Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

مسالك الأبصار في ممالك الأمصار
مسالك الأبصار في ممالك الأمصار
مسالك الأبصار في ممالك الأمصار
Ebook765 pages5 hours

مسالك الأبصار في ممالك الأمصار

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

مسالك الأبصار في ممالك الأمصار هو كتاب للمؤرخ شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري. يتابع التاريخ الإسلامي حتى عام 744 من محتوياته: الجزء الأول: المسالك والآثار والأقاليم. الجزء الثاني: تابع الأقاليم والبحار والقبلة والطرق. الجزء الثالث: ممالك الشرق الإسلامي والترك ومصر والشام والحجاز. الجزء الرابع: ممالك اليمن والحبشة والسودان وإفريقيا والمغرب والأندلس وقبائل العرب. الجزء الخامس: القراء والمحدثون. الجزء السادس: طبقات الفقهاء وأصحاب المذاهب الإسلامية. الجزء السابع: أصحاب النحو واللغة والبيان. الجزء الثامن: مشاهير الفقراء والصوفية. الجزء التاسع: مشاهير الحكماء والأطباء والفلاسفة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 18, 1902
ISBN9786327579412
مسالك الأبصار في ممالك الأمصار

Related to مسالك الأبصار في ممالك الأمصار

Related ebooks

Reviews for مسالك الأبصار في ممالك الأمصار

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - ابن فضل الله العمري

    الغلاف

    مسالك الأبصار في ممالك الأمصار

    الجزء 7

    ابن فضل الله العمري

    749

    مسالك الأبصار في ممالك الأمصار هو كتاب للمؤرخ شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري. يتابع التاريخ الإسلامي حتى عام 744 من محتوياته: الجزء الأول: المسالك والآثار والأقاليم الجزء الثاني: تابع الأقاليم والبحار والقبلة والطرق الجزء الثالث: ممالك الشرق الإسلامي والترك ومصر والشام والحجاز الجزء الرابع: ممالك اليمن والحبشة والسودان وإفريقيا والمغرب والأندلس وقبائل العرب الجزء الخامس: القراء والمحدثون الجزء السادس: طبقات الفقهاء وأصحاب المذاهب الإسلامية الجزء السابع: أصحاب النحو واللغة والبيان الجزء الثامن: مشاهير الفقراء والصوفية الجزء التاسع: مشاهير الحكماء والأطباء والفلاسفة

    أبو محمد ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

    نير في سماء ، وكوثر في عذب الماء ، من بيت زاحم الإيوان ، وأزاح عن رتبته كيوان ، وأسس على خيط المجرَّة بيت علاه ، ولبس من حلية الشفق والأصيل حُلاه ، ولم يزل منذ سن اللبون يصول صولة البزل القناعيس ، ولا يقنع إلا أن يكون في أول العيس ، فطالما حصَّل الفوائد الغزار ، وحلل الفراقد وقد سلبت من جفنه الغرار ، وبات الليالي في طلب العلم ، لم يطعم غمضا ، ولا شام لغير سنا الصباح إلى الصباح ومضا .قال ابن أبي أصيبعة : 'كان جيد الفطرة ، حسن الرأي ، جميل الصورة ، مفرط الذكاء ، محمود الطريقة ، معتنياً بالطب . اشتغل على أبيه وأطلعه على كثير من أسرار هذه الصناعة وعملها ، وكان الناصر أبو عبد الله يرى له ويحترمه ، ويعرف مقدار علمه ويثق به .وروي أنه لما خرج إلى حضرة مراكش احتاج في نفقة سفره إلى عشرة آلاف دينار ، فلما حضر لدى الناصر شكر سالف إحسانه وإحسان سلفه إليه وإلى سلفه ، ثم قال : وبيدي مما سلف ووصل إلى أبي من إنعامكم ما يغنيني مدة حياتي ، وإنما أتيت لأكون في الخدمة كما كان أبي ، وأجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه بين يدي أمير المؤمنين ، فأكرمه كثيراً وأطلق له مالاً جزيلاً ، وخوَّله في النعم الجمَّة ، وأجلسه في مجلس أبيه ، وكان قريباً منه .حكى القاضي أبو مروان الباجي عنه قال : كنت يوماً معه ، وإذا به قد قال : إنني رأيت البارحة - أي في النوم - أختي ، وكانت أخته قد ماتت . قال : فقلت لها : بالله عرِّفيني كم يكون عمري ؟ . فقالت : طابيتين ونصف ! ، والطابية هي الخشب يكون طولها عشرة أشبار تتخذ للبناء . قال : فقلت لها : أنا أقول لك الجد ، وأنتِ تجيبيني بالهزء ! . فقالت : لا والله ما قلت إلا جداً . وإنما أنت ما فهمت ! أليس في الطابية عشرة أشبار ، فانظر إلى الطابيتين ونصف خمسة وعشرين شبراً فيكون عمرك خمساً وعشرين سنة ! .قال القاضي أبو مروان : فقلت له : لا تتوهم من هذا فلعلَّه أضغاث أحلام ، قال : فلم تكمل تلك السنة إلا وقد مات ! فكان عمره كما قال لم يزد ولم ينقص .وخلَّف ولدين كل واحد منهما فاضل في نفسه ، كريم في أبناء جنسه ، وهما : عبد الملك ، وأبو العلاء . ولأبي العلاء نظر جيد في كتب جالينوس ، وصناعة الطب ، وكانا بإشبيلية .قلت : كانا عَلَمَي طرازها ، وآيتي إعجازها على سن شبيبه ، ووقت اشتغال بحبيب أو حبيبه .ومنهم :

    أبو جعفر ابن الغزال

    من أهل المرية ، تغرَّب عن الأوطان حتى تقرَّب إلى السلطان ، وباشر في الخدم من أجلها ، وحصَّل من النعم جلَّها ، فكان واسطة العقد ، ولاقطة المنهل العدّ ، وحلَّ محلَّ الثقة من خليفته ، وكان مكان المقة في وظيفته ، لفضائله التي ثبتت عند إمامه ، وأوجبت له أن يتسلم عقد زمانه ، فعلا رتبه ، وامتدت إليه الأيدي رَغِبَه .ذكره ابن أبي أصيبعة : 'قرأ على الحفيد ابن زهر وعلى غيره ، وأتقن الطب ، وخدم المنصور به ، وكان خبيراً بالمفردات ، وكان المنصور يعتمد عليه في الأدوية المفردة والمعاجين ، ويتناولها منه ، وكان المنصور قد أبطل الخمر وشدَّد فيه ، ثم إنه أمر ابن الغزال أن يجمع حوائج الدرياق ويركبه ، فجمعها ، ثم أعوزه الخمر لعجنه ، فأنهي ذلك إلى المنصور فقال : تطلبه من كل ناحية وانظر لعله أن يكون عند أحد منه ، ولو شيء يسير . فتطلَّبه فلم يجد شيئاً منه ، فأعلم المنصور ، فقال : والله ما كان بي تركيب الدرياق في هذا الوقت إلا لأعتبر هل بقي عند أحد من الخمر شيء أم لا ؟ ! ' .ومنهم :

    أبو العباس ابن الرومية

    وهو أحمد بن محمد بن مفرّج النباتي . من أهل إشبيلية ، جوال في كل تنوفة ، وجوَّابٌ لكل مخوفة ، نزل بكل أرض مخيِّما ، وطالما جنى النبات وجاء منها بالبينات ، وشخصها بأشخاصها وبيَّن ما بين عامِّها وخاصِّها ، فعلا محلاًّ ، وطاف كالسحاب فلم يدع مَحْلا .قال ابن أبي أصيبعة : 'من أهل إشبيلية ، ومن أعيان علمائها ، وأكابر فضلائها ، قد أتقن علم النبات ، ومعرفة أشخاص الأدوية وقواها ومنافعها ، واختلاف أوصافها ، وتباين مواطنها ، وله الذكر الشائع وحسن الوصف الجامع ، قد شرف نفسه بالفضائل ، وسمع الحديث وانتفع الناس به ، وأتى مصر والشام ، وعاين فيها نباتاً كثيراً لا ينبت بالمغرب ، وشاهد أشخاصها في منابتها ، ونظرها في مواضعها ، ولما قدم الإسكندرية كان الملك العادل ابن أيوب بالقاهرة ، فاستدعاه وأكرم ملتقاه ، وأراده على الإقامة عنده ، فقال : إنما أتيت لأحجَّ ثم أعود إلى بلدي وأهلي وولدي ، ثم قضى فريضة حجِّه وعاد' .ومنهم :

    ابن الأصم

    وهو ابن الأصمّ إلا أنه كان أسمع ، وانعقد عليه التفضيل وأجمع ، وكان يكرم أبا ، ويعد منه والداً لو كان من الشهور لكان رجبا ، إلى طبٍّ طالما صاد به المنون ، وصاد ما لم تجله الظنون ، وانتاش مهجة لم يبق منها إلا آخر الذماء ، وردَّ مرضاً لم يطل زاخر الدماء ، وكانت إشبيلية به في حلل المفاخر تختال ، وتكف بأس من يغتال ، وتتيه بنسبته إليها وسمته التي دلَّت دليل نسيم السحر عليها .قال ابن أبي أصيبعة : 'هو من الأطباء المشهورين بإشبيلية ، وله قوة نظر في الاستدلال على الأمراض ومداواتها ، وله حكايات مشهورة ، ونوادر في معرفته بالقوارير ، وإخباره عندما يراها بجملة حال المريض ، وما يشكوه وما قد تناوله من الأغذية . حدثني أبو عبد الله المعري قال : كنت يوماً عند ابن الأصم ، وإذا بجماعة قد أقبلوا إليه ومعهم رجلٌ وفي فمه حيةٌ قد دخل بعضها مع رأسها في حلقه ، وبقيتها ظاهر ، وهي مربوطة بخيط قنب إلى ذراع الرجل ، فقال لهم : ما شأن هذا ؟ فقالوا له : إن من عادته أن ينام وفمه مفتوح ، وكان قد أكل لبناً ونام ، فلما جاءه هذه الحية لعقت من فيه ودخلته وهو نائم ، فأحست بمن أتى فخافت وانساب بعضها في حلقه ، وأدركناها فربطناها بهذا الخيط لئلا تدخل في حلقه ، وقد أتينا به إليك . فلما نظر إلى ذلك الرجل وجده وهو في الموت من الخوف ، فقال : لا بأس عليك ، كدتم تهلكون الرجل . ثم قطع الخيط فانسابت الحية ، وبلغت إلى جوفه واستقرت . فقال له : الآن تبرأ . وأمره أن لا يتحرك ، وأخذ أدوية وعقاقير فأغلاها في الماء غلياً جيداً وجعل ذلك الماء في إبريق وسقاه الرجل ، وهو حارٌّ فشربه وصار يجس معدته حتى قال : ماتت الحية ، ثم سقاه ماءً آخر مغلياً فيه حوائج ، وقال : هذه تهريء الحية مع هضم المعدة ، وصبر مقدار ساعتين وسقاه ماء قد أغلي فيه أدوية مقيئة ، فجاشت نفس الرجل وذَرَعه القيء ، فعصب عينيه وبقي يتقيّأ في طست فوجدنا تلك الحية هي قطع ، وهو يأمره بكثرةالقيء حتى تنظفت معدته ، وخرجت بقايا الحية ، وقال له : طب نفساً فقد تعافيت ، وذهب الرجل مطمئناً صحيحاً بعد أن كان في حالة الموت .أما أطباء مصر :فمنهم :

    بليطيان

    وهو رجل مشهور في النصارى ، معروف بينهم معدود في بطاركتهم ، طبيبٌ تدارك النفوس وسيوف المنايا تنوشها ، ومواقيت الآمال قد قامت لها نعوشها . رأس في ملته ، وكان رئيس محلَّته ، لخِلالٍ حُمدت ، وأفضال شُعَلُه ما خمدت ، وكان من أئمة العيسوية ، وذوي القسمة بالسوية ، إلى صحة حدس وذكاء نفس وكرم عشيرة ، وشيم بالتقللل مشيرة .قال ابن أبي أصيبعة : 'كان نصرانياً من الملكية ، عالماً بشريعة النصارى ، وجعل بطرك الإسكندرية . حكي أنه كان للرشيد جارية مصرية كان يحبها ، فاعتلت علةً عظيمة ، فعالجها الأطباء فلم تنتفع بشيء ، فقيل له : لو بعثت إلى عاملك بمصر ليبعث إليك بطبيب منها ، فإنه أبصر بهذه الجارية من أطباء العراق . فكتب إليه فبعث إليه ببلطيان ، وكان طبيباً عارفاً حاذقاً ، فأخذ معه من كعك مصر ، والصير المعمول بها ، فلما أتى بغداد ودخل على الجارية أطعمها من الكعك والصير فرجعت إلى طبعها ، وزالت عنها العلة ، ووهب له الرشيد مالاً جزيلاً وكتب له منشوراً بإعادة كل كنيسة تغلَّب اليعاقبة فيها على الملكية ، ثم أمر بأن يكون يحمل مثل هذ الكعك والصير إلى خزانة السلطان في كل وقت ، فكان ذلك لا يزال يحمل موظفاً فيما يحمل إليها إلى آخر أيام المتوكل .ومنهم :

    سعيد بن توفيل

    جمرة تشتعل توقدا ، وجملة لا يضم إليها إلا فرقدا ، سعى للعلم سعيا ، وأوعاه وعيه ، حظي بالخدم ، وحلَّ حيث لا تنصب الخيم ، إلا أن الأيام قلبت له ظهر المجن ، وحققت له خلاف ما ظن ، فأفلتت رداءه وأشمتت به أعداءه ، ولم يجنِ ذنباً سوى نصحه الذي حمل على الغش ، وقتل عقاباً به جانيه عليه ولم يعش .قال ابن أبي أصيبعة : 'كان طبيباً نصرانياً يخدم ابن طولون ولا يفارقه ، فلما أدركت ابن طولون الهيضة التي مات بها طلبه فلم يجده إلا بعد يومين ، فعنَّفه ثم قال له : ما الصواب ؟ قال : أن لا تقرب غذاءً . قال : أنا والله جائع وما أصبر . فقال له : هذا جوعٌ كذاب لبرد المعدة . فلما نصف الليل استدعى بشيء يأكله ، فجيء بفراريج كردناج حارة ، وجدي بارد ، فأكل منها فانقطع الإسهال عنه ، فخرج نسيم الخادم وسعيد في الدار ، فقال له : أكل الأمير ! . فخفَّ عنه القيام ، فقال سعيد : الله المستعان ، ضعفت قوته الدافعة بقهر الغذاء لها ، وستتحرك حركة منكرة ، فما وافى السحر حتى قام قياماً كثيراً ، وخرج من أنطاكية وعلَّته تتزايد ثم أتى مصر على عجلة تُجرُّ بالرجال ، فلما أتى الفرما شكا انزعاجاً فركب الماء إلى الفسطاط ، وضربت له بالميدان قبة نزل فيها ، ثم ظهرت منه لسعيد بن نوفل نبوة وشكاه إلى كاتبه إسحق بن إبراهيم ، فأخذ يلوم ابن نوفل فقال : والله ما خدمتي له إلا خدمة الفار للسنور والسخلة للذئب . قال نسيم الخادم : وكان ابن توفيل آيساً من حياته ، لأن ابن طولون امتنع من مشاورته ، ويعتقد فيه أنه فرَّط في أول أمره ، وجيء بفاكهة من الشام ، فقال له : ما تقول في السفرجل ؟ . فقال : تمصّ منه على خلو المعدة . فلما خرج سعيد من عنده أكل سفرجلاً عقيب عصيدة كان قد أكلها على غير رأي سعيد ، فعصرها فتدافع الإسهال ، فدعا به ثم قال : يا ابن الفاعلة ! قلت إن السفرجل نافعٌ لي ، وقد عاد الإسهال . فقام فنظر المادة ورجع إليه ، فقال : هذه العصيدة التي حمدتها وقلت إني غلطت في منعها عصرها السفرجل ، وأنا ما أطلقت لك السفرجل وإنما أشرت بمصه ، فقال : يا ابن الفاعلة ! تريد تحجني وأنت صحيح سوي ، وأنا عليل مدنف ؟ . ثم ضربه مائتي سوط ، وطاف به على جمل ، ونودي عليه : هذا جزاء من اؤتمن فخان ، وأمر ببيته فنهب ، ثم لم يعش سعيدٌ بعد ذلك إلا يومين ومات .ومنهم :

    سعيد بن البطريق

    طبيبٌ طالما خلَّص الأجسام من دائها ، واستلَّ النفوس من أعدائها ، مع علم بشريعته ، وعملٍ حسنٍ في شيعته ، إلا أنه لم تصف له موارد الأيام ، ولم ينصف على عوائد الأنام ، وبلي باختلاف قومه ، وما برحوا في شقاق ولا صحوا من سكرة إشفاق ، ولم يزل عودهم معه في التواء ، وعودُهم إليه بغير استواء ، هذا ولم يكن غِرَّاً ولا رأى وجوه التجارب إلا غُرّاً ، مع سعة اطِّلاع كأنما أشرف عليه من عالي التلاع ، واضطلاع قلَّ أن حنيت عليه حنايا أضلاع ، ويدٍ ما قصَّرت في ضبط ولا غرب عنها ما في قِطٍّ قط ، ولكنها الأيام وعاداتها ، ومواهبها واستعداداتها .قال ابن أبي أصيبعة : 'كان من أهل مصر ، وكان طبيباً نصرانياً مشهوراً عارفاً بعلم صناعة الطب وعملها ، وكانت له دراية بعلوم النصارى ومذاهبها ، ثم صيّر في أول يوم خلافة القاهر بطرك الإسكندرية ، وكان في زمانه شقاقٌ عظيم ، وشرٌّ متصل بينه وبين شيعته ، وله تصانيف كثيرة وتواريخ محرَّرة ، ولحقه إسهال مات به بالإسكندرية .ومنهم :

    التميمي

    وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي . جادة إحسان ، ومادة بقاء الإنسان ، عرف الأدوية لطول ما ألفها ، وركَّب مفرداتها وألَّفها ، وجناها من رؤوس الشجر ومما يعرشون ، ويبسطون من الأرض ويفرشون ، إلى إتقان لقواعد الطب وأصوله ، وعوائد المستطب في العام وفصوله ، حتى إنه إليه المرجع وعليه الاعتماد في كل دواء ينجع .ذكره ابن أبي أصيبعة وقال : ' كان مقامه أولاً بالقدس ونواحيه ، وله معرفة جيدة بالنبات وماهياته ، وكان متميزاً في صناعة الطب ، والاطلاع على دقائقها ، وله خبرة بتركيب المعاجين والأدوية المفردة ، واستقصى معرفة الدرياق الكبير الفاروق وتركيبه ، وركَّب منها شيئاً كثيراً على أتم ما يكون من حسن الصنعة ، وانتقل إلى مصر ، وأقام بها حتى مات' .قال ابن القفطي : 'إن التميمي هو الذي أكمل الدرياق الفاروقي ، بما زاده فيه من المفردات ، وكان خصيصاً بالحسن بن عبد الله بن طغج صاحب الرملة ، وعمل له معاجين ولخالخ طبية ، وأنواع دخن دافعة للوباء وركب سفوف الرجفان الحادث عن المرة السوداء المحترقة ، وكان يذكر أنه نقله عن راهب كان بالقدس فاضلاً في الحكمة والطب ، وأدرك الدولة العلوية بمصر ، وصحب يعقوب بن كلس ، وزير المعز والعزيز ، ولقي الأطباء بمصر وناظرهم . وحكي عن أبيه أنه سكر مرةً سكراً مفرطاً غلب على عقله ، فسقط في بعض الخانات من موضع عالٍ إلى أسفل الخان وهو لا يعقل ، فحمله صاحب الخان وخدمه حتى أدخله الحجرة التي كان ساكنها ، فلما أصبح قام وهو يجد وجعاً ووهناً في مواضع من جسده ، ولا يعرف لذلك سبباً ، فركب وتصرف في بعض أموره ، إلى أن تعالى النهار ، ثم رجع فقال لصاحب الخان : إني وجدت في جسدي وجعاً وتوهُّناً شديداً لست أدري ما سببه . فقال صاحب الخان : ينبغي أن تحمد الله على سلامتك . قال : فماذا ؟ . قال : أو ما علمت ما نالك البارحة ؟ . قال : لا . قال : فإنك سقطت من أعلى الخان إلى أسفل ، وأنت سكران . قال : ومن أي موضع ؟ . فأراه الموضع . فلما رآه حدث به للوقت من الوجع والضربان ما لم يجد معه سبيلاً إلى الصبر ، وأقبل يصيح ويتأوَّه ، إلى أن جاؤوه بطبيب ففصده ، وشد على مفاصله المتوهِّنة جباراً ، وأقام أياماً كثيرة إلى أن برأ وذهب عنه الوجع .أقول : ومما يناسب هذه الحكاية أن بعض الناس كان في بعض أسفاره في مفازة ، ومعه رفقة له ، فنام في منزلة نزلها في الطريق ورفقته جلوس ، فخرجت حية من بعض النواحي ، فصادفت رجلاً ، فنهشته فيها ، وذهبت ، وانتبه مرعوباً من الألم وبقي يمسك رجله ويتأوه منها ، فقال له بعضهم ما عليك مددت رجلك بسرعة وقد صادفت رجلك شوكة في هذا الموضع الذي يوجعك . وأظهر له أنه أخرج الشوكة وقال : ما بقي عليك باس ، وسكن عنه الألم بعد ذلك ورحلوا ، فلما كان بعد عودهم بمدة وقد نزلوا في تلك المنزلة قال له صاحبه : أتدري ذلك الوجع الذي عرض لك في هذا الموضع من أي شيء كان ؟ . فقال : لا . فقال : إن حيةً ضربتك في رجلك ورأيناها ، وما أعلمناك ، فعرض له في الوقت ضربان قويٌ في رجله وسرى في بدنه ، إلى أن قرب من قلبه وعرض له غشي ، ثم تزايد به إلى أن مات ، وكان السبب في ذلك أن الأوهام ، والأحداث تؤثر في البدن تأثيراً قوياً ، فلما تحقَّق أن الآفة التي عرضت له كانت من نهشة الحية تأثر ذلك وسرى ما كان في ذلك الموضع من بقايا السم في بدنه ، ولما وصل إلى قلبه أهلكه .قلت : ومن نسبة ما حكى عن أبيه ما شاهدته بعيني سنة ست وسبع مائة ، وذلك أنه كان عندنا صغيرٌ في سطح الدار يلعب ، وبيده تفاحة ، فجعل يلقيها من يده ثم يجري وراءها ، ويأخذها ، وألقاها مرةً فتدحرجت وجرى هو خلفها ، فوقعت من طاقة في السطح معدة لرمي الثلج ترمى إلى الطريق علوها عن الأرض يقارب عشرين ذراعاً ، واستمر هو جارياً خلفها ليأخذها ، فوقع من ذلك العلو إلى الأرض قائماً على قدميه ، واستمر جارياً خلف التفاحة حتى أخذها ولم يضره شيء البتة ، وكان سداسي السن وكنت قريباً من سنه وأنا أشاهده ، وأنا على باب الدار ، فسبحان الله اللطيف بخلقه .ومنهم :

    ابن الهيثم

    وهو أبوعلي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري ثم المصري . رجلٌ أخذ الفرائد فنظمها ، والفوائد فأجلَّها قدراً في الصدور وعظَّمها ، بطرف طموح وطرف تحت عقد بيانه جموح ، فأثبت الغرر ، وأنبت الدرر ، وصاغ النجوم وأشباهها ، وتبجَّس فحكى الغيوم وأمواهها ، لفضائل حصَّلها من الصِّغر ، وورد منها أصفى المناهل ولم يعرف الصَّدَر ، فبقيت كتبه قدوة للمتأمِّل ، وجلوة مثل الصباح المتهلِّل .قال ابن أبي أصيبعة : 'أصله من البصرة ، ثم انتقل إلى مصر فأقام بها إلى آخر عمره ، وكان فاضل النفس ، قوي الذكاء ، مفنناً في العلوم ، وكان كثير التصنيف ، ظاهر الزهد ، ولخَّص كثيراً من كتب أرسطو وجالينوس ، وشرح العويص ، وكان حسن الخط ، جيِّد العربية' .حكي أنه كان قد وُزِّرَ بالبصرة ونواحيها ، فمنعته عن النظر ، فآثر التجرُّد ليتوفَّر على العلم ، فأظهر خبالاً في عقله وتغيُّراً في تصوُّرِه ، حتى تمكن من مراده ، ثم أتى مصر ، وأقام بالجامع الأزهر ، ثم كان يكتب 'أقليدس ، والمجسطي' ويتقوَّت بالثمن .وقيل : إنه بلغ الحاكم أنه كان يقول : لو كنت بمصر لعملت في النيل عملاً يحصل به النفع في كل حال من حالاته من زيادة ونقص . فاستدعاه ومشى إليه ، فلم يجد أنه يتم له ما أراده ، فعاد خجلاً واعتذر إلى الحاكم بما قبل منه ظاهره ، ثم إنه ولاه بعض الدواوين ، فوليها رهبة لا رغبة ، ثم تحقَّق غلطه إذ قيل لكثرة استحالة الحاكم وإقدامه على سفك الدماء ، فلم يجد طريقاً إلا معاودة الجنون ، فاحتيط على موجوده وقيِّد ، ووكِّل به من يخدمه ويقوم بمصالحه ، فلما مات الحاكم أظهر العقل وعاد إلى ما كان عليه ، وأعيد عليه ماله ، فاستوطن قبةً على باب جامع الأزهر ملازماً وظائف الاشتغال والإفادة والتصنيف حتى مات .ومنهم :

    علي بن رضوان

    رجلٌ كان جمال إيوان ، وكمال ديوان ، ورئيس قوم ، ورأس ذكرٍ باقٍ إلى اليوم ، طالما أخليت له المجالس ، وخليت الصدور له ولمن يجالس ، فطال في الدولة الفاطمية ذيلاً ، ومال به الدهر ميلا ، وحصَّل من أولئك الكرام المرام ، وبلغ لديهم غاية الاحترام ، وفضائله تقول : هل من مزيد ، وتتدفق فوق بردى ويزيد ، حتى آن أن يخلق رداء مفاخره ، وينتهي كل شيء إلى آخره .قال ابن أبي أصيبعة : 'مولده ومنشؤه بمصر ، وبها تعلم الطب ، وحكي عنه أنه قال : أخذت في تعلم الطب ولم يكن لي مالٌ أنفق منه ، فلذلك عرض لي في التعليم صعوبة ومشقَّة . قال : إنه ولد بالجيزة ، وكان أبوه فرَّاناً ، ولم يزل ملازماً للاشتغال والنظر في العلم إلى أن تميز وصار له الذكر الحسن ، والسمعة العظيمة ، على سفهه وإزرائه بالعلماء ، وخدم الحاكم وجعله رئيساً على الأطباء ، ثم أخذت يتيمة كان ربَّاها مالاً جليلاً كان له نحو عشرين ألف دينار ، وهربت به فاختل عقله' .ومنهم :

    افرائيم بن الزفَّان الإسرائيلي

    طبيبٌ صفت له المشارب ، وصحت معه التجارب ، واتصل بالدولة الفاطمية اتصال اليد بالعنان ، وطال بها طول الرمح بالسنان ، وكان منها مكان الشجاعة من الجنان ، وقرَّ لديها استقرار الخاتم في البنان ، ثم جاءته منيته وقرعت بصفا اللحود ثنيته .قال ابن أبي أصيبعة : 'وهو من الأطباء المشهورين بديار مصر ، وخدم الخلفاء الذين كان في زمانهم ، وحصل من جهتهم من الأموال والنعم شيئاً كثيراً ، وكان قد قرأ صناعة الطب على أبي الحسن علي بن رضوان وهو من أجلِّ تلامذته ، وكانت له همَّةٌ عالية في تحصيل الكتب ، وفي استنساخها ، حتى كانت عنده النسَّاخ يكتبون ، ولهم ما يقوم بكفايتهم منه ، ومن جملتهم : محمد بن سعيد بن هشام الحجري ، وهو المعروف بابن ملساقة ، ووجدت بخط هذا عدة كتب وعليها خط أفرائيم .وحدثني أبي أن رجلاً من العراق وكان قد أتى إلى مصر ليشتري كتباً ويتوجَّه بها ، وأنه اجتمع بأفرائيم ، واتفق الحال فيما بينهما أن اباعه أفرائيم من الكتب التي عنده عشرة آلاف مجلدة ، وكان ذلك في أيام الأفضل ابن أمير الجيوش . فلما سمع بذلك أراد أن تلك الكتب تبقى بالديار المصرية ، ولا تنتقل إلى موضع آخر ، فبعث إلى أفرائيم والعراقي عليها ، ونقلت الكتب إلى خزانة الأفضل ، وكتب عليها ألقابه ، ثم خلف من الكتب ما يزيد على عشرين ألف أخرى ، ومن الأموال والنعم شيئاً كثيراً جداً' .ومنهم :

    سلامة بن رحمون أبو الخير

    قِرنٌ لا يمل المصاع، ولا يكايل بالمد والصاع، فكان لو عوَّقه في طريقه جبلٌ لاقتلعه، أو أشرقه بريقه أسدٌ لابتلعه، إلا كُدية عرضت له فلم يستطع صعود ذروتها، ولا بدر على ارتقاء صفاها ولا مروتها، فباء بخجلته وبقي تحت مذلة مضلَّته .قال ابن أبي أصيبعة: 'كان يهودياً له أعمال حسنة، واطِّلاعٌ على كتب جالينوس، والبحث عن غوامضها، ولما وصل أبو الصلت إلى مصر اجتمع به وجرت بينهما مباحث ومشاغبات، وقد ذكر أبو الصلت في رسالته المصرية قال: وأشبه من رأيته منهم وأدخله في عداد الأطباء رجلٌ من اليهود يدعى أبا الخير سلامة بن رحمون، فإنه لقي أبا الوفاء المبشر بن فاتك، وأخذ عنه شيئاً من صناعة المنطق، تخصص بها، وتميز على أضرابه، وأدرك أبا كثير بن الزفان تلميذ أبي الحسن بن رضوان، فقرأ عليه بعض كتب جالينوس، ثم نصّب نفسه لتدريس جميع المنطق، وجميع كتب الفلسفة الطبيعية والإلهية، وشرح بزعمه، وفسر، ولخَّص، ولم يكن هنك في تلخيصه وتحقيقه واستقصائه عن لطيف العلم ودقيقه، بل كان يكثر كلامه فيضل، ويسرع جوابه فيزل، ولقد سألته أول لقائي له واجتماعي به عن مسائل استفتحت مباحثته بها مما يمكن أن يفهمها من لم يكن يمتد في العلم باعه، ولم يكثر تبحره واتساعه، فأجاب عنها بما أبان عن تقصيره ونطق بعجزه، وأعرب عن سوء تصوره وفهمه، وكان مثله في عظم دعاويه وقصوره عن أيسر ما هو متعاطيه، كقول الشاعر :

    يشمر للج عن ساقه ........ ويغمره الموج في الساحل

    أو كما قال الآخر:

    تمنيتم مائتي فارس ........ فردَّكم فارس واحد

    قال أبو الصلت: وكان بمصر طبيبٌ من أهل أنطاكية يسمى جرجس، ويلقب بالفيلسوف على ما قيل في الغراب أبي البيضاء، وفي اللديغ سليم، قد تفرغ بالتولُّع بابن رحمون والإزراء عليه، وكان يزوِّر فصولاً طبية وفلسفية، يقررها في معارض ألفاظ القوم وهي محال لا معنى لها، وفارغة لا فائدة فيها، ثم إنه ينفذها إلى من يسأله عن معانيها، ويستوضحه أغراضها، فيتكلم عليها، ويشرحها بزعمه، دون تيقظ ولا تحفظ بل باسترسال واستعجال، وقلة اكتراث واهتبال، فيوجد فيها عنه ما يضحك منه. وأنشدت لجرجس هذا عنه وهو أحسن ما سمعته:

    إن أبا الخير على جهله ........ يخفف في كفته الفاضل

    عليله المسكين من شؤمه ........ في بحر هلك ما له ساحل

    ثلاثة تدخل في دفعة ........ طلعته والنعش والغاسل

    ومنهم:

    بلمظفر ابن معرف

    وهو نصر بن محمود بن المعرّف. عالمٌ بأسرار الطبيعة، وعارف بأخبار الشريعة، وفاضلٌ كاد يحوز الفضل جميعه، وكان محباً لكثرة الثراء، ومبلّلاً بثرى تربته الخضراء، لا يعدل شيء عنده نعمة الغنى، ولا يصرف إلى غيرها همة المنى، وعانى الصنعة فلم يبتل له منها عودٌ بماء، ولا حصل له صاد الصديق ولا كاف الكيمياء، مهما أنفق من مال، وأخفق من مآل .ذكره ابن أبي أصيبعة وأثنى على فضله، وقال: 'كان مغرماً بصناعة الكيمياء والاجتماع بأهلها، وكتب بخطه كثيراً من الكتب التي صنفت فيها، وفي الطب والحكمة، وكانت له همة عالية في تحصيل الكتب وقراءتها، قال: ومن أعجب شيء منه أنه كان قد ملك ألوفاً كثيرة من الكتب في كل فن، ولا يوجد شيء منها إلا وقد كتب على ظهره مُلَحاً ونوادر مما يتعلق بالعلم الذي صنف ذلك الكتاب فيه، وقد رأيت كتباً كثيرة من كتب الطب وغيرها كانت له وعليها اسمه، وما منها شيء إلا وعليه تعاليق حسنة وفوائد متفرقة .وأنشد من شعره قوله :

    وقالوا الطبيعة مبدا الكيان ........ فيا ليت شعري ما ذا الطبيعه ؟

    أقادرة طبعت نفسها ........ على ذاك أم ليس بالمستطيعه ؟

    وقوله:

    وقالوا الطبيعة معلومنا ........ ونحن نبيّن ما حدّها

    ولم يعرفوا الآن ما قبلها ........ فكيف يرومون ما بعدها ؟ !

    ومنهم: أولاد أبي الحفائروكلهم أفاضل أطباء، وأماثل ألبَّاء، خدموا الملوك، وأحسنوا السلوك، ولاطفوا الأمزجة، وشارفوا في العلم أعلى درجه، لو استسقى بهم الحظ العليل لبرأ، أو سكن بهم عاصف الريح العقيم لما درأ .منهم:

    أبو عمرو عثمان بن هبة الله

    ابن أحمد بن عقيل القيسي جمال الدين

    هو الذي شيَّد بناء البيت، ومهَّد لمشاهيره الحي منهم والميت. قال ابن أبي أصيبعة فيه: 'أفضل الأطباء، وسيد العلماء، وله اشتغال بالأدب، وشعره صحيح المباني، بديع المعاني، خدم العزيز ابن صلاح الدين، ودام حتى خدم الكامل .ومنهم:

    ابنه الفتح فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحفائر

    وكان مثل أبيه ، وإن لم يكن مثله فيدانيه .وقال ابن أبي أصيبعة فيه : 'كان نزيه النفس ، صائب الحدس ، حسن المداواة ، لطيف المداراة ، فصيح اللسان كثير الإحسان ، خدم الكامل والصالح ، وفي أيامه توفي بالقاهرة ' .ومنهم :

    ابنه المهذب شهاب الدين ابن فتح الدين

    زاد على أبيه فضله، وزان علا سلفه نبله .وقال ابن أبي أصيبعة فيه: 'جمع بين الفضائل، وتميز على الأواخر والأوائل، علامةوقته في حفظ الصحة ومراعاتها، وإزالةالأمراض وعلاجاتها، اقتفى سيرة آبائه، وفاق نظراءه في همته وإبائه' :

    ورث المكارم عن أبيه وجده ........ كالرمح أنبوباً على أنبوب

    فأما من سواهم: فمنهم:

    الخونجي

    محمد بن ناماور أفضل الدين أبو عبد الله

    قاضي القضاة، تمام الأفاضل، وإمام كل فاضل، ولهذا لقب بأفعل التفضيل، ولقي الود من كل فضيل، إلى علوم شرعية، وعلو قدر لرتبة مرعية، هذ إلى وفور إحسان، وظهور أيادٍ حسان، مع سلامة صدر، وسذاجة مفرطة بلا قدر، فلم يكن مثل بزّه الرفيع الساذج، ومهزّه الرطب عند قضاء الحوائج .قال ابن أبي أصيبعة فيه: 'اجتمعت به ووجدته الغاية القصوى في سائر العلوم، وكان يعرض له انشداه خاطر لكثرة انصباب ذهنه إلى العلم، وتوفّر فكره عليه، وولي قضاء القضاة بمصر وأعمالها' .ومنهم: بنو فانه: -أهل بيت تنسقوا في الفضائل، وتناسبوا في كرم الشمائل، وتناسلوا لا تكذب فيهم المخايل كأنما توالدوا من ظهور إقلينوس، أو تعاقدوا على حل مشكلات جالينوس، لو جلسوا في رواق أرسطو لسطا بهم في النظر وسما بهم إلا أنه يرضى جنب القمر .وأولهم:

    أبو سليمان داود بن أبي المنى ابن فانة

    وكان في أهل ملته يأوي إلى جناب منيع ، ويهمي بسحاب لا يجحد له حسن الصنيع ، وهذا إلى فهم ثاقب ، وعزم لا يوني في طلب المناقب .قال ابن أبي أصيبعة : 'كان طبيباً نصرانياً من أهل القدس ، حظياً عند الخلفاء ، فاضلاً من فضلاء الأطباء ، وأخذه الملك ماري من مصر إلى القدس ليقيم عنده به ، ولما وقع الفقيه عيسى عنده في الأسر مرض مرضاً أشفى منه ، فأمر ماري ابن فانة بمعالجته ، فلما رآه مثقلاً بالحديد في قعر الجب قال لماري : هذا رجلٌ ذو نعمة ، ولو سقيته ماء الحياة على مثل هذه الحال لم ينتفع به ، فأطلقه من الحديد والجب وأكرمه فإنَّ ذلك كافٍ في علاجه .فقال له : هذا عليه قطيعة كثيرة وأخاف أن يهرب . فقال ابن فانة : أيها الملك ! سلِّمه إليَّ وضمانه عليّ .فقال له : تسلَّمْه ، فإذا جاءت قطيعته لك فيها ألف دينار . ثم أخذه إليه وفكَّ حديده وأخلى له موضعاً من داره ، وبالغ في إكرامه ؛ فلما مضت ستة أشهر ، أمره ماري بإحضاره ، فأحضره ، فوجد قطيعته قد جاءت في أكياس ، فأعطى ابن فانة منها كيساً فيه ألف دينار ، كما وعده وأطلق سراح الفقيه عيسى ؛ فقال ابن فانة : أيها الملك هذه الألف دينار قد صارت لي ، وأتصرّف فيها تصرُّف الملاّك في أملاكهم ، قال له : نعم . فأعطاها للفقيه لوقته ، وقال له : أنا أعرف أن هذه القطيعة ما جاءت وقد تركت خلفك شيئاً وربما استدانوا لك فيها ، فاقبل مني هذه في نفقة الطريق ، فقبلها منه ، وكان ابن فانة عارفاً بالنجامة ، ورأى أن صلاح الدين سيدخل القدس من باب الرحمة ، فبعث ولده أبا الخير إليه مبشراً بذلك ، فأجازه جائزة سنية ، وأعطاه علماً أصفر ، ونشابة لأمانه ، فلما دخل صلاح الدين إلى القدس دخل الفقيه عيسى داره وحماها أن تنال بسوء هي وجميع ما جاورها .ومنهم :

    ابنه: الموفق أبو

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1