Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

كيف بدأ كل شيء
كيف بدأ كل شيء
كيف بدأ كل شيء
Ebook458 pages3 hours

كيف بدأ كل شيء

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

عندما شرعت في كتابة "الطريق إلى الحقيقة" كان لابد أن تكون نقطة البداية هي الكون، فليس منطقيًا أن نكون جزءًا من هذا الكون و لا نتعرف عليه قدر المستطاع، كيف كانت بدايته؟ و كيف يعمل؟ وكيف يمكن أن تكون نهايته؟، فمما لا شك فيه أن الإجابات على هذه الأسئلة وغيرها ليست فقط نوع من الفضول الفطري، بل إنها بلا شك تحدد نظرتنا للحياة و فلسفة وجودنا على هذه الأرض.
فإذا أدركنا أن الكون عمل إبداعي لا يمكن أن يحدث إلا من قبل قوة لامتناهية الذكاء خارج هذا الكون تماماً، عندئذ سيصبح لوجودنا معني، و نكون علي الطريق الصحيح صوب الحقيقة .
أما إذا رأينا أن قوانين الطبيعة الجامدة هي التي أوجدت الكون بكل ما فيه، فإن مثل هذا الإستنتاج المادي سيفضى بنا إلى سلسلة من الفرضيات الخيالية، والأهم من ذلك أن وجودنا وحياة كل منا ستصبح بلا قيمة، كما يقول الداروينيون مجرد صدفة بلا غرض أو هدف.
والواقع أن مراحل نشأة الكون لا تختلف كثيرًا عن مراحل نشأة أي كائن حي، فبداية الكون كانت من نقطة صغيرة سميناها "التفرد" وكأنها الخلية الأولي التي تحمل في طياتها "الشفرة الجينية" لكل ما سيكون: الطاقة و المادة والزمان والمكان، ومنذ إنطلاق تلك النقطة والكون أبعد ما يكون عن السكون فكل شيء فيه يوحي بالحياة، مجرات تدور في حركة مستمرة، نجوم تفني وأخري تُخلق، وثقوب سوداء تبتلع كل ما يقترب منها، والكون كله يكبر ويتمدد بلا توقف في ما لا أحد يعلم.
أما عن هذا الكتاب فهو يشتمل علي أحد عشر فصلاً، البداية هي الذرة وما فيها من إعجاز، ثم الفيزياء الحديثة بشقيها النظرية النسبية ونظرية الكوانتم، ثم عن الكون ونشأته، ثم عن الأرض وإعدادها، وأخيراً نبحث عن سبب وجودنا في هذه الحياة.

Languageالعربية
PublisherHassan Nasrat
Release dateJun 19, 2021
ISBN9781005361921
كيف بدأ كل شيء
Author

Hassan Nasrat

The author, is an Emirates professor, former Chairman of the department of Obstetrics and Gynecology, and Fetal Medicine Unit/ Prenatal Genetic Diagnosis. He has several research papers international conferences in matters related to the evolution theory, and reproduction. His latest book, in Arabic is tilted “The facts and Fictions in the Evolution Theory- Critical Evaluation of the Theory of Evolution.

Related to كيف بدأ كل شيء

Related ebooks

Related categories

Reviews for كيف بدأ كل شيء

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    كيف بدأ كل شيء - Hassan Nasrat

    هذا الكتاب لم يكن ليري النور لولا تشجيع ومساعدة عدد من الزملاء الذين تفضلوا بقراءة ومراجعة عدد من الفصول، وأخص بالشكر والتقدير الأستاذ الدكتور رؤوف عكاشه العالم والأستاذ بالمركز القومي للبحوث وتكنولوجيا الإشعاع - هيئة الطاقة الذرية، ومستشار مشروع البنك الدولي للكهرباء والبيئة، الذي تفضل متطوعاً بمراجعة مادة الكتاب كلها، والذي كان لمراجعته وإضافاته الدور الحيوي في بعث الروح في هذا الكتاب سواء من الناحية الأدبية أو العلمية.

    ولا أنسي أن أتوجه بالشكر لزوجتي التي دائما تضحي بحقوقها من أجل أن توفر لي الوقت والجو المناسب للبحث والكتابة، من أجل المضي قدماً في الطريق إلي الحقيقة

    إلا أنني قبل كل شيء وبعد كل شيء أظل ساجداً حامداً وشاكراً لله العلي القدير الذي بدون نعمه وفضله لم يكن لي أن أخطو خطوة واحدة في الطريق إلي الحقيقة.. إليه عز وجل

    مقدمة

    الطريق إلى الحقيقة

    علي مر التاريخ كان الإنسان دائماً يبحث عن الحقيقة، حقيقة وجوده، وحقيقة كل ما يراه حوله، كيف كانت البداية، وكيف ستكون النهاية، وإلي أين سيذهب، ولماذا هناك شيء بدلاً من لا شيء؟

    ولا شك أننا نحن - البشر – ليسوا فقط المخلوقات الوحيدة التي تطرح مثل هذه التساؤلات، بل أيضاً المخلوقات الوحيدة التي منحها الله تعالي القدرة علي فهم الكون وقوانينه، ولذلك فالعقل البشري لا يهدأ حتي يستقر علي رؤية ما تفسر له وجوده ووجود كل ما حوله.

    وفي هذا الصدد يقص لنا القرآن الكريم قصة نبي الله إبراهيم – عليه السلام – في بحثه عن الحقيقة حين نظر إلى السماء باحثاً عن مصدر الوجود، أي عن الخالق، فنظر إلي النجوم، ثم القمر، ثم الشمس، لكنه في النهاية أدرك بالمنطق والفطرة النقية أنها هي أيضاً مخلوقات، لا تملك من أمرها شيئاً، عندئذ تيقن أن الخالق لابد أن يكون خارج نطاق الإدراك البشري المحدود، وأنه لا يمكن رؤيته أو الإحاطة به، ربما كانت قصة إبراهيم عليه السلام تلك، هي أول نموذج لاستخدام المنهجية العلمية في البحث عن الحقيقة، حيث طبق ما هو معروف الآن بمبدأ الاستدلال بأفضل تفسير "reference to the best explanation

    لكن من المدهش أنه في عصرنا هذا نجد من الباحثين والعلماء من لا يستطيعون أو في الواقع لا يريدون استخدام منطق إبراهيم عليه السلام رغم كل ما كشفه العلم لهم من آيات سواء في الكائنات الحية أو في الكون بداية من الذرة إلي المجرة.

    لماذا لا يؤمنون؟

    للوهلة الأولي قد يبدو هذا تساؤلاً من الصعب الإجابة عليه، ولكن لو طرحناه بصورة أخري، مثلاً هل من المتوقع أن يؤمن الناس كلهم جميعاً؟ هنا تكون الإجابة قطعاً بالنفي، ليس فقط لأن هذا قد لا يتفق مع الحكمة من خلق الإنسان ولكن أيضاً يتعارض مع طبيعته البشرية، فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي أعطاه الله تعالي حرية اتخاذ القرار، إما أن يؤمن أو لا يؤمن، وهذا هو الفارق الجوهري بينه وبين جميع المخلوقات الأخرى التي فقط خُلقت للطعام والتكاثر، وبالتالي ينبغي أن لا نندهش حين نرى حولنا أنواعاً شتي من العقائد بجانب الموحدون الذين يؤمنون بالإله الواحد خالق كل ما في الكون، إنها الحقيقة التي يجب أن نتقبلها ونتعايش معها.

    إلا أنه في عصرنا هذا ظهرت فئة أخري، وهي فئة الملحدون، الذين يرفضون فكرة الإله تماماً، وهم في الواقع يحاولون بهذا أن يطمسوا الفطرة البشرية التي فطر الله تعالي الناس عليها، وهي الإيمان بوجود خالق، تحت دعوي أن الإيمان بالله هو إيمان بالغيبيات وأن العلم لا يقبل الغيبيات، ولذلك عندهم العلم والأيمان لا يجتمعان، وللأسف أن هذه الدعوة المادية الإلحادية يتبناها رجال علي درجة رفيعة من الثقافة، ومنهم من يحتل أرقي المناصب العلمية، ويحمل أعلي الشهادات والأوسمة، علي سبيل المثال نجد أحد أبرز علماء الفيزياء ومن الحاصلين علي جائزة نوبل وهو ستيفن وينبرج Steven Weinberg غير مستعد لتقبل فكرة وجود إله خالق، إلا إذا ثبت له ذلك بالدليل القاطع، هذا الدليل بالنسبة له هو كما يقول إذا أتى سيف ناري من أي مكان وضربني بسبب كفري وآخر مثل ريتشارد دوكينز Richard Dawkins وهو أستاذ متقاعد في علم النبات في جامعة أوكسفورد جعل هدفه في الحياة استئصال جميع أنواع الأديان من العالم.

    والواقع أن هؤلاء وأمثالهم بما يقومون به من حرب شعواء علي الإله والأديان بصفة عامة، هم– من حيث لا يدرون- يقدمون الدليل علي وجود الإله، فأنت لا تشن الحرب إلا علي من تكون متيقن من وجوده، وأن وجوده هذا يهدد مصالحك ووجودك، وبنفس الوقت يثبتون أن الفطرة البشرية لابد وأن تبحث عن مصدر للخلق والوجود، ولذلك هم يبذلون كل ما في وسعهم لمحاربة هذه الفطرة بطرح ما يظنون أنه البديل عن الإيمان بالإله وهو الإيمان بالعلم أو ما أصبح يعرف بالسينتيزم Scientism، ومؤخراً الفيزيكاليزم Physicalism، بزعم أن العلم وتحديداً علوم الفيزياء هي التي ستقدم الخلاص للبشرية وتجيب علي كل الأسئلة التي ليس لها إجابة الآن.

    هل هناك تعارض بين العلم والدين؟

    أهمية هذا السؤال تكمن، كما ذكرنا، في دعوي الفلاسفة والعلماء الملحدون بمقولة أن العلم والإيمان لا يجتمعان، وحجتهم أن الأديان، بالذات التي تؤمن بوجود خالق واحد، هي سبب التخلف العلمي حيث أن إرجاع أسباب الوجود والحياة إلي ذلك الإله تُغلق الباب أمام التفكير العلمي.

    لكننا قبل أن نجيب علي هذه الادعاءات، نحتاج أن نجيب علي سؤالين ذي صلة بهذا الموضوع:

    أولًا، تاريخ العلاقة بين العلم والدين؟

    ثانيًا، هل يضع الدين أي نوع من القيود على البحث العلمي؟

    فيما يتعلق بالنقطة الأولى، نجد أن الإيمان بوجود خالق لم يتوقف أبداً، فإذا عدنا - تاريخيًا - إلى الفلاسفة اليونانيين القدامى بالرغم من أنهم لم يكونوا موحدين إلا أنه كان لديهم قناعة بوجود آلهة كسبب لعديد من الظواهر الكونية.

    ثم بعد انهيار العصر اليوناني والروماني، وبزوغ الإمبراطورية الإسلامية، ابتداءً من حوالي القرن الخامس وحتى القرن الرابع عشر تقريبًا، اعتمد علماء المسلمين في فلسفتهم للطبيعة على المبادئ القرآنية، فآمنوا بالإله الواحد الحي القيوم الذي خلق كل ما في الكون وهو أيضاً القائم علي استمراره.

    وإذا انتقلنا إلى أوروبا المسيحية، فإن علماء ما يسمى بعصر التنوير - منهم كوبرنيكوس Copernicus، وكيبلر Kepler، وجاليليو Galileo، ونيوتن Newton، وآخرون – كانوا جميعهم مؤمنين، وكان هدفهم فهم القوانين التي خلقها الله تعالي والتي تحكم العالم، لذا فإنهم رأوا أن العلم هو الطريق إلى معرفة الله تعالى، بل المعروف أن إسحاق نيوتن كان مؤمناً وموحداً وكتب في الدين أكثر مما كتب في العلم.

    إلا أنه خلال نفس الفترة، التي انطلقت فيها الأبحاث العلمية، بدأ ظهور نوع من الإنشقاق بين العلماء والكنيسة، وللأسف كان من أهم الأسباب وراء هذا الإنشقاق هو أن الكنيسة تبنت بعض أفكار الفلاسفة اليونان بل واعتبرتها جزء من العقيدة الكنسية، على سبيل المثال، نموذج بطليموس Ptolemy للكون الذي يفترض أن الأرض مركز الكون، أو تعاليم أرسطو Aristotle بأن كل شيء يرجع أصله إلي أربعة عناصر: الأرض، والهواء، والماء، والنار، أو أن عمر الأرض والكون هو فقط بضعة آلاف من السنين، بل واعتبرت أي شخص يتبني ما هو خلاف ذلك فهو إما مبتدع أو مارق من الدين، وبالتالي يستحق العقوبة التي كثيراً ما كانت تصل إلي الحبس الانفرادي أو حتى شكل من أشكال عقوبة الإعدام.

    مع تقدم العلوم، كان لا مفر من أن يزداد الانشقاق بين العلم والدين متمثلاً في ناحية منه في الفكر الكنسي بصورته المتجمدة، ومن ناحية أخري في رفض العلماء لأي نوع من أنواع الوصاية من قبل الكنيسة، وفي النهاية تحولت الثورة العلمية - التي بدأت على أكتاف الرجال الذين كان هدفهم معرفة الله تعالى إلى ثورة ضد أي شكل من أشكال الإيمان بالخالق وأصبح اللاهوت -إذا كان لا يزال مقبولاً لدي البعض - مقتصراً على تجمع يوم الأحد.

    والحقيقة أنه يمكننا إرجاع النقطة الفاصلة التي أعطت للمادية الإلحادية مرجعية ما إلي كتاب أصل الأنواع لتشارلز داروين Charles Darwin الذي صدر في عام 1859، والذي فيه أرجع داروين نشأة وتنوع الحياة البيولوجية لجميع الكائنات الحية إلى قوي طبيعية، رافضاً أي وجود لأي عامل فوق الطبيعة، بمعني آخر رافضاً لوجود الإرادة الإلهية، باختصار جاء دارون لينحي الإله جانباً ويضع الإنسان الذي هو خليفة الله في الأرض في مصاف الحيوانات، فطرح رؤيته التي تفترض أن الأصل العام للمخلوقات ربما كان مجرد خلية أو بضعة خلايا بدائية منها نشأت أو تطورت شجرة المخلوقات، التي تفرع منها ما نراه حولنا من جميع أشكال وصور الحياة سواء حيوانية أو نباتية، الأهم هو أن كل هذا حدث بصورة عشوائية، تحت تأثير عوامل مادية بحتة هي الإنتقاء الطبيعي والصراع من أجل البقاء، حتي الإنسان نفسه ما هو إلا نتاج عشوائي لهذا التطور أو أحد الفروع في نهايات هذه الشجرة.

    وقد نلتمس لداروين بعض العذر في رؤيته تلك المادية، وذلك بسبب ضحالة ما كان معروفاً في ذلك الوقت عن تركيب الخلية أو نشأة الحياة بصفة عامة، فالخلية كانت مجرد كتله هلامية من البروتوبلازم، ونشأة الحياة ممكن أن تبدأ تلقائياً من مواد غير حية، أما سبب تنوع صفات المخلوقات من النوع الواحد والتي الآن نعرف أنها محكومة بقوانين الوراثة فقد كان داروين يظن أنها تحدث نتيجة اختلاط دم الوالدين، ولذلك ما طرحه داروين لم يكن سوى رؤية فلسلفية أكثر منه نظرية علمية، وهذا هو الوصف الذي وصف دارون به كتابه قائلاً أنه حجة جدلية واحدة طويلة، إلا أنها كانت بالنسبة إلي الملحدين الفرصة السانحة للخلاص من فكرة الإله، والسبب في ذلك هو أنه، بالرغم من أن داروين لم يكن أول من تحدث عن فكرة التطور البيولوجي، إلا أنه كان أول من طرح آلية مادية لحدوثه ألا وهي الإنتقاء الطبيعي.

    ولذلك عملوا كل جهدهم كي تتخذ فلسفة داروين في كيفية تنوع المخلوقات ثوب النظرية العلمية التي تقدم تفسيراً ليس فقط لتنوع المخلوقات ولكن أيضاً لنشأة الحياة بدون الحاجة إلي وجود الإله، وفي النصف الأول من القرن الماضي، بعد أن تم التعرف علي المادة الوراثية وهي الدنا DNA وهي الحروف الأولي للمادة الجينية التي تحمل مواصفات الكائن وهي Deoxyribonucleic acid والجينات، الأمر الذي لم يكن لدى داروين أي فكرة عنه، ظهر ما عرف بنظرية التطور الجديدة لداروين، والتي تعتمد علي 1) الطفرات الجينية العشوائية، التي تؤدي إلي تنوع في مواصفات المخلوقات 2) الإنتقاء الطبيعي الذي يحافظ علي النوع الأفضل والأكثر تلائماً مع البيئة، وأن هذان العاملان هما اللذان أديا إلي ظهور التنوع الهائل في المخلوقات الذي نراه حولنا الآن، والذي ترتبط فيه جميع المخلوقات في شكل شجرة يرجع أصلها إلي خلية بدائية تكونت نتيجة تفاعلات كيميائية عشوائية، أما الإنسان فهو مجرد واحد من تلك المخلوقات في نهاية أحد أفرع هذه الشجرة تطور من مخلوقات أدني منه غالباً من فصيلة الشمبانزي، وهنا تبرز قضية اجتماعية خطيرة وهي أن البشر لا يمكن أن يكونوا جميعاً سواء علي سلم التطور البيولوجي، فمنهم من وصل إلي مرحلة متقدمة من التطور ومنهم من لا زالوا أقرب إلي القردة، المهم أيضاً أن هذا التطور من أصل مشترك حدث بدون تخطيط، ولا توجيه، وربما لو أعيد شريط الحياة لكانت الصورة مختلفة تماما.

    وبمرور الوقت، تحولت نظرية التطور الداروينية إلى عقيدة لا يُسمح لأحد حتى أن يناقشها، بل وأصبحت هي المنهج المعتمد في جميع مراحل التعليم كونها الحقيقة الوحيدة التي يجب الإيمان بها، وبنفس الوقت تم فرض نوع من الحظر التام علي التعليم الديني أو الإشارة من بعيد أو قريب إلي فكرة الإله، وفي الواقع، أصبحت الداروينية هي الدين الجديد والوحيد الذي يمكن تقبله، فنجد السير جوليان هكسلي Julian Huxley، وهو من دارويني القرن العشرين، وأحد المؤسسين لما يعرف بالداروينية الحديثة يقول أن نظرية التطور هي ديانة بدون رسول .

    وأنتشر الفكر الدارويني المادي ليصبح هو الأساس الذي تعتمد عليه وتبدأ منه جميع العلوم الإنسانية، مثل علوم الفيزياء أو البيولوجيا أو الفضاء وغيرها حتي علم الاجتماع، والداروينية الاجتماعية بالذات كان لها عواقب وخيمة علي البشرية، فوفقاً لنظرية التطور فإن التخلص من الفئة من البشر المتخلفة في سلم التطور أمراً محموداً، بل أنه مطلوب لصالح البشرية كونه دفع لعملية الانتخاب الطبيعي التي لابد وأن تحدث مع مرور الزمن، وهكذا أعطت نظرية التطور المبرر العلمي لحروب إبادة أُزهقت فيها أرواح الملايين من البشر، وأستُعبد فيها من بقي منهم حياً.

    النقطة المهمة الثانية هي السؤال عما إذا كان الدين يضع قيوداً على البحث العلمي أم لا؟

    الرد المباشر هو بالتأكيد لا، فلا يمكن لدين حقيقي أن يضع أي نوع من أنواع القيود على الرغبة الإنسانية في البحث عن الحقيقة، فليس من المنطقي أن يهب الله تعالى الإنسان -دوناً عن جميع المخلوقات- العقل والقدرة علي الفهم والاستيعاب ثم يحّرم عليه استخدامه، بل على العكس تمامًاً ففي جميع الرسالات السماوية يطالب الله تعالى بل يأمر عباده أن يتفكروا في خلق السموات والأرض وفي خلق أنفسهم، فالكون وما فيه هو كتاب الله المنظور الذي يتعين علينا أن نتفهمه ونبحث فيه بقدر ما نستطيع كي نري آيات الله عز وجل، من ناحية، ومن ناحية أخري كي نستطيع أن نؤدي وظيفتنا في إعمار الأرض، والآيات في القرآن الكريم التي تحثٌنا علي ذلك كثيرة، منها قول الله تعالي:

    قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ، ثُمَّ اللَّـهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ، إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20) 

    سورة العنكبوت

    في آية أخرى يذكر الغاية من الخلق:

    وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا، قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ،  هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهاَ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ(61)

    سورة هود

    وربما نتذكر هنا أن أول ما أُنزل علي النبي محمد صلى الله عليه وسلم - لم يكن الأمر بالسجود أو الركوع ولكن كان الأمر الأول إليه أن "إقرأ، ولم يتم إصدار هذا الأمر لمرة واحدة ولكن تم تكراره ثلاث مرات، ونندهش أكثر عندما نعرف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أمياً كما كان هو حال أغلب المجتمع في ذلك الوقت، والحقيقة لا يمكن تفسير هذا الأمر وتكراره علي نبي أمي إلا وكأنه إعلان من الله عز وجل بنهاية عصر الأمية وبداية عصر الإيمان المبني علي العلم.

    والحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن معجزة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم – الكبرى هي القرآن الكريم ، وهو كتاب يخاطب القلب والعقل معاً بالمنطق والحُجة، وذلك علي عكس معجزات باقي الرسل التي كان المعني بها فقط الأشخاص الذين عاشوها أو تصادف وجودهم وقت حدوثها، هذا بجانب أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي وعد الله تعالي بحفظه إلي أن يرث الأرض ومن عليها، وقد كان.

    أخيراً كلمة عن إله الفجوات وهو التعبير الذي قد نسمع بعض الملحدين يرددونه من حين لآخر، يقصدون بذلك أنه في الماضي كانت العلوم البشرية محدودة جداً، ولذلك كان التفسير الأسهل لكثير من الظواهر الطبيعية كالبرق والرعد أنها غضب من الرب وكأن اللجوء إلي الإله كان فقط كي يسد فجوات ما يجهله الإنسان، وبالتالي كلما تقدم العلم البشري وقدم التفسير العلمي وراء هذه الظواهر، كلما أنتفي دور الإله وأُغلقت فجوة في جهل البشرية، وعندما يصل الإنسان إلي معرفة كل شيء عندئذ ينتهي دور الإله تماماً، ولكن مثل هذا التفكير السطحي، سببه البشر أنفسهم هم الذين صنعوا لأنفسهم آلهة من دون الله تعالي، هم الذين وضعوا تلك التفسيرات الهذلية فجعلوا إله للمطر، وآخر للرعد، وثالث للنار، وهكذا، وبالطبع ليس تلك هي الألهة التي نتحدث عنها، الذي نتحدث عنه هو الله الواحد الأحد خالق الكون وكل ما فيه ما عرفناه وما لم نعرفه بعد وما لن نعرفه أبدًا.

    وهنا يقول بول ديفيس Paul Davis وهو أحد علماء الفلك المعروفين، ورغم أنه من غير المؤمنين إلا أننا نجده يعترف بتلك الحقيقة فيقول:

    إن الله الذي يتجلى وجوده عبر التناغم المنطقي للكون والنظام الذي اكتشفه العلم، هذا النوع من الآلهة منزه إلى حد كبير عن الهجوم العلمي أي منزه عن مقولة إله الفجوات

    الآن إذا رجعنا إلى السؤال الرئيسي في هذا القسم، هل هناك تعارض بين العلم والدين؟ الجواب سيكون بالتأكيد لا، ولو حدث تعارض أو صدام بين العلم والدين فتأكد أنه سيكون من صنع البشر بسبب مواقف متطرفة من قلة من الأشخاص، سواء من جانب العلماء أو من رجال الدين.

    ومن هنا يتضح أن الصراع الحقيقي - على الأقل في العصر الحديث الذي نعيش فيه – ليس بين العلم والإيمان ولكنه بين الإيمان والإلحاد، بين من يؤمنون بالله تعالي وبين من يكفرون به سواء كانوا من العلماء أو غير العلماء.

    ولا شك أن هناك نماذج عديدة لعلماء مرموقين، لا يرون أن هناك أي نوع من الصراع بين العلم والدين، مثل الراحل أحمد زويل - الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 والمعروف بأنه أبو كيمياء الفيمتو، إذ يؤكد أن أي تعارض ظاهري بين العلم والدين هو بمثابة طريقة ساذجة في التفكير في قوله:

    بعض من أفضل العقول في العالم هم من المؤمنين، لذا فإن الادعاء بأنه لكي تكون عالماً يتحتم أن لا تؤمن بالدين هو ادعاء ساذج، وسطحي، ويبدو لي أيضاً أنه دوغماتي dogmatic، فالدين مهم للغاية للبشر لأسباب عديدة، ولا أرى تعارضاً بين الاثنين.

    وأسماء أخري كثيرة، يذكرها جون لينوكس John Lennox - أستاذ الرياضيات في جامعة كمبريدج - في كتابه الرب وستيفن هوكينج God and Stephen Hawking على سبيل المثال: البروفيسور ويليام فيليبس William Phillips- الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء في عام 1998، والبروفيسور جون بولكينجهورن John Polkinghorne FRS عالم في فيزياء الكم، كمبريدج؛ السير جون هوتون John Houghton، المدير السابق للمكتب البريطاني للأرصاد الجوية ورئيس الفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي، وفرانسيس كولين Francis Collins المدير الحالي للمعهد الوطني للصحة والمدير السابق لمشروع الجينوم البشري.

    وربما من المناسب أن نختم هذه الجزئية بمقولة ألبرت أينشتاين Albert Einstein في وصفه للعلاقة بين العلم والدين، حيث يقول العلم بلا دين أعرج، والدين بلا علم أعمى

    حدود العلم وأسطورة الفيزيائية:

    لا شك أننا نعيش في وقت وصل فيه تقدم العلوم في جميع الفروع إلى مستوى لم يكن أجدادنا يتخيلونه، ولا شك أن النموذج الصارخ لهذا التقدم نراه جميعاً في وسائل الاتصال ونقل المعلومات، فمن كان يتصور أن العلم يصل إلي درجة وضع إنسان على سطح القمر حيث يشاهده ملايين الناس في العالم وتستمع إليه وهو يتحدث اليهم، أو أن طفل صغير يستطيع وهو جالس في غرفته في القاهرة أن يري ويتحدث إلي صديق له في اليابان و العالم بأسره يبدو وكأنه لا يبعد سوى بضعة أزرار في هاتف ذكي أو ربما في رقاقة صغيرة تزرع في مكان ما في الجسم.

    والمدهش أن هذا التقدم الهائل قد حدث خلال فترة قصيرة للغاية إذا قارناها بتاريخ البشرية الطويل، بل إن كل هذا التقدم لم يستغرق سوي بضعة عقود من الزمن، وهكذا أصبحت حدود العلم هي مدي قدرتنا علي التخيل، وبات مروجوا الدعوة إلي السينتيزم أو الفيزيكاليزم وكأنهم مبشرون إلي عقيدة جديدة بدعوي أنه إذا كان العلم في غضون بضع عشرات من السنين وصل بنا إلي ما وصل إليه، فمن المؤكد أنه في خلال السنوات القادمة ربما مائة سنه أو أكثر سيستطيع الإجابة علي جميع الأسئلة وسيصبح البشر هم الآلة الذين لهم مطلق التحكم في مصائرهم وحياتهم.

    وهنا، عندما يصل الحديث أو الجدل مع الملحد إلي هذه النقطة يصبح السؤال ليس عن ما يمكن أن يحققه العلم ولكن ما لا يمكن أن يحققه ؟ بمعنى آخر، ينبغي أن يكون السؤال ما هي حدود العلم؟

    لا يمكن أن تكون الإجابة هي أنه لا توجد حدود فمثل هذه الإجابة في حد ذاتها إجابة غير علمية، فلابد أن هناك حدود، ولكن المهم أن نتعرف علي هذه الحدود وبنفس الوقت لا نضع حداً للبحث العلمي، وهذا أمر دقيق، وكثيراً ما لا يدرك الماديون، إما عمداً أو جهلاً هذه الحدود، والتي يمكن تلخيصها في نقطتين أساسيتين:

    النقطة الأولي هي السببية، أي لماذا كانت قوانين الطبيعة بهذا الثبات التي هي عليه، والتي بدونه ما استطاع العلماء تحقيق ما حققوه من تقدم علمي، فالعلم قد يكتشف القوانين ويستخدمها لكنه لا يستطيع أن يعرف من أين جاءت ولماذا هي بتلك الدقة والثبات التي هي عليها.

    النقطة الثانية هي الأسئلة التي تتعلق بالبداية والغرض والنهاية.

    نعني بالبداية، كيف بدأ كل شيء؟ الزمان والمكان أو الحيز والطاقة والمادة ولماذا وكيف بُثت الحياة في حفنة صغيرة فقط من مادة الكون؟

    نعني بالغرض، لماذا نحن هنا؟ ولماذا نحن - البشر - المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يتفهم قوانين الكون ويتساءل عن سبب وجوده.

    نعني بالنهاية إلى أين نحن ذاهبون؟ وماذا بعد؟

    تلك قضايا بلا جدال خارج نطاق البحث العلمي، ولا يستطيع العلم أن يقدم الإجابة

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1