، وكما أوصى - وقف رجل على