Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

المسالك في شرح موطأ مالك
المسالك في شرح موطأ مالك
المسالك في شرح موطأ مالك
Ebook776 pages5 hours

المسالك في شرح موطأ مالك

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب في الحديث والفقه المالكي يشرح كتاب إمام المذهب الفقيه المحدث المجتهد المتبوع والمشهود له ويهدف إلى تيسير فهمه على قارئيه من الطلاب والعلماء وهو مقسم على الابواب الفقهية الطهارة الحيض الصلاة السهو ا
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJun 26, 1901
ISBN9786445457197
المسالك في شرح موطأ مالك

Read more from أبو بكر بن العربي

Related to المسالك في شرح موطأ مالك

Related ebooks

Related categories

Reviews for المسالك في شرح موطأ مالك

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    المسالك في شرح موطأ مالك - أبو بكر بن العربي

    الغلاف

    المسالك في شرح موطأ مالك

    الجزء 4

    أبو بكر بن العربي المالكي

    543

    كتاب في الحديث والفقه المالكي يشرح كتاب إمام المذهب الفقيه المحدث المجتهد المتبوع والمشهود له ويهدف إلى تيسير فهمه على قارئيه من الطلاب والعلماء وهو مقسم على الابواب الفقهية الطهارة الحيض الصلاة السهو ا

    باب جامع التّرغيب في الصّلاة

    مالك (5)، عن عَمِّهِ أبي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عن أَبِيهِ؛ أنَّهُ سَمْعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ الله، يقولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى - رَسُولِ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - مِنْ أَهلِ نَجْدٍ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ (6) مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنٍ الإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم -: خَمْسُ صَلَوَاتٍ في الْيَوْم وَاللَّيْلَةِ. قَالَ: هَل عَلَىَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أنّ تَطَّوَّعَ. قَالَ: * وصيامُ شهر رمضانَ قال: هل علىَّ غَيْرُهُ؟ قال: لا إلا أنّ تَطَّوَّعَ قال* (7): وَذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَل عَلَىَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ. قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وهُوَ تقُولُ: وَاللهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم -: أَفْلَحَ إِن صَدَقَ".

    التّرجمة:

    قال الإمام ابن العربي: انظروا إلى فقه مالكٌ - رحمه الله - إنه ذَكَرَ جَامِعَ التَّرغِيبِ فإنَّه أراد بهذا الصّلاة وغيرها، ولم يذكر فيه إلَّا الصّلاة لما ذكر جامع التَّرغيب وإنَّما ذكره لقوله: هَل عَلَيَّ غَيرَهُنَّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: لَا إِلَّا أنّ تَطَّوَّعَ فأراد أنّ (1) في المصادر الحديثية: نهى.

    (2) في سننه (1079).

    (3) كالإمام أحمد: 2/ 179، وابن ماجه (749، 766، 1133)، والترمذي (322) وغيرهم.

    (4) للتوسع انظر أحكام القرآن: 3/ 1439 - 1447، والعارضة: 2/ 118 - 120، 10/ 287 - 293.

    (5) في الموطَّأ (485) رواية يحيى.

    (6) في الموطَّأ: نَفْقَهُ

    (7) ما بين النّجمتين ساقط من النّسختين بسبب انتقال نظر ناسخ الأصل، واستدركناه من الموطَّأ.

    يُبَيِّنَ أنّ فيه دليلًا على أنّ النّافلة تلزم بالشُّروع فيها، وحَعَلَهُ استثناءً من الجِنْس، وجعلَهُ الشّافعيّ استثناءً منقطعًا.

    الإسناد:

    قال الإمام: هذا الحديثُ صحيح مُتَّفَقٌ عليه، خرّجه الأيمّة، أمّا البخاريّ فخرّجه في خمسة (1) مواضع: في الإيمان (2)، والصّوم (3)، والحجّ (4)، والشّهادات (5).

    وروي هذا الحديث عن مالكٌ وإسماعيل بن جعفر المدَنىّ، عن أبي سُهَيْل نفسه -وهو عمّ مالكٌ بن أنس - فزادَ فيه: أَفلَحَ وَأَبيهِ إِنْ صَدَقَ (6).

    وقد رُوِيَ في نُسخَةٍ مشرقيَّةٍ بثَغْرِ الإسكندريّة: أَفْلَحَ وَاللهِ إنّ صَدَقَ وكلمة وَأَبِيهِ تقربُ أنّ تُصَحَّف بقوله وَاللهِ لأنّ جميع الرُّواة في الصّحيح اتفقوا على قوله: وَأَبيهِ والله أعلمُ.

    ورُوِيَ أيضًا عن مالكٌ؟ أنّه كان على ناقةٍ فأنَاخَها، ونهضَ النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - وكان كلامُه مِن بعد، ومن ذلك في الّذي الحديث: وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ لبُعْدِه، والله أعلمُ.

    وفي بعض طُرُقِهِ: لَا نَفْقَهُ ولا يُفْقَه بالياء والنون، قُيِّدَ فيه.

    وليس لطلحة بن عُبَيْدِ الله (7) في الموطَّأ غير هذا الحديث.

    ولم تكن (8) فريضة الحجِّ قد نزلت (9) في ذلك الوقت؛ لأنّ الإسلام بُنِيَ على خمس، كما في الحديث (10). (1) لعلّ الصواب: أربعة.

    (2) الحديث (46).

    (3) الحديث (1891).

    (4) لم نجده في كتاب الحجّ، ولعل لفظ الحج تصحيف للفظ الحيل والحديث هو في كتاب الحيل (6956).

    (5) الحديث (2678).

    (6) أخرجه من هذا الطريق مسلم (11).

    (7) هو أحد العشرة المشربن بالجنّة، انظر أخباره في الاستيعاب: 2/ 764، والسير: 1/ 23.

    (8) ف: تكن فيه.

    (9) ف: الحجّ منزولة.

    (10) أخرجه البخاريّ (8)، ومسلم (16) من حديث عبد الله بن عمر.

    ورُوِيَ عن أبي طَلْحَة؛ أنّ أعرابيًّا جاء إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - الحديث (1).

    قال الشّيخ أبو عمر (2): هذا الأعرابيُّ النَّجْدِيُّ هو ضِمَام بن ثَعْلَبَة السَّعْدِيّ، من بني سَعْد بن بَكْر، روى حديثه ابن عبّاس (3)، وأبو هريرة (4)، أكمل من حديث طَلْحَة هذا، وفيه (5) ذِكْر شرائع الإسلام، وشرائع الإسلام فيها الحجّ لا شكَّ فيه.

    العربية:

    وفيه ستّة ألفاظٍ:

    الأوّل: قوله: ثَائِرُ الرَّأسِ يريد: منتفش الشَّعر مرتفعه؛ لأنّه لم يسرِّحه بمشطٍ ولا دَهَنَهُ بدهنٍ.

    الثّاني: الفقه واللهم والعلم ألفاظٌ متقاربةٌ، والفقهُ والفهمُ أخوان، كما أنّ العلم والمعرفة جاران، يقال: فَقِه يفقه بكسر القاف إذا فهم، وبضمِّها إذا صار فقيهًا، وهو الثّالث.

    الرّابع: قوله: في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اختلفَ العلماءُ فيه:

    فمنهم من قال: إنّ اليوم عبارة عن اللَّيل والنَّهارِ.

    ومنهم من قال: اليومُ عبارة في الصّوم عما بين طلوع الفجر إلى غروب الشّمس، والنّهارُ عبارة عمّا تصحب (6) الشّمس من الزَّوال، والبحثُ عنه في اللُّغة قليل الجَدْوَى، فأمّا الشّريعة فقد استقرّت على أنّ اليوم عبارة في الصّوم عمّا بين طُلوع الفجر إلى غروب الشّمس، وما وراء ذلك لا يتعلّق به حُكم، إلَّا في باب اليمين، لو حلفَ ألَّا يأكل هذا اليوم كذا أو يوم كذا، أو لا يدخل داره يوم كذا أو يوم كذا، فإن كانت له نيّة فله ما نَوَى، وإن لم تكن له نيّة وكان بينهم عرف أو بساط حُمِلَ عليه، فإن عُدِمَ ذلك حُمِلَ على عُرْفِ الشَّرْعِ في الصَّوم.

    وقد تطلق العرب اليوم (7) على النّهار واللّيل معًا، وقد تطلق اللّيل على النهار (1) أخرجه البخاريّ (6956).

    (2) في الاستذكار: 6/ 358 - 359.

    (3) أخرجه أحمد: 1/ 250، وابن عبد البرّ في التمهيد: 16/ 168.

    (4) أخرجه النّسائي في الكبرى (2404)، وابن عبد البرّ في التمهيد: 16/ 168 - 167

    (5) أي في حديث البخاريّ (8).

    (6) كذا.

    (7) ف: يومًا.

    واللّيل معًا، فتقول: سرتُ ثلاثين ليلة، تريد بنهارها. وقال أنس: صُمنَا مَعَ النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - خَمْسًا (1) معناه: أيّامًا، والقولُ فيه طويلٌ، وهذا القَدْرُ فيه كافٍ للَّبِيبِ.

    الخامس: قوله: إِلاَّ أنّ تَطَّوَّعَ يريد: تتنفَّل من الطّاعة، والطّاعةُ متعلّق الأمر، وهذا يدلُّ على أنّ المندوب مأمور به، وهي مسألة أصوليّة بيانُها في موضعها.

    السّادس: قوله: أَفْلَحَ الفلاحُ عند العرب هو البقاء؛ لأنَّ الصّلاةَ لمّا كانت هي الّتي تُوَرِّثُ بقاءَ للأَبَدِ، سُمِّيت به من باب تسمية الشّيء باسم فائدته، وهو أحد قسمي المجاز الّذي لا ثالثَ لهما.

    الأصول.

    فيه ثلاث مسائل:

    المسألةُ الأولى:

    سكوتُ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - لهذا الأعرابىّ عن ذِكْرِ التّوحيد؛ لأنّه فهم منه قَبُوله والاعتقاد به (2) حين سأله عن شرائعه، ولو كان ابتداء التّعليم (3) لبَدَأَهُ بالمبادىء والأوائل كما فعل بغيره - صلّى الله عليه وسلم -.

    المسألةُ الثّانية:

    أراد بقوله - صلّى الله عليه وسلم -: الإسْلَام الدِّين ها هنا، وهي جُمْلَةُ الطّاعات الّتي شهِدَ الله تبارك وتعالى أنّها الدِّين. والإسلام على قراءة من فتح الهمزة والّتي أخبر على قراءة من كسرها (4)، وهو المراد بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (5) يعني: شرائع الإسلام على أحد الأقوال.

    المسألة الثّالثة:

    كان هذا الأعرابى قد عرف الصّلاةَ ولم يعرف الوُجُوب، وكذلك سائر الأركان الّتي ذكر له أو سمعها واعتقد وُجُوبها ولم يعلم الكيفيّة، فأرجا له النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - بيان الكيفيّة إلى وقت الحاجة، فإذ حَلَّ لم يعدم معلِّمًا. (1) لم نقف عليه.

    (2) جـ: له.

    (3) جـ: العلم.

    (4) كذا في النسختين ولم نتبين المعنى.

    (5) المائدة: 3.

    وقال علماؤنا (1): إنّما ذكر له النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - خمس صلوات لأنّها عُمْدَة الدِّين ولم يذكر الإيمان ولا إظهار الشّهادتين؛ لأنّ السائل قد كان آمن بذلك كلِّه.

    قال الإمام أبو بكر بن العربي: وفي قوله: خَمْسُ صَلَوَاتٍ إنّما اقتصر له على الفريضة دون النّوافل؛ لأنّ الفريضة رأس المال والنّافلة ربْحٌ، ولا يَصُون رأس المال عن العارض إلّا الرِّبْح.

    وقال بعض الأشياخ (2): إنّما قال له ذلك لأنّه كان أوّل الإسلام، فأراد أنّ يطمئن فؤاده عليها، وبعد ذلك يفعل ما سواها بما يظهر من ترغيب الإسلام.

    ذكر الفوائد المنثورة في هذا الحديث:

    وهي ثماني عشرة فائدة:

    الفائدة الأولى:

    فيه مشطُ الشَّعرِ وتسريحُهُ، ويأتي بيانُه في كتاب الجامع إنّ شاء الله.

    الفائدة الثّانية:

    فيه احتمالُ رَفْعٍ الصَّوتِ من الأعرابي الجافي، عَلَمَّهُ حُسْن الأدب حينَ (3) لم يسمع قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} (4).

    الفائدة الثّالثة:

    فيه: قُرْبُ طلحة من النّبيّ عليه السّلام ودُنُوَّ مَجْلِسِه منه، وَلِمَ لَا وهو أمينُه على أَهْلِهِ وقد وقاهُ بنفسه.

    الفائدة الرّابعة:

    سمعت بعض أشياخي يقول: النَّهيُ عن الجَهْرِ بالقَوْلِ إنّما هو في غير (5) السُّؤال عن الدِّين، وفيما لا يلزم البحث عنه (6) من الشّرائع. (1) المقصود هو الإمام الباجي في المنتقي: 1/ 313.

    (2) منهم ابن بطالّ في شرح البخاريّ: 1/ 104.

    (3) جـ: (الّذي!.

    (4) الحجرات: 2. وانظر أحكام القرآن: 4/ 1714.

    (5) جـ:عين.

    (6) ب: عليه.

    الفائدة الخامسة:

    قال علماؤنا: هذا كان قبل نزول قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} (1) فإن السّائلَ سَأَلَ في أوَّلِ الهجرةِ، وهذه الآية نزلت في آخر الإسلام وعند قُدوم الرَّسُول (2).

    الفائدةُ السّادسة:

    قال علماؤنا: فيه سقوط صلاةِ العيد أيضًا (3)، وقد تقدّم بيانُه في باب الوتر.

    الفائدة السّابعة:

    فيه أيضًا: سقوطُ الوِتْرِ، فإن النّبىَّ - صلّى الله عليه وسلم - لم يبيِّنه له، ولو كان واجبًا كما أَوْجَبَهُ أبو حنيفة لبَيَّنَهُ النّبيّ (4) له (5).

    الفائدة الثّامنة:

    ذِكْرُ الحَجِّ في حديث هذا السائل مختلَفٌ فيه؛ لأنّه قيل: إنّما سَكَتَ له عن الحَجِّ؛ لأنّه لم ينزل فَرْض الحَجِّ، ولأنّه قيل أيضًا: إنه فُرِضَ عامَّ سبع. وقيل: عام تسع، على ما نُبَيِّنُه في كتاب الحجّ إنّ شاء الله.

    الفائدة التّاسعة:

    ذَكَرَ له النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - خمس صلوات، وذلك نصٌّ فيها، والأعداد نصوصٌ عند من يُثْبِت النَّصّ، وإثباتُه هو الصّحيحُ.

    وإذا كان نصًّا، نَشَأَ ها هنا سؤالٌ، وهو قول السّائل: هَلْ عَلَىَّ غَيرُهُنَّ ولو كان ذِكرُهُ للعدد نَصًّا، لَمَا كَرَّرَ السُّؤال والبحث في تحقيق نَفْي الزِّيادة عليها والنُّقصان منها.

    قال علماؤنا: إنّما فعل الأعرابيُّ ذلك تأكيدًا، وقد كان التّأكيد عندهم فيما يحقِّقونه شائعًا (6) مُقَيَّدًا، وعليه ينطلق قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (7) على أحَدِ التّأويلات العشرة. (1) الحجر ات: 2.

    (2) ف، جـ: قدوم الوجود ولا معنى له، ولعلّ الصّواب ما أثبتناه.

    (3) ف: أيضًا ومنه جـ: أيضًا ومثله ولعلّ الصّواب ما أثبتناه.

    (4) - صلّى الله عليه وسلم -

    (5) ذكر هذه الفاندة البوني في شرح الموطَّأ: لوحة 34/ ب.

    (6) جـ: سائغًا.

    (7) البقرة: 196.

    الفائدة العاشرة:

    قال علماؤنا: في هذا الحديث دليل على وجوب التَّطَوُّع إذا شُرِعَ فيه؛ لأنّه استثناءٌ من الوَاجِبِ، فيقتضي استثناؤُهُ أنّ يكون من جِنْسِهِ على حُكمِ الاستثناءِ وقد اختلفَ العلماءُ في ذلك، وبيانُه في موضعه إنّ شاء الله.

    قال الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي في مثل هذا النّوع من الاستثناء؛ كنتُ يومًا بالمسجد الأقصى - طَهرَهُ اللهُ - فجاءَ رجلٌ، فسأل عن حالف قال: امرأتي طالقٌ إنّ أَكَلَت من طعامكَ إلَّا هذا الرّغيف، ثمّ تركه ولم يأكله.

    فاختلفَ المفتونَ في ذلك:

    فمنهم من قال: يحنثُ، لقوله عليه السّلام للأعرابي: إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ فهذا تطوَّع لزمه.

    ومنهم من قال: إنّ قوله عليه السّلام: إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ لا يلزم، فلم يلزمه حنثٌ.

    والّذي عندي أنّه لا يلزمه أكل الرّغيف؛ لأنّ ما بعده مرتبطٌ بما قَبْلَهُ، ولم يكن الأكلُ واجبًا حتّى يكون أكل الرّغيفِ المُسْتَثْنَى واجبًا، إنّما كان الأكل مباحًا، فيمينُهُ حَرَّمَ على نفسه الأكل، إلَّا هذا الرّغيف فإنّه أَبْقَاهُ على الإباحة، فإن شاء أَكَلَهُ وإن شاء تَرَكَهُ.

    الفائدة الحادية عشرة:

    قال علماؤنا: في هذا الحديث دليل على فَرْضِ صلاة الجمعة، فلو كانتِ الجمعةُ نَفْلًا لوجبت صلاة الظُّهْر.

    الفائدة الثّانية عشرة:

    في هذا الحديث: دليلٌ على أنّ الجمعة بَدَلٌ من الظّهر، وقد اختلف النّاس في البَدَلِ منها، والأصلُ ما هو اختلاف متباينٌ (1). بيانُه في كتاب الجمعة.

    والصّحيحُ عندي أنّ الظُّهرَ أصلٌ والجمعةَ بَدَلٌ، ويُرَكَّبُ على هذا فرعٌ وهو: إذا صلّى الظُّهْرَ بنيَّةِ الجمعة، والجمعةَ بنيَّةِ الظّهر، اختلف علماؤنا في تفصيله، وأرادوا أنّ يُخرِجُوه على هذا الأصل وليس له به تعلُّق، على ما بَيَّنَاهُ في كتاب الجمعة.

    الفائدة الثّالثة عشرة:

    بدأ له النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - بصيام رمضان قبل الزَّكاةِ، والزَّكاةُ أَوْجَب من رمضان في مشهور الأقوال بِفعْلِ النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - جعلَ ذلك؛ لأنّ رمضان يلزم كلّ أحَدٍ، والزّكاة إلَّا من له (1) ف: والأصل ما فيه اختلافًا متباينًا والعبارة في النُّسختين قلقة.

    مالٌ، فبدأَ بالعامّ الفريضة قبل الخاصّ تَارَةً، وبدأَ في موضع آخر بآكد منها مراعاةً للرُّتْبة.

    الفائدة الرّابعة عشرة:

    ذكر النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - الزّكاةَ، ولا خلاف بين الأُمَّة في وُجُوبِها، ورضوانُ الله على من مَهَّدَهَا حين كادت أنّ تَخِرَّ دعائهما، وقال: لأَقْتُلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَلَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - لَقَاتَلتُهُمْ عَلَيْهِ (1).

    الفائدة الخامسة عشرة:

    ذَكَرَ له الزَّكاة مُجمَلًا؛ لأنّ اعتقاد وُجُوبِها على كلِّ مسلم، وترك له البيان إلى وَقْتِ الحاجة كما سبقَ، وكذلك فَعَلَ في الصّوم.

    الفائدة السّادسة عشرة:

    قولُه: وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ قَيَّدْنَا فيه عن علمائنا أربع تأويلات:

    الأوّل - يعني: لا أزيد على اعتقاد وجوبها اعتقاد وجوب سواه.

    التّأويل الثّاني - يعني: لا أزيد على إبلاغَ قَوْمِي ما سمعتُ منكَ.

    التّأويل الثّالث: لا أزيد عليه فِعْلا وَاجِبًا، وإن تطوَّعت فتطوَّعًا أُنْزِلُ الواجبَ واجبًا والتّطوَّعُ تَطَوَّعًا.

    التّأويل الرّابع: ظن ظانُونَ أنّه حلفَ ألّا يتطوَّع بخيرٍ، وإنّما حملهم على ذلك ما رواه ابن جعفر المَدَنِي (2) صاحب مالك في هذا الحديث؛ أنّه قال: والَّذِي أَكْرَمَكَ بالحَقِّ لَا أَتَطَوَّعُ شَيئًا وَلاَ أَنْقُصُ مِنَ الْفَرْضِ (3) وروايةُ مالك أصحّ، على أنَّه يحتمل أَن يكون النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - قَبِلَ ذلك منه؛ لأنّه كان في ابتداءِ الاسلامِ (4).

    الفائدة السّابعة (5) عشرة:

    قوله: أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ (6) ما كان يكون أرفع للشَّغبِ لو كان: أَفْلَحَ وَاللهِ كما رُوِيَ في تلك النُّسْخَة، وكان يَجِىءُ مطابقًا لقول السّائل: لَا أَزِيدُ لكنّ (1) أخرجه البخاريّ (1399)، ومسلم (20) من حديث أبي هريرة.

    (2) هو أبو إسحاق إسماعيل بن جعفر (ت. 186) قارىء أهل المدينة. انظر تهذيب الكمال (426).

    (3) أخرجه البخاريّ (1891).

    (4) انظر المنتقى: 1/ 314.

    (5) ت:الثامنة، جـ السّادسة ولعل الصّواب ما أثبتناه.

    (6) هي رواية مسلم (11).

    الأَيِمَّة قد قَيَّدُوا فيه ما قَيَّدُوا، ونَقَلُوا ما نَقَلُوا.

    وفي حلفِ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - ها هنا، فيه للعلماء خمسة أقوال، وفيه اعتراض.

    فإن قيل: كيف قال: وَأَبِيهِ وقد قال: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ (1)؟

    قلنا: إنّ قولَه: أَفْلَحَ وَأَبِيهِ منسوخٌ بقوله: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ.

    وقيل فيه على وجه الجمع بينهما: إنه أراد بالنَّهيِ عن اليمين بالآباء الحلف في مقطع الحقِّ.

    وجواب آخر - قلنا: ليس هذا بتعارضِ؛ لأنّ القولَ والفعلَ من النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - لا يتعارضان، فالقولُ محمولٌ على عُمُومِه، والفعلُ مخصوصٌ بِهِ، ألَّا ترى إلى قوله: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَليَحْلِف بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ (2) ثمَّ أقسمَ اللهُ بالسَّموات والأرض والسَّحاب والرِّياح والسُّفن، ولم يكن ذلك معارضة.

    جوابٌ ثالثٌ - قيل: إنّ ذلك كان في صدر الإسلام؛ لأنّ نفوسَهُم كانت مملوءة بتعظيم غير الله، فنهوا أنّ يعظِّموا غيرَهُ، فلمَّا امتلأت صدورهم من تعظيم الله، وتَيقَّنوا أنّه لا عظيم سِوَاهُ، رخّص لهم في (3) سائر الألسنة على الإقسام بما شاؤوا من الكلام، ما لم يكن ذلك من قَبيل الأصنام.

    جوابٌ رابعٌ - قيل: إنّما جَرَى ذلك في اللِّسان على غير قصد القَسَم، ألَّا ترى إلى قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}. الآية (4)، قالت عائشة رضي الله عنها: هُوَ قَوْلُكَ: أَيْ وَاللهِ، وَبَلَى وَاللهِ (5). وإنّما كلامه إذا لم يقصد بها اليمين، ورأت أنّها لا تكون يمينًا إلَّا مع القَصْدِ إلى ذلك. وعَظَّم مالك حرمة اللَّفْظِ، ورأى أنّ ذلك يمينٌ بمجرَّدِ القَصْدِ إلى (6) الذِّكْر.

    عُدْنَا إلى سَرْدِ أقوال العلماء في الخمسة الأقوال المرويّة عنهم.

    فالأوّلُ: أنّه منسوخٌ بقوله: إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ - كما تقدَّمَ ذِكْرُهُ (1) أخرجه البخاريّ (6648)، ومسلم (1646)، من حديث ابن عمر.

    (2) أخرجه البخاريّ (2679)، ومسلم (1646) من حديث ابن عمر.

    (3) جـ:في اسم.

    (4) البقرة: 225.

    (5) أخرجه البخاريّ (7531)، ومسلم (177).

    (6) جـ:إلى ذلك.

    - وقال عمر: وَاللهِ مَا حَلِفتُ بِهَا ذَاكِرًا وَلاَ آثِرًا (1).

    الثّاني: أنّ النّبيَّ عليه السّلام جَرَى ذلك على لسانه على عادةٍ، كَلَغْوِ اليمين المَعفُوِّ عنه.

    قال الإمام: وهذا عندي لا يجوز على النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -، والنَّبيُّ (2) كان أعظم قَدْرًا وأكثر معرفة من أنّ يجري على لسانه ذِكْر غير الله لَغْوًا، لا سيَّما وهو معصومٌ قولًا بالإجماع في العموم والخصوص.

    الثّالث - أنّ المعنى فيه: أفلح وربّ أبيه.

    الرّابع - قال بعض العلماء: ذلك جائزٌ عادةً، وإنّما نَهَى النّبيُّ (6) عن الحَلْفِ بالآباء على طريق التَّأكيد للخبر والتّعظيم للمُقْسَمِ به.

    الخامس: أنّ النّهي عن الحَلْفِ بالآباء إنّما هو في مقطع الحقوق.

    تكملة (3):

    قوله: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ قال علماؤنا (4): أمّا الصِّدق فاستعماله في الخبر عن المستقبل، وقد قال ابن قُتَيْبَة (5): إنّ الكَذِبَ في مخالفة الخبر عن (6) الماضي، والخُلْفُ في مخالفته في (7) المستقبل، ويجب أنّ يكون على هذا الصِّدق في الخبر الماضي، والوفاء في الخبر المستقل. وهذا الحديث دليلٌ على ذلك، وبالله التّوفيق.

    حديث مالك (8)، عَن أَبِي الزِّنَادِ، عَن الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - قال: يَعْقِدُ الشَّيطَانُ عَلى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ، إِذَا هُوَ نَامَ، ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضرِبُ مَكانَ كُلِّ عُقدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ، فَإِنِ استَيَقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انحلَّتْ عُقدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقدَةٌ، فَإن صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُةُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا، طَيَّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ. (1) أخرجه البخاريّ (6647)، ومسلم (1646).

    (2) - صلّى الله عليه وسلم -.

    (3) ف: نكتةٌ وهذه التكملة أو النّكتة مقتبسة من المنتقى: 1/ 314.

    (4) المقصود هو الإمام الباجي.

    (5) بنحوه في أدب الكاتب: 33 (ط. الرسالة).

    (6) ف، جـ: من والمثبت من المنتقى.

    (7) ف، جـ: من والمثبت من المنتقى.

    (8) في الموطَّأ (486) رواية يحيى.

    الإسناد:

    قال الإمام: هذا الحديثُ صحيح متَّفّقٌ عليه (1).

    الأصول (2):

    قال علماؤنا (3): قوله: يَعْقِدُ الشَّيطَانُ هذا العقد يحتمل أنّ يكون المعنى (4) السِّحر للإنسان والمنع له من القيام إلى الصّلاة، قال الله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (5).

    وقوله: إِذَا هُوَ نَامَ كان ظاهره أنّ عَقْدَهُ إنّما يكون عند النّوم.

    وفيه (6): وجودُ الشّيطان (7)، وأنّهم يفعلون أشياء تضرُّ بالإنسان.

    العربية (8):

    قال صاحبُ العين (9) القافية: مُؤَخَّرُ الرَّأسِ (10).

    وقال أيضًا: وهو القفا، وقافيةُ كلِّ شيءٍ آخره، ومنه سمّيت قافيةُ البيت (11) ، ومنه قيل في أسماء النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: المُقَفَّى؛ لأنّه آخر الأنبياء (12).

    الفوائدُ المنثورةُ في هذا الحديث:

    وهي خمس:

    الفائدة الأولى (13): قولُه: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ أمّا عَقْدُ الشيطانِ على قافية رأس ابنِ (1) أخرجه البخاريّ (1142)، ومسلم (776).

    (2) كلامه في الأصول مقتبس من المنتقى: 1/ 315.

    (3) المقصود هو الإمام الباجي.

    (4) المعنى ساقطة من ف وهي في المنتقى: بمعنى وهي أسدً.

    (5) الفلق:4.

    (6) هذا السطر من إضافات المؤلِّف على نصّ الباجي.

    (7) كذا ولعلّ الصواب: الشّياطين.

    (8) ما عدا الفقرة الأخيرة مقتبس من المنتقى: 1/ 315.

    (9) بنحوه في العين: 5/ 222.

    (10) هذا القول هو للباجي كما في المنتقى.

    (11) تتمة الكلام كما في المننقى: ... البيت من الشِّعْر؛ لأنّها آخرها وعبارة العين: وسميت قافية الشِّعْر قافية؛ لأنّها تقفو البيت، وهي خلف البيت كله".

    (12) قاله ابن عبد البرّ في التمهيد: 19/ 45.

    (13) هذه الفائدة مقتبسة من الأستذكار: 6/ 367.

    آدَم، فلا يُوصلُ إلى كيفيّة ذلك، وأظنُّه مجازًا كناية عن حَبْسِ الشّيطان وقِلَّةِ نشاطِ ابن آدم (1) عن القيام في آخرِ اللَّيلِ وعَمَلِ البرِّ.

    وقيل: إنها عُقَدُ السِّحْر، من قوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} (2) كما تَقَدَّم ذِكرُ.

    الفائدة الثّانية (3): فيه دليلٌ على أنّ ذِكرَ الله عزَّ وجلَّ يُطرَدُ به الشّيطان، وكذلك الوُضُوء والصّلاة، لما فيهما (4) من ذكر الله تعالى، وطردُ الشّيطانِ بالتِّلاوة والذِّكْر، والأذان مجتمع عليه معلومٌ.

    كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّدُ ويقولُ: اللَّهُمَ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيطَانِ وَهَمْزِهِ وَنَفثِهِ وخَبْلِهِ (5).

    قال عبد الملك (6): أمّا هَمزُه: فالخَبْطَةُ (7)، وأمّا نَفْثُهُ: فالسِّحْرُ، وأمّا خَبلُه: فالجُنون.

    الفائدة الثّالثة (8): قال أبو عمر (9): يُرْوَى عُقَدُهُ ورُوِيَ عُقدَةٌ" على لفظ الواحد.

    وقد زعم بعضى الشّارحين للحديث؛ أنّ معنى قوله: أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ معارضة (10) لما رُوِيَ عن النَّبىِّ - صلّى الله عليه وسلم - من حديث عائشة وغيرها: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسي، وَلْيَقُلْ: لَقِسَت نَفْسِي (11).

    قال الإمام (12): وليس هذا بشيءٍ من المعارضةِ، وإنّما في حديث عائشة كراهية إضافة المرءِ إلى نفسه لفظة الخُبْثِ، كما رُوِي عنه أنّه سُئِلَ عن (1) ج: الإنسان.

    (2) الفلق: 4.

    (3) الفقرة الأولى من هذه الفائدة انتقاها المؤلَّف من الاستذكار: 6/ 368، والتمهيد: 19/ 45.

    (4) ف: فيه.

    (5) أخرجه ابن ماجه (808)، وابن خزيمة (472) من حديث ابن مسعود، بلفظ: ونفخه بدل وخبله.

    (6) في تفسير غريب الموطَّأ: 1/ 250.

    (7) في النسختين: الخطية والمثبت من تفسير الموطّأ.

    (8) هذه الفائدة مقتبسة من الاستذكار: 6/ 368.

    (9) في المصدر السابق.

    (10) ف: معارض.

    (11) أخرجه البخاريّ (6180)، ومسلم (2251) من حديث سهل بن حنيف ولَقِست بمعنى ساءت خُلُقها. انظر مشارق الأنوار: 1/ 362.

    (12) الكلام موصول للإمام ابن عبد البرّ.

    العقيقة (1) فقال: لَا أُحِبُّ الْعقُوقَ (2) وكأنّه كره الاسم".

    الفائدة الرّابعة (3): قوله: فَيَنَامُ لَيْلًا طَوِيلًا أمّا النّوم، فقد يكون آفة، وغير آفة، كما رُوِيَ؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - انصرفَ من الصّلاة فلم ير عَلِيَّا، فأقبل إلى ابنته - رضي الله عنها - فألفاها نائمة معه، فَنَبَّهَهُ وأهله وعاتبهما، فقال عليٌّ: يا رسول الله، إنّما أَرْوَاحُنا بيَدِ الله إذَا نِمْنَا، يُرسِلُها اللهُ إذا شاء فانصرفَ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - وهو يقولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (4).

    وأمّا من كانت عادَتُه القيام إلى الصّلاة المكتوبة، أو إلى النّافلة (5) من اللّيل، فغلَبَهُ عنها (6) نومه، فقد جاء عنه - صلّى الله عليه وسلم -؛ أنّه يُكتَب له أجر صلاته، وكان نَوْمُهُ صَدَقَة عليه (7).

    وأمّا قول على: وإِنَّمَا أَنْفسَنَا بيَدِ اللهِ فهذا مطابقٌ لقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الآية (8).

    ومعنى هذا الباب أنّه ندب على القيام آخر اللّيل، والذِّكر في الأسْحَار والاستغفار، فإنّ أحسن (9) أحواله أنّ يكون مستيقظًا عند الفَجْر، فيكون متأَهَبًا بالوُضُوء للصّلاة، والله أعلمُ.

    الفائدة الخامسة (10): قوله:عَلَيْكَ لَيلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فيه تسويفٌ له بالقيام والإلباس عليه، فإنّ في بقيّةَ اللَّيلِ من الطُّولِ ما فيه فُسْحَة، واللهُ أعلمُ. والحمد لله ربِّ العالمين. (1) جـ:العقيق.

    (2) أخرجه ابن أبي شيبة (24244)، وأحمد: 2/ 182، وأبو داود (2842)، والنسائي في الكبرى، والحاكم: 4/ 236، والبيهقي: 9/ 300، وابن عبد البرّ في التمهيد: 4/ 317.

    (3) هذه الفائدة مقتبسة من الاستذكار: 6/ 369 إلَّا أنّ ابن العربي تصرف فيها ببعض الزِّيادات.

    (4) الكهف: 54، والحديث أخرجه - مع اختلاف في الألفاظ - البخاريّ (1127)، ومسلم (775) من حديث عليّ.

    (5) جـ: نافلة والاستذكار: نافلته.

    (6) جـ: عنه الاستذكار: عينه.

    (7) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (307) رواية يحيى.

    (8) الزّمر: 42.

    (9) في الاستذكار: أقلّ.

    (10) هذه الفائدة مقتبسة من المنتقى 1/ 315.

    كتاب صلاة العِيدَيْنِ والتَّجَمُل فيهما

    قال المؤلَّفُ: بَوَّبَ مالكٌ - رحمه الله - في صلاةِ العِيدَيْن سبعة أبواب:

    البابُ الأوّل العملُ في غُسْلِ العيدَيْن والنِّداءُ فيهما والإقامةُ

    التّرجمة:

    أشار مالكٌ في هذه التَّرجمة (1) أنَّ النِّداء والإقامة لم تُعْرَف بالمدينة، وأمّا في غيرها فقد عُرِفَ بها النِّداء والإقامة في العِيدِ (2)، فأراد أنّ يُظهِرَ أنّ الخلافَ في هذه المسألة.

    العرببة (3):

    قوله: العيد هو في العربيّة عبارة عن كلَّ شيءٍ يتكرّر لوقته، وهو يتكرّر فيه الفَرَح للمسلمين، فوجه المعنى فيه: أنّه اسم الفعل، من عادَ يعُودُ عَوْدَا، سمُّيَ به تفاؤلًا لأنّه يعودُ، كما سُمِّيَتِ القافلةُ في ابتداء خروجها إلى السَّفَرِ بذلك تفاؤلًا بعودتها، وهو يوم ينشرُ اللهُ فيه على العباد رحمته، ويُوَفِّيهم أجرهم، ويتقبّل فيه (4) طاعتهم، وقال أبو حاتم في كتاب الزِّينَة (5): العيد* كلُّ يوم مجمع، وكذلك يقال لسائر الأعياد الّتي لغير أهل الإسلام. قال: واشتقاقه من عادَ يَعُودُ، كأنّه يوم كانوا اجتمعوا فيه، فإذا أتى كذلك مدّة عاد عليهم ذلك اليوم، فاجتمعوا وعادوا في مئل ذلك* (6). (1) من الموطَّأ: 1/ 250 الباب (111) رواية يحيى.

    (2) قاله القنازعي في تفسير الموطَّأ: الورقة 41.

    (3) انظر بعض كلامه في العربية في العارضة: 3/ 2، والقبس: 1/ 371.

    (4) جـ:منهما.

    (5) لوحة 1/ 319 نسخة دار صدام للمخطوطات، رقم 1306.

    (6) ما بين النّجمتين بيّضه المؤلِّف، ولم ينقله من كتاب الزِّينة، ولعل ما أثبتناه يفي بالحاجة.

    الإسناد:

    قال الشّيخُ أبو عمر (1): لم يذكر مالك في هذا الباب حديثًا مُسْنَدًا ولا مرفوعًا، وإنّما ذكرَ أنّه سمعَ غيرَ واحدٍ من علمائهم يقول: لم يكن في الفِطْر والأضحى نداءٌ ولا إقامةٌ على عهد رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، قال مالكٌ (2): وتلْكَ السُّنَّة لَا خِلاَف فيها" (3) يعني عندهم في المدينة، وأمّا غيرها فالخلاف فيها لا يُلْتَفَتُ إليه.

    قال القاضي أبو الوليد (4): هذا الحديث وإن لم يُسْنِدْه مالكٌ فإنّه يجري عنده مَجْرَى المتواتر من الأخبار، وهو أقوى من المُسْنَدِ؛ لأنّه سمع ذلك من غيرِ واحدٍ من علمائهم، ولا يقول ذلك إلَّا من سَمِعَهُ من عددٍ كثيرِ، والعلماءُ الّذين سمع ذلك منهم هم التابعون الّذين شاهَدُوا الصّحابة وصَلّوا معهم، وسمعوا منهم وحققوا ذلك وأثبتوه باتِّصالِ العمل إلى وقت إخبارهم به، ثمّ أكَّدَ مالك ذلك بقوله (5): وتلْكَ السُّنَّةُ الّتي لا خلافَ فيها عندنا.

    الفقه في خمس مسائل:

    المسألةُ الأولى (6):

    الغُسلُ للعِيدَيْن مستحبٌ عند جماعة العلماء بالمدينة، كان ابن عمر وابن المسيَّب وسالم بن عبد الله يغتسلون للعِيدَيْن. ويأمرونَ النّاس بالغُسْلِ، ورُوِيَ ذلك عن علماء الحجاز والعراق، منهم: علىّ وابن عبّاس، وجماعة من التّابعين: الحسن وغيره.

    ومنهم من كان أيضًا لا يغتسل كابن عمر وغيره، قال نافع: ما رأيتُ ابن عمر اغتسل قطّ للعيد (7).

    المسألة الثّانية (8):

    قال مالك: ولا أُوجِبُ غُسلَ العِيدِ كغُسْلِ يوم الجمعة. (1) في الاستذكار: 7/ 9 - 10.

    (2) في الموطَّأ: 1/ 250 رواية يحيى.

    (3) هنا ينتهي النقل من الاستذكار.

    (4) في المنتقى: 1/ 315.

    (5) في الموطَّأ: 1/ 250 رواية يحيى.

    (6) الففرة الأولى مقتبسةٌ من الاستذكار: 7/ 10.

    (7) أخرجه عبد الرزّاق (5754).

    (8) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 1/ 316.

    قال الإمام (1) - ووجه ذلك: الاتفاق على غُسْلِ الجمعة والاختلاف في غُسْلِ العِيدَين.

    المسألة الثَّالثة (2):

    قال مالكٌ: ويُستَحبُّ أنّ يكون غُسله متَّصِلًا بغُدُوَّهِ إلى الصّلاة (3).

    قال ابنُ حبيب: أفضل أوقات الغسل للعيد وقت صلاة العيد (4).

    قال مالكٌ في المختصر: فَإِنِ اغتسلَ للعيدَيْن قبل الفجر فواسعٌ.

    المسألةُ الرّابعة (5):

    قوله: ولا أذانَ فِيهِمَا ولا إقامَة (6) لا خلافَ بين فقهاءِ الأمصارِ في أنّه لا أذَانَ فيهما (7) ولا إقامة في العِيدَين، ولا في شيء من الصّلوات المسنونات (8)، ولا في شيءٍ من النَّوافِلِ والتَّطوُّعُ، وهو الثاّبتُ عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - (9)، وعن ابن عبّاس؛ أنّه لم يكن يُؤَذذِن يوم الفِطْرِ ولا يوم الأضْحَى ولا يقام (10).

    المسألة الخامسة (11):

    قال في، المختصر: ولا أذانَ في عيدٍ ولا في خُسُوفٍ ولا اسْتِسْقَاءٍ.

    قال الإمام (12): ودليلُنا على ذلك من جهة المعنى: أنّ الأذانَ والإقامةَ إنّما شُرِعَا للفرائض، وأمّا النّوافل فلا يؤذَّن لها (13) ولا يقام، وصلاةُ العِيدَئن نافلةٌ، فكان (1) النّقلُ موصول من المنتقى.

    (2) هذه المسألة مقتبسة من المصدر السابق.

    (3) في المنتقى: المُصَلَّى.

    (4) في المنتقى: ... الغسل للعيد بعد صلاة الصُّبح وهو أسدّ.

    (5) القسم الأوّل من هذه الفقرة إلى قوله: والتطوع مقتبسٌ من الإستذكار: 7/ 12.

    (6) الّذي في الموطَّأ (487) رواية يحيى: لم يكن في الفِطْرِ والأضحَى نداءٌ ولا إقامةٌ.

    (7) حذفها أوْلَى.

    (8) المسنونات، زيادة من الاستذكار.

    (9) أخرجه ابن أبي شيبة (5656) من حديث جابر بن سمرة.

    (10) أخرجه عبد الرّزّاق (5627).

    (11) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 1/ 315.

    (12) النقل موصول من المنتقى.

    (13) ف: فيها.

    ذلك حكمها، وقد قال ابن حبيب (1): إنّ أوَّلَ من أحدثَ الأذان لها هشام.

    باب الأمر بالصَّلاة قبل الخُطبة فيى العِيدَين

    مالكٌ (2)، عن ابن شهاب؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - كان يُصَلَّى يومَ الفِطْرِ ويومَ الأضْحَى قبلَ الخُطبةِ.

    الإسناد:

    قال الإمام: قد أسْنَدَ هذا الحديث أبو داود (3) من حديث جابِر وَصَحَّحَهُ.

    الفقه في خمس مسائل:

    المسألة الأولى (4):

    قال علماؤنا (5): لا خلافَ في هذا بين فقهاء الأمصار في الصّلاة قبل الخُطْبَة، واختلف العلماءُ فيمن بدأ بالخُطْبةِ قبل الصَّلاة على أربعة أقوال:

    القول الأوّل (6) - قيل: عثمان، وروى يوسف بن (7) عبد الله بن سلام، قال: كانت الصّلاةُ يوم العيد قبل الخُطبَة، فلمّا كان عثمان كَثُرَ النّاسُ، فقدَّمَ الخُطْبَةَ، وأراد بذلك ألَّا يفترق النّاسُ وأن يجتمعُوا (8).

    القولُ الثّاني - قيل: أوّل من قدَّمَها عمر بن الخطّاب.

    القولُ الثّالث: أوّل من قدّمها ابن الزّبير، وقال ابن عبد البرّ (9): والصّحيحُ عندي أنّ أوَّلَ من قدّمها عثمان بن عفّان. (1) في الواضحة كما نَصَّ على ذلك الباجي.

    (2) في الموطَّأ (489) رواية يحيى.

    (3) في سننه (1148).

    (4) الفقرة الأولى من هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 1/ 316 بتصرُّفٍ.

    (5) المقصود هو الإمام الباجي.

    (6) هذا القول مقتبى من الاستذكار: 7/ 19 مختصرًا.

    (7) يوسف بن زيادة الاستذكار.

    (8) أخرجه ابن عبد البرّ في التمهيد: 10/ 254 - 255.

    (9) في الاستذكار: 7/ 19.

    قال الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي: لم يصحّ أنّ عثمان قَدَّمها، وهو كذِبٌ عليه (1)، وأنّ الّذي قدَّمها هو ابن الزّبير، وقيل: مروان بن الحَكَم، وإنّما فعلا ذلك لأنهما كانا يسُبَّانِ عليًّا. فهذا سَبَّاهُ افترق النّاس فَرَدَّاهَا قبلَ الصّلاة (2).

    قال الإمام: وكذلك اختلفوا في أوَّلِ من أَحْدَثَ الأذان والاقامة من بني أميّة:

    فرُوِيَ أنّ أوَّلَ من فعل ذلك معاوية (3).

    ورُوِيَ أنّ أوّل من أَحْدَثَ ذلك ابن الزُّببر (4).

    وقيل: إنّ أوّل من قدّمها زياد.

    وقيل: إنّ أوّل من جلس على المِنْبَر في العِيدَيْنِ وأَذَّنَ فيهما هو زياد (5).

    وقال أبو عمر بن عبد الله (6): والصّحيح عندي أنّ أوّل من أحدثه معاوية، وقولُ من قالَ: إنّه أَحدَثَهُ زياد موقوفٌ عليه (7).

    المسألة الثّانية - قوله (8): صلاة العيد

    صلاةُ العِيدِ هي عند مالك سنّة. وعند أبي حنيفة واجبة (9)، وحجّته: مواظبة النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - عليها. وهي بوقتٍ مخصُوصٍ، وتصلَّى في الجماعة، وشُرِعَت لها الخُطْبَة، فكانت واجبةٌ، أصله صلاة الجمعة.

    قال الإمام الحافظ (10): لا أعرفُ ولا أَعلمُ أحدًا قال: إنها فرض على الكفاية، إلَّا أبا سعيد الأصطخريّ من أصحاب الشّافعيّ (11)، وهي دَعْوَةٌ لا بُرْهانَ عليها، (1) يقول المؤلِّف في العارضة: 3/ 6 عن هذه الرِّواية:هي باطلةٌ مدسوسةٌ، فلا تلتفتوا إليها.

    (2) يقول المؤلِّف في العارضة: 3/ 4 هذا تغيير

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1