Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أسرار محاكمة القرن
أسرار محاكمة القرن
أسرار محاكمة القرن
Ebook526 pages3 hours

أسرار محاكمة القرن

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يحتوي الكتاب على وثائق رسمية وصور فوتوغرافية ورسوم توضيحية تخص محاكمة الرئيس السابق وابنيه ووزير داخليته حبيب العادلي ومعاونيه.. ويغلب على الكتاب الطابع الوثائقي.. ويصوغ الأخبار بطريقة مثيرة تعتمد على تتابع الأحداث سريعًا.. والكتاب يصور أحداث المحاكمة بشكل جيد؛ لأن مؤلفه شارك في معظمها.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2013
ISBN9788347776031
أسرار محاكمة القرن

Related to أسرار محاكمة القرن

Related ebooks

Reviews for أسرار محاكمة القرن

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أسرار محاكمة القرن - أحمد شلبي

    الغلاف

    أســـرار

    مُحـاكـمـة القـرن

    Image01.png

    تأليف:

    أحـمــــد شـلـبــــي

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    جميــع الحقــوق محفـوظــة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن

    أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية

    أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولي: 8-4558-14-977

    رقـــم الإيــــداع: 2012/9720

    الطبعة الأولــى: ينـايـر 2013

    Arabic%20DNM%20Logo_Colour%20Established.eps

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفـــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    إهـــــداء

    إلى روح كل شهيد ضحى بحياته من أجل أن تعيش مصر.. وإلى كل أم وكل أب فقدوا أبناءهم في ثورة 25 يناير.. إلى أحمد حرارة وزملائه الذين فقدوا أعينهم كي نرى نحن النور.. إلى كل مصاب ما زال يتألم حتى الآن .. إلى أمي الغالية وأبي الكريم .. إلى زوجتي الحبيبة وابني العزيز.. إلى شعب مصر العظيم.

    مـقــــدمــة المـــؤلـــف

    قبل الثورة بشهرين تقريبًا أرسلت خطابًا إلى رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، طلبت فيه مقابلة الرئيس «مبارك» لإجراء حوار صحفي معه، ترددت كثيرًا قبل إرسال الطلب، خشيت من اتهامي بالجنون والمرض النفسي، إلا أنني عزمت وتوكلت، كتبت فى مقدمة خطابي: «أنا لست الأستاذ هيكل..ولست رئيس تحرير الأهرام .. أنا صحفي شاب أبلغ من العمر 31 عامًا .. أريد إجراء حوار معك .. قد يفيدك الحوار مثلما سأستفيد .. بالتأكيد سيكون انفرادًا لصحفي شاب .. وبالتأكيد سيقال عنك إنك رئيس ديمقراطي متواضع تقبل الحوار مع صحفي شاب من جريدة معارضة لك .. أريد أن أنقل لك متاعب الناس وهموم الفقراء .. أريد أن أطلعك على صورة لأطفال الشوارع يأكلون من صناديق الزبالة .. أريد أن أسرد لك حكاية الشاب إبراهيم والذي انتحر بسبب عجزه عن شراء شقة للزواج .. أريد أن أحكي لك تفاصيل واقعة تعذيب الرجل العجوز مصطفى، وكيف انتهت حياته داخل قسم مصر القديمة على يد ضباط وزير داخليتك حبيب العادلي .. أريد أن تأتي معي إلى معهد الكبد لتشاهد بعينيك كم من مريض ملقى على الأرض فى انتظار دوره لتلقي العلاج من أمراض السرطان التي تسبب فيها رجالك».

    كان يتملكني إحساس كبير بأن الرئيس سيوافق على حواري معه، وقفت على أطراف قدمي عندما فوجئت باتصال من رئاسة الجمهورية. موظف يقول لي: «إحنا رئاسة الجمهورية .. اللواء محمد هيكلم حضرتك». فرحت وقلت «خلاص حددوا ميعاد للحوار». إلا أن الإحساس تحول إلى وهم، بعدما أبلغني اللواء بأن الرئيس يعتذر عن تلبية طلبك لانشغاله.

    بعد تنحي مبارك وسفره إلى شرم الشيخ كررت التجربة مرة ثانية، ذهبت إلى فيلته هناك وحاولت مقابلته لإجراء حوار معه، لكن المحاولة انتهت عند الحرس الخاص، وقتها لم أكن أعلم أن لقائي بمبارك سيكون قريبًا جدًّا. بعد مرور 4 أشهر تقريبًا جلست في قاعة أكاديمية الشرطة في انتظار وصول «مبارك» لبدء محاكمته، وقتها رأيته وجهًا لوجه. لم أكن قد شاهدته من قبل، كل صلتي به كانت من خلال التليفزيون فقط. رقد «مبارك» على سرير طبي، القاضي يسأل والمتهم «مبارك» يرد: «أفندم». وقتها قلت: «سبحان المعز المذل». قبل أشهر كان مبارك هو الآمر الناهي، واليوم يؤمر فينفذ.

    طوال 49 جلسة في تلك المحاكمة التى أطلق عليها «محاكمة القرن» جلست أدون ما يدور فيها لأجمعه في كتاب يبقى للتاريخ. يبقى لأبنائي وأبنائك، ليعلموا أن آباءهم وأجدادهم قاموا بثورة وغيروا حاكمهم، ليثقوا في أنفسهم ويتأكدوا أن الحكم للشعب .. قررت أن أدون هذا الكتاب ليبقى تذكرة لكل رئيس يجلس على رأس هذا البلد .. ليعلم أنه فى يوم من الأيام خرج الشعب على حاكم ظالم وأنزلوه من قصر الرئاسة مذلولًا وأودعوه في سجن مزرعة طرة .. جمعت أوراق هذا الكتاب ليعلم الجميع أن الكرسي والمنصب لا يدوم لأحد. ليتذكر الجميع.. أين كان مبارك قبل الثورة وأين استقر بعد الثورة .. ليتأكد من يتوهم أن المصريين يخيفهم صوت الرصاص، إن إرادة الشعب هي الأقوى.

    تمنيت وطالبت كثيرًا بأن تسجل تلك المحاكمة بالصوت والصورة، لكونها جزءًا من تاريخ مصر الحديث، ولكنهم دائمًا ما كانوا يتعللون بالأسباب الأمنية، فقررت أن أتحرك وحدي للحفاظ على هذا التاريخ، سجلت بقدر المستطاع بالصوت ما يدور في المحاكمة. وفشلت في تصويرها بالصورة لأسباب أمنية أيضًا. ووضعت كل كلمة ذكرت في تلك المحاكمة في كتابي، نقلت جلسات تحقيقات النيابة مع «مبارك» داخل مستشفى شرم الشيخ الدولي نصًّا كما سأل «المحقق» ونصًّا كما أجاب «مبارك»، وحكيت «لماذا بكى مبارك في التحقيقات؟» وردَّ فعل المحقق عندما صرخ فيه «جمال»: «انتو نسيتوا أنا مين؟». رصدت كواليس المحاكمة التي كانت ممنوعة على التليفزيون، وكيف رد «مبارك» على القاضي، وكواليس شهادة المشير محمد حسين طنطاوي في المحكمة، ومشاجرة المحامين بسبب منعهم من سؤاله. وكيف رد اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة سابقًا على القاضي.

    وتناول الفصل الأخير من الكتاب دراما الحياة .. ما بين بكاء «مبارك» لصدور حكم ضده بالسجن المؤبد وفرحة ابنيه لبراءتهما، وحزنهما على أبيهما. ورصد الكتاب رد فعل الرئيس السابق عندما فوجئ بالطائرة تهبط به داخل سجن مزرعة طرة.

    أحــمــــد شـلــبـــــي

    ديسمبــر 2012

    مقدمة قانونية للحكم ...

    بقلـــم الأســتاذة / نهــــاد أبـــوالقـمـصـــان

    ... كان مشهد دخول الرئيس السابق محمد حسني مبارك إلى قفص الاتهام، مشهدًا مهيبًا شاهده المصريون والعرب جميعًا بل العالم كله. فقد حبس المصريون أنفاسهم وهم يجدون الرئيس الفرعون الذي أرهبهم لثلاثين عامًا داخل قفص الاتهام، كانت لحظة انتصار خاصة بكل المقاييس، لحظة استحقها المصريون عن جدارة، لحظة لم يهبها لهم أحد، دفعوا ثمنها من دم أولادهم وبناتهم وعيونهم، لحظة لم تتحقق بمجرد التنحي وإنما تحققت بعد إصرار المصريين على رفض أنصاف الحلول والمماطلة لأكثر من ثلاثة شهور في اتخاذ قرار الإحالة إلى المحاكمة، لحظة استرد فيها كل مصري ومصرية ثقتهم بقدرتهم على أن يكونوا فاعلين بعد أن كانوا لعقود طويلة مفعولًا بهم، لحظة انتصار صافٍ لم يعكرها سوى دخوله القفص مريضًا ضعيفًا ملقى على فراش ـ لا نعرف هل كان مريضًا فعلًا أم كان يتمارض ليستدر عطف المصريين؟ - أي نصيحة شيطانية أعطيت له ليظهر ضعيفًا إلى هذا الحد حتى يحرمنا من لحظة انتصار كريم؟ حتى يشعرنا بأننا كنا كجان سليمان الذي ظل حبيس سجن رجل ميت؟ وهل كان المصريون الجان وثاروا على رجل ميت أم أننا كنا النمل الذي أكل عصاه حتى وقع؟ حتى لو أراد مبارك أن يهزمنا بضعفه فقد انتصرنا وأدخلنا آخر فراعنة مصر قفص الاتهام.

    توجهت الأنظار إلى المستشار أحمد رفعت القاضي الجليل الذي لم يتعامل أبدًا مع الأشخاص الذين تحوي أسماءهم أوراق الجنايات التي ينظرها، ولم يهزه سلطان مال أو نفوذ، نظر العديد من القضايا الكبرى لرجالات لو فكر فى أسمائهم ما جرُؤ على الحكم عليهم قاضٍ ممن وهبوا أنفسهم للحق والعدل؛ لذا تساوى عنده الخفير مع الأمير، القوي مع الضعيف، نظر دعاوى كبرى لمافيات بنوك وآثار واستيلاء على أراضي الدولة، كل اسم في كل دعوى لو فكر في قدراته الإجرامية والمافيا التي وراءه ما حكم عليه خوفًا على حياته لكن الله كان له حافظًا دائمًا، وهو أرحم الراحمين.

    هذا القاضي الجليل وجد نفسه في قلب مسرح كبير، سلطت عليه كل الأضواء وهو رجل عاش عمره لا يعرف إلا ضوء الحق وهو خيط أبيض رفيع فى عتمة واسعة يحاول دائمًا التمسك به مهما كان غير جلي، وجد نفسه ما بين آمال وأحلام المصريين في العدل والإنصاف، ليس عن وقائع الثورة فقط ولكن عن ظلم امتد لثلاثين عامًا، وما بين أوراق دعوى خلت من كل ما يفيد أن يحكم بما يحقق آمال المكلومين أو يهدئ من صراخ دم الشهداء.

    أدلة مهترئة وأسانيد ضعيفة، فتات أدلة لحقيقة غلبت في وضوحها وضوح الشمس، ورغم أن الجريمة ممتدة في كل أرجاء القطر المصري، فإن الدم مفرق بين القبائل، من الفاعل الأصلي؟ من أمسك المسدس وأطلق النار؟ بناءً على تعليمات من؟ ألف ألف من .. بعدد قطرات دماء الشهداء، لكن الإجابة ليست معلومة، فالقانون الجنائي لا يعرف «ربما» وإنما يعرف القطع واليقين، بل إن القانون السماوي يحذرنا من «ربما» ويقول لنا الرسول الكريم: «ادرءوا الحدود ما استطعتم، فإن وجدتم مخرجًا، فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة». فإذا كان كل ما قدم من الأدلة مليئًا بالعوار والشبهات التي لا تؤكد من الفاعل الفعلي الذي أطلق كل طلقة رصاص، فمن أعطى الأوامر؟ ومن حرض؟ ومن سهل؟ ألف ألف سؤال بلا إجابة، تحتم أن يخلى سبيل من أهدر دماء كثيرة، إما عن عمد وإما عن تقاعس في اتخاذ القرار الواجب لحماية شعبه، كانت أوراق القضية مهلهلة صعبت المهمة على المحامين والنيابة والقاضي الذين حاولوا جميعًا الغوص إلى أبعد أعماق المحيط القانوني ليجدوا ما يعينهم على القصاص لدم الشهداء وعدم الاتجار بالقانون أو إهداره في وقت واحد.

    واجه المحكمة والنيابة والمحامين العديد من التحديات أثناء المحاكمة، أهمها خلو الأوراق من العديد من الأدلة، كشفت النيابة في مرافعتها أن أجهزة الدولة لم تساعدها في الوصول إلى أدلة إدانة المتهمين، مما اضطرها إلى القيام بدورين للمرة الأولى في تاريخها، حيث جمعت المعلومات والتحريات «وهو دور الشرطة» وحققت فى آنٍ واحد.

    قال ممثل النيابة: «الفاعل الأصلي في الجريمة يستلزم قانونًا دليلًا مباشرًا أو غير مباشر يسهل تعقبه من رجال العدالة، ويتمثل في شهادة شاهد أو استنتاج منطقي، وإن القانون والمشرع استقرا على أن صورة الاشتراك في الجريمة يكفي للمحكمة أن تحصل عليها من نتائج أو مقدمات تتفق مع نتيجة، بشرط أن يكون مستخلصًا من ملابسات الدعوى، وإن النيابة العامة غير ملزمة بتقديم جميع الأدلة، ولكن تكتفي بتقديم بعضها وهذا على عكس المحكمة التي يجب أن تحصل على أدلة قاطعة، وإن النيابة العامة حينما تصرفت في القضية كان لديها عدد من الأدلة والقرائن والاستنتاجات المنطقية، وإن النيابة العامة للمرة الأولى في تاريخها قامت بدور سلطة الاستدلال رغم أنها لم تتوافر لها قدرة ذلك وأدواته. سألت المحكمـة بتعجـب: «هل قامت النيابة بمخاطبة الجهات المسئولة لتقديم تحريات وقرائن للنيابة العامة تعينها على التحقيقات؟»، فردت النيابة: «هذه الدعوى حينما حدثـت في 25 يناير الماضي وأعقبها فراغ أمني، كانت فيه مصر كلها في بيوتها ونزل أعضاء النيابة يوم 16 فبراير وكانوا يعملون وهم يسمعون طلقات النيران، وأرسلنا مخاطبات لوزارة الداخلية لطلب التحريات ولكن نظرًا لأن رئيس تلك الوزارة وقيادتها هم المتهمون، فليس من المنطقي أن يكونوا هم الخصم والحكم، ولكن بعد تعيين وزير جديد طلبنا أن يوافينا بجميع المستندات ولكن لم يصلنا شيء؛ لذا طلبنا من هيئة الأمن القومي وأيضًا ردت علينا بأنه لم يتوافر لها أي معلومات أو تحريات؛ لذا اضطررنا إلى العمل بأنفسنا لاستكمال الإجراءات»، فعاودت المحكمة لتسأل: «هل يفهم من ذلك أن جميع أجهزة الدولة لم تعاون النيابة؟ وهل هذا كان عن عمد؟»، فردت النيابة: «رأيي الشخصي أنه كان هناك على الأقل تقصير، أما رأيي الرسمي فلا بد من إجراء التحقيق لإثبات ذلك أو نفيه».

    عندما تسلمت هيئة الدفاع أوراق القضية كانت الصدمة الكبرى .. فقد خلت أوراق التداعي وما قدم فيها من مضبوطات تم فحصها من قِبَل المحكمة من أى أدلة مادية مثل «الأسلحة والذخائر والمهمات والعتاد» يمكن أن تطمئن إليها المحكمة وترتكن إليها في أن الفاعلين الأصليين بجرائم القتل العمد والشروع فيه والتي وقعت أثناء الأحداث هم من ضباط وأفراد الشرطة بالإضافة إلى أنهم لم يستخدموها بأنفسهم فيما وقع من جرائم القتل في الميدان خلال تلك الأحداث.

    كما خلت أوراق التداعي من أي تسجيلات صوتية كانت أو تسجيلات مرئية ذات مأخذ شرعي قانوني تطمئن إليها المحكمة وتثبت أن الفاعلين الأصليين لقتل المتظاهرين هم ضباط وأفراد الشرطة.

    بالإضافة إلى خلو تلك الأوراق وما قدم فيها من مستندات ومضبوطات من ضبط أي اتصالات سلكيـة أو لاسلكيـة أو تسجيـلات أو مكاتبات أو أوراق أو تعليمات مكتوبة أو شفاهيــة تثبـت اتفاق المتهميـن المذكوريـن فيما بينهم أو تحريضهم أو مساعدتهم للآخرين من ضباط وأفراد الشرطة لارتكاب وقائع قتل المتظاهرين.

    كذلك عدم الاطمئنان إلى ما تم إثباته بدفاتر مخازن السلاح لقطاعات قوات الأمن المركزي ولا نستطيع الاعتماد على تلك الدفاتر؛ وذلك لأنها لم يتم ضبطها في وقت معاصر لتاريخ الأحداث خلال المدة السابقة الذكر أو عقبها مباشرة، وهو ما أعطى فرصة للعبث فيما أثبت فيها من بيانات أو التدخل بالحذف أو الإضافة لتلك البيانات، وخلو تلك الدفاتر من أي تعليمات أو توجيهات تدل على إطلاق ضباط الشرطة الأعيرة النارية على المتظاهرين.

    خلو أوراق الدعوى من أدلة فنية تثبت أن وفاة وإصابة المتظاهرين حدثت من أسلحة أو سيارات تابعة لجهاز الشرطة، وهذا يعني انفصال العلاقة السببية بين الإصابة والأداة المستخدمة ومدى نسبتها إلى جهة معينة تطمئن المحكمة بها إلى توافر علاقة السبب والمسبب.

    والسؤال : ماذا يمكن أن يقال لشعب مكلوم؟ هل يمكن أن يتفهم أسس القانون التي يمكن أن تُفلت المجرمين من العقاب رغم أن دم أولادنــا ما زال على الأرض والجدران؟ كيف نبني دفاعًا في دعوى بلا أدلة؟ هي حقًّا محاكمة القرن، ليس لقدر المتهمين فيها فقط ولكن بقدر العبث في الأدلة المقدمة، إنها محاكمة القرن عن جريمة قتل شعب نزفت دماؤه وما زالت ولا يوجد دليل!!

    ارتكزت محاولات دفاع المجني عليهم في إسناد الاتهام لمبارك والعادلي على طريق مهجور وهو «الجريمة الإيجابية بطريق سلبي».

    وهي قاعدة مهجورة في القانون، لا يذكر صدور أحكام مشددة بناء عليها، لكن في محاكمة القرن الإبداع القانوني هو ما يحتاجه شعب حريص على العدالة وحريص على القصاص في آنٍ واحد. يقع هذا النوع من الجرائم في الأصل بفعل إيجابي، غير أنه لا يستبعد أن يرتكب أحيانًا بفعل سلبي بعمد أو غير عمد اعتمادًا على أن القانون يجرم نتائج ضارة محددة، بصرف النظر عن الوسيلة التي يستخدمها الفاعل لتحقيق تلك النتائج، فالوسائل جميعها في نظر المشرع سواء.

    حيث يعاقب القانون على جريمة القتل لحماية مصلحة محددة معلومة هي حماية الحياة البشرية، ولا يهم بعد ذلك أن تكون الوسيلة المؤدية لإزهاق الروح إيجابية كانت أم سلبية، وعلى سبيل المثال يستوي في نظر القانون أن يحصل إزهاق الروح بإطلاق النار وهو فعل إيجابي أو بالامتناع عن إطعام المجني عليه وهو فعل سلبي.

    وتسمى جرائم (الامتناع) إذ يفترض أن هناك إلزامًا قانونيًّا بعمل لم يقم به المتهم، لذلك فإن الأساس في الامتناع هو (القاعدة القانونية) والتي تلزم الأفراد بالقيام بعمل وتقرر العقاب على من يحجم عن ذلك.

    شدد الدفاع عن الضحايا على أن القتل العمد تم بطريق سلبي يتكون من نية إزهاق الروح، والامتناع عن إصدار الأوامر لتقديم المساعدة الضرورية لإنقاذ المصريين الواقعين تحت خطر داهم في الميادين، وبغض النظر عن النتيجة التي ستترتب على ذلك الامتناع، وهذا ما قام به المتهم الأول «محمد حسني مبارك» بمشاهدته لشعب مصر يقتل ويدهس أمامه دون أن يحرك ساكنًا .

    أكدت النيابة ذلك حين قالت: «انتفض الرئيس السابق تجاه وزير الداخلية الذي سبق العادلي، حينما وقعت أحداث الإرهاب في الأقصر، وسارع بالانتقال إلى مكان الحادث، وأصدر قرارًا بإقالة الوزير وقتها، وأحال قيادات الوزارة للتحقيق الفوري، فماذا كانت انتفاضتك أيام الثورة؟ إذا كانت انتفاضتك قد حدثت من أجل سياح أجانب، فأين انتفاضتك لشعبك؟ لماذا لم تبادر بحمايتهم؟ ظهر غضبك من أجل الأجانب، ولم تتأثر بمجازر شعبك - موجهًا حديثه لمبارك - ولماذا لم تصدر أى قرارات رغم أنك تمتلك الصلاحيات؟ ووضح ذلك أنك كنت ترعى مصالحك الشخصية، فكل الدلائل تشير إلى أنك اتفقت ووزير داخليتك على قمع المتظاهرين».

    طريق القتل بالامتناع كان طريقًا مهجورًا مهده المحامون في دفاعهم للمحكمة، هذا الدفاع لم تقض به محكمة من قبل، وهناك العديد من أساتذة القانون المعارضين له قانونًا وفي كيفية تطبيقه، لكن استند إليه القاضي لإصدار حكمه ضد محمد حسني مبارك، حكم يعد سابقة قانونية وكان مفاجأة للجميع، مفاجأة سارة للنيابة ودفاع الضحايا الذين يعلمون خبايا الأوراق وما بها من غياب فاضح للأدلة قد تؤدي إلى البراءة، مفاجأة غير سارة لأهالي الشهداء، ولكل المصريين المكلومين الذين ما كان يرضيهم إلا إعدام آلاف المرات بعدد قطرات الدماء التي سالت للشهداء والمصابين، مفاجأة صادمة لدفاع المتهمين الذين دخلوا الدعوى على ثقة ببراءة موكليهم.

    ختم القاضي الجليل أحمد رفعت حياته القضائية بقضية القرن، وضع فيها علمه وخبرته وإبداعه القانوني، استحضر من كُتب القانون القديمة المنسية على رفوف الزمن مبدأ نادرًا ما استخدم، حتى لا يفلت القتلة من العقاب.

    ربما يسأل سائل بغير رضا أو بغضب شديد، إن كان هذا عن مبـارك، فماذا عن باقي المتهمين الذين حصلوا على البراءة؟ والإجابــة في طيــات هذا الكتاب الهام، الذي يعد وثيقة تاريخية وشهادة حيــة على هــذه المحـاكمة من كاتب متخصص، المحاكمة التي تعد بكل المعايير والمقاييس محـاكمة القرن.

    خيرًا فعل الكاتب المحترم أحمد شلبي حينما أخرج أوراق القضية من أدراج النسيان داخل غرف الحفظ بالمحكمة، وضع في كتابه خلاصة خبرته كصحفي متخصص، ووضع ملاحظاته ومشاهداته ليجمع بين المرجع القانوني والعمل الشيق للقارئ غير المتخصص ولكل معني بالتعلم والفهم لما حدث.

    جلل اللحظة وقيمة الحدث يستلزمان منَّا أن نقرأ التفاصيل لنعلم مسار القضية ونتعلم العبر ونفهم القانون ومجريات التطبيق، ونحفظ قدر وجهد كل من شارك فيها حتى لو لم يلبِّ الحكم طموحات الكثير في العدل والقصاص.

    المحامية

    نهاد أبوالقمصان

    أحد أعضاء فريق الدفاع بالحق المدني

    ديسمبــر 2012

    الفصل الأول

    مبارك فــي المنفى السياحي

    Mobarak01

    استقر مبارك داخل فيلا الجولف في شرم الشيخ بعد تنحيه عن حكم البلاد في 11 فبراير 2011 إثر ثورة 25 يناير. وبقي ميدان التحرير ينادي بمحاكمته وإدخاله سجن مزرعة طرة. اعتقد الجميع - ومن بينهم مبارك نفسه ـ أن رحلة الرئيس الذي ظل 30 عامًا على عرش مصر انتهت في تلك الفيلا التي تطل على مياه البحر الأحمر من 3 جهات، ربما كان يخطط للبقاء في المنفى السياحي إلى أن يلقى ربه. إلا أن الرحلة كانت مليئة بالمفاجآت غير السارة.

    سيناريو الأيام الحزينة لمبارك بدأ بانقطاع أخباره عن الجميع. بين الحين والآخر كان البعض يردد أن حالته الصحية متدهورة. وآخرون ادعوا أنه سافر إلى السعودية لإخضاعه لفحوصات طبية، ولكن ثبت عدم صحة ذلك.

    اصطف عدد كبير من المحامين أمام مكتب النائب العام بدار القضاء العالي يحررون بلاغات للتحقيق مع «مبارك» ونجليه وزوجته بتهم قتل المتظاهرين خلال الثورة والتربح والإضرار العمدي بالمال العام وتصدير الغاز لإسرائيل بأسعار أقل من السعر العالمي، كما تولى جهاز الكسب غير المشروع جمع تحريات عن ثروات الرئيس السابق وعائلته ومدى مشروعية تحصيلها. اعتقدنا وقتها أن كل تلك البلاغات مصيرها أدراج المكاتب، وأن اتفاقًا جرى بين الرئيس السابق وأعضاء المجلس العسكري لخروجه بشكل آمن. إلا أن قرار النائب العام بالتحفظ على أموال مبارك، وزوجته ونجليه، علاء وجمال مبارك، وزوجتيهما، هايدي راسخ وخديجة الجمال، وأولادهما القصر، وشمل القرار جميع الأموال المنقولة والعقارية والنقدية والأسهم والسندات ومختلف الأوراق المالية في البنوك والشركات وغيرها، ومنعهم من السفر - جعل البعض يقتنع بأن الثورة لن تسمح لأحد بالفرار، إلا أن البعض الآخر كان يرى أن تلك القرارات مجرد أمور شكلية لتهدئة الرأي العام.

    بعد تلك القرارات الجريئة تحولت مانشتات الصحف القومية إلى عناوين تقول إن الرئيس السابق يمتلك مليارات في بنوك خارجية وفيلات وشاليهات في مناطق ساحلية مختلفة. وإن ابنيه يحتكمان على كذا مليار جنيه وقصور وفيلات وشاليهات. على الرغم من أن نفس تلك الصحف هي التي كتبت يوم عيد ميلاد الرئيس «يوم ولدت مصرمن جديد» ـ طبعًا ده قبل الثورة.

    ربما أغضبت تلك المانشتات«مبارك»، أو أن قائد الحملة التي كانت تهدف إلى تحسين صورته نصحه بالخروج على وسائل الإعلام ونفي تلك الشائعات. إلا أن «مبارك» رفض فكرة الظهور. ووافق فقط على تسجيل كلمة وإذاعتها. بحثوا عن قناة تليفزيونية لبث هذا التسجيل. ودون أن يسأل قائد الحملة اختار قناة «العربية» نظرًا لتملكها لدولة يتمتع «مبارك» بتعاطف من قبلها وهي السعودية. ورفضوا فكرة اللجوء إلى التليفزيون المصري أو أيٍّ من القنوات الفضائية المصرية لتأكدهم من رفض القائمين عليها إذاعة تلك الكلمة، لتخوفهم من إلصاق لقب «فلول» بهم.

    بصوت لا يشير إلى أن صاحبه مصاب بالسرطان أو أن حالته متدهورة كما كان يردد البعض، تحدث الرئيس السابق للمرة الأولى بعد تنحيه بنفس اللغة التي كان يستخدمها في خطاباته وقت أن كان رئيسًا. وقال في كلمته التي جاءت في شكل تسجيل صوتي: «تألمت كثيرًا - ولا أزال - مما أتعرض له أنا وأسرتي من حملات ظالمة وادعاءات باطلة تستهدف الإساءة إلى سمعتي والطعن في نزاهتي ومواقفي وتاريخي، ودحضًا لما يتم الترويج له فإنني أوافق على التقدم بأي مكاتبات أو توقيعات تؤكد موافقتي أنا وزوجتي على الاتصال بجميع وزارات الخارجية في كل دول العالم للكشف عن أي أرصدة لنا بالخارج منذ اشتغالي بالعمل العام؛ حتى يتأكد الشعب من أن رئيسه السابق يمتلك بالداخل فقط أرصدة وحسابات بأحد البنوك المصرية طبقًا لما أفصحت عنه في إقرار الذمة المالية النهائي».

    نفى مبارك تملكه أو زوجته أية قصور أو شاليهات في الخارج، وقال إنه لا توجد له أية أرصدة في بنوك خارجية. واعترف بأن ابنيه يمتلكان أرصدة متحصلة من عملهما. ونفى هروبه أو سفره خارج البلاد، وأنهى كلامه بجملة حركت عواطف بعض المصريين «سأموت في

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1