Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

البداية والنهاية ط إحياء التراث
البداية والنهاية ط إحياء التراث
البداية والنهاية ط إحياء التراث
Ebook1,031 pages5 hours

البداية والنهاية ط إحياء التراث

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هو عمل موسوعي تاريخي ضخم، ألّفه الحافظ ابن كثير إسماعيل بن عمر الدمشقي المتوفى سنة 774هـ. وهو عرض للتاريخ من بدء الخلق إلى نهايته يبدأ ببداية خلق السماوات والأرض[؟] والملائكة إلى خلق آدم، ثم يتطرق إلى قصص الأنبياء مختصرًا ثم التفصيل في الأحداث التاريخيّة منذ مبعث النبي محمد حتى سنة 768 هـ بطريقة التبويب على السنوات. وتبدأ السنة بقوله "ثم دخلت سنة.." ثم يسرد الأحداث التاريخيّة فيها ثم يذكر أبرز من توفوا في هذه السنة. أما جزء النهاية ففيه علامات الساعة لغاية يوم الحساب بالتفصيل. قال ابن كثير عن كتابه : «" فهذا الكتاب أذكر فيه بعون الله وحسن توفيقه ما يسره الله تعالى بحوله وقوته من ذكر مبدأ المخلوقات: من خلق العرش والكرسي والسماوات، والأرضين ...، وقصص النبيين ... ، حتى تنتهي النبوة إلى أيام نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه ...... ثم نذكر ما بعد ذلك إلى زماننا، ونذكر الفتن والملاحم وأشراط الساعة. ثم البعث والنشور وأهوال القيامة.... وما ورد في ذلك من الكتاب والسنة والآثار والأخبار المنقولة المعقولة عند العلماء وورثة الأنبياء..."» فكان الكتاب بحق المرآة الصادقة، والمرجع الأصيل لأهل هذا الفن.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateFeb 12, 1902
ISBN9786439211941
البداية والنهاية ط إحياء التراث

Read more from ابن كثير

Related to البداية والنهاية ط إحياء التراث

Related ebooks

Related categories

Reviews for البداية والنهاية ط إحياء التراث

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    البداية والنهاية ط إحياء التراث - ابن كثير

    الغلاف

    البداية والنهاية ط إحياء التراث

    الجزء 18

    ابن كثير

    774

    ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

    مِنَ الْأَعْيَانِ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمُ، الْكُوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْكِسَائِيِّ لِإِحْرَامِهِ فِي كِسَاءٍ، وَقِيلَ لِاشْتِغَالِهِ على حمزة الزيات في كساء، كان نحوياً لغوياً أَحَدُ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ، أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ ثُمَّ اسْتَوْطَنَ بَغْدَادَ، فَأَدَّبَ الرَّشِيدَ وَوَلَدَهُ الْأَمِينَ، وَقَدْ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ قِرَاءَتَهُ، وَكَانَ يُقْرِئُ بِهَا، ثُمَّ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ قِرَاءَةً وكان يقرأ بها.

    وقد رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفراء وأبو عبيد.

    قال الشافعي: من أراد النحو فهو عيال على الكسائي.

    أخذ الكسائي عن الخليل صناعة النحو فسأله يوماً: عن من أخذت هذا العلم؟ قَالَ: مِنْ بَوَادِي الْحِجَازِ.

    فَرَحَلَ الْكِسَائِيُّ إِلَى هُنَاكَ فَكَتَبَ عَنِ الْعَرَبِ شَيْئًا كَثِيرًا، ثُمَّ عاد إِلَى الْخَلِيلِ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ وَتَصَدَّرَ فِي مَوْضِعِهِ يُونُسُ، فَجَرَتْ بَيْنَهُمَا مُنَاظَرَاتٌ أَقَرَّ له فيها يونس بالفضل، وَأَجْلَسَهُ فِي مَوْضِعِهِ.

    قَالَ الْكِسَائِيُّ: صَلَّيْتُ يَوْمًا بِالرَّشِيدِ فَأَعْجَبَتْنِي قِرَاءَتِي، فَغَلِطْتُ غَلْطَةً مَا غَلِطَهَا صبي، أردت

    أن أقول لعلهم يرجعون، فقلت لعلهم ترجعين، فما تجاسر الرشيد أن يردها.

    فما سَلَّمْتُ قَالَ: أَيُّ لُغَةٍ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: إنَّ الْجَوَادَ قَدْ يَعْثُرُ.

    فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ.

    وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقِيتُ الْكِسَائِيَّ فَإِذَا هُوَ مَهْمُومٌ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ يَحْيَى بْنَ خالد قد وجه إلي ليسألني عن أشياء فأخشى من الخطأ، فقلت: قُلْ مَا شِئْتَ فَأَنْتَ الْكِسَائِيُّ، فَقَالَ: قَطْعُهُ اللَّهُ - يَعْنِي لِسَانَهُ - إِنْ قُلْتُ مَا لَمْ أعلم.

    وقال الكسائي يوماً قلت لنجار: بكم هذان البابان؟ فقال: بسالجيان يَا مَصْفَعَانِ.

    تُوُفِّيَ الْكِسَائِيُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، عَنْ سَبْعِينَ سَنَةً.

    وَكَانَ فِي صُحْبَةِ الرَّشِيدِ بِبِلَادِ الرَّيِّ فمات بنواحيها هو ومحمد بن الحسن في يوم واحد، وكان الرَّشِيدُ يَقُولُ: دَفَنْتُ الْفِقْهَ وَالْعَرَبِيَّةَ بِالرَّيِّ.

    قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: وَقِيلَ إِنَّ الْكِسَائِيَّ تُوُفِّيَ بِطُوسَ سنة ثنتين وثمانين ومائة، وَقَدْ رَأَى بَعْضُهُمُ الْكِسَائِيَّ فِي الْمَنَامِ وَوَجْهُهُ كالبدر فَقَالَ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِالْقُرْآنِ.

    فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ حَمْزَةُ؟ قَالَ: ذَاكَ فِي عِلِّيِّينَ، مَا نَرَاهُ إلا كما نرى الكوكب.

    وفيها توفي

    : محمد بن الحسن بن زفر أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ مَوْلَاهُمْ، صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ.

    أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةٍ (1) مِنْ قُرَى دِمَشْقَ، قَدِمَ أَبُوهُ الْعِرَاقَ فَوُلِدَ بِوَاسِطَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَنَشَأَ بِالْكُوفَةِ فَسَمِعَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِسْعَرٍ وَالثَّوْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ ذَرٍّ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، وَكَتَبَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ، وَسَكَنَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا، وَكَتَبَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ حِينَ قَدِمَهَا فِي سَنَةِ أربع وثمانين ومائة، وولاه الرشيد قضاء الرقة ثم عزله.

    وَكَانَ يَقُولُ لِأَهْلِهِ: لَا تَسْأَلُونِي حَاجَةً مِنْ حَاجَاتِ الدُّنْيَا فَتَشْغَلُوا قَلْبِي.

    وَخُذُوا مَا شِئْتُمْ من مالي فَإِنَّهُ أَقَلُّ لِهَمِّي وَأَفْرَغُ لِقَلْبِي.

    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْتُ حَبْرًا سَمِينًا مِثْلَهُ، وَلَا رَأَيْتُ أَخَفَّ رُوحًا مِنْهُ، وَلَا أَفْصَحَ مِنْهُ.

    كُنْتُ إذا سمعته يقرأ القرآن كأنما ينزل القرآن بلغته.

    وقال أيضاً: ما رأيت أعقل منه، كَانَ يَمْلَأُ الْعَيْنَ وَالْقَلْبَ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ طَلَبَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ كِتَابَ السِّيَرِ فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى الْإِعَارَةِ فَكَتَبَ إليه: قل للذي لم ترَ عيناي مِثْلَهُ * حَتَّى كَأَنَّ مَنْ رَآهُ قَدْ رَأَى مَنْ قَبْلَهْ

    الْعِلْمُ يَنْهَى أَهْلَهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ أهله * لعله ببذله لِأَهْلِهِ لَعَلَّهْ قَالَ: فَوَجَّهَ بِهِ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ هَدِيَّةً لَا عَارِيَّةً.

    وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: قيل لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ الدِّقَاقُ مِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟ قَالَ: مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بن الحسن رحمه الله.

    وقد تقدم أنه مات هو وَالْكِسَائِيِّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.

    فَقَالَ الرَّشِيدُ: دَفَنْتُ الْيَوْمَ اللُّغَةَ وَالْفِقْهَ جَمِيعًا.

    وكان عمره ثمانية وخمسين سنة.

    ثم دخلت سنة تسعين ومائة من الهجرة فِيهَا خَلَعَ رَافِعُ بْنُ لَيْثِ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ نَائِبُ سَمَرْقَنْدَ الطَّاعَةَ وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ (2) ، وَتَابَعَهُ أَهْلُ بَلَدِهِ وَطَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، فَسَارَ إِلَيْهِ نَائِبُ خراسان على بن عيسى فهزمه

    (1) وهي حرستا على باب دمشق في وسط الغوطة (2) قال في الاخبار الطوال ص 391: وكان سبب خروجه أن علي بن عيسى بن ماهان لما ولي خراسان أساء السيرة.

    وتحامل على من كان بها من العرب.

    وأظهر الجور وانظر الطبري 10 / 98 وابن الاثير 6 / 195.

    (*) رافع وتفاقم الأمر به.

    وفيها سار الرَّشِيدُ لِغَزْوِ بِلَادِ الرُّومِ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَقَدْ لَبِسَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةً فَقَالَ فيها أبو المعلا الْكِلَابِيُّ: فَمَنْ يَطْلُبْ لِقَاءَكَ أَوْ يُرِدْهُ * فَبِالْحَرَمَيْنِ أو أقصى الثغور ففي أرض العدو على طمر * وفي أرض الترفه فَوْقَ كُورِ وَمَا حَازَ الثُّغُورَ سِوَاكَ خَلْقٌ * من المتخلفين على الأمور فسار حتى وصل إلى الطوانة فعسكر بها وبعث إِلَيْهِ نَقْفُورُ بِالطَّاعَةِ وَحَمَلَ الْخَرَاجَ وَالْجِزْيَةَ حَتَّى عن رأس ولده ورأسه، وأهل مملكته، في كل سنة خمسة عشر أَلْفَ دِينَارٍ، وَبَعَثَ يَطْلُبُ مِنَ الرَّشِيدِ جَارِيَةً قد أسروها وكانت ابْنَةَ مَلِكِ هِرَقْلَةَ (1)، وَكَانَ قَدْ خَطَبَهَا عَلَى وَلَدِهِ، فَبَعَثَ بِهَا الرَّشِيدُ مَعَ هَدَايَا وَتُحَفٍ وطيب بعث يطلبه من الرشيد، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ الرَّشِيدُ أَنْ يَحْمِلَ فِي كُلِّ سنة ثلثمائة أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَنْ لَا يُعَمِّرَ هِرَقْلَةَ.

    ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّشِيدُ رَاجِعًا وَاسْتَنَابَ عَلَى الْغَزْوِ عَقَبَةَ بن جعفر ونقض أهل قبرص الْعَهْدَ

    فَغَزَاهُمْ مَعْيُوفُ بْنُ يَحْيَى، فَسَبَى أَهْلَهَا وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا.

    وَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ الرَّشِيدُ مَنْ قَتَلَهُ.

    وحج بالناس فيها عيسى بن موسى الهادي.

    مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ أَسَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ أَبُو الْمُنْذِرِ الْبَجَلِيُّ الكوفي صاحب أبي حنيفة، حكم ببغداد وبواسط، فلما انكف بصره عزل نفسه عن القضاء.

    قال أحمد بن حنبل: كَانَ صَدُوقًا.

    وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ علي بن المديني والبخاري.

    وسعدون الْمَجْنُونُ صَامَ سِتِّينَ سَنَةً فَخَفَّ دِمَاغُهُ فَسَمَّاهُ الناس مجنوناً، وَقَفَ يَوْمًا عَلَى حَلْقَةِ ذِي النُّونِ الْمِصْرِيِّ فَسَمِعَ كَلَامَهُ فَصَرَخَ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: وَلَا خَيْرَ فِي شَكْوَى إِلَى غَيْرِ مُشْتَكَى * وَلَا بُدَّ مِنْ شَكْوَى إِذَا لَمْ يَكُنْ صَبْرُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رأس شيخ سكران يذب عنه، فقلت له: مَا لِي أَرَاكَ عِنْدَ رَأْسِ هَذَا الشَّيْخِ؟ فقال: إنه مجنون.

    فقلت: أنت مجنون أَوْ هُوَ؟ قَالَ: لَا بَلْ هُوَ، لِأَنِّي صليت الظهر والعصر في جَمَاعَةً وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ جَمَاعَةً وَلَا فُرَادَى.

    وهو مع هذا قد شرب الخمر وأنا لم أشربها.

    قُلْتُ: فَهَلْ قُلْتَ فِي هَذَا شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: تَرَكْتُ النَّبِيذَ لِأَهْلِ النَّبِيذِ * وَأَصْبَحْتُ أَشْرَبُ مَاءَ قَرَاحًا لِأَنَّ النَّبِيذَ يذل العزيز * ويكسو السواد الْوُجُوهَ الصِّبَاحَا فَإِنْ كَانَ ذَا جَائِزًا لِلشَّبَابِ * فما العذر منه إذا الشيب لاحا (1) نسخة كتاب نقفور إلى الرشيد في شأن ابنته الاسيرة في الطبري 10 / 99.

    (*) قال الأصمعي: فقلت له: صدقت، أنت العاقل وهو المجنون.

    وعبيدة بْنُ حُمَيْدِ بْنِ صُهَيْبٍ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ التميمي الْكُوفِيُّ، مُؤَدِّبُ الْأَمِينِ.

    رَوَى عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.

    وَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ.

    وفيها توفي

    : يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ أَبُو عَلِيٍّ الْوَزِيرُ وَالِدُ جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيُّ، ضَمَّ إِلَيْهِ الْمَهْدِيُّ وَلَدَهُ الرَّشِيدَ فَرَبَّاهُ، وَأَرْضَعَتْهُ امْرَأَتُهُ مَعَ

    الْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى، فَلَمَّا وَلِيَ الرَّشِيدُ عَرَفَ لَهُ حقه، وكان يقول: قال أبي، قَالَ أَبِي.

    وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أُمُورَ الْخِلَافَةِ وَأَزِمَّتَهَا، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى نُكِبَتِ الْبَرَامِكَةُ فَقَتَلَ جعفر وخلد أباه يحيى فِي الْحَبْسِ حَتَّى مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنة.

    وكان كريماً فصيحاً، ذا رأي سديد، يظهر مِنْ أُمُورِهِ خَيْرٌ وَصَلَاحٌ.

    قَالَ يَوْمًا لِوَلَدِهِ: خذوا من كل شئ طَرَفًا، فَإِنَّ مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ.

    وَقَالَ لِأَوْلَادِهِ: اكْتُبُوا أَحْسَنَ مَا تَسْمَعُونَ، وَاحْفَظُوا أَحْسَنَ مَا تَكْتُبُونَ، وَتُحَدَّثُوا بِأَحْسَنِ مَا تَحْفَظُونَ.

    وَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا فَأَنْفِقُوا مِنْهَا فإنها لا تبقى، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَأَنْفِقُوا مِنْهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى، وَكَانَ إِذَا سَأَلَهُ سَائِلٌ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ رَاكِبٌ أَقَلُّ مَا يَأْمُرُ لَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فقال رَجُلٌ يَوْمًا: يَا سميَّ الْحَصُورِ (1) يَحْيَى * أُتِيحَتْ لَكَ مِنْ فَضْلِ رَبِّنَا جَنَّتَانِ كُلُّ مَنْ مَرَّ فِي الطَّرِيقِ عَلَيْكُمْ * فَلَهُ مِنْ نَوَالِكُمْ مائتان مائتا درهم لمثلي قليل * هي (2) للفارس العجلان فقال: صدقت.

    وأمر فسبق بِهِ إِلَى الدَّارِ، فَلَمَّا رَجَعَ سَأَلَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ تَزَوَّجَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ فَأَعْطَاهُ صَدَاقَهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وعن دار أربعة آلاف، وعن الأمتعة أربعة آلاف.

    وكلفه الدُّخُولِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَرْبَعَةَ آلَافٍ يَسْتَظْهِرُ بِهَا.

    وجاء رجل يوماً فسأله شَيْئًا فَقَالَ: وَيْحَكْ لَقَدْ جِئْتَنِي فِي وَقْتٍ لا أملك فيه مالاً، وقد بَعَثَ إِلَيَّ صَاحِبٌ لِي يَطْلُبُ مِنِّي أَنْ يُهْدِيَ إِلَيَّ مَا أُحِبُّ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَبِيعَ جَارِيَةً لَكَ، وَأَنَّكَ قَدْ أُعْطِيتَ فِيهَا ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَإِنِّي سَأَطْلُبُهَا فَلَا تَبِعْهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دينار.

    فجاؤوني فبلغوا معي بالمساومة إلى عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا سَمِعْتُهَا ضَعُفُ قَلْبِي عن ردها، وأجبت إلى بيعها، فأخذها وأخذت العشرين ألف دينار.

    فأهداها إلى يحيى، فَلَمَّا اجْتَمَعْتُ بِيَحْيَى قَالَ: بِكُمْ بِعْتَهَا؟ قُلْتُ: بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ.

    قَالَ: إِنَّكَ لَخَسِيسٌ خُذْ جاريتك إليك وقد بعث إلى صاحب فَارِسَ يَطْلُبُ مِنِّي أَنْ أَسْتَهْدِيَهُ شَيْئًا، وَإِنِّي سَأَطْلُبُهَا مِنْهُ فَلَا تَبِعْهَا بِأَقَلِّ مِنْ خَمْسِينَ ألف دينار.

    فجاؤوني فوصلوا في ثمنها إلى ثلاثين ألف دينار، فبعتها منهم.

    فلما جئته لامني أيضا (1) الحصور: الذي لم يتزوج، ويحيى المشار إليه هنا هو يحيى بن زكريا.

    (2) في وفيات الاعيان 6 / 223: هي منكم للقابس.

    (*) وَرَدَّهَا عليَّ، فَقُلْتُ: أُشْهِدُكَ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَأَنِّي قد تزوجتها، وقلت: جارية قد أفادتني خمسين ألف دينار لا أفرط فيها بعد اليوم.

    وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّ الرَّشِيدَ طَلَبَ مِنْ مَنْصُورِ بْنِ زِيَادٍ عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يكن عنده منها سوى ألف ألف درهم، فضاق ذرعاً، وقد توعده بالقتل وخراب الديار إن لم يحملها في يومه ذلك، فدخل علي يحيى بن خالد وذكر أَمْرَهُ فَأَطْلَقَ لَهُ خَمْسَةَ آلَافِ أَلْفٍ، وَاسْتَطْلَقَ لَهُ مِنَ ابْنِهِ الْفَضْلِ أَلْفَيْ أَلْفٍ، وَقَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا ضَيْعَةً.

    وَهَذِهِ ضَيْعَةٌ تُغِلُّ الشُّكْرَ وَتَبْقَى مَدَى الدَّهْرِ.

    وَأَخَذَ لَهُ مِنَ ابْنِهِ جعفر ألف ألف، ومن جاريته دنانير عقداً اشتراه بمائة أَلْفِ دِينَارٍ، وَعِشْرُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقَالَ لِلْمُتَرَسِّمِ عَلَيْهِ: قَدْ حَسَبْنَاهُ عَلَيْكَ بِأَلْفَيْ أَلْفٍ.

    فَلَمَّا عُرِضَتِ الْأَمْوَالُ عَلَى الرَّشِيدِ رَدَّ الْعُقْدِ، وَكَانَ قَدْ وَهَبَهُ لِجَارِيَةِ يَحْيَى، فَلْمْ يَعُدْ فِيهِ بعد إذ وهبه.

    وقال لَهُ بَعْضُ بَنِيهِ وَهُمْ فِي السِّجْنِ وَالْقُيُودِ: يَا أَبَتِ بَعْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنِّعْمَةِ صِرْنَا إِلَى هَذَا الْحَالِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ دَعْوَةُ مَظْلُومٍ سَرَتْ بِلَيْلٍ وَنَحْنُ عَنْهَا غَافِلُونَ وَلَمْ يَغْفُلِ اللَّهُ عَنْهَا.

    ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: رُبَّ قَوْمٍ قَدْ غَدَوْا فِي نِعْمَةٍ * زَمَنًا وَالدَّهْرُ رَيَّانُ غَدَقْ سَكَتَ الدَّهْرُ زَمَانًا عَنْهُمُ * ثُمَّ أَبْكَاهُمْ دَمًا حِينَ نَطَقْ وَقَدْ كَانَ يَحْيَى بن خالد هذا يُجْرِي عَلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كُلَّ شَهْرٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَكَانَ سُفْيَانُ يَدْعُو لَهُ فِي سجوده يقول: اللهم إنه قد كفاني المؤنة وفرغني للعبادة فَاكْفِهِ أَمْرَ آخِرَتِهِ.

    فَلَمَّا مَاتَ يَحْيَى رَآهُ بعض أصحابه فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِدُعَاءِ سُفْيَانَ.

    وَقَدْ كَانَتْ وَفَاةُ يَحْيَى بْنِ خالد رحمه الله في الحبس في الرافقة لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ سَبْعِينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْفَضْلُ، وَدُفِنَ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي جَيْبِهِ رُقْعَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا بِخَطِّهِ: قَدْ تَقَدَّمَ الخصم والمدعا عَلَيْهِ بِالْأَثَرِ، وَالْحَاكِمُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يجوز وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بيِّنة.

    فَحُمِلَتْ إِلَى الرَّشِيدِ فلما قرأها بكى يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَبَقِيَ أَيَّامًا يُتَبَيَّنُ الْأَسَى فِي وَجْهِهِ.

    وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي يَحْيَى بن خالد:

    سَأَلْتُ النَّدَا هَلْ أَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ لَا * وَلَكِنَّنِي عَبْدٌ لِيَحْيَى بْنِ خَالِدِ فَقُلْتُ شِرَاءً قال لا بل وراثة * توارث رقي والد بعد والد (1) (1) ذكرهما صاحب شذرات الذهب ونسبهما لكلثوم العتابي باختلاف: 1 / 327: سألت الندى والجود حران أنتما؟ * فقالا: كلانا عبد يحيى بن خالد فقلت: شراء ذلك الملك قال لا * ولكن ارثا والدا بعد والد (*)

    ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ فِيهَا خَرَجَ رَجُلٌ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ يُقَالُ لَهُ ثَرْوَانُ بْنُ سَيْفٍ، وَجَعَلَ يَتَنَقَّلُ فِيهَا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ الرَّشِيدُ طَوْقَ بْنَ مَالِكٍ فَهَزَمَهُ وَجُرِحَ ثَرْوَانُ وَقُتِلَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ، وَكُتِبَ بِالْفَتْحِ إِلَى الرَّشِيدِ.

    وَفِيهَا خَرَجَ بِالشَّامِ أَبُو النِّدَاءِ فَوَجَّهَ إِلَيْهِ الرَّشِيدُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ وَاسْتَنَابَهُ عَلَى الشَّامِ.

    وَفِيهَا وَقَعَ الثَّلْجُ بِبَغْدَادَ.

    وَفِيهَا غَزَا بِلَادَ الرُّومِ يَزِيدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْهُبَيْرِيُّ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، فَأَخَذَتْ عَلَيْهِ الرُّومُ الْمَضِيقَ فَقَتَلُوهُ فِي خَمْسِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ على مرحلتين من طرسوس، وانهزم الْبَاقُونَ، وَوَلَّى الرَّشِيدُ غَزْوَ الصَّائِفَةِ لِهَرْثَمَةَ بْنِ أَعْيَنَ، وَضَمَّ إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ أَلْفًا فِيهِمْ مَسْرُورٌ الْخَادِمُ، وَإِلَيْهِ النَّفَقَاتُ.

    وَخَرَجَ الرَّشِيدُ إِلَى الْحَدَثِ لِيَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُمْ.

    وَأَمَرَ الرَّشِيدُ بِهَدْمِ الْكَنَائِسِ والديور، وألزم أهل الذمة بتمييز لباسهم وهيآتهم فِي بَغْدَادَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ.

    وَفِيهَا عَزَلَ الرشيد علي بن موسى عَنْ إِمْرَةِ خُرَاسَانَ وَوَلَّاهَا هَرْثَمَةَ بْنَ أَعْيَنَ.

    وَفِيهَا فَتَحَ الرَّشِيدُ هِرَقْلَةَ فِي شَوَّالٍ وَخَرَّبَهَا وَسَبَى أَهْلَهَا وَبَثَّ الْجُيُوشَ وَالسَّرَايَا بِأَرْضِ الرُّومِ إلى عين زربة، والكنيسة السوداء.

    وكان دخل هِرَقْلَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وثلاثين ألف مرتزق، وَوَلَّى حُمَيْدَ بْنَ مَعْيُوفٍ سَوَاحِلَ الشَّامِ إِلَى مِصْرَ، وَدَخَلَ جَزِيرَةَ قُبْرُصَ فَسَبَى أَهْلَهَا وَحَمَلَهُمْ حَتَّى بَاعَهُمْ بِالرَّافِقَةِ، فَبَلَغَ ثَمَنُ الْأُسْقُفِّ أَلْفَيْ دِينَارٍ، بَاعَهُمْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ الْقَاضِي.

    وَفِيهَا أَسْلَمَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ عَلَى يَدَيِ الْمَأْمُونِ.

    وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بن علي العباسي، وَكَانَ وَالِيَ مَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ صَائِفَةٌ إِلَى سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ

    ومائتين.

    وفيها توفي

    مِنَ الْأَعْيَانِ: سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَبْرَشُ (1)، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ الْفَقِيهُ الرَّاوِي عَنْ مَالِكٍ بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَدِمَ عَلَى الرَّشِيدِ فَأَمَرَ لَهُ بِمَالٍ جَزِيلٍ، نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ.

    وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى الشيباني (2) .

    ومحمد بن سلمة (3)، ومحمد بْنُ الْحُسَيْنِ الْمِصِّيصِيُّ أَحَدُ الزُّهَّادِ الثِّقَاتِ.

    قَالَ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِكَلِمَةٍ أَحْتَاجُ إِلَى الِاعْتِذَارِ مِنْهَا منذ خمسين سنة.

    وفيها توفي معمر الرقي. (1) قاضي الري وراوي المغازي عن ابن إسحاق مختلف في الاحتجاج ولكنه في ابن اسحاق ثقة.

    (2) في ابن الاثير 6 / 206: السيناني: نسبة إلى سينان وهي قرية من قرى مرو.

    وهو مولى بني قطيعة وشيخ مرو ومحدثها.

    ثقة.

    (3) الحراني الفقيه محدث حران ومفتيها روى عن هشام بن حسان وطبقته.

    قال ابن سعد: ثقة فاضل له رواية وفتوى.

    (*)

    ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ فِيهَا دَخَلَ هَرْثَمَةُ بْنُ أَعْيَنَ إِلَى خُرَاسَانَ نَائِبًا عَلَيْهَا، وَقَبَضَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ عِيسَى فَأَخَذَ أمواله وحواصله وأركبه على بعير وجهه لذنبه وَنَادَى عَلَيْهِ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ، وَكَتَبَ إِلَى الرَّشِيدِ بذلك فشكره على ذلك، ثم أرسله إِلَى الرَّشِيدِ بَعْدَ ذَلِكَ فَحُبِسَ بِدَارِهِ بِبَغْدَادَ.

    وَفِيهَا وَلَّى الرَّشِيدُ ثَابِتَ بْنَ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ نِيَابَةَ الثُّغُورِ فَدَخَلَ بِلَادَ الرُّومِ وَفَتَحَ مطمورة.

    وفيها كان الصلح بين المسلمين والرُّوم على يد ثَابِتِ بْنِ نَصْرٍ.

    وَفِيهَا خَرَجَتْ الخرَّمية بِالْجَبَلِ وَبِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ.

    فَوَجَّهَ الرَّشِيدُ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَالِكِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْخُزَاعِيَّ فِي عَشَرَةِ آلاف فارس فقتل منهم خلقاً وَأَسَرَ وَسَبَى ذَرَارِيهِمْ، وَقَدِمَ بِهِمْ بَغْدَادَ فَأَمَرَ له الرشيد بقتل الرجال منهم، وبالذرية فبيعوا فيها.

    وَكَانَ قَدْ غَزَاهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ خُزَيْمَةُ بْنُ خَازِمٍ.

    وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا قَدِمَ الرَّشِيدُ مِنَ الرَّقَّةِ إِلَى بَغْدَادَ فِي السُّفُنِ وَقَدْ اسْتَخْلَفَ عَلَى الرَّقَّةِ ابْنَهُ الْقَاسِمَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ خُزَيْمَةُ بْنُ خَازِمٍ، وَمِنْ نِيَّةِ الرَّشِيدِ الذَّهَابُ إِلَى خُرَاسَانَ لِغَزْوِ رَافِعِ بْنِ لَيْثٍ الَّذِي كَانَ قَدْ خَلَعَ الطَّاعَةَ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى بِلَادٍ كَثِيرَةٍ مِنْ بِلَادِ سَمَرْقَنْدَ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ خَرَجَ الرَّشِيدُ فِي شَعْبَانَ قَاصِدًا

    خُرَاسَانَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى بغداد انبه مُحَمَّدًا الْأَمِينَ، وَسَأَلَ الْمَأْمُونُ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ خَوْفًا مِنْ غَدْرِ أَخِيهِ الْأَمِينِ، فَأَذِنَ لَهُ فَسَارَ مَعَهُ وَقَدْ شَكَا الرَّشِيدُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ إِلَى بَعْضِ أُمَرَائِهِ جَفَاءَ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ وُلَاةَ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَرَاهُ دَاءً فِي جَسَدِهِ، وَقَالَ إِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمِينِ وَالْمَأْمُونِ وَالْقَاسِمِ عِنْدِي عَيْنًا عليَّ، وَهُمْ يَعُدُّونَ أَنْفَاسِي وَيَتَمَنَّوْنَ انْقِضَاءَ أَيَّامِي، وَذَلِكَ شَرٌّ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.

    فدعا له ذلك الأمير ثم أمر له الرَّشِيدُ بِالِانْصِرَافِ إِلَى عَمَلِهِ وَوَدَّعَهُ، وَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ.

    وَفِيهَا تَحَرَّكَ ثَرْوَانُ الْحَرُورِيُّ وَقَتَلَ عَامِلَ السُّلْطَانِ بِطَفِّ الْبَصْرَةِ.

    وَفِيهَا قَتَلَ الرَّشِيدُ الْهَيْصَمَ الْيَمَانِيَّ.

    وَمَاتَ عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ وَهُوَ يريد اللحاق بالرشيد فمات في الطريق.

    وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي جعفر المنصور.

    وفيها توفي

    : إسماعيل بن جامع ابن إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ (1) أَبُو الْقَاسِمِ، أَحَدُ الْمَشَاهِيرِ بِالْغِنَاءِ، كان ممن يضرب به المثل، وَقَدْ كَانَ أَوَّلًا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ ثمَّ صَارَ إلى صناعة الغناء وترك القرآن، وذكر عنه أبو الفرج بن علي بن الحسين صَاحِبُ الْأَغَانِي حِكَايَاتٍ غَرِيبَةً، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قال كنت يوماً مشرفاً من غُرْفَةٍ (2) بِحَرَّانَ إِذْ أَقْبَلَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ مَعَهَا قربة تستقي الماء، فجلست ووضعت قربتها واندفعت تغني: (1) اسم أبي وداعة: الحارث أسر يوم بدر وفداه ابنه المطلب بأربعة آلاف درهم.

    وهو أول أسير فدي يوم بدر.

    (2) في الاغاني 6 / 335: مشرعة.

    والمشرعة مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها ويستقون.

    وتسمي العرب المشرعة إذا كان الماء فيها لا انقطاع له كماء الانهار.

    (*) إِلَى اللَّهِ أَشْكُو بُخْلَهَا وَسَمَاحَتِي * لَهَا عَسَلٌ مِنِّي وَتَبْذُلُ عَلْقَمَا فردِّي مُصَابَ الْقَلْبِ أَنْتِ قتلته * ولا تتركيه هائم القلب مغرما (1) قَالَ: فَسَمِعْتُ مَا لَا صَبْرَ لِي عَنْهُ وَرَجَوْتُ أَنْ تُعِيدَهُ فَقَامَتْ وَانْصَرَفَتْ، فَنَزَلْتُ وَانْطَلَقْتُ وَرَاءَهَا وَسَأَلْتُهَا أَنْ تُعِيدَهُ فَقَالَتْ: إِنَّ عليَّ خراجاً كل يوم درهمين، فَأَعْطَيْتُهَا دِرْهَمَيْنِ فَأَعَادَتْهُ فَحَفِظْتُهُ وَسَلَكْتُهُ

    يَوْمِي ذَلِكَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أُنْسِيتُهُ فَأَقْبَلَتِ السَّوْدَاءُ فَسَأَلْتُهَا أَنْ تُعِيدَهُ فَلَمْ تَفْعَلْ إِلَّا بِدِرْهَمَيْنِ، ثُمَّ قَالَتْ: كَأَنَّكَ تَسْتَكْثِرُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، كَأَنِّي بِكَ وَقَدْ أخذت عليه أربعة آلاف دينار.

    قال فَغَنَّيْتُهُ لَيْلَةً لِلرَّشِيدِ فَأَعْطَانِي أَلْفَ دِينَارٍ، ثُمَّ استعادنيه ثلاث مرات أخرى وعطاني ثلاثة آلاف دينار، فتبسمت فقال: ممَّ تبسمت؟ فَذَكَرْتُ لَهُ الْقِصَّةَ فَضَحِكَ وَأَلْقَى إِلَيَّ كِيسًا آخر فيه ألف دينار.

    وقال: لا أكذب السَّوْدَاءَ.

    وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: أَصْبَحْتُ يَوْمًا بِالْمَدِينَةِ وَلَيْسَ مَعِي إِلَّا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، فَإِذَا جَارِيَةٌ عَلَى رَقَبَتِهَا جَرَّةٌ تُرِيدُ الرَّكِيَّ (2) وَهِيَ تسعى وتترنم بصوت شجي: شَكَوْنَا إِلَى أَحْبَابِنَا طُولَ لَيْلِنَا * فَقَالُوا لَنَا مَا أَقْصَرَ اللَّيْلَ عِنْدَنَا وَذَاكَ لِأَنَّ النَّوْمَ يغشى عيونهم * سريعاً وَلَا يَغْشَى (3) لَنَا النَّوْمُ أَعْيُنَا إِذَا مَا دنا الليل المضرُّ بذي الْهَوَى * جَزِعْنَا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ إِذَا دَنَا فَلَوْ أنهم كانوا يلاقون مثلما * نُلَاقِي لَكَانُوا فِي الْمَضَاجِعِ مِثْلَنَا قَالَ: فَاسْتَعَدْتُهُ منها وأعطيتها الدراهم الثلاثة فَقَالَتْ: لَتَأْخُذَنَّ بَدَلَهَا أَلْفَ دِينَارٍ، وَأَلْفَ دِينَارٍ وَأَلْفَ دِينَارٍ.

    فَأَعْطَانِي الرَّشِيدُ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ في ليلة على ذلك الصوت.

    وفيها توفي

    : بَكْرُ بْنُ النَّطَّاحِ أَبُو وَائِلٍ الْحَنَفِيُّ الْبَصْرِيُّ الشاعر المشهور، نزل بغداد زمن الرشيد، وكان يخالط أبا العتاهية.

    قال أبو عفان: أشعر أهل العدل مِنَ الْمُحْدَثِينَ أَرْبَعَةٌ، أَوَّلُهُمْ بَكْرُ بْنُ النَّطَّاحِ.

    وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ رَجَاءٍ يَقُولُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ وَمَعَهُمْ بَكْرُ بْنُ النَّطَّاحِ يَتَنَاشَدُونَ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ طِوَالِهِمْ أَنْشَدَ بَكْرُ بْنُ النَّطَّاحِ لِنَفْسِهِ: مَا ضرَّها لَوْ كتبت بالرضى * فَجَفَّ جَفْنُ الْعَيْنِ أَوْ أُغْمِضَا شَفَاعَةٌ مَرْدُودَةٌ عندها * في عاشق يود لَوْ قَدْ قَضَى يَا نَفْسُ صَبْرًا وَاعْلَمِي أنما * يأمل منها مثلما قد مضى (1) ويروى: ولا تبعدي فيما تجشمت كلثما.

    (2) الركي: جنس للركية وهي البئر.

    (3) في الاغاني 6 / 311: سراعا وما يغشى.

    (*) لَمْ تَمْرَضِ الْأَجْفَانُ مِنْ قَاتِلٍ * بِلَحْظِهِ إِلَّا لِأَنْ أَمْرَضَا قَالَ: فَابْتَدَرُوهُ يُقَبِّلُونَ رَأْسَهُ.

    وَلَمَّا مَاتَ رَثَاهُ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ فَقَالَ: مَاتَ ابْنُ نَطَّاحٍ أَبُو وَائِلٍ * بَكْرٌ فَأَمْسَى الشِّعْرُ قَدْ بانا

    وفيها توفي

    بُهْلُولٌ الْمَجْنُونُ، كَانَ يَأْوِي إِلَى مَقَابِرِ الْكُوفَةِ، وكان يتكلم بكلمات حسنة، وقد وعظ الرشيد وغيره كما تقدَّم.

    وعبد الله بن إدريس الأودي الْكُوفِيُّ، سَمِعَ الْأَعْمَشَ وَابْنَ جُرَيْجٍ وَشُعْبَةَ وَمَالِكًا وَخَلْقًا سِوَاهُمْ.

    وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقَدِ اسْتَدْعَاهُ الرَّشِيدُ لِيُوَلِّيَهُ الْقَضَاءَ فَقَالَ: لَا أَصْلُحُ، وَامْتَنَعَ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، وَكَانَ قَدْ سَأَلَ قَبْلَهُ وَكِيعًا فَامْتَنَعَ أَيْضًا، فَطَلَبَ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ فَقَبِلَ.

    وَأَطْلَقَ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةَ آلَافِ عوضاً عن كلفته التي تكلفها في السَّفَرِ، فَلَمْ يَقْبَلْ وَكِيعٌ وَلَا ابْنُ إِدْرِيسَ، وَقَبِلَ ذَلِكَ حَفْصٌ، فَحَلَفَ ابْنُ إِدْرِيسَ لَا يُكَلِّمُهُ أَبَدًا.

    وَحَجَّ الرَّشِيدُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَاجْتَازَ بِالْكُوفَةِ وَمَعَهُ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ وَالْأَمِينُ والمأمون، فأمر الرشيد أن يجتمع شُيُوخِ الْحَدِيثِ لِيُسْمِعُوا وَلَدَيْهِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَّا ابْنَ إِدْرِيسَ هَذَا، وَعِيسَى بْنَ يُونُسَ.

    فَرَكِبَ الْأَمِينُ والمأمون بعد فراغهما من سماعهما على من اجتمع من المشايخ إلى ابن إِدْرِيسَ فَأَسْمَعَهُمَا مِائَةَ حَدِيثٍ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: يا عم إن أردت أَعَدْتُهَا مِنْ حِفْظِي، فَأَذِنَ لَهُ فَأَعَادَهَا مِنْ حفظه كما سمعها، فتعجب لحفظه.

    ثُمَّ أَمَرَ لَهُ الْمَأْمُونُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَظَنَّ أَنَّهُ اسْتَقَلَّهَا فَأَضْعَفَهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ مَلَأْتَ لِي الْمَسْجِدَ مَالًا إِلَى سَقْفِهِ مَا قَبِلْتُ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    وَلَمَّا احْتُضِرَ ابن إدريس بكت ابنته فقال: علام تبكي؟ فقد ختمت فِي هَذَا الْبَيْتِ أَرْبَعَةَ آلَافِ خَتْمَةٍ.

    صَعْصَعَةُ بْنُ سَلَّامٍ وَيُقَالُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ فاستوطنها في زمن عبد الملك بْنِ مُعَاوِيَةَ وَابْنِهِ هِشَامٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أدخل علم الحديث ومذهب الأوزاعي إلى بلاد الْأَنْدَلُسِ،

    وَوَلِيَ الصَّلَاةَ بِقُرْطُبَةَ، وَفِي أَيَّامِهِ غُرِسَتِ الْأَشْجَارُ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعِ هُنَاكَ كَمَا يَرَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّامِيُّونَ وَيَكْرَهُهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ.

    وَقَدْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

    وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْفَقِيهُ، وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِهِ - تَارِيخِ مِصْرَ - وَالْحُمَيْدِيُّ فِي تَارِيخِ الْأَنْدَلُسِ، وَحَرَّرَ وَفَاتَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.

    وَحَكَى عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ صَعْصَعَةَ هَذَا أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلَ مَذْهَبَ الْأَوْزَاعِيِّ إِلَى الأندلس.

    وقال ابن يونس: أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلَ عِلْمَ الْحَدِيثِ إِلَيْهَا.

    وَذَكَرَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ قَرِيبًا مِنْ سَنَةِ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، وَالَّذِي حَرَّرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَثْبَتُ.

    علي بن ظبيان أبو الحسن العبسي قاضي الشرقية من بغداد، ولاه الرشيد ذلك.

    كَانَ ثِقَةً عَالِمًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثم ولاه الرشيد قضاء الْقُضَاةِ، وَكَانَ الرَّشِيدُ يَخْرُجُ مَعَهُ إِذَا خَرَجَ من عنده، مات بقوميسين في هذه السنة.

    العباس بن الأحنف ابن الْأَسْوَدِ بْنِ طَلْحَةَ الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ، كَانَ مِنْ عَرَبِ خُرَاسَانَ وَنَشَأَ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ لَطِيفًا ظَرِيفًا مَقْبُولًا حَسَنَ الشَّعْرِ.

    قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: لَوْ قِيلَ لِي مَنْ أَحْسَنُ النَّاسِ شِعْرًا تَعْرِفُهُ؟ لَقُلْتُ الْعَبَّاسُ: قَدْ سَحَّبَ النَّاسُ أَذْيَالَ الظُّنُونِ بِنَا * وفرَّق النَّاسُ فِينَا قَوْلَهُمْ فِرَقَا فَكَاذِبٌ قَدْ رَمَى بالظن (1) غَيْرَكُمْ * وَصَادِقٌ لَيْسَ يَدْرِي أَنَّهُ صَدَقَا وَقَدْ طَلَبَهُ الرَّشِيدُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ فَانْزَعَجَ لِذَلِكَ وَخَافَ نِسَاؤُهُ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّشِيدِ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ إِنَّهُ قَدْ عنَّ لِي بَيْتٌ فِي جَارِيَةٍ لِي فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَشْفَعَهُ بِمِثْلِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ما خفت أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَقَالَ: وَلِمَ؟ فَذَكَرَ لَهُ دُخُولَ الْحَرَسِ عَلَيْهِ فِي اللَّيْلِ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى سَكَنَ رَوْعُهُ ثُمَّ قَالَ: مَا قلت يا أمير المؤمنين؟ فقال: حنان قد رأيناها * فلم نر مثلها بشراً

    يَزِيدُكَ وَجْهُهَا حُسْنًا * إِذَا مَا زِدْتَهُ نَظَرَا فَقَالَ الرَّشِيدُ: زِدْ.

    فَقَالَ: إِذَا مَا اللَّيْلُ مَالَ عَلَيْ * كَ بِالْإِظْلَامِ وَاعْتَكَرَا ودجَ فَلَمْ تر فجراً (2) * فأبرزها ترَ قَمَرَا فَقَالَ: إِنَّا قَدْ رَأَيْنَاهَا، وَقَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ.

    وَمِنْ شَعْرِهِ الَّذِي أقر له فيه بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ وَأَثْبَتَهُ فِي سِلْكِ الشُّعَرَاءِ بِسَبَبِهِ قَوْلُهُ: أَبْكَي الَّذِينَ أَذَاقُونِي مَوَدَّتَهُمْ * حَتَّى إِذَا أَيْقَظُونِي لِلْهَوَى رَقَدُوا وَاسْتَنْهَضُونِي فَلَمَّا قُمْتُ منتصباً * بثقل ما حملوني منهم قعدوا (1) في الاغاني 8 / 367: بالحب.

    (2) في وفيات الاعيان 3 / 22: قمرا.

    (*) وَلَهُ أَيْضًا: وَحَدَّثْتَنِي يَا سَعْدُ عَنْهَا فِزِدْتَنِي * جُنُونًا فَزِدْنِي مِنْ حَدِيثِكَ يَا سَعْدُ هَوَاهَا هَوًى لَمْ يَعْرِفِ الْقَلْبُ غَيْرَهُ * فَلَيْسَ لَهُ قَبْلٌ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ طَرِيحٌ عَلَى فِرَاشِهِ يَجُودُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا بَعِيدَ (1) الدَّارِ عَنْ وَطَنِهِ * مُفْرَدًا يَبْكِي عَلَى شجنه كلما جدَّ النحيب (2) بِهِ * زَادَتِ الْأَسْقَامُ فِي بَدَنِهْ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ انْتَبَهَ بِصَوْتِ طَائِرٍ عَلَى شَجَرَةٍ فقال: ولقد زاد الفؤاد شجاً * هَاتِفٌ (3) يَبْكِي عَلَى فَنَنِهْ شَاقَهُ مَا شَاقَنِي (4) فَبَكَى * كُلُّنَا يَبْكِي عَلَى سَكَنِهْ قَالَ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أُخْرَى فَحَرَّكْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ.

    قَالَ الصُّولِيُّ: كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السنة،

    وقيل بعدها، وقيل قبلها في سنة ثمان وثمانين ومائة فالله أعلم.

    وزعم بعض المؤرخين أَنَّهُ بَقِيَ بَعْدَ الرَّشِيدِ.

    عِيسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ أَخُو زُبَيْدَةَ، كَانَ نَائِبًا عَلَى الْبَصْرَةِ فِي أَيَّامِ الرَّشِيدِ فَمَاتَ في أثناء هذه السنة.

    وفيها توفي

    : الفضل بن يحيى ابن خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ أَخُو جَعْفَرٍ وَإِخْوَتِهِ، كَانَ هو والرشيد يتراضعان.

    أرضعت الخيزران فضلاً، وأرضعت أم الفضل وهي زبيدة بنت بن بريه هَارُونَ الرَّشِيدَ.

    وَكَانَتْ زُبَيْدَةُ هَذِهِ مِنْ مُوَلَّدَاتِ بتبين البرية، وقد قال في ذلك بعض الشُّعراء (5) : (1) في مروج الذهب 4 / 127 ووفيات الاعيان 3 / 26: يا غريب.

    (2) في مروج الذهب: البكاء به ... * دبت الاسقام ... (3) في مروج الذهب والوفيات: طائر.

    (4) في مروج الذهب: شفه ما شفني.

    (5) هو مروان بن أبي حفصة كما في الفخري ووفيات الاعيان.

    (*) كَفَى لَكَ فَضْلًا أَنَّ أَفْضَلَ حُرَّةٍ (1) * غَذَتْكَ بِثَدِيٍ وَالْخَلِيفَةَ وَاحِدِ لَقَدْ زِنْتَ يَحْيَى فِي الْمَشَاهِدِ كُلِّهَا * كَمَا زَانَ يَحْيَى خَالِدًا فِي الْمَشَاهِدِ قَالُوا: وَكَانَ الْفَضْلُ أَكْرَمَ مِنْ أَخِيهِ جَعْفَرٍ، وَلَكِنْ كَانَ فِيهِ كِبْرٌ شَدِيدٌ، وَكَانَ عَبُوسًا، وَكَانَ جَعْفَرٌ أَحْسَنَ بِشْرًا مِنْهُ وَأَطْلَقَ وَجْهًا، وَأَقَلَّ عَطَاءً.

    وَكَانَ النَّاسُ إِلَيْهِ أَمْيَلَ، ولكن خصلة الكرم تغطي جميع القبائح، فهي تستر تلك الخصلة التي كانت في الفضل.

    وَقَدْ وَهَبَ الْفَضْلُ لِطَبَّاخِهِ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فعابه أبوه على ذلك، فقال: يا أبت إن هذا يصحبني في العسر واليسر وَالْعَيْشِ الْخَشِنِ، وَاسْتَمَرَّ مَعِي فِي هَذَا الْحَالِ فأحسن صحبتي، وقد قال بعض الشعراء:

    إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا * من كان يعتادهم فِي الْمَنْزِلِ الْخَشِنِ وَوَهَبَ يَوْمًا لِبَعْضِ الْأُدَبَاءِ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَبَكَى الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ: مِمَّ تَبْكِي، أَسْتَقْلَلْتَهَا؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَكِنِّي أبكي أن الأرض تأكل مثلك، أو تُوَارِي مِثْلَكَ.

    وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ عَنْ أبيه: أصبحت يوماً لا أملك شيئاً حتى وَلَا عَلَفَ الدَّابَّةِ.

    فَقَصَدْتُ الْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ فِي مَوْكِبٍ مِنَ النَّاس، فَلَمَّا رَآنِي رَحَّبَ بِي وَقَالَ: هَلُمَّ.

    فَسِرْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ سَمِعَ غُلَامًا يَدْعُو جَارِيَةً مِنْ دار، وإذا هو يدعوها بَاسِمِ جَارِيَةٍ لَهُ يُحِبُّهَا، فَانْزَعَجَ لِذَلِكَ وَشَكَا إِلَيَّ مَا لَقِيَ مِنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَصَابَكَ ما أصاب أخي بَنِي عَامِرٍ حَيْثُ يَقُولُ: وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى * فَهَيَّجَ أَحْزَانَ الْفُؤَادِ ولا يدري دعا باسم ليلى غيرها وكأنما * أَطَارَ بِلَيْلَى طَائِرًا كَانَ فِي صَدْرِي فَقَالَ: اكْتُبْ لِي هَذَيْنَ الْبَيْتَيْنِ.

    قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى بَقَّالٍ فَرَهَنْتُ عِنْدَهُ خَاتِمِي عَلَى ثَمَنِ وَرَقَةٍ وَكَتَبْتُهُمَا لَهُ، فَأَخَذَهُمَا وَقَالَ: انْطَلِقْ رَاشِدًا.

    فَرَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَقَالَ لِي غُلَامِي: هَاتِ خَاتِمَكَ حَتَّى نَرْهَنَهُ عَلَى طَعَامٍ لَنَا وَعَلَفٍ لِلدَّابَّةِ، فَقُلْتُ: إِنِّي رَهَنْتُهُ.

    فَمَا أَمْسَيْنَا حَتَّى أَرْسَلَ إلي الفضل بثلاثين ألفاً من الذهب، وعشرة آلاف من الورق، أجراه عليَّ كل شهر، وأسلفني شهراً.

    ودخل على الفضل يوماً بَعْضُ الْأَكَابِرِ فَأَكْرَمَهُ الْفَضْلُ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَشَكَا إِلَيْهِ الرَّجُلُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَ فِي ذَلِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

    فَقَالَ: نعم، وكم دينك؟ قال ثلاثمائة ألف ردهم.

    فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ مَهْمُومٌ لِضَعْفِ رَدِّهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَالَ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ فَاسْتَرَاحَ عِنْدَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَإِذَا الْمَالُ قد سبقه إلى داره.

    وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ فِيهِ بَعْضُ الشُّعراء: (1) في الفخري: كفى لك فخرا أن أكرم حرة.

    (*) لَكَ الْفَضْلُ يَا فَضْلُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ * وَمَا كُلُّ مَنْ يُدْعَى بِفَضْلٍ لَهُ فضل رَأَى اللَّهُ فَضْلًا مِنْكَ فِي النَّاسِ وَاسِعًا * فَسَمَّاكَ فَضْلًا فَالْتَقَى الِاسْمُ وَالْفِعْلُ

    وَقَدْ كَانَ الفضل أكبر رتبة عند الرشيد من جعفر، وكان جعفر أَحْظَى عِنْدَ الرَّشِيدِ مِنْهُ وَأَخَصُّ.

    وَقَدْ وَلِيَ الْفَضْلُ أَعْمَالًا كِبَارًا، مِنْهَا نِيَابَةُ خُرَاسَانَ وَغَيْرُهَا.

    ولما قتل الرشيد البرامكة وحبسهم جلد الفضل هذا مائة سوط وخلَّده فِي الْحَبْسِ حَتَّى مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، قبل الرشيد بشهور خمسة في الرقة وَصَلَّى عَلَيْهِ بِالْقَصْرِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ أُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّاسُ، وَدُفِنَ هُنَاكَ وَلَهُ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ ثِقَلٌ أَصَابَهُ فِي لِسَانِهِ اشْتَدَّ بِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَذَانِ الْغَدَاةِ مِنْ يَوْمِ السَّبْتِ.

    قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ مائة، وقال ابن الجوزي: في سنة ثنتين وتسعين فالله أعلم.

    وقد أطال بن خِلِّكَانَ تَرْجَمَتَهُ وَذَكَرَ طَرَفًا صَالِحًا مِنْ مَحَاسِنِهِ وَمَكَارِمِهِ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ بَلْخَ حِينَ كَانَ نَائِبًا عَلَى خُرَاسَانَ، وَكَانَ بِهَا بَيْتُ النَّار الَّتِي كَانَتْ تَعْبُدُهَا الْمَجُوسُ، وَقَدْ كَانَ جَدُّهُ بَرْمَكُ مِنْ خُدَّامِهَا، فَهَدَمَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَدْمِهِ كُلِّهِ، لِقُوَّةِ إِحْكَامِهِ، وَبَنَى مَكَانَهُ مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى.

    وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يتمثل في السجن بهذه الأبيات ويبكي: إِلَى اللَّهِ فِيمَا نَالَنَا نَرْفَعُ الشَّكْوَى * فَفِي يَدِهِ كَشْفُ المضرَّة وَالْبَلْوَى خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا * فَلَا نَحْنُ فِي الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَا إِذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لجاجة * عَجِبْنَا وَقُلْنَا: جَاءَ هَذَا مِنَ الدُّنْيَا (1) وَمُحَمَّدُ بْنُ أُمَيَّةَ الشَّاعِرُ الْكَاتِبُ، وَهُوَ مِنْ بَيْتٍ كُلُّهُمْ شُعَرَاءُ، وَقَدِ اخْتَلَطَ أَشْعَارُ بَعْضِهِمْ فِي بعض.

    ومنصور بن الزبرقان ابن سَلَمَةَ أَبُو الْفَضْلِ النُّمَيْرِيُّ الشَّاعِرُ، امْتَدَحَ الرَّشِيدَ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْجَزِيرَةِ وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ وَيُقَالُ لِجَدِّهِ مطعم الكبش الرخم، وذلك أنه أضاف يوما فجعلت الرخم تحوم حَوْلَهُمْ، فَأَمَرَ بِكَبْشٍ يُذْبَحُ لِلرَّخَمِ حَتَّى لَا يتأذى بها ضيفانه، ففعل له ذلك.

    فقال الشاعر فيه: أَبُوكَ زَعِيمُ بَنِي قَاسِطٍ * وَخَالُكَ ذُو الْكَبْشِ يغذي الرَّخَمَ وَلَهُ أَشْعَارٌ حَسَنَةٌ، وَكَانَ يَرْوِي عَنْ كُلْثُومِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ شَيْخَهُ الَّذِي أَخَذَ عنه الغناء. (1) نسبها ابن خلكان لصالح بن عبد القدوس، وقيل إنها لعلي بن الخليل، وقال غيره هي لابي العتاهية.

    (*) يوسف بن القاضي أبي يوسف سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنَ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى، وَيُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَنَظَرَ فِي الرَّأْيِ وَتَفَقَّهَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ بِبَغْدَادَ فِي حَيَاةِ أبيه أبي يوسف، وَصَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ عَنْ أَمْرِ الرَّشِيدِ.

    تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وهو قاضي ببغداد.

    ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ قَالَ ابن جرير: في المحرم منها توفي الفضل بن يحيى، وقال ابن الجوزي توفي الفضل في سنة ثنتين وتسعين كما تقدم.

    وما قاله ابن جرير أقرب.

    قَال

    َ: وَفِيهَا تُوُفِّيَ

    سَعِيدٌ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: وَفِيهَا وَافَى الرَّشِيدُ جُرْجَانَ وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ خَزَائِنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى تُحْمَلُ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ بَعِيرٍ، وَذَلِكَ فِي صَفَرٍ مِنْهَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْهَا إِلَى طُوسَ وَهُوَ عَلِيلٌ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ فِيهَا.

    وَفِيهَا تَوَاقَعَ هَرْثَمَةُ نَائِبُ الْعِرَاقِ هُوَ وَرَافِعُ بْنُ اللَّيْثِ فَكَسَرَهُ هَرْثَمَةُ وَافْتَتَحَ بُخَارَى وَأَسَرَ أَخَاهُ بَشِيرَ بْنَ الليث، فبعثه إلى الرشيد وهو بطوس قد ثقل عن السير، فلما وقف بَيْنَ يَدَيْهِ شَرَعَ يَتَرَقَّقُ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، بَلْ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي إِلَّا أَنْ أُحَرِّكَ شَفَتَيْ بِقَتْلِكَ لَقَتَلْتُكَ، ثُمَّ دَعَا بِقَصَّابٍ فَجَزَّأَهُ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1