Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي
العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي
العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي
Ebook986 pages5 hours

العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

من أبدع ما كتب في فن الأمالي ، في عصر كاد هذا الفن فيه أن يغيب ، ولولا علم القارىء بالمؤلف .. لحسب أنه قطعة أدبية طوتها يد الزمان حقباً متتالية ، لتظهر اليوم حالية جالية. وهذا الكتاب واحة غناء ، يُستَجَم فيها من عناء الفِكْر ، ومن ثقل الهموم ، ومن عنت الحياة . من هنا تبرز الحاجة لمثل هذا السِّجل الأدبي ، الحافل بالدَّقائق الأدبيَّة وفق الضَّوابط المنظِّمة لهذه الأُمور .. فلا إفراط ، ولا تفريط . والمؤلِّف - رحمه الله – مـمَّن أخذ بحظِّه الوافر من علوم الشَّريعة .. حتَّى وصل إلى درجة المفتي لبلاده ، وكذلك في الأدب والشِّعر كان فارس الميدان ، ومن المشار إليهم فيهما بالبنان . ولهذا .. جادت عبقريته الفذَّة بهذا الكتاب البديع ، الَّذي نظم سلكه في مجالس أدبيَّة ، يفوح منها ندُّ الطِّيب ، وهي مجالس معقودة في « ديوان أبي الطَّيِّب المتنبِّي » ، فكان التَّناغم الواضح بين رائحة العود الهنديّ ، وكنية شاعر العربيَّة الأوحد أبي الطَّيِّب المتنبِّي ، وكأنَّه يستنشق أريج أشعاره . المؤلِّف قَسَّم كتابه بحيث إِنَّ كلَّ قسم يحوي ذكراً وبياناً لبعض من شمائل العرب ، من الكرم والوفاء ، والمروءة والشَّجاعة ، والسَّماحة والبلاغة ، والسَّخاء وعزة النَّفس ، وطيب المَحْتِد ، وغيرها من الصِّفات الَّتي قال عنها صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّما بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق » . وهذا الكتاب من الكتب الأدبيَّة الَّتي لا يُستغنى عنها في الباب ، والَّتي ستبتسم لها لغة الضَّاد ، إن شاء الله تعالى .
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMar 29, 1902
ISBN9786464616100
العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي

Related to العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي

Related ebooks

Reviews for العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي - عبد الرحمن السقاف

    الغلاف

    العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي

    الجزء 2

    عبد الرحمن السقاف

    819

    من أبدع ما كتب في فن الأمالي ، في عصر كاد هذا الفن فيه أن يغيب ، ولولا علم القارىء بالمؤلف .. لحسب أنه قطعة أدبية طوتها يد الزمان حقباً متتالية ، لتظهر اليوم حالية جالية . وهذا الكتاب واحة غناء ، يُستَجَم فيها من عناء الفِكْر ، ومن ثقل الهموم ، ومن عنت الحياة . من هنا تبرز الحاجة لمثل هذا السِّجل الأدبي ، الحافل بالدَّقائق الأدبيَّة وفق الضَّوابط المنظِّمة لهذه الأُمور .. فلا إفراط ، ولا تفريط . والمؤلِّف - رحمه الله – مـمَّن أخذ بحظِّه الوافر من علوم الشَّريعة .. حتَّى وصل إلى درجة المفتي لبلاده ، وكذلك في الأدب والشِّعر كان فارس الميدان ، ومن المشار إليهم فيهما بالبنان . ولهذا .. جادت عبقريته الفذَّة بهذا الكتاب البديع ، الَّذي نظم سلكه في مجالس أدبيَّة ، يفوح منها ندُّ الطِّيب ، وهي مجالس معقودة في « ديوان أبي الطَّيِّب المتنبِّي » ، فكان التَّناغم الواضح بين رائحة العود الهنديّ ، وكنية شاعر العربيَّة الأوحد أبي الطَّيِّب المتنبِّي ، وكأنَّه يستنشق أريج أشعاره . المؤلِّف قَسَّم كتابه بحيث إِنَّ كلَّ قسم يحوي ذكراً وبياناً لبعض من شمائل العرب ، من الكرم والوفاء ، والمروءة والشَّجاعة ، والسَّماحة والبلاغة ، والسَّخاء وعزة النَّفس ، وطيب المَحْتِد ، وغيرها من الصِّفات الَّتي قال عنها صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّما بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق » . وهذا الكتاب من الكتب الأدبيَّة الَّتي لا يُستغنى عنها في الباب ، والَّتي ستبتسم لها لغة الضَّاد ، إن شاء الله تعالى .

    المجلس العاشر

    'قال أبو الطَّيِّب المتنبِّي في 'العكبريِّ' 1 - 319 من الخفيف' :

    مَا مُقَامِيْ بِأَرْضِ نَخْلَةَ إِلاَّ ........ كَمُقَامِ الْمَسِيْحِ بَيْنَ الْيَهُوْدِ

    يقول: إنَّ أهل 'نخلَةَ' - وهي قرية بقرب 'بعلبكَّ' - أعداء لي، كعداوة اليهود للمسيح، قال الواحديُّ: وبهذا مع تشبيهه نفسه بصالح - عليه السلام - لقِّب المتنبِّي .وليس بصحيح.. ولكنَّه تنبَّأ حقيقة في بادية 'السماوة'.. حتَّى حبس، ثمَّ أطلق بعد الاستتابة .وما ذكره ليس بغريب ؛إذ لا يخلو عظيم عن الحسد والامتحان، فإن خلا عن ذلك.. فليس بعظيم، إلاَّ على سبيل الفلتات والشذوذ، وأصله قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) 'الأنعام: 112' .ولله درُّ أبي تمام في قوله 'في 'ديوانه' 1 - 223 من الكامل':

    وَإِذَا أَرَادَ اللهُ نَشْرَ فَضِيْلَةٍ ........ خَفِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُوْدِ

    لَوْلاَ اشْتِعَالُ النَّارِ فِيْمَا جَاوَرَتْ ........ مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيْبُ نَفْحِ العُوْدِ

    وقال الغزاليُّ في بعض كتبه: إنِّي لأستحقر من لم يُتَّهم بالكفر، وأستصغر من لم يلمز بالفسوق، أو ما يشبه هذا القول .وقال المنصور لمعن بن زائدة 'في 'وفيات الأعيان' 5 - 247': ما أكثر وقوع الناس فيك وفي قومك، فأنشد 'من البسيط':

    إِنَّ العَرَانِيْنَ تَلْقَاهَا مُحَسَّدَةً ........ وَلَنْ تَرَى لِلِئَامِ النَّاسِ حُسَّادَا

    وقال قيس 'في 'ديوانه'117 من الكامل':

    مَوْسُوْمَةٌ بِالْحُسْنِ ذَاتُ حَوَاسِدٍ ........ إِنَّ الْجَمَالَ مَظِنَّةٌ لِلْحُسَّدِ

    وقالت أمُّ رومان لعائشة - كما في 'الصحيح' -: هوِّني عليك يا بنيَّة، فقلَّما كانت امرأة وضيئة قط عند رجل ولها ضرائر.. إلاَّ أكثرن عليها .وانتهى إلى أبي حنيفة أنَّ ابن شبرمة وابن أبي ليلى ينالان منه، فأنشد 'كما في 'طبقات الحنفية' 1 - 498 من البسيط':

    إِنْ يَحْسُدُوْنِيْ فَإِنِّيْ غَيْرُ لأَئِمِهِمْ ........ قَبْلِيْ مِنَ النَّاسِ أَهْلُ الفَضْلِ قَدْ حُسِدُوْا

    فَدَامَ لِيْ وَلَهُمْ مَا بِيْ وَمَا بِهِمُ ........ وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظاً بِمَا شَجِدُ

    وقال غيره 'محمد بن الحسن في 'طبقات الحنفية' 1 - 498 من البسيط':

    مُحَسَّدُوْنَ وَشَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً ........ مَنْ عَاشَ يَوماً سَلِيْماً غَيْرَ مَحْسُوْدِ

    وقال أبو عبادة 'في 'ديوانه' 1 - 625 من الطَّويل':

    وَلَنْ تسْتَلِيْنَ الدَّهْرَ مَوْضِعَ نِعْمَةٍ ........ إِذَا أَنْتَ لَمْ تُدْلَلْ عَلَيْهَا بِحَاسِدِ

    وقال 'في 'ديوانه' 1 - 557 من البسيط':

    مُحَسَّدٌ ، وكَأَنَّ المَكْرُمَاتِ أَبَتْ ........ أَنْ تُوْجَدَ الدَّهْرَ إِلاَّ عِنْدَ مَحْسُوْدِ

    وقال 'في 'ديوانه' 1 - 496 من البسيط':

    مُحَسَّدٌ بِخِلاَلٍ فِيْهِ فَاضِلَةٍ ........ وَلَيْسَ تَفْتَرِقُ النَّعْمَاءُ وَالحَسَدْ

    وقال 'في 'ديوانه' 1 - 600 من الخفيف':

    حَسَدٌ فِيْ العُلَى وَمَا فِيْ جَمِيْعِ النَّ _ اسِ أَبْلَى بِذِيْ عُلاً مِنْ حَسُودِهْ

    وقال 'في 'ديوانه' 1 - 611 من البسيط':

    'وَكَمْ' أَنَافَتْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَكْرُمَةً ........ مَشْهُوْرَةً تَدَعُ الآبَاءَ حُسَّادَا !

    وقال 'في 'ديوانه' 3 - 1766 من الخفيف':

    وَكَفَانِيْ عَلَى الَّذِيْ يُوْجَدُ الْفَضْ _ لُ لَدَيْهِ بِالْحَاسِدِيْنَ دَلِيْرَ

    وما أُتِيَ الخليفة الرابع وأهل بيته.. إلاَّ من هذا الباب .ولا يخفى ما قاسه أبو حنيفة .وما كان من اختفاء الإمام مالك في بيته ربع قرن .وما جرى على أبي عبد الله ابن حنبل من الضَّرب والحبس والإهانة .وما عاناه البخاريُّ حتَّى ضاقت به الأرض فدعا بالموت .ونفي أبو يزيد البسطاميُّ سبع بوشايات علماء السوء .وشيَّعوا ذا النون المصريَّ مقيَّدا مغلولا من 'مصر' إلى 'بغداد'، وسار معه جماعة من المصريين يشهدون بالزندقة عليه .وكان آخر سهم في كنائن الحسَّاد لسحنون أن استأجروا بغيّا تدَّعي عليه أنَّه يأتيها هو وأصحابه، حتَّى اضطرَّ إلى الانجماع في بيته .وكفَّروا سهلا التُّستريَّ، ونسبوه إلى القبائح حتَّى طردوه من بلاده .ورموا أبا سعيد الخرَّاز بالدَّواهي .وسهدوا على الجنيد بالإلحاد ذات المرَّات .ولم ينج الشبليُّ من التَّكفير إلاَّ بعد أن أدخله أصحابه البيمارستان مدَّة، ريثما انكفَّ عنه الناس، وحرَّشوا سلطان 'مصر' على أبي بكر النابلسيِّ.. حتَّى أمر بسلخ جلده حيَّا، فصار يقرأ القرآن بتدبُّر وخشوع، وهم يسلخونه، حتَّى كادت تقطَّع القلوب من مرآه على تلك الحال .وأخرجوا أبا مدين من 'بجاية' بتهمة الزَّندقة .وشهدوا بها على أبي الحسن الشاذليِّ، حتَّى نفي من 'مصر' .وأخرجوا واحد عصره وسيِّد وقته، أبا عثمان المغربيَّ من 'مكَّة'، وضربوه ضربا مبرِّحا، وطافوا به على جمل، فأقام ب'بغداد' إلى أن مات .وهيَّجوا السلطان على عزِّ الدين بن عبد السَّلام، وعقدوا مجلسا لرميه بالكفر ؛من أجل كلمة قالها في عقيدته .وكتبوا 'كما في 'وفيات الأعيان' 3 - 294' محضرا ب'مصر' على أبي الحسن الآمديِّ، ينسبونه إلى التعطيل وفساد العقيدة، ووضعوا عليه خطوطهم، حتَّى انتهى إلى رجل منهم فيه عقل ودين، فكتب عليه خطوطهم، حتَّى انتهى إلى رجل منهم فيه عقل ودين، فكتب 'من الكامل':

    حَسَدُوا الفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوْا سَعْيَهُ ........ فَالْقَوْمُ أَعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُوْمُ

    كتبه فلان بن فلان .ورموا عبد الوهَّاب السبكيَّ بالكفر، وشرب الخمر، والفواحش، ولبس الزنَّار بالليل، وجاءوا به مقيَّدا مغلولا من 'الشَّام' إلى 'مصر'، حتَّى خرج جمال الدين الإسنويُّ يتلقَّاه في الطريق، ولولاه لأريق دمه .والباب واسع، والشوط بطينٌ .ومن الناس من يعدُّ الحسد أول ذنب عصي به الباري عزَّ وجلَّ ؛لأنَّ إبليس لم يمتنع عن السجود لآدم.. إلاَّ من أجل ما اشتمل عليه منه له .ثمَّ لم يكن ما كان من ابن آدم إلى أخيه.. إلاَّ عن نتيجته، وسوء مغبَّته، ولله في خلقه شؤون، فإنَّ مدنيَّة الإنسان بطبعه.. تقتضي التآلف والتراحم ؛إذ لا يستتبُّ للإنسان أمره إلاَّ ببقاء نوعه، ولا يمكن له قضاء رغباته إلاَّ بمساعدتهم، فكان من حقِّه أن يحبَّهم ويألفهم ؛لما له من المصلحة في بقائهم، فلن يحبَّ نفسه إلاَّ بحبِّهم ؛لأنَّ صلاحه في صلاحهم، غير أنذَ حبَّ الذات قج يزيد فيخرج عن حدِّه، وكلُّ ما خرج عن حدِّه.. رجع إلى ضدِّه، فساد التخاصم عن منبت التراحم، ووقع التناهب في موضع التواهب، ومنه تتبُّع الملوك عثرات رجالاتهم، وابتغاؤهم الغوائل لعظماء أتباعهم ؛لأنَّ أولئك الفحول لا بدَّ وأن يدلوا بعظائم أعمالهم، ويعصمهم الشرف والأنف عن الملق والخضوع، وتأبى نفوس المستبدِّين أن ترى لأحد فضلا، وإنَّما تميل بطبيعتها للمتصاغرين المطبوعين على الخيانة، الذين لا ينفعون عند ارتباك الأحوال، واضطراب الأهوال ؛ولهذا يسرع تقوُّض ممالكهم في الأوساط الحرَّة، وإنَّما تطول في الأمم الميتة التي ألفت الدلَّ وأخذت عليه، ورئمت الهوان واستنامت إليه، فهؤلاء الساقطون نعمة على المستبدِّين من ملوك الجور، ولقمة سائغة لكلِّ آكل .ولكنَّهم مذمومون في عين الشرع والعقل .أمَّا الشرع: فالباري جلَّ شأنه يقول: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ) 'الشورى: 39' .ويقول أيضا: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّتهُمُ المَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فأُوْلَئِكَ مَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) 'النساء: 97' .وأمَّا العقل: فقد قال المتلمِّس 'في 'ديوانه' 140 من الطَّويل':

    وَكُنَّا إِذَا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ........ أَقَمْنَا لَهُ مِنْ خَدِّهِ مَا تَصَعَّرَا

    وقال الفرزدق 'في 'ديوانه' 1 - 240 من الطَّويل':

    وَكُنَّا إِذَا الجَبَّارُ صعَّرَ خَدَّهُ ........ ضَرَبْنَاهُ حَتَّى تَسْتَقِيْمَ الأَخَادعُ

    وقال بشَّار 'في 'ديوانه' 1 - 317 من الطَّويل':

    إِذَا المَلٍكُ الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ........ مَشَيْنَا إِلَيْهِ بِالسُّيُوفِ نُخَاطِبُهْ

    وقال ابن ظبيان 'في 'الكامل' 4 - 107 من الطَّويل':

    نُعَاطِيْ المُلُوْكَ الحَقَّ مَا قَسَطُوْا لَنَا ........ وَلَيْسَ عَلَيْنَا قَتْلُهُمْ بِمُحَرَّمِ

    وقال نهار بن توسعة 'في 'الكامل' 4 - 304 من الوافر':

    إِذا لَمْ يُعْطِنَا نِصْفاً أَمِيْرٌ ........ مَشَيْنَا نَحوَهُ مَشْيَ الأُسُوْدِ

    وقال الشدَّاخ 'من الطَّويل':

    أَبَيْنَا فَلاَ نُعْطِيْ مَلِيْكاً ظُلاَمَةً ........ وَلاَ سُوْقَةً إِلاَّ الوَشِيْجَ المُقَوَّمَا

    وَإِلاَّ حُسَاماً يَبْهَرُ العَيْنَ لَمْحُهُ ........ كَصَاعِقَةٍ مِنْ عَارِضٍ قَدْ تَبَسَّمَا

    وقال آخر 'عبيد بن الأبرص في 'ديوانه' 86 من البسيط':

    إِذَا تَخَمَّطَ جَبَّارٌ ثَنَوْهُ إِلَى ........ مَا يَشْتَهُوْنَ وَلاَ يُثْنَوْنَ إِنْ خَمِطُوْا

    وقال الضبِّيُّ - أبو الشعر - 'من الطَّويل':

    وَكُنَّا إِذَا الجَبَّارُ بِالجَيْشِ ضَافَنَا ........ جَعَلْنَا القَنَا وَالمُرْهَفَاتِ لَهُ نُزْلاَ

    وأخرج مسلم 'في 'صحيحه' 2898': عن المستورد القرشيِّ أنَّه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: 'تقُومُ السَّاعةُ والرومُ أكثرُ الناس'. فقال له عمرو بن العاص: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعته من رسول الله صلَّى الله عليه وأله وسلَّم، قال: لئن قلت ذلك.. إنَّ فيهم لخصالا أربعا: إنَّهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك، وهذا هو موضع الشاهد .وقال بعض العرب 'من السريع':

    يُعطِيْ زِمَامَ الطَّوْعِ إِخْوَانَهُ ........ وَيَلْتَوِيْ بِالمَلِكِ القَادِرِ

    وقال بشَّار 'في 'ديوانه' 4 - 173 من الطَّويل':

    وَحَارِبْ إِذَا لَمْ تُعْطَ إلاَّ ظُلاَمَةً ........ شَبَا الحَرْبِ خَيْرٌ مِنْ قَبُوْلِ المَظَالِمِ

    وقال الناظم 'في 'العكبريِّ' 4 - 92 - 94 من الخفيف':

    لاَ افْتخارٌ إلاَّ لِمَنْ لاَ يُضَامُ ........ مُدْرِكٌ أَوْ مُحَارِبٌ لاَ يَنَامُ

    وَاحْتِمَالُ الأَذَى وَرُؤْيَةُ جَانِيْ _ هِ غِذَاءٌ تَضْوَى بِهِ الأَجْسَامُ

    ذَلَّ مَنْ شَغْبِطُ الذَّلِيْلَ بِعَيْشٍ ........ رُبَّ عَيْشٍ أَخَفُّ مِنْهُ الْحِمَامُ

    مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيْهِ ........ مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيْلاَمُ

    وقال 'في 'العكبريِّ' 4 - 213 من البسيط':

    لاَ يُعْجِبَنَّ مَضِيْماً حُسْنُ بِزَّتِهِ ........ وَهَلْ تَرُوْقُ دَفِيْناً جَوْدَةُ الكَفَنِ ؟ !

    والكلام فيه يطول، فلنقف به عند حدِّه .ولنعد على البدء، فنقول: ما أشدَّ ضياع العالم بين الجهَّال، حتَّى قال بعضهم في قوله تعالى: (لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيدًا) 'النمل: 21': لأحسبنَّه مع غير جنسه، والفاضل بين الحسَّاد والمستبدِّين.. أضيع من العالم بين الجهَّال بكثير، فلا حرج على أبي الطيَّب ؛إذا تألَّم من أهل زمانه إلى هذا الحدِّ، ثمَّ إنَّك لا تجد أذية الأحرار في الأكثر الأغلب.. إلاَّ من أولي قرابتهم، وعبيد نعمتهم، ولله درُّ الناظم في قوله 'في 'العكبريِّ' 1 - 185 من الطَّويل':

    وَأَظْلَمُ أَهْلِ الظُّلْمِ مَنْ بَاتَ حَاسِداً ........ لِمَنْ بَاتَ فِيْ نَعْمَائِهِ يَنَقَلَّبُ

    ويؤيِّده ما يروى عن سفيان من قوله: ما وجدنا أصل كلِّ عداوة.. إلاَّ في اصطناع المعروف إلى اللئام، ومرَّ بعض ما يتَّصل بهذا البحث أواخر المجلس الثاني، وسيعاد ذرو منه أواخر المجلس السادس عشر .والحاصل: أن لا أشنوعة على الناظم في تشبيهه مقامه - بأرض قومه على الهضيمة والاضطهاد - بمقام المسيح بين اليهود، ومقام صالح في ثمود ؛لأنَّ المشبَّه لا يكون مثل المشبَّه به من سائر جهاته، وقد قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لعائشة: (كُنتُ لكِ كأَبِيْ زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ) مع أنَّه لم يُحمد بين الأخيرين المال .وجزم ابن حجر الهيتميُّ: بأنَّه لا يكفر معلَّم صبيان قال: اليهود خير من المسلمين بكثير ؛لأنَّهم يقضون حقوق معلِّمي صبيانهم، إلاَّ إن أراد الخيريَّة المطلقة، واستقرب عدم الكفر في حالة الإطلاق .وذكر في 'تحفته': أن الكتابيَّة أولى بالتزوُّج من المسلمة التي لا تصلِّي .وثبت 'كما في 'البداية والنهاية' 7 - 153': أنَّ عثمان 'بن عفان رضي الله عنه' تزوج 'نائلة' بنت الفرافصة الكلبيَّة - وهي على نصرانيَّتها - ثمَّ أسلمت وحسن إسلامها، وكان من وفائها له ما يحفظه التاريخ .قال ابن جرير 'في 'تفسيره' 2 - 378': وأمَّا القول الذي روي عن شهر بن حوشب، عن ابن عبَّاس، عن عمر رضي الله عنهم: من تفريقه بين طلحة وامرأته اليهوديَّة، وبين حذيفة بن اليمان وامرأته النصرانيَّة.. فقول لا معنى له ؛لخلافه ما أجمعت على تحليله الأمَّة بكتاب الله تعالى، وحديث رسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - من القول بخلافه ما هو أصحُّ منه إسنادا .ويأتي أواخر المجلس الثالث عشر ما يصحُّ أن يتمثَّل به هنا ؛لما فيه من اختيار الوحش على البشر، فمن أين ينفذ الانتقاد على الناظم بعد ما ثبت بلسان الفقهاء تفضيل بعض الكتابيَّات على بعض المسلمات ؟فلا يتسرَّع بمعاتبته في ذلك.. إلا من لا حجَّة له، ولا رويّة عنده .ثمَّ ألا ترى أنَّ القاضي عبد الوهَّاب المالكيِّ: لمَّا نبا به 'العراق'، وجفته 'بغداد'، وضاقت حاله فيه، وبكأت عليه مجاري الرِّزق به.. قال 'في 'وفيات الأعيان' 3 - 221 من البسيط':

    بَغْدَادُ دَارٌ لأَهْلِ الْمَالِ طَيِّبَةٌ ........ وَلِلْمَفَالِيْسِ دَارُ الضَّنْكِ وَالضِّيْقِ

    ظَلِلْتُ حَيْرَانَ أَمْشِيْ فِيْ أَزِقَّتِهَا ........ كَأَنَّنِيْ مُصْحَفٌ فِيْ بيْتِ زِنْدِيْقِ

    فتشبيهُهُ إِيَّاها بدار الزنديق، مع من فيها من العلماء والأولياء والصالحين.. لا يخرج عمَّا قاله الناظم .ويروى: أنَّ القاضي المذكور اجتاز في وجهه ذلك إلى 'مصر' ب 'معرَّة النعمان'، فقال فيه صديقه أبو العلاء 'في 'سقط الزند' 291 0 292 من البسيط':

    وَالْمَالِكِيُّ أبْنُ نَصْرٍ زَارَ فِيْ سَفَرٍ ........ بِلاَدَنَا فَحَمِدْنَا النأْيَ وَالْسَّفَرَا

    إِذَا تَفَقَّهَ أَحْيَا مَالِكاً جَدَلاً ........ وَيَنْشُرُ المَلِكَ الضِّلِّيْلَ إِنْ شَعَرَا

    وذكره أيضا في غير هذا الموضع من 'ديوانه'. ويذكر أنَّه لمَّا ورد 'مصر'.. انثالت عليه البركات، ودرّت له الخيرات، ولكن لم يلبث أن عاجلته المنيِّة، من أكله أكلها .وهو صاحب الجواب عن سؤال صاحبه المعريِّ، ونصُّ السؤال 'من البسيط':

    يَدٌ بِخَمْسِ مئِيْنٍ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ ........ مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِيْ رُبْعِ دِيْنَارِ

    ونصُّ الجواب 'من البسيط':

    عِزُّ الأَمَانَةِ أَغْلاَهَا ، وَأَرْخَصَهَا ........ ذُلُّ الخِيَانَةِ ، فَافْهَمْ حِكْمَةَ البَارِيْ

    'قال أبو الطَّيب المتنبِّي في 'العكبريِّ' 1 - 319 من الخفيف':

    مَفْرَشِيْ صَهْوَةُ الحِصَانِ وَلَكِنَّ قَمِيْصِيْ مَسْرُوْجَةٌ مِنْ حَدِيْدِ

    يقول: موضع فراشي ظهر الحصان، و 'الصَّهْوَةُ': مقعد الفارس من ظهر الفرس، و 'المَسْرودَةُ': الدِّرع، والاستدراك لا يخلو من البرودة ؛لأنَّه لا يحلو مكانه إلاَّ إذا كان ظاهره عدم التناسب بما قبله، وركوب الحصان يناسب لبس الدِّرع، فانتفى عنه البديع بانتفاء ما يشبه منه الذمَّ، وبعضهم لا يشترط ذلك، مستدلا بقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: 'أَنا أَفْصَحُ الْعَرَبِ، بَيْدَ أَنِّيْ مِنْ قُرَيْشٍ' .والصحيح 'كما في 'مغني اللَّبيب' 1 - 155': أنَّ 'بيد' هنا.. ليست بمعنى 'غير'، وإنَّما هي بمعنى من أجل، فلا شاهد لذلك البعض فيه، فالمقبول في الموضوع - كما سيأتي توضيحه في المجلس السَّادس عشر - إنَّما هو ما كان من جنس قول النَّابغة 'الذُّبياني في 'ديوانه' من الطَّويل':

    وَلاَ عَيْبَ فِيْهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوْفَهُمْ ........ بِهِنَّ فُلُوْلٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتَائِبِ

    وقول أبن الروميِّ 'من الطَّويل':

    وَلاَ عَيْبَ فِيْنَا غَيْرَ أَنَّ سَمَاحَنَا ........ أَضَرَّ بِنَا وَالبَأْسُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ

    فَأَفْنَى الرَّدَى أَرْوَاحَنَا غَيْرَ ظَالِمٍ ........ وَأَفْنَى النَّدَى أَمْوَالَنَا غَيْرَ عَائِبِ

    أَبُوْنَا أَبٌ لَوْ كَانَ لِلنَّاسٍ كُلِّهِمْ ........ أَبٌ مِثْلُهُ أَغْنَاهُمُ بِالْمَنَاقِبِ

    وقول الآخر 'في 'خزانة الأدب' 2 - 399 من الطَّويل':

    وَلاَ عَيْبَ فِيْهِمْ غَيْرَ أَنَّ ضُيُوْفَهُمْ ........ تُعَابُ بِنِسْيَانِ الأَحِبَّةِ وَالوَطَنْ

    وقول بعضهم فيما يُشبِهُ المدح من تأكيد الذَّمِّ، وقد ألطف فيه وهو 'من الطَّويل':

    هُوَ الكَلْبُ إِلاَّ أَنَّ فِيْهِ مَلاَلةً ........ وَسُوْءَ مُرَاعَاةٍ وَمَا ذَاكَ فِيْ الكَلْبِ

    وبيت النَّاظم ناظر إلى قول عنترة 'في 'ديوانه' 58 من الكامل':

    تُمْسِيْ وَتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشِيَّةٍ ........ وَأَبِيْتُ فَوْقَ سَرَاةِ أَدْهَمَ مُلْجَمِ

    وَحَشِيَّتِيْ سُرُجٌ عَلَى عَبْلِ الشَّوَى ........ نَهْدٌ مَراكِلُهُ نَبِيْلُ المِحْزَمِ

    وقد ذكرنا في غير هذا المجلس كثرة ما يفتخر النَّاظم بالفروسيَّة والخيل ؛لما لها من الهيبة، وما فيها من الجمال، وهي أفضل ذوات الأربع صورة، وأشبهها بالإنسان في كرم الطبع، وعلوِّ النفس .وقد أثنى الله عليها في القرآن فقال: (وَمِن رِبَاطِ الخَيْلِ تُرّهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمّ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ) 'الأنفال: 60' .قيل: عنى به الشَّياطين، وأنَّها لا تدخل بيتا فيه فرس، كما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب .وأقسم الله بخيل الغزاة فقال: (وَالْعَدِيَتِ ضَبْحَا فَالْمُورِيَتِ قَدْحَا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحَا) 'العاديات: 1 - 3'. وكفاها بذلك شرفا .ونسيت - وما أنساني إلاَّ الشيطان - أن أذكر قوله عزَّ اسمه: (فَالمُورِيَاتِ قَدْحَا) 'العاديات: 2' عندما تكلَّمت على قوله 'في 'العكبري' 3 - 171 من البسيط':

    أَنْكَحْتُ صُمَّ حَصَاهَا خُفَّ يَعْمَلَةٍ ........ تَغَشْمَرَتْ بِيْ إِلَيْكَ السَّهْلَ وَالجَبَلاَ

    فإنَّه أشرف من كلِّ معنى سقناه هناك .وصحَّ قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: 'الخَيْلُ مَعْقُوْدٌ بِنَواصِيْهَا الخَيْرُ - الأَجْرُ والمَغْنَمُ - إلى يَوْمِ القِيَامَةٍ' .وهاهنا دقيقة، وهي أنَّه عليه السلام: قد أنبأ عن اختراع الطَّيَّارات والسَّيَّارات، بما أخرجه عنه مسلم بن الحجَّاج في 'صحيحه' '155' '243': من طواف المسيح في الأرض، مع استغنائه عن القلاص، ولكنَّه أشار بالحديث السابق إلى أن لا غنى عن الخيل ما اختلف الملوان، وذلك ممَّا يزيد الإيمان، لأنه المؤكَّد بالحسِّ والعيان .ومن فضيلة الخيل.. أنَّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أسهم لها بسهمين، ولم يجعل للمسلم إلاَّ سهما واحدا .ويروى: أنَّه - صلوات الله عليه وعلى آله - أمرغَ فرسا له، ثمَّ يمسحه بردائه، فقيل له في ذلك.. فقال: 'بِتُّ البَارِحَةَ وجِبْرِيْلُ يُعَاتِبُنِيْ فِيْ سِيَاسَةِ الخَيْلِ' .وصحَّ عنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنَّه قال: 'مَنِ احْتَبَسَ فَرَساً في سَبِيْلِ اللهِ إِيْمَاناً بِاللهِ، وَتَصْدِيْقاً بِمَوْعُوْدِ اللهِ.. كَانَ شِبَعُهُ وَرِيُّهُ وَبوْلُهُ حَسَناتِ فِيْ مِيْزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ' .وصحَّ عنه أنَّه قال: 'مَا مِنْ فَرَسٍ عَربيٍّ، إلاَّ يؤذَنُ لهُ كلَّ يَومٍ بدَعْوَتَيْنِ، يقول: اللَّهمَّ، كما خوَّلتنِيْ مَنْ خَوَّلتَنِيْ، فاجْعَلنِيْ مِنْ أَحَبِّ مَالِهِ وَأَهْلِهِ إِليْهِ' .وكانت العرب لا تهنِّئ إلاَّ بالولد، فيقولون: ليهنك الفارس .وبالشاعر: يقولون: ليهنك من يذبُّ عن عرضك .وبالمهر: يقولون: ليهنك ما تدرك به الثأر .ولهم في تربيتها ومزيد الاعتناء بها في الجاهليَّة والإسلام ما تنطق به صوادق الأشعار .قال طفيل الغنوي 'في 'ديوانه' 49 من الطَّويل':

    وَلِلْخَيْلِ أَيَّامٌ فَمَنْ يَصْطَبِرْ لَهَا ........ وَيَعْرِفْ لَهَا أَيَّامَهَا الخَيْرَ يُعْقَبِ

    وقال رجل من قريش 'من الخفيف':

    أَتَّقِيْ دُوْنَهُ المَنَايَا بِنَفْسِيْ ........ وَهُوَ يَغْشَى بِنَا صُدُوْرَ العَوَالِيْ

    فَإِذَا مِتُّ كَانَ ذَاكَ تُرَاثِيْ ........ وَسِخَالاً مَحْمُودَةً مِنْ سِخَالِيْ

    وقال بعض بني عامر 'من الطَّويل':

    بَنِيْ عَامِرٍ ، إِنَّ الخُيُوْلَ وِقَايَةٌ ........ لأَنْفُسِكُمْ وَالمَوْتُ وَقْتٌ مُؤَجَّلُ

    أَهِيْنُوا لَهَا مَا تُكْرِمُوْنَ وَبَاشِرُوْا ........ صِيَانَتَهَا فَالصَّوْنُ لِلْخَيْلِ أَجْمَلُ

    مَتَى تُكْرِمُوْهَا يُكْرِمِ المَرْءُ نَفْسَهُ ........ وَكُلُّ امْرِئٍ مِنْ قَوْمِهِ حَيْثُ يَنْزِلُ

    وقال لبيد 'في 'ديوانه' 351 من الوافر':

    مَعَاقِلُنا الَّتِيْ نَأْوِيْ إِلَيْهَا ........ بَنَاتُ الأَعْوَجِيَّةِ وَالسُّيُوْفُ

    وقال ابن عبَّاس منشئا أو متمثلا 'كما في 'المتسطرف' 2 - 240 من الوافر':

    أَحِبُّوا الخَيْلَ وَاصطَبِرُوا عَليْهَا ........ فَإِنَّ العِزَّ فِيهَا وَالجَمَالاَ

    إِذَا مَا الخَيْلُ ضَيَّعَهَا أُنَاسٌ ........ حَفِظْنَاها فَأشْرَكَتِ العِيَالاَ

    وقال أعشى بكر بن وائل - يصف حسن اعتنائه بفرسه - 'من الخفيف':

    وَقِيَامِيْ عَلَيْهِ غَيْرُ مَضِيْعٍ ........ دَائِمَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ

    وممَّا قاله كعب يوم الخندق 'من الوافر':

    خُيُولٌ لاَ تُضَاعُ إِذَا أُضِيْعَتْ ........ خُيُوْلُ النَّاسِ فِيْ السَّنَةِ الجَمَادِ

    يُنَازِعْنَ الأَعِنَّةَ مُصْغِيَاتٍ ........ إِذَا نَادَى إِلَى الفَزَعِ المُنَادِيْ

    وقال حسَّان يذكر الحارث بن هشام، وفراره عن أخيه في يوم بدر 'من الطَّويل':

    وَرَاكَضَنَا تَحْتَ العَجَاجَةِ حَارِثٌ ........ عَلَى ظَهْرِ جَرْدَاءٍ كَبَاسِقَةِ النَّخْلِ

    يُقَلِّبُهَا طَوْراً وَطَوْراً يَحُثُّهَا ........ وَيَعْدِبُهَا بِالنَّاسِ وَالمَالِ وَالأَهْلِ

    ولم ينس حظَّه الناظم من مثل هذا المعنى، فقال 'في 'العكبريِّ' 3 - 294 من الطَّويل':

    وَلَوْ لَمْ تَسِرْ سِرْنَا بِأنْفُسٍ ........ غَرَائِبَ يُؤْثِرْنَ الجِيَادَ عَلَى الأَهْلِ

    وقال القحيف العجليُّ - أو رجل من بني تميم - وقد سأله فرسه بعض الملوك 'كما في 'ديوان الحماسة' 1 - 67 من الوافر':

    أَبَيْتَ اللَّعْنَ إِنَّ سَكَابِ عِلْقٌ ........ نَفِيْسٌ لاَ يُعَارُ وَلاَ يُبَاعُ

    مُفَدَّاةٌ مُكَرَّمَةٌ عَلَيْنَا ........ تُجَاعُ لَهَا العِيَالُ وَلاَ تُجَاعُ

    سَلِيْلَةُ سَابِقَيْنِ تَنَاجَلاَهَا ........ إِذَا نُسِبَا يَضُمُّهُمَا الكُرَاعُ

    فَلاَ تَطْمَعْ - أَبَيْتَ اللَّعْنَ - فِيْهَا ........ وَمَنْعُكَهَا بِشَيْءٍ مُسْتَطَاعُ

    وقال شاعر المعرَّة 'في 'سقط الزند' 237 من الوافر':

    وَيَغْبِقُ أَهْلَهُ لَبَنَ الصَّفَايَا ........ وَيَمْنَحُ قُوْتَ مُهْجَتِهِ الجَوَادَا

    وقال أيضا 'في 'سقط الزند' 152 من الطَّويل':

    غَذَاهُنَّ مُحْمَرَّ النَّجِيْعِ قَوَارِحَاً ........ كَمَا كُنَّ يُغْذَيْنَ الضَّرِيْبَ مِهَارَا

    وقال 'في 'سقط الزند' 120 من الوافر':

    ذَكِيُّ القَلْبِ يَخْضِبُهَا نَجِيْعَاً ........ بِمَا جَعَلَ الحَرِيْرَ لَهَا جِلاَلاَ

    وقال 'في 'سقط الزند' 120 من الوافر':

    وَأَعْظَمُ حَادِثٍ فَرَسٌ كَرِيْمٌ ........ يَكُونُ مَلِيْكُهُ رَجُلاً شَحِيْحَا

    وهي أشرف المراكب .وأخرج النَّسَائيُّ 'في 'سننه' 6 - 214 من حديث سلمة بن نفيل السَّكونيِّ: 'أنَّ النبيَّ صبَّى الله عليه وآله وسلَّم نهى عن إذالة الخيل' ؛وهو امتهانها في الحمل عليها .وقال بعضهم 'من الخفيف':

    أَطْيَبُ الطّيِّبَاتِ قَتْلُ الأَعَادِيْ ........ وَرُكُوْبٌ عَلَى ظهُوِرِ الجِيَادِ

    وَرَسُولٌ يَأْتِيْ بِوَعْدِ حَبِيْبٍ ........ وَحَبِيْبٌ يَأْتِيْ بِلاَ مِيْعَادِ

    وقال ابن عقبة 'من الكامل':

    وَقَسَمْتُ حَالاَتِيْ ثَلاثَاً مِثْلَمَا ........ قَدْ كَانَ قَسَّمَهَا أَبِيْ الشَّهْمُ السَّرِيْ

    كَرَمٌ تَدِيْنُ لَهُ الأَنَامُ وَحَالَةٌ ........ ظَهْرُ الحِصَانِ وَحَالَةٌ لِلْمِنْبَرِ

    وَتَخِذْتُ أَصْحَاباً إِذا نَادَمْتُهُمْ ........ لَمْ أَخْشَ مِنْهُمْ مَنْ يَنُمُّ وَيَفْتَرِيْ

    عِلْمِيْ وَحِلمِيْ وَصَارِمِيْ ........ وَنَدَى يَمِيْنِيْ وَالعَفَافُ وَدَفْتَرِيْ

    وقال الناظم 'في 'العكبري' 4 - 175 من الكامل':

    تَخِذُوْا المَجَالِسَ فِيْ البُيُوتِ وَعِنْدَهُ ........ أَنَّ السُّرُوْجَ مَوَاضِعُ الفِتْيَانِ

    وقال 'في 'العكبري' 1 - 230 من الكامل':

    فَكَأَنَّهَا نُتِجَتْ قِيَاماً تَحْتَهُمْ ........ وَكَأَنَّهُمْ وُلِدُوْا عَلَى صَهَوَانِهَا

    وقال 'في 'العكبري' 1 - 193 من الطَّويل':

    أَعَزُّ عَزِيْزٍ فِي الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ ........ وَخَيْرُ جَلِيْسٍ فِي الزَّمانِ كِتَابُ

    ولا يبعد عنه قوله 'في 'العكبري' 4 - 179 من الكامل':

    مُتَفَيَّيْنَ ظِلاَلَ كُلِّ مُطَهَّمٍ ........ أَجَلِ الظَّلِيْمِ وَرِبْقَةِ السَّرْحَانِ

    ورأيت بعض أهل 'اليمن' يقول 'من الطَّويل':

    رَكِبْنَا المَطَايَا وَالجِيَادَ فَلَمْ نَجِدْ ........ أَلَذَّ وَأَشْهَى مِنْ رُكُوبِ المَوَاتِرِ

    وفيه أشياء :أحدها: أنَّه بيت قديم يعزى للجنِّ بلفظه، إلاَّ المواتر، ففي بيت الجنِّ مكانها الأرانب، وهو مشكل بأنَّ الجنَّ تجتنبها من أجل الحيض، ولهذا كانت العرب تعلِّق كعبها في رجل الطفل، كالمعاذة، ثم رأيته في 'شرح القاموس' - رواه عن ثعلب - بإبدال الأرانب بالثعالب، وهو ظاهر إذن .ثانيها: أنَّ مراجيح الأبطال والعجائز سواء في ركوب المواتر، ولا كذلك في عتاق الخيل، وقد قال الناظم 'في 'العكبريِّ' 3 - 373 من البسيط':

    وَشَرُّ مَا قَنَصَتْهُ رَاحَتِيْ قَنَصٌ ........ شُهْبُ الْبُزَاةِ سَوَاءٌ فِيْهِ وَالرَّخَمُ

    وقد يجاب عنه: بأنَّ اليمانيَّ قال: ألذَّ وأشهى، وهذا قد يكون، وإنَّما يأتي الانتقاد لو قال: أعزَّ وأعلى .ثالثها: أنَّ هذه الملاحظة من جنس ملاحظتنا على الإمام العينيِّ قوله - في حديث: 'فَضبُ عائشة على النِّساء كفضل الثِّريد على سائر الطَّعام'، ما معناه -: إنَّ هذا بالنسبة لذلك العهد، أمَّا الآن.. فقد أحدثوا من الأخبصة، والحلويَّات، والمطاعم، ما قد يستقلُّ معها الثريد. وقلنا: داخلته عجمة - رحمة الله عليه - وإلاَّ فالبرُّ أفضل الطعام، واللَّحم أفضل الإدام، لا يزالان كذلك إلى يوم القيام، وما الثريد غير البرِّ مأدوما باللحم ؟! قال الشاعر 'في 'تحفة الأحوذي' 10 - 261 من الوافر':

    إِذَا مَا الْبُرُّ تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ ........ فَذَاكَ أَمَانَةُ اللهِ الثَّرِيْدُ

    وكان البرُّ يلبك لبابه بالشِّهاد في عهده صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.. فلم يفضِّله على الثريد، فلا فضل في المواتر على عناجيج الخيل.. إلاَّ عند من أعشى التمدُّن الممقوت بصره، وغطَّى على بصيرته، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله .وعلى ذكر مجالسة الكتاب في بعض ما جاء عن الناظم.. ذكرت قول الجاحظ: ما أعلم جارا أبرَّ، ولا خليطا أنصف، ولا رفيقا أطوع، ولا معلما أخضع، ولا صاحبا أظهر كفاية، وأقلَّ جناية، ولا أقلَّ إبراما، ولا أنزر إملالا، ولا أنزه عن ريبة، ولا أبعد عن غيبة، ولا أكثر نصرًُّفا، ولا أقلَّ تكلُّفا، ولا أترك للشَّغب، ولا أزهد في الجدال، ولا أحسن مواتاة، ولا أعجل مكافأة، ولا أحضر معونة، ولا أيسر مئونة.. من كتاب .وصدق والله فيما قال، فلقد جرَّبته في نفسي، ووجدت من الأنس به تعلَّة عن الذاهب، وسلوة من الغائب، وزهدا في الخائن، وعزاء عن الحائن، وقلت من قصيدة 'في 'ديوان المؤلف' 388 من البسيط':

    لِيْ غُنْيَةٌ بِمُنَاجَاةِ الدَّفَاتِر عَنْ ........ مَنْ لاَ يُنَاسِبُنِيْ مِنْ جُمْلَةِ النَّاسِ

    قَدْ قُلْتُ نأساً وَلَكِنْ رُبَّمَا مُسِخُوْا ........ فِيْ عَيْنِ كُلِّ بَصِيْرٍ جِيْلَ نَسْنَاسِ

    وقال غيري 'من الكامل':

    نِعْمَ المُحَدِّثُ وَالجَلِيْسُ كِتَابُ ........ تَلْهُوْ بِهِ إِنْ خَانَكَ الأَصْحَابُ

    لاَ مُفْشِيَاً سِرّاً إِذَا اسْتَوْدَعْتَهُ ........ وَتُفَادُ مِنْهُ حِكْمَةٌ وَصَوَابُ

    وقال الجرجاني 'من الخفيف':

    لَمْ أَجْدْ لَذَّةَ السَّلاَمَةِ حَتَّى ........ صِرْتُ لِلْبَيْتِ وَالكِتَابِ جَلِيْسَا

    وقد سبق بعض ما يتعلَّق بالخيل في المجلس الرابع، عند الكلام على قوله 'في 'العكبري' 3 - 162 من الطَّويل':

    وَذَرْنِيْ وَإِيَّاهُ وَطِرْفِيْ وَذَبِلِيْ ........ نَكُنْ وَاحِداً يَلْقَى الوَرَى وَانْظُرَنْ فِعْلِيْ

    ويأتي - بحسب كلِّ فرصة - ما يليق بها من أحوالها إن شاء الله تعالى .ولتقيِّ الدين السبكيِّ جواب عن زمان خلقها، وما يتعلَّق به، أضربت عنه ؛لأنَّ صدري لم ينشرح لما ذكر في أدلَّته، وهو موجود برمَّته في 'حياة الحيوان' '! - 280 - 286' للدميريِّ .'قال أبو الطَّيب المتنبِّي في 'العكبريِّ' 1 - 321 من الخفيف':

    عِشْ عَزِيْزاً أَوْ مُتْ وَأَنْتَ كَرِيْمٌ ........ بَيْنَ طَعْنِ الْقَنَا وَخَفْقِ البُنُوْدِ

    'البنود': الأعلام الكبيرة، والباقي معروف، والمعنى متداول بين الشعراء، جاهليَّة وإسلاما، فمنه قول الحصين بن حمام المريِّ، وقد سبق في غير هذا المجلس 'كما في 'الأغاني' 14 - 11 من الطَّويل':

    وَلَسْتُ بِمُبْتَاعِ الحَيَاةِ بِذِلَّةٍ ........ وَلاَ مُرْتَقٍ مِنْ خَشْيَةِ المَوْتِ سُلَّمَا

    وقال ابن ميَّادة 'في 'ديوانه' 213 من الطَّويل':

    فَلَلْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ ذَمِيْمَةٍ ........ وَلَلْبُخْلُ خَيْرٌ مِنْ عَنَاءٍ كُطَوَّلِ

    وقال سليمان بن قثة 'من الطَّويل':

    وَإِنَّ الأُلَى بِالطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ........ تَأَسَّوْا فَسَنُّوْا لِلْكِرَامِ التَّأَسِّيَا

    وقد تمثَّل به مصعب بن الزبير يوم زاحفه عبد الملك بن مروان، وكان من حديثه 'كما في 'الكامل' 4 - 107 بنحوه': أنه لمَّا خذله أصحابه، وتقاعد عنه عسكره، وخفَّ عنه رجاله.. أرسل إليه عبد الملك أخاه محمَّد بن مروان يعرض عليه الأمان، وولاية 'العراقين' أبدا ما دام حيّاً، وألفي ألف درهم صلة، فأبى، وقال: إنَّ مثلي لا ينصرف عن هذا المكان إلاَّ غالبا، أو مقتولا، فشدَّ عليه أهل الشام، حتَّى طعنه زائدة بن قيس بن قدامة السعديُّ، ونادى يا لثارات المختار، فنزل إليه ابن ظبيان، واحتزَّ رأسه، وحمله إلى عبد الملك، فبكى، وقال: لقد كان أحبَّ الناس إليَّ، وأشدَّهم مودَّة لي، ولكنَّ الملك عقيم .وقال عبد الملك مرَّة لجلسائه: من أشجع الناس ؟فقال بعضهم: قطريٌّ، وقال بعض: شبيب، وقال آخر: فلان، قال عبد الملك: بل رجل جمع بين سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة، وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وقلابة ابنة ريَّان بن أنيف الكلبيِّ، وعرض عليه الأمان، وولاية 'العراقين' ما دام حيّاً، وما في بيت المال كلُّه فأبى، ومشى بسيفه إلى الموت، حتَّى قتل، ذاك مصعب بن الزبير، لا من قطع الجسور مرَّة إلى هنا، وأخرى إلى هناك .ولَّما وضع رأسه بين يديه.. أنشد 'كما في 'تاريخ بغداد' 13 - 107 من الوافر':

    لَقَدْ أَرْدَى الفَوَارِسُ يَوْمَ حِسِّيْ ........ غُلاَماً غَيْرَ مَنَّاعِ المَتَاع

    وَلاَ فَرِحٍ بِخَيْرٍ إِنْ أَتَاهُ ........ وَلاَ هَلِعٍ مِنَ الحَدَثَانِ لاَعِ

    وَلاَ وَقَّافَةٍ وَالخَيْلُ تُرْدِيْ ........ وَلاَ خَالٍ كَأُنْبُوبِ الْيَرَاعِ

    وحسبك بالهاشميِّين ذكرا وشرفا وفخرا.. أنَّ الأبطال تشجَّع بهم نفوسها، وتتذكَّر أحوالهم ؛لتفرِّج بهم بؤسها، وممَّا يستدرُّ إعجابي، ويمتلئ به إهابي، قول أبي عبادة 'في 'ديوانه' 3 - 1952 من الطَّويل':

    وَمِنْ إِرْثِكُمْ أَعْطَتْ صَفِيَّةُ مُصْعَباً ........ جَمِيْلَ الأَسَى لَمَّا اسْتُحِلّتْ مَحَارِمُهْ

    وَثُكْلُ ابْنِهِ مُوْفٍ عَلَى ثُكْلِ نَفْسِهِ ........ فَمَا كَانَ إِلاَّ صَبْرُهُ وَعَزَائِمُهْ

    وَعُرْوَةُ إِذْ لاَ رِجْلُهْ انصَرَفَتْ بِهِ ........ وَقَدْ خَرِمَتْهُ فِي بَنِيْهِ خَوَارِمُهْ

    بَكَى أَقْرَبُوهُ شَجْوَهُ وَهْوَ ضَاحِكٌ ........ يُعَزِّيْهِمُ حَتَّى تَحَيَّرَ لائِمُهْ

    ولله درُّه في قوله 'في 'ديوانه' 3 - 1942 من الطَّويل':

    دَعَاهَا الرَّدَى بَعْدَ الرَّدَى فَتتَابَعَتْ ........ تَتَابُعَ مُنْبَتِّ الْفَرِيْدِ المُنَظَّمِ

    وهو مثل قول كثير ابن أبي وداعة 'في 'أخبار مكة' 4 - 60 من الخفيف':

    أَهْلُ بَيْتٍ تَتَابَعُوا لِلْمَنَايَا ........ مَا عَلَى المَوْتِ بَعْدَهُمْ مِنْ عِتَابِ

    وكان أنس بن النضر ممَّن وفَّى لله، ف'قد أخرج 'البخاري' '2805' في 'الجهاد' أنه': ثبت في يوم أحد حتَّى استشهد، وأصابه يومئذ بضع وستُّون - ما بين طعنة برمح وضربة بسيف - ولم يعرفه إلاَّ أخته ببنانه .ويعجبني قول بعضهم - وأظنُّني قد سقته فيما سبق من المجالس - 'من الكامل':

    يَلْقَى السُّيُوْفَ بِوَجْهِهِ وَبِنَحْرِهِ ........ وَيُقِيْمُ هَامَتَهُ مَقَامَ المِغْفَرِ

    وَيَقُولُ لِلطِّرْفِ : اصْطَبِرْ لِشَبَا القَنَا ........ فعقَرْتَ رُكْنَ المَجْدِ إِنْ لَمْ تُعْقَرِ

    وَإِذَا تَأَمَّلَ شَخْصَ ضَيْفٍ مُقْبِلٍ ........ مُتسَرِبلٍ أَثْوَابَ عَيْشٍ مُقْفَرِ

    أَوْمَا إِلَى الكَدْمَاءِ هَذَا طَارِقٌ ........ سحرَتْنِيَ الأَعْدَاءُ إِنْ لَمْ أَنْحَرِ

    وذكرت به أنَّ عتبة بن ربيعة التمس يوم بدر بيضة يدخلها في رأسه، فلم يوجد في الجيش - مع كثرته - بيضة تسع هامته من كبرها، فأقام هامته مقام المغفر، وأعتجر ببرد له على رأسه، وخرج إلى ميدان المبارزة .ويعجبني قول الشَّريف الرَّضيِّ فيما يتعلَّق بمصعب بن الزُّبير 'في 'ديوانه' 2 - 857 من الطَّويل':

    وَقَدْ حَلَّقَتْ خَوْفَ الهَوَانِ بِمُصعَبٍ ........ وَادِمُ آبَاءٍ كِرَامِ المَقَادِمِ

    عَلَى حِيْنَ أَعْطَوْهُ الأَمَانَ فَعَافَهُ ........ وخْيِّرَ فاخْتَارَ الرَّدَى غَيْرَ نَادِمِ

    وقال يزيد بن المهلَّب يذمُّ بعض الهاربين: هبوه غلب على الملك، فمن غلبه على الموت ؟فلمَّا كان يوم العقر، وامترى الناس في قتله.. قال مسلمة بن عبد الملك: ما كان والله ليفرَّ يزيد، فالتمسوه في القتلى، وما كانوا يعرفونه إلاَّ بعد لأي مّا من كثرة ما أصابه .ولمَّا قيل له: هلاَّ تبني لك قصرا. قال: هو مبنيٌّ، قالوا: أينه ؟قال: إمَّا دار الإمارة، وإمَّا السجن، وإمَّا القبر .فأخذه أبو فراس الحمدانيُّ في قوله 'في 'ديوانه' 145 من الطَّويل':

    وَإِنَّا أُنَاسٌ لاَ تَوَسُّطَ عِنْدَنَا ........ لَنَا الصَّدْرُ فِيْ كُلِّ الأُمُوْرِ أَوِ القَبْرُ

    ةيعجبني فيه قول الرَّضي 'في 'ديوانه' 2 - 857 من الطَّويل':

    وَهَذَا يَزِيْدُ بْنُ المُهَلَّبِ نَافَرَتْ ........ بِهِ الذُّلَّ أَعْرَاقُ الجُدُوْدِ الأَكَارِمِ

    فَقَالَ وَقَدْ عَنَّ الفِرَارُ أَوِ الرَّدَى ........ لَحَا اللهُ أَخْزَى ذُكْرَةٍ فِيْ المَوَاسِمِ

    وَمَا غَمَرَاتُ المَوْتِ إِلاَّ انْغِمَاسَةٌ ........ وَلاَ ذِيْ المَنَايَا غَيْرُ تَهْوِيْمِ نَائِمِ

    رَأَى أَنَّ ضَرْبَ السَّيْفِ أَهْوَنُ مَحْمَلاً ........ مِنَ العَارِ يَبْقَى وَسْمُهُ فِيْ المَخَاطِمِ

    فَعَافَ الدَّنَايَا وَامْتَطَى المَوْتَ شَامِخاً ........ بِمَارِنِ عِزٍّ لاَ يَذِلُّ لِخَاطِمِ

    ولله قول بعضهم 'من الطَّويل':

    وَلاَ بُدَّ أَنْ أَسْعَى لأَشْرَفِ رُتْبَةٍ ........ وَأَمْنَعَ عَيْنِيْ عَنْ لَذِيْذِ مَنَامِيْ

    وَأَقْتَحِمَ الأَمْرَ الجَسِيْمَ بِحَيْثُ أَنْ ........ أَرَى المَوْتَ خَلْفِيْ تَارَةً وَأَمَامِيْ

    فَإِمَّا مُقَاماً يَضْرِبُ الْمَجْدُ وَسْطَهُ ........ سُرَادِقَهُ أَوْ بَاكِياً لِحِمَامِ

    وَإِنْ أَنَا لَمْ أَبْلُغْ مَقَاماً أَرُومُهُ ........ فَكَمْ حَسَرَاتٍ فِيْ نُفُوْسٍ كِرَامِ

    وقول أبي عبادة 'في 'ديوانه' 2 - 745 من الطَّويل':

    سَأَحْمِلُ نَفْسِيْ عِنْدَ كُلِّ مُلِمَّهٍ ........ عَلَى مِثْلِ حَدِّ السَّيْفِ أَخْلَصَهُ الهِنْدُ

    فَإِنْ عِشْتُ مَحْمُوداً فَمِثْبِيْ بَغَى الغِنَى ........ لِيَكْسِبَ مَالاً أَوْ يَنُثَّ لَهُ حَمْدُ

    وَإِنْ مِتُّ لَمْ أَظْفَرْ فَلَيْسَ عَلَى امْرِئٍ ........ غَدَا طَالِباً إِلاَّ تَقَصِّيْهِ وَالجُهْدُ

    وقد سبق في غير هذا المجلس ذكر هدبة بن الخشرم، وأنَّه قال للسجَّان - لمَّا جاء يؤذيه بعزمهم على قتله -: رويدك حتَّى أتمَّ لعبتي، وكان يلعب الشطرنج، فما انزعج، ولا اندهش، ولا تغيَّر .وكان من حديثه: أنَّه قتل زيادة بن زيد العذريَّ ؛لأنَّه شبَّب بأخته فاطمة، وقال 'من الرجز':

    عُوْجِيْ عَلَيْنَا وَارْبَعِيْ يَا فَاطِمَا ........ أَمَا تَرَيْنَ الدَّمْعَ مِنِّيْ سَاجِمَا

    فرفع إلى سعيد بن العاص، وكان أمير 'المدينة'، وكان الذي رفعه عبد الرحمن أخو زيادة، فكره الحكم في القضيَّة سعيد، وأرسلهما إلى معاوية، فلمَّا صارا بين يديه.. قال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك مظلمتي، وقتل أخي، فقال معاوية: قل يا هدبة، قال: إن شئت أن أقصَّ عليك كلاما، أو شعرا ؟قال: لا، بل شعرا، فقال 'في 'ديوانه' 95 - 97 من الطَّويل':

    أَلاَ يَا لَقَوْمِيْ لِلنَّوائِبِ وَالدَّهْرِ ........ وَلَلْمَرْءُ يُرْدِيْ نَفْسَهُ وَهْوَ لاَ يَدْرِيْ

    وَلِلأَرْضِ كَمْ مِنْ صَالِحٍ قَدْ تَلاَءَمَتْ ........ عَلَيْهِ وَوَارَتْهُ بِلَمَّاعَةِ قَفْرِ

    فَلا ذَا جَلاَلٍ هِبْنَهُ لِجَلاَلِهِ ........ وَلاَ ذَا ضَيَاعٍ هُنَّ يُتْرَكْنَ لِلْفَقْرِ

    إلى أن قال 'في 'ديوانه' 97 - 98 من الطَّويل':

    فَلَمَّا رَأَيْتُ هِيَ ضَرْبَةٌ ........ مِنَ السَّيْفِ أَوْ إِغضَاءُ عَيْنٍ عَلى وِتْرِ

    عَمَدْتُ لأَمْرٍ لاَ يُعَيِّرُ وَالِدِيْ ........ خِزَايَتُهُ حَيَّاً وَلاَ وَهْوَ فِيْ القَبْرِ

    رُمِيْنَا فَرَامَيْنَا فَصَادَفَ سَهْمُنَا ........ مَنِيَّةَ نَفْسٍ فِيْ كِتَابٍ عَلَى قَدْرِ

    وَأَنْتَ أَمِيْرُ المُؤْمِنيْنَ فَمَا لَنَا ........ وَرَاءَكَ مِنْ مَعْدٍ وَلاَ عَنْكَ مِنْ قَصْرِ

    فإِنْ تَكُ فِيْ أَموَالِنَا لَمْ تَضِقْ بِهَا ........ ذِرَاعاً وَإِنْ صَبْرٌ فَنَصْبِرُ لِلصَّبْرِ

    فقال له معاوية: أراك قد أقررت يا هدبة، فقال عبد الرحمن: أقدني، فكره ذلك معاوية، وضنَّ بهدبه عن القتل، وقال: ألزيادة ولد ؟قال: نعم، قال: أصغير أم كبير ؟قال: بل صغير، قال: يحبس هدبة إلى أن يبلغ ابن زيادة، فأرسله إلى 'المدينة'.. فحبس بها سبع سنين، فلمَّا بلغ ابن زيادة.. عرض عليه عشر ديات، فكاد أن يرضى، فقالت امُّه: أعطي الله عهدا، لئن لم تقتله.. لأتزوجنَّه، فيكون قد قتل أباك، ونكح أمَّك، وكان ممَّن عرض عليه الديات: الحسين بن عليٍّ، وعبد الله بن جعفر، وعبيد الله بن العبَّاس، وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، وغيرهم، ولمَّا ذهب به إلى 'الحرَّة' ليقتل.. لقيه عبد الرحمن بن حسَّان، فقال له: أنشدني، فقال 'من الطَّويل':

    وَلَسْتُ بِمِفْرَاحٍ إِذا الدَّهْرُ سَرَّنِيْ ........ وَلاَ جَازعٍ مِنْ صَرْفِهِ المُتَقَلِّبِ

    وَلاَ أَتَمنَّى الشَّرَّ وَالشَّرُّ تَارِكِيْ ........ وَلَكِنْ مَتَى أُحْمَلْ عَلَى الشَّرِّ أَرْكَبِ

    وقال 'الأبيات لأبي الطمحان القينيِّ كما في 'ديوان الحماسة' 2 - 83 الطويل':

    أَلاَ عَلِّلاَنِيْ قَبْلَ نَوْحِ النَّوَائِحِ ........ وَقَبْلَ ارْتِقَاءِ النَّفْسِ فَوْقَ الجَوانِحِ

    وَقَبْلَ غَدٍ يَا لَهْفَ نَفْسِيْ عَلَى غَدٍ ........ إِذَا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1