Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

عندما يتحدث الخبير عن الطب الطاقي
عندما يتحدث الخبير عن الطب الطاقي
عندما يتحدث الخبير عن الطب الطاقي
Ebook531 pages4 hours

عندما يتحدث الخبير عن الطب الطاقي

Rating: 4 out of 5 stars

4/5

()

Read preview

About this ebook

علم الطب الطاقي فيه من النفع الكثير ولله الحمد و الذي لمسته و شاهدته بنفسي، و رأيت جموعا من الناس تستفيد منه و شفى الله به جمع كثير من الناس بعد أن أغلقت أمامهم أبواب الشفاء حتى بلغ بهم الكرب و المرض مبلغه.

فرغبة مني في نشر الخير و تصحيح المفاهيم و تقديم البراهين أقدم كتابي هذا، فتحاً لباب أمل للمرضى ورداً على المشككين و إفادةً للمهتمين، بالدليل و الحجة و البرهان النقلي و العقلي و العلمي.

سأتناول في هذا الكتاب بإذن الله ، علم الطب الطاقي و طرح مبادئه و أساسه العلمي و مناقشته بمنهج شرعي علمي عقلي واضح ، و حرصت على النقل في كل باب من مصادره العلمية الموثوقة و لم أعلق إلا في أضيق الحدود، و ذلك لتكتمل الحجة و البيان ، وسنختار من العبارة أوضحها و أسهلها لكي يستفيد من هذا الكتاب كل من قرأه بإذن الله ، فليكن عقلك -بارك الله فيك- منفتحاً و تخل عن فهمك السابق أثناء قراءة الكتاب، فالحق أحق أن يُتَّبَع.

أسأل الله العلم النافع و العمل الصالح، و أن يجعل هذا الكتاب لبنة خير و بركة لبناء فهم صحيح  و لإزالة اللبس و إيضاح الحق و كشف الزيف. و الحمد لله أولا و آخرا.
 

Languageالعربية
Release dateDec 11, 2018
ISBN9781386867296
عندما يتحدث الخبير عن الطب الطاقي

Related to عندما يتحدث الخبير عن الطب الطاقي

Related ebooks

Reviews for عندما يتحدث الخبير عن الطب الطاقي

Rating: 4 out of 5 stars
4/5

4 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    عندما يتحدث الخبير عن الطب الطاقي - Omar Mohsen Noor

    حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف، ولا يجوز طبع أو نشر هذا الكتاب كله أو جزء منه إلا بإذن خطي من المؤلف

    إهداء

    بسم الله الرحمن الرحيم

    أهدي هذا الكتاب إلى كل مريض يبحث عن الشفاء.

    إلى كل باحث ينشد الحقيقة.

    إلى أمة اقرأ لتنهض وترقى من جديد.

    مقدمة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد.

    مازال الله جل في علاه يغدق علينا من نعمه، ويفيض علينا من واسع علمه وجوده. ومازال يمن علينا بفتوح وعلوم كنا نجهلها، فلله الحمد أولًا وآخرًا.

    أرسل الرسل ودلّ الخلق عليه بهم، وأنار قلوبهم بنوره وبدّد بهم ظلمات الشيطان والهوى؛ فلله الحمد والمنة. دلَّ خلقه، كما منّ عليهم -بفضل من عنده- بإلهام بعضهم لما فيه صلاح البشر وتطور علومهم، واكتشاف تقنيات حديثة وأساليب فذّة في العلوم الإنسانية أيضًا في الإدارة والطب والهندسة وغيرها. فلا خير في هذه الدنيا إلّا منه، فسبحان الله، والحمدلله، ولا إله الا الله، والله أكبر.

    تاريخنا يحفل بعلماء مجددين ربانيين، منّ عليهم المولى بعلم زاخر وعقلٍ واعٍ حافظ وفهم باهر. وقد اشتهر علماء أفادوا البشرية بصنوف تجاربهم وعلومهم واكتشافاتهم.

    إن اكتشاف الدورة الدموية على يد العالم ابن النفيس، وكثير من الأمراض على يد ابن سينا، واكتشاف الكهرباء التي كانت على يد العالم أديسون، وتصميم أول سيارة على يد هنري فورد بعد عدة محاولات ممن سبقوه، وكذلك اكتشاف الجاذبية على يد العالم إسحق نيوتن، كل ذلك لم يكن إلا بتوفيق وتيسير من عالم الغيب والشهادة، قال تعالى في سورة النحل: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53}.

    إن العلوم الإنسانية لم تقف عند حدٍّ، والبشر مازالوا يبحثون ويدققون ويجربون ويتعلمون؛ فيظهر الله لهم من عجائب صنعه ومن فتوحات علمه ما يشاء، فبها ينعمون، ومن عظيم فضله ينهلون.

    فالعلم بحر لا ساحل له، فلا يقول قائل لشيءٍ: غير معقول! أو لم نسمع به من قبل، فالله -جل في علاه- قادر، وقد منّ وتفضل وما زال متفضلًا، قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } [الإسراء: 85].

    ابتدأت بهذه المقدمة كتوطئة لموضوع خاض فيه الكثيرون: منهم من خاض فيه بعلم، ومنهم من خاض فيه بدون علم، حتى أصبح الكثيرون يقفون منه مواقف مضطربة رأيت أنها غير مبنية على وعي كامل وإدراك لحقيقته بشكل صحيح، وهو موضوع الطب الطاقي والطاقة الحيوية والاستطباب بتقنياته. فهناك من هو متوجس من كل علم وافد وينظر إليه بنظرة يملؤها الشك والريبة، ويميل إلى كل قول يمنع أو يحرّم كل جديد، فلا يبحث ولا يسأل ولا يتسقصي عن المعلومة الصحيحة، هذا الصنف نصّب نفسه ضد هذا العلم الجليل، لا يريد أن يسمع ولا يقرأ ولا ينظر إلا لمن يمنعه أو يسَميه بالخرافة والدجل، وهذه حيلة نفسية عقلية لأن الإنسان مجبول على المُضي فيما اعتاد عليه هو وأسلافُه، فهو رهين عادة ألِفها، ويشعر بالخوف والقلق من أي تغيُّر في هذا الروتين الذي أمضى حياته فيه، وليست القضية رأيًا شرعيًّا -وإن تسلح به-، والله أعلم بالنوايا والسرائر.

    وهناك صنف آخر على النقيض، يأخذ هذه العلوم على عواهنها بدون تمحيص ولا تدقيق، فيقبلها بغثِّها وسمينها، بل هناك من يغير نظرته لمعتقداته وموروثه الديني بناء على هذه العلوم الوافدة لدرجة أنه ينقاد لكل ما هو مخالف لموروثه الذي نشأ عليه، وهذه أيضًا حيلة نفسية عقلية يعبر فيها عن رفضه وعزوفه عن كل أو بعض ما يسود في مجتمعه وبيئته، وينْحَى منحَى العلم والتجربة وإن كانت لا تدعم كلامه، ولا تؤيد ما يذهب إليه، وإنما هو فقط التقليد الأعمى.

    وبين الرفض التام والانقياد الأعمى نجد الصنف الثالث؛ وهو الصنف الوسط الذي يتمتع بسعة الأفق وعمق البحث والتدقيق وسعة الاطلاع على هذه العلوم ووزنها بميزان الشرع مقرونًا بفهم صحيح واضح لا لبس فيه ولا غموض: فما وافق الشرع الحنيف أخذ به، وما خالفه نبذه غير مأسوف عليه. وهذا الصنف الأخير -عندي-هو الأهدى سبيلًا، ما دام يمتلك هذه الروح وتلك المَلَكة في تصفية العلوم وتهذيبها.

    فبعض العلوم الوافدة هي نافعة بالأصل، ومنها علم الطاقة الحيوية، فهي نافعة بالأصل، ونقلت إلينا من ثقافات وديانات مختلفة، وأشبِّهها بالماء الزلال الذي نُقل في قَدَح غير نظيف، فعلق بالماء بعض الشوائب والقذر الذي يمكن تصفية الماء منه واستخلاصه وبالتالي الاستفادة منه.

    فعلم الطب الطاقي فيه من النفع الكثير ولله الحمد، والذي لمسته وشاهدته بنفسي، ورأيت جموعًا من الناس تستفيد منه، وشفى الله به جمعًا كثيرًا من الناس بعد أن أُغلقت أمامهم أبواب الشفاء حتى بلغ بهم الكرب والمرض مبلغه.

    فرغبة مني في نشر الخير وتصحيح المفاهيم وتقديم البراهين، أقدم كتابي هذا، فتحًا لباب أملٍ للمرضى وردًّا على المشككين وإفادةً للمهتمين، بالدليل والحجة والبرهان النقلي والعقلي والعلمي.

    وسأتناول في هذا الكتاب -بإذن الله- علمَ الطب الطاقي بطرح مبادئه وأساسه العلمي ومناقشته بمنهج شرعي علمي عقلي واضح، وقد حرصت على النقل في كل باب من مصادره العلمية الموثوقة، ولم أعلّق إلا في أضيق الحدود، وذلك لتكتمل الحجة والبيان، وسنختار من العبارة أوضحها وأسهلها لكي يستفيد من هذا الكتاب كل من قرأه بإذن الله، فليكن عقلك -بارك الله فيك- متفتحًا ولتتخلّ عن فهمك السابق أثناء قراءة هذا الكتاب، فالحق أحق أن يُتَّبَع، كما أنصح القارئ العزيز البدء بقراءة الكتاب مرتبًا وعدم القفز، لكي تكتمل الفكرة وتسهل الفائدة.

    أسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل هذا الكتاب لبِنة خير وبركة لبناء فهم صحيح ولإزالة اللبس وإيضاح الحق وكشف الزيف. والحمد لله أولًا وآخرًا.

    كتبه:

    عمر محسن نور

    omarmohsennoor@gmail.com

    1

    رد الحق بعد بيانه

    في بداية هذا الكتاب، فإني أدعو القارئ الكريم إلى قراءته بتجرد وإخلاص لله تعالى، وأن يكون طلب الحق مقدمًا على ما سواه، فإن الله سبحانه فطر العباد على تقبل الحق والانقياد له والطمأنينة به والسكون إليه ومحبته، وطبعهم على بغض الكذب والباطل والنفور منه والريبة فيه وعدم السكون إليه، ولو بقيت الفِطَر على حالها لما آثرتَ على الحق سواه، ولما سكنت إلا إليه، ولا اطمأنت إلا به، ولا أحبت غيره، فالقلب الصحيح السليم ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى إدراكه، فهو صحيح الإدراك للحق تام الانقياد له والقبول به.

    وقد "سئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال: يخضع للحق، وينقاد له، ويقبله ممن قاله.

    وقال ابن عطاء: هو (أي التواضع) قبول الحق ممن كان، والعز في التواضع، فمن طلبه في الكِبْر فهو كتَطَلُّبِ الماء من النار." ]مدارج السالكين لابن القيم (2-329)[.

    قال ابن رجب: قال بعض السَّلف: التَّواضُعُ أنْ تَقْبَلَ الحقَّ مِن كلِّ من جاء به، وإنْ كان صغيرًا، فمن قَبِلَ الحقَّ ممَّن جاء به -سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، وسواء كان يحبُّه أو لا يحبه- فهو متواضع، ومن أبَى قَبُولَ الحقِّ تعاظُمًا عليه، فهو متكبِّرٌ.]جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلي تحت الحديث رقم (13).[

    قال الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى-:

    الكبْر الذي قُرن مع الشرك والذي لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة منه، إنما هو الكبر على الحق ورفضه بعد تبيُّنه، والطعن في الناس الأبرياء بغير حق.

    فليحذر المسلم أن يتصف بشيء من مثل هذا الكبر، كما يحذر أن يتصف بشيء من الشرك الذي يخلد صاحبه في النار. ]السلسلة الصحيحة تحت حديث رقم (134).[

    قال ابن القيم: "حذارِ حذار من أمريْن لهما عواقب سوء:

    أحدهما: رد الحق لمخالفته هواك؛ فإنك تُعاقب بتقليب القلب وردِّ ما يرد عليك من الحق رأسًا، ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك، قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}. ]بدائع الفوائد لابن القيم (3-180)[

    " فإن الرجل قد يكون له بصيرة وحسن إدراك ومعرفة بالحق ورغوب إليه فيخطئ في المناظرة، ويحمله الهوى ومحبة الغلب وطلب الظهور على التصميم على مقاله، وتصحيح خطئه، وتقويم معوجِّه بالجدال والمِراء.

    وهذه الذريعة الإبليسية والدسيسة الشيطانية قد وقع بها من وقع في مهاوٍ من التعصبات ومزالقَ من التعسفات عظيمة الخطر مخوفة العاقبة. وقد شاهدنا من هذا الجنس ما يقضي منه العجب!" ]أدب الطلب ومنتهى الأرب للشوكاني ص110[

    فــعلى المنصوح له أن يكون ممن روَّض نفسه على الانصياع والقبول لكلمة الحق من غير مشاحة ولا تعصُّب، فتوجد إذ ذاك القابلية التامة لما بعد ذلك من التخلُّق بالأخلاق الحميدة والتحلِّي بحلي الآداب الحقة، وإلا ما دام العناد في قبول كلمة الحق مستوليًا على القلب بحدود التعصب الأعمى، فمن المحال أن يُرجى لدائه شفاء ولاندمال جرحه دواء.... ]جوامع الآداب لجمال الدين القاسمي (75).[

    فقد ذكر ابن عبد البر بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال: سأل رجلٌ عليًّا -رضي الله عنه- عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل: ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كذا وكذا، فقال علي -رضي الله عنه-: أصبتَ وأخطأتُ، وفوق كل ذي علم عليم . ]جامع العلم (1/531) لابن عبد البر.[

    رُوي عن عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: اعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وزل مع القرآن أينما زال، واقبل الحق ممن جاء به من صغير أو كبير وإن كان بغيضًا بعيدًا، واردد الباطل على مَن جاء به من صغير أو كبير وإن كان حبيبًا قريبًا. ]فَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (33 )، والمعجم الكبير للطبراني (7 / 499) (8459 )، وأخرجه ابن عساكر (36/ 269)، وقد ضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم( 923)[.

    وقصة أبي هريرة مع الشيطان في صدقة الفطر معروفة، إذْ جاء يأخذ فمسكه أبو هريرة، ثم جاء يأخذ فمسكه، ثم جاء يأخذ فمسكه، فقال (الشيطان) له: ألا أدلك على كلمة إذا قلتها كنت في أمان، أو عصمتك ليلتك كلها؟ اقرأ آية الكرسي كل ليلة؛ فإنه لا يزال عليك من الله حافظ حتى تصبح. فأخبر النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- بذلك، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «صدقك وهو كذوب» ]أخرجه البخاري[ سلَّمَ بهذا التعليم، وأخذ به مع أنه من الشيطان.

    كذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- أقرَّ إفادة اليهود والنصارى لنا بما فيه تنزيه رب العالمين وعدم الإشراك معه في قول من قال: ما شاء الله وشاء محمد، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد»؛ لأن اليهود قالوا: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تنددون. ]سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 137[

    فــالصدع بالحق عظيم، يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به، والقويُّ بلا إخلاص يخذل، فمن قام بهما كاملين، فهو صدِّيق، ومن ضعف، فلا أقل من التألم والإنكار بالقلب، وليس وراء ذلك إيمان، فلا قوة إلا بالله. ]سير أعلام النبلاء 11-234[.

    فعلى المؤمن "أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة، لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهر له الحق، كما لو أخذ طريقًا في طلب ضالته فنبهه صاحبه إلى ضالته في طريق آخر، فإنه كان يشكره ولا يذمه، ويكرمه ويفرح به؛ فهكذا كانت مشاورات الصحابة -رضي الله عنهم- حتى أن امرأة ردّت على عمر -رضي الله عنه- ونبهته إلى الحق وهو في خطبته على ملإ من الناس فقال: أصابت امرأة، وأخطأ عمر. ]أصل القصة في السنن الكبرى وقد ضعفها الشيخ الألباني في الإرواء 6-348[.

    قال ابن القيم في مدارج السالكين (3-522) :فما وجدْتَ فيه من صواب وحق، فاقبله ولا تلتفت إلى قائله، بل انظر إلى ما قال لا إلى من قال، وقد ذم الله تعالى من يردُّ الحق إذا جاء به من يبغضه ويقبله إذا قاله من يحبه، فهذا خلق الأمة الغضبية. قال بعض الصحابة: اقبل الحق ممن قاله وإن كان بغيضًا، ورد الباطل على من قاله وإن كان حبيبًا، وما وجدت فيه من خطأ فإن قائله لم يألُ جهد الإصابة، ويأبى الله إلا أن يتفرّد بالكمال كما قيل:

    والنقص في أصل الطبيعة كامنٌ... فبنو الطبيعة نقصهم لا يُجحد."

    ويقول ابن القيم أيضًا:" والأسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جدًّا: فمنها الجهل به، وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس؛ فإن من جهل شيئًا عاداه وعادى أهله، فإن انضاف إلى هذا السبب بغضُ مَن أمره بالحق ومعاداته له وحسده، كان المانع من القبول أقوى، فإن انضاف إلى ذلك إلفه وعادته ومَربَاه على ما كان عليه آباؤه ومَن يحبه ويعظِّمه قوي المانع، فإن انضاف إلى ذلك توهمه أن الحق الذي دُعي إليه يحول بينه وبين جاهه وعِزِّه وشهواته وأغراضه، قوي المانع من القبول جدًّا، فإن انضاف إلى ذلك خوفه من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم-، ازداد المانع من قبول الحق قوةً، فإنَّ هرقل عَرف الحق وهمَّ بالدخول في الإسلام، فلم يطاوعه قومه، وخافهم على نفسه، فاختار الكفر على الإسلام بعد ما تبين له الهدى.

    ومن أعظم هذه الأسباب الحسدُ: فإنه داءٌ كامن في النفس، (ويرى الحاسدُ المحسودَ قد فُضّل عليه وأوتي ما لم يؤتَ نظيره، فلا يَدعه الحسد أن ينقاد له، ويكون من أتباعه) ]هداية الحيارى ص 16[.

    وللمجتهدين من تغير الاجتهاد والرجوع إلى ما فيه قوة وسداد ما عُرف عنهم أجمعين وعُدَّ من مناقبهم. ومن أكبر العبر - في هذه القصة - قصة رجوع الإمام أبي حنيفة: أن يرجع إمام ويصرح برجوعه، ويأبى ألد الخصوم الرجوع للحق ولو تُلي عليه من البراهين ما يلين له الحديد ويصدع الجلاميد، ولا غرو فالأئمة المجتهدون لهم من اللطف والكمال ومحاسن الأخلاق والإنصاف والاعتراف بالحق ما سارت به الركبان، وليعتبر أيضًا بالإمام الشافعي لمّا رحل من العراق إلى مصر، وأعاد البحث في مذهبه القديم كيف رجع عن كثير من مسائله، وعُدَّ ذلك من أسمى فضائله، وسبب ذلك التقوى وإيثارُ الأخرى فإنها تزع المتقي عن إيثار الهوى والدنيا. ]المسح على الجوربين للقاسمي تحقيق الألباني (79) [.

    من آفات التعصب الماحقة لبركة العلم أن يكون طالب العلم قد قال بقول في مسألة -كما يصدر ممن يفتي أو يصنف أو يناظر غيره- ويشتهر ذلك القول عنه، فإنه قد يصعب عليه الرجوع عنه إلى ما يخالفه وإن علم أنه الحق وتبين له فساد ما قاله...... وهذا الظن فاسد؛ فإن الحطَّ والنقص إنما هو في التصميم على الباطل، والعلوّ والشرف في الرجوع إلى الحق بيدِ من كان وعلى أي وجه حصل. ]أدب الطلب ومنتهى الأرب للشوكاني ص 142-141 [.

    "ولكن الحسد والبغي وحب الرئاسة والتسلط على الأمة -يمنع الكثير من الناس عن قبول الحق، وهكذا فعل الروم وفارس ورؤساؤهم وأعيانهم، ليس يخفى عليهم الحق وأدلته وبراهينه، ولكنّ السلطان والرئاسة واستعباد الناس وما يلتحق بهذا يمنعهم من الخضوع إلى الحق، والتسلط على العباد وظلم العباد والاستبداد بالخيرات يمنعهم ذلك من قبول الحق؛ لأنهم يعرفون أنهم إذا قبلوا صاروا أتباعًا، وهم لا يرضون بذلك، إنما يريدون أن يكونوا متبوعين ورؤساء ومتحكمين ومتسلطين. ]مجموع فتاوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (3-185)[.

    ومن الأسباب المانعة من الإنصاف ما يقع من المنافسة بين المتقاربين في الفضائل أو في الرئاسة الدينية أو الدنيوية؛ فإنه إذا نفخ الشيطان في أنفهما وترقت المنافسة بلغت إلى حدٍّ يحمل كلَّ واحد منهما على أن يرد ما جاء به الآخر -إذا تمكن من ذلك- وإن كان صحيحًا جاريًا على منهج الصواب. وقد رأينا وسمعنا من هذا القبيل عجائب صنع فيها جماعةٌ من أهل العلم صنيع أهل الطاغوت. وردوا ما جاء به بعضهم من الحق، وقابلوه بالجدال الباطل والمراء القاتل . ]أدب الطلب للشوكاني ص 173[.

    قال ابن تيمية -رحمه الله-: وأكثر الاختلاف الذي يؤول إلى الأهواء بين الأمة من القسم الأول، وكذلك آل إلى سفك الدماء واستباحة الأموال والعداوة والبغضاء؛ لأن إحدى الطائفتين لا تعترف للأخرى بما معها من الحق ولا تنصفها، بل تزيد على ما مع نفسها من الحق زيادات من الباطل، والأخرى كذلك . ]اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 143[.

    وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: فإن كان طائفة منها معها حق وباطل، فالواجب موافقتهم فيما قالوه من الحق وردُّ ما قالوه من الباطل، ومن فتح الله له بهذه الطريق؛ فقد فتح له من العلم والدين كل باب، ويسَّر عليه فيهما الأسباب". ] طريق الهجرتين ص (386-387)[.

    و قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في مجموع فتاوى ورسائل الشيخ (11-126) [ الحق أحق أن يُتَّبع، وتساءلْ مع نفسك: ما المانع من قبول الحق والعمل به إرضاءً لله وطلبًا لثوابه؟ فلا تقدم رضا نفسك وهواك والرِّفاق على رضا الله، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} ]سورة النازعات ، الآيتان : 39 و 40[.

    أعاذنا اللّه وإيَّاكم من تَصميمٍ على ما لا يُرْضِي الله، ويسَّرَ لنا سُلوكَ سبيلِ الحَق أَينما كان بمنِّهِ وكرمه. آمين. والحمد لله رب العالمين.

    2

    الاستفادة من علوم الأمم الأخرى

    إن الاستفادة من علوم الأمم الأخرى: كالطب الطاقي وغيرها من العلوم النافعة ليس بدعًا من العمل، فقد تميزت الحضارة الإسلامية بإنجازها العظيم في جمع شتات الحضارات السابقة، وتمحيصها وأخذ الصحيح النافع وترك الخاطئ الضار اعتمادًا على الشريعة الإسلامية، ومنهجيَّتِها المُحكمة في تمييز الحق من الباطل، ثم جهود المسلمين العظيمة في تطوير العلوم والبناء عليها، والإبداع فوقها، ولم يكتفوا بذلك، بل نقلوها إلى الآخرين، فقامت عليها الحضارة الغربية في العصر الحالي.

    ذكر الدكتور عبد الرحمن بن سعيد الحازمي مقالًا جميلًا في شبكة الألوكة الإلكترونية، قال فيه:

    إن المعرفة تكاملية وتراكمية، ومن الطبيعي أن يستفيد إنسان من آخر، ومجتمع من آخر، ولو نظرنا لأكثر العلوم: قديمها، وحديثها، لوجدنا مصداق ذلك: فالمسلمون الأوائل أخذوا من حضارة فارس والروم واليونان والهند والصين، ثم طوروها، وأبدعوا فيها، وصبغوها بطابع إسلامي أصيل، نتجتْ عنه حضارة إسلامية تميزت في مختلف العلوم: العلمية، والنظرية في وقت كانت الحضارة الغربية في تخلُّفٍ وجهل، فيما يسمى بالعصور الوسطى، أو عصور الظلام.

    ومع تراجع الحضارة الإسلامية، وسقوط الأندلس في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) -تحقيقًا للسُّنَّة الكونية بتداول الأيام بين الناس-، نشط الغرب في دراسة ما عند المسلمين من تطور مميز في العلوم بمختلف التخصصات: العلمية، والاجتماعية، فبدأ يرسل البعثات إلى المدارس والجامعات في البلاد الإسلامية، واستطاع الغرب -وِفق خطط مدروسة وجدٍّ واجتهاد واتباع للسنن الكونية في العلم والسيطرة- أن يأخذ ما عند المسلمين من علوم مختلفة، ثم طوروها، واعتنوا بها أيَّما اعتناء، فنتج بما أخذوه وبما عندهم من معرفة سابقة نهضةٌ علمية متميزة، مازالت تضيء للعالم حتى اليوم بعلوم نافعة مفيدة.

    إن التمجيد المتواصل لتاريخنا، والافتخار المستمر اليوم بما قام به أسلافنا من تطور في شتى العلوم، والمعارف في حد ذاته -أمر تميل إليه الطبيعة البشرية، وهو أمر مستحَق يبعث على الاعتزاز والشموخ، ولكن مشكلتنا اليوم أن ذلك أصبح عائقًا لنا، لأننا وقفنا عند حد التمجيد والاعتزاز في كل محفل، وفي كل خطبة وموعظة، وهذا لا يقدم شيئًا في إفادة الأمة البتة، وإنما يجعلها تقف عند نقطة واحدة.

    إن الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن هذا تاريخ قد مضى، وأن نتعامل معه على هذا الأساس، ويمكن الاستفادة منه في حدود أخذ الدروس والعبر، ولكن لا يمكن أن نطور مجتمعاتنا الإسلامية ونرقى بها بالتمجيد الخالي من محتوى العمل والاجتهاد، لأن النظر إلى الخلف في كل وقت، والتشبث به، وسيطرته على كل مشاعرنا يعزز تأخرنا وتخلفنا وبقاءنا في الوراء، في الوقت الذي تتقدم الأمم الأخرى وتنطلق إلى مسافات أبعد، وأبعد، فيكون من الصعوبة -بل ومن المستحيل- الوصول إلى ما وصلوا إليه من تقدم ورقي.

    إن من الواجب على المجتمعات الإسلامية اليوم أن تسير في خطين متوازيين: أولهما أن تعرف للأسلاف -ممن برعوا في شتى العلوم- حقهم في الإجلال، والتقدير اللائق بهم، وثانيهما أن تبذل الجد والاجتهاد والعزيمة لمواصلة المسير نحو تحقيق التقدم، والرقي اللائق بمكانتها وعزتها بين الأمم.

    إن الإسلام بشموله وضع الخطوط والقواعد العامة في الاستفادة من خبرات الأمم الأخرى وعلومها ومعارفها، بما في ذلك الأعداء، وفي الحديث الشريف أن الشيطان -وهو عدو مبين للإنسان حذر منه القرآن الكريم- عَلَّم أبا هريرة -رضي الله عنه- أن آية الكرسي حرز من الشيطان؛ فقـال صلى الله عليه وآلـه وسلـم: "أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلمُ من

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1