لسه الحياة ممكنة.. أيوه ممكنة

By إسعاد يونس

اللي بين ايديكم بعض من أيامي وأفكاري، حكاياتي مع ناس طيبة وحلوة وغالية مرت في عمري، مواقفي مع الأيام اللي تضحك وساعات تحزن وساعات تخليك تفكر وتسرح في اللي ورا المعاني. ايوه ما هي الكتابة طول عمرها كانت رفيقة رحلتي في الحياة... عبرت بيها عن اللي مر بيا واللي مر عليا...
اللي بين ايديكم... مش تنظير ولا فلسفة ولا أي حاجة من المعاني المجعلصة دي...دي تجربة إنسانة في التعبير عن مشاعرها يمكن تنفع حد أو تضحك حد أو تخلي حد يفكر في حاجة أحلى ينفع بيها الدنيا ونفسه. أيوه أصل احنا كلنا شبه بعض أوي مهما اختلفت التفاصيل وملامح الحاجات ونتايجها...كلنا بشر بنخاف ونحب وننبهر بالقدوة ونتوتر من
التغيير والجديد في حياتنا وننقهر من الغدر والندالة.. وعشان كده اسمع مني وخدها حكمة من إسعاد بنت يونس ...مهما حصل في الكون ومهما عدى عليك افتكر كويس إن الحياة لسه ممكنة ..أيوه ممكنة.

• Language: العربية
• Publisher: Nahdet Misr
• Release date: Jan 1, 2022
• ISBN: 9789771460909

Book preview

الغلاف

لسه الحياة ممكنة

أيوه ممكنة

إسعاد يونس

لسه الحياة ممكنة.. أيوه ممكنة

إسعاد يونس

إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

جميع الحقوق محفوظة © لدار نهضة مصر للنشر

يحظر طبع أو نشر أو تصوير أو تخزين أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصوير أو خلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريح من الناشر.

الترقيم الدولي: 978-977-14-6090-9

رقم الإيداع: 2022 /1750

الطبعة الأولى: يناير 2022

Section_2.xhtml

21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

تليفون: 33466434 - 33472864 02

فاكس: 33462576 02

خدمة العملاء: 16766

Website: www.nahdetmisr.com

E-mail: [e-mail]

إهداء

في الرحلة رفاق، عطية ربنا لكل واحد فينا، هذا الكتاب إهداء لاخواتي البنات، الأستاذة إيمان يونس والدكتورة أحلام يونس، في يوم حانكتب ذكرياتنا مع بعض، وغالبًا حنكون فطسانين من الضحك على المعاناة والكحرتة اللي شفناهم، لكن كان دايمًا الحب والدروس اللي خدناها من أمنا وأبونا منهج حياة، والصمود والتحدي ما خلوش الظروف تعلم على قفانا أبدًا.

مقدمة

طول مانت عايش بتمر بتجارب، وبتقابل ناس بيأثروا فيك تأثير مباشر، وفي بعض الأوقات تأثير يظهر بعد سنين، علشان كده كل ما بقابل شباب صغير في أي مناسبة، بنصح إنهم يدونوا يومياتهم أول بأول، قابلوا مين وعملوا إيه والدنيا كانت شكلها إيه ساعتها؟ لأن إيقاع التغيير أصبح سريع جدًّا وعنيف، النسيان نعمة في بعض الأحيان، ولكنه بيتحول لنقمة في أحيان تانية، إنك ممكن تنسى ناس أو أحداث أو مشاعر أو أفضال، وتلاقي نفسك بدون ما تقصد مقصَّر، ومش دايمًا نسيان الألم نعمة، أحيانًا كتير بنحتاج نفتكر لحظات الألم عشان ما ننساش النعم، لأن الألم في الغالب بيكون نقطة تحويل مسار وعظة، في اليوميات اللي حتكتبها دي حتلاقي نفسك اللي ممكن تتوه عنك في وسط الزحمة، حتلاقيك زمان وتفتكر كنت بتحس بإيه ومصدق إيه ومين، حتلاقي ناس؛ الموت أو المصالح أو اختلاف الطرق بعَدْهُم عنك، وفي كل الأحوال، حتلاقي السيناريو اللي كتبه الخالق لمسار أيامك وحتصدق إنه الخالق الأعظم لكل تفصيلة في حياتك.

إسعاد يونس

تلك الجميلة.. كتبت الحكاية دي في نفس سنة وفاة أمي.. لكن بعد شوية لما تمكنت فعلًا من أني أعبر عن اللي جوايا.. أذكر بعد نشر المقال ده وصلني خطاب بخط اليد من العظيم صلاح منتصر يعبر فيه عن شدة تأثره من هذا المقال، ويحكي لي كيف واجه مرض والدته ومر بنفس الظروف والمشاعر.

تلك الجميلة(1)

لم أستطع أن أمسك بقلم.. ولا أن أدق مفتاح كتابة واحدًا من ساعتها وحتى هذه اللحظة.. أستجمع شجاعتي لأكتب حاجة.. أي حاجة.. ولا فائدة.. أنا التي كنت أهرب من الألم وحتى من السعادة إلى الورق والقلم.. جلست كثيرًا إلى الكمبيوتر أخاطب نفسي.. يا بنتي عبري.. قولي.. بوحي.. على رأي صلاح جاهين.. الغنوة مش حاتموتك إنما.. كتم الغنا هو اللي حايموتك.

كتم الغنا وكتم البكا حايموتوني فعلًا.. والسبب.. هي

هي التاريخ كله حتى فجر يوم 18 إبريل 2002.. معقولة؟ الواحد يفقد تاريخه كله في لحظة كده؟ والتاريخ طويل.. مانا كمان ما بقيتش صغيرة.. وتاريخ متضفر.. أيامها التي لم أعشها.. مع أيامي التي عاشتها معي.. الحكاوي كانت داخلة في بعض لدرجة أنني كنت أتعجب.. إزاي أنا عارفة التفاصيل دي رغم أنني لم أعشها.. تفاصيل حياتها هي.. ولكن.. هو احنا كان ورانا إيه في الليالي الطويلة التي تلت فقدان الأب الشاب.. لما اتقفل علينا بابنا وأصيب بالخرس تليفوننا نتيجة فقدان الراجل.. شوف التاريخ يرجع لفين؟

كانت شابة جميلة.. معلش وبدون تحفظ.. جميلة جدًّا.. وفي سن الثانية والثلاثين راح الزوج الحليوة أبو شعر مسبسب اللي كان طيار حربي وقيمة وسيما وعامل مشاكل.. كل ما يدخل حتة البنات تنحنح وتسبل لدرجة زمايلي في الإعدادي.. والمدرسات كمان فوق البيعة.. اتخطف بجد.. اتخطف وسنه اثنين وأربعين سنة.. وساب البنوتة الحلوة وتحت جناحها تلات بنات.. اللي هما احنا.. روخرين عيال.. أعمارهم من ستة لأربعتاشر سنة.

يوم ما كان بيحتضر في المستشفى نزل واحد من العيلة.. قريب مش بعيد الله يسامحه ويرحمه بقى.. باع نصيبه في الأراضي والعقارات بتوقيع مزور.

دخلنا المستشفى أغنيا.. خرجنا يعلم بحالنا السميع العليم.. يومين عزا والتالت انفض المولد واتقفل الباب والشباك وكل وسائل المواصلات.. وواجهنا الصمت.

كانت ترفع سماعة التليفون من غير ما يرن.. وتدخل في حوار وهمي «إحنا الحمد لله زي الفل.. ميرسي خالص.. والله لو احتاجنا حاجة حاقولكوا.. أوووه.. الفلوس جوه في الدولاب مش عارفين نعدها. ما تيجوا تاخدوا شوية.. أصل مافيش حتة نحط الفانلات والشرابات».. واحنا حواليها فطسانين م الضحك.. تلات بنات صغيرين بيكركعوا.. فاكرينها كوميديا.. ومش مدركين سواد هذه الكوميديا.

حطت البنات تحت جناحها وقالت كلام كتير.. فهمته بوضوح الكبيرة اللي هي أنا.. وفهموه الصغيرين طشاش على قد سنهم..

والكلام معناته إن الغني مش اللي معاه فلوس كتير.. لكن الغني هو اللي مستغني.. هو اللي الحاجة ما تحوجوش ولا تذله ولا تكسر في يوم من الأيام نفسه.

كانت تجعل من ساعة اللقاء حول السفرة ساعة ضحك وتجلي.. كانت الكركعة هي الموسيقى التصويرية التي تصاحب كل تجمعاتنا الرباعية.. هذه الموسيقى التصويرية ياما غلوشت على نوع الوليمة التي التففنا حولها.. منها تعلمنا أن الطعام ليس هو الهم الذي يجب أن يشغل بالنا أبدًا.. عكس بيوت كتير.. وعكس أمهات كثير.. ياما اخترعت وجبات خفيفة ملأت بطوننا بالسعادة.. ولم يكن همها نيل جائزة التسبيك الدولية.. وإنما زرع القناعة والسعادة والرضا بالموجود مهما كان قليلًا.

لعب عرق الخواجة الذي كانت من نسيجه دورًا كبيرًا في تجميل الحياة.. كانت نص طلياني على نص تركي.. لذلك بالقروش القليلة التي كانت تتبقى من المعاش تزرع كل سنتي في البيت.. ولذلك تحول ديكور البيت إلى ياسمين وورد وفول حراتي.. وأي جمال رباني لا يقدر عليه بونتريمولي ولا روش بوبوا حتى.

وعشان يوصلنا الكلام سهلته عالآخر.. عايزاكوا زي الكورة مش الطقطوقة!!!.. يعني إيه؟ تقوم تمسك في إيدها طقطوقة وتوقعها على الأرض وتقول «لو واحدة فيكوا ظروفها وقعتها زي الطقطوقة دي حاتتدشدش زيها.. لكن لو انتوا كورة.. حاتنطوا تاني لفوق».. فنردد في سرنا القسم اللي شد ضهرنا لحد النهاردة.. إحنا كورة مش طقطوقة.. لن نتدشدش أبدًا.

كانت جلسات المرح والكركعة تتضمن دروسًا في التماسك والتصدي والتحدي والعزيمة.. كلام كبير في غلاف جميل وطيب.. وف إيدها قطنة بيضا شبه غزل البنات تمسح بيها إحساس أطفال زعلانين من تخلي الأهل فجأة وتنكرهم للأرملة الجميلة أم التلات بنات اللي ممكن تهدد أمنهم وتقلقل استقرارهم مع أزواجهم.. آه والله.. بالبلدي كده.. كل واحدة خافت على راجلها ليتلطش.. شوف الخيابة بتاعة العالم.. فهل كانت تحضنا على الانتقام والغل والثورة؟ بالعكس.. كان الحديث عن الاستغناء برضه.. مواهبكو ف إيديكو.. استثماركو ف طاقاتكم مش في الاتكال على الآخرين.. النصر اللي تحققوه بإيدين ناس تانية مش نصر.. ده نصب!

أكملكوا الصورة؟ فنانة.. فأصبح البيت معبدًا للفن.. سيبكوم الزرع والنضافة اللي بتبرق.. لكن كتب ولوحات وموسيقى وغناء.. ما هي صوتها كان كمنجة وقوس.. ولماحة كمان.. إزاي؟ البنت الصغيرة ما بتقعدش طبيعي أبدًا.. ولا حتى بتقف طبيعي.. سألت دكتور في الخباثة.. قاللها حوضها مفتوح وعضلاتها غاية في المرونة.. خسارة.. لازم تستفيدي من كده.. إيه حوضها مفتوح دي؟ سألت تاني في الخباثة.. قالولها دي أهم ميزة في راقصات البالية.. ولاعبات الجمباز بس عليكي وعلى ودنها.. لأ إن كان على ودنها فموسيقية 100٪.. ابتدت تسحبنا كلنا من إيدنا وتروح بينا عروض الباليه.. الصغيرة شافت الباليه مرة وروحت نصبت صالة تدريب في السفرة.. عقدت أمي العزم وقالت حاتدخل باليه.. همسوا في ودنها شوية المعارف اللي فضلوا معانا يحذروها.. باليه يعني رقص.. حاتطلعي بنتك رقاصة؟ الأهل والقرايب ياكلوكي.. ردت عليهم بمحاضرة عن التخلف والجهل والرجعية.. وسحبت الصغيرة اللي عندها تسع سنين من إيدها وعلى معهد الباليه.

الصغيرة دي النهاردة أستاذ في أكاديمية الفنون وتحمل دكتوراه في الباليه كان موضوعها «رادوبيس» وكيف يمكن أن يتحول أدب نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل إلى باليه عالمي.. وعند تسلم الدكتورة أحلام لشهادة الدكتوراه.. أهدتها إلى «ماما».

مافيش بعدها بسنة أصيبت الوسطانية بحالة اكتئاب حادة.. بتروح المدرسة معيطة وترجع معيطة.. وابتدوا المدرسين يكدروها.. بعد ما كانت متفوقة وموس مذاكرة تراجعت درجاتها وتراجع مرحها وانضمامها للأنشطة.. راحت الأرملة الشابة واجتمعت مع الناظرة الله يرحمها ويقدس روحها.. وفي الاجتماع المغلق قررت ميس ليندا عوض إن البنت مكتئبة.. شكرتها أمي على استنارتها واهتمامها بالزهرة الصغيرة.. وسحبت البنت من إيدها وعلى البيت وفي جلسة روقان رباعية خاصة بحل المشاكل اكتشفنا إن البنت رافضة لسلك التعليم العادي.. فنانة وعايزة تتخصص زي أختها الصغيرة.. تاني يوم كانت ساحباها على معهد الكونسيرفاتوار.. امتحنوها ناس فطاحل.. أذكر منهم مدام رطل مدربة الغناء الأوبرالي الشهيرة والدكتور سيد عوض والسيدات أميرة كامل وفيوليت مقار وغيرهم.

رقاصة ومغنية؟! العيلة حا تقطعك تقطيع.. أنهي عيلة؟ أنا عيلتي هي ولادي وبس.

تخصصت في العزف على الكلارينيت والبيانو سنة وبعدها أصبحت طالبة في قسم الأصوات الأوبرالية وشوية شوية أصبحت السوبرانو كولوراتورة الوحيدة.. واتخرجت إيمان بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى.. وهي بتتسلم الشهادة أهدتها إلى «ماما».

حط عينه عليها الراحل العظيم صلاح جاهين.. وهوب خطفها لتصبح مطربة المصريين.. وهات يا نجاح وتألق.. لحد ما جه العريس خطفها وهي على أبواب الماجستير.

بتسمعي إيه؟ بسمع مزيكة كلاسيك.. آلو.. أستاذ إسماعيل.. بنتي الكبيرة بتحب تسمع مزيكة كلاسيك.. عايزاك تيجي تديها دروس فيها.. اندهش الرجل.. أديها دروس في إيه؟ تعلمها يعني إيه سيمفونية ويعني إيه كونشيرتو والأوركسترا السيمفوني ده بيتكون من إيه.. الراجل أعجب قوي بالفكرة وجه جري.. قعد يعلمني أفهم أسمع مزيكة.. واخدين بالكو؟ أفهم أسمع مزيكة.

عايزة أشتغل يا ماما.. عايزة أشتغل يا ماما.. انتي لسه عندك ستاشر سنة.. مش مهم.. مستعدة للتجربة؟ مستعدة.. المذاكرة حا تتأثر؟ أوعدك مش حا تتأثر.. رفعت السماعة على الإذاعي العظيم الأستاذ طاهر أبو زيد.. يا طاهر الإذاعة عاملة إعلان عن طلب موظفين للمكتبة الموسيقية الكلاسيكية الخاصة بالبرنامج الموسيقي والأوروبي.. هي حا تقدم.. ما توصيش عليها لأن اللي حايمتحنها الإذاعي الكبير عبدالحميد الحديدي.. لكن إن نجحت.. عايزاك تسعى لأنها يتمرمط بيها الأرض!

لم يندهش الأستاذ طاهر لأنه يعرفها حق المعرفة من يوم ما اتجوزت صديق عمره وابن بلده اللي هو أبويا.. وسبحان الله كأنها كانت عارفة إن دروس الموسيقى دي حاتنفع.. وفعلًا معلوماتي فيها هي اللي نجحتني رغم سني غير القانونية.

كنت أرجع م الإذاعة وأنا أبكي من الذل.. أونكل طاهر ممرمط بيا الأرض.. فاضل تكة ويديني خيشة أسيأ بيها بلاط الإذاعة.. كنت اتنقلت لإذاعة الشرق الأوسط وبقيت تحت رحمته تمامًا.. وهي تعلق.. أموال الدنيا مش حاتعلمك اللي بتتعلميه دلوقتي.. طاهر أبوزيد وجيله.. إن كان محمد علوان واللا آمال فهمي واللا عاطف عبدالحميد وحسن شمس وفهمي عمر وصفية