Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الاحكام الموضوعيه ج1 - الفساد (تعريفه-صوره)
الاحكام الموضوعيه ج1 - الفساد (تعريفه-صوره)
الاحكام الموضوعيه ج1 - الفساد (تعريفه-صوره)
Ebook419 pages2 hours

الاحكام الموضوعيه ج1 - الفساد (تعريفه-صوره)

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعرض الكتاب العلاقة بين الفساد والجريمة المنظمة، تأسيسًا على ارتباط الفساد بالإجرام الدولي المنظم على كافة الأصعدة، وما يمثله من تحديات وأخطار تهدد كافة المنظمات والمؤسسات الدولية أو الوطنية، والشعوب والأفراد على مختلف مستوياتهم وثقافاتهم. واستعرض المؤلف ارتباط الفساد بجريمة غسل الأموال، والجريمة المنظمة - على حد سواء - التي تعيد استثمار الأموال المحصلة عن الفساد في مشروعات وأنشطة مشروعة بهدف تعزيز مواقعها وتسهيل تسللها إلى مراكز النفوذ والسلطة في المجتمع.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2014
ISBN9789771447191
الاحكام الموضوعيه ج1 - الفساد (تعريفه-صوره)

Related to الاحكام الموضوعيه ج1 - الفساد (تعريفه-صوره)

Titles in the series (3)

View More

Related ebooks

Reviews for الاحكام الموضوعيه ج1 - الفساد (تعريفه-صوره)

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الاحكام الموضوعيه ج1 - الفساد (تعريفه-صوره) - عبد المجيد محمود عبد المجيد

    المقــدمـــة

    ( ا ) موضوع الدراسة:

    منذ قيام الحياة على الأرض، عرف الفساد طريقه إلى البشر، وتمكنت جذوره واستوى عوده في العديد من المجتمعات على مستوى المعمورة، خلال فترات طويلة من تاريخها، متخذًا لنفسه دروبًا شتى، ومتوسلًا بأساليب متباينة، ومؤديًا إلى آثار تفاوتت نتائجها باختلاف صوره وميادينه وتباين أحجامه، حتى غدا ظاهرة تثير القلق وتبعث المخاوف وتستوجب المواجهة (1).

    ويشهد الواقع المعيش في العقود الأخيرة، وعلى مختلف الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، تفاقم ظاهرة الفساد، فقد اتسع مجاله، وشاعت صوره حتى أصبح سلوكًا متسمًا بطابع كلي الوجود، شمولي النطاق، محيطا بالنظم السياسية كافة، ديمقراطية أو ديكتاتورية، وبالنظم الاقتصادية على تنوعها، رأسمالية أو موجهة أو مختلطة، متغلغلًا في جميع مستويات التنمية.

    وقد نتجت عن اتساع دائرة الفساد وعالميته عواقب وخيمة، أعاقت في الدول الفقيرة - بشكل أو بآخر - خطط التنمية الاقتصادية عن تحقيق غاياتها، وعرقلت جهود الاستثمار فيها وشوهت سياسة السوق المفتوحة، وأساءت إلى الإصلاحات المعززة للديمقراطية، وكادت - في أحيان كثيرة - تقوض الشرعية السياسية، وهـي عواقب تضاعف معاناة المواطنين في هذه الدول، وتؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأمن في شتى نواحيه(2).

    ولا تقتصر عواقب الفساد على الدول الفقيرة، بل تمتد بصورة أقل حدة إلى الدول الغنية، فتخفض معدلات تحسين مستويات المعيشة، وتساعد على تعاظم التفاوت في الدخول بفعل الإثراء غير المشروع الناتج عن صور السلوك الفاسد، وتؤدي إلى زيادة النفوذ السياسي لمرتكبيه، وإلى إقصاء الشرفاء عن المواقع والمناصب القيادية، وتقليص فرص قيام حكومات وطنية نزيهة قوية فعالة.

    وعلـى المستوى الدولي، يؤدي الفساد إلى تشويه التجارة الدولية(3) والتدفقات الاستثمارية، ويسهل ارتكاب الجرائم المنظمة العابرة للحدود الإقليمية، وأخصها الرشوة الدولية، والاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية، وغسل الأموال الناتجة عن جرائم بالغة الخطورة. ولهذا فإن الفساد يشكل ـ إذا ترسخت قواه وتجاوزت حدود السيطرة ـ أخطارًا جمة على استقرار المجتمعات وأمنها، ويُقوض مؤسساتها الاقتصادية وأنظمتها المالية وبنياتها السياسية، وينعكس الفساد سلبًا على القيم الأخلاقية والعدالة والمساواة وسيادة القانون مما يؤدي إلى زعزعة الثقة العامة وإعاقة خطط وبرامج التنمية المستدامة.

    فالفسـاد لا تكمن خطورته في كونه نشاطًا يدر كسبًا غير مشروع للبعض فحسب، بل تكمن الخطورة الحقيقية للفساد أولًا في ارتباطه بسائر أشكال الجريمة، والجريمة الاقتصادية وغسل الأموال على وجه الخصوص، وفي كونه صورة من صور الجريمة المنظمة، وثانيًا في أنه لم يعد شأنًا محليًّا يمكن مواجهته بقوانين وتدابير محدودة، بل أصبح ظاهرة عبر وطنية تمس جميع المجتمعـات والنظـم الاقتصادية على المستويات الإقليمية والدولية وتنتشر في شبكات سرطانية - كما يصفها البنك الدولي - لتغطي مساحات غير محدودة في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات الإقليمية والدولية ذات العلاقة بالاقتصاد ومصادر التمويل؛ مما يجعل التعاون الإقليمي والدولي وتضافر الجهود لمواجهة هذه الظاهرة أمرًا ضروريًّا.

    وقد ترتب على ما سلف جميعه، أن تحول الفساد من هاجس وطني أو إقليمي إلى قضية سياسية عالمية، خاصة أن من عوامل ذيوع الفساد وانتشاره ما يلي:

    1- اتساع نطاق التكامل الاقتصادي العالمي وتعميقه.

    2- بزوغ نظام مالي دولي متشابك تقنيًّا.

    3- قيام تحالفات عالمية معقدة بين الشركات.

    4- تغاضي الكثير من الدول عن أنشطة الفساد إلى حد سماح بعض الدول الصناعية بخصم الرشاوي المدفوعة من الشركات متعددة الجنسيات إلى المسئولين في الدول النامية من الضرائب باعتبارها نفقات مشروعة لتصريف أعمالها.

    وعلى ذلك فقد ازداد القلق العالمي وتضاعفت مخاوفه إزاء ظاهرة الفساد وتداعياتهـا وعواقبها، واستقر في يقينه الحاجة الماسة إلى سياسات فعالة للتصـدي لهـا مـن خـلال تعاون إقليمي ودولي جاد لا يقتصر على الحكومات، بل يمتد إلى المنظمات الدولية والإقليمية، وإلى المجتمع المدني بمنظماته غير الحكومية، ويستهدف الممارسات الفاسدة كافة أيًّا كانت مواقعها، ومهما كانت أوضاع ومناصب مقترفيها فليس هناك فاصل بين فساد كبار المسئولين أو صغارهم، غير أن ذيوع الفساد بين الكبار من شأنه أن يقلل فرص التعامل مع فساد الصغار بفاعلية وجدية(4).

    وربما كان من الواضح أن العبء الأكبر من جهود مكافحة الفساد يقع على عاتق الدول الصناعية الكبرى، نظرًا إلى وجود مؤسسات قضائية وإدارية وأجهزة للرقابة والمشاركة الشعبية التي تكفل الشفافية وحكم القانون. ومما يضاعف من مسئولية الدول الصناعية الكبرى كونها هي الحاكمة على المؤسسات المالية الدولية والمهيمنة على مصادر التمويل وقنوات انسيابها، وللدول الصناعية الكبرى فوق ذلك كله مؤسسات اقتصادية قوية تملك حرية الحركة وتسلك مختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة للنجاح والفوز بالفرص الاستثمارية والمناقصات في جميع أنحاء العالم.

    ولقـد أدرك المجتمـع الدولي في وقت مبكر ـ ممثلًا في منظمة الأمم المتحدة ـ خطورة الفساد، إذ أدرج الأمـر ضمـن أجنـدة مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين في عام 1985 (5)، إلا أن مكافحة الفساد لم تأخذ الأولوية ضمن أنشطة المنظمات الدولية والإقليمية في خضم المعارك التي شغلت المجتمع الدولي لمواجهة قضايا حقوق الإنسان والجريمة المنظمة والمخدرات والإرهاب.

    ثـم حظيـت مكافحـة الفساد باهتمام المنظمات الدولية والإقليمية مؤخرًا بشكل كبير، بعد أن تأكد ارتباط الفساد بالجريمة المنظمة Organized Crime والمشكلات الأمنية التي تعاني منها المجتمعات المعاصرة، بما في ذلك الاتجار غير المشروع في التكنولوجيا العسكرية وأسلحة الدمار الشامل، علاوة على دور الفساد في تعطيل برامج وخطط التنمية وانحراف المساعدات الدولية المقدمة للدول النامية عن أوجه الصرف المحددة لها.

    أما على المستوى العربي فقد فطنت جامعة الدول العربية - ممثلة في مجلس وزراء الداخلية العرب، في وقت مبكر - لظاهرة الفساد ووجهت أجهزتها الإدارية والعلمية إلى إجراء البحوث وتنظيم اللقاءات العلمية وتدريب رجال الأمن والقضاء وتوعية الجمهور بأخطار الفساد وسُبُل مواجهة هذه الظاهرة وإفرازاتها الاجتماعية. وقد تمت بلورة هذه الجهود في خطط وبرامج واعدة لمواجهة ظاهرة الفساد، وتمثلت في اعتماد(6):

    1- الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد.

    2- القانون العربي النموذجي لمكافحة الفساد.

    3- المدونة العربية لقواعد سلوك الموظفين العموميين.

    وقد أولت تلك الجهود عناية خاصة بمسألة نشر الوعي والبحث عن أسباب الفساد، والتعريف بأضراره كظاهرة اجتماعية لها انعكاساتها على قيم المجتمع ومقوماته.

    (ب) أهميـــة الدراسة وأسباب اختيارها:

    تكمن أهمية الدراسة في خطورة ظاهرة الفساد، بعد أن أصبحت تنال من مقدرات الأمم والشعوب بشكل يؤثر مباشرة في خطط التنمية ورفاهية المجتمعات ويقود إلى الفوضى وعدم الاستقرار في كثير من الدول، ناهيك عن الفقر والتخلف الناتجين عن فقدان الموارد الوطنية والمساعدات الدولية الموجهة للدول الأكثر فقرًا، والتي يتم تهريبها وتجميدها في حسابات سرية، بما يمنع استثمارها فيما ينفع الإنسان.

    ولا يقتصـر الفساد على استيلاء بعض الأفراد على الأموال العامة وتهريبها فحسب، بل يمتد إلى ما هو أخطر من ذلك ليصبح غطاءً لممارسات إجرامية كالاتجار غير المشروع في المخدرات، وتجارة الجنس، وإدارة صالات القمار واللهو الفاضح، وإغواء الشباب، وتدمير أجيال المستقبل بالإسهام في هدم القيم الموروثة والأخلاق الفاضلة لدى المجتمعات المحافظة.

    وتتبين خطورة ظاهرة الفساد بما تم رصده من أدلة ومؤشرات متعددة تؤكد انتشار الفساد بمختلف صوره وأنماطه على نطاق واسع في كثير من دول العالم ومؤسساتها العامة والخاصة. ومن تلك الأدلة والمؤشرات حقائق وثقها المكتب المعني بالمخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة UNODC نذكر منها (7):

    - أن أكثر من تريليون دولار أمريكي من الرشاوي يتم دفعها سنويًّا في الدول المتقدمة والنامية على السواء.

    - أن الفساد ساهم في تهريب 400 مليار دولار أمريكي من إفريقيا إلى دول أخرى خلال العقد الأخير من القرن العشرين.

    - أن الفساد يُكلف الاقتصاد الإفريقي (148) بليون دولار أمريكي سنويًّا، أي ما يعادل (25%) من الدخل القومي لإفريقيا، مما سبب ارتفاعًا في الأسعار بمعدل (20%).

    - مساهمة الفساد في تهريب الكثير من المليارات، ومن ذلك على سبيل المثال تمكن الرئيس الزائيري السابق «موبوتو سياسي سيكو» في الفترة ما بين عامي 1965، 1997 من تهريب وإخفاء خمسة مليارات من الدولارات الأمريكية خارج بلاده التي كانت تعاني من الديون الخارجية آنذاك، وأيضًا قيام الرئيس النيجيري السابق «ساني أباتشا» بتهريب وإخفاء 2.2 مليار دولار خارج بلاده، وكذلك تمكن شقيق رئيس المكسيك السابق «كارلوس ساليناس» من جمع 120 مليون دولار من جراء الفساد.

    - أن العائدات السنوية للجريمة المنظمة العابرة للحدود الإقليمية تقدر بــ 500 بليون دولار وهي في معظمها ناجمة عن جرائم الفساد، والاتجار غير المشروع بالمخدرات، وغسل الأموال، والاتجار بالأشخاص، والاتجار غير المشروع بالسلاح.

    وفي هذا الشأن تشير الدراسة التي أعدها المركز المعني باستقلال القضاء والمحامين في 48 دولة إلى أن الفساد في القضاء ينتشر في 30% من تلك الدول، مما ساعد على انتشار أنماط عديدة من الجرائم الاقتصادية المنظمة المرتبطة بالفساد، خاصة فيما يتصل بغسل الأموال والاتجار غير المشروع في الأسلحة والمخدرات واستخدام عائداتها لدعم الإرهاب الدولي.

    كما تشير تقارير البنك الدولي إلى حقائق مهمة نذكر منها (8):

    أن الاستثمار في الدول التي ينتشر فيها الفساد يكون أكثر تكلفة بمقدار 20% مقارنة مع الاستثمار في الدول التي لا ينتشر فيها الفساد.

    أن الدول التي تحارب الفساد وتحترم سيادة القانون يزيد دخلها القومي بنسبة 40%.

    هناك تريليون دولار تُفقد كل عام من الأموال المرصودة لتنمية المجتمعات من جراء ارتكاب جرائم الفساد.

    أن الفسـاد لم يعـد أمـرًا خافيًا أو سرًّا يوصف بجرائم تحت الأرض، كما كان في الماضي، بـل أصبح حقيقة معلنة بأرقام واقعية مثبتة لدرجة جعلت رئيس إحدى الدول يعلن على المـلأ أن دولته دولة فاسدة ومجرمة(9)، ويعد باجتثاث الفساد في مقدمة برنامجه الانتخابي، ثم يُقر بفشله في تحقيق ما وعد به.

    أن قيمـة الأموال التي يتم غسلها سنويًّا تقدر في الدول الصناعية الكبرى بالمبالغ الآتية:

    وفي هذا الصدد أيضًا رصدت المنظمة الدولية للشفافية (10)، في تقريرها لعام 2006، حول الفساد في العالم، بيانات مفصلة وموثقة عن (56) دولة، من بينها دول عظمى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، واليابان، وكندا، ناهيك عن العديد من الدول النامية التي عجزت المنظمة الدولية عن حصر وتقييم حجم ما بها من فساد بسبب فساد النظم الحسابية بها، وغياب المعلومات والإحصائيات.

    كما ركز تقرير المنظمة لعام 2006 على الفساد الواضح في القطاع الصحي الأكثر ارتباطا بحياة الإنسان.

    وتتضاعف أهمية موضوع الدراسة بسبب المستجدات التي طرأت على أساليب الفساد في ظل التطور التقني لنظم المعلومات والاتصالات المعقدة التي تجعل من الصعب ملاحقة العمليات المالية وتداول الأموال بين المفسدين وعصابات الإجرام المنظم. وكل ذلك يتطلب التركيز على البحوث العلمية التي تستهدف نشر الوعي وتعميم المعرفة، وتعزيز مقومات الشفافية، وإصلاح أجهزة العدالة الجنائية وأجهزة الدولة الأخرى، ودعمها بالموارد البشرية المؤهلة والمحصنة بالقيم ومبادئ الدين الحنيف وأخلاقه الفاضلة، وذلك لكي يتوافر لها القدرة على مواجهة هذه الظاهرة. ورغم حداثة موضوع الفساد على أجندة المجتمع الدولي وبين أولويات البحث العلمي ورغم السرية العالية المضروبة حول عمليات الفساد المنظمة ؛ فإن أهميته وخطورته كظاهرة إجرامية منظمة تحرم المجتمعات من حقوقها الطبيعية من الغذاء والعلاج والتعليم وأسباب الرفاهية- دفعت العديد من الجهات الأكاديمية والهيئات الدولية والمنظمات الطوعية إلى إثراء هذا المجال بالبحوث العلمية الفاحصة والتقارير العلمية والبيانات الرقمية الدقيقة ونتائج استطلاعات الرأي، وذلك خلال فترة وجيزة.

    وفي ضوء ما تقدم تتضح أهمية اختيارنا لموضوع « المواجهة الجنائية للفساد في ضوء الاتفاقيات الدولية والتشريع المصري»، ليكون محلًّا لهذه الدراسة، اتساقًا مع ما يتتابع على المجتمع المصرى – في المرحلة الراهنة – من رياح التغيير، وما يلاحقه من موجات التطوير. وكما هو الحال في مراحل التحول الاقتصادي يشهد المجتمع أنواعًا من الحراك يتولد عنها مجموعة من الجرائم المستحدثة التي تعكس نوعية التغيير وطبيعته، وتفرض شبكة عنقودية من التحديات يترتب عليها عديد من المردودات والآثار.

    وقد شهدت مصر في السنوات الأخيرة أنماطًا لممارسات إجرامية تنذر بالخطر، وقد ساعد على تعاظم هذا الخطر انتقال هذه الممارسات عبر الحدود مما جعلها في مأمن من الملاحقة والمواجهة، ومن بينها ذلك النمط المنطوي على جرائم الفساد لارتباطه بالعديد من الأنشطة الإجرامية الأخرى والتي قد يكون من بينها الجرائم المنظمة العابرة للحدود الإقليمية التي تقوم بها جماعات الإجرام المنظم عبر الدول.

    وهكذا بات واضحًا أن المجتمع المصري أصبح يعاني من ظاهرة الفساد إلى الحد الذي دعاه إلى القلق من انتشارها، وقد ساعد على ذلك مجموعة عوامل من أهمها:

    1ـ ما تشكله عائدات الفساد والأنشطة الإجرامية المرتبطة به من تهديد خطير للنظم المالية والاقتصادية، وزعزعة للاستقرار الأمني، وإفساد التوازن الذي تقوم عليه قوانين واقتصاديات السوق الحرة. وهذا التهديد الذي تتعرض له النظم المالية والاقتصادية يتناسب طرديًّا مع حجمها ودرجة تطورها. وعلى سبيل المثال، فإن تغلغل الأموال غير المشروعة من عائدات الفساد في المصارف أو المشروعات الاقتصادية أو سوق الأسهم المالية والبورصة وأسواق العملة، يهدد بقاء كل هذه الأسواق واستقرارها، ويزعزع ثقة المستثمر الأجنبي والوطني، ويخلق سلسلة من ردود الأفعال التي يمكن أن تسفر عن آثار ومردودات سلبية ذات أبعاد مدمرة على شتى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية.

    2ـ أن الأرباح والعائدات التي تدرها الأنشطة الإجرامية للفساد تمثل عماد هذه الأنشطة وجـودًا وعدمًا، وتشكل هذه الأرباح القاعدة المالية الضرورية لمتابعة هذه الأنشطة واستمرارها، حيث يعاد توظيف هذه الأرباح بصورة مدروسة لضمان التوسع في هذه الأنشطة مستقبلًا.

    3ـ التطور السريع في مجال تكنولوجيا المعلومات وما يسببه ذلك من آثار هامة في مجال انتقال هذه الأموال عبر الدول أو المصارف المختلفة.

    4ـ أن مشكلة الفساد تتميز بتشعبها وتعقدها، بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجه عملية التغلب عليها لمنعها ومراقبتها على نحو فعَّال، وهذه الأمور تتطلب إجراء تقييم شامل لتلك المشكلة من جميع جوانبها وخصائصها والأطراف المعنية بها. ونظرًا لتعلق هذه المسألة بالناحية التشريعية بالدرجة الأولى، فإن مهمة منعها تعد قضية سياسة عامة وقضية تقنية في ذات الوقت، وهذان الجانبان يجب تحليلهما من أجل صياغة القواعد والاستراتيجيات والعقوبات والتدابير الفعَّالة في تحجيم هذه المشكلة.

    ولا تشكل التداعيات السابقة تحديات سلبية فحسب، بل تحمل في طياتها تغييرًا قد يساعد على خلق نظم وآليات جديدة في عالم الجريمة، وخاصة الجريمة المنظمة ، وإزاء ذلك فليس من المقبول أن تكون هناك حلولٌ بسيطة لظواهر إجرامية معقدة كالفساد. ولذا كان لابد من الوقوف على كل ما يحيط بهذه الظاهرة من اعتبارات قانونية وإجرائية ، وطرق مواجهتها التي تتواءم مع خصوصية المجتمع المصري وظروفه الاقتصادية والاجتماعية ومناخ القيم والثقافة السائدة فيه.

    (جـ) أهداف الدراسة:

    استشعارًا للخطورة الكبيرة التي يشكلها الفساد بعد أن شهد في السنوات الأخيرة نموا متزايدا، وتنوعت صوره وأنشطته، وتشعبت أساليبه وأنماطه، مستغلًّا في ذلك مناخ السوق الحر وسرية الحسابات المصرفية، ومستفيدًا من التقدم الهائل في مجال المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات ؛ انعقدت الإرادة الدولية والإقليمية على مواجهة ظاهرة الفساد لتلافي مخاطرها وتداعياتها وعواقبها.

    ولذلك تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق عدة أهداف متكاملة، وهي:

    1ـ تحديد مفهوم «الفساد»، وذلك في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ومن خلال المنظومة الجنائية التي وضعها المشرع(11) المصري لمكافحته وأنشطته الإجرامية المرتبطة به للتوصل إلى الإطار التشريعي المناسب، والكفيل بمكافحته بوسائـل فعالـة ومتطورة تتلاءم مع طبيعة جرائمه، وصوره والأنماط المستحدثة له، والأسباب والعوامل المساعدة على انتشاره، وعلاقته بالجريمة المنظمة وغسل الأموال.

    2ـ بيان الأحكام الموضوعية والجوانب الإجرائية لمواجهة الفساد من خلال اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتشريع المصري.

    3ـ بيان أهمية التعاون الدولي والإقليمي في مجال مواجهة الفساد ، وأشكاله ، والتي تتخذ مسيرة بالغة التنامي متواصلة التعاظم، من خلال انعقاد الإرادة الدولية في بداية الألفية الثالثة على إبرام اتفاقيتين هامتين هما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي أقرها مؤتمـر باليرمـو في إيطاليـا في ديسمبر سنة 2000، ودخلت حيز النفاذ في 29 سبتمبر سنة 2003، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقِّعت في المكسيك في ديسمبر مـن العام ذاته. وقد أفردت الاتفاقيتان مـواد عديدة أفاضت في بيان أحكام تدابير منع الفساد وتجريم كافة صوره.

    (د) خطة الدراســـة: تعكـس خطـة الدراسة اهتمامـاتها ومراميهـا. وقد آثرت - ابتداءً – وإزاء ما تتصف به ظاهرة الفساد من تشعب وتعدد صورها أن أفرد الكتاب الأول من هذه الدراسة ليتناول بين دفتيه التعرف على ظاهرة الفساد من حيث ماهيتها، وأسباب وعوامل انتشارها، وما يترتب عليها من آثار، وعلاقتها بالجريمة المنظمة، وجريمة غسل الأموال.

    ونخصص الكتاب الثاني لتناول الأحكام الموضوعية لمكافحة الفساد وذلك بداية من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ومرورًا ببعض المواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية والتشريعات المقارنة، وانتهاء بالمنظومة التشريعية المصرية في مكافحة هذه الظاهرة.

    ونخصص الكتاب الثالث من هذه الدراسة لبيان الجوانب الإجرائية لمواجهة الفساد وما تتميز به من خصوصية في إجراءات جمـع أدلة الإثبات، وإجراءات المحاكمة، وتنفيذ الأحكام الجنائية الصادرة في شأن جرائمه، وكذلك بحث أشكال التعاون الدولي في مجال مواجهة الفساد ، والتي أصبحت تشكل «حجر الزاوية» في أية مواجهة فعَّالة لهذه الظاهرة، فنتناول بالدراسة والتحليل أهم وسائل نظم التعاون الدولي، التي أثبتت نجاحًا ملحوظًا في مجال المكافحة الدولية لجرائم الفساد، من خلال شرح وتحليل للاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف لمواجهة الفساد، كاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، واتفاقية الأمم المتحـدة لمكافحـة الفسـاد،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1