Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

فكر الاقتصاد السياسي- نقد وتحليل
فكر الاقتصاد السياسي- نقد وتحليل
فكر الاقتصاد السياسي- نقد وتحليل
Ebook410 pages8 hours

فكر الاقتصاد السياسي- نقد وتحليل

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

 يصبح الانسان اقتصاديا عندما يسعى لمعاشه ثم يصبح سياسيا عندما يعالج هذا المعاش مع اخيه الانسان

الاقتصاد كما يجري في واقع الحياة ويمارسه الانسان والاقتصاد كما يعالجه الاقتصاديون... فينشئ عن هذه العلاقات تجارة وتعليم 

فالتجارة تتضمن السياسة مع الدول الاخرى والسياسة تبنى بالتعليم

ومن هذين العنصرين تتبلور اسس الاستثمار في الانسان كما تضمنها الجزء الخاص بالتعليم في هذا الكتاب

 

الميكافيليه الحديثة وفبركتها للحقاذق

رواد معالجة قضايا الامة العربية

دور المعرفة في التعليم وخدمة الوطن

تطور الاقتصاد السياسي

الاستخدامات الاخرى للتجارة الخارجية

 

 

 

Languageالعربية
Release dateDec 30, 2020
ISBN9781393547303
فكر الاقتصاد السياسي- نقد وتحليل

Related to فكر الاقتصاد السياسي- نقد وتحليل

Related ebooks

Reviews for فكر الاقتصاد السياسي- نقد وتحليل

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    فكر الاقتصاد السياسي- نقد وتحليل - د. محمد بن مسلم الردادي

    إهداء إلى والديَّ

    • مسلم بن سليم الردادي

    • عيدة بنت ربيق بن زحام التميمي

    تلك قصة شكلت أحداثها باعثًا إيجابيًا فنتج عنه تأليف هذا الكتاب. ومن هذه الأحداث أن تدريس تاريخ الفكر الاقتصادي جعلني أعود دارسًا ثم مدرسًا لما سبق أن درسته في جامعة كولورادو ثم في جامعة أريزونا. بل تفرغت لدراسة كتالوجا من المراجع القيمة وهذه المرة لغرض التدريس. ولئن ذكرت في ثنايا هذه القصة جامعة يتوج اسمها من صنع وطنًا شامخًا أنشاه من العدم وأساتذة أصبحوا فيما بعد زملاء فإن الجامعة تسمو فوق المدح والثناء وأجد أن في حكم المتنبي ما يعبر عنها في قوله:

    تجاوز قدر المدح حتى كأنه بقدر ما يثني عليه يعاب وكما ذكرت بعض أعضاء تدريس وهم: د. حسن أبو ركبه ود. غازي عبيد مدني رحمهما الله وجزاهما خيرًا على ما قدما للوطن. وأطال الله عمر الدكتور محمد عمر زبير الذي له فضل يوجب الذكر إذ لولا هذا الحدث الذي هو من صناعته لما جاءت فكرة هذا الكتاب، وفيما يلي مسألة هدف تأليفه:

    هدف هذا الكتاب متواضع ورد في عنوانه بثلاث كلمات فكر الاقتصاد السياسي. وبنفس الإيجاز تجلى منهجه بكلمتين: نقد وتحليل بعنوانه الفرعي.

    وقد جاء مغزى الفكر العملي في الفصول الثلاثة الأولى. وحتى في هذا المسمى ظلت كلمة الفكر جوهرية محورية مثقلة بتطبيقات الفكر قديمه وحديثه. وقد تناول الفصل الأول تطبيقات عملية وقلما تعالج في إطار الفكر وهي ليست من الفكر وإنما تيار عام يدخل ميدان الفكر ويتدخل بجوهره قديمه وحديثه لا في العالم القديم فحسب بل في عالمنا العربي كما تؤكده الأمثلة التالية.

    في روما واليونان جسد فكرهم ازدواجية اقتصادية مقيتة: قوي وضعيف، غني وفقير، سيد وعبد. مسائل نادي بها فلاسفة الفكر اليوناني وطبقها الرومان من قبلهم وأسرف في تطبيقها اليونان. ومنها ازدراء العمل والزراعة وترسيخ اعتبار كل عمل مهين وأنه من اختصاص العبيد. واقع مثل فكر الاقتصاد السياسي في العالم القديم.

    وقد يفاجأ القارئ في عالمنا العربي بوجود كتاب من أبناءه في القرن الواحد والعشرين يعتنقون الفكر البائد ويطبقونه. وقد كرست الفصل الأول توثيقًا وتحليلاً لما يسمونه فكر ونعته باسمه الحقيقي.

    وهنا اضرب أمثلة: تيار نشاز يصف الفلاح بأوصاف الاحتقار والحط من شان الفلاح المصري وازدراء ما يسمونه بالبدوي الأردني وحتى دولته حجازية أجنبية. أما في المملكة العربية السعودية فدائرة الاحتقار والتحقير تتسع لتشمل الدولة ذاتها واعتبارها تعاني من جرثومة القبلية واقتصادها نفطي متخلف. وفي هذا الفصل ذكرت بل وكررت أدوار أبطال القصة ثم حللت مخاطرهم في العراق وسوريا وأقطار أخرى.

    ومن أهداف هذا الكتاب بيان خطر هذا الفكر، اذا سمى كذلك، في واقع سياسي زرعت بذوره في العراق وسوريا والنتائج كارثية. وسيتبين القارئ تحليلا موثقًا في الفصل الأول أن الاقتصاد السياسي غالبا ما يعبر عنه بمخرجات تعليم سلبية تهدد كيان ومكونات الهوية الوطنية على النحو الذي جاء في الفصل الثالث.

    ويقدم الفصل الثاني عنصرًا آخر من أهداف هذا الكتاب دار حول أعمال رواد عرب في لبنان ومصر والجزيرة العربية. وقد حذروا قبل فوات الأوان من مخاطر خلل الاقتصاد السياسي بما مفاده أن الفكر يولد ويوجد ويستنبت.

    يولد في رحاب مؤسسات التعليم ويوجد بالاستثمار طويل المدى. ويزرع كما يزرع القمح وسائر الطيبات ويغرس كالنخل الذي لا يؤتي ثماره إلا بعد سنين ولكنه دائم الثمار وربما لأجيال.

    استثمار اضرب له مثلاً بارزًا في بلادي: المملكة العربية السعودية. من الحدث ونتائجه تزامن نهاية إعداد هذا الكتاب (أول أكتوبر2018م) مع حملة غضب حقد سياسي. أغضب أصحابها (رؤوس مدبرة ومعهم أذناب وما دونها) قيام دولة تبوأت قمة اقتصادية مع الدول العشرين ثم واصلت صعودها كقوة اقتصادية ومحورية سياسية حديثة.

    وقد سميت تلك الحملة الإعلامية الظلامية بإعصار مكيافللي (Machiavelli’s Hurricane) الذي أخذ يتحول تدريجيا إلى غبار ورياح تفوح بنتن جيف مكيافللية من طبخات وسائل إعلام ظلام وسياسيين من ذرية مكيافللي.

    وما كان لمكيافللية الحقد والحسد أن تتحول إلى غبار تذروه الرياح لو لا صلابة شعب طيب الأعراق أعدته دولته من يوم بدأت استثماراتها في التعليم منذ عام 1912م. فماذا لو عصف إعصار مكيافللي بشعب تفشى فيه فكر جرثومة القبلية؟ وفكر الفلاح العراقي المتخلف؟ وفكر الفلاح المصري المتخلف؟ وفكر البدوي الأردني المتخلف؟ يجادل المؤلف أن الأسئلة ذاتها تبوح بالإجابة وتنطوي على العنصر الثاني من أهداف هذا الكتاب. والعنصر الثالث من الهدف يكمن في الجرم والجوهر.

    الأول يشمل تيار الفكر الممتد من العالم القديم إلى الأمم المعاصرة والثاني الفعل يفيض بالعبر واستخلاص الدروس. أي فعل؟ اقصد فعل (Action) فاعلون (Actors) ويلاحظ القارئ إنني استعير كلمات غير عربية كما نستورد السلع والطيبات الأجنبية لبيان فكر بلغة البيان! في عالم الفعل والفاعلون.

    إضاءة. المزارع في حقله والصانع في معمله والتاجر في ميادين تجارته جميعهم فاعلون في عرف الاقتصاد التطبيقي. وبمنظور مختلف يرى السياسيون هؤلاء جميعا بل وبمسميات سياسية (Political Actors) وحتى في الاقتصاد السياسي في مؤلفات الاقتصاديين تبدو مضامين بصيغ غير خفية كما جاء في كتاب ديفيد ريكاردو الاقتصاد السياسي والضرائب ومقولة هارون الرشيد الذي مرت به سحابة ولم تمطر فقال اذهبي حيث شئت فإن خراجك لنا فالضرائب والخراج تشير إلى مضمون الاقتصاد السياسي من حيث وعلى النحو الذي يحدد مستويات الثروة دون ذكرها مثلها مثل إيلاف قريش التي تمثل ضرائب تجارية لا تختلف اختلافًا جوهريًا عن الضرائب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في القرن الواحد والعشرين.

    مصطلحات لم تعد خافية على القارئ ولكن قد ينتظر القارئ إلى الفصل الرابع قبل معرفة المقصود من الفكر ذاته في مضمونه السياسي.

    إضاءة. السائد في هذا الموضوع هو تاريخ الفكر الاقتصادي (كما تبين المراجع). غير أن هذا الكتاب يعالج مصطلح تاريخ الفكر الاقتصادي بدلالة مضمونة وجوهره كما توحي الأحداث والأفعال في منظور التطبيق لا التنظير كما عالجها الفصل الأول.

    وهنا أذكر أحد الأمثال: ثلاثة مؤلفون يعتبرون ويصنفون أعمالهم بالفكر الاجتماعي وعلم الاجتماع. واحد منهم (انظر الفصل الأول) يعمل حاليًا كأحد خبراء الأمم المتحدة في بلد عربي. يحتقر في أحد مؤلفاته الفلاح العراقي والفلاح المصري والبدوي الأردني بل ويذهب إلى أن الحكومة الأردنية الحالة عائلة حجازية احتلت الأردن. وآخر وهو صاحب مركز بحثي في مصر العروبة يرى أن النفط في المملكة العربية السعودية تخلف وأن القبيلة العربوية جرثومة!!. يلتقي معهما ويعانقهما ثالث يؤكد أن الجزيرة العربية صحراء وأرض فقر تحيط بها البحار من كافة جهاتها أي يعتبر البحار مصدر فقر!!.

    وهذا الأخير من بلد مناضل وأشم تحت الاحتلال البغيض فإذا ساد هذا التيار في هذا البلد العزيز فلن يستعيد سكانه بلادهم إلى حين.

    ومن هذه الأمثلة يتبين القارئ أن هذا الكتاب يستخدم الفكر في مجال التطبيق.

    محمد بن مسلم الردادي

    حي الصفا، جدة.

    مقدمة

    لقد سبقت فكرة هذا الكتاب هدفه وتأليفه على النحو التالي:

    الأولى قصة طالب ابتعثه جامعة الملك عبدالعزيز الأهلية، كما كانت تسمى، عاد بعد تخرجه بدرجة الماجستير من جامعة كولورادو. غير أنه ظل عدة أسابيع بدون عمل. ثم تبين بعدها أن مدير الجامعة الدكتور محمد عمر الزبير يشكك في قدرته على التدريس ويصر على تحويله إلى عمل إداري. أمر أعترض عليه أعضاء كلية الاقتصاد والإدارة

    (د. حسن أبو ركبه ود. غازي عبيد مدني) وحجتهم أن مبتعثهم تخرج من جامعة في مستوى الجامعات العشر، وفق التصنيف الأمريكي، في تخصص أكاديمي وأن تعيين المحاضرين بدرجة ماجستير يجري العمل بها عالميا وأن جامعة الملك عبدالعزيز ليست استثناءً. وبإصرار مدير الجامعة على رأيه عرض الموضوع على مجلس الجامعة الذي أصدر قراره بتعيين المحاضر وفق ما ابتعث من أجله على أن يقتصر تدريس المحاضر على مادتين: التاريخ الاقتصادي وتاريخ الفكر الاقتصادي وهكذا صدر القرار.

    المحتويات

    إهداء إلى والديَّ

    مقدمة

    (1) فكر الهجاء السياسي

    (2) الفكر العربي

    (3) اقتصاد التعليم

    (4) فكر الاقتصاد السياسي

    (5) التجارة الخارجية

    السياسة التجارية الألمانية

    المراجع

    ثانيًا: المراجع الإنجليزية

    (1)

    فكر الهجاء السياسي

    1.1 المستشرقون المولدون

    لئن جاء عنوان هذا الفصل بصيغة ناقدة إلا أنها تهدف إلى بيان جوهر الموضوع وهو أن الأفكار غير الآراء في إطار منهج هذا الكتاب. الفكر نتاج أدمغة مفكرة مبتكرة والرأي نتاج أدمغة أيضًا ولكنها تشبه امرأة عاقر يتوقف تفكيرها عند مجرد إدراكها عاهة أبدية لا علاج لها سوى تبني أفكار الغير أي أبناء بدون جذور فلا تعرفهم أو تعرّفهم بدون جذورهم وشعارها: اغربوا لا أبا لكم!

    وفيما يلي أستعرض مجموعة أمثلة من العرب وغير العرب. وإن كان من المتوقع أن لا تجود تلك النخب إلا بمنتجات عربية خالصة العروبة وأن لا تنتج سوى ثمارًا عالية الجودة ودرجات النقاء.

    ولكن بكل أسف سيفاجأ القارئ بآراء ازدراء وتحقير للعالم العربي بل واعتبار العرب أمة متخلفة تخلفًا أبديًا في الحياة وبعد الممات. بحثت في آراء هؤلاء (انظر المصادر) وأسباب انحرافهم عن تبني الفكر المنتج الخلاق، قد يكون هذا الانحراف نتيجة لعدم قدرتهم على التعليل، الخلاق الذي يحلل أسباب ويحدد بواعث التطور الاقتصادي في الريف والبادية وأينما استقر الإنسان العربي وهذا ما لم أجده.

    في أراء زمرة (استخدم زمرة بمعناها العددي الحيادي) تصف آراء بالفكر الاجتماعي. ويقول أصحاب هذه الآراء أن العالم العربي أمة متخلفة ولا يوجد في تراثها وتجاربها إلا ما يوجب الدفن والنسيان!! آراء سيأتي ذكر عينة منها ويمكن الرجوع إلى مثالب أخرى جاءت تفاصيلها في ثبت مراجع هذا الكتاب. وهنا أتساءل كم في الأمم من عقول بارت فيها تجارب الحياة جزيلها وهزيلها؟ وكم من الأمم سمت بتراثها وجسدته بعلومها يوم حملت مشعل الحضارة كما ارتقت بلغتها وشعرها قمما يقصر دون إدراكها من لا يوجد في قواميسهم سوى آراء مستشرقين أموات!!.

    قرأت مقدمة ابن خلدون عدة مرات وقرأت معظم كتاب ماكس فبر (Max Weber) فاستثمرت وقتًا منتجًا وعائدًا فكريًا يوجبان الابتهاج والعرفان. ولكن لا أعلم هل من يقرأ آراء ما يوصف بالفكر الاجتماعي يحقق نفس الرضا أم يغشاه النعاس والملل أثناء القراءة؟ لا أدري.

    ولكن من المؤكد أنه يندم على كل دقيقة اهدرها ولا أقول استثمرها في متاهات الهرطقة وسقوط الآراء. ومن المؤكد أيضًا أن القارئ لن يجد سوى أحاديث عامة عن ما يقال في المقاهي وصالونات الحلاقين. شتان بين آراء من أدمن أصحابها على الحديث عن العيوب والعاهات تتلخص بأن العرب أمة متخلفة؛ فقراءهم بادية وريفيون أغنيائهم متخلفون كما سيأتي بيانه.

    شتان بين من علت بهم أفكارهم فوق القمم وبين من هبطت بهم آراءهم إلى أغوار النسيان بعد أن أقعوا على رفاة الأموات! لكن من هم؟ زمرة يمكن تسميتهم بآرائهم: لنقل الفكر الهجائي تمييزًا له عن سائر الأفكار. تنشر أفكارهم العامة بعنوان الفكر الاجتماعي وتعتبرهم متميزين وهم (المجموعة التي تناولت أفكارهم) أصحاب شهادات عالية وقد استحقوها بجدارة ومن مؤسسات تعليمية جيدة. غير أن المشكلة في ما يدعون وينادون به.

    وأظن القارئ الشعبي المتابع لهم غير مدرك أن أراء رَبْعِ الفكر الهجائي ما هي إلا سليل أراء المستشرقين التي اكتملت خلال القرن العشرين. وعلى الأرجح أن متوسط قراء اليوم يختلف عن قراء الأمس وأن اتباع المستشرقين أقلية تقترب من نقطة الانقراض.

    غير أن آفة هذه الأقلية عدم إدراك أفرادها أنهم ضحايا انتمائهم الثقافي للمستشرقين الأموات. الانتماء الثقافي لتيار من الآراء ما انفك طيلة قرون يختزل حضارة أمة بفلاح وبدوي وتخلف أمة لا يختلفون عليه. وهذا التيار سميته بالفكر الهجائي والمذهب الازدرائي على النحو التالي:

    اتجهت الدراسات الميدانية والتاريخية في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى قضايا تطلع العالم الصناعي لمعرفة أمم وصفت شعوبها بالقبائل البدائية وأخرى بالمتخلفة واكتسب كُتاب هذه المسميات (Anthropologists) مضامين غامضة. وهي دراسات تغوص في كل شيء عن القبائل البدائية وما برحت تلك الدراسات تنعت بالدراسات التاريخية أو البحوث العملية الميدانية: ويبدو أن المسمى الأخير أقرب إلى الوصف الصحيح وإن شابه الخطأ.

    وقد لا تعود درجات التوصيف وما تحمله من أخطاء إلى تعجل ينطو على عدم اليقين من حيث إدراك الباحثين أو عجز في مهاراتهم الفكرية بقدر ما ينبع من القضايا التي واجهت المستشرقين أبان موجات التوسع التجاري أو الزحف الاستعماري يومئذٍ.

    ولئن دارت بحوث اقتصاديين لتلك العهود حول مسائل المجتمع الزراعي والنشاط التجاري وعوائق التنمية الاقتصادية فقد فضل المستشرقون تكريس دراساتهم حول تخلف الشعوب وعاداتهم ومحددات سلوكهم.

    ولا بد للقارئ، الذي يعلم أنه قد افلت شمس الاستشراق وأن عصر العولمة وضع حدًا فاصلا بين ظروف الماضي والواقع الحالي، أن يسأل لماذا الحديث عن المستشرقين وأفكارهم؟

    أجادل في هذا الفصل أن المستشرقين لازالوا بيننا، كما سيرى القارئ في الفصول التالية، وأن الاستشراق القديم أعاد ذاته يحمل بذور طائفية بغيضة وأن كتاب هذا النمط (الفكري) قد أحدث ثلاثة مخاطر تواجه عالمنا العربي وهي:

    • تشويه الهوية العربية وزرع الصراعات.

    • نكث عرى النسيج الاجتماعي في أقطار عربية مشهودة.

    • أحياء الروح الطائفية تحت مسميات يتبناها كتاب تشهد بها أعمالهم كما سياتي.

    ويوم يسأل الباحث: لماذا يوجد في الوقت الحاضر كُتاب تحت عنوان «علم الاجتماع» يعتقدون أن الفلاح في العراق والفلاح المصري والبدوي الأردني والبدوي السعودي رموز تختلف؟ لا أدري.

    ولكن يوجد عنصر مشترك بين هؤلاء جميعا وهو أنهم عرب وهذا يعني أنهم لو انتقلوا من الفلاحة إلى التجارة في أقطارهم سيوسمون بتخلف وفق مصطلح ابتكره د. غسان سلامة وسماه «الترييف» وهو يقلّ وصمة تخلف مفادها في نظر د. سلامة أن العربي يظل متخلفًا سيان كان نشاطه الاقتصادي الزراعة والفلاحة أو هاجر إلى المدن لمزاولة مهن أخرى وهذا معنى «الترييف» أي نظرة استعلائية دونية للمهنة ذاتها وحكم بالتخلف على صاحب المهنة ما دام عربيًا.

    وليس في ما أظن أن يكون الأمر كذلك لو كان الفلاح فرنسيًا. الدكتور غسان صاحب القلم الفرنسي السيال والأسلوب العربي الفصيح نهل من مؤسسات التعليم الفرنسي العريق فنجحت مؤسسات التعليم الفرنسي في غرس مبادئ الوطن والوطنية فيما أخفقت مؤسسات تعليم عربية في بعث رؤية وطنية عصية على تبني رؤية الآخر (انظر مسألة الآخر في الفصل الثاني) الذين تركز آرائهم حول التخلف العربي كما يجادلون وأنه تخلف ينبع كونه عربي.

    الدكتور سعدالدين إبراهيم يصف عرب الجزيرة العربية «بجرثومة القبلية» ويعتنق التخلف الذي يراه د. غسان سلامة ولكن يستبدل «الترييف» كإغراق في التخلف «البدوي المميكن». وينضم إلى زمرة التخلف¹ أدونيس الذي يرى أن التخلف ينبع من اللغة العربية!!! والتراث العربي القديم ويسميه أي كافة التراث بالجاهلي.

    ويلتقي مع دكتور غسان سلامة ويفارقه على أن العربي متخلف ويختلف عنه بأنه تخلف جاهلي ويسخر من التراث العربي القديم.

    ثم يلتقي مع الدكتور غسان سلامة لأنه كاتب يصوغ آراءه بلغة عربية تضيء بإشراف البيان ولا أشك بأنه عَلَم بمهاراته البيانية ولكن إنتاجه الفكري لايخفى تجاهله للمورد الفكري الذي ارتوى منه أبوالطيب المتنبي ومن قبله ألا وهو المعين الذي لم ينبع قط إلا من البادية. ولولا هذا المعين الذي تتلمذ عليه أدونيس والدكتور غسان سلامة لظلوا غير معروفين في العالمين العربي والفرنسي وقد لا يكون لسان حال كلاهما أنا فرنسي (Je Suis Francais)!

    فوا عجبي أن يخفق كتاب عظماء في إدراك مغزى لغة البيان الذي لا تخفى على الغربيين. فلقد ذكر لي زملاء بريطانيين تفرد اللغة العربية عن سواها وقالوا: «إنها لغة بيانية شعريه». فهل يحق للمؤلف القول إنها نبتة عربية يتعذر صفاءها بل وشموخها إلا في التربة العربية وعالم عربي تعود جذوره إلى المعينين الذين حملوا مشعل الفكر والحضارة لمن جهلوا ومن يتجاهلون.

    والذي قد لا يدركه كتاب التخلف أن العروبة مصدر فخر وسعادة لأبنائها ولن أكن مبالغا إذا قلت أنه لو اكتشف أحد من يسمون بالبادية أو الفلاحين أنه غير عربي فلربما يكتئب أو يقدم على الانتحار.

    وعندما يكون الأصل مصدر سعادة ذاتي لا ينضب فهو شعور داخلي قد تكون له قيمة معنوية اقتصادية لا تشترى ولاتباع وهي فوق ذلك أبدية دائمة ما دامت رضوى والبيضاء وأحد فإنها تدخل في إطار الرفاه الاقتصادي مثلها مثل الشعراء إمرؤ القيس والنابعة الذبياني وجرير.

    وأنا اشهد إنني عندما أقرا شعرهم أشعر بنشوة من الفرح الحقيقي أو بلغة الفرنجة (Entertainment). مسألة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية ولو عادت بي الأيام إلى إجراء البحوث الميدانية لتناولت الشعر العربي من منظور الرفاه الاقتصادي الذي أمل أن يكون مشروع دكتوراه يتزاحم بين فصولها المنافع الاقتصادية الفردية وصيانة الهوية العربية من عبث العابثين.

    وللاقتراح بأن يكون الشعر العربي الخالد مشروع هدف لا يخطيه كتاب التخلف الاقتصادي أنفسهم إلا وهو بذل جهودًا لمعالجة فشل أنظمة التعليم العربي في تعميق المواطنة والوطنية. ولولا هذا الفشل لما تعرضت أقطار عربية للتفكك الداخلي كالعراق الذي عصفت به الرياح المذهبية وإشعال الحرائق الطائفية وعلى نحو مشابه سوريا التي أزيلت من الخارطة العربية.

    وازعم أن هذه الرياح العفنة والحرائق البغيضة ما كان لها أن تكون لولا أفكار غير سوية لكتاب تحوم حولهم شبهة كراهية العالم العربي تغذي أفكارهم من ينقصهم الولاء الوطني. لماذا أصبح يتخرج من مؤسسات التعليم العربي أحفاد مستشرقين عوضًا عن مواطنين صالحين؟

    ما نشهده في العراق وسوريا وليبيا واقع يبين مخاطر القوى المستترة التي ما برحت تغتال بواعث الانتماء الوطني وتعمل على بعث الموجات الطائفية التي تجذرت بواعثها في العراق شرقا وامتدت آثارها إلى ليبيا غربا بعد أن أوهنت النسيج الاجتماعي، وقد انتظرنا من يسمون أنفسهم «كتاب الفكر الاجتماعي» نصف قرن ليبينوا لنا إصلاح تخلف المجتمع العربي الذي أضاعوا أعمارهم في الحديث عن تخلفه فأتوا بثلاث مدعيات: «الترييف»، «البدوي المميكن» «جرثومة القبيلة».

    مسائل يعالجها الفصل الثاني من هذا الكتاب بالتفصيل تحت عنوان ما يسمون كتاب التخلف العربي انفسهم بــ «الفكر الاجتماعي» وقد تكفي الإشارة إلى خواص ما يسمى بالفكر الاجتماعي: مصطلحات ينجبن مختلف المعاني إذا اجتمعنا كما يلدن دلالات أخرى إذا افترقنا.

    استعرض ما شئت من الأعمال أو المصادر الواردة في هذا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1