Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التخطيط والسياسات اللغوية في دول البلطيق: ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا
التخطيط والسياسات اللغوية في دول البلطيق: ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا
التخطيط والسياسات اللغوية في دول البلطيق: ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا
Ebook546 pages3 hours

التخطيط والسياسات اللغوية في دول البلطيق: ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

ينطلق هذا الكتاب من سؤال رئيس، هو: ما تجربة التخطيط اللغوي في دول البلطيق؟ ويندرج تحت هذا السؤال الرئيس أسئلة فرعية عدة، منها: -          ما مفهوم السياسة اللغوية؟ وما أنواعها؟ -          ما أهم المراحل التي مرت بها دول البلطيق لرسم السياسة اللغوية وبناء التخطيط اللغوي؟ -          كيف تعاملت دول البلطيق مع لغاتها الوطنية ومع اللغات الأجنبية ولغات الأقليات؟ -          ما الجهات الفاعلة في تنفيذ السياسات اللغوية في هذه الدول؟ -          ما أثر التخطيط اللغوي على الواقع اللغوي في دول البلطيق؟ -          ما انعكاسات السياسات اللغوية على المجتمع وعلى الأقليات في دول البلطيق؟ -          ما دور اللغة في الاندماج أو في الاستبعاد في المجتمع البلطيقي؟ -          لماذا تحتاج دول البلطيق إلى سياسات لغوية؟ -          هل يتم التخطيط للغة الوطنية في جميع المجالات الحيوية؟ -          ما تقييم تجارب دول البلطيق في التخطيط اللغوي؟ -          كيف يمكن الاستفادة من تجارب دول البلطيق في التخطيط للغة العربية والتعريب في العالم العربي؟
Languageالعربية
Release dateMay 31, 2019
ISBN9789948374824
التخطيط والسياسات اللغوية في دول البلطيق: ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا
Author

Prof. Dr. Mohammed Ahmed Tajjo

{محمد أحمد طجو{ من مواليد حلب/ سوريا 1957 م. حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي الحديث من جامعة بواتييهPoitiers  في فرنسا عام 1989 م. أستاذ في جامعة حلب سابقاً والملك سعود حالياً. مترجم محلَّف معتمد من وزارة العدل السورية منذ 2/11/1995 م. عضو اللجنة العلمية ولجنة القراءة في عدد من المجلات العلمية والثقافية، مثل مجلة Synergies monde arabe. عضو في عدد من الجمعيات العلمية والثقافية، مثل جمعية العاديات في حلب/ سوريا. من مؤلفاته: - "تطبيقات عملية في الترجمة المختصة، فرنسي/عربي"، جامعة الملك سعود، الرياض - 2009 م. من ترجماته: - "النقد الأدبي الفرنسي في القرن العشرين"، تأليف: ميشيل جاريتي، جامعة الملك سعود، الرياض - 2004 م. - "الترجمة فهمها وتعلمها"، تأليف: دانييل جيل، جامعة الملك سعود، الرياض - 2009 م (جائزة أفضل كتاب مترجم في معرض الكويت للكتاب لعام 2010 م). - "مدخل إلى علم الترجمة. التأمل في الترجمة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً"، تأليف ماتيو غيدير، جامعة الملك سعود، الرياض - 2012 م. - "كيف يدير الدماغ مصالحي. علم الاقتصاد العصبي"، تأليف: ساشا بورجوا جيروند، كتاب العربية 175، الرياض - 2014 م. - "تاريخ العلوم وفلسفتها"، تحرير توماس لوبلتييه، كتاب العربية 195، الرياض - 2017 م (القائمة القصيرة في جائزة الشيخ زايد للكتاب الدورة الثانية عشرة 2017/2018 م). من بحوثه في التخطيط والسياسة اللغوية - "التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية في فرنسا: دراسة حالة"، في كتاب "الاستراتيجيات الدولية في خدمة اللغات الوطنية. دراسة لحالات مختلفة في التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية". تحرير: د. محمود بن عبد الله المحمود، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، الرياض - 2016 م. - "سياسة الترجمة في فرنسا"، مجلة التخطيط والسياسة اللغوية، العدد 3 - 2016 م. - "التخطيط والسياسة اللغوية والثقافية في سويسرا"، مجلة التخطيط والسياسة اللغوية، العدد 5 - 2017 م. - "تجارب أوروبية في التخطيط والسياسة اللغوية: (إستونيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا)"، في كتاب "التعريب الواقع والطموح"، تقديم د. صالح بلقاسم بلحسن، معهد الملك عبد الله للتعريب والترجمة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض- 2018 م.

Related to التخطيط والسياسات اللغوية في دول البلطيق

Related ebooks

Reviews for التخطيط والسياسات اللغوية في دول البلطيق

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التخطيط والسياسات اللغوية في دول البلطيق - Prof. Dr. Mohammed Ahmed Tajjo

    والسادس

    نبذة عن الكاتب

    من مواليد حلب/ سوريا 1957 م.

    حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي الحديث من جامعة بواتييهPoitiers في فرنسا عام 1989 م.

    أستاذ في جامعة حلب سابقاً والملك سعود حالياً.

    مترجم محلَّف معتمد من وزارة العدل السورية منذ 2/11/1995 م.

    عضو اللجنة العلمية ولجنة القراءة في عدد من المجلات العلمية والثقافية، مثل مجلة Synergies monde arabe.

    عضو في عدد من الجمعيات العلمية والثقافية، مثل جمعية العاديات في حلب/ سوريا.

    من مؤلفاته:

    - تطبيقات عملية في الترجمة المختصة، فرنسي/عربي، جامعة الملك سعود، الرياض - 2009 م.

    من ترجماته:

    - النقد الأدبي الفرنسي في القرن العشرين، تأليف: ميشيل جاريتي، جامعة الملك سعود، الرياض - 2004 م.

    - الترجمة فهمها وتعلمها، تأليف: دانييل جيل، جامعة الملك سعود، الرياض - 2009 م (جائزة أفضل كتاب مترجم في معرض الكويت للكتاب لعام 2010 م).

    - مدخل إلى علم الترجمة. التأمل في الترجمة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، تأليف ماتيو غيدير، جامعة الملك سعود، الرياض - 2012 م.

    - كيف يدير الدماغ مصالحي. علم الاقتصاد العصبي، تأليف: ساشا بورجوا جيروند، كتاب العربية 175، الرياض - 2014 م.

    - تاريخ العلوم وفلسفتها، تحرير توماس لوبلتييه، كتاب العربية 195، الرياض - 2017 م (القائمة القصيرة في جائزة الشيخ زايد للكتاب الدورة الثانية عشرة 2017/2018 م).

    من بحوثه في التخطيط والسياسة اللغوية

    - التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية في فرنسا: دراسة حالة، في كتاب الاستراتيجيات الدولية في خدمة اللغات الوطنية. دراسة لحالات مختلفة في التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية. تحرير: د. محمود بن عبد الله المحمود، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، الرياض - 2016 م.

    - سياسة الترجمة في فرنسا، مجلة التخطيط والسياسة اللغوية، العدد 3 - 2016 م.

    - التخطيط والسياسة اللغوية والثقافية في سويسرا، مجلة التخطيط والسياسة اللغوية، العدد 5 - 2017 م.

    - تجارب أوروبية في التخطيط والسياسة اللغوية: (إستونيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا)، في كتاب التعريب الواقع والطموح، تقديم د. صالح بلقاسم بلحسن، معهد الملك عبد الله للتعريب والترجمة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض- 2018 م.

    الإهــــداء

    إلى روح أبي الطاهرة

    حقوق النشر©

    محمد أحمد طجو (2019)

    يمتلك محمد أحمد طجو الحق كمؤلف لهذا العمل، وفقاً للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة.

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأية وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 978-9948-37-484-8 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 978-9948-37-482-4 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب: MC-02-01-4913006

    التصنيف العمري:17+

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقا لنظام التصنيف العمري الصادر عن المجلس الوطني للإعلام.

    اسم المطبعة:

    مسار للطباعة والنشر (ش.ذ.م.م)

    عنوان المطبعة:

    دبي، الإمارات العربية المتحدة

    الطبعة الأولى (2019)

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    +971 655 95 202

    شكر وتقدير

    زوجتي العزيزة

    ولو أنني أُوتيت كل بلاغةٍ وأفنيتُ بحرَ النطقِ في النظمِ والنثرِ

    لما كنتُ بعد القولِ إلّا مقصراً ومعترفاً بالعجزِ عن واجبِ الشُــكرِ

    بسم الله الرحمن الرحيم

    توطئة

    يتمتع بحر البلطيق الذي يعطي اسمه لثلاثة دول صغيرة هي: إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا بأهمية استراتيجية كبيرة؛ بسبب وقوعه وسط الحوض الإسكندنافي الذي يتبع للمحيط الأطلسي، والذي تبلغ مساحته 400 ألف كم². يقع بحر البلطيق بين السويد شمالاً، وروسيا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا شرقاً، وبولندا وألمانيا جنوباً، والدنمارك غرباً. ويتصل ببحر الشمال عن طريق قناة كيل، وبالبحر الأبيض المتوسط عن طريق قناة البلطيق، وتطل عليه مجموعة كبيرة من الموانئ الهامة، الأمر الذي يجعله بالغ الأهمية بالنسبة إلى الدول التي تطل عليه.

    تحتل دول البلطيق إذاً أهمية كبيرة على مستويات عدة، وهي أهمية تنبع من نقاط مشتركة؛ مثل موقعها الجغرافي على بحر البلطيق، ومصيرها المشترك الذي شكله التاريخ (Courtois, 2013: 2)، إذ كانت جمهوريات سوفيتية سابقة خضعت للرقابة السياسية وللقمع، وللتبعية الاقتصادية للنظام السوفيتي، ولانقطاع اتصالها السياسي والاقتصادي والثقافي بالعالم الخارجي، فضلاً عن حصولها على الاستقلال بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وقبولها في الأمم المتحدة، وإعادة بناء الدولة، وتعزيز مفهوم الأمة، وتطوير الاقتصاد واندماجه في الاقتصاد العالمي، وتشجيع الديمقراطية، والبحث عن الأمن، والانضمام للاتحاد الأوروبي ولحلف شمال الأطلسي (NATO) في عام 2004 م. لكن النقاط المشتركة أو نقاط التشابه هذه تنطوي على خطر عدم تمييزها عن بعضها البعض؛ لذلك فإن نقاط التمييز بين هذه الدول كثيرة أيضاً، وهي تاريخية، ودينية، وثقافية، ولغوية، واقتصادية، وجغرافية سياسية... إلخ. وهذا هو السبب الرئيس الثاني لأهميتها؛ فالتمييز بينها يتيح لنا تقدير خصوصيات كل شعب تقديراً جيداً، ومعرفتها معرفة أفضل.

    تاريخياً، عانت الدول الثلاث من الهيمنة الدينية والأجنبية بعامة والسوفيتية بخاصة، إذ أخذت المسيحية تتغلغل إليها بفضل نفوذ التجار السويديين منذ القرن السابع، وعلاقاتها التي توسعت في القرن التاسع لتصل إلى بيزنطة وبغداد؛ في المنطقة الممتدة بين بحر البلطيق والبحر الأسود. فبينما كانت أوروبا منهمكة بالحملات الصليبية المتوجهة إلى الشرق، كانت المسيحية الكاثوليكية تدخل ببطء في دول البلطيق في بداية الأمر، وفي إطار المبادرات السياسية أو العسكرية. فقد قام الأَسقُف الألماني (ألبير دوبوكسوفدن/ (Al Bear-Doboksovden في عام 1201 م، بدعم من البابا (إنوسنت الثالث/ (Enosent III، بتأسيس مرفأ ريفا Reva))، وجعله مكاناً لإقامة البرجوازيين والتجار الذين جاء بهم من المدن الألمانية، لا سيما هامبورغ وبرلين. وبعد أقل من ثلاث سنوات، نشأ تنظيم يضم مجموعة من الفرسان على غرار التنظيم الذي كان معروفاً في ذلك الوقت باسم حراس الهيكل. وهكذا فُرضت المسيحية بالاحتلال، وهيمن حراس الهيكل على الجزء الأكبر من إستونيا وليتوانيا، ولم يتوقف توسعهم باتجاه الشرق إلا في عام 1242 م. وقد نمت مع الازدهار التجاري طبقة مدنية ذات أصول ألمانية اندمجت مع حراس الهيكل في البلطيق، فضلاً عن فرسان الهيكل العائدين من الحروب الصليبية في الشرق.

    تم في ليتوانيا في القرن الرابع عشر تشكيل إمارة كبرى عرفت باسم ليتوانيا الكبرى، كان يقودها (ميندوكاس/ (Mindokass وخلفاؤه الذين كانوا يقودون شعوباً كبيرة تعتنق المذهب الأرثودوكسي، ما بين البلطيق والبحر الأسود. وقد تمكن ملوك السويد منذ (غوستاف أدولف/ Gustaf Adolf) من فرض سيطرتهم على إستونيا وليفونيا. في عام 1662 م، فرض الملك السويدي (شارل الحادي عشر (Charles XI de Suède /حكمه بإبرام معاهدة أوليغا (Oliega) للسلام، التي فرضت إرادته السياسية، ثم قام بتأسيس جامعة (تارتو(Tartu/ الإصلاحية، إلا أن الهيمنة ما لبثت أن أثارت ضغينة بارونات البلطيق الألمان، أصحاب الامتيازات، فتعاونوا مع القيصر الروسي (بطرس الأكبر (Pierre Ier le Grand الذي غزا ليفونيا، إذ استقبله النبلاء باعتباره محرراً لبلادهم عام 1709 م.

    وقعت معاهدة )نيستاد (Nestad في عام 1791 م، وحصلت عملية تقسيم بولندا؛ ليتحدد مصير دول البلطيق لمدة قرنين من الزمان، فقد تمكن البارونات من تثبيت امتيازاتهم، وظهر في مقابل ذلك سخط الفلاحين جلياً، ما أدى إلى تشكل نواة قومية في إطار المشكلة الاجتماعية البلطيقية. ولم يؤدِ إلغاء العبودية في بداية القرن التاسع عشر إلى تحسن أحوال الفلاحين في البلطيق.

    عجّل مجيء القيصر الروسي (نيقولا الثاني/ (Nichola II de Russie وقمعه ثورة عام 1830 م في النهضة القومية. كانت ثورة 1830 م الليتوانية من صنع الأرستقراطية والبرجوازية والكنيسة، التي كانت جميعها ذات ثقافات بولندية كاثوليكية، لكن سحقها قضى على كل أثر بولندي في ليتوانيا، وشكّل في المقابل أساساً لمد ٍقومي ليتواني، على الرغم من إغلاق جامعة (فيلنيوس/ Vilnius).. (عبد علي، 2011: 208).

    شهدت منطقة البلطيق في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية 1914 - 1939، صراع الدول الكبرى في المنطقة، وكان لدول البلطيق أوفى نصيب بعد الحرب العالمية؛ فقد واتتها الفرصة بعد نهاية الحرب لتحقيق آمالها الوطنية، ولتتحرر وتحيا حياة خاصة ومستقلة، بعد أن كانت ساحة دائمة للمعارك التي كانت تنشب بين جيرانها الأقوياء: روسيا، وألمانيا، وبولندا، والسويد. ولكن هذه الدول تعرضت للغزو وللاحتلال السوفيتي من جديد، إذ شكّلت منطقة البلطيق لمدة نصف قرن من الزمان هوة سحيقة بين عالمين متناقضين (سوفيتي اشتراكي، وغربي رأسمالي)، واندلعت الحرب العالمية لتعلن سيطرة الاتحاد السوفيتي على هذه البلدان، لا سيما بعد توقيع ميثاق عدم الاعتداء الألماني - السوفيتي في 23 أغسطس 1939 م؛ لتجعل هذه الدول فريسة للاحتلال السوفيتي العسكري، فتشكلت في كل من ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا؛ جمهوريات سوفيتية في إطار الاتحاد السوفيتي.

    أعلنت دول البلطيق استقلالها بعد سقوط الشيوعية السوفيتية في أغسطس 1991 م، واعترفت الحكومة السوفيتية باستقلال ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا في 6 سبتمبر 1991 م، وقُبلت الدول الثلاث في الأمم المتحدة، في نهاية الشهر نفسه (Leclerc, 2016). كان عليها مواجهة تبعات نصف قرن من الاحتلال والهيمنة بجميع أشكالها، وحل مشكلات رئيسة، يتعلق أهمها فيما يخص موضوع كتابنا هذا بسياساتها تجاه لغاتها الوطنية، وبالأقليات؛ لا سيما الأقلية الروسية.

    إن نقاط الاختلاف بين دول البلطيق كثيرة، على الرغم من النقاط المشتركة. تتميز هذه الدول ببعض الاختلافات في المكونات الإثنية، والدينية، والثقافية، واللغوية. توجد أقلية بولندية مهمة في ليتوانيا (7٪ من السكان)، وأقلية روسية أكثر أهمية في إستونيا (26٪) وفي لاتفيا (29,6٪). وأما على الصعيد الديني؛ فإن ليتوانيا كاثوليكية، في حين أن الأكثرية في لاتفيا وإستونيا بروتستانتية. وتعتبر ليتوانيا من الناحية الثقافية أكثر قرباً من دول أوروبا الوسطى، بينما تعتبر إستونيا أقرب لأوروبا الشمالية. وهكذا، اختلفت هذه الدول في سلوكها أثناء المرحلة الانتقالية، فقد ذهبت إستونيا بعيداً جداً في الإصلاحات، الأمر الذي أخذه الاتحاد الأوروبي بعين الاعتبار، عندما قرر بدء مفاوضات الانضمام مع هذه الدولة منذ عام 1997 م، وهو خيار عززه تقرير نوفمبر 2000 م، الذي قدّم إستونيا باعتبارها إحدى أقرب الدول للانضمام، (Mathias, 2001). وأمّا لاتفيا فقد تداركت شيئاً فشيئاً تأخرها مقارنة بجارتها الشمالية، بينما كانت ليتوانيا – الأقل تطوراً – الأكثر تأثراً بأزمة عام 1998 الروسية.

    في المجال الثقافي والتراثي، نشير سريعاً إلى أن المطبخ الليتواني يشتهر بوفرة مآكله وصعوبة هضمها، بينما تكثر في المطبخ الإستوني: الألبان والأجبان، والسمك، والحساء. ويشكل الغناء في إستونيا وليتوانيا مرجعاً للهوية لا مثيل له. وتعتبر إستونيا الموسيقى جزءاً غير قابل للانفصال عن ثقافتها.

    أمّا لغويا، فإن اللغة الرسمية في إستونيا هي الإستونية، التي تنتمي إلى عائلة اللغات الأورالية (ouraliennes)، بينما تنتمي اللغتان (اللاتفية/ (letton و)الليتوانية/ lituanien) إلى اللغات الهندو - الأوروبية. وقد اتخذت الدول الثلاث إجراءات توصف بالصارمةِ جداً، لاستعادة المكانة التي فقدتها لغاتها إبان النظام السوفيتي؛ مثل إصدار القوانين التي تفرض استخدام اللغة الوطنية في جميع المجالات، واعتبارها شرطاً لازماً للحصول على المواطنة. تمتلك ليتوانيا أعلى نسبة للمتحدثين باللغة الوطنية (84,1٪)، مقابل (62,1٪) في لاتفيا، و(68,7٪) في إستونيا. وقد اهتمت الدول الثلاث بتعليم اللغات الأجنبية، وتبنت سياسات مختلفة تجاه الأقليات، تمحورت حول أربع نقاط رئيسة:

    تعريف المواطنة والحصول عليها.

    المشاركة في إدارة الشؤون الحكومية.

    التعليم بلغات الأقليات.

    الحصول على العمل وعلى المناصب الإدارية.

    وفضلاً عن ذلك، ترك الموقع الجغرافي لكل دولة انعكاسات على اقتصادها، لا سيما على وجهة التصدير. حيث تعتبر فنلندا المستورد الأول للمنتجات الإستونية، وألمانيا المستورد المفضل لدى ليتوانيا. وتصدر الدول الثلاث المواد الأولية والتكنولوجيا المتطورة.

    تختلف علاقات دول البلطيق مع روسيا، إذ اختارت ليتوانيا تبني سياسة أكثر تصالحية معها، وتشجيع الحوار والبحث عن أهداف مشتركة، في ظل احترام الحق لكل دولة باختيار وسائلها الأمنية (Synthèse N° 124, 2004). فالرغبة في الانضمام إلى حلف الأطلسي تختلف باختلاف العلاقات مع روسيا؛ ولهذا كان دعم الليتوانيين لانضمام بلدهم للحلف أقل صراحة بسبب الصداقة الروسية الليتوانية، بينما عبّرت لاتفيا وليتوانيا عن رغبة أكثر وضوحاً؛ بسبب علاقاتها المتوترة مع موسكو.

    تشكل بعض القضايا المتعلقة بالحدود والطاقة نقاطاً للخلاف أو للتعاون بين روسيا ودول البلطيق، وهي نقاط لا يتسع المقام لذكرها والتوسع فيها. بيد أن الاختلافات العديدة المهمة بين ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا كافية لتقدير أهمية كل دولة على حدة، وتمييزها بشكل فردي، بالطريقة التي يميز فيها الأوربيون بين بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ.

    يسلط هذا الكتاب الضوء على التخطيط والسياسات اللغوية في دول البلطيق الثلاث، تجاه لغاتها الوطنية، وتجاه الأقليات فيها. ويشكل هذان المحوران الموضوعين الرئيسين للكتاب، الذي يعد الأول باللغة العربية عن دول البلطيق، والذي يقدم كل دولة من خلالهما، ويعقد مقارنات بين هذه الدول، ويرمي بشكل رئيس إلى الاطِّلاع على بعض أنواع السياسات اللغوية، والاستراتيجيات المتبعة في التخطيط اللغوي، والتجارب الخاصة بدول البلطيق، وإلى الاستفادة من هذه التجارب في التخطيط للغة العربية والتعريب.

    والله ولي التوفيق..

    مقدمة

    يرى بعض علماء اللغة أن اللغة كائن حي، ينمو ويكبر ويتطور ويتغير ويُستبدل. ويرون أيضاً أنها تموت كما يموت الإنسان، ما يعني أن مصيرها مرتبط بمصيره؛ فتبقى ببقائه وتزول بزواله. واللغة ليست فقط نظاماً لغوياً مزدوج التمفصل، وإنما أيضاً رمز ومكوِّن رئيس للهوية ووسيلة لتحقيقها، فهي تضعنا في مقابل الآخرين وتميزنا عنهم. واللغة أيضاً أداة اقتصادية على المستوى الفردي والوطني والدولي، وأداة سياسية مؤثرة، تملكها السلطة في مختلف مجالات الحياة، لا سيما عندما تقوم بإذكاء المشاعر الوطنية وبناء أمة موحدة وقوية؛ لذلك تتدخل معظم الدول في اللغات، وتوليها عناية فائقة، وتبذل جهوداً قصدية وواعية ومعلنة لإحيائها وحفظها وإصلاحها وإعلاء شأنها، أو حمايتها والدفاع عنها في مواجهة اللغات الأخرى. ويتم كل ذلك من خلال السياسة اللغوية والتخطيط اللغوي اللذين يهدفان إلى التدخل في الخريطة اللغوية على مستويات عدة.

    - إشكالية الكتاب

    موضوع الكتاب التخطيط والسياسات اللغوية وتجارب دول البلطيق في تدبير شؤون اللغات الوطنية والأجنبية والأقليات. يتعلق الموضوع في الواقع بشكل مباشر بأوضاع لغات هذه الدول في المرافق الرسمية والحكومية، وبكيفية تدبير استعمالها باعتبارها لغات وطنية وقومية إلى جانب اللغات الأخرى، سواءً كانت لغة المحتل، أم لغات الأقليات، أم اللغات الأجنبية، لا سيما اللغة الإنجليزية (لغة العولمة). ويتعلق الموضوع أيضاً بسياسات هذه الدول تجاه الأقليات، وكيفية معالجة قضاياها مثل قضايا المواطنة والاندماج والاستبعاد والحصول على الوظائف الإدارية والتعليم، لا سيما تعليم لغات هذه الأقليات.

    - أسئلة الكتاب

    ينطلق الكتاب من سؤال رئيس هو: ما تجربة التخطيط اللغوي في دول البلطيق؟ ويندرج تحت هذا السؤال الرئيس عدة أسئلة فرعية، منها:

    ما مفهوم السياسة اللغوية؟ وما أنواعها؟

    ما أهم المراحل التي مرت بها دول البلطيق؛ لرسم السياسة اللغوية وبناء التخطيط اللغوي؟

    كيف تعاملت دول البلطيق مع لغاتها الوطنية، ومع اللغات الأجنبية ولغات الأقليات؟

    ما الجهات الفاعلة في تنفيذ السياسات اللغوية في هذه الدول؟

    ما أثر التخطيط اللغوي على الواقع اللغوي في دول البلطيق؟

    ما انعكاسات السياسات اللغوية على المجتمع وعلى الأقليات في دول البلطيق؟

    ما دور اللغة في الاندماج، أو في الاستبعاد في المجتمع البلطيقي؟

    لماذا تحتاج دول البلطيق إلى سياسات لغوية؟

    هل يتم التخطيط للُّغة الوطنية في جميع المجالات الحيوية؟

    ما تقييم تجارب دول البلطيق في التخطيط اللغوي؟

    كيف يمكن الاستفادة من تجارب دول البلطيق في التخطيط للُّغة العربية والتعريب في العالم العربي؟

    وإنه لمن الصعب في هذا البحث الإجابة عن الأسئلة السابقة كلها بالتفصيل، وقد عمد المؤلف إلى التركيز على بعض الجوانب التي تتسق مع أهداف هذا الكتاب وغاياته. ويمكن أن تكون الأسئلة الأخرى موضوع كتاب آخر لاحق.

    - أهداف الكتاب

    يهدف الكتاب إلى:

    - الاطلاع على بعض أنواع السياسات اللغوية.

    - الاطلاع على الاستراتيجيات المتبعة في التخطيط اللغوي.

    - الاطلاع على تجارب دول البلطيق في السياسات اللغوية.

    - الاستفادة من هذه التجارب في التخطيط للُّغة العربية والتعريب.

    - منهجية الكتاب وأدواته

    يرتكز الكتاب على منهجية دراسة الحالة، وهي إحدى منهجيات البحث التي تستخدمها الدراسات النوعية. ويمكن أن تقوم دراسة الحالة على التاريخ، أو الوصف والتحليل والملاحظة، أو المقارنة. ويقوم كتابنا على دراسة الحالة التاريخية؛ لأنه يعتمد على استقراء التخطيط اللغوي في سياق تاريخي، لكنه لا يستبعد الوصف والتحليل والملاحظة أو المقارنة.

    لقد استخدم المؤلف أدوات بحثية عدة لدراسة التخطيط اللغوي في دول البلطيق، وقام بتحليل الدساتير والقوانين والقرارات، والتقارير والإحصائيات الوطنية والأوروبية، المتوفرة باللغة الفرنسية بشكل رئيس، والمتعلقة بالموضوع، بالإضافة إلى الاطلاع على أدبيات البحث باللغتين العربية والفرنسية، وعلى ترجمة بعض المواقع إلى اللغة العربية لا سيما موقع جامعة (لافال (Laval¹ الكندية، الذي يشرف عليه (جاك لوكليرك/ (Jacques Leclerc. واستفاد المؤلف أيضاً من الملاحظة، وتدوين الملاحظات والمقارنات المتعلقة بهذه الدول. وقد وفرت طرق المصادر المتنوعة هذه؛ كمَّاً كبيراً من المعلومات، على مستويات عدة، تمت الاستفادة منها بما يتلاءم مع الكتاب الحالي وأهدافه.

    - أهمية الكتاب

    تأتي أهمية الكتاب من أهمية استقراء الواقع اللغوي في دول البلطيق والتعرف عليه، ومن كونها دولاً صغيرةً استقلت حديثاً، وعانت سابقاً من الهيمنة السوفيتية. وتعدُّ دراسة الواقع في دول البلطيق واستقراؤه؛ دعوة للساسة والمخططين اللغويين للاستفادة منها في التخطيط للغة العربية وللتعريب. والواقع، أن أثر التخطيط اللغوي لا يقتصر على تخطيط الواقع اللغوي والمصالح الحيوية للمجتمع وتنظيمها فقط، ولكنه يشمل أيضاً قضايا المجتمع الأخرى التي تتسم بأهمية بالغة، ومن هذه القضايا: الهوية، والمواطنة، واللغة الوطنية والتواصل بها، والاندماج الاجتماعي والسياسي من خلال اللغة والحصول على عمل، والأحادية والثنائية أو التعددية اللغوية، وتأثير السياقات الوطنية والأوروبية والعولمية، وانعكاسات السياسات اللغوية على المجتمع والأقليات. ذلك أن التخطيط اللغوي يمكن أن يسهم إسهاماً فاعلاً في حماية اللغة والإعلاء من شأنها، وفي اندماج الأقليات والمهاجرين من اللغات والثقافات المختلفة في المجتمع، وفي حصولهم على العمل، وفي مشاركتهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفي المنافسة على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتأتي أهمية البحث من شمول السياسات اللغوية المتبعة في هذه الدول، ومن أهمية التعددية اللغوية، والتنوع اللغوي في الاتحاد الأوروبي، حيث يتم تعليم لغتين أجنبيتين إضافة إلى اللغة الأم. كما أن أهمية الكتاب تنبع من ندرة الكتب العربية المتعلقة بدول البلطيق، ومن شحِّ الكتب المتعلقة بالتخطيط للُّغة من جهة أخرى.

    - الإطار النظري

    سوف نتكلم، تمهيداً، على جانبين رئيسين في أدبيات البحث النظرية. سوف نتكلم – أولاً –على موضوع التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية، ثم نستعرض بعض الدراسات السابقة لارتباطها ارتباطاً مباشراً بمحور البحث الرئيس.

    - التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية:

    ظهر مصطلح التخطيط اللغوي (Calvet, 1996:4) في عام 1959م، في نص بقلم إينار هوجن الذي درس المشكلات اللغوية في النرويج، والذي قدم جهود الدولة في التقييس اللغوي لبناء هوية وطنية بعد قرون من الهيمنة الدنماركية. وتكرر مصطلح التخطيط اللغوي واتسع، وفقاً لكريستيان لوبييه (Loubier 2011: 1) في نهاية الستينيات، ليشمل كل تدخل لتنظيم المشكلات اللسانية الاجتماعية، وظهر مفهوم السياسة اللغوية في السياق نفسه. كما أضاف جوشوا فيشمان، بحسب لويس جان كالفي في كتاب حرب اللغات (Calvet, 1999)، عبارة السياسة اللغوية في

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1