Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام
إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام
إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام
Ebook1,341 pages6 hours

إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

«إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق العيد، هو كتاب في أحاديث الأحكام شرح فيه مؤلفه كتاب «عمدة الأحكام» للإمام عبد الغني المقدسي الجماعيلي الحنبلي والذي جمع فيه أحاديث الأحكام التي في الصحيحين. أملاه على تلامذته، وكتبه: عماد الدين ابن الأثير إسماعيل ابن الصدر تاج الدين أحمد بن سعيد ابن الأثير الحلبي المعروف بـ: الكاتب. ولم يذكر مقدّمة للكتاب لأنه على طريقة الإملاء. ومنهج المؤلف في كتابه أنه يذكر الحديث الشريف، ثم يشرح فيه الألفاظ ويبني على ذلك الحكم الفقهي ثم يذكر آراء العلماء في المذاهب الأخرى، ويرجح بين الأقوال التي يذكرها، وهو مرتب على حسب الكتب والأبواب الفقهية، وبلغت أحاديثه (427) حديثا فقط
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateDec 2, 1901
ISBN9786428471394
إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

Read more from ابن دقيق العيد

Related to إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

Related ebooks

Related categories

Reviews for إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام - ابن دقيق العيد

    الغلاف

    إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

    الجزء 2

    ابن دقيق العيد

    702

    «إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق العيد، هو كتاب في أحاديث الأحكام شرح فيه مؤلفه كتاب «عمدة الأحكام» للإمام عبد الغني المقدسي الجماعيلي الحنبلي والذي جمع فيه أحاديث الأحكام التي في الصحيحين. أملاه على تلامذته، وكتبه: عماد الدين ابن الأثير إسماعيل ابن الصدر تاج الدين أحمد بن سعيد ابن الأثير الحلبي المعروف بـ: الكاتب. ولم يذكر مقدّمة للكتاب لأنه على طريقة الإملاء. ومنهج المؤلف في كتابه أنه يذكر الحديث الشريف، ثم يشرح فيه الألفاظ ويبني على ذلك الحكم الفقهي ثم يذكر آراء العلماء في المذاهب الأخرى، ويرجح بين الأقوال التي يذكرها، وهو مرتب على حسب الكتب والأبواب الفقهية، وبلغت أحاديثه (427) حديثا فقط

    وَقْت صَلَاةِ الْكُسُوفِ

    1

    السَّادِسُ: قَوْلُهُ «فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا» اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ. قِيلَ: هُوَ مَا بَعْدَ حِلِّ النَّافِلَةِ إلَى الزَّوَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، أَوْ أَصْحَابِهِ. وَقِيلَ: إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَهُوَ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا. وَقِيلَ: جَمِيعُ النَّهَارِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَيَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ. فَإِنَّهُ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ إذَا رَأَى ذَلِكَ. وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْمَخَاوِفِ، لِاسْتِدْفَاعِ الْبَلَاءِ الْمَحْذُورِ. .

    الْمُنَزِّهُونَ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ سِمَاتِ الْحَدِّ

    1

    السَّابِعُ: قَوْلُهُ «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ» الْمُنَزِّهُونَ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ سِمَاتِ الْحَدِّ وَمُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقِينَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ: إمَّا سَاكِتٌ عَنْ التَّأْوِيلِ، وَإِمَّا مُؤَوِّلٌ، عَلَى أَنْ يُرَادَ شِدَّةُ الْمَنْعِ وَالْحِمَايَةِ مِنْ الشَّيْءِ. لِأَنَّ الْغَائِرَ عَلَى الشَّيْءِ مَانِعٌ لَهُ، وَحَامٍ مِنْهُ. فَالْمَنْعُ وَالْحِمَايَةُ مِنْ لَوَازِمِ الْغَيْرَةِ. فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْغَيْرَةِ عَلَيْهِمَا مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ السَّائِغَةِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، وَالْأَمْرُ فِي التَّأْوِيلِ وَعَدَمِهِ فِي هَذَا: قَرِيبٌ عِنْدَ مَنْ يُسَلِّمُ التَّنْزِيهَ. فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ أَعْنِي الْجَوَازَ وَعَدَمَهُ. وَيُؤْخَذُ كَمَا تُؤْخَذُ سَائِرُ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي: أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ - أَعْنِي الْمَنْعَ مِنْ التَّأْوِيلِ - ثُبُوتًا قَطْعِيًّا. فَخَصْمُهُ يُقَابِلُهُ حِينَئِذٍ بِالْمَنْعِ الصَّرِيحِ. وَقَدْ يَتَعَدَّى بَعْضُ خُصُومِهِ إلَى التَّكْذِيبِ الْقَبِيحِ.

    التَّخْوِيف فِي الْمَوْعِظَةِ

    الثَّامِنُ: قَوْلُهُ «وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ» إلَى آخِرِهِ " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْجِيحِ مُقْتَضَى الْخَوْفِ، وَتَرْجِيحِ التَّخْوِيفِ فِي الْمَوْعِظَةِ عَلَى الْإِشَاعَةِ بِالرُّخَصِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّسَبُّبِ إلَى تَسَامُحِ النُّفُوسِ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْإِخْلَادِ إلَى الشَّهَوَاتِ. وَذَلِكَ مَرَضٌ خَطَرٌ. وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ: يُقَابِلُ الْعِلَّةَ بِضِدِّهَا، لَا بِمَا يَزِيدُهَا.

    1 -

    التَّاسِعُ: قَوْلُهُ فِي لَفْظٍ «فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» أَطْلَقَ الرَّكَعَاتِ عَلَى عَدَدِ الرُّكُوعِ. وَجَاءَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ: أَنَّهُ مُتَمَسَّكُ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: إنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..

    الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَامَ فَزِعًا، وَيَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ. فَقَامَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَسُجُودٍ، مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهِ قَطُّ، ثُمَّ قَالَ إنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. وَلَكِنَّ اللَّهَ يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ» .

    Q

    حَدِيثُ خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ فَزِعًا

    اسْتَعْمَلَ الْخُسُوفَ فِي الشَّمْسِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ لِفِعْلِ اللَّهِ، وَتَجْرِيدِ الْأَسْبَابِ الْعَادِيَةِ عَنْ تَأْثِيرِهَا لِمُسَبِّبَاتِهَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِخْبَارِ بِمَا يُوجِبُ الظَّنَّ مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ، حَيْثُ قَالَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ مَعَ أَنَّ الْفَزَعَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ، وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ، كَمَا خَشِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرِّيحِ: أَنْ تَكُونَ رِيحَ قَوْمِ عَادٍ. وَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ كَانَ سَبَبَ خَوْفِهِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَنَى عَلَى شَاهِدِ الْحَالِ أَوْ قَرِينَةٍ دَلَّتْهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ كَأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ دَلِيلٌ عَلَى تَطْوِيلِهِ السُّجُودَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنْ أَبَا مُوسَى رَوَاهُ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فِي الْمَسْجِدِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْعُلَمَاءِ. وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالصَّحْرَاءِ. وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ: الْأَوَّلُ. فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ تَنْتَهِي بِالِانْجِلَاءِ: وَذَلِكَ مُقْتَضٍ لَأَنْ يُعْتَنَى بِمَعْرِفَةِ وَمُرَاقَبَةِ حَالِ الشَّمْسِ فِي الِانْجِلَاءِ. فَلَوْلَا أَنَّ الْمَسْجِدَ رَاجِحٌ لَكَانَتْ الصَّحْرَاءُ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى إدْرَاكِ حَالِ الشَّمْسِ فِي الِانْجِلَاءِ أَوْ عَدَمِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُخَافُ مِنْ تَأْخِيرِهَا فَوَاتُ إقَامَتِهَا بِأَنْ يَشْرَعَ الِانْجِلَاءُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَبُرُوزِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا 151 - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» وَفِي لَفْظٍ إلَى الْمُصَلَّى .

    Qلِحَيَاتِهِ» وَأَنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ. وَفِي قَوْلِهِ فَافْزَعُوا إشَارَةٌ إلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى مَا أَمَرَ بِهِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى الِالْتِجَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْمَخَاوِفِ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ. وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ الذُّنُوبَ سَبَبٌ لِلْبَلَايَا وَالْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ أَيْضًا، وَأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ سَبَبَانِ لِلْمَحْوِ، يُرْجَى بِهِمَا زَوَالُ الْمَخَاوِفِ.

    بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ

    حَدِيثُ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو

    فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ لِلِاسْتِسْقَاءِ. وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يُصَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ، وَلَكِنْ يُدْعَى. وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ، فَوَافَقُوا الْجَمَاعَةَ. وَقَالُوا: تُصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَانِ بِجَمَاعَةٍ. وَاسْتُدِلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِاسْتِسْقَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يُصَلِّ لِلِاسْتِسْقَاءِ. قَالُوا: لَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمَا تَرَكَهَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الِاسْتِسْقَاءِ: الْبُرُوزُ إلَى الْمُصَلَّى. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ. وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: إنَّ سَبَبَ التَّحْوِيلِ: التَّفَاؤُلُ بِتَغْيِيرِ الْحَالِ. وَقَالَ مَنْ احْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ: إنَّمَا قَلَبَ رِدَاءَهُ لِيَكُونَ أَثْبَتَ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ، أَوْ عَرَفَ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ تَغَيُّرَ الْحَالِ عِنْدَ تَغْيِيرِ رِدَائِهِ. قُلْنَا: الْقَلْبُ مِنْ جِهَةٍ إلَى أُخْرَى، أَوْ مِنْ ظَهْرٍ إلَى بَطْنٍ: لَا يَقْتَضِي الثُّبُوتَ عَلَى الْعَاتِقِ. بَلْ أَيُّ حَالَةٍ اقْتَضَتْ الثُّبُوتَ أَوْ عَدَمَهُ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ: فَهُوَ مَوْجُودٌ 152 - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. قَالَ أَنَسٌ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ. فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

    Qفِي الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرُبَ مِنْ السُّقُوطِ فِي تِلْكَ الْحَالِ. فَيُمْكِنُ أَنْ يُثَبِّتَهُ مِنْ غَيْرِ قَلْبٍ. وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا ذُكِرَ مِنْ نُزُولِ الْوَحْيِ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الرِّدَاءِ. وَالِاتِّبَاعُ لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ، مَعَ مَا عُرِفَ فِي الشَّرْعِ مِنْ مَحَبَّةِ التَّفَاؤُلِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الدُّعَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ الْخُطْبَةِ. وَالْخُطْبَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَفِيهِ حَدِيثٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقْتَضِيهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ مُطْلَقًا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَهْرِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ. وَالتَّحْوِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ يَكْتَفِي فِي تَحْصِيلِ مُسَمَّاهُ: بِمُجَرَّدِ الْقَلْبِ مِنْ الْيَمِينِ إلَى الْيَسَارِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

    هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ قَالَ: لَا أَدْرِي.»

    Q

    حَدِيثُ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى يُغِيثُنَا

    قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الظِّرَابُ الْجِبَالُ الصِّغَارُ هَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ أَنَّهُ اُسْتُدِلَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَاسْتِحْبَابِهَا لَا يُنَافِي أَنْ يَقَعَ مُجَرَّدُ الدُّعَاءِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الَّذِي جَرَى فِي الْجُمُعَةِ مُجَرَّدَ دُعَاءٍ. وَهُوَ مَشْرُوعٌ حَيْثُمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ. وَلَا يُنَافِي شَرْعِيَّةَ الصَّلَاةِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى إذَا اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فِي إجَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى دُعَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِيبَهُ أَوْ مَعَهُ. وَأَرَادَ بِالْأَمْوَالِ: الْأَمْوَالَ الْحَيَوَانِيَّةَ. لِأَنَّهَا الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا انْقِطَاعُ الْمَطَرِ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الصَّامِتَةِ. وَ السُّبُلُ الطُّرُقُ وَانْقِطَاعُهَا: إمَّا بِعَدَمِ الْمِيَاهِ الَّتِي يَعْتَادُ الْمُسَافِرُ وُرُودَهَا. وَإِمَّا بِاشْتِغَالِ النَّاسِ وَشِدَّةِ الْقَحْطِ عَنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ عَدَّاهُ إلَى كُلِّ دُعَاءٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعَدِّهِ، لِحَدِيثٍ عَنْ أَنَسٍ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ عَدَمَ عُمُومِ الرَّفْعِ لِمَا عَدَا الِاسْتِسْقَاءِ.

    وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: اسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: مِنْهَا الِاسْتِسْقَاءُ، وَرُؤْيَةُ الْبَيْتِ، وَقَدْ أُوِّلَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: رَفْعًا تَامًّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. وَفِي غَيْرِهَا: دُونَهُ. بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَحَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ تِلْكَ 153 - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ذَهَبُوا، وَجَاءَ الْآخَرُونَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، وَقَضَتْ الطَّائِفَتَانِ رَكْعَةً، رَكْعَةً» .

    Qالْمَوَاضِعِ. وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُنْذِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جُزْءًا قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ. وَالْقَزَعُ سَحَابٌ مُتَفَرِّقٌ وَالْقَزَعَةُ وَاحِدَتُهُ. وَمِنْهُ أُخِذَ الْقَزَعُ فِي الرَّأْسِ وَهُوَ أَنْ يُحْلَقَ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكَ بَعْضُهُ. وَ سَلْعٌ جَبَلٌ عِنْدَ الْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهُ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ السَّحَابَةَ طَلَعَتْ مِنْ وَرَاءِ سَلْعٍ. فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ لَأَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْقَزَعَةُ مَوْجُودَةً، لَكِنْ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رُؤْيَتِهَا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ دَارٍ لَوْ كَانَتْ. وَقَوْلُهُ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا أَيْ جُمُعَةً. وَقَدْ بُيِّنَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى. وَقَوْلُهُ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ أَيْ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الدُّعَاءِ لِإِمْسَاكِ ضَرَرِ الْمَطَرِ. كَمَا اُسْتُحِبَّ الدُّعَاءُ لِنُزُولِهِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ. فَإِنَّ الْكُلَّ مُضِرٌّ. و الْآكَامُ جَمْعُ أُكُمٍ، كَأَعْنَاقٍ جَمْعُ عُنُقٍ. وَالْأُكُمُ جَمْعُ إكَامٍ مِثْلُ كُتُبٍ جَمْعُ كِتَابٍ. وَالْإِكَامُ جَمْعُ أَكَمٍ، مِثْلُ جِبَالٍ جَمْعُ جَبَلٍ. وَالْأُكُمُ، وَالْأَكَمَاتُ. جَمْعُ الْأَكَمَةِ، وَهِيَ التَّلُّ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ. وَالظِّرَابُ جَمْعُ ظَرِبٍ - بِفَتْحِ الظَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - وَهِيَ صِغَارُ الْجِبَالِ. وَقَوْلُهُ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ طَلَبٌ لِمَا يُحَصِّلُ الْمَنْفَعَةَ وَيَدْفَعُ الْمَضَرَّةَ. وَقَوْلُهُ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ عَلَمٌ آخَرُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فِي الِاسْتِصْحَاءِ كَمَا سَبَقَ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ

    وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

    .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .

    Q

    بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

    حَدِيثُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ

    جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي زَمَانِنَا كَمَا صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَمَانِهِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُهُ، أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِوُجُودِهِ فِيهِمْ. وَقَدْ يُؤَيِّدُ هَذَا بِأَنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ. وَفِيهَا أَفْعَالٌ مُنَافِيَةٌ. فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُسَامَحَةُ فِيهَا بِسَبَبِ فَضِيلَةِ إمَامَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْجُمْهُورُ يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِهِمْ دَلِيلُ التَّأَسِّي بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْمُخَالَفَةُ الْمَذْكُورَةُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ. مَوْجُودَةٌ بَعْدَ الرَّسُولِ. كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ الضَّرُورَةُ تَدْعُو إلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَنْ أَدَائِهَا. وَذَلِكَ يَقْتَضِي إقَامَتَهَا عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا - أَعْنِي فِي زَمَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُهَا بَعْدَ الرَّسُولِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ. فَقَدْ وَرَدَتْ عَنْهُ فِيهَا وُجُوهٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي كَيْفِيَّةِ أَدَائِهَا تَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ. فَمِنْ النَّاسُ مَنْ أَجَازَ الْكُلَّ. وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ عَمِلَ بِالْكُلِّ وَذَلِكَ - إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا وَقَائِعُ مُخْتَلِفَةٌ - قَوْلٌ مُحْتَمَلٌ. وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ رَجَّحَ بَعْضَ الصِّفَاتِ الْمَنْقُولَةِ. فَأَبُو حَنِيفَةَ ذَهَبَ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُولَى إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ. فَتَقْضِي، ثُمَّ تَذْهَبُ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ أَيْ مَوْضِعَ الْإِمَامِ، فَتَقْضِي ثُمَّ تَذْهَبُ. وَقَدْ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ. وَقِيلَ: إنَّهَا لَمْ تَرِدْ فِي حَدِيثٍ. وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رِوَايَةَ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ: لَوْ صَلَّى عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ: هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ إنَّهَا صَحِيحَةٌ لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ، وَتَرْجِيحُ رِوَايَةِ صَالِحٍ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى.

    وَاخْتَارَ مَالِكٌ تَرْجِيحَ الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ فِي الْمُوَطَّإِ مَوْقُوفَةً. وَهِيَ تُخَالِفُ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ فِي سَلَامِ الْإِمَامِ. «فَإِنَّ فِيهَا أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ وَتَقْضِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ سَلَامِهِ». وَالْفُقَهَاءُ لَمَّا رَجَّحَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ عَلَى بَعْضٍ احْتَاجُوا إلَى ذِكْرِ سَبَبِ التَّرْجِيحِ. فَتَارَةً يُرَجِّحُونَ بِمُوَافَقَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ. وَتَارَةً بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ: وَتَارَةً يَكُونُ بَعْضُهَا مَوْصُولًا وَبَعْضُهَا مَوْقُوفًا. وَتَارَةً بِالْمُوَافَقَةِ لِلْأُصُولِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ. وَتَارَةً بِالْمَعَانِي. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو حَنِيفَةَ تُوَافِقُ الْأُصُولَ فِي أَنَّ قَضَاءَ طَائِفَتَيْنِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ.

    154 - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، صَلَاةَ الْخَوْفِ «أَنَّ طَائِفَةً صُفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَصُفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» .

    Qوَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ: فَفِيهِ قَضَاءُ الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ: فَفِيهِ قَضَاءُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَقَطْ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ.

    حَدِيثُ صَلَاة ذَاتِ الرِّقَاعِ

    الرَّجُلُ الَّذِي صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ

    هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ مُخْتَارُ الشَّافِعِيِّ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ. وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ الْإِمَامَ يَنْتَظِرُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ قَائِمًا فِي الثَّانِيَةِ. وَهَذَا فِي الصَّلَاةِ الْمَقْصُورَةِ، أَوْ الثُّنَائِيَّةِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ. فَأَمَّا الرَّبَاعِيَةُ: فَهَلْ يَنْتَظِرُهَا قَائِمًا فِي الثَّالِثَةِ، أَوْ قَبْلَ قِيَامِهِ؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ لِلْفُقَهَاءِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَإِذَا قِيلَ بِأَنَّهُ يَنْتَظِرُهَا قَبْلَ قِيَامِهِ، فَهَلْ تُفَارِقُهُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى قَبْلَ تَشَهُّدِهِ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ السُّجُودِ، أَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لَفْظِيَّةٌ عَلَى أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ. وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُ. وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَيْضًا: أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى تُتِمُّ لِأَنْفُسِهَا، مَعَ بَقَاءِ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْأُصُولِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ. لَكِنْ فِيهَا تَرْجِيحٌ مِنْ جِهَةِ 155 - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَكَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ:

    Qالْمَعْنَى. لِأَنَّهَا إذَا قَضَتْ وَتَوَجَّهَتْ إلَى نَحْوِ الْعَدُوِّ، تَوَجَّهَتْ فَارِغَةً مِنْ الشُّغْلِ بِالصَّلَاةِ. فَيَتَوَفَّرُ مَقْصُودُ صَلَاةِ الْخَوْفِ. وَهُوَ الْحِرَاسَةُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو حَنِيفَةَ: بِتَوَجُّهِ الطَّائِفَةِ لِلْحِرَاسَةِ، مَعَ كَوْنِهَا فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَتَوَفَّرُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحِرَاسَةِ. فَرُبَّمَا أَدَّى الْحَالُ إلَى أَنْ يَقَعَ فِي الصَّلَاةِ الضَّرْبُ وَالطَّعْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُنَافِيَاتِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَكَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ. وَلَيْسَ بِمَحْذُورٍ. وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَيْضًا: أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ تُتِمُّ لِأَنْفُسِهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ. وَفِيهِ مَا فِي الْأَوَّلِ. وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا: أَنَّهُ يَثْبُتُ حَتَّى تُتِمَّ لِأَنْفُسِهَا وَتُسَلِّمَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ، وَتَقْضِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ سَلَامِهِ.

    وَرُبَّمَا ادَّعَى بَعْضُهُمْ: أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْتَظِرُهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] أَيْ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ الَّتِي بَقِيَتْ لِلْإِمَامِ.

    فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ بِهِمْ فَقَدْ صَلُّوا مَعَهُ الْبَقِيَّةَ وَإِذَا سَلَّمَ قَبْلَهُمْ فَلَمْ يُصَلُّوا مَعَهُ الْبَقِيَّةَ. لِأَنَّ السَّلَامَ مِنْ الْبَقِيَّةِ. وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ الظُّهُورِ. وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الرَّاوِي مَنْ يَرَى أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَالَ فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ فَجَعَلَهُمْ مُصَلِّينَ مَعَهُ لِمَا يُسَمَّى رَكْعَةً.

    ثُمَّ أَتَى بِلَفْظَةٍ «ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ. ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» فَجَعَلَ مُسَمَّى السَّلَامِ مُتَرَاخِيًا عَنْ مُسَمَّى الرَّكْعَةِ إلَّا أَنَّهُ ظَاهِرٌ ضَعِيفٌ.

    وَأَقْوَى مِنْهُ فِي الدَّلَالَةِ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ مِنْ الصَّلَاةِ. وَالْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ مُتَعَيَّنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

    انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ - الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى - فَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ: أَنْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدُوا ثُمَّ سَلَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا، قَالَ جَابِرٌ: كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلَاءِ بِأُمَرَائِهِمْ» وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ طَرَفًا مِنْهُ، «وَأَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْغَزْوَةِ السَّابِعَةِ، غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ» .

    Q

    حَدِيثُ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ

    هَذِهِ كَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ. فَإِنَّهُ تَتَأَتَّى الْحِرَاسَةُ مَعَ كَوْنِ الْكُلِّ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَفِيهَا التَّأْخِيرُ عَنْ الْإِمَامِ لِأَجْلِ الْعَدُوِّ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ:

    أَحَدُهَا: أَنَّ الْحِرَاسَةَ فِي السُّجُودِ لَا فِي الرُّكُوعِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. وَحُكِيَ وَجْهٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَحْرُسُ فِي الرُّكُوعِ أَيْضًا.

    وَالْمَذْهَبُ: الْأَوَّلُ. لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَا يَمْنَعُ مِنْ إدْرَاكِ الْعَدُوِّ بِالْبَصَرِ. فَالْحِرَاسَةُ مُمْكِنَةٌ مَعَهُ، بِخِلَافِ السُّجُودِ.

    الثَّانِي: الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ الَّذِي سَجَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ: هُوَ السَّجْدَتَانِ جَمِيعًا.

    الثَّالِثُ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّفَّ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ يَسْجُدُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .

    Qالْأُولَى، وَيَحْرُسُ الصَّفُّ الثَّانِي فِيهَا، وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ يَحْرُسُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَعَلَّهُ سَهَا، أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَافَقُوا الصَّحِيحَ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُهُمْ سِوَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ. كَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَبَعْضُهُمْ قَالَ بِذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا صَحَّ يُذْهَبُ إلَيْهِ، وَيُتْرَكُ قَوْلُهُ. وَأَمَّا الْخُرَاسَانِيُّونَ: فَإِنَّ بَعْضَهُمْ تَبِعَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ، كَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى: أَنَّ فِي الْحَدِيثِ رِوَايَةً كَذَلِكَ. وَرَجَّحَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ يَكُونُ جُنَّةً لِمَنْ خَلْفَهُ. وَيَكُونُ سَاتِرًا لَهُ عَنْ أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ. وَبِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحِرَاسَةِ. وَهَؤُلَاءِ مُطَالَبُونَ بِإِبْرَازِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ. وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَهَا.

    الرَّابِعُ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِرَاسَةَ يَتَسَاوَى فِيهَا الطَّائِفَتَانِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَوْ حَرَسَتْ طَائِقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ خِلَافٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.

    الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «نَعَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا» .

    Q

    كِتَابُ الْجَنَائِزِ

    حَدِيثُ نَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ

    فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَعْضِ النَّعْيِ. وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّعْيِ لِغَيْرِ غَرَضٍ دِينِيٍّ، مِثْلِ إظْهَارِ التَّفَجُّعِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَإِعْظَامِ حَالِ مَوْتِهِ. وَيُحْمَلُ النَّعْيُ الْجَائِزُ عَلَى مَا فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، مِثْلُ طَلَبِ كَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ، تَحْصِيلًا لِدُعَائِهِمْ، وَتَتْمِيمًا لِلْعَدَدِ الَّذِي وُعِدَ بِقَبُولِ شَفَاعَتِهِمْ فِي الْمَيِّتِ، كَالْمِائَةِ مَثَلًا. وَأَمَّا النَّجَاشِيُّ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مَاتَ بِأَرْضٍ لَمْ يُقَمْ فِيهَا عَلَيْهِ فَرِيضَةُ الصَّلَاةِ. فَيَتَعَيَّنَ الْإِعْلَامُ بِمَوْتِهِ لِيُقَامَ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَخَالَفَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا يُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ وَيَحْتَاجُونَ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ الْحَدِيثِ. وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ أَعْذَارٌ:

    مِنْهَا: مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ لَمْ يَسْقُطْ بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ، حَيْثُ مَاتَ. فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ فَرْضِهَا.

    وَمِنْهَا: مَا قِيلَ: إنَّهُ رُفِعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَآهُ، فَتَكُونُ حِينَئِذٍ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَمَيِّتٍ يَرَاهُ الْإِمَامُ وَلَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُونَ. وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ يُثْبِتُهُ. وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ. وَأَمَّا 157 - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ جَابِرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي، أَوْ الثَّالِثِ» .

    158 - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ، بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا» .

    Qالْخُرُوجُ إلَى الْمُصَلَّى: فَلَعَلَّهُ لِغَيْرِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ» وَلَعَلَّ مَنْ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ يَتَمَسَّكُ بِهِ، إنْ كَانَ لَا يَخُصُّ الْكَرَاهَةَ بِكَوْنِ الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ. وَيَكْرَهُهَا مُطْلَقًا، سَوَاءً كَانَ الْمَيِّتُ فِي مَسْجِدٍ أَمْ لَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ: التَّكْبِيرُ أَرْبَعًا. وَقَدْ خَالَفَ ذَلِكَ الشِّيعَةُ.

    وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ خَمْسًا». وَقِيلَ: إنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعًا مُتَأَخِّرٌ عَنْ التَّكْبِيرِ خَمْسًا. وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلَاثًا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّهُ.

    حَدِيثُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ

    وَحَدِيثُ جَابِرٍ طَرَفٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَضَرَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ صَفَّهُمْ صُفُوفًا، طَلَبًا لِقَبُولِ الشَّفَاعَةِ، لِلْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِيمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ، وَلَعَلَّ هَذَا الَّذِي وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ لَا تَضِيقُ عَنْ صَفٍّ وَاحِدٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

    حَدِيثُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ

    فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ أَوْ الْوَالِي لَمْ يُصَلِّيَا، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْوَالِي، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ بَعْضِ ذَلِكَ: بِأَنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ صَلَّى مَعَهُ، 159 - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي أَثْوَابٍ بِيضٍ يَمَانِيَةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» .

    160 - الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ، فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ - بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا - أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ - فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ. فَأَعْطَانَا حَقْوَهُ. وَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا بِهِ - تَعْنِي إزَارَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ سَبْعًا، وَقَالَ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، وَإِنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: وَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ» .

    Qوَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرٌ لِذَلِكَ. وَفِيهِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعٌ: مَا فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

    حَدِيثُ كُفِّنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثْوَابٍ بِيضٍ يَمَانِيَةٍ

    فِيهِ جَوَازُ التَّكْفِينِ بِمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ السَّاتِرِ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ، وَأَنَّهُ لَا يُضَايَقُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُتَّبَعُ رَأْيُ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ مِنْ الْوَرَثَةِ. وَقَوْلُهَا لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

    أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ وَلَا عِمَامَةٍ أَصْلًا، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ، وَالْأَوَّلُ: هُوَ الْأَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

    حَدِيثُ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ

    وَهَذِهِ الِابْنَةُ: هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَذَكَرَ بَعْضُ .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .

    Qأَهْلِ السِّيَرِ أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ.

    وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ اغْسِلْنَهَا عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْمَيِّتِ.

    وَبِقَوْلِهِ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا عَلَى أَنَّ الْإِيتَارَ مَطْلُوبٌ فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ. وَالِاسْتِدْلَالُ بِصِيغَةِ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدِي يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ أُصُولِيَّةٍ وَهِيَ: جَوَازُ إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِلَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ، مِنْ حَيْثُ إنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ. فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَ صِيغَةِ الْأَمْرِ. فَتَكُونَ مَحْمُولَةً فِيهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَفِي أَصْلِ الْغُسْلِ: عَلَى الْوُجُوبِ. فَيُرَادُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ: الْوُجُوبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِيتَارِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ» تَفْوِيضٌ إلَى رَأْيِهِنَّ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَالْحَاجَةِ. لَا إلَى رَأْيِهِنَّ بِحَسَبِ التَّشَهِّي، فَإِنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا. فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْرَافِ فِي مَاءِ الطَّهَارَةِ. وَإِذَا زِيدَ عَلَى ذَلِكَ فَالْإِيتَارُ مُسْتَحَبٌّ، وَإِنْهَاؤُهُ الزِّيَادَةَ إلَى سَبْعَةٍ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ - لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ أُخِذَ مِنْهُ: أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِالسِّدْرِ تَجُوزُ بِهِ الطَّهَارَةُ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي أَنَّ السِّدْرَ مَمْزُوجٌ بِالْمَاءِ، وَلَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ مَزْجٍ لَهُ بِالسِّدْرِ؛ بَلْ يَكُونُ الْمَاءُ وَالسِّدْرُ مَجْمُوعَيْنِ فِي الْغَسْلَةِ الْوَاحِدَةِ. غَيْرَ أَنْ يُمْزَجَا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الطِّيبِ، وَخُصُوصًا الْكَافُورَ، وَقِيلَ: إنَّ فِي الْكَافُورِ خَاصِّيَّةَ الْحِفْظِ لِبَدَنِ الْمَيِّتِ.

    وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي كَوْنِهِ فِي الْأَخِيرَةِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي غَيْرِهَا أَذْهَبَهُ الْغُسْلُ بَعْدَهَا، فَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنْ الْحِفْظِ لِبَدَنِ الْمَيِّتِ. وَ الْحَقْوُ بِفَتْحِ الْحَاءِ هُنَا: الْإِزَارُ. تَسْمِيَةٌ لِلشَّيْءِ بِمَا يَلْزَمُهُ. وَقَوْلُهُ أَشْعِرْنَهَا أَيْ: اجْعَلْنَهُ شِعَارًا لَهَا، وَالشِّعَارُ: مَا يَلِي الْجَسَدَ، وَالدِّثَارُ: مَا فَوْقَهُ. وَقَوْلُهُ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّيَمُّنِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ مَسْنُونٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الِاغْتِسَالِ أَيْضًا. وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى الْبُدَاءَةِ بِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ. وَذَلِكَ تَشْرِيفٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ إذَا فُعِلَ فِي الْغُسْلِ: هَلْ يَكُونُ وُضُوءًا حَقِيقِيًّا، أَوْ جُزْءًا مِنْ الْغُسْلِ، خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ تَشْرِيفًا؟ وَ الْقُرُونُ هَهُنَا الضَّفَائِرُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَسْرِيحِ شَعْرِ الْمَيِّتِ 161 - الْحَدِيثُ السَّادِسُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ - أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ. وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ. فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا. وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ» .

    Qوَضَفْرِهِ، بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ فِي أَنَّ الضَّفْرَ بَعْدَ التَّسْرِيحِ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ لَا يُشْعِرُ بِهِ صَرِيحًا. وَهَذَا الضَّفْرُ ثَلَاثًا مَخْصُوصُ الِاسْتِحْبَابِ بِالْمَرْأَةِ. وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ: أَنْ يَجْعَلَ الثَّلَاثَ خَلْفَ ظَهْرِهَا. وَرَوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثًا أَثْبَتَ بِهِ الِاسْتِحْبَابَ لِذَلِكَ.

    وَهُوَ غَرِيبٌ وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ فِعْلِ مَنْ غَسَّلَ بِنْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

    حَدِيثُ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ

    قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَقْصُ كَسْرُ الْعُنُقِ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا مَاتَ يَبْقَى فِي حَقِّهِ حُكْمُ الْإِحْرَامِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

    وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ لِانْقِطَاعِ الْعِبَادَةِ بِزَوَالِ مَحَلِّ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ الْحَيَاةُ. لَكِنْ اتَّبَعَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثَ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ. وَغَايَةُ مَا اعْتَذَرَ بِهِ عَنْ الْحَدِيثِ مَا قِيلَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ هَذَا الْحُكْمَ فِي هَذَا الْمُحْرِمِ بِعِلَّةٍ لَا يَعْلَمُ وُجُودَهَا غَيْرُهُ. وَهُوَ أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا. وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمُحْرِمِ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحُكْمُ إنَّمَا يَعُمُّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ. وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ يَرَى أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ، فَيَعُمُّ كُلَّ مُحْرِمٍ.

    الْحَدِيثُ السَّابِعُ: عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» .

    163 - الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا إنْ تَكُ صَالِحَةً: فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا

    Q

    حَدِيثُ نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا

    فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الْجِنَازَةَ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهَا وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا فَإِنَّ الْعَزِيمَةَ دَالَّةٌ عَلَى التَّأْكِيدِ. وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ: أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَا أُبِيحَ فِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ دَلِيلِ الْمَنْعِ. وَأَنَّ الرُّخْصَةَ: مَا أُبِيحَ مَعَ قِيَامِ دَلِيلِ الْمَنْعِ. وَهَذَا الْقَوْلُ مُخَالِفٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ اللُّغَوِيُّ مِنْ إشْعَارِ الْعَزْمِ بِالتَّأْكِيدِ. فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا يَقُومُ دَلِيلُ الْحَظْرِ عَلَيْهِ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى التَّشْدِيدِ فِي اتِّبَاعِ النِّسَاءِ أَوْ بَعْضِهِنَّ لِلْجَنَائِزِ، أَكْثَرُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ. كَالْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعُلُوِّ مَنْصِبِهَا. وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي عُمُومِ النِّسَاءِ أَوْ يَكُونُ الْحَدِيثَانِ مَحْمُولَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَاتِ النِّسَاءِ. وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ اتِّبَاعَهُنَّ لِلْجَنَائِزِ، وَكَرِهَهُ لِلشَّابَّةِ فِي الْأَمْرِ الْمُسْتَنْكَرِ. وَخَالَفَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَرِهَهُ مُطْلَقًا، لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.

    إلَيْهِ. وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ: فَشَرٌّ: تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» .

    164 - الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ «صَلَّيْت وَرَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ فِي وَسَطِهَا» .

    165 - الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: عَنْ أَبِي مُوسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ» .

    Q

    حَدِيثُ أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ

    يُقَالُ: الْجِنَازَةُ وَالْجِنَازَةُ - بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ - بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَيُقَالُ: بِالْفَتْحِ هُوَ الْمَيِّتُ. وَبِالْكَسْرِ: النَّعْشُ، الْأَعْلَى لِلْأَعْلَى، وَالْأَسْفَلُ لِلْأَسْفَلِ. فَعَلَى هَذَا: يَلِيقُ الْفَتْحُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سَارِعُوا بِالْجِنَازَةِ» يَعْنِي بِالْمَيِّتِ. فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ بِأَنْ يُسْرَعَ بِهِ. وَالسُّنَّةُ الْإِسْرَاعُ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي الْإِسْرَاعُ إلَى شِدَّةٍ يَخَافُ مَعَهَا حُدُوثَ مَفْسَدَةٍ بِالْمَيِّتِ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. وَقَدْ ظَهَرَتْ الْعِلَّةُ فِي الْإِسْرَاعِ مِنْ الْحَدِيثِ. وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً إلَى آخِرِهِ.

    حَدِيثُ صَلَّيْت وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا

    الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ عِنْدَ وَسَطِ الْمَرْأَةِ. وَالْوَصْفُ الَّذِي وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ - وَهُوَ كَوْنُهَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا - وَصْفٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ أَمْرٍ وَاقِعٍ. وَأَمَّا وَصْفُ كَوْنِهَا امْرَأَةً: فَهَلْ هُوَ مُعْتَبَرٌ أَمْ لَا؟ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ أَلْغَاهُ. وَقَالَ: يُقَامُ عِنْدَ وَسَطِ الْجِنَازَةِ، يَعْنِي مُطْلَقًا. وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ. وَقَالَ: يُقَامُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ. ذَكَرَهُ بَعْضُ مُصَنِّفِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ سَبَبَ ذَلِكَ: أَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يَكُنْ يُسْتَرْنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِمَا يُسْتَرْنَ بِهِ الْيَوْمَ. فَقِيَامُ الْإِمَامِ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا: يَكُونُ السُّتْرَةَ لَهَا مِمَّنْ خَلْفَهُ..

    166 - الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَ: «لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ - وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ - فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: أُولَئِكَ إذَا مَاتَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ.»

    Q

    حَدِيثُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ

    قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّالِقَةُ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ. وَالْأَصْلُ السَّالِقَةُ بِالسِّينِ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْعَوِيلِ وَالنَّدْبِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ: قَوْله تَعَالَى {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19] وَالصَّادُ قَدْ تُبَدَّلُ مِنْ السِّينِ.

    وَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الشَّعْرِ. وَفِي مَعْنَاهُ: قَطْعُهُ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ. وَ الشَّاقَّةُ شَاقَّةُ الْجَيْبِ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ الرِّضَى بِالْقَضَاءِ، وَالتَّسَخُّطِ لَهُ. فَامْتَنَعَتْ لِذَلِكَ.

    حَدِيثُ لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ بَعْض نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا

    فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصْوِيرِ وَالصُّوَرِ.

    وَلَقَدْ أَبْعَدَ غَايَةَ الْبُعْدِ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَإِنَّ هَذَا التَّشْدِيدَ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، لِقُرْبِ عَهْدِ النَّاسِ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. وَهَذَا الزَّمَانُ حَيْثُ انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ وَتَمَهَّدَتْ قَوَاعِدُهُ - لَا يُسَاوِيهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى. فَلَا يُسَاوِيهِ فِي هَذَا التَّشْدِيدِ - هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ - وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا بَاطِلٌ قَطْعًا. لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ: الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ بِعَذَابِ الْمُصَوِّرِينَ. وَأَنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَهَذِهِ عِلَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1