Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي
سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي
سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي
Ebook686 pages6 hours

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب في التاريخ والتراجم والسير لحقبة زمنية كبيرة تمتد زمن النبوة حتى القرن العاشر الهجري تقريبا، وهو بهذا الإمتداد الزمني يشمل أحداثا جمة، ووقائع كثيرة متلاحقة ومتعاقبة، وقد أداره المؤلف حول ذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق به من حوادث كثيرة .
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 15, 1903
ISBN9786458937266
سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

Related to سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

Related ebooks

Reviews for سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - العصامي

    الغلاف

    سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

    الجزء 3

    العِصَامي

    1111

    كتاب في التاريخ والتراجم والسير لحقبة زمنية كبيرة تمتد زمن النبوة حتى القرن العاشر الهجري تقريبا، وهو بهذا الإمتداد الزمني يشمل أحداثا جمة، ووقائع كثيرة متلاحقة ومتعاقبة، وقد أداره المؤلف حول ذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق به من حوادث كثيرة .

    حوادث السنة الحادية عشرة من الهجرة

    فيها سرية أسامة بن زيد إلى أهل أُبنى بالسراة ناحية البلقاء، يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفرة لغزو الروم، مكان قتل أبيه زيد، ومعه أبو بكر، وعمر، وغيرهما. فمرض صلى الله عليه وسلم، فعوقهم ذلك، وثقل صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة، ودخل عليه أسامة يوم الاثنين، وقد أصبح مفيقاً، فقال له: اغد على بركة الله، فودعه، وخرج، ثم تأخر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج حتى وصل إلى أهل أبنى في عشرين ليلة، فشن عليهم الغارة، وكان شعارهم: يا منصور أمت. فقتل، و حرق، و غنم .وقبل وفاته - عليه الصلاة والسلام - بسبع ليال، أو ثلاث ليال، أو ثلاث ساعات، أو بأحد وثمانين يوماً، أو عشرين، أو غير ذلك على الخلاف - نزل قوله تعالى: 'وَاتقُوا يوماً ترُجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله' البقرة: 281، فهي آخر آية نزلت .وفي البخاري عن ابن عباس: إن آية الربا آخر آية نزلت. والجمع ممكن، وفي آخر ما نزل أقوال غير ذلك. وأما أول ما نزل 'اقرَأ بِاسمِ رَبك الذي خَلَقَ' العلق: ا، الآيات الخمس. قال القشيري: ثم نون والقلم، ثم المزمل، ثم المدثر، ثم تبت، ثم كذا إلى آخر ما ذكر من الترتيب، ولبسط ذلك، وتمييز المدني من المكي تأليف مخصوصة لسنا بصددها .

    فصل في صفاته الحسية صلى الله عليه وسلم :

    كان ربعة، بعيد ما بين المنكبين، أبيض اللون، مشرباً بحمرة، رجل الشعر أسوده، يبلغ شحمة أذنيه إذا طال، ونصف ذلك إذا قصر، لم يبلغ الشيب في رأسه، ولحيته عشرين شعرة، واسع الجبين، أزج الحواجب، في غير قرن، أدعج العينين، أقنى العرنين، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، حلو المنطق، يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر، حسن الخلق معتدله، عريض الصدر، موصول ما بين لبته وسرته بشعر يجري كالخط، أشعر الذراعين، والمنكبين، وأعالي الصدر، عالي اليدين، والبطن فيما سوى ذلك، أجل الناس، وأبهاه من بعيد، وأحسنه، وأحلاه من قريب، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما، وعلاه البهاء، بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة، لونه لون جسده عليه خيلان، روى أنه مكتوب في باطنه: الله وحده لا شريك له، وفي ظاهره: توجه حيث شئت، فإنك منصور. ويروى - أيضاً - أن المكتوب فيه: محمد رسول الله، وقيل: غير ذلك. يقول واصفه صلى الله عليه وسلم: لم أر قبله مثله، ولا بعده مثله.

    فصل في صفاته المعنوية وأخلاقه صلى الله عليه وسلم :

    قالت عائشة: كان خلقه القرآن ؛يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه .وكان أحلم الناس، قيل له: ألا تدعو على المشركين ؟قال: إنما بعثت رحمة، ولم أبعث عذاباً .وكان أشجع الناس، قال علي: كنا إذا حمي البأس، والتقى القوم - اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم .وأعدل الناس، القريب والبعيد، والقوي والضعيف عنده سواء .وأعف الناس، وأسخاهم، لا يسأل شيئاً إلا أعطاه، لا يبيت عنده دينار، ولا درهم، فإن فضل، ولم يجد من يعطيه، وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما أعطاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ثم يعود على قوت عامه، فيؤثر منه .وكان أشد حياء من العذراء في خدرها، لا يثبت نظره في وجه أحد، غاض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظ، وأكثر تواضعاً: يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويفليه - قلت: معنى يفليه ليس من القمل كما هو المتبادر ؛لأن القمل لا يلحق جسمه الشريف، وإنما المراد بالتفلية: التنقية من نحو قشة، أو غبار، وما أشبهها - ويخيطه، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن، ويجيب دعوة الحر، والعبد، ويقبل الهدية وإن قلت، ويكافىء عليها، ويأكلها، ولا يأكل الصدقة .تستتبعه الأمة والمسكين فيتبعهما حيث دعواه، ويجيب الفقراء، والمساكين، ويجالسهم، ويواكلهم، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، وأرحمهم، يصغي الإناء للهرة فما يرفعه حتى تروى ؛رحمة لها. وأشدهم إكراماً لأصحابه، لا يمد رجله بينهم، ويوسع عليهم إذا ضاق المجلس، ويتفقدهم ويسأل عنهم: من مرض عاده، ومن غاب دعا له، ومن مات استرجع، وأتبع ذلك بالدعاء له، ومن تخوف أنه وجد في نفسه انطلق حتى يأتيه في منزله .ويقبل معذرة المعتذر، ويخرج إلى بساتين أصحابه، ويأكل من ضيافتهم، ولا يطوي بشره عن أحد، ولا يدع أحداً يمشي خلفه، ويقول: 'خلوا ظهري للملائكة'، ولا يدع أحد يمشي معه، وهو راكب حتى يحمله، فإن أبى قال: 'تقدمني، إلى المكان الذي تريد' .وأمر في سفره باصلاح شاة فقال رجل: علي ذبحها، وآخر عليَّ سلخها، وآخر عليَّ طبخها، فقال صلى الله عليه وسلم: 'وعليَّ جمع الحطب'، فقالوا: نحن نكفيك، قال: 'قد علمت، ولكن اكره أن أتميز عليكم، فإن الله يكره من عبد أن يراه متميزاً بين أصحابه'، وقام بجمع الحطب .يخدم من خدمه، ما ضرب قط خادمه، ولا امرأة، ولا شيئاً إلا في جهاد، ولا يترفع على عبيده وإمائه في مأكل، ولا ملبس. قال أنس: خدمته عشر سنين، فما قال لي قط أف، ولا لِمَ فعلت، ولا ألا فعلت .أكثر الناس تبسماً، وأحسنهم بشراً، لا يهوله شيء من أمور الدنيا، لا يحقر فقيراً لفقره، ولا يهاب ملكاً لملكه، يلبس ما وجد من مباح، ويركب ما تيسر من فرس، أو بعير، أو بغلة، أو حمار، ويردف خلفه عبده، أو غيره، وقد روى فيمن أردفه أكثر من ثلاثين، يمسح وجه فرسه بطرف كمه أو طرف ردائه، يحب الفأل، ويكره الطيرة. إن جاء ما يحب قال: 'الحمد لله رب العالمين'، أو ما يكره قال: 'الحمد لله على كل حال'. يحب الطيب، ويكره الرِيح الرديئة، يمزح، ولا يِقول إلا حقاً، يبدأ من لقيه بالسلام، لا يجلس، ولا يقوَم إلا على ذكر، يجلس حيث انتهى به المجلس، ويأمر بذلك، ولا يقوم عمن يجالسه حتى يقوم إلا أن يتعجله، أو يستأذنه. ولا يقابل أحداً بما يكره، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. لا يذم شيئاً قط، وما عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، يحفظ جاره، ويكرم ضيفه، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم ؛فيكون أبعد الناس منه .أكثر جلوسه للقبلة، آتاه الله مفاتيح خزائن الأرض فلم يقبل، واختار الآخرة .يعصب الحجر على بطنه من الجوع، يبيت هو وأهله الليالي طاوين، ولم يشبع من خبز بر ثلاثاً تباعاً، ولا من خبز الشعير حتى لقي الله - عز وجل - إيثاراً على نفسه لا فقراً، ولا بخلاً. يأتي على أهله الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، ولا يأكل متكئاً، ولا على خوان. فراشه من أدم حشوه ليف. يلبس الصوف، وينتعل المخصوف. أحب اللباس إليه الحبرة من برود اليمن فيها حمرة وبياض، يلبس الإزار الواحد ليس عليه غيره، يعقد طرفيه بين كتفيه، ويلبس يوم الجمعة برده الأحمر، ويعتم، وكان يلبس خاتماً فضة، نقش فصه 'محمد رسول الله' في خنصره الأيمن، وربما لبسه في الأيسر، ويكثر دهن رأسه، ولحيته، ويتبخر بالعود، والكافور، ويكتحل بالإثمد، ويتطيب بالغالية، والمسك أو بالمسك وحده.

    فصل في خصائصه صلى الله عليه وسلم :

    فمن الواجبات: المشاورة في الأمور، وتخيير نسائه بين أن يبقين في عصمته أو لا، ومصابرة العدو الكثير، وتغيير المنكر من غير قيد عدم الخوف، وقضاء دين الميت المعسر المسلم، وليس منها وجوب الضحى، ولا الأضحى، ولا الوتر، ولا السواك، ولا التهجد، ونحو ذلك خلافاً لمن زعمه .ومن المحرمات: أخذ الصدقة واجبة كانت أو تطوعاً، والشعر، والخط والأكل متكئاً، وأكل كل ذي ريح كريه في رأي قوي، ونزع لأمته إذا لبسها حتى يلقى العدو، ومدّ عينيه لما متع به الناس، وخائنة الأعين ؛بأن يومئ إلى مباح على خلاف ما يظهر، والمن ليستكثر، وإمساك من كرهت نكاحه .ومن المباحات: مواصلة الصوم، واصطفاء ما يختار من الغنيمة كأخذه صفية، وسيفه ذا الفقار، وكان له خمس الخمس من الفيء، والغنيمة، وأربعة أخماس من الفيء، ودخول مكة بلا إحرام، وإن اختلف في غيره، وأبيح له القتال بها ساعة يوم الفتح، وكانت من ضحوة إلى بعد العصر، ويقضي بعلمه قطعاً، ولنفسه ولو كره، ويشهد أيضاً لنفسه وولده، ويقبل من يشهد لهما، ويحيى الموات لنفسه، ويأخذ الطعام، والشراب من المالك المحتاج لهما، ويمكث بالمسجد جنباً، ومن يختاره معه في ذلك كما أشركه معه في ذلك، ولا ينتقض وضوؤه بنومه: من البسيط:

    . . . . . . . . . ........ فالعين نائمة والقلب يقظان

    وله أن يزوج من نفسه، وممن شاء بلا إذن، ويتولى الطرفين، ويزيد على أربع زوجات، بل وعلى تسع اللاتي اتفق اجتماعهن وهو العدد الذي مات عنه - أيضاً - وينكح بلا ولي، ولا شهود، وفي حالة إحرامه، وبلفظ الهبة من المرأة، وبلا مهر لا حالاً ولا مآلاً. وأكثر المباح له لم يقع منه صلى الله عليه وسلم .ومن الفضائل والكرامات: تحريم أزواجه اللاتي دخل بهن، وفارقهن بموت، أو غيره على من سواه، وإنما هن أمهات المؤمنين في ذلك، وفي احترامهن لا في نحو نظر وخلوة، وتحريم بناتهن، وأخواتهن، وكذا من لم يدخل بهن على ما نص عليه الشافعي ؛لظاهر القرآن. ونساؤه أفضل النساء، وأفضلهن خديجة وعائشة .وأمته خير الأمم، ولا تجتمع على ضلالة، وصفوفهم كصفوف الملائكة .وأصحابه خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .وشرعه مؤبد ناسخ لما خالفه من الشرائع، وكتابه معجز يحفظ من التحريف والتبديل، مستمر بعد نبوته، ومعجزات غيره من الأنبياء انقرضت، ونصر بالرعب مسيرة شهر، وجعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت له الغنائم وأعطي الشفاعة، والمقام المحمود، وله خمس شفاعات، وأكثر منها: فله الشفاعة العظمى في فصل الموقف، وهي الأولى، فيفزع الكل إليه بعد دلالة الرسل عليه، ولو بتوسط الدلالة على من دل عليه إظهاراً لعلو مقامه، وانفراده بتمامه ؛والشفاعة في قوم يدخلون النار ؛فلا يدخلونها، وهي الثالثة ؛وفي ناس دخلوها، فيخرجون منها، وهي الرابعة، وفي رفع الدرجات في لجنة وهي الخامسة .وله غيرهن شفاعته لمن مات بالمدينة، وفي جمع من صلحاء المؤمنين أن يتجاوز عنهم ما لعلهم قصروا فيه، وفي تخفيف العذاب عن بعض أهل النار كما في عمه أبي طالب، وفي تخفيف عذاب القبر كما في حديث غرز الجريدتين في القبرين ؛وفي فتح باب الجنة والجواز على الصراط وغير ذلك .وأرسل إلى الناس كافة، وهو سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع، وأول من يقرع باب الجنة، وأكثر الناس تبعاً، وأعطي جوامع الكلم. وكان لا ينام قلبه، ويرى من وراء ظهره كما يرى من قدامه، وتطوعه بالصلاة قاعداً كتطوعه قائماً وإن لم يكن له عذر. ولا يحل لأحد رفع صوته فوق صوته، ولا نداؤه من وراء الحجرة، ولا باسمه، بل يا نبي الله، يا رسول الله، ونحو ذلك، ومخاطبة المصلي بالسلام عليك أيها النبي، ولو خاطب غيره، بطلت، ويجب على المصلي إجابته إذا دعاه، ولا تبطل صلاته، وتحل له الهدية دون غيره من الحكام، ولا يجوز عليه، ولا على غيره من الأنبياء جنون، ولا احتلام. ومن استهان بأحد منهم كفر .ولا يورث أحد منهم، بل ماله صلى الله عليه وسلم صدقة على المسلمين، وأولاد بناته ينسبون إليه، ويجب بذل المهج لسلامة مهجته، فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ومن رغب فيها وهي مزوجة، وجب على زوجها طلاقها .وفاتته ركعتان بعد الظهر فقضاهما بعد العصر ثم واظب عليهما، وقال: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، فقال الشافعي: ليس لأحد أن يكنى بأبي القاسم، وحمل نصه على حال حياته صلى الله عليه وسلم. ومن رآه في المنام فقد رآه حقاً ؛فإن الشيطان لا يتمثل في صورته، والأرض لا تأكل لحمه، ولا لحم أحد من الأنبياء. وكل نسب وسبب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبه، وسببه، وصهره، وله غير ذلك مما لا ينحصر.

    فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم :

    منها - وهو أعظمها - القرآن العظيم، الذي عجز الجن والإنس أن يأتوا بمثله، بل بعشر سور منه، بل بسورة، بل بحديث مثله، وانشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه ؛فشرب منه أهل العسكر، وتوضئوا، كل ذلك من قدح، ولا ماء فيه ؛فجاش بالماء حتى شرب الجيش، ورووا وهم ألوف وفاضت إلى اليوم، وبالحديبية مرة بالبئر فأروتهم، وهم ألف وأربعمائة أو أكثر، وأطعم جيش الخندق، وهم ثلاثة آلاف من تمرٍ أتت به ابنة بشير بن سعد إلى أبيها وخالها لم يملأ كفيه، فأكلوا منه حتى شبعوا، وفضلت فضلة .ورمى يوم حنين جيش الكفار بقبضة من تراب فعميت عيونهم، وحن إليه الجذع الذي كان يخطب إليه حين عمل له المنبر، وكلمه الذراع المسموم بالشاة، كما سبق، وكان يخبر بالغيوب كقوله: 'إن عمارا تقتله الفئة الباغية ؛وإن عثمان تصيبه بلوى تكون بعدها الجنة ؛وإن الحسن بن علي سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين'، فكان كذلك ؛وكان إخباره بقتل الأسود العنسي الكذاب، وهو بصنعاء وبمن قتله ؛وبموت النجاشي بالحبشة ؛وبترتيب المقتولين في غزوة مؤتة كما مضى ؛وإخباره بقتل ابن خلف، ومصارع صناديد قريش، فكان كما قال .وخرج وعلى بابه قوم ينتظرونه ؛ليؤذوه، فوضع التراب على رؤوسهم، فلم يروه، ودعا شجرتين فأتتاه، فاجتمعتا، ثم أمرهما ؛فافترقتا، وزويت له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها، وأخبر ببلوغ ملك أمته ما زوى له منها، فكان كذلك، فبلغ ملكهم من أول المشرق إلى آخر المغرب، ولم يتسعوا في الجنوب، والشمال كما أخبر سواء بسواء، ومسح ضرع شاة لم ينز عليها الفحل ؛فدرت، وندرت عين قتادة فسقطت، فردها بيده الكريمة ؛فكانت أصح عينيه، وأحسنهما، وأحدهما، وكانوا يسمعون تسبيح الطعام بين يديه، والحصى بيديه، وسلم عليه الحجر والشجر ليالي بعث وغيرهما .وكلمته الحيوانات: البعير، وغيره في حاجاتها. ومنها إنبات النخلة في سنام البعير، وإدراك ثمرها في الحال، ففرقه على الحاضرين، فمن علم الله أن سيؤمن - كانت التمرة في فمه تمرة كما هي ؛ومن علم عدم إيمانه - عادت التمرة في فيه حجراً، ذكر ذلك البيهقي، وغيره من أئمة الحديث، وغير ذلك مما لا يحصى. وقد بلغ بمعجزاته - عليه الصلاة والسلام - بعض الأئمة ثلاثة آلاف وزيادة، غير القرآن العظيم ؛إذ كل حرف منه معجز، فمعجزاته! لا يدرك حصرها .قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء، فحدثني عبد الله بن أبي بكر، وحسين بن عبد الله، وغيرهما من أصحابنا أن علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد وشقران، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين تولوا غسله ؛وأن أوس بن خولى أحد بني عوف بن الخزرج قال لعلي بن أبي طالب: أنشدك الله يا علي، وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أوس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بدر، قال: ادخل، فدخل وجلس، وحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره، وكان العباس، والفضل، وقثم يقلبونه معه، وكان أسامة بن زيد، وشقران مولياه اللذان يصبان الماء عليه، وعلي يغسله قد أسنده إلى صدره، وعليه قميص يدلكه به من ورائه، ولا يفضي بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي يقول: بأبي أنت وأمي ما أطيبك حياً وميتاً. ولم يُر من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما يرى من الميت .قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عائشة قالت: لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه. قالت: فلما اختلفوا ؛ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم من رجل إلا ذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن غسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه. قالت: فقاموا إلى رسول الله فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه، والقميص دون أيديهم .قال: فلما فرغ من غسل رسول الله كفن في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين، وبردة حبرة أدرج فيه إدراجاً كما حدثني جعفر بن محمد بن علي بن حسين، وحدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة، وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي كان يحفر لأهل المدينة، وكان يلحد - فدعا العباس رجلين، فقال لأحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح، وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة، اللهم خره لرسول الله صلى الله عليه وسلم .فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء، وضع على سريره في بيته، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه، فقال قائل: ندفنه - في مسجده، وقال قائل: بل ندفنه مع أصحابه، فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض، فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه، فحفر له تحته، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالاً: فدخل الرجال حتى إذا فرغوا، دخل النساء، حتى إذا فرغن، دخل الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ؛ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط الليل ليلة الأربعاء .قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن امرأته فاطمة بنت عمارة، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن عائشة قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء .قال محمد بن إسحاق: وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقثم بن عباس، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال أوس بن خولى لعلي بن أبي طالب: أنشدك بالله، وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: انزل، فنزل مع القوم. وقد كان شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته، وبنى عليه قد أخذ قطيفة قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها، ويفترشها، فدفنها في القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك أبداً. فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسيأتى ذكر بدء مرضه - عليه الصلاة والسلام - في أول خلافة الصديق - رضي الله تعالى عنه - .ومما قيل من الرثاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه: من الوافر:

    أجدكَ ما لعينِكَ لا تنامُ ........ كأن جفونَهَا فيها كلامُ

    بوقعِ مصيبةِ عظُمَت وجلت ........ فدمعُ العينِ أهونُهُ انسجامُ

    فُجعنا بالنبي وكان فينا ........ مقدمنا وسيدنا الإمامُ

    وكان قوامنا والرأس فينا ........ فنحنُ اليومَ ليس لنا قوامُ

    ننوحُ ونشتكِى ما قد لَقِينا ........ ويشكُو فقدَهُ البلدُ الحرامُ

    كأن أنوفنا لاقينَ جدعاً ........ لفقدِ محمدٍ فيها اصطلامُ

    لفقدِ أغر أبيض هاشمي ........ إمام نبوَّةٍ وبه الختامُ

    أمين مصطفًى للخيرِ يدعو ........ كضوءِ البدرِ زايله الظلامُ

    سأتبعُ هديهُ ما دمتُ حياً ........ طوالَ الدهرِ ما سجع الحمامُ

    كأن الأرضَ بعدك طارَ فيها ........ فَأشعَلَهَا لساكنها ضرامُ

    وفقد الوَحى إذ وليت عنا ........ وودعنا مِنَ الله الكلامُ

    سوَى أن قد تَرَكت لنا سراجاً ........ تواريه القراطيسُ الكرامُ

    لقد ورثتنا مِرآة صدقٍ ........ عليكَ به التحيةُ والسلامُ

    من الرحمنِ في أعلَى جنانٍ ........ من الفردوسِ طابَ بها المقامُ

    رفيق أبيكَ إبراهيمَ فيه ........ وما في مِثل صحبتِهِ ندامُ

    وإسحاق وإسماعيل فيه ........ بما صَلوْا لربهمُ وصاموا

    وقال عمر بن الخطاب - رضي الله - يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الكامل:

    ما زلتُ مذ وضع الفِرَاشَ لجنبه ........ وَثوَى مريضاً خائفاً أتوقعُ

    شفقاً عليه أن يزولَ مكانه ........ عنا فنبقَى بعْدَهُ نتوجعُ

    وإذا تحدثنا الحوادثُ منْ لَنَا ........ بالوحيِ من رب رحيمِ يسمعُ

    ليتَ السماءَ تفطَرَت أكنافُهَا ........ وتناثَرَت فيها النجومُ الطلعُ

    لما رأيتُ الناسَ هد جمعيهم ........ صوت ينادي بالنعِي فيسمعُ

    وسمعتُ صوتَا قبلَ ذلك هدني ........ عباس ينعاه بصوتٍ يقطع

    فليبكِهِ أهلُ المدائنِ كلّها ........ والمسلمونَ بكُل أرضٍ تجدعُ

    وقال علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه -: من الطويل:

    ألا طرق الناعِي بلَيل فراعَنِي ........ وأرقني لما استقل منادياً

    فقلتُ له لما رأيتُ الذي أتى ........ أغَيرَ رسولِ اللهِ إنْ كنتَ نَاعِيا

    فحقفت ما أشفقتُ منهُ ولم ينل ........ وكان خليلي عدَةً وجماليَا

    فواللهِ ما أنساكَ أحمَدُ ما مَشَت ........ بِىَ العيسُ في أرضٍ وجاوزْتَ واديَا

    وكنتُ متى أهبطْ من الأرضِ بقعة ........ أرَى أثراً منه جديداً وعافيَا

    مِنَ الأسدِ قد أخفى العرين مخافةً ........ تهادي سباعُ الطيرِ مِنْهُ تَعَاديا

    شديد حوى الصدرِ مِنهُمْ مشددٌ ........ هو المَوْتُ معدياً عليه وَعَادِيا

    وقال حسان بن ثابت - رضي الله عنه -: من الطويل:

    بِطَيْبَةَ رَسم لِلرَسُولِ وَمَعْهَدُ ........ منِير وَقَدْ تَعْفُو الرُسُومُ وَتَهْمُدُ

    ولا تَنْمَحي الآيَاتُ مِنْ دَارِ حرمَةٍ ........ بِهَا مِنبَرُ الْهَادِي الذِي كَانَ يَصْعَد

    وَوَاضِحُ آثَار وَبَاقِي مَعَالِم ........ وَرَبعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلى وَمَسْجِدُ

    بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَها ........ مِنَ الله نُور يُسْتَضَاءُ وُيوقَدُ

    مَشَاهِدُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيهَا ........ أتَاهَا الْبِلَى فَالآىُ مْنهَا تَجَدَدُ

    عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَسُولِ وَعَهْدَهُ ........ وَقَبْراً بِهَا وَارَاهُ في التُرْبِ مُلْحِدُ

    ظَلِلتُ بِهَا أبْكِي الرَسُولَ فَأسْعَدَت ........ عُيُون وَمِثْلاهَا مِنَ الْجَفْن تُسْعِدُ

    يُذَكرْنَ آلاءَ الرسُولِ وَمَا أرَى ........ لَهَا مُحْصِيا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلَدُ

    مُفَجعَة قَدْ شَفهَا فَقْدُ أحمَدٍ ........ فَظَلتْ لآلاءِ الرسُولِ تُعددُ

    وَمَا بَلَغَت مِنْ كُل أمْرٍ عشيرهُ ........ وَلكِنْ لِنَفسِي بَعْدُ مَا قَدْ تَوَجدُ

    أطَالَتْ وُقُوفاً تَذْرِفُ الْعَيْن جَهْدَهَا ........ عَلَى طَلَلِ الْقَبرِ الَذِي فِيهِ أحْمَدُ

    فَبُورِكتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَت ........ بِلاد ثَوَى فِيهَا الرَشِيدُ المُسَدَدُ

    وَبُورِكَ لحد مِنْكَ ضُمنَ طَيبا ........ عَلَيهِ بِنَاء من صَفِيحٍ مُنَضَدُ

    تَهِيلُ عَلَيهِ التُرْبَ أيْدٍ وَأعين ........ عَلَيهِ وَقَد غَارَتْ بِذَلِكَ أسْعُدُ

    لَقَدْ غَيبوا حِلماً وَعِلْماً وَحكْمَةً ........ عَشِيةَ عَلوْهُ الثرَى لا يُوَسَدُ

    وَرَاحُوا بِحُزنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيهُم ........ وَقَد وَهَنَت منهم ظُهُور وَأعضُدُ

    يُبَكونَ مَنْ تَبكِي السمواتُ يَومَهُ ........ وَمَن قَد بَكَتهُ الأزضُ فَالناسُ أكمَدُ

    وَهَلْ عَدَلَتْ يَوماً رَزِيةُ هَالِكٍ ........ رَزِيةَ يَومٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمدُ

    تَقَطعَ فِيهِ منزل الوَحيِ عَنهُمُ ........ وَقَد كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنجِدُ

    يَدُل عَلَى الرحمنِ من يَقتَدِي بِهِ ........ وَيُنقِذ من هَولِ الخَزَايَا وَيُرْشِد

    إمَام لَهُم يَهدِيهِمُ الحَق جَاهِداً ........ مُعَلمُ صِدقِ إِن يُطِيعُوهُ يَسْعَدُوا

    عَفُوٌّ عنِ الزلاتِ يَقبَلُ عُذرَهُم ........ وَإن يُحسِنوا فَالله بِالخَيرِ أجوَدُ

    وَإنْ نَابَ أمر لَم يَقُومُوا بِحَملِهِ ........ فَمِن عِندِهِ تَيسِيرُ مَا يَتَشَدَدُ

    فَبَنينَا هُمُ في نِعمَةِ الله بَينَهُم ........ دَلِيل بِهِ نَهجُ الطرِيقَةِ يُقصَدُ

    عَزِيزٌ عَلَيهِ أن يَزيغُوا عَنِ الهُدَى ........ حَرِيص عَلَى أن يَستَقِيمُوا ويَهتَدوا

    عَطُوفٌ عَلَيْهِم لا يُثَنِّي جَنَاحَهُ ........ إِلَى كَنَفٍ يَحنُو عَلَيهِمْ وَيَمهَدُ

    فَبَينَا هُمُ في ذلِكَ النورِ إِذ غَدَا ........ إلَى نُورِهِم سَهمً من المَوتِ مُقصِدُ

    فَأصبَحَ مَحْمُوداً إِلَى الله رَاجِعا ........ يُبَكيهِ جَفنُ المُرسَلاتِ وَيَحمَدُ

    وَأمسَت بِلادُ الحُرمِ وَحشاً بِقَاعُهَا ........ لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنَ الوَحي تعْهَدُ

    قِفَارا سِوَى مَعمُورَةِ اللحْدِ ضَافَهَا ........ فَقِيد يبَكيهِ بَلاط وَغَرقَدُ

    وَمسجِدُهُ فَالمُوحِشَاتُ لِفَقده ........ خَلاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَام وَمَقعَدُ

    وَبِالجَمرَةِ الكُبرَى لَهُ ثَم أوحَشَت ........ دِيَار وَعَرصَاتْ وَرَبْعٌ وَمَولِد

    فَبَكى رَسُولَ الله يَا عَين عَبرَةً ........ ولا أعرِفَتكِ الدهرَ دمعُكِ يَجمُدُ

    وَمَالَكِ لا تَبكِينَ ذَا النعمَةِ التِي ........ عَلَى الناسِ مِنهَا سَابغ يَتَغَمَدُ

    فَجودِي عَلَيهِ بِالدُّمُوعِ وَأعوِلِي ........ لِفَقدِ الذِي لا مِثلُهُ الدهرَ يُوجَد

    وَمَا فَقَدَ المَاضُونَ مِثْلَ مُحَمدِ ........ ولا مِثلُهُ حَتى القِيامَة يُفقَدُ

    أعَف وَأوفَى ذِمَّة بَغد ذِمة ........ وَأقرَبَ مِنهُ نَائِلاً لا يُنَكَدُ

    وَأبذَلَ مِنهُ للطرِيفِ وَتَالِدِ ........ إذَا ضَن مِعطَاءٌ بِمَا كَانَ يُتلِدُ

    وَأكرَمَ صِيتاً في البيوتِ إِذَا انتَمَى ........ وَأكرَمَ جَداً أبطَحِياً يُسَودُ

    وَأمنَعَ ذروَاتٍ وَأثبتَ في العُلا ........ دَعَائمَ عِز شَامِخَاتٍ تُشَيدُ

    وَأثبَتَ فَرعاً في الفُرُوعِ وَمَنبِتاً ........ وَعُودَاً غَذاهُ المزنُ فَالعُودُ أغيَدَ

    رَبَاهُ وَليداً فَاستَتَم تَمَامُهُ ........ عَلَى أكرَمِ الخَيرَاتِ رَب مُمَجدُ

    تَنَاهَت وَصَاةُ المُسْلِمِينَ بِكَفًهِ ........ فَلا العِلم مَحبُوس ولا الرَأي يُفنَدُ

    أقُولُ ولا يلفَي لِقَولِيَ عَائِب ........ مِنَ الناسِ إلا عَازِبُ الْعَقلِ مُبعَدُ

    وَلَيسَ هَوَاي نَازِعاً عَن ثَنَائِهِ ........ لَعَلي بِهِ في جَنةِ الخلدِ أخلدُ

    مَعَ الْمُصطَفَى أرجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ........ وفي نَيل ذَاكَ اليَومِ أسعَى وأجهَدُ

    وقالت السيدة فاطمة - رضي الله عنها -: من الكامل:

    ماذا علَى من شم تُربَةَ أحمَدٍ ........ ألا يشَم من الزمَانِ غَوَالِيَا

    صُبت على مَصَائب لو أنهَا ........ صُبت عَلَى الأيامِ عُدنَ ليالِيَا

    وقالت عاتكة بنت عبد المطلب - رضي الله عنها -: من البسيط:

    عينيَّ جُودَا طوالَ الدهرِ وانهَمِرَا ........ سَكباً وسَحا بدمعٍ غيرِ تَقديرِ

    يا عينُ واستَحسِرِي بالدمعِ واحتَفِلِي ........ حتَى الممَاتِ بسَجْلٍ غيرِ مَنْزورِ

    يا عين وانهملِي بالدمعِ واجتهِدِي ........ للمصطفَى دونَ خَلقِ الله بِالنورِ

    بمستهل من الشؤبُوب ذي سبَلٍ ........ فقد رُزِئت نبي العدلِ والخيرِ

    وكنت من حَذَرٍ للمَوتِ مشفقةَ ........ وللذي خُطَ مِن تلكَ المقاديرِ

    من فَقدِ أزهَرَ ذي خلقٍ وذي فخر ........ صافٍ من العَيبِ والعاهاتِ والزورِ

    فاذهَب حَمِيدَا جزَاكَ الله مَغفرةً ........ يومَ القيامةِ عِندَ النفخِ في الصورِ

    وقالت أروى - أختها - بنت عبد المطلب - رضي الله عنها -: من الوافر:

    ألا يَا عينُ ويحَكِ أسعِدِينِي ........ بدمعٍ ما بقيتُ وطَاوِعِينِي

    ألا يا عَين ويحكِ واستَهِلي ........ على غيثِ البلادِ وأسعِدِينِي

    فَإن عَذَلَتكِ عَاذِلةٌ فقولِي ........ عَلامَ وفيمَ ويحَكِ تعذليني

    عَلى نُور البِلادَ معاً جميعاً ........ رَسُولِ الله أحمَد فاتْرُكِينِي

    وإنْ لا تَقصرِي بالعَدلْ عني ........ فَلُومي ما بَدَا لَكِ أو دَعِينِي

    لأمرٍ هَدنِي وأدَك رُكْنِي ........ وشَيّبَ بَعْدَ جِدَّتها قُرُوني

    وقالت صفية بنت عبد المطلب - رضي الله عنها: من الخفيف:

    لهفَ قَلْبِي وبتُ كالمسلوبِ ........ أرق اللَيلُ مقلَةَ المحرُوب

    من هموِم وحَسْرةٍ وَقَذَتْنِي ........ ليتَ أني سبقْتُهَا لِشَعُوبَ

    حينَ قالوا إن الرسولَ قد أمْسَى ........ وافَقَتهُ مَنِيةُ المكتوبِ

    إذْ رأينا أن النبيَّ صَرِيعْ ........ فأشَابَ القَذَالَ أي مَشِيبِ

    إذ رأينا بيوتَهُ مُوحِشَاتٍ ........ ليس فيهنَّ بعد عَيْش حبيبِ

    أورَثَ القلبَ ذاكَ حزناً طويلاً ........ خالَطَ القلبَ فَهْوَ كالمرعُوبِ

    ليتَ شِعرِي وكْيفَ أُمسي صحيحَاً ........ بعد أنْ بِينَ بالرسُولِ القريبِ

    أعظم الناسِ في البريةِ حَقاً ........ سيدُ الناسِ حبه في القُلُوب

    فَإلى الله ذاك أشكُو وحَسبيّ ال _ لهُ مولى وحَوْبتِي ونَحِيبِي

    وقالت - أيضاً -: من المتقارب:

    أفاطمُ فابْكِي ولا تَسْأمِي ........ بصَحبِكِ ما طَلَعَ الكوكَبُ

    هو المرءُ يبكي بحق البكا ........ هو الماجِد السيّدُ الطيبُ

    فأوحشَتِ الأرضُ من فقْده ........ وإن البريةَ لا تنكبُ

    فَمَا ليَ بَعْدَك حتى المما _ ت إلا الجَوَى الدَاخِل المُنْصِبُ

    فَبَكى الرسولَ وحقَّتْ له ........ شُهُودُ المدينةِ والغُيَّبُ

    لِتَبْكِكَ شَمطاءُ مَضْرورةٌ ........ إذا حُجِبَ الناسُ لا تحجَبُ

    ليبكِكَ شيخ أبو ولدة ........ يطوفُ بعقوتِهِ أشْهَبُ

    ويبكك رَكب إذا أرمَلُوا ........ فلم يكْفِ ما طلبِ المطلبُ

    وتبكي الأباطحُ مِنْ فقده ........ وتبكيه مَكةُ والأخْشَبُ

    وتبكي وُعَيْرَةُ مِنْ فَقْدهِ ........ بُحزْن ويُسْعِدُهَا المِثيبُ

    أعْيَنيّ ما لَكِ لا تَدْمَعِين ........ وحق لدمْعِكِ ما يَسْكُبُ

    صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه إلى يوم الدين، وسلم .وقال أبو الفتح: فيا له - في مثل ذلك - خطب جل عن الخطوب ؛ومصاب عَلم دمع العين كيف يصوب ؛ورزء غربت له النيرات، ولا تعلل بشروقها بعد الغروب .وجاءت هجمة الموت ؛فلا نجاء منه لهارب، ولا فرار منه لمطلوب، ولا صباح له ؛فيجلو غياهبه الملمة ودياجيه المدلهمة، ولكل ليل إذا دجى صباح يئوب، ومن سر أهل الأرض، ثم بكى، سأبكي بعيون سرها، وقلوب .فإنا لله، وإنا إليه راجعون من نار طويت عليها الأضالع، لا تخبو ولا تخمد، ومصيبة تستك منها المسامع، فلا يبلى على مر الجديدين حزنها المجدد .^

    المقصد الثالث :

    في ذكر الخلفاء الأربعة

    وذكر خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين :

    خلافة أبي بكر الصديق

    رضي الله تعالى عنه :

    قال ابن إسحاق: ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه التي قبضه الله تعالى فيها إلى ما أراد به من كرامته ورحمته، في ليال بقين من صفر، أو في أول شهر ربيع الأول، فكان أول ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك - فيما ذكر لي -: أنه خرج إلى بقيع الغرقد من جوف الليل، فاستغفر لهم، ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح - ابتدئ بوجعه من يومه ذلك .قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن عمر، عن عبيد الله بن جبير مولى الحكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعث إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل، فقال: يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فانطلق معي ؛فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم، قال: 'السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ؛أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، تتبع أخراها أولاها، الآخرة شر من الأولى' ؛ثم أقبل علي فقال: 'يا أبا مويهة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة'. قال أبو مويهة: فقلت بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة - قال: 'لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي، والجنة' ؛ثم استغفر لأهل البقيع، وانصرف، فبدأ به في صبيحة ذلك اليوم وجعه الذي قبضه الله فيه .وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما رجع - عليه الصلاة والسلام - من البقيع وجدني وأنا أجد صداعَاً في رأسي، وأنا أقول: وارأساه. فقال: 'بل أنا والله وارأساه يا عائشة'، ثم قال لي: 'وما ضرك لو مت قبلي، فقمت عليك، وكفنتك، وصليت عليك، ودفنتك'. قالت: فقلت: والله لكأني بك لو قد فعلتَ ذلك لقد رجعتَ إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك. قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .وتتام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعزَّ به مرضه - يعني اشتد - وهو في بيت ميمونة ؛فدعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج - عليه الصلاة والسلام - بين رجلين من أهله، أحدهما: الفضل بن العباس، ورجل آخر هو علي بن أبي طالب عاصباً رأسه، تخط قدماه حتى دخل بيتي .ولما غمره الوجع قال: 'أريقوا عليّ من سبع قرب من آبار شتى، حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم'. قالت: فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر، فصببنا عليه الماء حتى طفق يقول 'حسبكم، حسبكم' .وقال الزهري: حدثني أيوب بن بشر: أنه - عليه الصلاة والسلام - خرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر، ثم كان أول ما تكلم به: أن صلى على أصحاب أحد، واستغفر لهم، وأكثر الصلاة عليهم، وقال: 'إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله'. قال: ففهمها أبو بكر - رضي الله عنه - وعرف أنه يريد نفسه ؛فبكى، وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا، وأبنائنا. فقال: 'على رسلك يا أبا بكر'، ثم قال: 'انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد فسدوها إلا باب أبي بكر'. ثم استبطأ الناس في بعث أسامة، فقال: أيها الناس، أنفذوا بعث أسامة بن زيد، فلعمري، إن قلتم في إمارته، لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله - وكان قد سمع قول الناس في إمارة أسامة: أمَّر غلاماً حدثاً على جلة المهاجرين، والأنصار - وإنه لخليق بالإمارة، وإن كان أبوه لخليقاً بها. ثم نزل عن المنبر، وانكمش الناس في جهازهم، واستُعزَّ - أي اشتد - برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فخرج، أسامة، وخرج جيشه معه حتى نزلوا الجرف من المدينة على فرسخ، فضرب به عسكره، وتتام الناس، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛فأقام أسامة والناس ينتظرون ما الله قاض في رسوله .ثم اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه أم سلمة، وميمونة، ونساء من نساء المسلمين، منهن: أسماء بنت عميس، وعنده العباس عمه، فأجمعوا أن يلدُّوه - واللد: رفع اللسان، وإدخال المسعط في الحلق من وسط الفم، فإن كان من أحد الشقين فهو الإيجار، وأما اللدود، فهو الدواء نفسه - فلما أفاق - عليه الصلاة والسلام - قال: من وضع هذا بي. قالوا: يا رسول الله، عمك. قال: هذا دواء أتى به نساء جئن من نحو هذه الأرض، وأشار نحو أرض الحبشة. قال: ولم فعلتم ذلك. قال عمه: خشينا يا رسول الله، أن يكون بك داء الجنب. فقال: - عليه الصلاة والسلام -: إن ذلك لداء ما كان الله ليقذفني به، أو ليعذبني، وفي رواية إنها لم تسلط علي، لا يبقى أحد في البيت إلا لد، إلا عَمي. فلقد لدت ميمونة، وإنها لصائمة، لقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوبة لهم بما صنعوا .ولما كان يوم الاثنين، الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج عاصباً رأسه إلى الصبح، وأبو بكر يصلي بالناس، فلما خرج تفرج الناس، فعرف أبو بكر أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنكص عن مصلاه، فدفع - عليه الصلاة والسلام - في ظهر أبي بكر، وقال: صل بالناس، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه، فصلى قاعداً عن يمين أبي بكر .فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس، فكلمهم رافعاً صوته حتى خرج صوته من باب المسجد، يقول: أيها الناس، سعرت النار، وأقبلت الفتن كالليل المظلم، إني والله ما تمسكون علي بشيء، وإني لم أحل إلا ما أحل القرآن، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه، قال له أبو بكر: يا رسول الله، إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله، وفضل كما تحب، واليوم يوم بنت خارجة - يعني زوجته - أفآتيها ؟قال: نعم. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح - بالسين المهملة المضمومة، والحاء المهملة آخر الحروف -: اسم مكان بالعالية .قال: وخرج علي بن أبي طالب يومئذ على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الناس: يا أبا الحسن كيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟فقال: أصبح بحمد الله بارئاً. قال فأخذ العباس بيد علي ثم قال له: أنت والله عبد العصا بعد ثلاث، أحلف بالله، لقد رأيت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب، فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه، وإن كان في غيرنا أمرناه، فأوصى بنا الناس. فقال له علي: إني والله لا أفعل ذلك، والله لئن منعناها لا يؤتيناها، أحد بعده .فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم .وروى الزهري، عن عروة، قال: قالت عائشة لما رجع

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1