Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

بأي ذنبٍ قُتِلَت
بأي ذنبٍ قُتِلَت
بأي ذنبٍ قُتِلَت
Ebook404 pages3 hours

بأي ذنبٍ قُتِلَت

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كوابيسنا ليسَت إلَّا الأخطاء التي ارتكبناها في واقعنا. كوابيسنا تشبه كلَّ شيء فَعلناه في الظلمة.  كتابٌ مغلَق مكتوب بلُغة لا يفهمها أحد سِوَانا. الكابوس عبارة عن لُعبة فيها جمال اللحظات الغامضة التي يجب أن ندوسها.. خطوات الشيطان التي اتَّبعناها وآثارها موجودة في كلِّ مكان، لن تختفي أبدًا، وسوف تزورنا كلَّ ليلة في أحلامنا لتذكِّرنا بالجُرم الذي ارتكبناه.
Languageالعربية
Release dateOct 31, 2022
ISBN9789948812272
بأي ذنبٍ قُتِلَت

Related to بأي ذنبٍ قُتِلَت

Related ebooks

Related categories

Reviews for بأي ذنبٍ قُتِلَت

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    بأي ذنبٍ قُتِلَت - هناء الحمادي

    بأي ذنبٍ قُتِلَت

    هناء الحمادي

    Austin Macauley Publishers

    2022-10-31

    بأي ذنبٍ قُتِلَت

    الإهـداء

    حقوق النشر©

    (1)

    (2)

    (3)

    (4)

    (5)

    (6)

    (7)

    (8)

    (9)

    (10)

    (11)

    (12)

    (13)

    (14)

    (15)

    (16)

    (17)

    (18)

    (19)

    (20)

    (21)

    (22)

    (23)

    (24)

    (25)

    الإهـداء

    إهداء إلى من رأى موهبتي من أول مرة وآمن بها إلى أن رأت النور.

    حقوق النشر©

    هناء الحمادي 2022

    تمتلك هناء الحمادي الحق كمؤلفة لهذا العمل، وفقاً للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأية وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948812265 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948812272 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب: MC-10-01-7347895

    التصنيف العمري: 17+

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقا لنظام التصنيف العمري الصادر عن وزارة الثقافة والشباب.

    الطبعة الأولى 2022

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    202 95 655 971+

    (1)

    لقد لفتتني منذ الوهلة الأولى.. ظَهَرت جميلة بلباسها الأنيق والبسيط مثل وردة رقيقة تمردت في حقلٍ بهي شديد الخضرة، لتبرز هي بأوراقها الملفتة المشعة، تفوح منها رائحة الربيع المزهر.. تبدّت ملامحها جليّة في عينيها البنيتين كلون الكستناء، وفي وجنتيها المتوردين، وعنقها الذي كانت تزينه بقلادة تحمل لؤلؤة بيضاء نقية مثلها، وفمها الذي كلما ابتسمت كشف عن أسنانها البرّاقة.. كانت جميلة وقد ارتعش كياني كله لحسنها، وتعلّقت عيناي بسحرها.

    لاحظ (سالم) ما حلّ بي فلكزني بسخريته المعهودة:

    - ما بك؟ هل علقت شباكك بصيدٍ ثمين؟

    زجرته وأنا أهمس محاولاً عدم لفت انتباه الفتيات:

    - اسكت...! ألا تعرف كيف تتحدث؟

    كنّا في مطعم لنتناول الغداء، لقد دعاني (عبد الله) وقال لي أنه برفقة سالم.. وفوجئت عند حضوري بوجود ثلاث فتيات يجلسن على الطاولة برفقتهما. ميّزت أولهما: (فاطمة) والتي كانت تجلس إلى جانب عبد الله، والتي كنت معتاداً على رؤيتها كونها حبيبة عبد الله وتعتبر فرداً من عائلتنا السعيدة. رغم أنها لا ترتدي (العباءة) إلا أنها كانت ترتدي ملابسَ محتشمة كما اعتدت أن أراها، وصففت شعرها الأسود بطريقة أنيقة وغير ملفتة للنظر ليتناسب مع هذا اللقاء والمكان. كانت تسترق النظر إلى عبد الله وهو يتحدث ويبتسم ويقهقه، ويستحيل ألّا ينتبه أحد إلى بريق الحب المشع من عينيها الناعستين بلونهما الأسود كسواد الليل.

    أمّا عبد الله فقد كان مندمجاً بسرد قصصه وتعليقاته الساخرة محاولاً جذب ولفت انتباه الفتيات كالعادة.. وهذا لا يمنعه طبعاً من تدليله لفتاته بين الآونة والأخرى.

    فاطمة و(شيماء) كانتا تنظران إلى عيني بعضهما البعض في حديثٍ صامت.

    اقتربت فاطمة من شيماء وهمست:

    - انظري إليه يبدو أنه معجبٌ بكِ.

    لكزتها شيماء بمرفقها حتى تصمت وقالت:

    - دعكِ مني وانشغلي بنفسك.

    من يرى هاتين الفتاتين بنظرة خاطفة قد يظنهما توءماً من كثرة الشبه بينهما، ومن لا يعرفهما قد يظنهما أُختين كما ظننتُ أنا.. لكن الحقيقة أنهما بناتُ عم كما عرفت لاحقاً!

    وبعد قليل أحضر النادل الغداء لنتناوله بصمتٍ إلّا من أحاديث مترامية، منفصلة.. وبعد الغداء جلسنا نتحدث في مواضيع عامة.

    كنت مركزاً سمعي عليها فقط، وأعني بـ عليها أي على شيماء طبعاً؛ لأكتشف ما بداخل تلك الصّدفة الصغيرة.. صغيرة...؟ نعم صغيرة؛ بالنسبة إلى عمري ليست إلا طفلة كبيرة. فتاة في ريعان شبابها تبلغ من العمر 20 عاماً، طموحة، وقد سحرتني بشخصيتها القوية المندفعة.

    - أمتزوجٌ أنت يا أحمد؟

    سألتني.

    مررت نظر بين سالم وعبد الله، ثم أجبتها بكل ثقة:

    - لا، لست مرتبطاً بعد.

    هل كان عليّ قول ذلك؟ لا أدري.. ولكنني شعرت أنه يجب علي قول ذلك.

    أخَذَت تعبث بصحن السلطة أمامها وهي تقول:

    - أنت في الثلاثين من عمرك لماذا لم تتزوج بعد...؟ أم أنّك صرفت النظر عن هذا الموضوع؟

    نظرت إلى عبد الله وواصلت حديثها:

    - وقررت العبث هنا وهناك مثل عبد الله؟

    ابتسمتُ وقلت:

    - لا لم أصرف النظر، لكنني لا أحب الزواج التقليدي.. أُفضّل الزواج عن قصة حب.

    فتحت عينيها مندهشة وهي تتساءل:

    - ألم تحظَ بقصة حب في فترة مراهقتك؟

    التفتُّ إلى سالم وعبد الله اللذين كانا ينظران إليَّ بنظرات ذات معنى.. ثم أعدت النظر إلى شيماء وأجبتها:

    - بلى، لكنها لم تستمر.. أدركت لاحقاً أننا لا نناسب بعضنا.

    هزّت رأسها متفهمه وواصلت أكل طبق السلطة.

    كنت معتاداً على رؤية الفتيات وأنا برفقة عبد الله، فهو رجلٌ مهووسٌ بهن، يحب أن يكون محط اهتمامهن. إلا أن هذه المرة كانت مختلفة، فهؤلاء الفتيات لسن كاللاتي أراهن معه غالباً.. كون فاطمة حبيبة عبد الله منذ سنوات فكنا نجتمع كثيراً معاً.. و(عائشة) هي صديقة فاطمة وقد التقيت بها سباقاً لأنها أصبحت تأتي مع عائشة مؤخراً.. أمّا شيماء انضمت إليهما هذه المرة لسببٍ ما، لتدخل وبشكل غير مباشر في أسرتنا السعيدة. لم تكن كسائر الفتيات؛ كانت دقيقة، نقية، رقيقة، واضحة، ناعمة، وكأنها حورية!

    التفتُّ إلى (سالم) وسألته:

    - هل وجدت الكتاب الذي أخبرتني عنه؟

    التفتَ إليّ هو الآخر وعقد حاجبيه مستغرباً وهزّ رأسه كناية عن عدم فهمه عن أي كتابٍ أتحدث.

    - ألم تعدني أن تُحضر لي كتاباً للدكتور (خالد المنيف)؟!

    صَفّر ورفع رأسه إلى أعلى وقال:

    - أوووه.. لقد نسيت أمره تماماً.. ذكَّرني عندما أذهب إلى المنزل.

    شاركتنا شيماء الحديث:

    - عن أي كتابٍ تتحدثان؟

    قال سالم:

    - (لوّن حياتك).

    لمعت عيناها فجأة وهي تقول بحماس:

    - إنه كتابٌ رائع!

    - نعم هو كذلك.. كتابٌ يبث الطاقة الإيجابية، وفيه قصص تحرك خلايا العقل.

    قال عبد الله منزعجاً:

    - أكره حديث الفلاسفة والمعلمين.. أليس هناك أي موضوع أكثر إثارة عن موضوع الكتب!

    ثم رفع هاتفه وبدأ يعبث به.

    لم ألتفت إلى ما قاله عبد الله، وقلت:

    - أنا أبحث عن كتاب لتنمية الذات وتنشيط خلايا العقل.

    قالت شيماء باهتمام:

    - إذا كنت تبحث عن كتب لتنمية الذات فأنصحك بكتاب آخر للدكتور خالد المنيف.. (موعد مع الحياة).. كتاب للتفكير المنفتح، وفيه الكثير من المعاني العظيمة والقيم السامية، وهو الأمثل لإيقاظ قدراتك النائمة.

    هتف عبد الله:

    - ألم تنتهوا بعد!!

    ردّت عليه فاطمة:

    - عندما يبدأ الحديث عن الكتب فإن شيماء مستعدة لأن تستمر في الحديث إلى ما لا نهاية.

    ضحك عبد الله وقال ساخراً:

    - يا لفرحتي! سوف آخذ درساً في الثقافة واللغة مجاناً.

    التفتت فاطمة إلى شيماء الجالسة إلى جانبها وأمسكت بيدها وقالت بعد أن تذكرت أمراً:

    - لماذا لا تقومين بدعوته إلى (جنّتك)؟

    تساءل عبد الله:

    - جنّتها؟!

    ردّت عليه بسرعة:

    - أجل، فوالدها أنشأ لها كافيهاً بطلبٍ منها اسمه (المقهى الثقافي).. وهو عبارة عن كافيه ومكتبة لقراءة الكتب في آنٍ واحد.. واعتادت أن تسميه (جنّتي).. وقد لقي مشروعها هذا إقبالاً كبيراً من عشّاق القراءة ومن الذين يهوون العزلة والهدوء.

    - غريبٌ أن يسمي شخص ما (مكتبة) بـ (جنة).. إنهما نقيضان كالماء والزيت!

    لمعت عينا شيماء من جديد وقالت بحماس أكثر موجهةً كلامها إلي:

    - أجل صحيح! كيف غاب عن بالي.. إنه مقهى يشبه المكتبة.. لدينا قهوة ممتازة، إن كنت من محبي القهوة.. ويوجد في مكتبتنا مئات الكتب التي انتقيت أغلبها بنفسي.. حتى إن هناك منطقة خاصة للقراءة.. أنا أذهب إلى هناك كل مساء ثلاثاء، لم لا تزور المكان؟

    تلعثمت وأنا أحاول الرد، لقد أربكني العرض في الواقع، وكانت نبرة صوتها جدية ولم أشعر أنه طلب بل أمر...! كان من الذوق منها أن تتفضل بدعوتي إلى الكافيه الذي تملكه عائلتها.

    ** ** **

    أمضيت نصف ساعة تقريباً وأنا أنظر في خزانتي متسائلاً عما سوف أرتديه في هذا اللقاء، إلى أن استقر رأيي أخيراً على ارتداء سروال جينز وقميص polo أبيض بأكمام طويلة، وحذاء رياضي يليق به.. ثم توقفت أمام المرآة وأنا أبتسم لنفسي وأقوم بتعابير على وجهي لأرى كيف سيبدو منظري أمامها.. وجودك في مكان جديد يجعلك شديد الانتباه لكل سلوك اجتماعي.. مهما كان تافهاً.

    جاء رد فعل (ريم) في ذلك المساء مستاءً على نحوٍ مسلٍّ.. فقد قلت لها أنني التقيت بـ(سلطان ومنصور) – زَمِيلَي دراسة – قبل يومين، وقد دعياني لاحتساء القهوة معهما في إحدى الكافيات. والحقيقة إنني لا أعرف عنهما شيء منذ أكثر من 7 سنوات تقريباً!

    خرجت ريم من الحَمّام وهي ترتدي ثوب الاستحمام وتلف شعرها بمنشفة وقالت:

    - أتذكرُ كيف ورّطك سلطان ومنصور في مشاريع فاشلة؟

    - نعم أتذكَّر.. لكنني قبلت دعوتهما من باب الذوق ليس إلا.

    اقتربت مني حيث أقف أمام المرآة، فالتفت إليها.. وقالت لي بدورها:

    - أنا لست متحمسة لهذا اللقاء.. ولكن ماذا عساي أن أفعل؟!

    ثم قبَّلَت خدي بحرارة.

    اعتقد أنها رأت شيئاً في وجهي، فهي تحسن قراءة تعابير وجهي جيداً.

    وصلت إلى (المقهى الثقافي) وجلست على أول طاولة صادفتني وطلبت القهوة التي نعتتها لي.. كانت القهوة رائعة كما وعدتني. نظرت من حولي بحثاً عن شيماء ولكنني لم أرها.. إنه يوم الثلاثاء.. أليس هو اليوم الذي قالت إنها تكون متواجدة فيه...؟ تلفّتُّ حولي، وأحسست بشيء من عدم الارتياح، وأنني في مكان لا يُرغب بوجودي فيه.. واعتقدت أنني أخطأت في تحليل نبرة صوتها في ذلك اليوم، وأنها نسيت كل شيء عن الدعوة أو ربما ندمت عليها!

    توجهت إلى المكتبة التي كانت في القسم الثاني من الكافيه، وأخذت أُلقي نظرة سريعة على الكتب في المكتبة الضخمة. مشيت ببطء نحو رفوف الكتب وتفحصت العناوين تحت نور المكتبة الخافت، وكنت أسحب أي كتاب يشدني عنوانه بين الحين والآخر.

    لم أشعر باقتراب شخصٍ ما مني، فبين كل حين أشعر باقتراب أحدهم ثم ينصرف، فلم ألتفت إلى المارّة كثيراً حتى حدث التالي..

    قالت شيماء بعد أن وقفت بجانبي:

    - هذا أنت يا أحمد؟

    نبض قلبي بشدة عندما سمعت صوتها، ليس لأنني فزعت، ولكن لأن هناك شعوراً راودني لدى سماعي لصوتها.

    - ظننت أنك لن تأتي.. لم أتوقع حضورك وتلبية الدعوة بعد يومين من دعوتي لك، وخاصة أنَّك لمْ تأتِ في النهار.

    - فضلت أن أحضر في المساء لأقرأ الكتب في أجواء هادئة.

    ابتسمت شيماء ابتسامة تنم عن الرضى ثم مشَتْ ببطء نحو الرفوف وسحبَتْ كتاباً وناولتني إياه:

    - هذا هو الكتاب الذي أخبرتك عنه.

    أذهلتني حقيقة، فهي لم تنسَ حتى ما جئت لأجله. عرضت عليها الجلوس معي في الكافيه لنتبادل أطراف الحديث وقبلت عرضي مسرورة.

    جلسنا على الطاولة دون أن نقول المزيد، وتداركاً لموقفي تظاهرت بتصفح الكتاب الذي بين يدي ورحت أقرأ الصفحات بشكل سريع.. وبعد دقيقتين أغلقتُه ووضعتُه أمامي على الطاولة وقلت:

    - محتوياته رائعة!

    ابتسمت ولم تعلّق.. ثم:

    - ماذا تحب أن تشرب؟

    - لقد شربت القهوة فور وصولي، فأنا هنا منذ نصف ساعة.. وقد كانت لذيذة بحق.. سوف أعتمدها كقهوتي الخاصة.

    ضحِكت بلطف وقالت ممازحة:

    - سوف أُطلعك على سرها لاحقاً.. ليست القهوة فقط وإنما كافة المشروبات الساخنة الأخرى.

    التفتت إلى النادلتين على الكاشير وهتفت:

    - أنطونيا.. come please

    لبتها النادلة في لحظة:

    - yes madam!

    - Antonia give this man whatever he wants، and don’t ask him for the bell.. he is my guest

    فقلت مباشرةً معترضاُ على كلامها:

    - لا لا لا، حالي كحال باقي الزبائن.. لا تحرجيني أرجوكِ!

    أشارت شيماء للنادلة بالانصراف ووصتها أن تنفذ ما طلبته منها.

    - أنت ضيفي اليوم وأرجو أن تقبل دعوتي.. وعندما تأتي في المرة القادمة اِدفع حسابك.. أم إن المكان لم يعجبك؟

    قلت بسرعة:

    - لا لا على العكس تماماً، مكان راقٍ وقد أُغرمت به.. وسوف أزوره كثيراً إن شاء الله.

    نَهَضَت من على مقعدها وطلبت مني أن أتبعها.. ففعلت.

    أخذتني إلى المكتبة ثانيةً، ثم إلى مكان فيه مقاعد خاصة للقراءة وقالت:

    - يمكنك القراءة هنا. reading zone..

    وجلَسَتْ على مقعد أشبه بالسرير. دائري وملتصق بالجدار وفيه مخدة مخصصة، تستطيع أن تجلس أو تنام فيه. وقالت:

    - هذا مكاني المفضل. ثم نهضَتْ مجدداً وهي تقول: سوف أتركك تقرأ الكتاب وسأنسحب بهدوء.. عليّ أن أشرف على بعض الأمور.. أراك لاحقاً.

    ولوحت لي مبتعدة، واختفت بعد أن عادت إلى ساحة المقهى الرئيسية.

    وقفت هناك مدة أنقل بصري بين الكتاب وكرسي شيماء المفضل.. ثم جلستُ عليه أخيراً وفتحت على أول صفحات الكتاب وشرعت بالقراءة.

    بالرغم من هذا الموقف الجديد والغريب إلا أنني استمتعت بوقتي أشد استمتاع.. أنا لست من هواة القراءة، ولا من عشاق الكتب.. لكنني في تلك الأمسية وجدت متعة عظيمة في تصفح وقراءة الكتاب.. وشعرت فجأة بأغرب إحساس بالارتياح وأنا في ذلك المكان..

    لم أشعر بمرور الوقت إلا عندما قالت لي شيماء:

    - إنها العاشرة مساءً.

    نظرت في ساعة يدي.. فعلاً كانت الساعة تشير إلى العاشرة!

    - أنت لم تشعر بمضي الوقت أليس كذلك؟ وجَلَستْ بجانبي، فقد كنتُ قد غيَّرت مكاني وجلستُ على الأرض على وسادة جلوس.. وواصلت: هذا أمرٌ منطقي.. الانسان لا يشعر بمضي الوقت وهو يقرأ.

    لا لم يكن ذلك منطقياً أبداً! فأنا وطوال عمري لم أستغرق كل هذا الوقت في القراءة أبداً.. والأمر الذي بدا أكثر غرابة وغير منطقي على الإطلاق هو أنني أحسست بإحساس غريب.. شعرت أنني أحلم من جديد، هزّني سماع صوتها الرقيق من جديد واختلجت في بحري موجات حبي، وحركت في أعماقي الكثير من الحب المدفون.. منذ متى يا قلبي لم تنبض بهذه القوة...؟ منذ متى يا حبي لم تتدفق وتندفع بهذا الحزم !.

    قلتُ:

    - غير المنطقي هو أنني أنهيت قراءة الكتاب في يوم واحد، وقرأت كتاباً آخر.. لا ليس في يوم واحد، بل في ساعات!

    ضحكنا معاً ثم قالت:

    - أحضرتُ لك كتاباً أتمنى أن ينال على إعجابك.. وأرجو الّا أكون متطفلة عليك بإعطائك الكتب.

    - لا، لا عليك.. لطفٌ منكِ أن تفعلي ذلك.. أين هو هذا الكتاب؟

    أعطتني كتاباً كانت قد أحضرته معها.. فقرأت عنوانه ما إن مسكته:

    - (أفكار صغيرة لحياة كبيرة(.

    شكرتها ونهضت من على الأرض، فنهضت معي.. ومشينا إلى الكافيه. كان خالياً لأنه يُغلق في العاشرة والنصف، إلا من امرأة كانت تقف أمام طاولة الكاشير لتدفع ثمن مشروب تمسكه بيدها.. مشينا سويّاً إلى محاذاة الكاشير وقلت:

    - شكراً على دعوتي إلى هذا المكان الجميل.

    - لا داعي للشكر.. مرحبٌ بك في أي وقت.

    - حسناً، كيف يمكنني استعارة هذا الكتاب؟

    ضحكت، ثم تقهقهت، ثم خفتت ضحكاتها تدريجياً وقالت بدهشة:

    - هذه ليست مكتبة حقيقة يا محمد.. هذه الكتب ليست للاستعارة.. وهذا الكتاب هدية مني لك.

    كان في عبارتها كومة من الدفء.. لم أحظَ باهتمام على هذا النحو من قبل. وواصلت حديثها: وكان من اللطف منك تلبية دعوتي في هذه المدة القصيرة.. عُد مرة أُخرى إذا أحببت ذلك، ولا تنتظر دعوة مني.

    كنت أريد أن أسألها إذا ما كانت ستتواجد غداً، كنت أفكر في طريقة مناسبة لصياغة السؤال واختيار العبارات المناسبة هل من الضروري أن أسأل؟.. لا أريد أن أكون لزقة. كان السؤال على طرف لساني، أردت أن أطرح عليها السؤال. وكأنها علمت بما يدور في ذهني:

    - أنا أحضر إلى هنا كل مساء ثلاثاء من العصر حتى نغلق الكافيه في العاشرة والنصف.. لكن هذا لا يعني أنك لا تستطيع أن تأتي غداً.. فالمكان مفتوح طوال الأسبوع ماعدا أيام العطلة.

    ابتسمتُ وبقيتُ واقفاً على الباب للحظة أفكر بما يجب علي قوله.. وقلت أخيراً:

    - اذاً سنلتقي مجدداً في مثل هذا اليوم.

    ابتسمَتْ:

    - على الرحب والسعة.

    هلي هي تُصرفني الآن؟ هل انتهى الحوار...؟ هل سئمت من الحديث معي...؟ هل أرحل فحسب أم علي توديعها...؟ ماذا أفعل...؟! ثم قلت في نفسي: يا لها من فكرة سخيفة.

    أشَرْتُ بيدي ملوحاً.. ومشيت ببطء إلى أن خرجتُ خارج المقهى.

    ** ** **

    دخلتُ جناحي الخاص في منزل والدي، ومشيت ببطء نحو باب الغرفة.. فتحته بحذرٍ شديد، ودلفت إلى الداخل ثم أغلقت الباب خلفي.

    كانت ريم شبه نائمة.. اقتربت بحذر حتى لا أُحدث صوتاً يزعجها وجلستُ على السرير وأنا أخلع ساعتي ووضعت محفظتي وهاتفي على الطاولة. مالت ريم إلى جنبها وهي تريد أن تجري تحقيقاً غامضاً معي، لكنني قلت لها أن تعود إلى النوم.

    قالت بلسان ثقيل وصوت خافت:

    - كيف كانت جمعتكم؟

    ترددت في الإجابة للحظة، فلم أكُن اتوقع سؤالها.. قلت وأنا أفك أزرار قميصي:

    - جرت الأمور على خير ما يرام.. لكنهما عرضا عليَّ مشاركتهما في مشروع يريدان افتتاحه.

    وكانت هذه كذبتي الثانية عليها.

    تثاءبت ثم قالت:

    - قلت لك أن هذا سيحصل.

    - لكنها لم تكن فكرة سيئة.. وبالطبع لم أقبل عرضهما بالمشاركة.

    قالت وهي تسخر مني:

    - يا حليلك...! يا لك من أبله يا عزيزي.

    نهضت لأخلع سروالي وقلت:

    - لكي تعرف شخصاً أنه أبله ينبغي أن تكون أبلهَ مثله.. عودي إلى النوم.

    لم تكُن بحاجة لأن أقول لها ذلك، فقد كانت قد خلدت إلى النوم فعلاً.

    خلعت ثيابي واستحممت وارتديت البجامة.. وبدلاً مِن الذهاب إلى الفراش ذهبت إلى المطبخ الذي في جناحي – ليس مطبخاً بالمعنى الحرفي بل مطبخ تحضيري – وأعددت لي كوبَ حليب وجلست إلى طاولة المطبخ وشربت حليبي ببطء وأنا أنظر من خلال نافذة المطبخ إلى حديقة المنزل المظلمة وأنا غارقٌ في التفكير.

    الحب هو سر الوجود وسكر الحياة، الحب هو جوهر العلاقات.. يستحيل أن تكون هناك علاقة دافئة بلا حب مهما كانت.

    الحب احتياج، أمان، ثقة، إخلاص ووفاء.. الحب تضحية، إيثار، ومشاعر راقية وسامية ومرهفة.

    هو الشعور الوحيد الذي يزيد كلما تقدمنا بالسن، ويكبر كلما كبرنا، ولا يشيخ مهما تقدّم بنا السن وشيّبنا.. إما أن يكبر

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1