Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير البسيط
التفسير البسيط
التفسير البسيط
Ebook706 pages5 hours

التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 2001
ISBN9786478153158
التفسير البسيط

Read more from الواحدي

Related to التفسير البسيط

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير البسيط - الواحدي

    الغلاف

    التفسير البسيط

    الجزء 27

    الواحدي

    468

    يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة

    سورة الأحقاف

    تفسير سورة الأحقاف

    بسم الله الرحمن الرحيم

    1 - {حم} الآيات نظم ابتداء هذه السورة كنظم ابتداء سورة الجاثية وقد ذكرنا ما فيه.

    3 - قوله: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} قال ابن عباس ومقاتل: لم نخلقهما باطلا عبثًا لغير شيء، ما خلقناهما إلا للثواب والعقاب (1)، وقد مر تفسير هذه الآية في مواضع [الحجر: 85].

    قوله تعالى: {وَأَجَلٍ مُسَمًّى} قال المفسرون: يعني يوم القيامة، وهو الأجل الذي تنتهي إليه السموات والأرض، وهذا إشارة إلى فنائها وانقضاء أمرها (2)، ثم ذكر أن الكفار أعرضوا بعد أن قام لهم الدليل بخلق السموات والأرض، فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} خوفوا به في القرآن معرضون أي: لم يتعظوا بالقرآن (3) ثم دعاهم إلى الدليل لهم على بطلان ما يعبدون من الأوثان بقوله:

    4 - {قُلْ أَرَأَيْتُمْ} وهي مفسَّرة في سورة فاطر [آية: 40] إلى قوله: (1) انظر: تفسير مقاتل 4/ 15، ونسبه في الوسيط لابن عباس. انظر: 4/ 102.

    (2) انظر: تفسير الماودي 5/ 271، والبغوي 7/ 251، والقرطبي 16/ 178.

    (3) انظر: تفسير الطبري 13/ 2/ 1، وتفسير البغوي 7/ 251.

    {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} أي: ائتوني بكتاب من قبل القرآن فيه برهان ما تدعون من عبادة الأصنام {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ}، قال أبو عبيدة: أي بقية، ويقال: ناقة ذات أثارة، أي بقية من شحم (1)، ونحو هذا ذكر الفراء (2)، والزجاج (3) في معنى الأثارة أنها البقية.

    قال ابن قتيبة: أي بقية علم عن الأولين (4)، وزاد الفراء فقال: ويقال أو شيء مأثور من كتب الأولين، قال: وأثارة على المصدر مثل: السماحة والشجاعة (5)، وزاد الزجاج فقال: (أثارة) معناها علامة من علم (6).

    وقال المبرد: أثارة ما يؤثر من علم، كقولك: هذا حديث يؤثرُ عن فلان، ومن ثَمَّ سميت الأخبار الآثار, يقال: في الأثر كذا وكذا، قال: وقالوا في الأثارة: الشيء الحسن البهي في العين، يقال للناقة: ذات أثارة، إذا كانت ممتلئة تروق العين، يقال: أثرة وأثارة على فَعَلة وفَعَالة، فهذا ما ذكره علماء اللغة في تفسير هذا الحرف (7)، وهو ينقسم إلى أقوال ثلاثة:

    الأول: البقية، واشتقاقه من: أَثَرْثُ الشيء أُثِيره إِثَارَة، كأنها بقية تستخرج فتثار، وهو قول الحسن (8). (1) انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة 2/ 212.

    (2) انظر: معاني القرآن للفراء 3/ 50.

    (3) انظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 438.

    (4) انظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 407.

    (5) انظر: معاني القرآن للفراء 3/ 50.

    (6) انظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 438.

    (7) انظر: تهذيب اللغة (أثر) 15/ 119، والصحاح (أثر) 2/ 574، واللسان (أثر) 4/ 5.

    (8) أخرج ذلك الطبري عن الحسن. انظر: تفسيره 13/ 3/2، وتفسير الحسن البصري 2/ 281، وزاد المسير 7/ 369.

    الثاني: من الأثر الذي هو الرواية (1)، ومنه قول الأعشى:

    إنَّ الذي فيه تَمَارَيْتُمَا ... بُيِّنَ للسَّامِع والأَثِرِ (2)

    الثالث: من الأثر بمعنى العلامة (3)، وعلى [هذا المعاني] (4) يدور كلام المفسرين، روى عطاء عن ابن عباس؛ قال: يريد أو شيء ترويه عن نبي كان قبل محمد -صلى الله عليه وسلم-.

    وقال مقاتل: أو رواية من علم عن الأنبياء أن لله شريكًا (5)، وقال: هذا قول مجاهد وعكرمة والقرظي (6)، وعلى هذا الأثارة مصدر يقال: أثر ياثر أثراً وأثارة بمعنى روى، وقال في رواية الكلبي: بقية من علم (7)، وعلى هذا معنى قول قتادة: خاصة من العلم؛ لأن الخاصة من العلم بقية منه بقيت عند خواص العلماء (8)، ويحتمل قول قتادة وجهًا آخر، وهو أن تكون الأثارة من إيثار والاستيثار يقال: أثرت فلانًا بكذا، إذا خصصته به (1) أخرج ذلك الطبري عن مجاهد. انظر: تفسيره 13/ 3/2، وتفسير مجاهد ص 602، وتفسير الماوردي 5/ 271.

    (2) انظر: ديوانه ص 92، واللسان (أثر) 4/ 6، وتفسير الثعلبي 10/ 106 ب، والدر المصون 6/ 135.

    (3) وهذا قول الزجاج، انظر: معاني القرآن 4/ 438، وزاد المسير 7/ 369.

    (4) كذا رسمها في الأصل ولعل الصواب (هذه المعاني).

    (5) انظر: تفسير مقاتل 4/ 15، ونسبه في الوسيط لعطاء. انظر: 4/ 103.

    (6) أخرج الطبري عن مجاهد بلفظ: (أحد يأثر علمًا) 13/ 2/ 3، وذكر الماوردي عن عكرمة ميراث من علم 5/ 271، وذكر الثعلبي قول القرظي بلفظ: الإسناد 10/ 106 ب، وذكره أيضًا القرطبي 16/ 182.

    (7) انظر: تنوير المقباس ص 502.

    (8) انظر: تفسير الطبري 13/ 3/ 2، والماوردي 5/ 271، والقرطبي 16/ 182.

    واستأثر فلان بكذا، إذا اختص به دون غيره (1)، ومنه قول الأعشى:

    استأثَرَ اللهُ بالوَفَاءِ وبـ ... الحَمْدِ وولَّى الملامَةَ الرَّجُلا (2)

    ويقال لفلان: أثرة بكذا أو أثارة، أي اختصاص، ويؤكد ما قلناه قراءة السلمي والحسن (أو أَثَرةٍ من علم) (3)، والمعنى على هذا: ائتوني بعلم تنفردون به دوننا، فإنا لا نعلم أن لله شريكًا، وهذا وجه حسن، وروى أبو سلمة (4) عن ابن عباس والشعبي أيضًا عنه في قوله: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} قال: هو علم الخط (5)، وهو خط كان تخطه العرب في الأرض.

    وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه، عَلِمَ عِلْمَه (6). والمعنى على هذا: ائتوني بعلم من قبل الخط الذي (1) انظر: تهذيب اللغة (أثر) 15/ 122، واللسان (أثر) 4/ 8، ومعاني القرآن للنحاس 6/ 440.

    (2) انظر: شرح المعلقات العشر ص 137، واللسان (أثر) 4/ 8.

    (3) ذكره هذه القراءة الكلبي في تفسير 10/ 106 ب، والماوردي في تفسيره 5/ 271، والقرطبي في الجامع 16/ 182، وأبو حيان في البحر المحيط 8/ 55، وهي بفتح الهمزة والثاء.

    (4) هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.

    (5) أخرج ذلك الحاكم عن أبي سلمة عن ابن عباس، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. انظر: المستدرك التفسير 2/ 454. كما أخرج رواية الشعبي عن ابن عباس وقال: هذه زيادة عن ابن عباس في قوله -عز وجل - غريبة في هذا الحديث، وسكت عنه الذهبي 2/ 454.

    (6) أخرج مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي في حديث طويل، وفيه قال: قلت: ومنا رجال يخطون قال: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك، انظر: صحيح مسلم كتاب المساجد، باب 7، تحريم الكلام في الصلاة .. 1/ 381، وفي كتاب السلام، باب 35، تحريم الكهانة وإتيان الكهان = تخطونه في الأرض, وكأنه قيل لهم ذلك لأنهم كانوا يعدونه علمًا لهم وبياناً في الأمور فقيل لهم: ائتوني بعلم من هذه الجهة على ما تدعونه حقًّا إن كنتم صادقين أن لله شريكًا. واشتقاق هذا القول من الأثر بمعنى العلامة، والخط أثر.

    5 - ثم ذكر ضلالة هؤلاء. فقال: {وَمَنْ أَضَلُّ} إلى قوله: {مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ} قال ابن عباس: لا يثيبه ولا يرزقه إلى يوم القيامة (1). قال مقاتل: أبدًا، يعني: لا يستجيب له أبدًا ما دامت الدنيا، فإذا قامت القيامة كانت الآلهة أعداء لمن عبدها في الدنيا (2)، وهو قوله:

    6 - {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}، وهذا كقوله: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 82] وقد مر. قال ابن عباس: يريد الملائكة وعيسى وعزير وكل ما عبد من دون الله أعداء لمن عبدهم (3) {وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}؛ لأنهم يقولون: ما دعوناهم إلى عبادتنا وتبرؤوا من عبادتهم كما قال: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [القصص: 63].

    8 - قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} وذلك أن كفار مكة قالوا: ما هذا القرآن إلا شيء ابتدعته من تلقاء نفسك فقال الله: {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}. = 2/ 1749، كما أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/ 447، والنسائي في السنن كتاب السهو، باب 20، الكلام في الصلاة 3/ 14، وأبو داود في السنن كتاب الطب، باب 23، في الخط وزجر الطير 4/ 229.

    (1) لم أقف عليه.

    (2) انظر: تفسير مقاتل 4/ 16.

    (3) لم أقف عليه.

    قال مقاتل: لا تقدروا لحى أن تردوا عني عذابه (1)، وهذا كقوله: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الفتح: 11] ومثله في التنزيل كثير.

    وقال ابن عباس: لا تمنعونني من الله (2) والمعنى: أنكم لا تقدرون أن تدفعوا عني عقاب الله، فكيف أفتري على الله لأجلكم وأنا أعلم هذا، وفيه تبعيد لقولهم افتريته، {هُوَ} أي: الله {أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: بما تقولون في القرآن وتخوضون فيه من التكذيب به، والقول فيه أنه سحر وكهانة، قاله المفسرون (3)، وكل خوض في الحديث إفاضة كقوله (4): {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61] وقد مر.

    {كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} قال مقاتل: يعني فلا شاهد أفضل من الله بيني وبينكم أن القرآن جاء من الله {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} في تأخير العذاب عنكم حين لا يعجل عليكم بالعقوبة (5).

    وقال ابن عباس: يريد لأوليائه وأهل طاعته (6).

    وقال أبو إسحاق: معنى الغفور الرحيم هاهنا دعاهم إلى التوبة، معناه: أن من أتى من الكبائر العظام بمثل ما أتيتم به من الافتراء على الله (7)، وعليَّ ثم تاب فالله غفور رحيم له. (1) انظر: تفسير مقاتل 4/ 16.

    (2) لم أقف عليه

    (3) انظر: تفسير الطبري 13/ 2/ 5، وزاد المسير 7/ 371، والجامع لأحكام القرآن 16/ 184، وتفسير الوسيط 4/ 104.

    (4) انظر: اللسان (خوض) 7/ 147.

    (5) انظر: تفسير مقاتل 4/ 16، 17.

    (6) لم أقف عليه.

    (7) نص العبارة عند الزجاج: (من افتراء على الله جل وعلا ثم تاب فإن الله غفور رحيم) 4/ 439.

    9 - قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} قال أبو عبيدة: أي ما كنت أولهم (1)، ونحو هذا قال الفراء (2)، والزجاج (3) وقال المبرد: البدع والبديع من كل شيء المبتدأ، والبدعة ما اخترع مما لم تجر به سنة، ورجل درع من قوم أبداع (4) قال عدي بن زيد:

    فَلاَ أنا بِدْعٌ مِنْ حَوَادِثَ تَعْتَرِي ... رِجالاً عَرَتْ مِنْ بَعْدِ بُؤْسَى وأسْعُدِ (5)

    وقال الكسائي: رجل بدع وامرأة بدعة، وامرأتان بدعتان، ونساء بدع، بكسر الباء وفتح الدال، وأبداع (6).

    قال المفسرون: ما أنا بأول رسول بعث، قد أرسل قبلي رسل كثيرون (7).

    قال مقاتل: وهذا جواب لقولهم أما وجد الله نبيًّا غيرك (8).

    قوله تعالى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} روي عن ابن عباس في (1) انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة 2/ 212.

    (2) انظر: معاني القرآن للفراء 3/ 50.

    (3) انظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 439.

    (4) انظر: الصحاح (بدع) 3/ 1183، واللسان (بدع) 8/ 6، وإعراب القرآن للنحاس 4/ 160.

    (5) استشهد بهذا البيت الطبري 13/ 2/ 6، وابن عطية 15/ 13، والقرطبي 16/ 185، وأبو حيان 8/ 56، وفي شعراء النصرانية ص 465، والمفضليات 829.

    (6) انظر: قول الكسائي في اللسان (بدع) 8/ 7.

    (7) انظر: تفسير الطبري 13/ 2/ 6، وتفسير الماوردي 5/ 272، وتفسير البغوي 7/ 252، وتغليق التعليق 4/ 311.

    (8) انظر: تفسير مقاتل 4/ 17.

    هذا قولان قال في رواية عطاء: لما نزلت هذه الآية فرح المشركون واليهود والمنافقون فقالوا كيف نتبع نبيًا لا يدري ما يُفعلُ به ولا بنا، فأنزل الله تعالى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} [الفتح: 1 - 2] الآيات إلى قوله (1) {وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح: 5] فبين الله ما يفعل به وبمن اتبعه من المؤمنين، ونسخت هذه الآية، وأرغم الله أنف المنافقين والمشركين واليهود، ورحم النبي -صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، وقال قتادة في هذه الآية: نسختها {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} وهذا قول أنس وعكرمة (2).

    وقال في رواية الكلبي: لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بمكة رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقصَّها على أصحابه فاستبشروا بذلك ورأوا فيها فرجًا مما هم فيه من أذى المشركين، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا: يا رسول الله ما رأينا الذي قلت ومتى نهاجر (3) إلى الأرض التي رأيت، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} يعني: لا أدري أخرج إلى الموضع الذي أُرِيتهُ في منامي أم لا، ثم قال لهم: إنما هو شيء أريته في منامي، ما أتبع إلا ما يوحى إلى، يقول: لم يوح إلى ما أخبرتكم، وعلى هذا لا نسخ في الآية، وهذا القول اختيار الفراء (4) والزجاج (5). (1) ذكر الطبري رواية عن ابن عباس نحو هذا المعنى وأخصر منه. انظر: 13/ 7/2.

    (2) انظر: تفسير الطبري 13/ 2/ 7، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 356, والجامع لأحكام القرآن 16/ 185.

    (3) انظر: تفسير أبي الليث السمرقندي 3/ 230.

    (4) انظر: معاني القرآن للفراء 3/ 50 - 51.

    (5) انظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 439، وقال مكي: فأما من قال معناه: وما = وروى أبو بكر الهذلي عن الحسن: في هذه الآية قال: أما في الآخرة فمعاذ الله أن لا يدري ما يفعل به، قد علم أنه في الجنة، ولكنه يخاطب بهذا المشركين, يقول: لا أدري ما يفعل بي في الدنيا، أموت أم أقتل كما قتلت الأنبياء قبلي (1) {وَلَا بِكُمْ} أيها المكذبون أترمون بالحجارة من السما أم يخسف بكم أم أيش يفعل بكم مما فعل بالأمم المكذبة.

    قوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}، قال ابن عباس: يريد ما أبلغكم إلا ما بعثني الله به إليكم (2)، وقال مقاتل: ما أتبع إلا ما يوحى إلى من القرآن، إذا أمرت بأمر فعلته، ولا أبتدع ما لم أومر به (3).

    {وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} قال ابن عباس: أنذركم عذاب الله وأبين لكم ما يبعدكم من الله ويقربكم إلى الله (4).

    10 - قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ} قال صاحب النظم: يقال: إن قوله (أرأيتم) نظم وضع للسؤال والاستفتاء وقيل للتنبيه، فلذلك لا يقتضي مفعولاً كما قال: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [العلق: 13] وقد تقدَّم الكلام في هذا.

    وقال أبو علي: الاستفهام الذي يقع موقعَ المفعول الثاني محذوف = أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا من تقلب الأحوال فيها، فالآية عنده محكمة، انظر: الإيضاح لمكي ص 356.

    (1) أخرج ذلك الطبري عن الحسن ورجحه. انظر: تفسيره 13/ 2/ 7، وأخرجه أيضًا النحاس عن الحسن، ورجحه. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس 2/ 628، ورجحه أيضًا ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص 464، ورجحه أيضًا ابن كثير في تفسيره 6/ 277.

    (2) لم أقف عليه.

    (3) انظر: تفسير مقاتل 4/ 17.

    (4) لم أقف عليه.

    الكلام بالمفعول الأول، وكان التقدير: أتأمنون عقوبة الله أو ألا تخشون انتقامه (1)، ومثله من غير حذف المفعول الثاني قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ} [فصلت: 52]، وقوله. {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ} [القصص: 71] فالاستفهام في الآيتين هو المفعول الثاني لأرأيتم؛ لأنه بمعنى أخبروني، هذا هو الكلام وليس ما ذكره صاحب النظم بشيء. قوله: {إِنْ كَانَ} يعني القرآن {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} وقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد عبد الله بن سلام، ونحو هذا روى الكلبي عنه أنه الشاهد من بني إسرائيل عبد الله بن سلام، وهو قول مجاهد وقتادة ومقاتل والضحاك وابن زيد والحسن (2)، وبه قال من الصحابة عوف بن مالك الأشجعي وسعد بن أبي وقاص.

    ويؤكد ذلك ما روي في حديث مقتل عثمان أن عبد الله أتاه لينصره فخرج إلى الناس وقال: إنه قد نزل في آيات من كتاب الله نزلت فيَّ، وشهد من بني إسرائيل على مثله (3)، وذكر كلامًا طويلاً.

    قوله: {عَلَى مِثْلِهِ} قال ابن عباس: يريد على ما جئتكم به (4)، قال (1) انظر: المسائل الحلبيات لأبي علي ص 77.

    (2) انظر: أقوال هؤلاء في تفسير الطبري 13/ 2/ 10، 11، وتفسير الماوردي 5/ 273، وتفسير مقاتل 4/ 17، والجامع لأحكام القرآن 16/ 188، وتنوير المقباس ص 503، والبحر المحيط 8/ 57.

    (3) أخرج ذلك الترمذي في كتاب التفسير باب 47، ومن سورة الأحقاف 5/ 381. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.

    (4) لم أقف عليه.

    صاحب النظم: ليس لمثل هاهنا معنًى مقصود إليه، هو فصل وصلة (1) كقوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: 137] وتأويله: وشهد شاهد من بني إسرائيل عليه، أي على أنه من عند الله، وقال أبو إسحاق: الأجود أن يكون (على مثله) على مثل شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم - (2).

    قوله: (فَآمَنَ) يعني الشاهد وهو ابن سلام {وَاسْتَكْبَرْتُمْ} عن الإيمان فلم تؤمنوا، واختلفوا في تقدير جواب قوله: (إن كان من عند الله) فقال صاحب النظم: جوابه محذوف على تقدير: أليس قد ظلمتم (3) فكان قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} دليلاً على هذا الجواب.

    وقال الزجاج: تقديره: فآمن واستكبرتم أتؤمنون (4)، وقال غيره فآمن واستكبرتم أفما تهلكون (5)، وقال الحسن: جوابه من أضل منكم (6)، ووجه تأويل الآية: أخبروني ماذا تقولون إن كان القرآن حقًا من عند الله، وشهد على ذلك عالم بني إسرائيل وآمن به وكفرتم واستكبرتم ألستم تستحقون العقاب، وأنكر قوم منهم الشعبي ومسروق أن يكون الشاهد عبد الله بن سلام، وقالوا: إن إسلامه كان بالمدينة قبل وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بعامين، وآل (1) انظر: الجامع لأحكام القرآن 16/ 189، وتفسير الوسيط 4/ 104.

    (2) انظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 440.

    (3) انظر: التبيان في إعراب القرآن للعكبري 2/ 1155، وزاد المسير 7/ 374، وتفسير الوسيط 4/ 105.

    (4) انظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 440.

    (5) ذكر ذلك الماوردي في تفسيره ونسبه لمذكور 5/ 274، وذكره ابن الجوزي في زاد المسير 7/ 374، وذكره أبو حيان في البحر المحيط 8/ 57.

    (6) ذكر ذلك الماوردي في تفسيره 5/ 274، وابن الجوزي في زاد المسير 7/ 374، وأبو حيان 8/ 57، والمؤلف في الوسيط 4/ 105.

    {حم} نزل بمكة (1)،ثم لم يأت للآية بوجه من التأويل صحيح غير الإنكار، على أن ابن سيرين قد قال في هذه الآية: كانت تنزل الآية فيؤمر أن توضع في سورة كذا، يعني: أن هذه الآية يجوز أن تكون نازلة بالمدينة وأمر أن توضع في سورة مكية (2).

    وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} قال ابن عباس: يريد قريظة والنضير (3)، وقال مقاتل: يعني اليهود (4)، قال أبو إسحاق: أعلم الله -عز وجل - أن هؤلاء المعاندين خاصة لا يؤمنون بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي: قد جعل جزاءهم على كفرهم بعد ما تبين لهم الهدى، مَدَّهم في الضلالة (5).

    11 - قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} قال ابن عباس في رواية عطاء: يعني من كفر من اليهود للذين آمنوا، يعني ابن سلام وأصحابه، (1) أخرج ذلك الطبري عن الشعبي ومسروق. انظر: تفسيره 13/ 2/ 9، وذكره الماوردي في تفسيره 5/ 273، والبغوي في تفسيره 7/ 255.

    وهذا هو الوجه الذي رجحه ابن جرير الطبري قال: والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل لأن قوله {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} في سياق توبيخ الله تعالى ذكره مشركي قريش واحتجاجًا عليهم لنبيه -صلى الله عليه وسلم - وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها, ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر فتوجه هذه الآية أنها نزلت فيهم .. 13/ 2/ 12.

    (2) انظر: معاني القرآن للنحاس 6/ 444، وتفسير الفخر الرازي 28/ 10، والجامع لأحكام القرآن 16/ 188.

    (3) لم أقف عليه.

    (4) انظر: تفسير مقاتل 4/ 19.

    (5) انظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 440.

    وهذا قول السدي

    وقال في رواية الكلبي (1) الذين كفروا أسد (2) وغطفان (3) لما أسلم جهينة (4) ومزينة (5) قالوا: لو كان ما جاء به محمد خيرًا ما سبقنا إليه رعاء البهم؛ يعنون جهينة ومزينة وأسلم وغِفَارًا (6).

    وقال مقاتل: الذين كفروا قريش، والذين آمنوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم - (7). (1) ذكر ذلك الثعلبي في تفسيره 10/ 109 ب، والبغوي في تفسيره 7/ 256، وابن الجوزي في زاد المسير 7/ 375، والقرطبي في الجامع 16/ 190.

    (2) هو: بنو أسد بن خزيمة: قبيلة عظيمة من العدنانية تنتسب إلى أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، وهي ذات بطون كثيرة منازلهم كانت بلادهم فيما يلي الكرخ من أرض نجد وفي مجاورة طي.

    انظر: نهاية الأرب للقلقشندي ص 47، ومعجم قبائل العرب لكحالة 1/ 21.

    (3) هم: بنو غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بطن عظيم متسع كثير الشعوب والأفخاد وقد حاربهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في غزوة الخندق وهي الأحزاب.

    انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 248، ومعجم قبائل العرب 3/ 888.

    (4) هم: بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سويد بن أسلم حي عظيم من قضاعة من القحطانية كانت مساكنهم ما بين الينبع ويثرب قاتلوا مع خالد بن الوليد في فتح مكة وقاتلوا في غزوة حنين.

    انظر: جمهرة أنساب العرب ص 444، ومعجم قبائل العرب 1/ 216.

    (5) هم: بنو عمرو بن أد عثمان وأوس، وأمهما مزينة بنت كلب بن وبرة، فنسب ولدها إليها، كانت مساكن مزينة بين المدينة ووادي القرى.

    انظر: جمهرة أنساب العرب ص 201، ومعجم قبائل العرب 3/ 1083.

    (6) ذكر ذلك الثعلبي في تفسيره 10/ 109 ب، والماوردي في تفسيره 5/ 274، وانظر: تنوير المقباس ص 503.

    (7) انظر: تفسير مقاتل 4/ 19.

    وقال الحسن: كانت غفار وأسلم أهل سلة في الجاهلية، أي سرقة، فلما أسلموا قالت قريش: لو كان خيرًا ما سبقونا إليه (1).

    وذكر صاحب النظم في اللام في قوله: {لِلَّذِينَ آمَنُوا} وجهين: أحدهما أن تكون اللام بمنزلة الإيماء إليهم، كأنه يقول: وقال الذين كفروا لو كان هذا الذي جاء به محمد خيرًا لما سبقنا هؤلاء إليه، فقام قوله: (للذين آمنوا) مقام هؤلاء بالتفسير لهم مَن هم، والوجه الآخر: أن يكون المعنى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا على المخاطبة كما تقول: قال زيد لعمرو، ثم ترك المخاطبة (2) ولون الكلام كقوله: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] قوله: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ} أي: ولما لم يصيبوا الهداية بالقرآن فسينسبونه إلى الكذب وهو قوله: {فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي: أساطير الأولين. ويدل على أن المراد بقوله: (الذين كفروا) اليهود قوله: {وَمِنْ قَبْلِهِ} يعني قبل: القرآن {كِتَابُ مُوسَى} يريد التوراة {إِمَامًا} يقتدى به {وَرَحْمَةً} من الله عز وجل للناظر فيه بما يجد من نور الهدى، وفي الكلام محذوف به يتم المعنى على تقدير: فلم يهتدوا به، ودل على هذا المحذوف قوله في الآية الأولى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ} (3)، وذلك أن في التوراة بيان بعث النبي -صلى الله عليه وسلم - والإيمان به فتركوا ذلك، وهذا (1) لم أقف عليه.

    (2) ذكر السمين الحلبي في الدر المصون أن اللام يجوز أن تكون لام العلة أي لأجلهم، وأن تكون للتبليغ. انظر: الدر المصون 6/ 137.

    (3) ذكر ذلك البغوي في تفسيره / 256، وابن الجوزي في زاد المسير 7/ 376، والقرطبي في الجامع 16/ 191، والمؤلف في تفسير الوسيط 4/ 105.

    معنى قول مقاتل؛ لأنه قال: ومن قبل هذا القرآن قد كذبوا بالتوراة لقولهم (1) {إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص: 48].

    قال أبو إسحاق: (إمامًا) منصوب على الحال ورحمةً عطف عليه (2)، وتقدير الكلام: وتقدمه كتاب موسى إماماً؛ لأن معنى (ومن قبله) تقدمه وتم الكلام (3)، ثم قال: {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ} قال المفسرون: للكتب التي قبله (4).

    قال أبو إسحاق: مصدق لما بين يديه، كما قال: {كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [الأحقاف: 30] وحذف هاهنا التقدم (5).

    12 - قوله: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى} والمعنى: وهذا كتاب مصدق له أي لكتاب موسى، فحذف للعلم به، و {لِسَانًا عَرَبِيًّا} منصوب على الحال، المعنى: مصدق لما بين يديه عربيًّا، وذكر (لسانًا) توكيد كما تقول: جاءني زيد رجلاً صالحًا، فتذكر رجلاً توكيدًا، قال وفيه وجه آخر وهو: وهذا كتاب مصدق النبي -صلى الله عليه وسلم - فيكون التقدير مصدق ذا لسان عربي (6)، وذكر الأخفش هذين القولين أيضًا (7). (1) انظر: تفسير مقاتل 4/ 19.

    (2) انظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 440.

    (3) انظر: القطع والائتناف للنحاس ص 661، والمكتفى للداني ص 521.

    (4) انظر: تفسير البغوي 7/ 256، والجامع لأحكام القرآن 16/ 191.

    (5) الذي في معاني القرآن للزجاج: (وحذف له هاهنا أعني من قوله: وهذا كتاب مصدق لأن قبله ومن قبله كتاب موسى، فالمعنى وهذا كتاب مصدق له، أي مصدق التوراة) 4/ 441.

    (6) انظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 441.

    (7) انظر: معاني القرآن للأخفش 2/ 693.

    قوله: {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} قال ابن عباس: أشركوا (1)، وقال مقاتل: يعني مشركي مكة (2).

    وفي قوله (لينذر) قراءتان (3): التاء: لكثرة ما ورد من هذا المعنى بالمخاطبة كقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45] و {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7] {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2] والياء لتقدم ذكر الكتاب، فأسند الإنذار إلى الكتاب كما أسند إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم - في قوله: {عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}، {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} [الكهف: 1 - 2].

    وقوله: {وَبُشْرَى}، قال إسحاق: الأجود أن يكون (وبشرى) في موضع رفع، المعنى: وهو بشرى للمحسنين. قال: ويجوز أن يكون في موضع نصب على معنى: لتنذر الذين ظلموا وتبشر المحسنين بشرى (4)، وزاد الفراء هذا الوجه بيانًا فقال: النصب على (لتنذر الذين ظلموا) وتبشر، فإذا وضعت في موضعه بشرى أو بشارة، نصبت، ومثله في الكلام: أعوذ بالله منك. وسَقْيًا لفلان، كأنه قال: وسقى الله فلانًا، وجئت لأكرمك وزيارة لك وقضاء لحقك، معناه لأزورك وأقضي حقك، فتنصب الزيارةَ والقضاءَ بفعل مضمر (5). (1) انظر: تنوير المقباس ص 503.

    (2) انظر: تفسير مقاتل 4/ 19.

    (3) قرأ ابن نافع وابن عامر والبزي بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. انظر: الكشف عن وجوه القراءات لمكي 2/ 271، وحجة القراءات لابن زنجلة ص 662.

    (4) انظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 441.

    (5) انظر: معاني القرآن للفراء 3/ 52، والكشف والبيان للثعلبي 10/ 110 أ.

    قوله تعالى: {لِلْمُحْسِنِينَ} قال عطاء والكلبي (1) ومقاتل (2): وبشرى بالجنة للموحدين المؤمنين.

    13 - قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} روى الأسود بن هلال (3) عن أبي بكر الصديق، في هذه الآية، قال: استقاموا على ما افترض عليهم (4)، وقال مقاتل: استقاموا على المعرفة فلم يرتدوا عنها (5). وهذه الآية مفسَّرة في سورة حم السجدة [آية: 30].

    15 - قوله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} قد تقدَّم الكلامُ في نظير هذه الآية في سورة العنكبوت [آية: 30] ولقمان [آية: 14].

    قوله: {إِحْسَانًا} قال مقاتل: برًّا (6) وقرئ (إحسانًا) والإحسان خلاف الإساءة، والحسن خلاف القبح، فمن قال (إحسانًا) فحجته قوله في سورة بني إسرائيل: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] لم يختلفوا فيه، وانتصابه على المصدر، وذلك أن معنى قوله (ووصينا الإنسان): أمرناه بالإحسان أي ليأت الإحسان إليهما دون الإساءة، ولا يجوز أن يكون انتصابه بوصينا؛ لأن وصينا قد استوفى مفعوليه أحدهما: الإنسان، والآخر: المتعلق بالباء، ومن قال (حُسْنًا) كان المعنى ليأت في أمرهما أمرًا ذا حسن (1) انظر: تنوير المقباس ص 503.

    (2) انظر: تفسير مقاتل 4/ 19.

    (3) هو: الأسود بن هلال المحاربي كوفي قتل في الجماجم سنة نيف وثمانين، وقيل: أدرك الجاهلية وحديثه عن الصحابة في الصحيحين وغيرهما عن معاذ بن جبل. انظر: أسد الغابة 1/ 88، والإصابة 1/ 105.

    (4) أخرج ذلك الطبري في تفسيره 12/ 2/ 15، وذكره القرطبي في الجامع 15/ 358.

    (5) انظر: تفسير مقاتل 4/ 19، 20.

    (6) انظر: تفسير مقاتل 4/ 19، 20.

    أي: ليأت الحسن في شأنهما دون القبح، وحجته ما في العنكبوت {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [آية: 8] لم يختلف فيه، فأما الباء في قوله: {بِوَالِدَيْهِ} فإنها تتعلق بوصينا بدلالة قوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: 151 - 153] ويجوز أن تتعلق بالإحسان, يدل على ذلك قوله: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} [يوسف: 100] وعلى هذا تعلقها بمضمر يفسره الإحسان؛ لأنه يجوز تقدمها على الموصول، ولكن يضمر ما يتعلق به، ويجعل الإحسان مفسرًا لذلك المضمر، كأنه قيل: ووصينا الإنسان أن يحسن بوالديه، ومثل هذا قول الراجز:

    كان جَزَائِي بالعَصا أَنْ أُجْلَدَا (1)

    في قول من علق الباء بالجلد، ولم يعلقه بالجزاء (2) قوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا} وقرئ (كَرْهًا) (3) والكَرْه المصدر من كَرِهْتُ الشيء أَكْرَهُهُ، والكُرْه الاسم، كأنه الشيء المكروه، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] فهذا (4) وقال: {أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19] فهذا في موضع حال، ولم تقرأ بغير الفتح، فما كان مصدرًا أو في موضع الحال فالفتح فيه أحسن، وما كان اسمًا نحو: ذهب به على كُرهٍ، كان الضم فيه أحسن، وقد قيل إنهما لغتان، فمن ذهب إلى ذلك جعلهما مثل الشَّرْبِ والشُّرْب، والضَّعف والضُّعف، والفَقْر والفُقْر، (1) الرجز للعجاج. انظر: المحتسب 2/ 310، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب لأبي علي ص 119، والحجة 6/ 182.

    (2) انظر: الحجة لأبي علي 6/ 182.

    (3) وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبو عمرو. انظر: الحجة 6/ 184.

    (4) فيه زيادة لفظ (بالضم). انظر: الحجة 6/ 184.

    ومن غير المصادر الدَّفُّ والدُّف، والشَّهْد والشُّهْد (1).

    قال المفسرون: حملته أمه في مشقة ووضعته في مشقة (2)، وليس يريد ابتداء الحمل؛ لأن ذلك لا يكون مشقة، وقد قال الله تعالى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا} [الأعراف: 189] يريد ابتداء الحمل، فإنها تحمل علقة ومضغة، فإذا ثقلت حينئذ حملته كرهًا، يدل على ما ذكرنا قول ابن عباس في هذه الآية: يريد ثقل عليها يعني الولد في حملها إياه، ووضعته كرها، يريد شدة الطلق (3).

    قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} يريد أن مدة حمله إلى أن فصل من الرضاع كانت هذا القدر، والمعنى: أنهما يقعان في ثلاثين شهرًا من ابتداء الحمل إلى أن يفصل. روى مسلم بن صبيح عن ابن عباس قال: حملته ستة أشهر والفصال حولين، وروى عكرمة عنه قال: إذا حملت تسعة أشهر أرضعته إحدى وعشرين شهرًا، وإذا حملته ستة أشهر أرضعته أربعة وعشرين شهرًا (4).

    وهذه الآية نازلة في أبي بكر الصديق رضي الله عنه (5)، روى ذلك (1) انظر: الحجة لأبي علي 6/ 184.

    (2) انظر: تفسير الطبري 13/ 2/ 15، وتفسير الماوردي 5/ 276، وتفسير ابن كثير 6/ 280.

    (3) ذكر ذلك في الوسيط عن ابن عباس، انظر: 4/ 107.

    (4) ذكر ذلك البغوي في تفسيره 7/ 257، وأخرجه ابن كثير في تفسيره عن عكرمة عن ابن عباس 6/ 281.

    (5) أورد ذلك المؤلف في أسباب النزول بدون سند ص 401، وذكره الثعلبي في تفسيره 10/ 110 ب، وكذلك ذكره البغوي في تفسيره 7/ 257، وابن الجوزي في زاد المسير 7/ 378.

    الكلبي وعطاء عن ابن عباس. وهو قول مقاتل (1) واختيار صاحب النظم قال: لأن الله تعالى قد وَقَّتَ الحمل والفصال هاهنا بتوقيت يعلم أنه قد ينقص ويزيد لاختلاف الناس في الولادة، فدل هذا على أنه مقصود به إنسان بعينه كان حمله وفصاله ثلاثين شهرًا، فيمكن أن يكون أبو بكر كان حمله وفصاله هذا القدر، ويدل على ما ذكرنا قوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ}، إلى آخر الآية، وقد علمنا أن كثيرًا ممن بلغ هذا المبلغ من المؤمنين وغيرهم لم يكن منه هذا القول، فثبت بذلك أن هذا في إنسان بعينه وهو الصديق رضي الله عنه (2)، والآية من باب حذف المضاف لأن التقدير: ومدة حمله وفصاله ثلاثون شهرًا.

    قال الأزهري المعنى: ومَدَى الحَمْل للمرأة منتهى الوقت الذي يفصل فيه الولد عن رضاعه ثلاثون شهرًا (3)، والكلام في معنى الفصال قد تقدم في سورة البقرة [آية: 123].

    قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} اختلفوا في معنى بلوغ الأشد هاهنا فروى عطاء عن ابن عباس قال: يريد ثمان عشرة سنة، وذلك أن أبا بكر صحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبي -صلى الله عليه وسلم - ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في التجارة فنزلوا منزلا فيه سدرة فقعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله من الدين فقال له: مَنْ الرجل (1) انظر: تفسير مقاتل 4/ 20.

    (2) وهو الذي ورد في سبب نزول الآية كما سبقت الإشارة إليه، وقد ذكر السيوطي في الدر أنه أخرجه ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: الدر المنثور 7/ 441.

    (3) انظر: تهذيب اللغة (فصل) 12/ 193.

    الذي في ظل السدرة؟ فقال: ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال: هذا والله نبي، وما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم إلا محمد نبي الله، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق، وكان لا يكاد يفارق رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في أسفاره وحضوره فلما نبىء رسول الله -صلى الله عليه

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1