الغرر البهية في شرح البهجة الوردية
()
About this ebook
Read more from زكريا الأنصاري
غاية الوصول في شرح لب الأصول Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمقصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف والابتداء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمنحة الباري بشرح صحيح البخاري Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالغرر البهية في شرح البهجة الوردية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنفرجتان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح الوهاب بشرح منهج الطلاب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح الباقي بشرح ألفية العراقي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأسنى المطالب في شرح روض الطالب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإعراب القرآن العظيم المنسوب لزكريا الانصارى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمنهج الطلاب في فقه الإمام الشافعي رضي الله عنه Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related to الغرر البهية في شرح البهجة الوردية
Related ebooks
أسنى المطالب في شرح روض الطالب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكشاف القناع عن متن الإقناع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالغرر البهية في شرح البهجة الوردية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: الداء والدواء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمغرب في ترتيب المعرب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتلخيص الحبير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمجموع شرح المهذب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتحرير ألفاظ التنبيه Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحاشية السيوطي على سنن النسائي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحاشية السندي على سنن ابن ماجه Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسنن الدارمي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح الباري لابن حجر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسبل السلام شرح بلوغ المرام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعون المعبود وحاشية ابن القيم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح القدير للشوكاني Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالعلو للعلي الغفار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالجمل في النحو Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح منتهى الإرادات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحجة الوداع لابن حزم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالشمائل المحمدية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتفسير الرازي (الْأَعْرَافِ- الْإِسْرَاءِ) Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسبق الخيرات للذاكرين والذاكرات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsزاد المعاد في هدي خير العباد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأربعون البلدانية لمسافر حاجي Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related categories
Reviews for الغرر البهية في شرح البهجة الوردية
0 ratings0 reviews
Book preview
الغرر البهية في شرح البهجة الوردية - زكريا الأنصاري
الغرر البهية في شرح البهجة الوردية
الجزء 1
زكريا الأنصاري
926
الغرر البهية في شرح منظومة البهجة الوردية للإمام الفقيه زكريا الأنصاري الشافعي كتاب موسوعي شامل في الفقه على المذهب الشافعي، وهو عبارة عن شرح لمنظومة البهجة الوردية لابن الوردي والتي نظم فيها كتاب الحاوي الصغير للقزويني.
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. رَبِّ يَسِّرْ وَاعْفُ وَاخْتِمْ بِخَيْرٍ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الرَّحَّالَةُ الْبَحْرُ الْفَهَّامَةُ مُفِيدُ الطَّالِبِينَ صَدْرُ الْمُدَرِّسِينَ حُجَّةُ الْمُنَاظِرِينَ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِينَ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَتِهِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ بَهْجَةَ دِينِهِ الْقَوِيمِ وَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ وَعَلَّمَ وَسَدَّدَ إلَى الصَّوَابِ وَقَوَّمَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الْكَرِيمُ الْحَلِيمُ السَّتَّارُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى إخْوَانِهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِ كُلٍّ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ وَتَابِعِهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ (وَبَعْدُ) فَإِنَّ الْبَهْجَةَ الْوَرْدِيَّةَ فِي الْفِقْهِ لِلْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ وَالْحَبْرِ الْمُدَقِّقِ أَبِي حَفْصٍ زَيْنِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ مُظَفَّرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْوَرْدِيِّ طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَبْدَعِ كِتَابٍ فِي الْفِقْهِ صُنِّفَ وَأَجْمَعِ
حاشية العبادي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ حَمْدًا لِمَنْ تَوَّجَنَا بِبَهْجَتِهِ وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا سَوَابِغَ جُودِهِ وَمِنَّتِهِ وَأَفَاضَ عَلَيْنَا شَآبِيبَ لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى أَرْفَعِ خَلِيقَتِهِ وَأَنْفَعِ بَرِّيَّتِهِ وَأَجْمَلِ ذَوِي طَرِيقَتِهِ أَحْمَدَ الْخِصَالِ وَأَكْمَلِ الْخِلَالِ وَأَفْضَلِ مَنْ لَهُ صَحْبٌ وَآلٌ الْمُخْتَصِّ بِجَمِيلِ الْمَآثِرِ وَجَلِيلِ الْمَفَاخِرِ وَعَظِيمِ الذَّخَائِرِ وَالْمَنْعُوتِ بِفَاخِرِ الْمَحَامِلِ وَكَامِلِ الْمَقَاصِدِ وَظَاهِرِ الْعَوَائِدِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ وَالْخِيَارِ مِنْ الْخِيَارِ مِنْ الْخِيَارِ وَعَلَى آلِهِ الْمُكْرَمِينَ الْأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الْمُعَظَّمِينَ الْأَبْرَارِ وَأَنْصَارِهِ وَذُرِّيَّتِهِ الْمُخْلَصِينَ الْأَخْيَارِ (وَبَعْدُ) فَهَذَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ بِتَجْرِيدِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَتَقْيِيدِهِ مِمَّا كَتَبَهُ أُسْتَاذُ عَصْرِهِ وَشَيْخُ مِصْرِهِ شَيْخُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا الشِّهَابُ الْعَبَّادِيُّ الشَّهِيرُ بِابْنِ قَاسِمٍ أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْهِ جَزِيلَ الْأَيَادِي عَلَى نُسْخَتِهِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْوَرْدِيَّةِ ذِي الْغُرُرِ الْبَهِيَّةِ تَأْلِيفِ الْجَدِّ الْأَكْبَرِ وَالْعَلَمِ الْأَشْهَرِ هُوَ الْأُسْتَاذُ وَالْكَهْفُ وَالْمَلَاذُ الْعَارِفُ بِرَبِّهِ وَالْغَارِفُ مِنْ بِحَارِ قُرَبِهِ الْقُطْبُ الرَّبَّانِيُّ وَالْمُحَقِّقُ الصَّمَدَانِيُّ عُمْدَةُ الْمُسْلِكِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ عُمْدَةُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الشَّافِعِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِغُفْرَانِهِ وَكَسَاهُ حُلَلَ رِضْوَانِهِ آمِينَ وَقَدْ ذَكَرْت بَعْضَ مَنَاقِبِهِ فِي تَرْجَمَةٍ لَطِيفَةٍ ثُمَّ لَخَّصْتهَا فِي كُرَّاسَةٍ قَلِيلَةِ الْأَوْرَاقِ كَالصَّحِيفَةِ نَفَعَ اللَّهُ بِهَا آمِينَ (وَاعْلَمْ) أَنِّي لَمْ أَتَصَرَّفْ عَلَيْهِ بِنَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ حَتَّى ذَكَرْت فِيهِ مَا تَكَرَّرَ لَفْظُهُ أَوْ وَصَفَ مَعْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ أَوْ وَضَعَهُ عَلَى مَحَلٍّ، وَالْأَنْسَبُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُ شُيُوخِنَا الشَّمْسُ بْنُ الرَّمْلِيِّ بِلَفْظِ م ر فَزِدْت ضَمِيرًا أَوْ اسْمَ إشَارَةٍ أَوْ عَطْفًا أَوْ تَعَلَّقَ بِالْقَلَمِ الْهِنْدِيِّ فَأَتَيْت بِهِ صَرِيحًا لِيَحْسُنَ وَقْعُهُ وَيَظْهَرَ نَفْعُهُ وَلَمْ أَقُلْ: أَشَارَ إلَى كَذَا خَشْيَةَ تَوَهُّمِ نِسْبَتِهِ لِلشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى إيضَاحِهِ تَطْوِيلُ الْعِبَارَةِ وَهَذِهِ رُمُوزُهُ بِرّ لِشَيْخِهِ الشِّهَابِ الْبُرُلُّسِيِّ الشَّهِيرِ بِعَمِيرَةَ. مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُصَرِّحُ بِهِ، وحج لِشَيْخِهِ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيِّ وَقَدْ يَقُولُ حُرّ وَقَدْ يَقُولُ ح ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يَزِيدُ عَلَيْهِ د إشَارَةً لِشَرْحِ الْإِرْشَادِ وهب إشَارَةً لِشَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَوْ ع إشَارَةً إلَى شَرْحِ الْعُبَابِ وَقَدْ يَزِيدُ عَلَيْهَا ش وَقَدْ يُطْلِقُ وَقَدْ يُصَرِّحُ بِاسْمِهِ وم ر إشَارَةً لِشَيْخِهِ الشَّمْسِ بْنِ الرَّمْلِيِّ وَقَدْ يَزِيدُ عَلَيْهِ ش إشَارَةً إلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وسم إشَارَةً لِنَفْسِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
حاشية الشربيني
.. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. ..
مَوْضِعٍ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ حَجْمِهِ أُلِّفَ طَلَبَ مِنِّي بَعْضُ الْأَعِزَّةِ عَلَيَّ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَيَّ أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا شَرْحًا يَحِلُّ أَلْفَاظَهَا وَيُبْرِزُ دَقَائِقَهَا وَيُحَقِّقُ مَسَائِلَهَا وَيُحَرِّرُ دَلَائِلَهَا فَأَجَبْته إلَى ذَلِكَ بِعَوْنِ الْقَادِرِ الْمَالِكِ ضَامًّا إلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَجَادَاتِ وَالْقَوَاعِدِ الْمُحَرَّرَاتِ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُ أُولِي الرَّغَبَاتِ رَاجِيًا بِذَلِكَ جَزِيلَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ وَمُؤَمِّلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ هَذَا الْكِتَابُ عُمْدَةً وَمَرْجِعًا بِبَرَكَةِ الْأَكْرَمِ الْوَهَّابِ وَسَمَّيْته الْغُرُرَ الْبَهِيَّةَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْوَرْدِيَّةِ وَاَللَّهُ أَسْأَلُ أَنْ يَجْعَلَهُ نَافِعًا خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَوَسِيلَةً لِلْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ قَالَ النَّاظِمُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ: أَبْتَدِئُ أَوْ أُؤَلِّفُ إذْ كُلُّ فَاعِلٍ يَبْدَأُ فِي فِعْلِهِ بِبِسْمِ اللَّهِ. يُضْمِرُ مَا جَعَلَ التَّسْمِيَةَ مَبْدَأً لَهُ كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا حَلَّ أَوْ ارْتَحَلَ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ كَانَ الْمَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ أُحِلُّ وَبِسْمِ اللَّهِ أَرْتَحِلُ وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ وَقِيلَ: مِنْ الْوَسْمِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا سُمِّيَ فَقَدْ نُوِّهَ بِاسْمِهِ وَوُسِمَ. وَاَللَّهُ عَلَمٌ لِلذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ، وَأَصْلُهُ الْإِلَهُ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ وَعُوِّضَ مِنْهَا حَرْفُ التَّعْرِيفِ ثُمَّ جُعِلَ عَلَمًا وَهُوَ عَرَبِيٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَزَعَمَ الْبَلْخِيّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ فَقِيلَ: عِبْرِيٌّ وَقِيلَ: سُرْيَانِيٌّ، وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ وَالرَّحْمَةُ لُغَةً رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ فَالتَّفَضُّلُ غَايَتُهَا وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ دُونَ الْمَبْدَأِ، وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَطَعَ وَقَطَّعَ وَنَقَضَ بِحَذَرٍ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ حَاذِرٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ وَبِأَنَّهُ لَا يُنَافِي أَنْ يَقَعَ فِي الْأَنْقَصِ زِيَادَةُ مَعْنًى بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْإِلْحَاقِ بِالْأُمُورِ الْجِبِلِّيَّةِ مِثْلَ شَرِهٍ وَنَهِمٍ وَبِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَلَاقِيَانِ فِي الِاشْتِقَاقِ مُتَّحِدَيْ النَّوْعِ فِي الْمَعْنَى كَغَرْثٍ وَغَرْثَانَ وَصَدٍ وَصَدْيَانَ لَا كَحَذِرٍ وَحَاذِرٍ لِلِاخْتِلَافِ (قَالَ الْفَقِيرُ عُمَرُ بْنُ الْوَرْدِيّ الْحَمْدُ لِلَّهِ) بَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ وَبِالْحَمْدَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا بِخَبَرِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَفِي رِوَايَةٍ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَجَمَعَ النَّاظِمُ كَغَيْرِهِ بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْإِضَافِيُّ بِالْحَمْدَلَةِ وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالْإِجْمَاعِ وَعَبَّرَ بِقَالَ دُونَ يَقُولُ تَفَاؤُلًا أَوْ إظْهَارًا لِقُوَّةِ رَجَائِهِ كَمَا يَقُولُ مَنْ قَوِيَ رَجَاؤُهُ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ: انْقَضَتْ حَاجَتِي. وَجُمْلَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ
خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى
حاشية العبادي
قَوْلُهُ: إذْ كُلُّ فَاعِلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ: يُضْمِرُ مَا جَعَلَ) أَيْ: لَفْظَ مَا جَعَلَ قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ شَيْءٌ وَيُرَادَ أَنَّهُ يُضْمِرُ نَفْسَ مَا جَعَلَ أَيْ: يَقْصِدُهُ وَيُلَاحِظُهُ فَنَاسَبَ تَقْدِيرُ لَفْظِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا الشَّرِيفَ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ مَا سُمِّيَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ نُوِّهَ بِاسْمِهِ) لَعَلَّ نَائِبَ فَاعِلِ نُوِّهَ ضَمِيرُ مَا سُمِّيَ وَمَعْنَاهُ رَفَعَ أَيْ: فَقَدْ رَفَعَ بِاسْمِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَإِظْهَارِهِ إيَّاهُ (قَوْلُهُ: نُوِّهَ بِاسْمِهِ) وَوَسَمَ أَيْ: بِهِ عِبَارَةَ الْبَيْضَاوِيِّ؛ لِأَنَّهُ رِفْعَةٌ لِلْمُسَمَّى وَشِعَارٌ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَمٌ لِلذَّاتِ) أَيْ: لِمَا انْحَصَرَ فِيهِ هَذَا الْمَفْهُومُ فِي الْخَارِجِ لَا لِهَذَا الْمَفْهُومِ. (قَوْلُهُ: وَعُوِّضَ مِنْهَا) وَتَعْوِيضُهُ مِنْهَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْحَذْفِ وَالتَّعْوِيضِ. (قَوْلُهُ: بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ) فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ أَنَّ ح عَلَى حَصْرِ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ فِي الصِّيَغِ الْخَمْسِ الْمَشْهُورَةِ قُلْت: لَا أَمَّا. الرَّحِيمُ فَدَاخِلٌ فِيهَا وَأَمَّا الرَّحْمَنُ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِوَضْعِهِ وَمَادَّتِهِ بِخِلَافِ الْحَصْرِ فِي تِلْكَ الصِّيَغِ فَإِنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِصِيغَتِهَا وَصُورَتِهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ أَنَّهُمْ قَصَدُوا الْحَصْرَ. (قَوْلُهُ: مِنْ رَحِمَ) أَيْ: بَعْدَ جَعْلِهِ لَازِمًا أَوْ تَحْوِيلِهِ إلَى فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ.
(قَوْلُهُ: إنَّمَا يُؤْخَذُ) فَيَكُونَانِ بِمَعْنَى الْمُتَفَضِّلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا بِمَعْنَى مُرِيدِ التَّفَضُّلِ. (قَوْلُهُ: لِلِاخْتِلَافِ) فَإِنَّ الْأَوَّلَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ وَالثَّانِيَ اسْمُ فَاعِلٍ. (قَوْلُهُ: ذِي بَالٍ) أَيْ: شَأْنٍ أَيْ: عَظِيمٍ لَا حَقِيرٍ. (قَوْلُهُ: ذِي بَالٍ) أَيْ: قَلْبٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَقُ بِالْقَلْبِ لِعَظَمَتِهِ. (قَوْلُهُ: لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إلَخْ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَاصِلُ هَذَا الْجَوَابِ دَفْعُ التَّعَارُضِ بِحَمْلِ الِابْتِدَاءِ فِي خَبَرِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَفِي خَبَرِ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْإِضَافِيِّ. فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعَارُضَ كَمَا يَنْدَفِعُ بِهَذَا يَنْدَفِعُ بِعَكْسِهِ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى إيثَارِ هَذَا؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلُ السَّلَفِ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُهُ: وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعِ) أَيْ: الْفِعْلِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِظْهَارًا لِقُوَّةِ إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ أَوْ إظْهَارًا فَهِيَ مَانِعَةُ خُلُوٍّ وَتَرْكُ احْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْمَقُولِ فِي الْوُجُودِ فَيَكُونُ قَالَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِبُعْدِهِ سم.
حاشية الشربيني
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (قَوْلُهُ: الرَّحْمَنِ) مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ إنْ كَانَ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَكُونَ مُؤَنَّثُهُ فَعْلَانَةً وَمَصْرُوفٌ إنْ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودَ مُؤَنَّثِهِ عَلَى فَعْلَى إذْ لَا مُؤَنَّثَ لَهُ، اُنْظُرْ حَاشِيَةَ عَمِيرَةَ عَلَى الْمُحَلَّى اهـ (قَوْلُهُ: إنَّمَا تُؤْخَذُ إلَخْ) فَيَكْفِي فِي وُجُودِ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي الْمُشْتَقِّ وُجُودُ مَا تَسَبَّبَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَبْلَغُ) مِنْ بَلَغَ بُلُوغًا مِنْ حَدِّ كَرُمَ لَا مِنْ الْبَلَاغَةِ إذْ لَا يُوصَفُ بِهَا الْمُفْرَدُ وَلَا مِنْ الْمُبَالَغَةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لِحُصُولِ الْحَمْدِ بِالتَّكَلُّمِ بِهَا مَعَ الْإِذْعَانِ لِمَدْلُولِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً شَرْعًا لِلْإِنْشَاءِ، وَالْحَمْدُ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ سَوَاءٌ جُعِلَتْ أَلْ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ لِلْجِنْسِ كَمَا عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ؛ لِأَنَّ لَامَ لِلَّهِ لِلِاخْتِصَاصِ فَلَا فَرْدَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا اخْتِصَاصَ لِتَحَقُّقِ الْجِنْسِ فِي الْفَرْدِ الثَّابِتِ لِغَيْرِهِ أَمْ لِلْعَهْدِ كَاَلَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَجَازَهُ الْوَاحِدِيُّ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْحَمْدَ الَّذِي حَمِدَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ، وَحَمِدَ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ وَالْعِبْرَةُ بِحَمْدِ مَنْ ذُكِرَ فَلَا فَرْدَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ، وَأَوْلَى الثَّلَاثَةِ الْجِنْسُ. وَالْحَمْدُ أَيْ: اللَّفْظِيُّ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ فَدَخَلَ فِي الثَّنَاءِ الْحَمْدُ وَغَيْرُهُ وَخَرَجَ بِاللِّسَانِ الثَّنَاءُ بِغَيْرِهِ كَالْحَمْدِ النَّفْسِيِّ وَبِالْجَمِيلِ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ إنْ قُلْنَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الثَّنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَإِنْ قُلْنَا بِرَأْيِ الْجُمْهُورِ إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ فَقَطْ فَفَائِدَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ تَحْقِيقُ الْمَاهِيَّةِ أَوْ دَفْعُ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَ مَنْ
حاشية العبادي
قَوْلُهُ: لِحُصُولِ التَّكَلُّمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ إنْشَائِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: بِالتَّكَلُّمِ بِهَا) لَا قَبْلَهَا وَهِيَ حِكَايَةٌ عَنْهُ حَتَّى تَكُونَ خَبَرِيَّةً. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إلَخْ) أَقُولُ: يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً لَفْظًا وَمَعْنًى مَعَ حُصُولِ الْحَمْدِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ إذْ الْإِخْبَارُ عَنْ الْحَمْدِ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ أَوْ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ يَسْتَلْزِمُ مَالِكِيَّةَ الْحَمْدِ أَوْ اسْتِحْقَاقَهُ إلَيْهِ تَعَالَى وَذَلِكَ جَمِيلٌ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ قَوْلُهُ: لِحُصُولِ الْحَمْدِ إلَخْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْتِجُ الْإِنْشَائِيَّةَ لِحُصُولِهِ مَعَ الْخَبَرِيَّةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِحُصُولِ الْحَمْدِ بِالتَّكَلُّمِ بِهَا بِنَفْسِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: شَرْعًا لِلْإِنْشَاءِ) فَتَكُونُ إنْشَائِيَّةً لَفْظًا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: أَمْ لِلْعَهْدِ) أَيْ: وَلَامُ لِلَّهِ لِلِاخْتِصَاصِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَجَازَهُ الْوَاحِدِيُّ) كَأَنَّ الْمُرَادَ حَكَمَ بِجَوَازِهِ كَأَنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَذَا. (قَوْلُهُ: الَّذِي حَمِدَ اللَّهَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: الْحَمْدُ الَّذِي حَمِدَ بِهِ نَفْسَهُ وَحَمِدَهُ بِهِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ لَازِمِهِ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَلَالَةِ الْجُمْلَةِ عَلَيْهِ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ لَا تُتَصَوَّرُ إضَافَتُهُ لِغَيْرِهِ. قُلْت: الَّذِي هُوَ مِنْ لَازِمِهِ الِاخْتِصَاصُ الْوُقُوعِيُّ وَالْمَقْصُودُ الدَّلَالَةُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ الِاسْتِحْقَاقِيِّ فَتَأَمَّلْهُ سم. (قَوْلُهُ: وَأَوْلَى الثَّلَاثَةِ الْجِنْسُ) وَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ سُلُوكَ طَرِيقِ الْبُرْهَانِ وَيَزِيدُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّالِثِ أَنَّ الْعَهْدَ لَا يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْحَمْدِ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْهُ سم. (قَوْلُهُ: أَيْ: اللَّفْظِيُّ) لِأَجْلِ قَيْدِهِ بِاللِّسَانِ. (قَوْلُهُ: الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ) أَيْ: نِسْبَةُ الْجَمِيلِ وَلَوْ غَيْرَ اخْتِيَارِيٍّ وَهَذَا هُوَ الْجَمِيلُ الْمَحْمُودُ بِهِ. وَأَمَّا الْجَمِيلُ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ. (قَوْلُهُ: إنْ قُلْنَا إلَخْ) فِي هَذَا الْبِنَاءِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْجَمِيلَ فِي التَّعْرِيفِ مُثْنًى عَلَيْهِ أَيْ: لِأَجْلِهِ وَالْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْجُمْهُورِ فِي الثَّنَاءِ وَهُوَ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ مُثْنًى بِهِ لَا مُثْنًى عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْبِنَاءُ وَكَيْفَ يَحْتَاجُ لِمَا وُجِّهَ بِهِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ سم.
حاشية الشربيني
قَوْلُهُ: لِلِاسْتِغْرَاقِ) أَيْ لِلْجِنْسِ بِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِهِ فِي ضِمْنِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ إذْ الِاسْتِغْرَاقُ لَيْسَ مَعْنَى اللَّازِمِ حَقِيقَةً وَلَا هُوَ مِنْ التَّعْرِيفِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فُرُوعِ الْجِنْسِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: كَمَا عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ) قَالَ السَّيِّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السَّبَبُ فِي اخْتِيَارِهِ الْجِنْسَ هُوَ أَنَّ اخْتِصَاصَ الْجِنْسِ مُسْتَفَادٌ مِنْ جَوْهَرِ الْكَلَامِ دُونَ أَمْرٍ خَارِجٍ وَمُسْتَلْزِمٌ لِاخْتِصَاصِ الْأَفْرَادِ فَلَا حَاجَةَ فِي تَأْدِيَةِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْحَمْدِ لَهُ تَعَالَى وَانْتِفَاؤُهُ عَنْ غَيْرِهِ إلَى أَنْ يُلَاحَظَ الشُّمُولُ الَّذِي هُوَ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى الْجِنْسِ وَيُسْتَعَانُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ الْخَارِجَةِ عَنْ اللَّفْظِ اهـ. يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ لَيْسَ مَعْنَى اللَّازِمِ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِأَنَّ اللَّامَ لَا تُفِيدُ سِوَى التَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةِ، وَالِاسْمُ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى مُسَمَّاهُ وَحَيْثُ كَانَ الْمَقْصُودُ حَاصِلًا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِ الْمَجَازِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَامَ لِلَّهِ إلَخْ) هَذِهِ طَرِيقَةُ السَّيِّدِ قَالَ: لِأَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ جِنْسَ الْكَرَمِ مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ حَاصِلًا فِي الْعَرَبِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْحِصَارَ أَفْرَادِهِ فِيهِمْ لِجَعْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ فِي ضِمْنِ فَرْدٍ وَلِغَيْرِهِمْ فِي ضِمْنِ آخَرَ اهـ. وَقَالَ السَّعْدُ: يَكْفِي فِي الْقَصْرِ تَعْرِيفُ الْمُبْتَدَأِ نَحْوُ: الْكَرَمُ فِي الْعَرَبِ. بِشَهَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ اُنْظُرْ الْمُطَوَّلَ وَحَاشِيَتَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِلِاخْتِصَاصِ) نَازَعَهُ فِيهِ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَقَالَ: إنَّهَا لَامُ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ بَيْنَ مَعْنًى وَذَاتٍ وَلَامُ الِاخْتِصَاصِ هِيَ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ ذَاتَيْنِ لَا تَمْلِكُ أُخْرَاهُمَا أُولَاهُمَا كَالْجَلِّ لِلْفَرَسِ فَإِنْ مَلَكَتْ فَلَامُ الْمِلْكِ اهـ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ تَعَلَّقَ إلَخْ) تَعْمِيمٌ فِي الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ أَيْ: لِأَجْلِهِ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ الْمَزَايَا الذَّاتِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ بِأَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا فَالْمُرَادُ بِالشَّجَاعَةِ آثَارُ تِلْكَ الْمَلَكَةِ كَالْخَوْضِ فِي الْمَهَالِكِ وَالْإِقْدَامِ فِي الْمَعَارِكِ وَهَكَذَا الْبَاقِي اهـ.
(قَوْلُهُ: فَدَخَلَ إلَخْ) أُورِدَ أَنَّ قَيْدَ اللِّسَانِ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ الثَّنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ إذْ هُوَ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ اهـ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الصِّحَاحِ وَمِنْ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} [البقرة: 63] أَنَّ الثَّنَاءَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِمَا يُشْعِرُ بِالتَّعْظِيمِ مُطْلَقًا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اخْتِصَاصَ الذِّكْرِ بِاللَّفْظِيِّ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ) كَانَ الظَّاهِرُ الثَّنَاءَ بِغَيْرِ الْجَمِيلِ إلَّا أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ هَذَا الْفَرْدَ وَهُوَ الثَّنَاءُ بِالْجَمِيلِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ لِيُفِيدَ خُرُوجَهُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّنَاءَ بِالْجَمِيلِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ لَيْسَ بِحَمْدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الثَّنَاءَ لَيْسَ بِخَيْرٍ كَمَا أَنَّ الْمُثْنَى يُجَوِّزُهُ وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ. تَقُولُ: مَدَحْت اللُّؤْلُؤَةَ عَلَى حُسْنِهَا دُونَ حَمِدْتهَا، وَعَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ مُتَنَاوِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إذْ لَوْ تَجَرَّدَ الثَّنَاءُ عَلَى الْجَمِيلِ عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ أَوْ خَالَفَهُ أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ لَمْ يَكُنْ حَمْدًا بَلْ تَهَكُّمٌ أَوْ تَمْلِيحٌ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَوَارِحِ وَالْجِنَانِ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُمَا اُعْتُبِرَا فِيهِ شَرْطًا لَا شَطْرًا. وَالشُّكْرُ لُغَةً فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الشَّاكِرِ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللِّسَانِ أَمْ بِالْجِنَانِ أَمْ بِالْأَرْكَانِ فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ اللِّسَانُ وَحْدَهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَغَيْرُهَا وَمَوْرِدُ الشُّكْرِ اللِّسَانُ وَغَيْرُهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَحْدَهَا فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مُتَعَلِّقًا وَأَخَصُّ مَوْرِدًا، وَالشُّكْرُ بِالْعَكْسِ وَمِنْ ثَمَّ تَحَقَّقَ تَصَادُقُهُمَا فِي الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ، وَتَفَارُقُهُمَا فِي صِدْقِ الْحَمْدِ فَقَطْ عَلَى الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ عَلَى الْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ، وَصِدْقِ الشُّكْرِ فَقَطْ عَلَى الثَّنَاءِ بِالْجِنَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ. وَالْحَمْدُ عُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَالشُّكْرُ عُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ فَهُوَ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ لِاخْتِصَاصِ مُتَعَلِّقِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلِاعْتِبَارِ شُمُولِ الْآلَاتِ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ، وَالشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ مُسَاوٍ لِلْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ فَبَيْنَ الْحَمْدَيْنِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ.
(أَتَمَّ الْحَمْدِ) أَيْ:
حاشية العبادي
قَوْلُهُ: وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ) قَضِيَّتُهُ خُرُوجُ الْمَدْحِ بِقِسْمَيْهِ، وَفِي خُرُوجِ قِسْمِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْهُ وَصِحَّةِ خُرُوجِهِ نَظَرٌ لِشُمُولِ التَّعْرِيفِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْحَمْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَعُمُّ إلَخْ) هَذَا لَا يُفِيدُ خُرُوجَ الْمَدْحِ مُطْلَقًا بَلْ خُرُوجَ قِسْمٍ مِنْهُ وَيُحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْقِسْمِ الْآخَرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ. مَا لَا يَكُونُ نَوْعُهُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ فَيَخْرُجُ الْقِسْمَانِ أَوْ يُقَالُ الْقِسْمُ الْآخَرُ حَمْدٌ أَيْضًا فَلَا يُحْتَاجُ لِإِخْرَاجِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ) أَفَادَ اعْتِبَارَ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَكْفِي عَدَمُ اعْتِقَادِ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: أَوْ خَالَفَهُ إلَخْ) أَفَادَ اعْتِبَارَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الْجَوَارِحِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ مُوَافَقَتِهَا. (قَوْلُهُ: فِعْلٌ يُنْبِئُ) أَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ وَهُوَ لَيْسَ بِفِعْلٍ فِي التَّحْقِيقِ فَيَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ الْفِعْلِ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي التَّعْرِيفِ مَعَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ مَا لَا يَشْمَلُهُ وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ التَّعْرِيفَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ امْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي التَّعْرِيفِ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَهِيَ هُنَا قَوْلُهُ: سَوَاءٌ إلَخْ سم. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ) أَيْ: الْفِعْلُ. (قَوْلُهُ: أَمْ بِالْجِنَانِ) الْمُرَادُ بِالْجِنَانِ الِاعْتِقَادُ كَمَا بَيَّنَهُ السَّيِّدُ. (قَوْلُهُ: فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ) فِي بَعْضِ حَوَاشِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الْأَظْهَرُ فَمَصْدَرُ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْرِدِ مَا وَرَدَ عَنْهُ لَا مَا وَرَدَ عَلَيْهِ لَكِنْ فِي اخْتِيَارِهِ الْمَوْرِدَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَمْدَ كَأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الْقَلْبِ فَوَرَدَ عَلَى اللِّسَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَبَيْنَ الْحَمْدَيْنِ) اللُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ.
حاشية الشربيني
لِأَجْلِهِ لَيْسَ بِجَمِيلٍ فَهُوَ خَارِجٌ بِجِهَتَيْنِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ) اخْتَارَ الزَّمَخْشَرِيّ تَرَادُفَهُمَا أَيْ: إنَّ الْمَمْدُوحَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا كَالْحَمْدِ قَالَ: وَمِثَالُ اللُّؤْلُؤَةِ مَصْنُوعٌ وَتَأَوُّلُ التَّمَدُّحِ بِالْجَمَالِ وَحُسْنِ الْوَجْهِ بِدَلَالَتِهِمَا عَلَى الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ) فَلَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَطَالِعِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ التَّعْظِيمُ الْبَاطِنِيُّ لِيُدْخِلَ مَدَائِحَ الشُّعَرَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تَصْدِيقَ فِي الْقَضَايَا الشِّعْرِيَّةِ بَلْ تَخْيِيلٌ وَتَصْوِيرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا لَا يَقْتَضِي إلَخْ) فَلَا يَرِدُ أَنَّ مَوْرِدَ الْحَمْدِ اللِّسَانُ فَقَطْ اهـ. (قَوْلُهُ: بِاللِّسَانِ) وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْكُورُ بِهِ اخْتِيَارِيًّا وَلَا إنْعَامًا كَالْمَشْكُورِ عَلَيْهِ اهـ عَمِيرَةُ لَكِنْ فِي تَفْسِيرِ الْقَاضِي: إنَّ الشُّكْرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: عُرْفًا) الْعُرْفُ الْعَامُّ هُوَ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ نَاقِلُهُ وَالْخَاصُّ مَا تَعَيَّنَ نَاقِلُهُ وَيُسَمَّى اصْطِلَاحًا وَإِذَا أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى الْعَامِّ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اهـ.
(قَوْلُهُ: صَرْفُ الْعَبْدِ إلَخْ) فَإِنْ صَرَفَهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ سُمِّيَ شَكُورًا عُرْفًا أَوْ فِي أَوْقَاتٍ فَهُوَ شَاكِرٌ فَقَطْ عُرْفًا أَيْضًا وَلَا يَرِدُ أَنَّ فَعُولًا صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ تَصْدُقُ بِالصَّارِفِ فِي أَوْقَاتٍ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّسْمِيَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَذَلِكَ فِيهَا يُقَالُ لَهُ شَاكِرٌ فَقَطْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الْحَمَدَيْنِ إلَخْ) لَوْ قَالَ وَبَيْنَهُمَا أَيْ: الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ وَالْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَبَيْنِ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ لَكَانَ أَوْلَى لَكِنْ اكْتَفَى بِالْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَجْهٍ) يَجْتَمِعَانِ فِي ثَنَاءٍ بِاللِّسَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ فِي ثَنَاءٍ بِاللِّسَانِ عَلَى جَمِيلٍ غَيْرِ إحْسَانٍ وَيَنْفَرِدُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ فِي ثَنَاءٍ بِغَيْرِ اللِّسَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ. وَنَقِيضُ الْحَمْدِ الذَّمُّ وَهُوَ نَقِيضُ الْمَدْحِ أَيْضًا وَلَوْ لَمْ يُسَاوِ الْحَمْدَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقِيضِ مَا لَا يُجَامِعُ لَا الرَّفْعُ حَتَّى لَا يَكُونَ نَقِيضُ أَحَدِهِمَا نَقِيضَ الْآخَرِ، وَالذَّمُّ لَا يُجَامِعُ شَيْئًا مِنْهُمَا وَالْمَدْحُ كَالْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ عَلَى رَأْيِ الزَّمَخْشَرِيّ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ اهـ وَفِي شَرْحِ م ر الْمَدْحُ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ وَعُرْفًا مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَمْدُوحِ بِنَوْعٍ مِنْ الْفَضَائِلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الطَّاقَةِ) أَيْ: طَاقَةِ الْمُصَنِّفِ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبٍ مِنْ الْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّ أَتَمَّ الْحَمْدِ مُطْلَقًا لَا يُمْكِنُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ إذْ حَمْدُ الْأَنْبِيَاءِ خُصُوصًا سَيِّدَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلَهُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ بِأَنْ يَنْسُبَ إلَيْهِ تَعَالَى عُمُومَ الْمَحَامِدِ عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ لِعَجْزِنَا عَنْ التَّفْصِيلِ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] أَيْ: لَا تُطِيقُوا عَدَّهَا وَبُلُوغَ آخِرِهَا وَأَتَمَّ
مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نَائِبٌ عَنْ الْمَصْدَرِ (وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ) وَالسَّلَامُ كَائِنٌ (لِلْأَنْجَابِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ نَجِيبٍ وَهُوَ الْكَرِيمُ الْبَيِّنُ النَّجَابَةِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى مِثْلُ مَا مَرَّ (مُحَمَّدٍ وَالْآلِ وَالْأَصْحَابِ) لَهُ بَيَانٌ لِلْأَنْجَابِ وَقَرَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، أَمَّا عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] أَيْ: لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ خِطْبَتِهِ يَعْنِي بِكَسْرِ الْخَاءِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ غَيْرَهَا حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا عَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ فَتَبَعًا لَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَيَصْدُقُ عَلَى الْأَصْحَابِ فِي قَوْلِ: وَلِأَنَّهَا إذَا طُلِبَتْ عَلَى الْآلِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَعَلَى الصَّحَابَةِ أَوْلَى. وَالصَّلَاةُ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ. وَاخْتَارَ النَّاظِمُ اسْمِيَّةَ جُمْلَتَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى فِعْلِيَّتِهِمَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ، وَأَصْلُ الدُّعَاءِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَاغْفِرْ لَنَا، وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ تَفَاؤُلًا بِالْإِجَابَةِ.
وَمُحَمَّدٌ عَلَمٌ عَلَى نَبِيِّنَا
حاشية العبادي
قَوْلُهُ: بِأَنْ يُنْسَبَ) أَيْ: عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ قَدْ يُقَالُ مِنْ الطَّاقَةِ وَهُوَ الْحَمْدُ مِنْ هَذَا نِسْبَةُ الْبَعْضِ تَفْصِيلًا أَيْضًا بِأَنْ يُنْسَبَ مَقْدُورُهُ مِنْ التَّفْصِيلِ مَعَ نِسْبَةِ الْعُمُومِ إجْمَالًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعُدُّوا إلَخْ) يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْعَجْزِ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ الْحَمْدَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: نِعْمَةَ اللَّهِ) فَالْحَامِدُ عَاجِزٌ عَنْ تَفْصِيلِ الْمَحَامِدِ الْمُقَابِلَةِ لِلنِّعَمِ وَكَذَا غَيْرُ الْمُقَابِلَةِ لَهَا لِعَجْزٍ عَنْ تَفْصِيلِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ إلَخْ) إنْ جُعِلَتْ خَبَرِيَّةً مَعْنًى أَيْضًا كَمَا قِيلَ بِهِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهَا مُجَرَّدَ الثَّنَاءِ فَقَدْ يُشْكِلُ تَخْصِيصُ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ. بِالْمَذْكُورِينَ لِإِخْرَاجِهِ بَقِيَّةَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ لِلْمَجْمُوعِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَا لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنْ جُعِلَتْ إنْشَائِيَّةً كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ حِينَئِذٍ سُؤَالُ حُصُولِ الْأَفْضَلِ لِلْمَذْكُورِينَ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِهِمْ وَإِخْرَاجَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَطْفِهَا عَلَى جُمْلَةِ الْحَمْدِ وَإِنْ جُعِلَتْ إنْشَائِيَّةً وَهَذِهِ خَبَرِيَّةً؛ لِأَنَّ لِتِلْكَ مَحَلًّا مِنْ الْإِعْرَابِ فَيَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَخَالَفَا إنْشَاءً وَخَبَرًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ عَلَى الْجَوَابِ السَّابِقِ عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْآلِ وَالْأَصْحَابِ لَغْوًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ إنْشَاءٌ وَلَا إخْبَارٌ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ قُلْت: يُمْكِنُ دَفْعُ هَذَا بِأَنْ يُرَادَ بِالْأَفْضَلِ مَجْمُوعُ الْفَرْدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْفَرْدِ الَّذِي لِآلِهِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُ الْحَصْرِ إضَافِيًّا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ وَالْمُرَادُ التَّخْصِيصُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَا الْأَنْبِيَاءَ فَلَا إشْكَالَ فَتَدَبَّرْ سم.
(قَوْلُهُ: وَالْأَصْحَابِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْآلِ. (قَوْلُهُ: لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْآلِ وَالْأَصْحَابِ. (قَوْلُهُ: لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي) أَيْ: فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ بِرّ. (قَوْلُهُ: فَتَبَعًا لَهُ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ: هَلْ الْمَشْرُوطُ التَّبَعِيَّةُ مَعْنًى فَقَطْ أَمْ لَفْظًا أَيْضًا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَهُمْ وَلَوْ مُنْفَرِدًا عَنْهُمْ كَهُمْ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلَ الْمَتْنِ الْآتِيَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ بِلَا صَلَاةٍ فَهِيَ لَا تَحْسُنُ لَك وَلَا عَلَى غَيْرِ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ إلَّا تَبَعًا اهـ. أَقُولُ: الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ التَّبَعِيَّةِ لَفْظًا. (قَوْلُهُ: فِي قَوْلٍ) هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ آلَهُ أُمَّتُهُ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَسْمِيَةِ اسْتِغْفَارِهِمْ صَلَاةً إتْيَانُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ خُصُوصِ مَادَّةِ الِاسْتِغْفَارِ بَلْ الْمُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَوْ مَا يَئُولُ لِمَعْنَاهُ كَارْحَمْ وَاعْفُ وَلَا تُؤَاخِذْ يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ سَيِّدِ الْبَشَرِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» بِرّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْآدَمِيِّ) أَيْ: وَالْجِنِّ. (قَوْلُهُ: وَالدَّوَامِ) يُتَأَمَّلُ الْمُرَادُ فَقَدْ يُقَالُ: الْجُمْلَةُ إنْشَائِيَّةٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَإِنْ أُرِيدَ دَوَامُ الْإِنْشَاءِ أَوْ الْمَنْشَأِ كَالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ فَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَوْ مُتَعَلِّقُ الْمَنْشَأِ كَالِاتِّصَافِ بِالْجَمِيلِ فَدَوَامُ ذَلِكَ إنَّمَا يُسْتَفَادُ بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ وَالْغَرَضُ الْإِنْشَاءُ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ إنْشَاءُ نِسْبَةِ الِاتِّصَافِ بِالْجُمَلِ عَلَى الدَّوَامِ بِأَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ الِاتِّصَافُ كَذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَصْدَ الْإِنْشَاءِ يُنَافِي إفَادَةَ الْجُمْلَةِ الدَّوَامَ. (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الْخَبَرِ) كَمَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ إلَخْ.
حاشية الشربيني
وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ أَبْلَغُ مِنْ حَمْدِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ مِنْ إجْمَالَاتِ الْحَمْدِ عَلَى مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: اسْمِيَّةَ جُمْلَتَيْ الْحَمْدِ إلَخْ) سَوَاءٌ قُدِّرَ الْمُتَعَلِّقُ اسْمَ فَاعِلٍ أَوْ فِعْلًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَ اسْمِ الْفَاعِلِ لِلْحُدُوثِ وَلَا يَضُرُّهُ الْعَمَلُ فِي الظُّرُوفِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ رَائِحَةُ الْفِعْلِ فَيَكُونُ عَامِلًا وَهُوَ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الِاسْمِيَّةَ الَّتِي خَبَرُهَا فِعْلٌ إنَّمَا تُفِيدُ التَّجَدُّدَ إذَا لَمْ يُوجَدْ دَاعٍ إلَى الدَّوَامِ كَالْعُدُولِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْمَقَامِ. اهـ. عَمِيرَةُ بِزِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الثَّبَاتِ) أَيْ: لَا التَّجَدُّدِ وَهُوَ الْحُدُوثُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ. (قَوْلُهُ: وَالدَّوَامِ) أَيْ: بِوَاسِطَةِ الْعُدُولِ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةٍ مُشْتَقَّةٍ مِنْ التَّحْمِيدِ يُقَالُ مُحَمَّدٌ وَصْفًا لِمَنْ كَثُرَتْ خِصَالُهُ الْحَمِيدَةُ وَلَمَّا طَبَعَ اللَّهُ نَبِيَّنَا عَلَى ذَلِكَ أَلْهَمَ أَهْلَهُ أَنْ يُسَمُّوهُ بِذَلِكَ فَطَابَقَ الِاسْمُ الْمُسَمَّى. وَآلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَسَيَأْتِي فِي الزَّكَاةِ وَقِيلَ: عِتْرَتُهُ الْمُنْتَسِبُونَ إلَيْهِ وَقِيلَ: أُمَّتُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهُوَ أَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْأَشْرَافِ بِخِلَافِ أَهْلٍ وَإِنَّمَا قِيلَ: آلُ فِرْعَوْنَ لِتَصَوُّرِهِ بِصُورَةِ الْأَشْرَافِ أَوْ لِشَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ عِنْدَهُمْ وَعَنْ الْبَصْرِيِّينَ إنَّ اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى. وَالْأَصْحَابُ جَمْعُ صَحْبٍ كَأَشْهَادٍ وَشَهْدٍ لَا جَمْعُ صَاحِبٍ؛ لِأَنَّ فَاعِلًا لَمْ يَثْبُتْ جَمْعُهُ عَلَى أَفْعَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحْبٌ قَالَ سِيبَوَيْهِ: اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ وَالْأَخْفَشُ: جَمْعٌ لَهُ وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ: وَجَمْعُ صَاحِبٍ صَحْبٌ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ، وَصُحْبَةٌ بِالضَّمِّ كَفَارِهٍ وَفُرْهَةٍ وَصِحَابٌ كَجَائِعٍ وَجِيَاعٍ وَصُحْبَانٌ كَشَابٍّ وَشُبَّانٍ انْتَهَى. وَالصَّحَابِيُّ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا وَمَاتَ كَذَلِكَ وَإِفْرَادُ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ مَكْرُوهٌ فَلَعَلَّ النَّاظِمَ قَرَنَ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَإِنْ أَفْرَدَهَا خَطًّا.
(وَبَعْدُ) أَتَى بِهَا اقْتِدَاءً بِغَيْرِهِ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي بِأَصْلِهَا فِي خُطَبِهِ وَهُوَ أَمَّا بَعْدُ بِدَلِيلِ لُزُومِ الْفَاءِ فِي حَيِّزِهَا غَالِبًا لِتَضَمُّنِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْعَامِلِ فِيهَا، أَمَّا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لِنِيَابَتِهَا عَنْ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ نَفْسُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ (فَالْعِلْمُ) الْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرِيعَةِ كَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالنَّحْوِ (عَظِيمُ الْمَنْزِلَهْ) أَيْ: الْمَرْتَبَةِ قَالَ تَعَالَى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَك مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» ثُمَّ قَالَ «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْمَاءِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ» وَقَالَ «فَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ مُعَاذٍ «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لَك حَسَنَةٌ وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
حاشية العبادي
قَوْلُهُ: نَبِيَّنَا عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: كَثْرَةِ الْخِصَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْأَشْرَافِ) أَيْ: لَا يُضَافُ إلَّا لِلْأَشْرَافِ بِرّ. (قَوْلُهُ: آلُ فِرْعَوْنَ) مَعَ أَنَّهُ لَا شَرَفَ لِفِرْعَوْنَ. (قَوْلُهُ: اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْنَى أَهْلٍ بِرّ. (قَوْلُهُ: اسْمُ جَمْعٍ إلَخْ) يَحْتَمِلُ إرَادَةَ الْجَمْعِ الِاصْطِلَاحِيِّ. (قَوْلُهُ: جَمْعٌ لَهُ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْجَمْعَ اللُّغَوِيَّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ اصْطِلَاحًا. (قَوْلُهُ: مَنْ لَقِيَ) شَامِلٌ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَلِلْأُنْثَى وَالرَّقِيقِ. (قَوْلُهُ: وَإِفْرَادُ الصَّلَاةِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ مَا صَاحَبَهُ السَّلَامُ فَتَضَمَّنَ قَوْلُهُ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ التَّعَرُّضَ لِلسَّلَامِ فَلَا إفْرَادَ مُطْلَقًا لَا لَفْظًا وَلَا خَطًّا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ إتْيَانِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي قَوْلِك مَثَلًا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ. إذْ لَا إفْرَادَ وَقَدْ يُسْتَبْعَدُ وَقَدْ يُلْتَزَمُ وَالْحَقُّ أَنَّ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ.
(تَنْبِيهٌ) هَلْ كَرَاهَةُ إفْرَادِ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ خَاصَّةٌ بِنَبِيِّنَا أَوْ عَامَّةٌ لَهُ وَلِبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفْرَدَهَا خَطًّا) صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِكَرَاهَةِ الْإِفْرَادِ خَطًّا أَيْضًا بِرّ. (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ لُزُومِ إلَخْ) فَكَأَنَّ الْوَاوَ نَائِبَةٌ عَنْ إمَّا وَمُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَاهَا. (قَوْلُهُ: كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ) إنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ لَا الصَّحَابَةَ فَقَطْ فَهُوَ أَبْلَغُ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لَك) أَيْ: أَيُّهَا الْمُتَعَلِّمُ
حاشية الشربيني
عَنْ الْفِعْلِيَّةِ أَوْ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ عَلَى حَسَبِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ لَا دَلَالَةَ لِزَيْدٌ قَائِمٌ
عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثُبُوتِ الْقِيَامِ يَعْنِي بِحَسَبِ أَصْلِ الْوَضْعِ فَلَا يُنَافِي الدَّلَالَةَ بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَآلُهُ) أَصْلُهُ أَهْلٌ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فَأَبْدَلَ الْهَاءَ هَمْزَةً تَوَصُّلًا لِقَلْبِهَا أَلِفًا فَلَا يُقَالُ الْهَمْزَةُ أَثْقَلُ مِنْ الْهَاءِ فَكَيْفَ يُعْدَلُ مِنْ الْهَاءِ إلَيْهَا. وَقِيلَ هُوَ مِنْ آلَ يَئُولُ إلَى كَذَا إذَا رَجَعَ إلَيْهِ بِقَرَابَةٍ وَنَحْوِهَا فَأَصْلُهُ أَوَلَ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا. حَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: أَهْلٌ وَأُهَيْلٌ وَآلٌ وَأُوَيْلٌ. وَإِلَى مَا تَقَرَّرَ أَشَارَ الشَّاطِبِيُّ بِقَوْلِهِ: فَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزَةٍ هَاءً أَصْلُهَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ وَاوٍ أُبْدِلَا. اهـ. عَمِيرَةُ وَمِثْلُهُ الْجِنُّ. اهـ. عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عِتْرَتُهُ إلَخْ) وَهُمْ أَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ مَا تَنَاسَلُوا. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: أُمَّتُهُ) أَيْ: أُمَّةُ الْإِجَابَةِ. اهـ. عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْأَشْرَافِ) فَفِيهِ تَخْصِيصَانِ تَخْصِيصٌ بِذَوِي الْعَقْلِ وَآخَرُ بِالْأَشْرَافِ مِنْهُمْ بِخِلَافِ آلٍ فَيُقَالُ آلُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: جَمْعُ) حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ وَهُوَ بَعِيدٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَاتَ كَذَلِكَ) لَيْسَ احْتِرَازًا عَمَّنْ مَاتَ مُرْتَدًّا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّعْرِيفِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْمُنَافِي الْعَارِضِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُسَمَّى الشَّخْصُ صَحَابِيًّا حَالَ حَيَاتِهِ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِإِرَادَةِ تَعْرِيفِ مَنْ يُسَمَّى صَحَابِيًّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ قَالَهُ الْمَحَلِّيُّ. (قَوْلُهُ: كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ) أَيْ: بُعْدُ مَا بَيَّنَ دَرَجَتَيْ الْعَالِمِ وَالْعَابِدِ كَبُعْدِ مَا بَيْنَ دَرَجَتَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَدْنَى بِمَعْنَى أَنَّ الْعَالِمَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَابِدِ فِي غَايَةِ الصُّعُودِ وَالْعَابِدَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ فِي غَايَةِ النُّزُولِ كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنِّسْبَةِ لِلْأَدْنَى فِي غَايَةِ الصُّعُودِ وَالْأَدْنَى بِالنِّسْبَةِ لَهُ فِي غَايَةِ النُّزُولِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يُقَاسَ فَضْلُ الْعَالِمِ بِفَضْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَفَاوُتِهِمَا فِي الْكَيْفِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي الرَّشِيدِيِّ تَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت - رَحِمَهُ اللَّهُ -: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ. وَقَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ (قَدْ اصْطَفَى اللَّهُ) أَيْ: اخْتَارَ (خِيَارَ الْخَلْقِ لَهْ) وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَوَرَثَتُهُمْ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ لَمْ تَكُنْ الْفُقَهَاءُ الْعَامِلُونَ أَوْلِيَاءً لِلَّهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ وَلِيٌّ (وَالْعُمْرُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا (عَنْ تَحْصِيلِ كُلِّ عِلْمِ يَقْصُرُ فَابْدَأْ مِنْهُ بِالْأَهَمِّ وَذَلِكَ الْفِقْهُ فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا غِنًى فِي كُلِّ حَالٍ عَنْهُ) وَلِأَنَّهُ نَتِيجَةُ بَقِيَّةِ الْعُلُومِ وَسَبَبُ الْفَوْزِ بِالسَّعَادَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ الْأَهَمُّ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَالْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ بِقَرِينَةِ إتْيَانِهِ بِمِنْ فِي التَّعْلِيلِ أَوْ جَعَلَهُ الْأَهَمَّ مُبَالَغَةً بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَهُوَ لُغَةً الْفَهْمُ وَقِيلَ: فَهْمُ مَا دَقَّ. قَالَ النَّوَوِيُّ يُقَالُ فَقِهَ يَفْقَهُ فَقَهًا كَفَرِحِ يَفْرَحُ فَرَحًا وَقِيلَ: فِقْهًا بِسُكُونِ الْقَافِ وَابْنُ الْقَطَّاعِ وَغَيْرُهُ يُقَالُ: فَقِهَ إذَا فَهِمَ وَفَقُهَ إذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً وَفَقَهَ إذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إلَى الْفَهْمِ وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبُ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ
وَمَوْضُوعُهُ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ بِهَا، وَفِي وَضْعِ النَّاظِمِ ذَلِكَ
مَوْضِعَ هُوَ
تَعْظِيمٌ لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ بِالْبُعْدِ تَنْزِيلًا لِبُعْدِ دَرَجَتِهِ وَرِفْعَةِ مَحَلِّهِ مَنْزِلَةَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ (وَلَيْسَ فِي) كُتُبِ (مَذْهَبِنَا) أَيْ: طَرِيقَتِنَا أَيُّهَا الشَّافِعِيَّةُ (كَالْحَاوِي) لِلْعَلَّامَةِ نَجْمِ الدِّينِ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيِّ (فِي الْجَمْعِ) لِلْأَحْكَامِ (وَالْإِيجَازِ)
حاشية العبادي
قَوْلُهُ بِهِ خَيْرًا) أَيْ كَامِلًا أَوْ عَظِيمًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ تُفِيدُ الْعُمُومَ (قَوْلُهُ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا) كِنَايَةٌ عَنْ مُطْلَقِ الْمَالِ وَلَوْ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ بِدَلِيلِ إنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ (قَوْلُهُ فَابْدَأْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ حَالٍ) يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِمَعْنَى النَّفْيِ أَيْ انْتَفَى فِي كُلِّ حَالٍ الْغِنَى عَنْهُ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ الِاحْتِيَاجُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ. وَتَعَلُّقُهُ بِنَفْيٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ الْغِنَى فِي كُلِّ حَالٍ لَا مُطْلَقًا فَلَا يُقَيَّدُ الِاحْتِيَاجُ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ لَا سَلْبِ الْعُمُومِ فَلَا يَقْتَضِي مَا ذُكِرَ وَيُفِيدُ مَا ذُكِرَ؛ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بِمَنْ) أَيْ لِأَنَّهَا مُشْعِرَةٌ