Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير البسيط
التفسير البسيط
التفسير البسيط
Ebook767 pages6 hours

التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786464926483
التفسير البسيط

Read more from الواحدي

Related to التفسير البسيط

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير البسيط - الواحدي

    الغلاف

    التفسير البسيط

    الجزء 7

    الواحدي

    468

    يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة

    (2) صدر بيت. وعجزه:

    وأصْفَح عن شتمِ اللئيمِ تَكَرُّما

    وهو لحاتم الطائي، وهو في: ديوانه (ن: دار مكتبة الهلال): 72، وورد منسوبًا له، في كتاب سيبويه 1/ 368، الإفصاح 279، شرح المفصل 2/ 54، اللسان 5/ 3165 (عور)، التصريح بمضمون التوضيح للأزهري: 1/ 392، شرح شواهد المغنى 2/ 952، الخزانة 3/ 115، 122. الجمل للخليل: 95، معاني القرآن للفرَّاء: 2/ 5، معاني القرآن للأخفش: 1/ 167، الكامل 1/ 291، المقتضب 2/ 348، المحلى (وجوه النصب)، لابن شقير: 69، وأسرار العربية للأنباري: 187، الاقتضاب 109.

    وورد في بعض المصادر بالروايات التالية: (.. اصطناعه وأعرض عن ذات ..) و (.. اصطناعه وأصفح عن ذات ..) و (.. وأصفح عن شتم ..). ومعنى (أغفر): استُر. و (العَوْراء): الكلمة، أو الفعلة القبيحة، و (الادِّخار)، افتعال من (الذُّخر)، بمعنى: الاتخاذ والحفظ، وأصلها: (اذتخار)، فقلبت التاء ذالًا، وأدْغِمَت فيها الذالُ الأصليةُ، فصارت ذالًا مشدوةً، ثم أبدِلَت الذالُ دالًا. انظر: اللسان 3/ 1490 (ذخر)، 5/ 3165 (عور)، 6/ 3274 (غفر). ومعنى البيت: إذا جهل علي الكريمُ بكلمة أو فعلةٍ قبيحة، سترتها عليه، وسامحته، واحتملتها منه؛ للإبقاء على صداقته، ولادِّخاره ليوم احتاج إليه فيه. وإن شتمني اللئيمُ أعرضت عن شتمه والرد عليه؛ إكرامًا لنفسي. والشاهد في البيت: نصب (ادِّخارَه)، و (تكَرُّما) على المفعول لأجله، والأصل فيه: (لادخارِه)، و (للتكرمِ)، فلما حُذِف حرفُ الجرِّ، انتصب الاسمُ.

    ووجه قول الزجَّاج: أنَّه انتصب على المصدر؛ كأنه لمَّا قيل: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} دلَّ (1) على: (وما بغى (2) الذين أوتوا الكتاب). فحُمِلَت {بَغْيًا} عليه (3). فإن قيل: ما الفصل (4) بين ما ينتصب على المصدرة نحو: {صُنْعَ الله} (5)، وما ينتصب على أنَّه مفعول له؛ نحو: (ادِّخاره)، وبابه؟

    فالقول: إنَّ الجميع وإن كانا يجتمعان في أنهما ينتصبان عن تمام الكلام؛ فالمفعول له؛ معناه: الإخبارُ بالغرض الذي من أجله فُعِل الفعلُ، والسبب له. والعامل فيه؛ هو هذا الفعل (6) الظاهر.

    وأما (7) المصدر: فالنحويون يُسَّمونه مفعولًا مطلقًا؛ لأن الفاعل (1) (دل): ساقطة من: (ج).

    (2) في (أ)، (ج): (بغا). والمثبت من: (ب)، (د).

    (3) أي أنَّ (بغيًا) مصدر مؤكِّد (مفعول مطلق)، ويكون التقدير: (وما بغى الذين أوتوا الكتاب ... بغيًا). والمعنى بناء على رأي الأخفش: أن الاختلاف بينهم حاصل قبل مجيء العلم وبعده، ولكن سببه بعد مجيء العلم هو البغي، فهو المفعول لأجله. والمعنى على رأي الزجاج: أن الخلاف بينهم حصل بعد مجيء العلم فقط وسببه البغي. هذا والله أعلم.

    (4) في (ب): (الفعل).

    (5) وقد انتصبت (صُنْعَ) بفعلٍ مضمرٍ دلَّ عليه ما قبله؛ لأن معنى الجملة: (صَنَعَ اللهُ ذلك صُنْعًا)، أو (صنع صنعًا، الله). ثم أضاف المصدر إلى الفاعل. ويجوز نصبها على الإغراء؛ أي: (انظروا صنع اللهِ). ولكن ليس هذا الوجه محل الشاهد. انظر: إعراب القرآن المنسوب للزجاج: 2/ 768، إعراب القرآن للنحاس: 2/ 536، البيان للأنباري: 2/ 228.

    (6) في (د): (السبب).

    (7) في (د): (فأما).

    أحدثه.

    وقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. هذا شرطٌ وجوابُ، يتضمن وعيدًا لليهود الذين كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. وذكرنا معنى {سَرِيعُ الْحِسَابِ} في سورة البقرة (1).

    20 - قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} [آل عمران: 20]. قال ابنُ عباس (2): نزلت في يهود المدينة، ونصارى نَجْرَان، والأمِّيِّين من العرب.

    قال الكلبي (3): وذلك أن اليهود والنصارى قالت: لسنا على ما سميتنا به يا محمد، إنما اليهودية والنصرانية نَسَبٌ، والدِّين هو الإسلام، ونحن عليه.

    قال الزَّجَّاج (4): فأمر الله تعالى نبيَّه بأن يحتجَّ عليهم؛ أنه اتَّبع أمرَ اللهِ، الذي هم مُجْمِعون (5) مُقرُّون بأنه خالقُهم، وأمَرَه بقوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ} الآية بأن يدعوهم إلى ما هو عليه من الإسلام.

    قال أهل المعاني (6): وإنما لزمتهم الحُجَّة من حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) انظر تفسير آية: 202 من سورة البقرة.

    (2) لم أهتد إلى مصدر قوله إلا ما ورد في تنوير المقباس 44، فقد قال بعد قوله تعالى: {حَاجُّوكَ} (يعني: اليهود والنصارى)، وقال بعد {وَالْأُمِّيِّينَ}: (يعني: العرب).

    (3) قوله في تفسير الثعلبي 3/ 25 أ.

    (4) في معاني القرآن له 1/ 388، نقله عنه بتصرف.

    (5) في معاني القرآن: (أجمعون).

    (6) لم أعثر على من نصَّ على هذا القول، ممن سبق المؤلف.

    أراهم الدلالة على صدقه ونبوَّته، ثم دعاهم إلى اتباع أمر من أقروا بأنه خالقهم، فإذا لم يطيعوه، صاروا محجوجين.

    فهذا وجه الحجة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ}. ومعنى {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ}: أي: انقدت له بقلبي ولساني وجوارحي.

    وذكرنا أن الإسلام معناه -في اللغة-: الانقياد (1). وذُكِرَ (الوجه) هاهنا؛ لأنه أكرم جوارح الإنسان، فإذا خضع وجهُهُ لشيء، فقد خضع له سائرُ جوارحه (2).

    وقال ابن عباس في هذه الآية (3): يريد: كما قال أبوك إبراهيم: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131]. وقد ذكرنا هناك معنى (أسلم) و (أسلمْتُ).

    وقال الفرَّاء (4): معنى [أسلمت وجهي لله: أخلصت عملي لله؛ يقال (5)] (6): (أسلمتُ الشيءَ لفلان)؛ أي: أخلصته لهُ، فسلم له الشيء، ولم يشاركه غيره (7).

    قال: ومعنى (الوجه) ههنا: العمل، كقوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (1) انظر ما سبق عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} من آية 19 من هذه السورة.

    (2) انظر: تفسير الطبري 3/ 214، تفسير الثعلبي 3/ 25 ب.

    (3) لم أهتد إلى مصدر قوله.

    (4) لم أهتد إلى مصدر قوله وهو موجود في تفسير الثعلبي 3/ 25 ب.

    (5) في (ج): (فقال).

    (6) ما بين المعقوفين ساقط من: (ج)، (د).

    (7) في (ج): (فيه).

    [الأنعام: 52 - الكهف: 28]، أي: قصده والعمل.

    وقول الشاعر:

    ... إليه الوجهُ والعَمَلُ (1)

    نسق بالعمل على الوجه، وهما واحدٌ؛ لاختلاف اللفْظَيْن. ومضى الكلام في هذا عند قوله: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112]، الآية.

    وقوله تعالى: {وَمنِ اَتَّبَعَنِ}. {مَنِ} عطف على الضمير في {أَسْلَمْتُ} من غير أن يؤكده؛ لأن الكلام طال بقوله: {وَجْهِىَ للهِ}، فصار عِوَضًا من تأكيد الضمير المُتَّصِل.

    ولو قيل: (أسْلَمْتُ وزيدٌ)، لم يَحْسُن حتى يقول: (أسلمتُ أنا وزيدٌ). (1) عجز بيت، وتمامه:

    أستغفرُ الله ذنبًا لست مُحصِيَهُ ... رب العباد إليه الوجه والعمل

    لم أهتد إلى قائله، وقد ورد غير منسوب في المصادر التالية كتاب سيبويه 1/ 37، معاني القرآن للفرَّاء: 2/ 314، تأويل مشكل القرآن 177، أدب الكاتب 524، المقتضب 2/ 321، الأصول في النحو 1/ 178، المحلى لابن شقير: 68، الخصائص 3/ 247، الصاحبي 291، 339، أمالي المرتضى 1/ 591، تفسير الثعلبي 25/ 3 ب، المخصص 14/ 71، الاقتضاب 3/ 400، شرح المفصل 7/ 63، 8/ 51، اللسان 5/ 26 (غفر)، شرح شذور الذهب ص 445، المقاصد النحوية 3/ 226، منهج السالك (شرح الأشموني): 2/ 194، التصريح للأزهري: 1/ 394، الهمع 5/ 17، ورد فيه الشطر الأول فقط. خزانة الأدب 3/ 111، الدرر اللوامع 2/ 106. ومعنى البيت: أطلب المغفرة؛ أي: الستر على ذنوبي، ويريد بـ (الذنب) هنا اسم الجنس؛ أي: جميع الذنوب؛ لأنه قال بعده: (لست محصِيَهُ)؛ أي: لا أحصي عدد ذنوبي التي عملتها، وأستغفر الله من جميعها. و (الوجه) هنا القصد، وهو بمعنى: التوجُّه؛ أي: إليه التوجه في الدعاء.

    فإن قال: (أسلمتُ اليوم (1) بانشراح صدرٍ ومن جاء معي)، جاز وحَسُنَ (2).

    [قال أبو إسحاق (3): حذفت الياء من (اتبعن)، وهذه الياء إذا وقعت في آخر آية، حسن] (4) حذفها (5)؛ لأن أواخر الآي تُشَبَّهُ (6) بقوافي الشِّعْر، وأهل اللغة يسمونها الفواصل.

    قال الأعشى:

    ومن شانئٍ كاسِفٍ بالُهُ ... إذا ما انتسَبْتُ له أنكَرَنْ (7) (1) (اليوم): ساقطة من (د).

    (2) وفي إعراب {وَمَنِ اتَّبَعَنِ}، وجوهٌ أخرى، وهي: أنها مرفوعة على الابتداء، وخبره محذوف، والتقدير: (ومن اتَّبعني أسلم وجهه لله). أنها منصوبة على المعيَّة، والواو واو المعية؛ أي: (أسلمت وجهي لله مع من اتبعني)، أو (مصاحبًا لمن أسلم وجهه لله).

    أنها في محل جر عطفا على اسم الله تعالى، على تأويل: (جعلت مقصدي لله بالإيمان به والطاعة له، ولمن اتَّبعني بالحفظ له والاحتفاء بعمله وبرأيه وبصحبته). ويظهر على الوجه التكلف والتعسف. انظر هذه الوجوه، في الفريد في إعراب القرآن المجيد للمنتجب الهمداني 1/ 555، البحر المحيط 2/ 421، الدر المصون 3/ 90 - 92، الفتوحات الإلهية 1/ 253.

    (3) في معاني القرآن له 1/ 389، نقله عنه بتصرف واختصار قليل.

    (4) ما بين المعقوفين زيادة من: (ج)، (د).

    (5) (حذفها): ساقطة من: (د).

    (6) (تشبه): مطموسة في (ج).

    (7) البيت في ديوانه ص 207. وورد منسوبًا له في الكتاب 4/ 187، أمالي ابن الشجري 2/ 291، ومجاز القرآن 2/ 195، والأمالي للقالي 2/ 263، وإيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري 259، وفقه اللغة للثعالبي 218،= فإذا لم يكن آخر آيةٍ أو قافيةٍ، فالأكثر إثبات الياء، وحذفها جيد، خاصة مع النونات؛ لأن أصل (اتبعني) (1): (اتبعي) (2)، فزيدت النونُ؛ لِتَسْلَم فتحةُ العيْن. فالكسرة (3) من النون، تنوب عن الياء، فإذا لم تكن النون؛ نحو: (غلامي)، (وصاحبي)، فالأجود إثباتها، وحذفها قليل، إلا أنه جائز؛ لأن (4) الكسْرَة دالة عليه.

    قال ابن عباس (5): {وَمَنِ اتَّبَعَنِ}: يريد: المهاجرين والأنصار.

    وقوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ}. يعني: العرب (6) = شرح المفصل 9/ 83، 86. وورد غير منسوب في غريب الحديث للحربي: 2/ 874، وشرح أبيات سيبويه للنحاس: 189. وروايته في الديوان وبعض المصادر: (.. كاسف وجهه ..)، وورد في بعض المصادر: (.. ومن كاشح ظاهِرٍ غِمْرُهُ ..). و (الشانئ): المُبغِض، و (كاسف البال): سيِّء الحال، و (كاسف الوجه): عابِسُه؛ من سوء الحال، و (رجل كاسف): مهمومٌ، قد تغير لونه، وهزل من الحزن. و (أنكرن): أنكرني بادِّعائه أنه لا يعرفني؛ لكراهيته لي. أما في الرواية الثانية: فمعنى (كاشح)؛ أي عدو مبغض، وهو الذي يضمر لك العداوة في كَشْحه؛ أي: باطنه، أو يطوية عنك كشحُهُ وُيعرض عنك، و (الكشح): الخَصْر. و (الغَمْرُ) بفتح الغين وكسرها: الحقد والغِل. انظر: اللسان 4/ 2335 (شنأ)، 7/ 3877 (كسف)، 7/ 3880 (كشح)، 6/ 3294 - 3295 (غمر). والشاهد في البيت: حذف الياء من (أنكرن) في الوقف عليها في القافية، وأصلها: (أنكرني).

    (1) في (ب): (اتبعن).

    (2) في (أ)، (ب): (اتَّبعنن). والمثبت من: (ج)، (د)، معاني القرآن للزجَّاج، زاد المسير 1/ 364.

    (3) في (د): (فالكسر).

    (4) في (ج): (إلا أن).

    (5) لم أعثر على مصدر قوله.

    (6) أي: إن الأميِّين هم العرب. وسُمُّوا بذلك كما يقول ابن عطية: نسبة (على الأم،= {أَأَسْلَمْتُمْ}.

    قال الفرَّاء (1)، والزجَّاج (2): معناه: الأمر؛ أي: أسلموا؛ لأنه استفهام في معنى التوقيف والتهديد، وفي ضمنه الأمر؛ كما تقول للإنسان، بعد أن تأمره وتُؤكِّد عليه: أقَبِلْتَ؟ فأنت تسأله متوعدًا، وفي مسألتك دليلٌ أنك تأمره أن يفعل، ومثله قوله (3): {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91]؛ أي: انتهوا.

    قال النحويون: إنما جاء الأمر في سورة الاستفهام؛ لأنه بمنزلته في طلب الفعل، والاستدعاء إليه، فذكر ذلك؛ للدلالة على الأمر، من غير تصريح به؛ ليُقِرَّ المأمورُ بما يلزمه من الأمر.

    وقوله تعالى: {عَلَيْكَ الْبَلَاغُ}. البلاغُ: اسمٌ (4) للمصدر، بمنزلة = أو إلى الأمَّة ... أي: كما هي الأم، أو على حال خروج الإنسان عن الأم، أو على حال الأمة الساذجة قبل التعلم والتحذق) المحرر الوجيز 3/ 58؛ أي: سُمُّوا بذلك لعدم معرفتهم الكتابة والقراءة. وانظر: تهذيب اللغة 1/ 204 - 205 (أمم). وبهذا ورد الأثر عن ابن عباس، كما في تفسير الطبري 3/ 215، تفسير ابن أبي حاتم 2/ 620. ويعزز هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنَّا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب .. . أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 230 كتاب الصوم، باب: 13، ومسلم في: صحيحه: 2/ 761. كتاب الصيام، باب: وجوب صوم رمضان، رقم: 15. وقال محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن إسحاق: الذين لا كتاب لهم. انظر: تفسير الطبري 3/ 215، تفسير ابن أبي حاتم 2/ 619.

    (1) في معاني القرآن له: 1/ 202.

    (2) في معاني القرآن وإعرابه له 1/ 390، وعنه نقل المؤلف العبارات التالية، بتصرف.

    (3) (قوله): ساقط من: (ج).

    (4) (اسم): ساقط من: (د).

    التبليغ؛ كـ (السَّراح) (1) و (الأداء)، أي: تبليغ الرسالة.

    وقوله تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}. قال ابن عباس (2): ممن (3) آمن بك وصدَّقَكَ، ومن كفر بك وكذبك (4). وفي هذه الآية تسلية للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - حين أُخبر أنه ليس عليه هداهم، إنما عليه التبليغ، فإذا بلَّغ فقد أدَّى ما عليه.

    وقال بعض المفسرين: حكم هذه الآية قبل أن يُؤمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسيف (5). (1) (السَّراح) اسم للمصدر، بمعنى: التسريح، وأصل (التسريح): إرسال الإبل في المرعى، ثم جُعِل للمطلق الإرسال، ثم استعير في الطلاق، فـ (تسبح المرأة): تطليقها، والاسم: (السَّراح)، قال تعالى: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} الأحزاب: 49، وقال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]. ومن معاني (السَّراح): السهولة، والمصدر: (التسريح)؛ أي التسهيل. انظر: (سرح)، في اللسان 4/ 1984 - 1985، عمدة الحفاظ 237.

    (2) لم أهتد إلى مصدر قوله.

    (3) في (ج): (من)، (د): (بمن).

    (4) والذي في: تنوير المقباس عنه: 44: (بمن يؤمن، وبمن لا يؤمن).

    (5) يعني أنها منسوخة، والمنسوخ منها عندهم هو قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}. وممن قال بذلك ممن سبق المؤلف بالوفاة: أبو عبد الله، محمد بن حزم الأنصاري، المتوفى سنة (320 هـ) تقريبًا، في كتابه: الناسخ والمنسوخ في القرآن: 30، وهبة الله بن سلامة، المتوفى سنة (410 هـ) في كتابه: الناسخ والمنسوخ من كتاب الله عز وجل: 60. والناسخ لها عندهم هي آية السيف، وهي في أصح أقوال العلماء: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]. ومنشأ دعواهم بأنها منسوخة، هو أنَّ الآية بما تضمنته من أسلوب القصر حصرت مهمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، في تبليغ الرسالة والموادعة دون قتال المخالفين، ثم جاءت آية = 21 - قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} نزلت في اليهود (1)، ومعنى هذه الآية، قد ذكرنا في سورة البقرة، عند قوله: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 61]. = السيف بالإذن بقتالهم، فنسخت الاقتصارَ على التبليغ، وصارت المهمةُ بعدها: التبليغ والقتال في سبيل ما كُلِّفَ بتبليغه، ولكن دعوى النسخ هذه لا تُسلَّم؛ لأمور منها: أن هذه الآية خبَر، والأخبار لا تقبل النسخ. أن القول بالنسخ يقتضي معرفة تاريخ نزول الآية؛ ليقال: إن اللاحق نسخ السابق، والتاريخ هنا غير معروف. إن القصر هنا إضافيٌّ، يُراد به تقرير أن الرسول ليس مكَلَّفًا بإيجاد الإيمان في القلوب، وهو ما يُسمَّى بهداية القبول، فذلك من حق الله تعالى، أمَّا هداية البيان والإرشاد والتبليغ فذلك من وظيفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي المرادة في هذه الآية. أن الآية كما يقول د. مصطفى زيد: (لم تكن تقصد إلى إعفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - من واجب القتال في سبيل الدعوة، وإنما قصدت إلى تقرير أنه قد بَلَّغ عن الله فأدَّى ما عليه. وشَرْعُ القتال قبلها، ثم بعدها بآية السيف وغيرها لم يغير شيئًا من حقيقة الوظيفة التي كُلِّفَ القيام بها، وإن كان قد زاد الوسائل إليها وسيلة جديدة، هي: مشروعية القتال في سبيلها؛ لتأمين الدعوة، وحماية أرواحهم من عدوان الكفار عليهم، لا لحملهم على الدخول في الإسلام بقوة السلاح). النسخ في القرآن د. مصطفى زيد: 1/ 425، وانظر: المحرر الوجيز 3/ 59.

    (1) وقال محمد بن جعفر، وقتادة، وأبو سليمان الدمشقي: إن المراد هنا هم اليهود والنصارى. انظر: تفسير الطبري 3/ 215، تفسير ابن أبي حاتم 2/ 621، تفسير البغوي 2/ 20، زاد المسير 1/ 365، تفسير الخازن 1/ 279، البحر المحيط 2/ 413 وقال ابن عطية، عن الآية بعد أن ذكر قول محمد بن جعفر: وتعم كلَّ من كان بهذه الحال، والآية توبيخ للمعاصرين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمساوئ أسلافهم، وببقائهم أنفسهم على فعل ما أمكنهم من تلك المساوئ؛ لأنهم كانوا حرصى على قتل محمد - صلى الله عليه وسلم -. المحرر الوجيز 3/ 60.

    وقوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ}. روى أبو عبيدة بن الجرَّاح (1): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قَتَلَت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين (2) نبيًا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة واثنا (3) عَشَرَ رجلًا، من عبَّاد بني إسرائيل، فأمروا مَنْ قَتَلَهم بالمعروف، ونَهَوْهم عن المنكر، فقُتِلُوا جميعًا من آخر النهار، في ذلك اليوم، فهم الذين ذكر الله عز وجل في كتابه، وأنزل الآية فيهم (4).

    وقرأ حمزةُ (5): (ويُقاتِلون الذين)، لأنه (6) اعتبر قراءةَ عبد الله (7): (1) هو: عامر بن عبد الله الجَرَّاح، الفِهْري القرشي. من كبار الصحابة، والسابقين منهم، سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أمينَ هذه الأمة)، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد، توفي بالأردن، سنة (18هـ). انظر: الاستيعاب 2/ 341 - 343، الإصابة 2/ 252 - 254.

    (2) في (ب): (وأربعون).

    (3) في (د): (واثنى).

    (4) الأثر عن أبي عبيدة، أخرجه: الطبري في تفسيره 3/ 216، وابن أبي حاتم في تفسيره 2/ 621 وفيه بلفظ (.. فقام مائة رجل وسبعون رجلًا ..)، والثعلبي في تفسيره 3/ 26 ب، وذكره (8) الماوردي في النكت والعيون 1/ 381، والبغوي في تفسيره 1/ 20 - 21، والديلمي في: مسند الفردوس: 5/ 361 رقم (8441) وأورده القرطبي في تفسيره 4/ 46، ونسب إخرا جه للمهدوي، وذكره ابن كثير في تفسيره 1/ 381، والسيوطي في الدر المنثور 2/ 23. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 272، وقال: (رواه البزار، وفيه ممن لم أعرفه اثنان). وفيه عندهم جميعًا: أبو الحسن مولى بني أسد، وهو مجهول. انظر: الجرح والتعديل 9/ 357، ميزان الاعتدال 6/ 188، المغني في الضعفاء للذهبي: 2/ 780.

    (5) هو: أبو عمارة، حمزة بن حبيب الزيات، تقدمت ترجمته.

    (6) من قوله: (لأنه ..) إلى (.. قتال المباين المشاق لهم): نقله عن الحجة للفارسي 3/ 24 بتصرف كثير.

    (7) هو ابن مسعود رضي الله عنه. وانظر قراءته، في المصاحف لابن أبي داود: = (وقاتَلوا الذين يأمرون)، فقرأ (1): {يُقَاتِلُونَ}، وهو يريد: (قاتَلُوا)، كما روي في حرف عبد الله.

    ويجوز أن يكون المضارع، بمعنى الماضي؛ كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج: 25]، وقال في أخرى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا} (2)، فالأول جاء على لفظ المضارع؛ حكاية للحال، كذلك (3) قراءة حمزة: (ويقاتلون)، يجوز (4) أن يكون مراده: (قد قاتَلوا)، إلا أنه جاء على لفظ المضارع، حكايةً للحال.

    والمعنى في قراءة حمزة: أنهم لا يوالون الذي يأمرون بالقسط؛ ليقلَّ نهيُهم (5) إيَّاهم عن العدوان عليهم، فيكونون متباينين لهم (6) مُشاقِّينَ؛ لأمرهم بالقسط، وإن لم يقتلوهم (7) كما قتلوا الأنبياء، ولكن يقاتلونهم (8) = 59، تفسير الثعلبي 3/ 26 أ، الحجة للفارسي 3/ 24، البحر المحيط 2/ 414.

    (1) من قوله: (فقرأ ..) إلى (.. يريد قاتلوا): ساقط من: (ج).

    (2) سورة النساء: 167، وورد هذا المقطع كذلك في: سورة النحل: 88، وسورة محمد: 32، 34.

    (3) من قوله: (كذلك ..) إلى (.. حكاية للحال): ساقط من: (د).

    (4) في (ج): (ويجوز).

    (5) في (أ)، (ب): (نبيهم)، والمثبت من: (ج)، (د)، ومن الحجة للفارسي. وورد في إحدى نسخ الحجة أشار إليها محققه: (لِثِقَلِ نَهْيِهِم).

    (6) هكذا جاءت في جميع النسخ، وفي الحجة للفارسي: (مباينين)، وهي الأصْوَب، ولكني تركت ما في الأصل كما هو؛ لاتفاق جميع النسخ عليه.

    (7) في (ج): (يقاتلوهم).

    (8) فى (ج): (يقاتلوهم).

    قتال المُبايِنِ، المُشاقِّ لهم. والصحيح الموافق لتفسير الآية: قراءةُ العامَّةِ (1).

    وقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. ذكرنا معنى التبشير، وجواز إطلاقه فيما [لا] (2) يَسُر، عند قوله: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 25].

    وأما (3) دخول الفاء في قوله: {فَبَشِّرْهُمْ} وهو خبر الابتداء، فقد (4) ذكرنا ما فيه عند قوله: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158].

    22 - قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} هو يريد بـ {أَعْمَالُهُمْ}: ما هم عليه من ادِّعائهم التمسك بالتوراة، وإقامة شريعة موسى. وأراد ببطلانها في الدنيا: أنها لم تحقن دماءَهم، وأموالهم (5)؛ وفي الآخرة: لم يستحقوا بها مثوبة، فصارت كأنها لم تكن ولم توجد. (1) قال النحاس في معاني القرآن 1/ 375: (فإن قال قائل: الذين وُعظوا بهذا لم يقتلوا نبيًا. فالجواب عن هذا: أنهم رضوا فِعْلَ من قَتَل، فكانوا بمنزلته، وأيضًا فَإنهم قاتلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهمُّوا بقتلهم ..).

    (2) ما بين المعقوفين زيادة من: (ج)، (د)؛ ليستقيم بها المعنى.

    (3) من قوله: (وأما ..) إلى (.. ذكرنا ما فيه عند قوله): ساقط من (د).

    (4) في (ج): (وقد).

    (5) يعني المؤلف هنا والله أعلم: أنهم لم ينالوا بها محمدة الناس، وثناءَهم، ولم يرفع الله بها ذكرَهم؛ لأنهم كانوا على ضلال وباطل، ولعنهم وفضح ما كانوا يُخفُون من قبيح الأعمال على ألْسِنة رسله وأنبيائه في كتبه المنزلة، فأزال من قلوب الخلق محبَّتهم، وغرس فيها احتقارهم، وبقيت على مدى الدهر مذمَّتُهم؛ مما أدى لأن تُسفَك دماؤُهم، وتُسلَب أموالهم. انظر تفسير الطبري 3/ 217، تفسير الفخر الرازي 7/ 233.

    23 - قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} الآية إنما قال: {نَصِيبًا}؛ لأنهم كانوا يعلمون بعض ما في الكتاب (1). والمراد بهؤلاء: اليهود.

    وقوله تعالى: {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ}. قال ابن عباس في رواية الضحَّاك (2): المرادبـ (كتاب الله) ههنا: القرآن، والله [تعالى] (3) جعل القرآن حَكَماً بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4)، فَحَكمَ القرآن عليهم بالضلالة، فأعرضوا عنه.

    فإن قيل: كيف دُعوا إلى حكم كتابٍ لا يؤمنون به؟

    قيل: إنَّما دُعوا إليه بعد (5) أن ثبت أنه (6) من عند الله، بموافقته التوراة في الأنباء والقصص، ورصانته (7)، بحيث لم يقدر بشرٌ أن يعارضَه، وهذا (1) وقال الشوكاني في فتح القدير 1/ 495: (وتنكير النصيب؛ للتعظيم؛ أي: نصيبًا عظيمًا، كما يفيده مقام المبالغة. ومن قال: إنَّ التنكير للتحقير فلم يصب، فلم ينتفعوا بذلك؛ وذلك بأنهم يدعون إلى كتاب الله الذي أوتوا نصيبًا منه، وهو التوراة). وبهذا قال الزجَّاج في معاني القرآن 1/ 391، والنحاس في معاني القرآن 1/ 376، والزمخشري في الكشاف 1/ 420، وأبو السعود في تفسيره 2/ 20.

    (2) هذا الأثر، في تفسير الثعلبي 3/ 27 أ، تفسير البغوي 2/ 21. وهو كذلك من رواية أبي صالح عنه، وهو قول الحسن، وقتادة. انظر: النكت والعيون 1/ 382، زاد المسير 1/ 367.

    (3) ما بين المعقوفين زيادة من: (ج)، (د).

    (4) في (ج)، (د): (رسوله).

    (5) (إليه بعد): ساقطة من (ج).

    (6) في (ج): (أنهم).

    (7) في (د): (ورصافته).

    قول قتادة (1)، وقال في رواية سعيد بن جُبَير، وعكرمة: إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لليهود: أنا على ملَّة (2) إبراهيم، وملَّته: الإسلام، فقالوا: إن إبراهيم كان يهودياً، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فَهَلُمُّوا إلى التوراة. فأبوا عليه. فأنزل الله هذه الآية (3).

    وقال في رواية أبي صالح: أنكروا آية الرجْمِ من التوراة، وكان قد

    زنى منهم رجل (4) وامرأة، فكرهوا (5) رجمَهما (6) وسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يلزمهما (7)، فحكم بالرجْمِ. فقالوا: جُرْتَ (8) يا محمد! فقال: بيني وبينكم التوراة. ثم أتوا بابن صُورِيا (9)، فقرأ التوراة، فلما أتى على آية الرجم سترها بكفِّهِ، فقام (10) ابنُ سَلام، فرفع كفه (11) عنها، ثم قرأ على (1) يعني بـ (قول قتادة) والله أعلم: ما سبق أن ذكره من أن المراد بـ (الكتاب)، هو: القرآن.

    (2) في (ج): (ما أنا على ملة)، (د): (ما علامكة).

    (3) هذا الأثر في سيرة ابن هشام 2/ 179 - 180 تفسير الطبري 3/ 217، ابن أبي حاتم 2/ 622، الثعلبي 3/ 27 ب، أسباب النزول للواحدي: 102، تفسير البغوي 2/ 21 - 22، زاد المسير 1/ 366، تفسير القرطبي 4/ 50، وأورده السيوطي في الدر 2/ 24، لباب النقول 50، ونسب إخراجه لابن المنذر.

    (4) في (ج): (د): (رجل منهم).

    (5) في (ج): (وكرهوا).

    (6) في (ج): (رجمها).

    (7) في (أ): (يلزمها)، والمثبت من: (ب)، (ج) (ء).

    (8) قوله: (فقالوا: جرت): ساقط من (ج).

    (9) جاء في تفسير الثعلبي 3/ 27 (ب) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل اليهود، فقال: فمن أعلمكم بالتوراة؟ فقالوا: رجل أعور يسكن فدك، يقال له: ابن صوريا. واسمه: عبد الله.

    (10) في (ج): (فقال).

    (11) في (ج): (ارفع كفك).

    رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى اليهود الرجْمَ، فغضب اليهودُ لذلك (1) غضباً شديداً، وانصرفوا؛ فأنزل الله هذه الآية (2). (1) (لذلك): ساقطة من (ج).

    (2) هذا الأثر في تفسير الثعلبي 3/ 27 ب من رواية الكلبي عن أبي صالح. كما ورد في تفسير البغوي 2/ 22، زاد المسير 1/ 366، البحر المحيط 2/ 416. وقد ذكره المؤلف هنا مختصرًا وأورد طرفًا منه في أسباب النزول 102، وأشار إلى أنه سيأتي بيان ذلك في سورة المائدة، ولكنه عند إيراده لأسباب نزول سورة المائدة، لم يورد هذا الأثر عن ابن عباس، وإنما أورد آثارًا أخرى في نفس المعنى. ولم أجد أحدًا من المفسرين ممن اطَّلعت على تفاسيرهم ذكر هذا السبب عند هذه الآية، إلَّا من سبق ذكره، وإنما أورد المفسرون هذا السبب عند الآية: 41، 43 من سورة المائدة، ولكن بروايات أخرى عن ابن عباس وغيره، وأقرب هذه الروايات إلى ما ذكره المؤلف: ما أخرجه البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: (إنَّ اليهود جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويُجلدون. قال عبد الله بن سَلاَم: كذبتم! إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدُهم يَدَه على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم. قالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم. فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِما، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة). صحيح البخاري (6841). كتاب الحدود. باب: أحكام أهل الذمة. وأخرجه مسلم في صحيحه (1699) كتاب الحدود، باب: رجم اليهود، أهل الذمة. وأخرجه أبو داود (4446). كتاب: الرجم. وليس في لفظ الحديث أنه سبب لنزول الآية. وأما الوارد عن ابن عباس مما هو قريب من هذه الرواية فهو من رواية معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وأخرجها الطبري 6/ 232 عند آية 41 من المائدة، وليس فيها كذلك أنها سبب لنزول الآية. انظر بقية الروايات، في الدر المنثور 2/ 498 - 500، أسباب النزول للواحدي: 197 - 200، لباب النقول للسيوطي: 91 - 92.

    وقوله تعالى: {ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ}. إن قيل: كيف خصَّ بالتولِّي فريقاً، ثم جمعهم في الإعراض، فقال: {وَهُمْ مُعْرِضُونَ}؟.

    فالجواب، ما قال ابن الأنباري (1)، وهو: أنَّ الفريق المتولِّي، هم: المعرضون. وأراد بـ (الفريق المتولي): الرؤساء الذين تدين السَّفَلَةُ لهم، فأفردهم الله تعالى بالذكر، وخصَّهم بالتولي، لأنهم سببٌ لإضلال أتبَّاعهم.

    قال (2): ويحتمل أن يكونَ المتولُّون: العلماء والرؤساء، والمعرضون: الباقون منهم؛ كأنه قيل (3): ثم يتولى العلماءُ. والتُبَّاعُ معرضون عن القبول من النبي - صلى الله عليه وسلم - لتولي علمائهم. ويجوز أن يكون الفريق اختصه الله (4)؛ لأن عبد الله بن سَلام، وغيره من مؤمني أهل الكتاب، كانوا ممن قبلوا حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان (5) المتولِّي بعض مَن أوتي (6) الكتاب.

    24 - قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ}. (7) اختلف أهل المعاني في المُشارِ إليه بـ {ذَلِكَ}، فقال بعضهم (8): {ذَلِكَ} راجعة إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [آل عمران: 22]؛ يعني: ذلك الحُبُوطُ؛ بكذبهم على (1) لم أهتد إلى مصدر قوله، وقد أورد طرفًا منه ابنُ الجوزي في زاد المسير 1/ 367.

    (2) (قال): ساقطة من (د).

    (3) في (د): (كانو قبل).

    (4) معنى عبارة المؤلف هنا: أن الله خصَّ بالتولي فريقًا منهم دون الكل، لأن منهم من لم يتولَّ، كابن سلام وغيره.

    (5) في (ج)، (د): (وكان).

    (6) في (ج): (أولى).

    (7) (بأنهم): ساقطة من (د).

    (8) لم أهتد إلى هذا القائل. ولم أقف فيما رجعت إليه من مصادر على من قال برجوع {ذَلِكَ} إلى (الحبوط).

    الله؛ وهو قولهم: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات}.

    و (1) قال ابن الأنباري (2): معنى قوله (3): {ذَلِكَ بِأَنَّهُم} أي: ذلك الاجتراء عليك، وعلى الإعراض عن حكمك يا محمد بسبب اغترارهم، ومقالتهم؛ حيث قالوا: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات}، وظنوا (4) أنفسهم على قِلَّةِ العذاب وقِصَرِ مُدَّته (5)، فتجاسروا على تكذيب الرسل (6).

    وهذا معنى قول الزجَّاج (7): أخبر الله تعالى عن اليهود، أنهم يُعرضون عن حكم كتاب الله، ثم أنبأ وبيّن ما حملهم على ذلك، وخبَّر بما غرَّهم، فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا} (8). قال: وموضع: {ذَلِكَ} رفعٌ. المعنى: شَأنُهُم ذلك، وأَمْرُهُم ذلك (9). ومضى القول في تفسير قولهم: (1) الواو زيادة من: (ج)، (د).

    (2) لم أعثر على مصدر قوله.

    (3) (قوله): ساقطة من (ج).

    (4) في (ب): (وطَّنوا)، وفي (د): (وطمنوا).

    (5) أي: أنهم ظنوا أنهم لا يعذبون إلا قليلًا، ولمدة قصيرة، كما زعموا.

    (6) وقد ذهب أكثر المفسرين إلى هذا الرأي، وهو أن {ذَلِكَ} تعود على التَّوَلِّي والإعراض المذكور في الآية قبلها. انظر: المحرر الوجيز 1/ 355، الكشاف 1/ 421، تفسير الفخر الرازي 7/ 236، تفسير ابن كثير 1/ 381، تفسير أبي السعود 2/ 21، الفتوحات الإلهية 1/ 255، فتح القدير 1/ 496، روح المعاني 3/ 111.

    (7) في معاني القرآن 1/ 391، نقله عنه بالمعنى.

    (8) (قالوا): ساقطة من (ج).

    (9) أي: أنها مرفوعة على أنها خبرُ مبتدأ محذوف؛ المعنى: شأنهم وأمرهم ذلك. ولكنِ هذا القول، ضعَّفه العكبري في التبيان 1/ 250؛ لأنه سيجعل قوله: {بِأَنَّهُمْ قَالُوا} في موضع نصب على الحال، مما في (ذا) من معنى الإشارة؛ أي: ذلك الأمر مستحقًا بقولهم ..، وقال السمين الحلبي، في الدر المصون 3/ 95:= {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا} في سورة البقرة.

    وقوله تعالى: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ} الغُرور: الإطماع (1) فيما لا يصح (2). وقوله تعالى: {مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}. يعني قولهم: لن تَمَسَّنا النار.

    25 - قوله (3) تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ}. الآية. (كيف): معناه: السؤال عن الحال. والحال المسئولة عنها محذوفة؛ وتقديره: فكيف حالهم إذا جمعناهم؟ وتحذف الحال كثيراً مع كيف؛ لدلالته عليها؛ نحو قولك: (كنت أكْرِمُه وهو لم يزرني؛ فكيف إذا زارني؟)؛ أي: كيف حالُهُ إذا زارني في عِظَمِ الإكرام؟. ويُحذف أيضاً جوابُ هذا السؤال من الكلام؛ لأن في حذفه بلاغة تزيد على الإفصاح بذكره؛ لما فيه من تحريك النفس على استحضار كل نوع من أنواع الكرامة في قول القائل: فكيف إذا زارني؟ وكل نوع من أنواع العذاب في الآية.

    وتأويل الكلام: أي حالة تكون (4) حال من اغتر بالدعاوى الباطلة، إذا جُمعوا ليوم الجزاء (5)؟ وقوله {لِيَوْمٍ} (6)، ولم يقل: (في يوم)؛ لأن = (بل هذا لا يجوز البتة). والقول الثاني: إن {ذَلِكَ} مبتدأ، وخبره: {بِأَنَّهُمْ} انظر المراجع السابقة، الفريد في إعراب القرآن المجيد للمنتجب الهمداني: 1/ 557.

    (1) في (د): (الأطواع).

    (2) انظر: تاج العروس 7/ 299 (غرر).

    (3) في (د): (وقوله).

    (4) في (ب): (يكون).

    (5) قال أبو حيان في: البحر: 1/ 417: (هذا تعجيب من حالهم واستعظام لعظم مقالتهم حين اختلفت مطامعهم، وظهر كذب دعواهم، إذ صاروا إلى عذابٍ مالهم حيلة في دفعه ..).

    (6) في (ج): (ليوم لا ريب فيه).

    المراد: لجزاء يوم، أو لحساب يوم؛ فحذف المضاف، ودلت اللاَّمُ عليه. قاله الزجَّاج (1).

    وقال الفرَّاء (2): اللاَّمُ، لفعل مُضْمَرٍ؛ إذا قلت: (جُمعوا ليوم الخميس)؛ كان المعنى: جُمعوا لما يكون يوم الخميس. وإذا قلت: (جُمعوا في يوم الخميس)، لم تُضْمِرْ فِعْلاً (3).

    وقوله تعالى: {لِيَوْمٍ}. أي: لما يكون في ذلك اليوم من الحساب والجزاء. وهذا قريب من القول الأول، بل هو تفسير له (4).

    وقوله تعالى: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ}. أي: جزاء ما كسبت (5) من خيرٍ أو شرٍّ. فهذا يكون على حذف المضاف، ويجوز أن يكون المعنى: ووُفِّيَت كل نفس ما كسب من الثواب والعقاب، بالطاعة والمعصية، فلا يكون في الكلام مضافٌ محذوف، ويجوز أن يُسمَّى الثوابُ والعقابُ كسباً للعبد؛ على معنى (6): أنهما جزاء كسبه، وأنه اجتلبهما بأعماله (7) الصالحة والطالحة (8). (1) في معاني القرآن 1/ 392، وعبارته: (أي: لحساب يوم لا شك فيه).

    (2) في معاني القرآن له: 1/ 202. نقله عنه بتصرف قليل.

    (3) انظر كذلك تفسير الطبري 3/ 220.

    (4) (له): ساقط من: (ب). وقد يكون هذا من تتمة كلام الفرَّاء، ولكن المؤلف نقله بالمعنى، ونص قول الفرَّاء: (أي: للحساب والجزاء).

    (5) قوله: (أي جزاء ما كسبت): ساقط من (ج).

    (6) (معنى): ساقط من (د).

    (7) في (ج): (بأعمال).

    (8) قال الطبري في تفسيره 1/ 380: (وأصل (الكسب): العمل، فكل عامل عملًا، بمباشرة منه لما عمل، ومعاناة باحتراف، فهو كاسبٌ لما عمل ..).

    وقوله تعالى: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. أي: لا يُنقص من حسناتهم، ولا يزاد على سيِّئاتهم.

    26 - وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ} اختلف النحويون في إعراب (اللهمَّ)؛ فقال الخليل (1)، وسيبويه (2): (اللهمَّ)، بمعنى: يا الله. والميم (3) المشدَّدَة عِوَضٌ (4) من (يا)؛ لأنهم لم يقولوا: (يا) مع هذه الميم في هذه الكلمة. والضمة التي في الهاء (5): ضمة الاسم المنادى المفرد (6)، والميم مفتوحة؛ لسكونها، وسكون الميم التي قبلها.

    وأنكر الفرَّاء هذا القول؛ فقال (7): لم نجد العرب زادت مثل هذه الميم في نواقص الاسم إلَّا مخففة؛ مثل: (الفمُ)، و (هذا ابْنُمٌ)، و (سُتْهُمُ) (8). (1) من قوله: (فقال الخليل ..) إلى (.. وسكون الميم التي قبلها): نقله بتصرف يسير جدًّا عن معاني القرآن للزجَّاج: 1/ 394.

    (2) في: (الكتاب)، له: 2/ 196، وانظر مذهبه ومذهب الخليل كذلك في الأصول في النحو لابن السراج 1/ 338.

    (3) (الميم): ساقطة من (د).

    (4) في (ب): (عوضًا).

    (5) في (ج): (أولها)، وكذا هي في معاني القرآن للزجاج، ولا وجه لها، والصواب ما أثبته.

    (6) ويبنى المنادى المفرد على ما كان يرفع به قبل النداء، في حالة كونه علمًا، أو نكرة مقصودة، على أن لا يكونا مضافين، أو شبيهين بالمضاف.

    (7) في معاني القرآن له: 1/ 203، نقله عنه بتصرف.

    (8) قوله: (وهذا ابنم، وستهم): مطموسة في: (د). و (هذا) لم ترد في معاني القرآن. و (ابنم): لغة في (ابن)، وتعرب إعرابها، وقيل إنَّ ميمها زائدة؛ للمبالغة، أو للعوض من لام الاسم المحذوفة، حيث إنَّ أصلها: (بَنَو)، وتعرب (ابنم) = فلو (1) كانت الميم بدلاً من (يا)، لم يُجمع بين الميم و (يا)، وقد أنشدني بعضهم:

    وما عليكِ أنْ تَقُولي كُلَّمَا

    صَلَّيتِ أو سَبَّحتِ: يا اللَّهما

    اردُدْ علينا شَيخَنا مُسَلَّما (2)

    فقال: (يا اللهُمَّ). ثم قال: ونرى أنها كانت في الأصل كلمةً ضُمَّ = بحسب موقعها في الجملة، وحركة النون فيها تتبع حركة الميم في جميع حالات الإعراب، وبعضهم يبقيها مفتوحة دائمًا، ويجوز إبقاء الميم وحذفها عند إضافتها إلى ياء المتكلم. انظر: موسوعة النحو والصرف والإعراب: 19، معجم الشوارد النحوية 65. و (سُتْهُمُ)؛ غير موجودة في معاني القرآن المطبوع المتداول، وقد وردت في تفسير الطبري 3/ 221. ومعنى (ستهم): هو الرجل الأسْتَهُ، إذا كان عظيم الاست، ويقال للمرأة: (سُتْهُم)، و (سَتْهاء). انظر كتاب خلق الإنسان لابن أبي ثابت: 306، تهذيب اللغة 2/ 1625 (ستة).

    (1) في (د): (ولو).

    (2)

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1