Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الأحكام الموضوعية ج3 - المواجهة الجنائية للفساد
الأحكام الموضوعية ج3 - المواجهة الجنائية للفساد
الأحكام الموضوعية ج3 - المواجهة الجنائية للفساد
Ebook388 pages2 hours

الأحكام الموضوعية ج3 - المواجهة الجنائية للفساد

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يتناول بالعرض والتحليل المواجهة الجنائية لجرائم الفساد، وتأتي خطورة هذا الكتاب من تعرضه لظاهرة الفساد بكل محاورها، بعد أن أصبحت تنال من مقدرات الأمم والشعوب بشكل يؤثر مباشرة في خطط التنمية ورفاهية المجتمعات ويقود إلى الفوضى وعدم الاستقرار في كثير من الدول، ناهيك عن الفقر والتخلف الناتجين عن فقدان الموارد الوطنية والمساعدات الدولية الموجهة للدول الأكثر فقرًا، والتي يتم تهريبها وتجميدها في حسابات سرية، مما يمنع استثمارها فيما ينفع الإنسان.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2014
ISBN9789771452027
الأحكام الموضوعية ج3 - المواجهة الجنائية للفساد

Related to الأحكام الموضوعية ج3 - المواجهة الجنائية للفساد

Titles in the series (3)

View More

Related ebooks

Reviews for الأحكام الموضوعية ج3 - المواجهة الجنائية للفساد

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الأحكام الموضوعية ج3 - المواجهة الجنائية للفساد - عبد المجيد محمود عبد المجيد

    المقــدمـــة

    القاعدة الإجرائية هي التي تنظم نشاط السلطات العامة للدولة، التي يحركها ارتكاب الجريمة، وتستهدف توقيع العقوبة أو إنزال التدابير الاحترازية، وهي التي تحدد تشكيل الهيئات التي تعهد إليها السلطات العامة بمباشرة هذا النشاط، وترسم لها أسلوب عملها، ومن ثم لا يخاطب بها الأفراد، وغرضها أن تحدد لممثل الدولة ما يجوز له وما يمتنع عليـه، وإذا خالف القاعدة الإجرائية فلا يوصف عمله بعدم المشروعية، وإنما يوصف بالبطلان.

    وقانون الإجراءات الجنائية في تنظيمه لوسائل اقتضاء الدولة حقها في العقاب يجب أن يلتزم بإقامة التوازن في الإجراءات الجنائية التي تتخذ تجاه المتهم بين احترام الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، وبين متطلبات الخصومة الجنائية التي ينبغي أن يتحدد على أساسها نطاق تلك الإجراءات ولاسيما في شأن المساس بالحرية الشخصية للمتهم وكفالة حق الدفاع على نحو بالغ الدقة لا يخرج عن مقتضيات الخصومة الجنائية، ولا يجاوزها متعديًا تخومها لحساب أي من طرفيها النيابة العامة أو المتهم افتئاتًا على الطرف الآخر، على أساس أن هذا التوازن لازم لتحقيق المحاكمة الجنائية العادلة التي يتطلبها الدستور، وأنه بهذه المثابة من مقومات مبدأ الشرعية الدستورية والإجرائية، وضروري، في الوقت ذاته، لضمان اندماج المواطن في المجتمع وشعوره بذاته، ونهوضه بواجباته، ولوضع الضمانات التي تحمي من التعسف وتصون من التحكم(1).

    وفيما يتعلق بالتعاون الدولي في مجال مكافحة جرائم الفساد، فإنه قد يكون في كافة مراحل المكافحة، والتي تبدأ من قبل أعمال الشرطة وإجراءاتها، وتستمر إلى ما بعد تنفيذ حكم القضاء.

    ويمكن تقسيم التعاون الدولي إلى عدة تقسيمات، فنجد أنه ينقسم من حيث عدد أطرافه إلى تعاون بين طرفين، وتعاون متعدد الأطراف، وينقسم من حيث مداه إلى تعاون ثنائي أو تعاون متعدد الأطراف بين أكثر من دولة، وتعاون عالمي أو إقليمي، وينقسم من حيث طبيعة أطرافه إلى تعاون بين أطراف غير حكومية، وتعاون تشترك فيه أطراف حكومية وغير حكومية، وكذلك تعاون بين دول وتعاون بين منظمات دولية، وتعاون تشترك فيه دول ومنظمات دولية.

    كما ينقسم التعاون من حيث درجة التخصص إلى تعاون لمكافحة الجريمة، بشكل عام، وتعاون لمكافحة جرائم معينة أو أنماط أو أعمال أو أنشطة ذات خطورة على المجتمع الدولي مثل جرائم الفساد، وجرائم الإرهاب، وجرائم المخدرات........إلخ، بشكل خاص.

    كما نرى أنه يمكننا تقسيم التعاون الدولي وفق تصنيفات أخرى متعددة؛ فمن حيث طبيعـة التعـاون نجد تعاونًا تشريعيًّا، وتعاونًا قضائيًّا، وتعاونًا تنفيذيًّا أو إجرائيًّا أو شرطيًّا أو أمنيًّا ؛وذلك حال قيام التعاون بين أجهزة العدالة الجنائية، كما نجد تعاونًا إعلاميًّا، وثقافيًّا، وصحيًّا، واجتماعيًّا ؛حال قيام التعاون بين أجهزة أو منظمات مشاركة أو معنية بمكافحة الجريمة من غير أجهزة العدالة الجنائية(2).

    وينطبق المفهوم المتقدم للتعاون الدولي من حيث صوره وأشكاله تمام الانطباق على ظاهرة الفساد التي اكتسبت – خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين قدرًا كبيرًا من الأهمية والخطورة، إثر اقترانها بظاهرتين معاصرتين؛ الأولى: ظاهرة «التقدم التقنـي» وما أفرزته من إمكانات وتسهيلات غير مسبوقة لحركة الأموال الناجمة عن شتى جرائم الفساد من دولة إلى دول أخرى؛ والثانية : ظاهرة «العولمة» وما أحدثته من ثورة واسعة النطاق في مجالات انتقال المشروعات والاستثمارات من دولة إلى أخرى.

    ولأن ظاهرة الفساد قد مثَّلت – بأبعادها المتقدمة – تحديًا جديدًا ومقلقًا للعديد من دول العالـم التي تزايدت قناعتها بأن تتجاوز هذا التحدي وتتصدى لهذه الظاهرة الخطيرة، ولأن هذا التحدي يتطلب _من ناحية أولى – تطويرًا للبنية التشريعية من خلال المنظومتين العقابية والإجرائية على المستوى الوطني، فإنه يستلزم – من ناحية أخرى – تعزيزًا للتعاون الدولي في المجال القانوني والقضائي، وذلك انطلاقًا من فرضية منطقية مفادها أن أنشطة الفساد وعائداتها الإجرامية إنما تجري في معظم الأحوال في محيط دولي أو عبر وطني، ومن ثم فإن الجهود المبذولة للسيطرة على هذه الأنشطة وعائداتها يجب أن تتم أيضًا في محيط دولي، وهو الأمر الذي أولته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أهمية قصوى تمثلت في وضع إطار نهج متكامل يتسم بقدر أكبر من التنظيم والشمول والاستمرارية، وذلك من خلال إنشاء شبكة متكاملة ومتناسقة من التدابير والترتيبات العالمية تكفل قيام تعاون فعَّال ومتكافئ بين الدول المعنية في مختلف مراحل الاستـدلال والتحقيـق والمحاكمـة، بل ويتم ذلك في مرحلة تنفيذ الأحكام القضائية ؛مما يسهم في إيجاد بيئة عالمية غير مواتية يواجه فيها مرتكب جرائم الفساد من الأفراد والمنظمات الإجرامية الوطنية وعبر الوطنية أكبر قدر ممكن من المخاطر القانونية، ويُحرم فيها هؤلاء المجرمون وعائداتهم غير المشروعة من أية ملاذات آمنة ؛الأمر الذي ييسر لسلطات تنفيذ القانون استرداد هذه العائدات، وتوفير الأدلة اللازمة لإدانتهم، وتنفيذ العقوبـات التي يُقضى بها عليهم، أيًّا ما كانت الدولة التي ارتُكبت هذه الجرائم على إقليمها، وأيًّا كانت الدولة التي يتواجد على أرضها مرتكب هذه الجرائم، أو الأموال غير المشروعة المتحصلة عنها (3).

    وتأسيسـًا على مـا سبـق عرضه فسنتناول دراستنا لموضوع هذا الباب في فصلين : نخصص الأول منهما لدراسة القواعد الإجرائية الحاكمة لجرائم الفساد وما تتميز به من خصوصية، وذلك وفق الأحكام القانونية المنصوص عليها في كل من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتشريع الجنائي المصري، ثم نعرض في الفصل الثاني لدراسة التعاون الدولي في مجال مكافحة جرائم الفساد الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتطبيقات هذه الصور في التشريع الجنائي المصري.

    (1) د. سـري محمود صيام، الحبس الاحتياطي في ظـل الضمانـات المستحـدثـة بالقانون رقم 145 لسنة 2006، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 2008، ص 3 وما بعدها.

    (2) كما يمكننا تصور وجود تعاون مختلط، مثل: حالة توقيع اتفاقية شاملة قضائية أو أمنية أو إعلامية ؛ونجد كذلك أن التعاون يتدرج من البسيط كتبادل الخطابات والرسائل أو الزيارات إلى التعاون المتوسط كتوقيع مذكرات التفاهم والاتفاقيات، وتبادل المساعدة القضائية، والتسليم، ومن أشكال التعاون أيضًا التعاون الوثيق بتوحيد التشريعات وإقامة كيانات اقتصادية موحدة والقيام بعمليات مشتركة لمكافحة الجريمة، وذلك من حيث قوة رابطة التعاون. وبذلك يتضح لنا أن صور وأشكال التعاون الدولي لمكافحـة الجريمة متعددة ومتجددة، كما يمكن استحداث أنماط جديدة من التعاون الدولي وفقًا لحاجة الدول وطبيعة التحديات التي تفرضها الجرائم المستحدثة، ونجد على سبيل المثال أنه إذا كان تسليم مرتكبي الجرائم هو الصورة التقليدية الأولى للتعاون الدولي لمكافحة الجريمة على المستوى الدولي، فإن ربط شبكات الاتصالات والمعلومات بين الدول يُعتبر صورة حديثة نسبيًّا أتاحها التطور التكنولوجي وفرضتها ظروف التطور الإجرامي.

    وبناء على ما سلف بيانه فإننا نجد صعوبة في جمع وحصر كافة صور وأشكال التعاون الدولي لمكافحة الجريمة، وذلك لإمكانية استحداث صور مبتكرة لم تُعرف من قبل، أو تعديل بعض صور التعاون القائمة بما يلائم احتياجات الدول، والمستجدات والتطورات التكنولوجية والأمنية المختلفة. ولقد أصبح التعاون القانوني والقضائي فيما بين الدول يمثل إحدى الضرورات لمواجهة هـذه الأنشطة الإجرامية المستحدثة على نحو يتكامل مع دور القوانين التشريعية الوطنية. كما أن النظر إلى ذلك التعاون بأنه يخلق سيادة فوق الدول لم يعد أمرًا يهم الدول بقدر ما أصبح التعاون يعني أن سياسات دول مختلفة تهدف – جميعها – إلى تشديد وتفعيل إجراءات مكافحة الجريمة بوجه عام والجريمة عبر الوطنية بوجه خاص. راجع في ذلك :

    - (Stessens) Guy; Money Laundering: A new international law enforcement model, Cambridge University Press, U.S., 2000.

    (3) راجع في ذلك :

    ( Savona ) Ernesto O.; Responding to money laundering international perspectives, Gordon & Breach Publishing Group , 1996. =

    = ( Gilmore ) William C.; International efforts to combating Couwption Crimes, Cambridge University Press, U.S., 1993.

    الفصل الأول

    الأحكام الإجرائية لمكافحة جرائم الفساد

    تعد القوانين الإجرائية أحد فرعي القانون الجنائي، والآخر هو قانون العقوبات، والقانون الجنائي بوجه عام يهدف إلى حماية المصالح الاجتماعية(4)، سواء أكانت هذه المصالح من المصالح العامة التي تمس كيان المجتمع، أم من المصالح الخاصة التي تتعلق بحقوق الأفراد وحرياتهم، ومن ثم فإن هذا القانون بفرعيه يوازن بين المصلحة الخاصة للفرد والمصلحة العامة، فيقر من المصلحتيـن مـا يهـم المجتمع ويضمن سيره وفاعليته، ويتوقف تقدير ما يهم المجتمع من المصالح – وخاصة الفردية منها – على النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة.

    ويتميز القانون الجنائي بأن قواعده تتسم بقوة التأثير على السلوك الاجتماعي ، ويبدو ذلك واضحًا في قانون العقوبات الذي يفرض أنماطًا من السلوك، ويرتب الجزاء الجنائي على مخالفتها، كما يتجلى ذلك واضحًا، أيضًا، في قانون الإجراءات الجنائية بما ينظمه من قواعد إجرائية تمس حريات المواطنين في سبيل كشف الحقيقة وإقرار سلطة الدولة في العقاب.

    وتعتـبر القوانيـن التي تتضمن القواعد الإجرائية من أدق القوانين في حياة الدولة القانونية، ففي هذه القوانين يتعين على المشرع تحقيق التوازن بين مصلحتين متعارضتين هما:المصلحة العامة من خلال تحقيق عدالة جنائية فعالة، والمصلحة الخاصة للفرد في ممارسة حريته وحقوقه الشخصية، وغالبًا ما يحدث توتر في العلاقة بين هاتين المصلحتين، ذلك أن كثيرًا من الإجراءات الجنائية تقف حائلًا بين الإنسان وممارسته لكثير من حقوقه الشخصية، ومثال ذلك القبض، والحبس الاحتياطي، والتفتيش، وضبط الأشياء ،

    ومراقبة المراسلات والاتصالات التليفونية، وكلها إجراءات تمس حرية الأفراد في حق التنقل أو الملكية أو الحياة الخاصة.

    وتعتبر القوانين الإجرائية في تنظيمها وتحقيقها للتوازن بين هذين الأمرين مرآة لدستور الدولة فيما يعكسه من درجة احترامه لحقوق الإنسان، فالدستور يضع المبادئ التي تقوم عليها الشرعية الدستورية التي تلتزم بها سلطات الدولة، وتتأثر صياغة هذه الشرعية بطبيعة وحدود العلاقة بين الفرد والدولة، وفيها تتجلى درجة حماية حقوق الإنسان في مواجهة سلطاتها، ومن ثـم فإن شكل النظام السياسي والدستوري للدولة يؤثر بطريقة تلقائية في تنظيم الإجراءات الجنائية، وقد تجلى ذلك في أمثلة مختلفة لعدد من الدول التي شهدت إصلاحًا في قوانينها الإجرائية الجنائية عقب تغيير نظامها السياسي والدستوري على أساس ديمقراطي، كما حدث في مصر بعد دستور 1971، واليابان بعد دستور سنة 1946 (5).

    وتكمن دقة القوانين الإجرائية في كيفية مواجهتها لمشكلة ضمان فاعلية إدارة العدالة الجنائية عند التزامها بالحفاظ على سائر حقوق الإنسان، الأمر الذي يتطلب التوفيق بين تحقيق هاتين الغايتين، فالفاعلية الجنائية التي تضحي بالحرية هي أداة مصطنعة لا تبغي تحقيق حسن العدالة في الدولة القانونية ؛حيث تتوقف مشروعية أعمال سلطتها على احترام مبادئ الشرعية التي تضمن حقوق الإنسان، وذلك لأن مصلحة الجماعة لا تقف عند حد توقيع العقاب على المجرم أيًّا كان الثمن المدفوع فيه، وإنما تقتضي هذه المصلحة ألا يُضحَّى في سبيل الوصول إلى عقاب المجرم بحريات الشرفاء والأبرياء من أفراد المجتمع، فالإجراءات الجنائية هدفها ضمان سلامة العقاب، وإذا كان قانون العقوبات يحمي المواطن الحر من خلال مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فإن القانون الذي تتجلى فيه أكثر من غيره الحماية الحقيقية لحقوق الإنسان هو قانون الإجراءات الجنائية ؛لأنه يتعرض لأهم حق له وهو حريته الفردية (6).

    ويهدف قانون الإجراءات الجنائية بوجه عام إلى حماية المصلحة الاجتماعية وإقرار سلطة الدولة في العقاب من خلال ما ينظمه من إجراءات لكشف الحقيقة، وبواسطة الضمانات التي يقررها حماية لحرية المتهم التي تتعرض للخطر من جراء هذه الإجراءات(7).

    ويتفـق قانـون الإجـراءات الجنائية مـع قانون العقوبـات فـي خضوعهما لمبـدأ الشرعية الجنائية ؛ فإذا كانت الشرعية في قانون العقوبات تعني أنه لا جريمة ولا عقوبة بغير نص مكتوب، فإن الشرعيـة الإجرائيـة تعـني كذلك أنـه لا إجـراء بغير سند من القانون nullum crimen, nulla poena, nullus judex sine lege ويتمثل مضمون الشرعية الإجرائية في ثلاثة مبادئ هي :

    1- أن يحدد القانون كل إجراء جنائي.

    2- أن ينظم القانون سير الإجراءات الجنائية.

    3 - أن ينظم القانون الإشراف القضائي على الإجراءات الجنائية لضمان الحريات(8).

    وتمثل الأحكام الإجرائية ركيزة أساسية في المنظومة القانونية لمكافحة الفساد وجرائمه، سواء فيما يتعلق منها بإجراءات جمع الاستدلالات عن هذه الجرائم أو مرتكبيها، أو ما يتعلق بالإجراءات التحفظية التي تتخذ في شأن متحصلات هذه الجرائم وضد مرتكبيها، ولذلك نجد أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد قد توسعت فيما اتخذته من أحكام إجرائية لمكافحة جرائم الفساد ؛ حيث تفردت بالنص على ضرورة قيام الدول الأطراف فيها بإنشاء وحدات تحريات ماليـة تتخصـص في متابعة جرائم الفساد وتلقي الشبهات ذات الصلة بها أو بمرتكبيها، وكذا ما أولته من أهمية قصوى لضرورة توفير الحماية القانونية والقضائية للشهود في جرائم الفساد، وهو ما يمثل دورًا بارزًا في زيادة فاعلية هذه المكافحة، وتشجيع الأفراد على الإبلاغ عن هذه الجرائم والأشخاص ذوي الصلة بها، بالإضافة إلى إسهابها في بيان قواعد الاختصاص والولاية القضائية في شأن جرائم الفساد ومحاكمة مرتكبيها.

    وبناءً على ما سبق فسنتناول في هذا الموضع من الدراسة تلك المنظومة الإجرائية لمكافحة الفساد وجرائمه من خلال تفصيل للأحكام المنصوص عليها بمواد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وما يقابلها من أحكام في التشريع الجنائي المصري، على أن تأتي هذه الدراسة وفق تسلسل مواد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وتأسيسًا على ذلك نقسم هذا الفصل إلى مباحث خمسة ؛ نتناول في الأول منها إجراءات جمع الاستدلالات، ونبين في الثاني الأحكام الخاصة بالإجراءات التحفظية، وفي المبحث الثالث نتناول الأحكام الخاصة بحماية الشهود والخبراء، ثم نعرض من خلال المبحث الرابع للأحكام الخاصة بالولاية القضائية والاختصاص الجنائي، ونختتم ذلك بالمبحث الخامس الذي ندرس فيه وحدة التحريات المالية والدور المنشود لها في مكافحة الفساد.

    (4) DELOGU, La Loi pénale et son application, 1956, p. 30 ed 5.

    (5) د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، طبعة 1995، ص 3 وما بعدها.

    (6) The Protection of Human Rights in the Criminal Process under International instrument and National Constitution. 4 Nouvelles Études Pénales (1982) M.C. Bassiouni, Editor.

    Justice Pénale et Droits de L’Homme, 63. Revue Internationale de Droit Pénal, No 3 - 4, 1992 (bis).

    Préparé par nand Boulan, Leonard Cavise, Françoise Tulkens.

    (7) د. محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة، 1996، ص3.

    (8) في تفصيل ذلك انظر: د. علي محمود حمودة، حماية الشرعية الجنائية الموضوعية في قضاء المحكمة الدستوريـة العليا، بحث منشور بمجلد المؤتمر العلمي الأول لكلية الحقوق جامعة حلوان المنعقد في 30، 31 مـارس سنة 1999 في موضوع «دور المحكمة الدستورية العليا في النظام القانوني المصري»، د. عبد الرؤوف مهدي، التنظيم القضائي والإجراءات الجنائية، رقابة القضاء على دستورية القوانين واللوائح. بحث مقدم إلى المؤتمر الأول للجمعية المصرية للقانون الجنائي. القاهرة 13-17 مارس سنة 1987، د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الإجرائية الجنائية، المجلة الجنائية القومية – المجلد التاسع عشر، نوفمبر سنة 1976 العدد الثالث ص 333 ونفس المؤلف، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية 1993 مرجع سابق، ص 57، 60. د. محمود نجيب حسني، الدستور والقانون الجنائي، دار النهضة العربية، سنة 1992، ص 75، وكذلك نصت المادة 167 من الدستور على أن «يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم». د. مصطفـى كيرة، نظرية الاعتداء المادي في القانون الإداري، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة 1964، دار النهضة العربية، ص 24. جاء في مؤلف الأستاذ أحمد صفوت، شرح قانون العقوبات، مطبعة حجازي، بدون سنة نشر، ص 10 «وعلى القاضي أن يتأكد من شرعية اللوائح والقرارات الإدارية بموافقتها للقانون وذلك بصدورها وفقًا لقانون يجيز إصدارها ومن سلطة فوضها القانون بإصدارها وفي موضوع خصها بإصدارها فيه». د. عبد الرؤوف مهدي، شرح القواعد العامة لقانون العقوبات، مرجع سابق، ص97. د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص 58.

    المبحث الأول

    إجراءات جمع الاستدلالات الخاصة بجرائم الفساد

    يدلل التاريخ عبر مراحله المختلفة على أن المجتمع النظيف الخالي من الجريمة ضرب من الخيـال، فلابـد من وجود الجريمة، ومن مصلحة المجتمع أن يضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأمنه وطمأنينتـه، فالجريمة داء يفتُّ في عضد المجتمع، وإذا كان لكل داء دواء، فدواء الجريمة هو الجزاء(9)، والجزاء بطبيعة الحال يشكل اعتداء على حرية الفرد، ولكنه اعتداء مبرر يقع وفق أسس المشروعية وطبقًا لمبادئها، وتحقيقًا لمصلحة المجتمع.

    وعندما تقع الجريمة، فإن عجلة الإجراءات الجنائية تبدأ سيرها، بغية الوصول إلى فاعل الجريمة وإيقاع العقاب اللازم عليه، ويكون ذلك عبر نظم قانونية تسمى بنظم العدالة الجنائية، وتهدف هذه النظم إلى تحقيق العدالة، وهذه الإجراءات ليس الهدف منها بأي حال من الأحوال الانتقام وإيقاع العقوبات دونما أسس مرجعها القانون ومستندها مبادئ العدل والإنصاف، فليس من مصلحة المجتمع بأي حال من الأحوال إدانة بريء وإيداعه غياهب السجون، والقاعدة المستقرة الثابتة أن براءة

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1