Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير البسيط
التفسير البسيط
التفسير البسيط
Ebook671 pages5 hours

التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786399173600
التفسير البسيط

Read more from الواحدي

Related to التفسير البسيط

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير البسيط - الواحدي

    الغلاف

    التفسير البسيط

    الجزء 21

    الواحدي

    468

    يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة

    59، 60

    - قوله تعالى: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} قال المفسرون: لما رجعوا من عيدهم ونظروا إلى آلهتهم وهم جذاذ قالوا هذا القول مستفهمين عمن صنع ذلك ومنكرين عليه بقولهم: {إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي فعل ما لم يكن له أن يفعل (4).

    ويجوز أن يكون (مَن) ابتداء وخبره قوله: {إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}، والمعني: قالوا فاعل (5) هذا ظالم، فلا يكون في الكلام استفهام (6).

    والأول الوجه (7)؛ لأن قول من قال: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} جواب الاستفهام. (1) في (د)، (ع): (وبنتبهوا).

    (2) في الوسيط 3/ 242: إلى.

    (3) وقيل الضمير للصنم الكبير، أي: يرجعون إليه فيسألونه فلا يجيبهم، فيظهر لهم أنه لا يقدر على شيء. انظر: التسهيل لابن جزي 3/ 59. واستظهر ابن عطية في المحرر 10/ 162 أن الضمير لإبراهيم لدخول لعل في الكلام مما يضعف رجوع الضمير للصنم.

    (4) الطبري 17/ 39، الكشف والبيان للثعلبي 3/ 31 أ. وانظر: الدر المنثور 5/ 636 - 637.

    (5) (فاعل): ساقط من (ع).

    (6) وتكون (من) موصولة بمعنى الذي.

    (7) واستظهره السمين الحلبي في الدر المصون 8/ 174 فتكون (من) استفهامية = ولما قالوا هذا قال قائل منهم: أنا سمعت إبراهيم يقول {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}. وهذا على قول من قال: سمع قول إبراهيم واحد منهم فأفشاه. وعلى القول الآخر: وقال الذين سمعوا، وهم الضَّعْفَى: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ}. والظاهر هذا القول؛ لإضافة القول إلى جماعة. ومعنى {يَذْكُرُهُمْ} أي: بالعيب (1). وقد مر.

    {يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} قال أبو إسحاق: يرتفع {إِبْرَاهِيمُ} على وجهين:

    أحدهما: على معنى: يقال له هو إبراهيم (2)، وعلى النداء على معنى: يقال له: يا إبراهيم (3). = وجملة (إنه لمن الظالمين) استئنافية لا محل لها من الإعراب. وانظر: الإملاء للعكبري 2/ 134.

    (1) في (أ): (بالغيب)، وهو خطأ.

    (2) و (إبراهيم) على هذا الوجه خبر مبتدأ مضمر. انظر: الإملاء 2/ 134، الدر المصون 8/ 176.

    (3) معاني القرآن للزجاج 3/ 396. وفي رفع (إبراهيم) وجه ثالث ذكره الزمخشري وابن عطية.

    قال الزمخشري 2/ 576 - 577 بعد ذكر الوجهين اللذين ذكرهما الواحدي هنا: والصحيح أنه فاعل (يقال)؛ لأن المراد الاسم لا المسمى. وبين ابن عطية في المحرر 10/ 164 ذلك بقوله -بعد أن ذكر الوجهين: والوَجْه عندي أنه مفعول ما لم يسم فاعله، على أن تجعل (إبراهيم) غير دال على الشخص، بل تجعل النطق دالاً علي بناء هذه اللفظة، وهذا كما تقول: (زيد وزن فَعْل) أو (زيدٌ ثلاثة أحرف) فلم تدل بوجه على الشخص بل دللت بنطقها على نفس اللفظة. فعلى قول الزمخشري وابن عطية يكون التقدير: يقال له هذا القول وهذا اللفظ، أو يطلق عليه هذا اللفظ، و (إبراهيم) نائب فاعل لـ (يقال).

    وقد ذكر أبو حيان في البحر 6/ 324 قول ابن عطية والزمخشري، وتعقبه بأن هذا مختلف في إجازته بين النحويين، فمنهم من يجيز نصب القول للمفرد مما لا = 61 - ولما بلغ هذه القصة نمروذ (1) وأشراف قومه {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ} أي بالذي يقال له إبراهيم {عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ} أي ظاهرا بمرأى من الناس حتى يروه {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} عليه بما قاله فيكون ذلك حجة عليه بما فعل.

    وهذا قول الحسن وقتادة والسدي، قالوا: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة (2) = يكون مقتطعًا من جملة ولا مفردًا معناه معنى الجملة، ولا مصدرًا ولا صفة له بل لمجرد اللفظ نحو: قلت زيدًا، إلى أن قال: ومن النحويين من منع ذلك، وهو الصحيح؛ إذ لا يحفظ من لانهم: "قال فلانٌ زيدا .. وإنما وقع القول في كلام العرب لحكاية الجمل. أهـ وتعقب الألوسي 17/ 64 كلام أبي حيان بقوله (وعندي أن الآية ظاهرة فيما اختاره الزمخشري وابن عطية، ويكفي الظهور مرجحًا في مثل هذه المطالب.

    وقد ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير 17/ 99 - 100 مسلكا يحصل به التخلص من قول المانعين، وهو أن (يقال) مُضمن لمعنى: يُدْعى أو يسمى، فكأنَّ تقدير الآية: سمعنا فتى يذكرهم يُدْعى -أو يُسَمَّى - إبراهيم. قال ابن عاشور: ورفع (إبراهيم) على أنه نائب فاعل (يقال) لأن فعل القول إذا بُني للمجهول كثيرًا ما يُضمن معنى الدعوة أو التسمية، فلذلك حصلت الفائدة من تعديته إلى المفرد البحت، وإن كان شأن فعل القول أن لا يتعدى إلا إلى الجملة أو إلى مفرد أو يسمى إبراهيم، أي: ليس هو من الناس المعروفين. وفي رفع (إبراهيم) وجه آخر ذكره أبو البقاء العكبري في الإملاء 2/ 134، والسمين في الدر المصون 8/ 176: وهو أن (إبراهيم) مبتدأ محذوف الخبر، أي: يقال له: إبراهيم فاعلٌ ذلك.

    (1) في (ع): (نمرود).

    (2) رواه عن قتادة: الطبري 17/ 40 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 617 وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. ورواه عن السدي: الطبري 17/ 40. وذكره عن الحسن وقتادة والسدي كل من: الماوردي في النكت والعيون 3/ 451، والبغوي 5/ 324، والرازي 22/ 184 وزاد نسبته لعطاء وابن عباس. قال الألوسي 17/ 64 عن هذا القول: والترجي -يعني قوله (لعلهم) - أوفق له.

    وقال ابن إسحاق: لعلهم يشهدون عقابه وما يصنع به (1). أي: يحضرون. وذكر الفراء والزجاج القولين جميعًا (2).

    62 - فلما أتوا به {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} الآية، أسند فعله إلى كبير الأصنام الذي لم يكسره، واختلفوا في وجه هذا. فالذي عليه المفسرون: أن إبراهيم عليه السلام أراد إقامة الحجة عليهم، فقال: فعل هذا كبيرهم، غضب من أن تعبدوا (3) معه هذه الصغار فكسرهن، ورووا عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، كلها (4) في الله: قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]. وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}، وقوله لساره (هي أختي) (5). (1) رواه الطبري 17/ 40 عن ابن إسحاق.

    (2) انظر: معاني القرآن للفراء 2/ 206، معاني القرآن للزجاج 3/ 396. وقد ذكر الرازي 22/ 184 عن مقاتل والكلبي أنه المراد مجموع الوجهين، فيشهدون عليه بفعله ويشهدون عقابه.

    (3) في (أ): (أن تُبد).

    (4) (كلها): ساقطة من (د)، (ع).

    (5) رواه الإمام أحمد في مسنده 2/ 403 - 404، والبخاري في صحيحه (كتاب الأنبياء - باب قول الله تعالى {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} 6/ 388 فتح)، ومسلم في صحيحه (كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل 4/ 1840. وأبو داود في سننه كتاب الطلاق، باب: في الرجل يقول لامرأته: يا أختي 6/ 296, والترمذي في جامعه كتاب: التفسير، سورة الأنبياء 9/ 5 - 6 من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، مع اختلاف بينهم في بعض الألفاظ. وسبب قول إبراهيم لسارة: هي أختي ما رواه الأئمة المتقدم ذكرهم إلا الترمذي -واللفظ للإمام أحمد - وهو بقية الحديث: قال: (ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة. قال: فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه = قالوا: وجائز أن يكون الله أذن له في ذلك ليُوبخ (1) قومه ويعرفهم خطأهم، كما أذن ليوسف حين أمر مناديه فقال لإخوته: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] (2)، ولم يكونوا سرقوا شيئًا. هذا مذهب المفسرين في هذه الآية] (3).

    وأما أهل المعاني فإنهم تأولوها على غير هذا الوجه. روي عن (4) الكسائي (5) أنه كان يقف عند قوله (بل فعله) ويقول. معناه: فعله من فعله، ثم يبتدئ {كَبِيرُهُمْ هَذَا} (6).

    وقال ابن قتيبة: جعل إبراهيم النطق شرطًا للفعل فقال: فعله كبيرهم هذا إنْ كانوا ينطقون (7). = معك؟ قال: أختي. وعند مسلم: (إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك).

    (1) (أ): (لتوبيخ).

    (2) ووقع في نسخة (د): (إنكم سارفون). وأثبتنا الآية.

    (3) هذا كلام الطبري في تفسيره 17/ 41، والثعلبي في الكشف والبيان 3/ 31 أ. مع اختلاف في بعض الألفاظ. وصحح البغوي 5/ 325 هذا القول للحديث: (لم يكذب ...).

    (4) (عن): ساقطة من (أ).

    (5) في (د)، (ع) (قال)، وهو خطأ.

    (6) ذكر هذا عن الكسائي الثعلبي 3/ 31 أ، والبغوي 5/ 325، وابن الجوزي 5/ 360، وأبو حيان 6/ 325، والقرطبي 11/ 300. قال ابن حجر في الفتح 6/ 392 عن قول الكسائي هذا: ولا يخفى تكلفه.

    (7) الكشف والبيان للثعلبي 3/ 31 أبنصه عن ابن قتيبة وهو في مشكل القرآن ص 268 مع تقديم وتأخير، وقال الألوسي في روح المعاني 17/ 65 عن قول ابن قتيبة: وهو خلاف الظاهر.

    وقوله تعالى: {فَاسْأَلُوهُمْ} اعتراض بين الكلامين كما تقول: عليه الدراهم فاسأله إن أقر. والمعنى: إن قدروا على النطق قدروا على الفعل، فأراهم عجزهم عن النطق والفعل. وفي ضمنه: أنا فعلت ذلك (1). وهذا معنى قول الزجاج (2).

    وقال غيره: هذا الكلام خرج مخرج الخبر، وليس بمعنى الخبر، إنما هو إلزام يدل على ذلك الحال، كأنه قال: بل ما تنكرون أن يكون فعله كبيرهم هذا (3). والإلزام قد يكون بلفظ الخبر، والمعنى فيه: من اعتقد عبادتها لزمه أن يثبت لها فعلا. أي: فعله كبيرهم فيما يلزمكم (4).

    والفراء اختار مذهب المفسرين، وقال: قد أيد الله أنبياءه بأكثر من هذا (5). والذين أحالوا أن يكون هذا كذبًا تأولوه على ما ذكرنا من الوجوه، وقالوا في قوله لساره هي أختي كانت أخته في الدين، وفي قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} أي: مغتم بضلالتكم حتى كأني سقيم، وأما ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (1) الكشف والبيان للثعلبي 3/ 31 أبنصه.

    (2) انظر: معاني القرآن للزجاج 3/ 397.

    (3) هذا: ليست في (ع).

    (4) ذكره هذا القول الحاكم في التهذيب 6/ 151 ب، والطوسي في التبيان 7/ 229 - 230، والماوردي في النكت والعيون 3/ 452. من غير نسبة لأحد. وذكره بمعناه الزمخشري 2/ 577 قال: ويجوز أن يكون حكاية لما يقول إلى تجويز مذهبهم كأن مثال لهم: ما تنكرون أن يفعله كبيرهم، فإنَّ من حق من يُعبد ويُدعى إلها أن يعبد على هذا وأشد منه. وذكره القرطبي 11/ 300 من غير نسبة. وابن جزي 3/ 60 من غير نسبة. قال: كأنه يقول: إن كان إلها فهو قادر على أن يفعل أو إنه لم يقدر فليس بإله، ولم يقصد الإخبار المحض؛ لأنه كذب.

    (5) معاني القرآن للفراء 2/ 207.

    أن إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات أراد إلا ثلاث كلمات هن في صورة الكذب في الظاهر، فأطلق عليها اسم الكذب لما أشبهت الكذب في الظاهر، ولم يرد به حقيقة الكذب (1). (1) نصَر هذا القول جماعة من العلماء منهم ابن العربي والقرطبي وابن تيمية وابن القيم. فقد ذكر ابن العربي في أحكام القرآن 3/ 1264 - 1265 خلاف الناس في ظاهر المقصود به، فذكر أولاً أن منهم من قال: هذا تعريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، ثم ذكر أقوالًا أخرى، ثم قال: والأول أصح لأنه عدده على نفسه، فدل على أنه خرج مخرج التعريض، وذلك أنهم كانوا يعبدونهم ويتخذونهم آلهة من دون الله، وهم كما قال إبراهيم لأبيه: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}. فقال إبراهيم: بل فعله كبيرهم هذا، ليقولوا إنهم لا ينطقون ولا يفعلون ولا ينفعون ولا يضرون؛ فيقول لهم فلم تعبدونهم؟ فتقوم الحجة عليهم منهم. ولهذا يجوز عند الأئمة فرض الباطل مع الخصم حتى يرجع إلى الحق من ذات نفسه .. "

    قال القرطبي في تفسيره 11/ 300 - بعد ذكره للخلاف: (كان قوله من المعارض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، أي: سلوهم إن يطقوا فإنهم يصدقون، وإن لم يكونوا ينطقون فليس هو الفاعل. وفي ضمن هذا الكلام اعتراف بأنه هو الفاعل. وهذا هو الصحيح؛ لأنه عدده على نفسه، فدل أنه خرج مخرج التعريض".

    وقال ابن تيمية في الفتاوى 28/ 223: (ولكن تباح عند الحاجة الشرعية (المعاريض) وقد تُسمى كذب؛ لأن الكلام يعني به المتكلم معنى، وذلك المعنى يريد أن يفهمه المخاطب، فإذا لم يكن عل ما يعنيه فهو الكذب المحض، وإن كان على ما يعنيه ولكن ليس على ما يفهمه المخاطب فهذه المعاريض. وهي كذب باعتبار الأفهام، وإن لم تكن كذبًا باعتبار الغاية السائغة ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لم يكذب .. وهذه الثلاثة معاريض. وقال: ولهذا نفى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم - الكذب باعتبار القصد والغاية كما ثبت عنه أنه قال: الحرب خدعة. وأنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها. ومن هذا الباب قول الصديق. هذا هادي يهديني -وفي عزوة بدر قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: نحن من ماء. = وأما ما احتجوا به من قوله: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} تأويله: إنكم لسارقون يوسف، وكانوا قد سرقوه من أبيه حين أخفوه عنه في البئر (1).

    وكل هذا تكلف واحتيال مع ورود الخبر بأن إبراهيم كذب ثلاث كذبات، ويؤيد هذا حديث الشفاعة المروى في الصحيح (2): أن الناس إذا جاؤا إلى إبراهيم ليشفع لهم يعتذر بهذه الكذبات.

    64 - قوله تعالى: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ} أي تفكروا بقلوبهم ورجعوا إلى عقولهم فقال بعضهم لبعض {إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} أي: هذا الرجل في مسألتكم إياه وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها (3).

    وقيل: أنتم الظالمون بعبادتكم الصغار مع هذا الكبير (4).

    وقال عطاء عن ابن عباس: يريد: حيث يعُبد (5) من لا يتكلم (6). = وقال ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود 6/ 296 - 297: وسمى قول إبراهيم هذا كذبًا لأنه تورية. وقد أشكل على الناس تسميتها كذبة، لكون المتكلم إنما أراد اللفظ المعنى الذي قصده، فكيف يكون كذبًا؟ والتحقيق في ذلك: أنها كذبٌ بالنسبة إلى إفهام المخاطب، لا بالنسبة إلى غاية المتكلم، فإن الكلام له نسبتان: نسبة إلى المتكلم، ونسبة إلى المخاطب، فلما أراد الموري أنه يفهم المخاطب خلاف ما قصده بلفظه أطلق الكذب عليه بهذا الاعتبار، وإن كان المتكلم صادقا باعتبار قصده ومراده.

    (1) انظر القرطبي 9/ 231.

    (2) رواه البخاري في صحيحه كتاب: الأنبياء 6/ 395.

    (3) تفسير الطبري 17/ 41، والكشف والبيان للثعلبي 3/ 31 أ.

    (4) الكشف والبيان للثعلبي 3/ 31 أ. وقد ذكره ابن الجوزي 5/ 364 عن وهب بن منبه.

    (5) هكذا في (أ). وفي (د): (حبب يعبد). وفي (ع): (حدث يعبد)، وفي الوسيط 3/ 343: حيث عبدتم. ولعل صواب العبارة: حيث تعبدون.

    (6) ذكره ابن الجوزي 5/ 364 وأبو حيان في البحر 6/ 325 منسوبًا إلى ابن عباس = فعلى هذا معناه: أنتم الظالمون أنفسكم بعبادتكم من يقدر على الكلام، وكأن هذا إقرار منهم على أنفسهم بالكفر واقترابٌ من قبول (1) حجة إبراهيم.

    65 - قوله تعالى: ثم أدركتهم الشقاوة، فعادوا إلى كفرهم وهو قوله تعالى: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} قال الفراء: نُكسوا نكسًا، ونكس المريض نكسا (2).

    وقال الليث: النكس: قلبك شيئًا على رأسه تنكسه، ونُكس في مرضه نُكسا (3).

    وقال شمر: النكس في أشياء، ومعناه يرجع إلى قلب الشيء ورده (4) وجعل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره (5).

    قال المبرد: ومنه نُكس المريض إذا خرج عن مرضه ثم عاد إلى مثله. = وذكره الرازي 22/ 186 بمعناه من غير نسبة وقال عنه: وهو الأقرب. وذكره القرطبي 11/ 301 بمعناه، واقتصر عليه فقال: أي: بعبادة من لا ينطق بلفظه ولا يملك لنفسه لحظة. وكيف ينفع عابديه ويدفع عنهم البأس من لا يرد عن رأسه الفأس.

    (1) (قبول): ساقطة من (د)، (ع).

    (2) لم أجده في كتاب: معاني القرآن للفراء 2/ 20 في هذا الموطن، ولا في مظانه من تفسيره.

    (3) تهذيب اللغة للأزهري 10/ 70 (نكس) منسوبًا إلى الليث.

    ونُكْس: ضبطها الزبيدي في تاج العروس 16/ 577 الضم والفتح (النكس والنكس) وهو في العين 5/ 314 (نكس) مع اختلاف يسير.

    (4) في (د)، (ع): (رده)، وغير واضح في (أ).

    (5) تهذيب اللغة للأزهري 10/ 71 (نكس).

    وقال ابن شُمَيل نكست فلانًا في ذلك الأمر، أي رددته فيه بعد ما خرج (1). وهذا هو المعنى بالآية.

    قال الكلبي: يقول: رجعوا على أمرهم الأول الشرك بالله بعد المعرفة والصدق من قول إبراهيم (2). وهذا معنى قول السدي: نكسوا (3) في الكفر (4).

    ومعنى قول ابن عباس: نكسوا في الفتنة (5).

    والمعنى: ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم كما ينكس الذي يرد إلى أمره الأول بعدما خرج منه. وهذا معنى ما جاء في التفسير: أدركت القوم حيرة (6). أي: أنهم حاروا في الأمر فلم يهتدوا، وعادوا إلى التمادي في كفرهم. وقال الفراء: رجعوا عن قولهم عندما عرفوا من حُجة إبراهيم (7).

    يعني: أنهم عرفوا حجة إبراهيم فأقروا على أنفسهم بالظلم، ثم رجعوا عن ذلك، وعادوا لكفرهم (8) (9). هذا الذي ذكرنا معنى أحد القولين (1) قول ابن شميل في تهذيب اللغة للأزهري 10/ 71 (نكس).

    (2) ذكره الماوردي في النكت والعيون 3/ 452 معناه من غير نسبة لأحد.

    (3) (نكسوا): ساقطة من (د)، (ع).

    (4) روى الطبري 17/ 42 عن السدي قال: في الفتنة.

    (5) رواه الطبري 17/ 42 عن السدي كما تقدم. ولم أجد من ذكره عن ابن عباس.

    (6) رواه الطبري 17/ 42 عن قتادة. وذكره السيوطي في الدر المنثور 5/ 637 عن -قتادة وتصحف (حيرة) إلى (غيره) - وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

    (7) معاني القرآن للفراء 2/ 207.

    (8) في (د)، (ع): (إلى كفرهم).

    (9) تعقب الطبري 17/ 42 هذا القول بعد ذكره عن بعض أهل الحربية -يعني الفراء - فقال: (وأما قول من قال من أهل العربية ما ذكرنا عنه، فقول بعيد عن المفهوم، لأنهم لو كان رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم ما احتجوا عليه بما هو حجة = في {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} وهو موافق لقول ابن عباس في تفسير {إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ}.

    القول الثاني في {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ}: أنهم طأطؤا رؤوسهم خجلة من إبراهيم حيث ظهرت (1) حجته. وحكى (2) الكلبي أيضًا هذا القول (3). واختاره بعض أهل المعاني فقال: نكسوا رؤوسهم خَجْلة. ويقال لمن أطرق: نكس بصره ونكس رأسه. ومنه قول الفرزدق:

    وإذا الرجال رأوا يَزيدَ رأيتهم ... خُضْعَ الرقاب نَوَاكِس الأْبصَار (4) = له، بل كانوا يقولون له: لا نسألهم، ولكن نسألك فأخبرنا من فعل ذلك، وقد سمعنا أنك فعلت ذلك. ولكن صدقوا القول فقالوا {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} وليس هذا رجوعًا عما كانوا عرفوا، بل هو إقرار به.

    (1) في (ع): (أظهرت)، وهو خطأ.

    (2) في (أ): (حكى).

    (3) ذكره الزمخشري في الكشاف 2/ 577، والرازي 22/ 186، والقرطبي 11/ 301، وأبو حيان 6/ 325 من غير نسبة لأحد.

    (4) البيت في ديوانه 1/ 304، الكتاب 3/ 633، الكامل للمبرد 2/ 57 - 58، تهذيب اللغة للأزهري 15/ 72 (نكس)، الخزانة للبغدادي 1/ 204، 211.

    وهو من قصيدة يمدح بها آل المهلب. ويزيد المذكور في البيت هو ابن المهلب بن أبي صفرة، أحد شجعان العرب وكرمائهم، كان واليا على خراسان، ثم صار أمير العراقيين بعد موت الحجاج, كان جوادًا ممدحًا كثير الغزو والفتوح. توفي مقتولاً في صفر سنة 102 هـ.

    العبر للذهبي 1/ 93، خزانة الأدب للبغدادي 1/ 217.

    وقوله (خضع): (قال البغدادي 1/ 211: (خضع) بضمتين: جمع خضوع، مبالغة خاضع عن الخضوع وهو التطامن والتواضع، .. ويحتمل أن يكون (خُضع) -بضمة فسكون-: جمع أخضع، وهو الذي في خلقه تطامن، وهذا أبلغ من الأول، أي: ترى أعناقهم إذا رأوه كأنها خلقت متطامنة من شدة تذللهم. أهـ.

    يعني: مطرقين مطأطئي الرؤوس. وكذلك من خجل واستحيا أو خزي وافتضح.

    والقول هو الأول. ولو فعلوا هم ذلك خجلًا لقيل: ثم نكسوا رؤوسهم، فلما قيل: نكسوا على رؤوسهم، على الفعل الذي لم يسم فاعله، ظهر أن المعنى: رُدوا على ما كانوا عليه من أول الأمر.

    وفيه إثبات للقضاء والقدر، وهو أن الله فعل ذلك بهم للشقاوة التي أدركتهم.

    وقوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتَ} فيه إضمار القول، أي: فقالوا لإبراهيم {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} (1).

    قال ابن عباس: لقد علمت أن هذه الأصنام لا تتكلم (2).

    قال الزجاج: اعترفوا بعجز ما يعبدونه عن النطق (3).

    وقال الفراء: العلم بمنزلة اليمين، ولذلك لقي بما يلقى به اليمين، كقوله (4): والله ما أنت بأخينا. قال: ولو أدخلوا (5) (أن) قبل (ما) فقيل: لقد علمت أن ما فيك خير، [كان صوابًا] (6) (7). (1) ذكر أبو حيان 6/ 325، والسمن الحلبي 8/ 179 أن قوله (لقد علمت) جواب قسم محذوف، والقسم وجوابه معمولان لقول مُضْمر، وذلك القول المُضْمر حال من مرفوع (نكسوا)، والتقدير: أي: نكسوا قائلين والله لقد علمت.

    (2) تقدم نحو هذا عن ابن عباس في قوله: (فاسألوهم إن كانوا ينطقون).

    (3) معاني القرآن للزجاج 3/ 397.

    (4) عند الفراء: كقول القائل.

    (5) عند الفراء: ولو أدخلت العرب.

    (6) ساقط من (د)، (ع).

    (7) معاني القرآن للفراء 2/ 207 مع تصرف.

    وذكرنا أن العلم يقع بمنزلة اليمين في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} [البقرة: 102] الآية.

    66 - فلما اتجهت الحجة عليهم بإقرارهم وبَّخهم إبراهيم فقال: {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا}. قال السدي: يقول لا يرزقكم ولا يعطيكم شيئاً {وَلَا يَضُرُّكُمْ} قال: يقول إذا لم تعبدوها لم يضركم. وهذا معنى قول الكلبي: لا ينفعكم إن عبدتموه ولا يضركم إن تركتموه (1).

    وفي هذا حث على عبادة من يملك النفع بالثواب إذا عبد، والضر بالعقاب إذا لم يعبد، وهو الله تعالى.

    67 - ثم حقَّرهم وحقَّر معبودهم (2)، فقال: {أُفٍّ لَكُمْ} أي (3) نتنًا لكم (4) {وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ}. وذكرنا الكلام في (أف) في سورة سبحان (5).

    وقوله تعالى: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} قال ابن عباس: يريد العقل بعينه (6). (1) مثله في تنوير المقباس ص 203.

    (2) في (د)، (ع): (معبوديهم).

    (3) (أي): زيادة من (د)، (ع).

    (4) هذا تفسير الزجاج في معانيه 3/ 398.

    قال الطبري 17/ 42: (أف لكم) أي: قبحا لكم وللآلهة التي تعبدون من دون الله. وقال الزمخشري 2/ 577: (أف) صوت إذ صوت له عُلم أن صحابه متضجر. أضجره ما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق وزهوق الباطل، فتأفف بهم.

    (5) انظر: البسيط [الإسراء: 23].

    (6) ذكر هذا المعنى أبو حيان في البحر 6/ 326 ولم ينسبه لأحد، حيث قال: ثم نبههم على ما به يدرك حقائق الأشياء, وهو العقل فقال (أفلا تعقلون).

    يعني: أليس لكم عقل فتعلموا أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة؟ فلما لزمتهم الحجة، وعجزوا (1) عن الجواب، غضبوا.

    68 - فقالوا: {حَرِّقُوهُ} قال الكلبي: قال ملكهم نمروذ: حرقوه بالنار (2) {وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ}.

    وقال مجاهد: تلوت هذه الآية على عبد الله بن عمر، فقال (3): هل تدري يا مجاهد (4) من أشار بتحريق إبراهيم بالنار؟ قال: قلت: لا. قال: رجل من [أعراب فارس] (5) قال: قلت: يا أبا عبد الرحمن وهل للفرس من أعراب؟ قال نعم، الكرد، هم أعراب (6) فارس، فرجل منهم هو الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار (7) (8). (1) (وعجزوا، غضبوا): ساقطتان من (د)، (ع).

    (2) حكى هذا القول من غير نسبة لأحد: البغوي 5/ 326، والزمخشري 2/ 578 والرازي 22/ 187، وقال عنه إنه المشهور، والقرطبي 11/ 303.

    (3) في (د)، (ع):) قال).

    (4) في (أ): (محمد)، وهو خطأ.

    (5) في جميع النسخ: من الأعراب. والتصحيح والزيادة من الطبري، ليستقيم بذلك المعنى.

    (6) في (د)، (ع): (أكراد)، وهو خطأ.

    (7) (بالنار): ساقطة من (ع).

    (8) رواه الطبري 17/ 43 قال: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، قال: تلوت .. فذكره.

    وإسناد هذا الأثر ضعيف جدًا، لعلل منها:

    أولاً: ابن حميد: هو محمد بن حميد الرازي، ضعيف التقريب 2/ 156.

    ثانيًا: سلمة: وابن الفضل: صدوق، كثير الخطأ تقريب 2/ 318.

    ثالثًا: محمد بن إسحاق مدلس.

    رابعًا: ليث بن أبي سليم: ضعيف.

    وقوله تعالى: {وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} أي: بتحريق إبراهيم؛ لأنه يعيبها ويطعن عليها، فإذا حرقتموه كان ذلك (1) نصرًا منكم إياها.

    {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} قال ابن إسحاق (2): إن كنتم ناصريها، أي: لا تنصروها منه إلا بالتحريق بالنار (3).

    قال ابن عباس: ففعلوا ذلك، وألقوه في الجحيم، ثم نجاه الله منها، ووقاه حرها، وهو:

    69 - قوله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا} قال السدي: وكان جبريل هو الذي ناداها (4) (5). فقال: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا} أي: ذات برد وسلامة.

    قال ابن عباس: لو لم يتبع بردها (سلامًا) لمات إبراهيم من بردها (6). (1) ذلك: في حاشية (ع) .. وعليها علامة التصحيح.

    (2) في (د)، (ع): (أبو إسحاق)، وهو تصحيف. والصواب ما في (أ)؛ لأن هذا كلام ابن إسحاق كما سيأتي تخريجه، وليس هذا النص موجودا في معاني القرآن للزجاج.

    (3) رواه الطبري 17/ 43 عن ابن إسحاق.

    (4) في (د)، (ع): (ناداه)، وهو خطأ.

    (5) ذكره الثعلبي في الكشف والبيان 3/ 32 أ. ورواه الطبري 17/ 44، وذكره السيوطي في الدر المنثور 5/ 639 وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم. قال أبو حيان في البحر 6/ 328: والظاهر أن القائل (قلنا يا نار) هو الله تعالى. وقال الرازي 22/ 188، وهو قول الأكثرين أن القائل هو الله تعالى، وهو الأليق الأقرب بالظاهر.

    (6) الكشف والبيان للثعلبي 3/ 31 أ. ورواه الطبري 17/ 44، وذكره السيوطي في الدر المنثور 5/ 640 وعزاه للفريابي وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم. وهذه الرواية عن ابن عباس منقطعة؛ لأنها من رواية السدي عن ابن عباس، والسدي لم يلق ابن عباس. وسيأتي نحوه عن علي -رضي الله عنه-. وهي رواية ضعيفة كما سيأتي تقريره.

    قال المفسرون: لما انتهى إبراهيم إلى النار أخذت الملائكة بضبعيه (1) فأقعدوه على الأرض، فإذا عينُ ماء عذب وورد أحمر ونرجس، وأنزل الله زربِية (2) من الجنة فبُسطَت في الجحيم، وما أحرقت النَّار من إبراهيم إلا وثاقه، وبعث الله إليه جبريل مع قميص من حرير الجنة، وقال له: يا إبراهيم إن ربك يقول: أما علمت أن النار لا تضر أحبابي (3).

    وقال علي -رضي الله عنه - في قوله: {كُونِي بَرْدًا} قال: بردت حتى كادت تقتل (4)، فقال: (كوني سلامًا) لا تؤذيه (5).

    70 - قوله تعالى: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} يعني التحريق بالنار {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} أي: الأخسرين أعمالًا.

    قال ابن عباس: وهو (6) أن الله سلط البعوض على نمروذ وخيله حتى (1) بضبعيه: أي: بعضديه واحدها: ضبع. انظر: الصحاح 3/ 1547 (ضبع).

    (2) زَرْبيَّة -بفتح الزاي وقيل: تكسر وتضم أيضًا، وسكون الراء: واحدة زرابي، والزربية: البساط، وقيل: كل ما بسط واتكىء عليه، وقيل: الطنفسَة. انظر: لسان العرب 1/ 447) زرب)، تاج العروس للزبيدي 3/ 12 (زرب).

    (3) الكشف والبيان للثعلبي 3/ 31 أبتصرف، وهو مجموع من كلام السدي وكعب الأحبار ومحمد بن إسحاق بن يسار. وانظر: الطبري 17/ 44 - 45.

    قال ابن عطية في المحرر 10/ 169: وقد أكثر الناس في قصص حرق إبراهيم عليه السلام وذكروا مدة بقائه في النار وصورة بقائه فيها مما رأيت اختصاره هنا لقلة صحته، والصحيح من ذلك أنه ألقي في النار فجعلها الله تعالى عليه بردًا وسلامًا, فخرج منها سالمًا، فكانت أعظم آية.

    (4) عند الطبري: تقتله.

    (5) رواه سفيان الثوري في تفسيره ص 202، والطبري في تفسيره 17/ 44 من طريق الأعمش، عن شيخ، عن علي بن أبي طالب. وفي سنده مجهول. وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 641 وعزاه للفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير.

    (6) في (د)، (ع): (هو).

    أخذت (1) لحومهم وشربت دماءهم، فرأى عظام أصحابه وخيله تلوح، ووقعت واحدة في دماغه حتى أهلكته (2).

    والمعنى: أنهم كادوه بسوء فانقلب عليهم ذلك.

    71 - قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ} أي من نمروذ وكيده. {وَلُوطًا} وهو ابن أخ إبراهيم، وكان قد آمن به، وهاجر من أرض العراق إلى أرض الشام، فذلك قوله تعالى: {إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} أي: بالخصب وكثرة الأشجار والثمار والأنهار، ومنها بعث أكثر الأنبياء (3).

    وقال أبي بن كعب: سماها مباركة لأنه ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس (4). (1) عند القرطبي 11/ 305 والأظهر أنه نقله عن الواحدي: أكلت.

    (2) ذكره القرطبي 11/ 305 منسوبًا إلى ابن عباس. وذكره البغوي 5/ 329، وابن عطية 10/ 170، وابن الجوزي 5/ 368 من غير نسبة لأحد. والأظهر في معنى (الأخسرين أعمالا) ما قاله ابن عطية والزمخشري وابن عاشور: قال ابن عطية 10/ 170: وكانوا في خسارة من كفرهم وغلبته لهم.

    وقال الزمخشري 2/ 578: فأرادوا أن يكيدوه ويمكروا به، فما كانوا إلا مغلوبين مقهورين. غالبوه بالجدال فغلبه الله ولقنه بالمكبت، وفزعوا إلى القوة والجبروت فَنَصَره وقواه. وقال ابن عاشور 17/ 107: أي: فخابوا خيبة عظيمة، وذلك أن خيبتهم جمع لهم بها سلامة إبراهيم من أثر عقابهم وأن صار ما أعدوه للعقاب آية وتأييدًا لإبراهيم عليه السلام.

    ذكر الألوسي 17/ 70 نحو قول الزمخشري، ثم ذكر قول ابن عباس من غير نسبة، ثم قال: والمعول عليه التفسير الأول.

    (3) الكشف والبيان للثعلبي 3/ 32 ب.

    (4) الكشف والبيان للثعلبي 3/ 32 ب. وبنحوه رواه الطبري 17/ 46 من طريق = ومعنى البركة: ثبوت الخير النامي (1).

    وروى العوفي عن ابن عباس {إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} قال: هي مكة ونزول إسماعيل بها (2). والمفسرون كلهم على أنها الشام (3).

    وقوله تعالى: {إِلَى الْأَرْضِ} (إلى) من صلة (نجيناه) (4) يعني (5): نجيناه ولوطًا فخرجا إلى الأرض (6).

    72 - قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} يعني حين سأل ولدًا فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} فاستجاب الله دعاءه، ووهب له إسحاق ولدًا. = الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية عن أبي -رضي الله عنه-، وذكر السيوطي في الدر المنثور 5/ 642 وعزاه لابن أبي حاتم فقط. وفي سند الطبري أن الحسين بن واقد وهو ضعيف وله أوهام. انظر: تقريب التهذيب 1/ 180، 243. والخبر مُتلقى عن أهل الكتاب، والله أعلم. وقال ابن عطية في المحرر 10/ 172 لما ذكر هذا الأثر: وهذا ضعيف.

    (1) انظر: (برك) في تهذيب اللغة للأزهري 10/ 230 - 231، الصحاح للجوهري 4/ 1575، المفردات للراغب الأصبهاني ص 44.

    (2) ذكره الثعلبي 3/ 33 أمن رواية العوفي عن ابن عباس. ورواه الطبري 17/ 47 من طريق العوفي عن ابن عباس.

    (3) اختاره الطبري 17/ 47، وصوبه الثعلبي 3/ 33 أ.

    (4) نجيناه: ساقط من (أ).

    (5) في (د)، (ع): (أي.

    (6) يريد المؤلف أن قوله (ونجيناه) مُضمن لمعنى أخرجناه بالنجاة، فلما ضُمن معنى أخرج تعدى (ونجيناه) بحرف الجر (إلى). ذكر هذا الوجه أبو حيان 6/ 329, والسمين 8/ 180.

    وذكر أبو حيان احتمالا آخر وهو أن حرف الجر (إلى) يتعلق بمحذوف في موضح الحال من الضمير في (ونجيناه) أي: ونجيناه منتهيًا إلى الأرض. ولا تضمين في (ونجيناه) على هذا القول. وانظر: الدر المصون 8/ 180 - 181.

    وقوله تعالى: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} النافلة: اسم على فاعله، ليس له فعل, وهو كالنفل. ومعناه: الزيادة [على الأصل] (1) (2). ذكرنا (3) ذلك عند قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] وقوله: {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79].

    والنافلة: ولد الولد؛ لأن الأصل كان الولد [فصار ولد الولد] (4) زيادة على الأصل (5).

    قال ابن عباس: نَفَّله يعقوب. يريد: زيادة، زاده يعقوب من إسحاق (6).

    وهذا قول أبي بن كعب، وقتادة، وابن زيد (7)، قالوا: سأل واحدًا فأعطاه الله يعقوب زيادة على ما سأل.

    فعلى هذا النافلة يعقوب خاصة ومعناها: الزيادة على الأصل.

    وقال آخرون: معنى النافلة -هاهنا - العطية، وكل عطية تبرع بها معطيها فهي نافلة. (1) ساقط من (د)، (ع).

    (2) تهذيب اللغة للأزهري 15/ 355 (نفل) بنحوه. وانظر (نفل) في: الصحاح للجوهري 5/ 1833، لسان العرب لابن منظور 11/ 671 - 672، بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي 5/ 109.

    (3) في (د)، (ع): (وذكرنا).

    (4) ساقط من (أ).

    (5) تهذيب اللغة للأزهري 15/ 356 (نفل) بنصه.

    (6) ذكره الثعلي في الكشف والبيان 3/ 33 أعن ابن عباس. وقد رواه الطبري 17/ 49 بمعناه عن ابن عباس من طريق العوفي.

    (7) ذكره عنهم الثعلبي 3/ 33 أ. ورواه الطبري 17/ 48 عن قتادة وابن زيد.

    وهذا مذهب مجاهد وعطاء في هذه الآية، قالا: معنى النافلة العطية, وإسحاق ويعقوب كانا جميعًا من عطاء الله تعالى (1).

    وعلى هذا النافلة لا يختص بيعقوب. والأكثرون على القول الأول وهو اختيار الفراء والزَّجَّاج.

    [قال الفراء: النافلة: يعقوب خاصة؛ لأنه ولد الولد (2). ونحو هذا قال الزجاج] (3) (4).

    وقال الأزهري في هذه الآية: وهبنا لإبراهيم إسحاق، وكان كالفرض له، ثم قال: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} فالنافلة يعقوب خاصة؛ لأنه ولد الولد، أي: وهبناه له (5) زيادة على الفرض

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1