Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير البسيط
التفسير البسيط
التفسير البسيط
Ebook742 pages6 hours

التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786493067409
التفسير البسيط

Read more from الواحدي

Related to التفسير البسيط

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير البسيط - الواحدي

    الغلاف

    التفسير البسيط

    الجزء 19

    الواحدي

    468

    يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة

    قال هَجِّدْنا ........... ... وقَدَرْنَا إن خَنَا الدَّهْرِ غَفَل

    شرح ديوان لبيد ص 182، وورد في: الأضداد لابن السِّكِّيت [ثلاثة كتب في الأضداد] ص 194، ومجاز القرآن 1/ 389، ومعاني القرآن وإعرابه 3/ 256، والأضداد لابن الأنباري ص 51، وتهذيب اللغة (هجد) 4/ 3716, والصحاح (هجد) 2/ 55، وتفسير الطوسي 6/ 511، وتفسير ابن الجوزي 5/ 74، واللسان (هجد) 4/ 4616 (خنا) 3/ 1283، (السُّري): سير الليل عامة، (قدرنا): أي وقدرنا على ورود الماء، وذلك إذا قربوا منه، (الخنى): الآفة والفساد، أي إن غفل عنا فساد الدهر فلم يعقنا، وقيل قدرنا: أي على التهجد، وقيل: على السير، والشاعر يصف نفسه بالجلد في السفر وكثرة السهر حتى تأذى رفيقه بذلك وقال له: خلنا ننام ونسحريح، قد قدرنا على ما نريد ووصلنا إلى ما نحب إن غفل عنا الدهر ولم يفسد علينا أمرنا.

    (3) ورد في تهذيب اللغة (هجد) 4/ 3716, بنصه.

    نائماً (1).

    وروى عمرو عن أبيه قال: هَجد وهَجَّد: إذا قام مصلِّيًا، وهَجَد: إذا نام (2)، وقال الليث: تهجد إذا استيقظ اللصلاة (3).

    وقال ابن بُزُرْج: هَجّدْتُه: أيقظته (4)، وهذا قول أهل اللغة (5) في تفسير هذا الحرف، وعلى ما ذكروا هو من الأضداد (6)؛ كما بَيّنا، وأجاد الأزهري في تفسير التهجد فقال: المعروف في كلام العرب: أن الهاجد: النائم، وقد هجد هجودًا إذا نام، وأما المتهجِّد فهو القائم إلى الصلاة من النوم، وكأنه قيل له: متهجد؛ لإلقائه الهجود عن نفسه؛ كما قيل للعابد: متحنث؛ لإلقائه الحِنْثَ عن نفسه، وهو الإثم (7)، وعلى ما ذكر، التهجد: بمعنى الصلاة، هو من باب تَحَرَّج وتأثَّم وتحوَّب، وهو ترك الهجود، ثم صار بمعنى الصلاة لمّا كان المصلي بالليل يترك النوم.

    قال ابن عباس في قوله: {فَتَهَجَّدْ بِهِ} فَصَلِّ بالقرآن (8)، وقال مجاهد: التهجد: بعد النوم (9)، وهذا قول عبد الرحمن بن الأسود (10) (1) ورد في تهذيب اللغة (هجد) 4/ 3716، بنصه تقريبًا.

    (2) و (3) ورد في تهذيب اللغة (هجد) 4/ 3716، بنصه.

    (4) ورد في تهذيب اللغة (هجد) 4/ 3716 بلفظه، انظر: تفسير الألوسي 15/ 138.

    (5) في (أ)، (د): (الليل)، وهو خطأ ظاهر، والمثبت من (ش)، (ع) هو الصواب.

    (6) انظر: ثلاثة كتب في الأضداد: للأصمعي ص 40، والسجستاني ص 123، وابن السكت ص 194، والأضداد لابن الأنباري ص 50.

    (7) تهذيب اللغة (هجد) 4/ 3716، بنصه.

    (8) انظر: تفسير ابن الجوزي 5/ 74، بنصه.

    (9) انظر: تفسير ابن الجوزي 5/ 74، بنصه.

    (10) عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي, أبو حفص, ثقة, روى عن أبيه = المفسرين (1)، وانتصابه على أنه معطوف بالعطف على الصلاة في قوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ} قاله الفراء (2) والزجاج، قال الزجاج: أي: وأقم قرآن الفجر، قال: وفي هذا الموضع فائدة عظيمة؛ تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة؛ لأنه قال: {أَقِمِ الصَّلَاةَ}، وأقم قرآن الفجر، فأمر أن يقيم الصلاة بالقراءة، حيث سميت الصلاة قرآنًا، فلا تكون صلاةٌ إلا بقراءة؛ انتهى كلامه (3).

    وقوله تعالى: {إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِكَانَ مَشْهُودًا}، كلهم قالوا: صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار (4).

    وروى أبو هريرة أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم - قال: تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح، ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {قُرْآنَ الْفَجْرِ} الآية. (5) (1) تفسير مجاهد ص 368 بنصه، وأخرجه الطبري 15/ 139 - 140، عنهم - عدا مسروق، أورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 355 وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد.

    (2) معاني القرآن للفراء 2/ 129، بمعناه.

    (3) معاني القرآن وإعرابه 3/ 255، بنصه.

    (4) انظر: تفسير الطبري 15/ 139، وابن عطية 9/ 166.

    (5) وطرف الحديث: فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل .. الحديث، أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1/ 522 بنصه، وأحمد 2/ 474، بنحوه، والبخاري (4717) كتاب: التفسير، سورة الإسراء، باب: قوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ ...} بنصه، ومسلم (649/ 246) كتاب: المساجد، فضل الجماعة، وابن ماجه (670) كتاب: مواقيت الصلاة؛، وقت الصلاة الفجر، بنحوه، والترمذي (3135) كتاب: التفسير، الإسراء، بنحوه وقال: حسن صحيح، والنسائي: الصلاة, فضل الصلاة الجماعة = وقال ابن مسعود: يتدارك الحارسان؛ حارس الليل وحارس النهار من الملائكة في صلاة الفجر، وإن شئتم فاقرءوا: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (1).

    وقال الكلبي: ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون في صلاة الغداة خلف الإمام، تنزل ملائكة النهار عليهم وهم في صلاة الغداة قبل أن تعرج ملائكة الليل، فإذا فرغ الإمام من صلاته عرجت ملائكة الليل ومكثت ملائكة النهار، فتقول ملائكة الليل إذا صعدت إلى ربها: ربنا إنا تركنا عبادك يصلون لك، ويقول الآخرون: ربنا أتينا عبادك وهم يصلون، فيقول الله لملائكته: اشهدوا أني قد غفرت لهم (2)، وهذا معنى قول ابن عباس، ويريد أن ذلك كفارة لما صنعت، وفي هذا أيضًا دليل على أن السُنَّة التبكير بهذه الصلاة؛ لأنه إنما يشهدها القبيلان من الملائكة إذا بُكِّرَ بها، فإذا لم يُبَكَّر بها في أول الفجر كانت ملائكة الليل قد عرجت فلم تشهدها، والسُنَّة أن يصلى في الوقت الذي يشهدها القبيلان جميعًا. = 1/ 241 بنصه، والطبري 15/ 141، بنحوه، وورد في معاني القرآن للنحاس 4/ 183، بنحوه، وتفسير الثعلبي 7/ 117 أ، بنصه، والدر المنثور 4/ 355 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.

    (1) أخرجه الطبري 15/ 141، بنحوه، والطبراني في الكبير 9/ 265، بنحوه، وورد في تفسير هود الهواري 2/ 437، بنحوه، والدر المنثور 4/ 355 وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر.

    (2) لم أقف عليه، وقد ورد بهذا المعنى حديث صحيح مشهور، رواه أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم - وطرفه: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ..) أخرجه البخاري (555) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فضل صلاتى العصر, ومسلم (632) كتاب: المساجد ومواضع الصلاة, باب: فضل صلاتي الصبح والعصر.

    وعلقمة وإبراهيم وجميع المفسرين (1).

    قال الحجاج بن عمرو المازني (2): أيحسب أحدكم إذا قام من الليل فصلى حتى يصبح أنه قد تهجد؟! إنما التهجد: الصلاة بعد رقدة ثم صلاة بعد رقدة ثم صلاة بعد رقدة، وتلك كانت صلاة (3) رسول الله -صلى الله عليه وسلم - (4)، وهذا يدل على صحة قول الأزهري في تفسير التهجد، حيث لم يجعلوا الساهر ليله كله متهجدًا، وجعلوا التهجد بعد النوم، ولو كان ضدًا للنوم لكان الساهر جميع ليله متهجدًا. = وعلقمة، وعنه الأعمش وهارون بن عنترة، مات سنة (99 هـ)، انظر: الجرح والتعديل 5/ 209، والكاشف 1/ 621 (3141)، وتقريب التهذيب (3803).

    (1) أخرجه الطبري 15/ 141 - 142 بنصه من طرق عنهم، وورد في معاني القرآن للنحاس 4/ 183 بنصه عن علقمة والأسود، وتفسير الجصاص 7/ 203 بنصه عن الأسود وعلقمة، والثعلبي 7/ 117 أبنصه، والطوسي 6/ 511 بنصه عن الأسود وعلقمة، انظر: تفسير ابن كثير 3/ 61، عنهم، وأورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 355 وزاد نسبته إلى ابن المنذر ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن علقمة والأسود.

    (2) الحجاج بن عمرو المازني الأنصاري الخزرجي -رضي الله عنه-، له صحبة، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم - حديثين؛ أحدهما في الحج والآخر في التهجد، وهو الذي ضرب مروان يوم الدار -يوم حصر عثمان -رضي الله عنه - في داره - فأسقطه، وشهد صفين مع علي.

    انظر: الاستيعاب 1/ 378، وأسد الغابة 1/ 692، والإصابة 1/ 313، وتقريب التهذيب ص 153 (1132).

    (3) ساقطة من (د).

    (4) أخرجه الطبري 15/ 142 مختصرًا، وورد في تفسير الجصاص 3/ 207 بنصه، وانظر: تفسير ابن عطية 9/ 142 والفخر الرزي 21/ 30، والقرطبي 10/ 308، والألوسي 15/ 138.

    وقوله تعالى: {بِهِ} قالوا: بالقرآن نافلة لك، معنى النافلة في اللغة: ما كان زيادة على الأصل، ذكرنا هذا في قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}، ومعناها أيضًا في هذه الآية: الزيادة.

    قال مجاهد: النافلة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم - خالصة؛ من أجل أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل سوى المكتوبة فهي نافلة له، من أجل أنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب، فهي نوافل له خاصة وزيادة، والناس يعملون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفارتهم فليس لهم نوافل (1).

    وقال السدي: نافلة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - خاصة؛ لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وليست لنا بنافلة لكثرة ذنوبنا إنما نعمل لكفاراتها (2)، وهذا قول أكثر المفسرين. (1) أخرجه الطبري 15/ 143 بنصه، والبيهقي في الدلائل 5/ 487 بنصه تقريبًا، وورد في معاني القرآن للنحاس 4/ 184، بنحوه، وتفسير السمرقندي 2/ 280 مختصرًا، والثعلبي 7/ 117 أ، بنحوه، والماوردي 3/ 264 مختصرًا، والطوسي 6/ 512 مختصرًا، وأورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 356 وزاد نسبته إلى ابن المنذر ومحمد بن نصر، ولم ير الطبري هذا القول، ورده وحكم عليه بالفساد، وقال: لا معنى له؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر عنه - أكثر ما كان استغفارًا لذنوبه بعد نزول قول الله عز وجل: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]، وكان يعد له في المجلس الواحد استغفار مئة مرة، ومعلوم أن الله لم يأمره أن يستغفر إلا لما يغفر له باستغفاره ذلك. ا. هـ. نعم كان النبي -صلى الله عليه وسلم - يكثر من الاستغفار، لكن لا على أنه استغفار من الذنوب كذنوبنا، بل كما قال: إنه ليُغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة رواه مسلم (2702) كتاب: الذكر والدعاء، باب استحباب الاستغفار، قال ابن الأثير: الغين: الغيم، أراد ما يغشاه من السّهو الذي لا يخلو منه بشر؛ لأن قلبه أبدًا كان مشغولًا بالله تعالى. النهاية 3/ 403.

    (2) انظر: تفسير الفخر الرازي 21/ 30، بنحوه، وأبي حيان" 6/ 71.

    قال أبو أمامة: إنما النافلة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم - (1).

    وقال الحسن: لا تكون نافلة إلا للنبيّ -صلى الله عليه وسلم - (2).

    وقال ابن عباس خاصة (3)، وهذا كله مما ذكره مجاهد والسدي: أن صلاة الليل كانت زيادة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم - للدرجات لا للكفارات.

    ولا يدل قوله: {نَافِلَةً} على أنها لم تكن واجبة عليه، فقد روى عطاء عن ابن عباس في قوله: {نَافِلَةً لَكَ} يريد فريضة عليك زائدة على الفرائض خُصِصتَ بها من بين أمتك (4)، هذا الذي ذكرنا مذهب أكثر أهل التفسير (5).

    وذهب قوم إلى أن معنى النافلة: التطوع الذي يتبرع به الإنسان، وقالوا: إن صلاة الليل كانت واجبة عليه ثم نُسخت عنه فصارت نافلة، أي تطوعًا وزيادة على الفرائض يتبرع بها، وهو قول قتادة والمبرد وعبد الله بن (1) أخرجه الطيالسي ص 155 بنصه تقريبًا، والطبري 15/ 143 بنصه، والطبراني في الكبير 8/ 145، بنصه، والبيهقي في الشعب 3/ 28، بنصه، وورد في تفسير الجصاص 3/ 207 بنصه، والسمرقندي 2/ 280 - بنحوه، وأورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 356 وزاد نسبته إلى ابن نصر وابن مردويه.

    (2) انظر: تفسير ابن الجوزي 5/ 75، بنحوه، وأورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 356 وعزاه إلى محمد بن نصر.

    (3) ورد في تفسير الثعلبي 7/ 117 أ - بلفظه، انظر: تنوير المقباس ص 304.

    (4) أخرجه الطبري 15/ 142، بنحوه من طريق العوفي (ضعيفة)، ورد في تفسير الثعلبي 7/ 117 أ، بنحوه، والماوردي 3/ 264 - مختصرًا، والطوسي 6/ 511، بنحوه، أورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 355 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.

    (5) انظر: تفسير الطبري 15/ 142 - 143 ورجحه، وهود الهواري 2/ 437، والثعلبي 7/ 117 أ، والسمعاني 3/ 269، والبغوي 5/ 115.

    مسلم (1) وانتصب نافلة بوقوع التهجد عليه؛ لأن معى التهجد: صل بالليل نافلة، أي صلاة نافلة.

    وقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ} قال ابن عباس: عسى من الله واجب (2)، وكذلك قال المفسرون كلهم في عسى من الله (3).

    قال أهل المعاني: وإنما كان كذلك لأن معنى عسى في اللغة: التقريب والإطماع، ومَنْ أطمع إنسانًا في شيء ثم حَرَمَه كان غارًّا، والله أكرم من أن يُطمع أحدًا في شيء ثم لا يعطيه ذلك (4).

    قوله تعالى: {مَقَامًا مَحْمُودًا} أجمع المفسرون على أنه مقام الشفاعة (5)؛ كما قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية: هو المقام الذي أشفع فيه (1) الغريب لابن قتيبة 1/ 261 قال: تطوعًا، وأخرجه عبد الرزاق 2/ 386، والطبري 8/ 130، عن قتادة، قال: تطوعًا وفضيلة لك، وورد عن قتادة -كروابة الطبري - في تفسير الجصاص 3/ 207، والثعلبي 7/ 117 أ، وأورده السيوطي في الدر المنثور" 4/ 356 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عن قتادة.

    (2) ورد في معاني القرآن للنحاس 4/ 185، بنحوه من طريق ابن أبي طلحة (صحيحة)، انظر: تنوير المقباس ص 304، وأورده السيوطي في الدر المنثور 1/ 438 بنصه، وعزاه إلى ابن المنذر والبيهقي في سننه.

    (3) ورد في تفسير مقاتل 1/ 218 ب، والطبري 143/ 15، وهود الهواري 2/ 437، والطوسي 6/ 512.

    (4) ورد نحوه في تفسير الطبري 15/ 143، والثعلبي 7/ 117 أ، انظر: تفسير الفخر الرازي 21/ 31، والخازن 3/ 175.

    (5) انظر: تفسير مجاهد 1/ 369، وتفسير مقاتل 1/ 218 ب، وعبد الرزاق 2/ 386، والطبري 8/ 131 - 132، وهود الهواري 2/ 437، والثعلبي 7/ 117 أ، والماوردي 3/ 265، والطوسي 6/ 512، وأورده السيوطي في = لأمتي" (1)، رواه أبو هريرة.

    قال ابن عباس: عسى من الله واجب، يريد أعطاك الله يوم القيامة مقامًا محمودًا يحمدك فيه الأولون والآخرون، تَشْرُف فيه على جميع الخلائق، وتَسأل فتُعطى وتَشفع فتُشَفَّع، ليس أحدٌ إلا تحت لوائك (2)

    وروي عن مجاهد في تفسير قوله: {يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسه معه على العرش (3).

    وروي عن ابن مسعود أنه قال في هذه الآية: يقعده على العرش (4)، = الدر المنثور 4/ 356 - 359 بعدة روايات عن: ابن عمر وأبي هريرة وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وكعب بن مالك وحذيفة وابن مسعود وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وسلمان -رضي الله عنهم-.

    (1) أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 323 بمعناه، وأحمد 2/ 441، 528 بنصه، والترمذي (3137) كتاب: التفسير، باب: ومنه سورة بني إسرائيل. بمعناه وحسنه، والطبري 15/ 146 بنصه، والبيهقي في الدلائل 5/ 484 - بمعناه، وورد في معاني القرآن للنحاس 4/ 185، بنصه، أورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 356 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه. والحديث ضعيف - كما قال شاكر في شرح المسند 9/ 204 - لضعف داود الأَوْديّ الذي روى الحديث عن أبيه عن أبي هريرة، وقد ضعفه كثير من العلماء، انظر: ترجمته في ميزان الاعتدال 2/ 211، وتهذيب التهذيب 1/ 572.

    (2) ورد في تفسيره الوسيط تحقيق سيسي 2/ 534، انظر: تفسير الزمخشري 2/ 372، وتنوير المقباس ص 304.

    (3) أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 308، بنحوه، والطبري 15/ 145 بنصه، وورد في تفسير الثعلبي 7/ 118 أبنصه، والماوردي 3/ 265، بنحوه، وانظر: تفسير البغوي 5/ 121، وابن الجوزي 5/ 76، والعلو للذهبي ص 94.

    (4) ورد في تفسير الثعلبي 7/ 118 أبنصه، انظر: تفسير ابن الجوزي 5/ 76, والعلو للذهبي ص 75.

    وهذا تفسير فاسد وقول رذل، وقول مجاهد: معه، قولٌ موحش فظيع، ونص الكتاب ينادي بفساد هذا التفسير؛ وهو قوله: {يَبْعَثُكُمْ} والبعث لا يكون بمعنى الإجلاس، ومن فَسَّر البعث بالإجلاس فقد فَسَّره بضد ما وُضع له؛ لأن البعث وضع للإثارة؛ يقال: بعثت المبارك والقاعد فانبعث، هذا هو الأصل، ثم يقال: بعث الله الميت، وبعث بمعنى أرسل راجع إلى هذا، لأنه يقيمه إلى ما يرسله إليه وله، ولأن الله تعالى قال: {مَقَامًا مَحْمُودًا} ولم قل: مقعدًا، والمقام موضع القيام، يدل على هذا قوله: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: 97]، وهو موضع قدميه في حال قيامه، وقول الشاعر:

    هذا مقام قدمي رباح (1)

    وإذا فسد هذا الفساد الظاهر لم يُعتد به (2). (1) سبق.

    (2) لقد أجاد الواحدي -رحمه الله - في رد هذا القول، لكن الغريب أن الطبري -مع ترجيحه لقول الجمهور - لم يستنكر هذا القول، بل قال: إن ما قاله مجاهد قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك. تفسير الطبري 15/ 147، ومعلوم أن عدم ورود الخبر عن المعصوم بذلك يكفي لإبطال هذا القول لا العكس، ولأن هذا الخبر غيبي عقدي فلا يثبت إلا بالخبر الصحيح ولا يجدي النظر في إثبات هذه القضية، لذلك لا محيد عن قول الجمهور في هذه القضية، وهو الذي أيّدته الأخبار الصحيحة، وكذلك الأخبار التي اعتمد عليها الطبري في تسويغ الجلوس لا تثبت؛ فقد ردها علماء الحديث، وفي مقدمتهم الذهبي، فقد أورده في العلو ص 75 من طريقين عن أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن ابن مسعود بنحوه، ثم قال: هذا حديث منكر لا يفرح به، وسلمة هذا متروك الحديث، وأشعث لم يلحق ابن مسعود، وذكر الذهبي للأثر شاهدًا بنحوه عن عبد الله بن سلام موقوفًا عيه، وقال: هذا كوقوف ولا = وفي القول الذي عليه الناس معنى قوله: {يَبْعَثَكَ} يقيمك في ذلك = يثبت إسناده، وإنما هذا شيء قاله مجاهد. كما أن له شاهدًا آخر من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في الكبير 12/ 61 - بنحوه، من طريق ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن ابن جبير عن ابن عباس، وأورده الهيثمي في المجمع 7/ 51 وقال: وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف إذا لم يتابع، وعطاء بن دينار قيل لم يسمع من سعيد بن جبير.

    أما أثر مجاهد فقد أورده الذهبي في العلو ص 94 وقال: لهذا القول طرق خمسة، وأخرجه ابن جرير في تفسيره، وعمل فيه المروزي مصنفًا. وفي سند الطبري ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف مختلط - كما في ميزان الاعتدال 3/ 420، وهذا الأثر مما أُنكر على مجاهد حتى قُرن في ترجمته، قال الذهبي في ترجمة مجاهد في ميزان الاعتدال 4/ 359: ومن أَنْكَر ما جاء عن مجاهد في التفسير في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يُجلسه معه على العرش. وقال ابن عبد البر: مجاهد وإن كان أحد الأئمة بالتأويل، فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم؛ أحدهما هذا القول، والثاني في تأويل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] قال: معاه تنتظر الثواب. انظر: تفسير القرطبي 10/ 311، وأبي حيان 6/ 72، والشوكاني 3/ 360.

    فالحديث باطل لا يثبت لا من جهة الخبر ولا النظر، والأغرب من قول الطبري تشبث بعض المحدثين بهذا الخبر والمبالغة في قبوله إلى حد الغلو، فقد ذكر الذهبي في العلو ص 100 - 101 - 117 - 118 أن بعض المحدثين قال: لو أن حالفًا حلف بالطلاق ثلاثًا أن الله يقعد محمدًا -صلى الله عليه وسلم - على العرش واستفتاني، لقلت له: صدقت وبررت! وعقب الذهبي قائلاً: فابصر -حفظك الله من الهوى - كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ..، وذكر النقاشر عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكرَ هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا. انظر: تفسير ابن عطية 9/ 171، والقرطبي 10/ 311، وأبي حيان 6/ 72، وتفسير الماوردي 3/ 265 حاشية رقم (449)، وسلسلة الأحاديث الضعيفة رقم (865) 2/ 255.

    المقام، يدل على هذا ما رُوي في حديث الشفاعة: .. فأكون أول من يدعى وأول من ينادى فأقول: لبيك وسعديك .. الحديث (1).

    وانتصب قوله: {مَقَامًا} على الظرف؛ كأنه قيل في مقام.

    وقوله تعالى: {مَحْمُودًا} يجوز أن يكون انتصابه على الحال مِنْ {يَبْعَثَكَ}، أي: يبعثك محمودًا يحمدك فيه الخلق، وبجوز أن يكون نعتًا في اللفظ، وهو في المعنى لمحمد -صلى الله عليه وسلم-، تقديره: مقامًا محمودًا فيه أنت، ويدل على هذا الوجه ما رُوي في الحديث: وابعثه المقام المحمود حتى يغبطه به الأولون والآخرون (2)، والمعنى: ابعثه المقام المحمود فيه هو. (1) أحاديث الشفاعة كثيرة وبعدة روايات في الصحيحين وغيرهما، لكني لم أقف على حديث بهذا اللفظ، وأقرب لفظ وجدته حديثان؛ أحدهما: موصول، والآخر: مرسل، أما الحديث الموصول، فعن حذيفة -رضي الله عنه - قال: (يُجْمَعُ الناس في صعيد، فلا تكلم نفسٌ، فأول من يتكلم محمد -صلى الله عليه وسلم - فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك .. قال حذيفة: فذلك المقام المحمود) أخرجه عبد الرزاق 2/ 387، وابن أبي شيبة 6/ 323، 7/ 153، والنسائي في تفسيره 1/ 660، والبزار [البحر الزخار] 7/ 329، والطبري 15/ 144، والحاكم: التفسير/ الإسراء 2/ 363 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ووإفقه الذهبي، وأبو نعيم في الحلية 1/ 278، وأورده الهيثمي في المجمع 10/ 377 وقال: رواه البزار موقوفًا ورجاله رجال الصحيح، أورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 357 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث والخطيب في المتفق والمفترق. أما الحديث المرسل؛ فأخرجه عبد الرزاق 2/ 387، عن معمر عن الزهري عن علي بن الحسين، أن النبي قال: (إذا كان يوم القيامة مدّ الله الأرض مد الأديم .. قال النبي -صلى الله عليه وسلم - فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها ..) الحديث.

    (2) لم أجد حديثًا بهذا اللفظ، وأقرب لفظ لهذا الحديث ما ورد في فضل الدعاء عند النداء، وروايته: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمع = 80 - قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} الآية. روى قابوس (1) عن أبيه عن ابن عباس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بمكة، ثم أُمر (2) بالهجرهَ، وأُنزل عليه هذه الآية (3)، فعلى هذا يريد {أَدْخِلْنِي}: المدينهَ واصرفني من مكة، وهذا قول الحسن وقتادة (4).

    وقال الكلبي: هذا حين خرج من المدينة يريد الشام لقول اليهود، = النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة" أخرجه أحمد 3/ 354، والبخاري (614): الأذان، الدعاء عند النداء، والنسائي: الأذان، الدعاء عند الأذان 2/ 27، سنن البيهقي: الصلاة، ما يقول إذا فرغ من ذلك 1/ 410.

    (1) قابوس بن أبي ظِبْيان بالكسر والفتح، وأبو ظبيان والده هو حُصين بن جُنْدب الجَنْبي الكوفي، ضعيف الحديث، قال أبو حاتم: لين يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ؛ ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، وربما رفع المراسيل وأسند الموقوف، روى عنه الثوري وجرير، مات سنة (129 هـ).

    انظر: المجروحين لابن حبان 2/ 215، والجرح والتعديل 7/ 145، والكاشف 2/ 126، وميزان الاعتدال 4/ 287، وتقريب التهذيب (449).

    (2) في (د): (أمرنا).

    (3) أخرجه الترمذي (3139): التفسير، الإسراء 5/ 304 وقال: حديث حسن صحيح، والطبري 15/ 148 - 149 بنصه (طريق ضعيفة لضعف قابوس)، وورد عند الثعلبي 7/ 118 ب بمعناه، والطوسي 6/ 512 بمعناه، وأورده المصنف في أسباب النزول ص 298 بلا سند عن الحسن، وورد في لباب النقول ص 139.

    (4) أخرجه عبد الرزاق 2/ 389، بنحوه عن قتادة، والطبري 15/ 149، بنحوه عنهما، وورد بنحوه في معاني القرآن للنحاس 4/ 185، عنهما، وتفسير السمرقندي 2/ 281، عن الحسن، والثعلبي 7/ 118 ب، عنهما، والماوردي 3/ 266، عن قتادة، والطوسي 6/ 512، بنحوه عنهما.

    وقد ذكرنا القصة (1)، فقال الله له: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} يعنى المدينة، {وَأَخْرِجْنِي}: (منها إلى مكة) (2)، {مُخْرَجَ صِدْقٍ}، أي: افتحها، واختار الفراء هذا القول (3).

    وقال مجاهد: أدخلني في أمرك الذي أرسلتني به من النبوة مُدْخل صدق، وأخرجني منه مُخْرج صدق (4)، ومُدخل بضم الميم مصدر الإدخال؛ يقال: أدخلته مُدخلاً، كما قال: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا} [المؤمنون: 29]، ومعنى إضافة المدخل والمخرج إلى الصدق: مزجهما؛ كأنه سأل الله تعالى إدخالًا حسنًا لا يرى فيه ما يكره، وكذلك الإخراج.

    قال الليث: يقال: هذا رجل صدق، مضافٌ، بكسر الصاد، معناه: نِعْم الرجل هو، وامرأة صدق؛ كذلك (5).

    وذكرنا فيما تقدم أن موضوع (ص د ق) للصحة والكمال، فكأنه سأل الله أن يخرجه من مكة إخراجًا لا يلتفت إليها قلبُه، ويدخله المدينة إدخالًا يطمئن فيها قلبُه، ولذلك كان يدعو فيقول: اللهم حبب إلينا المدينة كلما حببت إلينا مكة (6)، وكل شيء أضفت إلى الصدق، فقد مدحته وجودته. (1) عند آية [76].

    (2) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).

    (3) معاني القرآن للفراء 2/ 129، وهو ما رجحه الطبري 15/ 150 وأيّده بالسياق.

    (4) تفسير مجاهد ص 441، بنحوه، أخرجه الطبري 15/ 149، بنحوه من طريقين، وورد في معاني القرآن للنحاس 4/ 186 بمعناه، وتفسير السمرقندي 2/ 281، بنحوه، والثعلبي 7/ 118 ب، بنصه، والماوردي 3/ 266، بنحوه.

    (5) ورد في تهذيب اللغة (صدق) 2/ 1990، بنصه.

    (6) أخرجه أحمد 6/ 56، والبخاري (1889): فضائل المدينة، كراهية النبي -صلى الله عليه وسلم - أن تُعْرَى المدينة، ومسلم (1376): الحج، الترغيب في سكنى المدينة واللفظ له, = وقوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} قال ابن عباس ومجاهد: أي حُجَّة بينة تنصرني بها على جميع من خالفني (1).

    وقال الحسن وقتادة: ملكًا قويًا تنصرني به على من ناوأني، وعزًا ظاهرًا أقيم به دينك (2)، وهذا معنى قول الحسن: اجعلني أقيم الحدود (3), وعلى هذا القول: سأل الله تعالى سلطان القدرة، وعلى القول الأول: سأل الحجة. وقد جمع بينهما أبو إسحاق فقال: أي اجعل نصرتي من عندك تسليطي بالقدرة والحجة.

    وقد أجاب الله دعاءه وأعلمه أنه يعصمه من الناس فقال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]، وقال: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]، وقال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (4) [الصف: 9]، وذهب = والبيهقي: الجنائز، قول العائد للمريض: كيف نجدك 3/ 382، والبيهقي في الدلائل 2/ 566، والبغوي في شرح السنة 7/ 317، وكلهم عن عائشة، وكلهم -إلا مسلم - بلفظ: اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة .. .

    (1) تفسير مجاهد 1/ 368 مختصرًا، وأخرجه الطبري 15/ 151 مختصرًا عن مجاهد من طريقين، وورد مختصرًا عن مجاهد في معاني القرآن للنحاس 4/ 186، عن مجاهد، وتفسير هود الهواري 2/ 438، والثعلبي 7/ 118 ب، والماوردي 3/ 267،والطوسي 6/ 512

    (2) أخرجه الطبري 15/ 151 بمعناه عنهما، وورد في معاني القرآن للنحاس 4/ 186 بمعناه عن الحسن، وتفسير الثعلبي 7/ 118 ب بنصه عن الحسن, والماوردي 3/ 267 بمعناه عن قتادة، والطوسي 6/ 512 بمعناه عنهما، انظر: تفسير البغوي 5/ 122 بنصه عن الحسن.

    (3) ورد في تفسر الماوردي 3/ 267 بمعناه، انظر: تفسير أبي حيان 6/ 73, وفييما تقيد إقامة الحدود على المنافقين، وفيه نظر!

    (4) معاني القرآن وإعرابه 3/ 257، بنصه.

    الكلبي أيضًا إلى سلطان القدرة، فَفسَّر السلطان النصير هاهنا بِعَتَّاب بن أَسيد حين استعمله نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم - على أهل مكة، فاشتد عليهم وقال: لا يبلغني من محتلم ترك الصلاة إلا ضربت عنقه (1).

    {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].

    81 - قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} قال المفسرون في شى {وَزَهَقَ}: بطل واضمحل (2)، وأصله من قولهم: زَهَقَتْ نَفْسُه تَزْهَقُ زُهُوقًا، وأزهقتها أنا، أي: أهلكتها (3)، فكأن معنى: {وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}: خرج إلى الهلاك، قال الليث: وكل شيء هلك وبطل فقد زهق (4).

    واختلفوا في معنى الحق والباطل هاهنا؛ فقال السدي: الحق: الإسلام، والباطل: الشرك (5).

    وقال قتادة: الحق: القرآن، والباطل: الشيطان (6). (1) أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير 4/ 339 مختصرًا من طريق الكلبي عن ابن عباس، ورد في تفسير الثعلبي 7/ 118 ب، بنحوه، انظر: تفسير الزمخشري 2/ 372، وتفسير مبهمات القرآن للبلنسي 2/ 133، والإصابة 2/ 451.

    (2) ورد في تهذيب اللغة (زهق) 2/ 1571 بنصه، وتفسير هود الهواري 2/ 438 - بمعناه، والطوسي 6/ 512، بنحوه.

    (3) انظر (زهق) في المحيط في اللغة 3/ 338، والصحاح 4/ 1493، ومجمل اللغة 1/ 443، واللسان 3/ 1879.

    (4) ورد في تهذيب اللغة (زهق) 2/ 1571، بنصه.

    (5) ورد في تفسير الثعلبي 7/ 119 أبنصه، انظر: تفسير البغوي 5/ 122، بنصه.

    (6) أخرجه عبد الرزاق 2/ 389، بنصه، والطبري 15/ 152 بنصه، وورد بنصه في معاني القرآن للنحاس 4/ 186، والثعلبي 7/ 119 أ، والماوردي 3/ 267، وأورده السيوطي في الدر 4/ 360 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

    وقال ابن جريج: الحق: الجهاد والقتال، والباطل: الشرك وما هم فيه (1).

    قال ابن عباس (2): أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم - إذا دخل مكة أن يقف على الأصنام التي كانوا يعبدونها ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}.

    وروي عن ابن مسعود أنه دخل مكة يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون نُصُبًا، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}، فجعل الصنم ينكب لوجهه (3).

    وقوله تعالى: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} قال ابن عباس: يريد كل ما كان من الشيطان كان خارجًا من الحق (4).

    82 - قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (من) هاهنا ليست للتبعيض بل هو للجنس، [كقوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30]، والمعنى: {وَنُنَزِّلُ}: من هذا الجنس] (5) الذي (1) أخرجه الطبري 15/ 152 بنصه، وورد في تفسير الثعلبي 7/ 119 أمقتصرًا على معنى الحق بنصه، والماوردي 3/ 267، بنصه.

    (2) في (أ)، (د)، (ش): (قال الله تعالى)، والصواب المثبت من (ع)

    (3) أخرجه بنحوه: عبد الرزاق 2/ 388، وابن أبي شيبة 7/ 403، عن جابر؛ والبخاري (4720) كتاب: التفسير، باب: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ}، ومسلم (1781) كتاب: الجهاد، باب: إزالة الأصنام من حول الكعبة، والترمذي (3138): التفسير، الإسراء، والنسائي في تفسيره 1/ 665، والطبري 15/ 152, والبغوي 3/ 133، وورد بنصه تقريبًا في تفسير السمرقندي 2/ 281, والثعلبي 7/ 119 أ، والطوسي 6/ 512، وأورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 360 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه.

    (4) ورد في تفسيره الوسيط تحقيق سيسي 2/ 537، بنصه.

    (5) ما بين معقوفين ساقط من (أ)، (د).

    هو قرآن، {مَا هُوَ شِفَاءٌ}، فجميع القرآن شفاء للمؤمنين، قال قتادة: إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه (1)، فعلى هذا، معنى كونه شفاءً: أنه (2) ببيانه يزيل عمى الجهل وحَيْرَة الشك، يُستشفى به من الشبهة، ويهتدى به من الحيرة، فهو شفاء من داء الجهل.

    وقال ابن عباس: يريد شفاءً من كل داء (3)، وعلى هذا، معناه: أنه يُتَبَرَّك به؛ فيدفع الله به كثيرًا من المكاره والمضار، ويؤكد هذا الوجه ما روي أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم - قال: من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله (4).

    وقوله تعالى: {وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} قال ابن عباس: يريد ثوابًا من الله لا انقطاع له (5)، يعني: في تلاوته، يرحمهم الله بها ويثيبهم عليها. (1) أخرجه الطبري 15/ 153 بنصه، وورد في تفسير الثعلبي 9/ 117 أبنصه، انظر: تفسير ابن كثير 3/ 66، وأورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 360 وزاد نسبته إلى عبد الرزاق -لم أجده - وابن المنذر وابن أبي حاتم.

    (2) ساقطة من (ع).

    (3) ورد في تفسيره الوسيط تحقيق سيسي 2/ 537، وورد بلا نسبة في تفسير الثعلبي 7/ 119 أ.

    (4) وورد في تفسير الثعلبي 9/ 117 أب نصه عن رجاء الغنوي، والزمخشري 2/ 373، والفخر الرازي 21/ 34، وأسد الغابة 2/ 271 في ترجمة رجاء، وورد في تفسير القرطبي 10/ 315، وكنز العمال 10/ 9 وعزاه إلى الدارقطني في الأفراد، وقد أشار إلى ضعف الحديث الذهبي -فيما نقله المناوي عنه في الفيض 1/ 491 في تاريخ الصحابة - فقال في ترجمة رجاء: هذا له صحبة، نزل البصرة، وله حديث لا يصح في فضل القرآن. أما الشوكاني فقد ذكره في الموضوعات [الفوائد المجموعة] ص 296 وقال: هو موضوع، وقال الألباني: ضعيف جدًا. سلسلة الأحاديث الضعيفة (152) (1/ 283)

    (5) ورد في تفسير الوسيط تحقيق سيسي 2/ 537 قوله تعالى: {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} يعني لا يزيد ما هو شفاء للمؤمنين إلا خسارًا للظالمين، والفعل الذي هو (يزيد) مسند إلى ما في قوله: {مَا هُوَ شِفَاءٌ}، المراد بـ {الظَّالِمِينَ}: المشركين، قاله ابن عباس.

    قال قتادة: لأنه لا يحفظه ولا ينتفع به ولا ينتفعون بمواعظه (1)، فالقرآن سبب لهداية المؤمنين وزيادة لخسار الكافرين.

    83 - قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ} قال ابن عباس: يريد الوليد بن المغيرة (2)، {أَعْرَضَ}، معنى أعرض في اللغة: وَلَّى عَرْضَه، أي ناحيته (3)، والمعنى: أنه لا يُقْبِل على الدعاء والابتهال على حسب ما يُقْبل في حال البلوى والمحنة (4).

    {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} قال مجاهد وابن عباس: تباعد (5). (1) أخرجه الطبري 15/ 153، بنحوه، انظر: تفسير ابن كثير 3/ 67، وأورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 360 وزاد نسبته إلى عبد الرزاق -لم أجده - وابن المنذر وابن أبي حاتم.

    (2) ورد في تفسيره الوسيط تحقيق سيسي 2/ 538، وانظر: تفسير ابن الجوزي 5/ 80، والفخر الرازي 21/ 35، والآية عامة في كل من اتصف بما فيها، وذكر الوليد من قبيل التفسير بالمثال.

    (3) انظر عرض في المحيط في اللغة 1/ 306، والصحاح 3/ 1084، واللسان 5/ 2889.

    (4) ورد في الحجة للقراء 5/ 116، بنصه تقريبًا.

    (5) تفسير مجاهد 1/ 368 بلفظه، وأخرجه الطبري 15/ 153 بلفظه عن مجاهد من طريقين، وورد بلفظه عن مجاهد في معاني القرآن للنحاس 4/ 187، وتفسير هود الهواري 2/ 438، والطوسي 6/ 514، وأورده المسيوطى في الدر المنثور 4/ 361 وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.

    وروى شِبْل عن مجاهد: بَعُدَ مِنّا (1)، وقال عطاء: تَعَظَّم وتَكَبَّر (2).

    وقال أهل المعاني: بَعَّد نفسه عن القيام بحقوق نعم الله -عز وجل - (3)، ومعني. النَّأْي في اللغة: البُعْد، ونَأَى الشيءَ إذا بَعّده (4)، وذكرنا الكلام في النَّأْي عند قوله: {وَيَنْئَوْنَ عَنهُ} [الأنعام:26], ومعنى {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} كمعنى أعرض، وفيه زيادة معنى البعد، وفي قوله: {وَنَأَى} وجوه من القراءة؛ أحدها: وهو قراءة العامة (نَئَا) بفتحتين (5)، وقرأ ابن عامر (نآء) مثل بَاعَ (6)، وهذا على القلب، وتقديره: فلعَ (7)، ومثل هذا في القلب: رأى وراءَ، قال كثير:

    وكلُّ خليلٍ راءني فهو قائلٌ ... مِن أجلِكِ هذا هامَةُ اليومِ أو غَدِ (8) (9) (1) انظر: تفسير ابن كثير 3/ 67.

    (2) ورد في تفسير الثعلبي 7/ 119 أ، بنصه، انظر: تفسير البغوي 5/ 123، وتفسير ابن الجوزي 5/ 80 بلا نسبة.

    (3) ورد في تفسير الطوسي 6/ 514، بنصه، انظر: تفسير القرطبي 10/ 321.

    (4) انظر: تهذيب اللغة (ناء) 4/ 3472، والمحيط في اللغة (نأى) 10/ 419، واللسان (نأي) 7/ 4314.

    (5) قرأ بها: ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص وغيرهم. انظر: السبعة ص 384، وعلل القراءات 1/ 327، وإعراب القراءات السبع وعللها 1/ 382، والحجة للقراء 5/ 115، والمبسوط في القراءات ص 230.

    (6) انظر المصادر السابقة.

    (7) أي مقلوب الميزان فعل: فلع.

    (8) ديوانه ص 133، وورد في الكتاب 3/ 467، والكامل 2/ 806، والحلبيات ص 47، وأمالي ابن الشجري 2/ 202، واللسان (هوم) 8/ 4723، (رأى) 3/ 1545، (هامةُ اليوم أو غد): كناية عن اقتراب المريض من أجله؛ أي سيموت أليوم أو غدًا،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1