Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أفيون البعد
أفيون البعد
أفيون البعد
Ebook414 pages2 hours

أفيون البعد

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يؤسفني أن ينتهي بنا الطريق قبل أن نقطع به أول خطوة، يحزنني أن تنتهي قصتنا على هذا النحو الكئيب الذي لا يشبه أي قصة عاشها إثنين .
هي مأساة بكل التفاصيل..
لن نلتقي، لن نتحدث بعد اليوم، لا أدري كيف  سأمضي أو أي طريق سأسلكه للعودة؟
 ولكني سأمضي وحسب وأنا موقن أن الوقت والسنوات لن تكون كفيلة بطرد أحدنا للآخر من عقله وقلبه، وتفاصيل يومه، و إن حاولنا.
حتى و لو حاول كل منا إعادة طلاء ذاكرته، أو الغرف بقلبه بألوان أخرى لم نعتدها، فلن ننسى.

Languageالعربية
Release dateMay 2, 2024
ISBN9798224537242
أفيون البعد

Related to أفيون البعد

Related ebooks

Reviews for أفيون البعد

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أفيون البعد - Moussaoui Abdelghani

    جميع الحقوق محفوظة ©

    لا يُسمح بنسخ أو استعمال أو إعادة إصدار أي جزء من هذا الكتاب سواءً ورقيًّا أو إلكترونيًّا أو أية وسائط أخرى، أو تخزينه في نطاق استعادة المعلومات، أو نقله بأي شكل من الأشكال، دون إذن خطي من الناشر.

    تُستثنى الاقتباسات القصيرة المستخدمة في عرض الكتاب.

    إلى الراحلين ...

    أولئك الذين ظنوا أننا سنموت بعدهم...

    نحن على قيد الحياة

    قبل سنوات...

    كنتُ رجلًا من جليد، وكانت امرأة من زجاج وورد وعطر.

    لــم أكــن أجيــد فــكَ الشــفرات أو الرمــوز، لــم يكــن يجمعنــي بالعطــور علاقــة مــن قبــل، أنتقــي مــا يروقنــي وحســب، دون أن أحــاول البحــث فــي القصــة الكامنــة خلــف كل عطــر.

    علاقتـي مـع العطـر بـدأتْ معهـا، متأخـرًا أدركـت السـرّ خلـف قــارورة العطــر والطــرد المبكــر الــذي حملهــا، متأخــرًا فككــتُ اللغـز وأزلـتُ الظـرف الخفـيّ عـن الرسـالة.

    متأخرا، متأخرا... ما أقساها! وما ألعنها من كلمة!

    وكأنّهـا قدَرُنَـا الأبـدي الـذي نُحـِت فـوق جباهنـا وليسـت مجـرد كلمـةٍ لهـا حـرفٌ وزمـنٌ وشـكلٌ ونهايـة.

    كل مــا حــدث جعلنــي أســتوعب حجــم وطــولَ الرســائل التــي يمكــن للمــرء أن يُخبّئهــا داخــل زجاجــة عطــر، وبفضلهــا أيضًــا أدركــتُ أشــكالًا جديــدة لرســائل الحــب.

    ما زلـت أحتفـظ بزجاجـة العطـر، مـا تـزال رائحتهـا تعبرنـي، مـا يـزال عطرهـا علـى حالـه ولـم يتغيـر، يذكرنـي ..

    ولكنني فقدتها ...

    فقدتُها، وانتهى الأمر.

    فما حاجتي لقارورة العطر؟!

    ما حاجتي؟!

    آرثــــــــر

    الثالث عشر من حزيران 2021

    غابرييل

    كم من قارورة عِطر أنهيتِ؟

    و هاته القارورة لا أريد لها أن تنتهي..

    ربّمــا مثلمــا يَفعــل البعــض بشــراب العِنــب، وهــم يعتِّقونه لأعـوامٍ طويلـة بالبراميـل الخشـبية حتى يتغيـر مَذاقُـه وتــزداد قيمتــه، أفعــل أنــا بقــارورة عطــركِ...

    هـي زجاجـة سـافرتْ حاملـةً معهـا الكثيـرَ مـن القصـص، ولا أريـد لقصتهـا أن تنتهـي فـي لحظـة طيـش منـي.

    أريدهـا أن تُخبَّـأ وتُصـان وتُحْفَـظ، حتـى أعُيدهـا يومًـا مـا إليـك مثلمـا أعـاد الأميـرُ زوجَ الحـذاء لسـندريلا.

    لقـد كنـتِ ذات يـوم أميرتـي، سـندريلا مـن زمـن آخـر، لكنـك لـم تتركـي بعـدَ مغادرتـك الحفـل أي شـيء يدلنـي عليـك، لـم تُسـقِطي كعـبَ حذائـك أو خُصلـةً مـن شـعرك، ولا أنـتِ وقعتِ مـن الأدراج وفقــدتِ الذاكرة..

    كنــتُ حينهــا عدّلــتُ فــي القصــة وغيـّرت فــي النهايــة قليــلًا، ولكنــك لــم تفعلــي شــيئًا مــن هــذا..

    لقـد رحلـتِ تاركـةً خلفـك شـرخًا كبيـرًا بالصـدر وجرحـًا عميقًـا بالقلـب لا يُشـبهه أي جـرح.

    غادرتِ وما زال عِطركِ حاضرًا يجلدني بك كلّ مرة.

    آرثــــــــر

    التاسع عشر من حزيران2021

    ذات حلم.. بعثْـتُ لـكَ زُجاجـةَ عِطـر شـبه فارغة... شـكل القارورة عـاديٌّ جدًّا ويمكـن ألاّ يلفـت انتباهكَ... غيـر أنّهـا تحتـوي بداخلهـا علـى أغلـى العطور... عطـر كوكـو الأشـهر والأرقـى، وتلك كانـت رسـالتي إليـكَ سـاعتها... وهي الرسـالة التـي لـم تقرأهـا، غيـر أنـّكَ احتفظـتَ بهـا وهـو مـا اسـتفزّ بداخلـي الآن أشـياء لأرد..

    أمضـي فــي النســيان وتُشــهر فــي وجهــي الذاكــرة أكثــر من مفهــوم نختلــف حولـه..

    رحــل العطــر إليــكَ بقارورتــه البســيطة جدًّا، وتلكــم كانــت فلســفة فارســة الموضــة غابرييــل شــانيل..

    المــرأة التــي أحبــّت آرثــر بــوي كابيــل وكان أكثــر مخلــوق أحبّهـا وآمـن بمواهبهـا، مـات الرجـل فـي حـادث سـيارة، وغرقـت غابرييـل فـي حالـة اكتئـاب خرجـتْ منهـا لتُهدينـا عِطـرًا يمـزج ثمانين ( 80)مكّوِنــًا، عطــرًا يصعــب -بــل يســتحيل- تقليــده.

    اختزلــتْ حُزنهــا جمــالًا فــي قــارورة عِطــر كانــت تَــرُش أركان منزلهــا بــه كلّمــا أحّرقهــا الحنيــن إلــى حبيبهــا..

    مضـى علـى العطـر قَـرنٌ مـن الزمـان وما زال شـكل القـارورة عـادي جدًّا ( هـادي مـن عنـدك)ههههـه، غيـر أن بداخلهـا العطـر الأبهــى والأغلى...

    ومهمـا غيـّرت مـن العطـور يظـل كوكـو ومـا يحملـه مـن فلسـفة مـا وراء العـادي، الأقـربَ إلـى قلبـي...

    أنــت أكيــد لــم تقــرأ الرســالة فــي حينهــا، لذلــك أردتُ أن أفتــح معـك الظـرف لنقرأهـا سـويًّا بعـد مـرور سـنتين مـن الاستلام...

    لك الآن أن ترمي القارورة...

    الأهـم أن تتعلـم كيـف تقـرأ قـارورة العطـر القادمـة حيـن تهديهـا لك امــرأة....

    دام النسيان لنا دواءً...

    ––––––––

    غابرييل

    اليوم الثاني من أغسطس..2020...

    ––––––––

    فراق....

    تلــك الكلمــة التــي نُلقيها ونحــن نجــر الحقيبــة... ونحــن نوصد البـاب خلفنـا بقـوة، ونحـن نقطـع المكالمـة أو نحـذِف الرقـم وقـد نحطــم الهاتــف أيضًــا...

    كانــت قصّتنــا سلســلةً طويلــة مــن الفــراق نتجــاذب ونتنافــر مثـل مغناطيسـين أضاعـا الوجهـة ولـم يعـد يعنيهمــا الجنـوب ولا الشـمال.

    كل مــا حــدث أننــا لــم نتســاءل يومًا عــن ســبب هــذا التنافــر، عـن كل تلـك الحيـرة بيننـا وكل ذلـك الارتباك الـذي كان يلـف قصتنــا..

    مثــل كل البدايــات كانــت بدايتنــا جميلــة، مُشــعّة ودافئــة مثــل كل قصّــة عتيقــة تَرويهــا الجــدّة لحفيدهــا قبــل النــوم. كانــت هــي تجيــد الحديــث،  وكنــت أنــا أحــب الإصغــاء كثيــرًا، الكثيــر مــن الأشــياء التــي كنــّا نختلــف فيهــا، قليلــة هــي النقــاط التــي كنــا نتشــاركها..

    كنت من محبي القهوة، وكانت  من عُشّاق الشاي..

    كنــت أحــب الأزرق، وكانــت مــن المؤيديــن لنظريــة الأبيــض يليــق بــك..

    كنــت أحــب الاحتفــاظ بالذكــرى، وكانــت  تُضــرم النيــران بــكل مــاضٍ بــكل ذكــرى.

    كنــت أجيــد التصويــر، وكانــت مــن الفاشــلين بــه ولكنّهــا كانــت تجيــد توجيــه كاميــرات المصوّريــن نحوهــا ببراعــة.

    أشــياء كثيــرة كنّــا نختلــف فيهــا وأشــياء أخــرى كانــت تربطنــا، كنا نتحدث طويلًا عن كل شيء إلا عنّا..

    لماذا افترقنا؟

    هو ما تجدُنا نحاول الإجابةَ عنه دائمًا..

    ســؤال عســير لــم يجــد كلانــا لــه جوابـًا مقنعًــا يبعدنــا عــن جُــل تلــك الحيــرة والارتبــاك غيــر المفهوميــن.

    قـد يفتـرق اثنان عندمـا يحـاول كل منهمـا أن يغيـر فـي المعادلـة ويسـاوي بيـن الواحـد والاثنـين.

    ––––––––

    آرثــــــــر

    التاسع من حزيران 2022

    كيف حالكَ؟

    في السـابق كنـتُ أجيـب ببداهـة، دون أن أفكّـر كثيـرًا دون أن أجـد صعوبـة فـي التفتيـش بداخلـي عـن جـواب، كنـت دائمًـا بخيـر.

    لـم أكـن آخـذ كل الوقـت فـي البحـث عـن إجابـة لهـذا السـؤال، لـم يكـن يتطلـب منـي كلَّ هـذا الجهـد.

    يُتعبنـي هـذا السـؤال اليـوم كثيرًا، ولا أريـد العـودة للداخـل، لا أريـد الغـرق أكثـر..

    حالـي، هـو حـال قطـار انحـرف عـن السـكّة، هو حـال قـاربٍ فقــد البَوْصَلة، هــو حــال مصبــاحٍ انطفــأ، وربمــا احترق ولــن يُضــيءَ مجــددًا.

    هذا ما أُحسُّه وأَلمسه وأعيشه..

    عن الرسالة ...

    نعـم، الصـدق هـو مـا يجعـل مـن الحـرف متوهّجًـا أكثـر وأكثـر، ورسـالتك كانـت جُملـةً مـن الصـدق والجمـال والـدفء والحياة، معجونـة بالحـبّ، وآسِـرة جدًّا جدًّا، اسـتطاعت أن تلامـس أشـياء عِـدّة بداخلـي كنـتُ عاجـزًا عـن رؤيتهـا قبـل اليوم، أشـكرك

    طاب صباحك، يومك أسعد.

    آرثــــــــر

    التاسع من حزيران 2022

    حالـي هـو حـال قطـار انحـرف عـن السـكة... هو حـال قـاربٍ فقد البوصلة... هـو حـال مصبـاح انطفـأ وربمـا احتـرق ولـن يضـيء مجددًا..

    ايهُّـا المُبالِـغُ الـذي لا يصـوغ الجمـال إلّا حزنـا ولا يـدري كيـف يرقـص علـى أرض الفـرح!!

    أترانــي فشــلتُ فيــكَ حتــى آخــر الدرجــات! وأحــرزت فيــك أســوأ النقاط! مــا كان علينــا أن نتجــاوز أعتــاب الصداقة... لأننــا كنّــا أفشــل حبيبيــن.

    ومـا أغبانـي مـن امـرأة وأنـا أراهـن نفسـي بأنّني سـأطلق لسـانك وحواســك يومًا!

    ألا بئس الرهان كان!

    لماذا لم نكتفِ بالأكيد وطرقنا باب الاحتمال؟!

    فبعـد أن كنّـا فـي طريـق الصداقـة نُمسـك أيـدي بعـض لنسـابقَ الريح، صرنـا فـي طريـق الحـب كمـن يتعلـم المشـي..

    غبيين.. غبيين!!

    بعْدكَ أدركـت أننـي أعاني مـن إدمان التواصـل معكَ حقيقة لا مجازًا، فمـا انتظـرت أحـدًا فـي حياتـي واقعًا كمـا انتظرتُكَ أنت خلـف هاتفـي المشـؤوم

    ذاك... ومـا كان جوعـي الا للحديـث إليـك... ومـا كنـت أنـتَ تتقـن شيئًا أكثـر مـن مبارزتـي ب hors ligne

    وكلمـا تعثـرت بأيقونتك الخضـراء مضاءة... عصفـت بـي غيـرةٌ حارقة؛ فأكيل الدعـوات لأخـرى لا أدريهـا غيـر أننـي أكرههـا...

    هكذا لله فـي سـبيل الله! ههه..

    فأية أنثى غبيّة كنت!!

    وحتـى بعدمـا اقتنعـت أن الأمـور بيننـا ليسـت مـن الحـب فـي شــيء، بقيت لأسابيع أتلصــص علــى حســاباتك...حتى أصابنــي الإرهاق... ومشــيت فــي طريــق العــلاج بمســاعدة أحدهــم... وكان أول مــا نصحنــي أن أمســح كل حســاباتي وأن أغــادر ذلــك العالم... عالــم التيــه والشــتات!

    هل سبّبنا ألمًا لبعضنا حتى ونحن نعِزُّ بعضنا؟!

    أكيد!!

    وهاتـه المـادة أحرزنـا فيهـا النقـاط النهائية... وتفوقنـا فيهـا علـى بعـض.

    تعرف لِمَ؟!

    لأن فينا بعض غباء عاطفي وكثير عناد، أعلنتُ هزيمتي أمامك وارتحت.

    اسـتوعبت ذلـك بعدمـا يقـارب السـنة مـن التعثرات...

    لأننـي مـا كنـت قـادرة علـى الحسـم، لأننـي كنـت مدمنـة ولا أتخيـل أن أفتـح الهاتـف ولا أجدك...وقـاكَ الله شـر الإدمـان.

    آرثر

    شُفيت منك وشفيت مني لأني لا أصدق مبالغاتك

    وبقــي الشــيء الجميــل الــذي جمعنــا أول مــرة:

    تقديــر كلانــا للآخــر،

    ومَعزَّتنا لبعض.

    هل فكرت في النشر أم لا زلت تتردد وتتكاسل..

    هناك شيء سأكرره لك حتى أُحمل إلى قبري:

    أنـت كاتـب مميّز حقًّـا، وأنـا حيـن أقـرأ لـك فكأنّمـا أقـرأُ لبعـضٍ منـي...

    تصبح على فرح.

    ––––––––

    غابرييل

    بداية حزيران 2021

    سـلام إليـكِ مـن هاته المدينـة، ومـن السـطح بالضبـط، هــي أشــهُرٌ انقضت، فــي كل مــرة كنــت أحــاول أن أُرســل لــكِ بعــد أن أَغلقــتِ المنفــذ الوحيــد لتواصلنــا، وأقــول: لا، أظــن أنّ الظـروف لـم تسـمح لهـا بـأن تتواصـل معـي

    لهـذا...

    قبـل اليـوم لـم أتجــرأ علــى إزعاجــك أو أن أســبب لــكِ أية مشــكلة..

    تمنيت لو تلقيت منكِ ولو عبارة..

    لكن لا مشكلة...

    لــكلٍ ظروفــه أعــرف، ولســت هنــا لألومــكِ وليــس لــي الحــقُّ فــي ذلــك.

    صدّقينـي لا داعـي للقلـق أو إغـلاق نافـذة البريـد هاتـه، مــن اليــوم فصاعــدًا أعـدكِ بأنـّـكِ لــن تتلقــي كلمــة منـــــي، أنــا فقــط لــم أســتطع ألاّ أكتــب لــكِ ولــو جملــةً أطمئــنّ فيهــا وأغــادر..

    أتمنى أن تكوني بخير دائمًا.

    لا أدري متى سيرى كتابك النورَ، أو أنّه رأى..

    لا أدري..

    ولكني أضل، أتمنى لك التوفيق.

    متأكد أني سأقرأ لك ذات يوم

    كل التوفيق...

    دمـت فـي أمـان الله وحفظه... تحياتـي مـن وطـن هـو وطنـك، لـو لـم تختـرع الحدود.

    آرثــــــــر

    السابع من حزيران 2021

    آرثر، يا آرثر

    ما الذّي ذكّرك بي؟

    غابرييل

    ومــا الــذي فقدنــاه حتــى نبحــث عنــه، أو بالأحــرى ما الذي نســيناه حتــى نحــاول تذكــره، لا شــيء كان بمقــدوره منعــي مــن التذكـر، كل الأشـياء بتفاصيلهـا الصغيـرة ما زالـت ترتـدي ملامـح الذكــرى أمامــي كل مــرة..

    كل شيء يذكرني، أنا لم أنس.

    أتدرين!!

    مــا أســعدني بهــذا اليــوم وإن لــم يكــن بالأمــر الكبيــر، هــو أنّ أحدهــم تذكــر اســمي ولــم ينــس، أشــكرك.

    آرثــــــــر

    قلتَ: لم أنسَ...

    فـإن كنـتُ لـك ذاكـرة شـقاء فاحرقنـي ولا تبالِ، فليـس لـك فيمـن يشُـقيكَ رمـاد ذكراهـم عـزاء!

    لا تُقِم لفقدهم سرادقات، ولا تلبس فيهم حدادًا باسم الوفاء.

    دخلــت حياتــك يومًــا لأصير لــك بلســمًا. فإن تحولــت إلــى داء فضعنــي تحــت حذائــك ودُســني...

    وإن كانـت ذكـراي تحـلُّ عليـك بـردًا وسلامًا وابتسـامة تُضـيء عالمــك، حيــن تمــر عليــك بعــض جمــل تداولناهــا بعفويــة أثنــاء أحاديثنــا الماراطونية، فعــادي جدًّا...

    ابتسم واضحك في وجه هذا الحنين اللذيذ، وواصل!

    وأمـا وأنـّك زرتنـي اليوم؛ فدعنـي أحدّثـك عمّـن أحببتهـم فيـك ذات يوم وكنــت لا أفصلهــم عنــك...

    حدِثّنـي عـن حـال الجدة، هـل ما زالـت تضـع الرغيـف سـخاءً وجــودًا بيــن أيــدي العابريــن كل جمعة تعبِّــدُ بــه طريقـًـا نحــو الجنــة ولا تبغــي غيــر وجــه الله؟!

    كيــف حالهــا وهــي تتجلــى فــي كتاباتــك كأبهى مــا تكــون..

    امـرأة مـن زمـنٍ كانـت النسـاء فيـه يخِطـن مـن الصبـر عبـاءات..

    ويَنحنيـن فــي ليـنٍ أمــام عواصـف الفقــد والجـزع..

    يا لصَبْرِهِنَّ، وكم أحِبه دون أن أدري كيف أسلك طريقه!

    حدثنــي آرثــر عــن حــال الجــد، هــذا المتفــرّد الـّـذي يُحيــط بــه البنـون والحفـدة، يبُاهـي بنسـله وزنقتـه التـي لا أدري كـم تحـوي مــن الأبنــاء والإخــوة.

    غيـر أنـي كنـت أتخيـل البيـوت مفتوحـة علـى بعضهـا، والعـم والــد، وابــن العــم أخ، يــد الجــدّ هــي العليــا والجــدّة هــي البركــة.

    كأنّهما البيـت المعمـور والـكل يطـوف حوله... كذلك سأكون أنا ورجلي وزنقتنا...

    وأخبِرني... أخبِرنــي عــن عينــي أختــك الصغــرى سيســيليا المفتوحتيـن علـى العالـم، الضاحكتيـن مـن هـذا العبـث الـذي يحيط بنــا نحــن الكبــار مــن كل جانــب..

    كيـف حـال ابتسـامتها السـخية ويدهـا الصغيـرة تحيـط بعنقـك، تقـرؤك سـلامًا وحبًّـا..

    هــل ما زال جمــال صوتهــا البــريء علــى حالــه يســألني عــن حالــي..

    يوم أن كان حالكُ بعض حالي؟!

    كيـف حـال أخـيك الأصغـر ماثيـو وهـو يلهـو بالحيـاة يصـوغ مـن قسـوتها النـكات ويلُقـي فـي وجههـا القفشـات قبـل أن يقذفهـا مـع كُرَتِـه ليعيـش اليـوم بيومـه؟!

    كيـف حـال والـدك يضحـك فـي فـرح ودهشـة كطفـل كبيـر أمـام حلــوى الميلاد

    في صورة أذابت خوفي منه؟!

    آرثر، لقد أحببت عائلتك جدًّا...جدًّا ورّبي...

    هياّ...أخبرنــي عــن حــال المســاجد بجواركــم، وصــوت الآذان الجميــل يبعــث فــيَّ الحنيــن لأبٍ مــا كان يحــب شــيئًا فــي الحيــاة أكثــر مــن بيــوت الله وجمــال النســاء. ههه أمــزح وهــو مــزاح فيــه الكثيــر مــن الحقيقــة.

    قل لي،

    هل ما زال صوت الدِّيك في بيتكم يسابق آذان الفجر؟

    أسـمعه مختلطًـا بصوتـك المتعَـب مـن طـول السـهر ورغبتـي المجنونــة فــي اســتبقائك...

    إيــه علــى نبــاح كلاب الحراســة كذلــك، وعلــى النجــوم فــي ســماء ســطحكم!

    بربـك حدثنـي

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1