Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

بريق العدالة
بريق العدالة
بريق العدالة
Ebook603 pages10 hours

بريق العدالة

Rating: 5 out of 5 stars

5/5

()

Read preview

About this ebook

الرواية الحائزة على جوائز عدة منها: جائزة هيوغو، وجائزة نيبيولا، وجائزة الجمعية البريطانية للخيال العلمي، وجائزة آرثر سي كلارك، وجائزة لوكاس. وهو ما دفعنا لنختارها للترجمة والنشر، فقصتها متميزة وخارجة عن العادة، حتى في الغرب الذي ألِفَ الخيال العلمي الخارج عن العادة.

على سطح كوكب جليدي، تقترب الجندية "بريق" من تحقيق خطتها.

منذ زمن ليس ببعيد، كانت بريق سفينة نقل عملاقة باسم "عدالة تورين"، تعمل في الخدمة العسكرية لإمبراطورية شاسعة، وتحت إمرتها آلاف الأجساد المرتبطة بذكائها الصناعي.

ولكن تاريخها المشرف انتهى نتيجة لخيانة مؤلمة، انتزعت منها كل شيء وتركت لها جسدا بشريا ضعيفا، وأسئلة ليست لها إجابة شافية، ورغبة عارمة في الانتقام.
Languageالعربية
Release dateNov 25, 2018
ISBN9781912924219
بريق العدالة

Related to بريق العدالة

Related ebooks

Reviews for بريق العدالة

Rating: 5 out of 5 stars
5/5

1 rating0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    بريق العدالة - آن ليكي

    .

    مقدمة الناشر

    حازت رواية Ancillary Justice للكاتبة Ann Leckie على جوائز عدة، منها: جائزة هيوغو، وجائزة نيبيولا، وجائزة الجمعية البريطانية للخيال العلمي، وجائزة آرثر سي كلارك، وجائزة لوكاس. وهو ما دفعنا لنختارها للترجمة والنشر، فقصتها متميزة وخارجة عن العادة، حتى في الغرب الذي ألِفَ الخيال العلمي الخارج عن العادة.

    قد يشعر القارئ في البداية ببعض الحيرة من المصطلحات والمفاهيم الغريبة، ولكن الحبكة تتكشف شيئا فشيئا كبتلات وردة عميقة لتظهر لبّها في النهاية. وربما أكثر ما سيحير القارئ عدم وضوح جنس الشخصيات، فبعضهم ذكر وبعضهم أنثى، ولكن تتغير أدوارهم وأجناسهم حسب الثقافة واللغة المستخدمة في المشهد. ويبدو لنا أن في حضارة الرادتش، يختار الناس أجناسهم بأنفسهم.

    ولأن الجنس غير واضح في حضارة الرادتش – أو على الأقل في هذه الرواية – كانت العلاقات الحميمية بين الشخصيات مبهمة أيضا، ونتمنى أن يؤخذ هذا بعين الاعتبار عند قراءة الرواية.

    وواجهت المترجمة صعوبات كبيرة في انتقاء المرادف المناسب لكلمات ابتدعتها الكاتبة للتعبير عن حضارة أجنبية تطورت على أساس تقنيات عالية. واستوجبت ممارسات هذه الحضارة استحداث أو إعادة تدوير مصطلحات لتخدم وظائف جديدة. ونرجو أن نكون قد وفقنا في انتقاء الكلمات المناسبة، وأن يتبناها كتّاب عرب للتعبير عن مفاهيم مشابهة في روايات المستقبل.

    أكثر ما سيحير القارئ الذي لم يألف الخيال العلمي بعد، هو طبيعة شخصية بريق. فهي في بعض الأحيان تتحدث عن الماضي، والذي كانت فيه متعددة الأجساد. وأحيانا تعود للحاضر، حيث تملك جسد واحد فقط. سنكتفي بهذه الملاحظة حتى يستمتع القارئ بغرابة ما سيقرأه في صفحات هذه الرواية الفريدة.

    مخطوطة 5229

    الفصل الأول

    تمددت الجثة الهامدة عارية على وجهها، يكتسيها لون رماديٌ يشبه الموت، وتلطخت الثلوج من حولها بلون الدماء. درجة الحرارة الحالية خمسة عشرة درجة مئوية تحت الصفر، وقد مرت بالمنطقة عاصفة منذ ساعات. امتدت الثلوج تحت أشعة الشمس الخافتة، وانتشرت هنا وهناك بضعة مواضع أقدام متجهة نحو مبنى قريب مصنوع من المكعبات الثلجية. إنها حانة، أو بالأصح، ما يُسمى في هذه البلدة حانة.

    انتابني شعور بالألفة عند رؤيتي لتلك الذراع، ولهيئة ذاك الخط الممتد من الكتف إلى الورك، لكن يستحيل أن أعرف صاحبة الجثة. بل ويستحيل أن أعرف أي شخص هنا. فهذه منطقة ثلجية نائية على كوكب بارد ومنعزل في أبعد نقطة عن حضارة الرادتشآي. وجودي على هذا الكوكب، في هذه البلدة، لم يكن إلا لأمرٍ طارئٍ يخصني هنا. وأبعد همّي الآن جثث ملقية في الشارع.

    أحياناً أقوم بأفعال لا أدري ما يدفعني لفعلها. حتى بعد مرور كل هذه الأعوام على حالتي، مازال هذا الأمر جديد بالنسبة لي: غياب الأوامر التي يجب عليّ اتباعها في كل لحظة. لهذا، لا يمكنني أن أفسر لماذا توقفت ورفعت ذاك الكتف العاري بقدمي لأتمكن من رؤية وجه الشخص.

    بالرغم من آثار الثلج والكدمات والدماء، تعرفت على صاحبة الوجه: إنها سيڨاردن ﭬندآي، ضابط عسكري عرفتها في زمن مضى بعيداً. كانت ملازم يافعة، تمت ترقيتها لقيادة سفينة أخرى. ظننتها ماتت، لكن ها هي أمامي. جلست القرفصاء وفحصت نبضها وتنفسها.

    لا زالت حيّة.

    لم تعد سيڨاردن ﭬندآي جزءاً من اهتماماتي أو مسؤولياتي، ولم تكن في يوم إحدى الضباط المفضلات لدي. صحيح أنني كنت أنفذ أوامرها، ولم يسبق لها الإساءة إلى أي من ملحقاتي، ولا قامت بإيذاء جزء من أجزائي (مثلما تؤذيهم بعض الضباط أحياناً). لم تكن لدي أسباب لأظن فيها سوءاً. على العكس، دلّت أخلاقها على أنها مثقفة ومهذبة ومن عائلة راقية. لم تعاملني بتلك الأخلاقيات، بالطبع – فأنا لم أكن شخصاً، بل قطعة من المعدات، جزءاً من السفينة. لكنني لم أهتم بها بشكل خاص أبداً.

    دخلتُ الحانة المظلمة، وقد غطى السخام أو ما هو أسوأ منه بياض جدرانها الثلجية. انتشرت رائحة الكحول والقيء. وقفت صاحبة الحانة خلف منضدة عالية. إنها من السكان الأصليين – قصيرة وبدينة، ذات بشرة فاتحة اللون وعينان واسعتان. جلس ثلاثة من رواد الحانة على مقاعد بقرب طاولة متسخة، وبرغم البرودة لم يرتدوا شيئاً سوى البناطل والقمصان المبطنة – إنه فصل الربيع في نصف الكرة النِلتية هذه، حيث يستمتع الجميع بالجو الدافئ. برغم أنهم لم يُبدوا أي اهتمام بي، إلا أنني متأكدة بأنهم لاحظوني في الشارع وأنهم على دراية بالأمر الذي دفعني للدخول. من الأرجح أن لأحدهم أو جميعهم دور، فلم تكن سيڨاردن في الخارج لمدة طويلة، وإلا لكانت ميتة الآن.

    "سأؤجر مزلجة، وأشتري حقيبة لمعالجة هبوط درجة حرارة الجسم."

    ضحكت إحدى الرواد من خلفي وقالت بسخرية: جريئة أنتِ أيتها الصغيرة.

    التفتُ للتحديق في وجهها. إنها أطول من النِلتيين، ولكنها بدينة وذات بشرة فاتحة اللون كبقيتهم. بدت أكبر مني حجماً، لكنني أطول منها وأقوى مما أبدو عليه. وهي غافلة عن خطورة اللعبة التي تلعبها. ربما تكون ذكراً، إن حكمت عليها من التطريز الأعجف على قميصها. ولكنني لم أكن متأكدة. ليس الجنس أمر هام في فضاء الرادتشآي. ولغتنا لا تشير للجنس بأي طريقة. على عكس اللغة التي نتحدث بها الآن، ويمكن الوقوع في مشاكل أنا في غنىً عنها إذا استعملت الضمير الخاطئ. الأمر الذي لم يكن يساعدني هو أن العلامات التي تشير لجنس الشخص تتغير من مكان إلى مكان، وبشكل عكسي أحياناً، ونادراً ما كنت أستوعبها.

    قررتُ ألا أرد عليها. بعد بضعة ثواني لفت نظرها شيء على سطح الطاولة. من السهولة أن أقتلها لو رغبت في ذلك. بدت الفكرة مغريةً، ولكن سيڨاردن أولويتي الآن. التفتُ إلى صاحبة الحانة.

    أجابت: ماذا توقعتِ من مكان كهذا؟

    قلت وأنا لا زلت في مأمن لغوي لا أحتاج فيه إلى إشارات تحدد الجنس: "توقعت أن يكون مكاناً سيؤجرني مزلجة ويبيع لي حقيبة حرارية. بكم؟"

    "مائتي شِن للمزلجة. من المؤكد أنه ضعف السعر المعتاد عليه، تجدينها في الخلف. عليكِ إحضارها بنفسِك. مائة أخرى للحقيبة."

    قلت: أريدها متكاملة وغير مستعملة.

    تناولَتْ حقيبة بختم سليم من تحت المنضدة: صديقكِ في الخارج، لديه مديونية.

    ربما تكون كذبة وربما لا تكون كذلك، ولكن من المؤكد أنها ستذكر رقم من وحي الخيال. سألتها: كم؟

    ثلاثمائة وخمسون.

    قلت، مخمنة أنه ذكر: أنتَ وثوقٌ جداً، لتسمح لشخص كهذا أن تتراكم عليه الديون. – كنت أعلم بأن سيڨاردن ذكراً، لم يكن صعبا تحديد جنسها بالنسبة لهم. لم يأتيني رد من صاحب الحانة: إذاً ستكفي ستمائة وخمسون لتغطية كل شيء؟

    قال صاحب الحانة: نعم، تقريباً.

    سنتفق الآن، وإن أتى أحد فيما بعد يطالب بالمزيد أو يحاول سرقتي، سأقتله.

    خيّم الصمت على المكان، ثم سمعت صوت شخص خلفي يبصق: الرادتشآي الحثالة.

    لستُ من الرادتشآي. لم تكن كذبة، فلكي أكون رادتشآي يجب أن أكون بشر أولا.

    قال صاحب الحانة، وهو يهز كتفه تجاه الباب: لكنه منهم. أنت لا تملك اللكنة ذاتها لكن رائحتك كريهة، تماماً مثل رائحة الرادتشآي.

    تلك هي الفضلات التي تسقيها لعملائك. سمعت صيحات من الرواد من خلفي. أخرجت حفنة من النقود وألقيتها على المنضدة العالية. احتفظ بالباقي. التفتُ لأغادر.

    يا ويلك إن كانت نقودك مزيفة.

    يا ويلك إن لم أجد المزلجة في الخلف كما قلت. ثم غادرت.

    بدأت بحقيبة معالجة هبوط درجة حرارة الجسم. قلبت سيڨاردن، وكسرت ختم الحقيبة وفصلت قرصا داخلياً من بطاقته وأدخلته في فمها البارد الدامي. عندما أصبح مؤشر البطاقة أخضر اللون، بسطتُ الغطاء الخفيف وتأكدتُ من الشحنة، ثم لففته حولها وشغّلته. بعد ذلك ذهبت إلى خلف الحانة لأحضر المزلجة.

    من حسن الحظ لم يكن بانتظاري أحد هناك. لم أرغب في نشر الجثث أينما ذهبت، فأنا لم آتِ هنا لافتعال المشاكل. سحبتُ المزلجة إلى أمام الحانة، ووضعت سيڨاردن فوقها. فكرت في خلع معطفي الخارجي ووضعه فوقها ولكنني قررت في الأخير بأنه لن يكون أدفأ من غلاف معالجة الحرارة. شغّلت المزلجة وانطلقت.

    استأجرتُ غرفة في طرف البلدة، واحدة من عشرات المكعبات المتوافرة بحجم مترين، مصنوعة من البلاستيك الجاهز ذو اللون الأخضر المائل للرمادي والمغطى بالسخام. لم تحتوي الغرفة على أسِرّة، وكلّفت البطانيات والتدفئة المزيد من المال.

    نظفتُ الدماء من جسدها، وتحققت من نبضها (الذي لا زال موجوداً) وحرارتها (التي بدأت بالارتفاع). في الماضي كنت أستطيع التعرف على حرارتها الداخلية دون جهد، وكان الأمر كذلك مع نبضها وأكسدة دمها ومستويات هورموناتها. كان بإمكاني رؤية جميع الإصابات فورا. أما الآن أصبحت كالعمياء. من الواضح أنها تعرضت للضرب – فوجهها منتفخ وجسدها مغطى بالكدمات. أشارت بعض الإصابات في مناطق أخرى إلى أنه ربما تم اغتصابها، لكن من الصعب الجزم.

    تحتوي الحقيبة الحرارية على مصحح بسيط جداً، ولا يليق سوى بالإسعافات الأولية. ربما تعاني سيڨاردن من إصابات داخلية أو من رضوض عنيفة في الرأس، بينما لا أملك سوى معالجة الخدوش والكدمات فقط. إذا حالفنا الحظ ستكفيها عودة درجة حرارتها وتعافيها من الكدمات. لكن معرفتي بالطب محدودة، على عكس ما كنت عليه في السابق. وأي تشخيص مني الآن سيكون بسيط جداً.

    دفعتُ بقرص آخر في حلقها لأفحصها ثانية. لونها، بالرغم من الكدمات، أصبح يتقارب من لونه البني الاعتيادي. عبأتُ قنينة بالثلج ووضعتها في ركن يبعد عنها حتى لا تقلبه عند استيقاظها، ثم خرجت، مُحكِمة إغلاق الباب من خلفي.

    برغم ارتفاع الشمس في السماء، لم يكن ضوؤها أقوى مما سبق. وعلى سطح الثلج الساقط في عاصفة ليلة البارحة انتشرت آثار أقدام إضافية، ورأيت بضعة نِلتيون يتجولون في الخارج. جررت المزلجة إلى الحانة، وأوقفتها خلفها. لم يتعرض لي أحد، ولم تصدُر أصوات من المدخل المظلم. توجهت إلى وسط البلدة.

    رأيت الناس يجوبون البلدة، ينجزون مهامهم اليومية. لاحظت بعض الأطفال البدينون ذوي البشرة الفاتحة مرتدين بناطيلاً وأقمصة مبطنة يلعبون بالثلج ويركلونه على بعضهم البعض. توقفوا عند ملاحظتهم إيَّاي وحدّقوا بأعين كبيرة متفاجئة. تظاهر الكبار بأنني غير موجودة، ولكن أعينهم تلحق بي أينما مررت. دخلت حانوتاً لا تكاد درجة حرارته أن تكون أدفأ من الخارج بأكثر من خمس درجات.

    وقف دزِّينة من الناس يتكلمون، وخيّم الصمت ما إن وضعت قدمي في المكان. أدركت أن وجهي لا يُظهِر أية تعابير، فقمت بتحريك عضلاته ليبدو محياي لطيفاً وحيادياً.

    زمجرت صاحبة الحانوت قائلة: ما الذي تريده؟

    فقلت: أود شراء أربعة أرغفة من الخبز، وشريحة من الشحم. أيضاً، أريد حقيبتي معالجة انخفاض حرارة الجسم ومصححين للاستعمال العام، إن وُجد.

    لديّ عشرات وعشرينات وثلاثينات.

    ثلاثينات، من فضلك.

    وضعت السيدة مشترياتي على المنضدة: ثلاثمائة وخمسة وسبعون. صدرت كحة من شخص خلفي – وبدا لي للمرة الثانية أنني أُطالب بسعر مبالغ فيه.

    دفعت المبلغ، وخرجت حيث الأطفال مجتمعين في الشارع يضحكون، والكبار يمرون بي وكأنني لست موجودة. دخلت حانوتاً آخراً – سيڨاردن ستحتاج إلى ملابس، ثم رجعت إلى الغرفة.

    لا زالت سيڨاردن مغمىً عليها، ولم تبدِ علامات تُنبئ بتعرُّضِها للصدمة. ذاب أغلب الثلج الذي في العبوة، فوضعت فيه رغيف خبز – إذ كان بقساوة الطوب.

    أخطر الاحتمالات هي إصابة في الدماغ أو ضرر للأعضاء الداخلية. كسرتُ المصححين الجديدين ورفعت البطانية لوضع أحدهما على بطن سيڨاردن. راقبت السائل يتجمع في بقعة، ثم يتمدد ويتماسك حتى أصبح كقوقعة شفافة. أما الآخر فوضعته على جانب وجهها الذي بدت فيه كدمات أكثر. عندما أصبح ذاك قاسي الملمس، خلعت معطفي الخارجي واضطجعت ورقدت.

    بعد سبعة ساعات ونصف، تحرَّكت سيڨاردن مستيقظة. سألتها: هل أنتِ يقظة؟ لم يتح لها المصحح الذي وضعته على وجهها أن تفتح إحدى عيناها ونصف فمها، إلا أن انتشار الكدمات والانتفاخ على وجهها أصبح أقل بكثير. تفكّرت لوهلة في التعابير البشرية الأنسب للموقف، وأظهرتها على وجهي، وجدتكِ ملقية في الثلج أمام حانة. قلت قد تحتاجين المساعدة.

    كان تنفسها خفيفا، لكنها لم تدير وجهها نحوي. هل أنتِ جائعة؟ لم تجبني سوى بنظرة خالية من أية تعابير. هل ضربتِ رأسك؟

    أجابت بهدوء وارتخاء: لا.

    هل أنتِ جائعة؟

    لا.

    متى آخر مرة أكلتِ؟

    لا أدري.

    سحبتها بحذر شديد كي لا أسبب لها المزيد من الضرر، حتى أصبحت في وضعية الجلوس وأسندتها للجدار. أطعمتها بعضاً من خليط الماء والخبز. وكنت حذرة بالملعقة حول المنطقة التي يحيط بها المصحح. أمرتها ابلعي، ففعلت. أطعمتها نصف ما في السلطانية بهذه الطريقة، ثم أكلت البقية بنفسي. بعدها أتيت بوعاء آخر من الثلج.

    راقبتني بصمت وهدوء وأنا أضع رغيفاً آخراً من الخبز القاسي داخل الوعاء. سألتها: ما اسمكِ؟ لكنها لم تجبني.

    خمنتُ أنها قد تعاطت الكيف. يقولون بأن الكيف يكتم المشاعر، لكن ذلك ليس كل ما يفعله الكيف. في السابق كنت قادرة على شرح كيفية عمل الكيف، لكن ما عدت كما كنت.

    ما أعرفه الآن هو أن الناس يتعاطون الكيف ليتوقفوا عن الشعور، أو لأنهم يعتقدون أن عدم وجود المشاعر سيؤدي إلى العقلانية العليا والمنطق المطلق والتنوير الحقيقي. لكن الكيف لا يحقق أي من هذه الحالات.

    لقد كلفني إنقاذ سيڨاردن مالاً ووقتاً، وأعترف أني عاجزة عن فهم دوافعي. لو تركتها، ستسعى إلى جرعات أخرى من الكيف، وسينتهي بها المطاف إلى مكان مثل تلك الحانة القذرة، ومع تكرارها للتعاطي ستموت. إذا كانت هذه رغبتها، فليس لي حق في منعها، ولكن إن كانت تريد الموت، لِمَ لمْ تتبع الطريقة القانونية، بتسجيل نيتها والذهاب إلى الطبيب كما يفعل غيرها؟

    كثيرة هي الأمور التي لا أفهمها، وتسعة عشرة عام من التظاهر بأني بشر لم تعلمني ما توقعت معرفته.

    الفصل الثاني

    قبل أسبوعٍ وثلاثة أشهر وتسعة عشرة سنة من اليوم الذي وجدت فيه سيڨاردن في الثلج، كنتُ ناقلة جند تدور حول الكوكب شيس-أورنا. تعتبر ناقلات الجند أضخم سفن الرادتشآي، إذ تحمل ستة عشر طابق، للقيادة وللفريق الإداري وغيرها من الأقسام الطبية والهندسية ولقسم الزراعة المائية، كما ان لكل فرقة طابق خاص بها. وهناك أيضاً المساحات السكنية والعملية للضباط اللائي كنت أعلم بكل تحركاتهن وسكناتهن.

    نادراً ما تتحرك ناقلات الجند. كنت أقبع، كعادتي في معظم سنواتي الألفين، في نظام شمسي أو آخر، يلفني برد الفضاء. بدا شيس-أورنا كفيشة لعب زجاجية بيضاء وزرقاء، تدور حوله محطة مدارية. هناك سيل متواصل من السفن القادمة والمغادرة لإحدى البوابات المطوقة بإشارات التواصل. لم تكن حدود دول وأقاليم شيس-أورنا واضحة من مدار الكوكب، ولكن مدنه تشعُّ ضياءً في الليل، وكذلك شبكات الطرق ما بينها، في الأماكن التي تمت إعادة ترميمها منذ تطبيق "سياسة الإلحاق".

    شعرت وسمعت – وإن لم أرَ دوماً – تواجد بقية السفن حولي – السيوف والرحمات الأصغر والأسرع، والعدالات: ناقلات الجند مثلي، والتي كانت عديدة في ذاك الحين. قارب عمر أكبرنا الثلاثة آلاف سنة، وطالت حقبة معرفتنا ببعضنا البعض. لم نعد ندردش وقتذاك، إذ كنا قد استنفدنا كل الأحاديث المحتملة. نحبّذ الصحبة الصامتة، ما عدا فيما يتعلق بالاتصالات الروتينية.

    وقتها، بسبب امتلاكي لملحقات، كنت أتواجد في أكثر من مكان في آن واحد. كنت جزءاً من كتيبة عسكرية في مهمة بمدينة أورس الواقعة على كوكب شيس-أورنا، تحت قيادة الملازم أوْن، المسؤولة عن كل الوحدات.

    يقع نصف أورس على أرض مشبَّعة بالرطوبة، بينما يقع نصفها الآخر في مستنقع. بنيت المنطقة المطلة على البحيرة على بلاطات وضعت فوق أساسات غارقة بعمق في طين المستنقع. نبتت مادة غروية خضراء في القنوات والتقاطعات بين البلاطات. ونمت المادة على الأطراف السُّفلية من أعمدة المباني وعلى أي شيء غير متحرك يلحقه الماء. لم يكن منسوب الماء ثابتا بل يتغيّر مع تغيّر الموسم. وخيّم على المكان غاز كبريتيد الهيدروجين النتن، لا يغادره إلا عندما تهب العواصف الصيفية التي تجعل جزء المدينة الأقرب للمستنقع يرتجف ويرتعد، وتغرق الطرقات بحيث يصل الماء الذي ينقله الهواء مما وراء الجزر الحاجزة إلى مستوى الركبة. وهذه في بعض الأحيان فقط، ففي الغالب تسبب العواصف ارتفاع مستويات الرائحة النتنة. وتنجح العواصف في خفض حرارة الجو مؤقتاً، لكن هذه الأحوال لا تدوم أكثر من بضعة أيام، ثم يعود الجو ساخناً ورطباً.

    تصعب رؤية أورس من مداري حول الكوكب، فهي أشبه بالقرية من المدينة، بالرغم من أنها كانت في يومٍ من الأيام واقعة على شط نهر، عاصمة دولة تمتد على سواحل النهر. كانت التجارة تأتي على متن القوارب ذوات القاع المسطحة ذهاباً وإياباً على امتداد المستنقع الساحلي، جالبة الناس من بلدة إلى أخرى. تحول مجرى النهر بعيداً مع مرّ القرون، وأصبحت أورس الآن شبح مدينة. ما كانت في السابق أميالاً من الجزر المستطيلة الواقعة داخل شبكة من القنوات أصبح الآن مكاناً أصغر بكثير، تحيطه وتتخلله البلاطات المكسورة وشبه الغارقة، وأحياناً تتخلله الأسقف والأعمدة التي تخرج من الماء الطيني الأخضر في الموسم الجاف. كانت يوماً ما مسكناً للملايين من البشر.

    قبل خمس سنوات، عندما احتلت قوات الرادتشآي كوكب شيس-أورنا وألحقته بإمبراطورية الرادتش، كان عدد سكان المدينة ستة آلاف وثلاثمائة وثمانية عشرة شخصاً، ولا شك أن عملية الإلحاق قللت من ذاك العدد. وبالرغم من ذلك، فإن الأعداد التي نقصت في أورس أقل من الأماكن الأخرى، فبمجرد أن اصطففنا – أنا، في هيئة وحداتي العسكرية وضباط الملحقات – في شوارع البلدة، مسلحين ومدرعين، اقتربت كبيرة كاهنات إككت من الضابط الأعلى مرتبة – الملازم أوْن – وأعلنت الاستسلام الفوري. وجّهت كبيرة الكاهنات أتباعها بما يجب عليهم فعله لينجو أثناء عملية الإلحاق، وفي أغلب الأحيان، نجا أولئك الأتباع. ليس الاستسلام الفوري أمراً معتاداً، فنحن دائماً نوضّح منذ البداية بأن أية بوادر لشغب أو لتمرد أثناء عملية الإلحاق قد تعني الموت، ومنذ بداية أية عملية إلحاق كنا نطبّق ذلك على مرأى من الجميع، ولكن دائماً ما يوجد أشخاص يرغبون في اختبار عزيمتنا.

    نفوذ كبيرة الكاهنات مثير للإعجاب، وحجم المدينة الصغير خادع إلى حد ما، فأثناء موسم الحج يتجول مئات الألوف من الزائرين في الساحة أمام المعبد، ويخيّمون على بلاطات الشوارع المهجورة. يعتبر أتباع إككت هذا المعبد ثاني الأماكن المقدسة على الكوكب، كما انهم يقدسون كبيرة الكاهنات.

    عادة ما يتم وضع قوة أمن مدنية عند الاكتمال الرسمي لعملية الإلحاق – وهو أمر قد يأخذ خمسون سنة أو أكثر، ولكن عملية الإلحاق هذه اختلفت عن غيرها بحيث تم منح الجنسية للشيس-أورنيين الناجين في وقت مبكر، على غير العادة. لكن الإدارة العليا لم تستحسن فكرة عمل المدنيين المحليين في المجال الأمني بعد، مما أدى إلى تواجد عسكري كثيف. عند انتهاء عملية إلحاق شيس-أورنا رسمياً، عادت أغلب الفرق العسكرية التابعة لعدالة تورين إلى السفينة، باستثناء الملازم أوْن، وبقيت أنا معها كجزء من الوحدة الأولى (إسك) التابعة لعدالة تورين والمكونة من عشرين ملحقةً.

    تعيش كبيرة الكاهنات في منزل بقرب المعبد، أحد المباني القليلة التي لا زالت في حال جيّد منذ عهد أورس كمدينة. للمنزل أربعة طوابق، وسقفه منحدر في زاوية، ومفتوح من جميع الجوانب. وله حواجز يمكن رفعها في حال احتاج القاطن فيها إلى الخصوصية، إضافة إلى الشبابيك التي يمكن إغلاقها أثناء العواصف. استقبلت كبيرة الكاهنات الملازم أوْن في قسم يقارب حجمه خمس أمتار مربعة، يتسلل إليه الضوء من فوق الجدران القاتمة.

    قالت الكاهنة المسنّة: ألا تجدين العمل في أورس مشقة؟

    جلست هي والملازم أوْن على وسادات مبللة تفوح منها رائحة الفطريات، كحال كل شيء في أورس. ارتدت الكاهنة ثوب من القماش الأصفر ملتفاً حول خصرها، وكتفيها تنتشر عليه أشكال مختلفة، بعضها متجعد وبعضها أعجف، وتتغير بحسب الأهمية الدينية لذاك اليوم. واحتراماً لتقاليد الرادتشآي، ارتدت كبيرة الكاهنات قفازات.

    أجابتها الملازم أوْن بلطف: بالتأكيد، لا

    لكنني شعرت بأن تلك الكلمات لم تعبر عن الحقيقة بأكملها. للملازم عينان بنيتان داكنتان وشعر داكن قصير جداً. تبدو بشرتها داكنة بما فيه الكفاية كي لا تعتبر باهتة، لكنها ليست بالدرجة التي تعتبر جذابة – وهو أمر يمكن تعديله، وكذلك يمكنها تغيير شعرها وعينيها، إلا ان الملازم لم تسع يوم لذلك التعديل. وبدلاً من زيّها الرسمي – معطف طويل بني ممتلئ بالمشابك المرصعة بالجواهر، وقميصاً وبنطالاً، أحذية وقفازات – ارتدت الملازم تنورة من نفس النوعية التي ترتديها كبيرة الكاهنات، مع قميص خفيف ونوع خفيف من القفازات. ومع ذلك كانت تتصبب عرقا. بقيتُ واقفة عند المدخل، صامتة مستقيمة الظهر، بينما وضعت كاهنة صغرى أكواباً وسلطانيات بين الملازم أوْن وكبيرة الكاهنات.

    وأنا وقفتُ أيضا على بعد أربعين متراً، في المعبد ذاته – مكاناً مغلقاً بارتفاع 43.5 متر وطول 65.7 متر وعرض 29.9 متر. في المدخل تتواجد أبواب يقارب طولها ارتفاع السقف، بينما يتواجد في الجانب الأبعد من الأبواب مجسّم لجرف جبلي يتواجد في مكان آخر على شيس-أورنا، منحوتاً بدقة شديدة. أسفل هذا تتواجد منصة ودرجات واسعة تؤدي إلى أرضية من الحجر الرمادي المخضر. تسلل الضوء من خلال دزّينات من المناور الخضراء، لينعكس على جدران رسمت عليها مشاهد من حياة رهبان ديانة إككت. يختلف المعبد عن بقية المباني في أورس، فالعمران، كديانة إككت بذاتها، تم استيرادها من مكان آخر. أثناء فترة الحج تكتظ هذه المساحة بالزوار. هناك بقع مقدسة أخرى، ولكن كلمة حج بالأورسية تعني الحج السنوي لهذا المكان بالذات، وقد تبقت أسابيع قليلة على بدء ذاك الموسم.

    ضحكت كبيرة الكاهنات: أنتِ دبلوماسية، يا ملازم أوْن.

    أجابتها الملازم أوْن: أنا جندية. تحدثتا بلغة الرادتشآي، وتحدثت الملازم ببطء ودقة، وهي حريصة جداً في لكنتها، لا أجد في أداء واجبي مشقة.

    لم تبتسم كبيرة الكاهنات إجابة على ذلك. في الصمت الوجيز الذي تبع حديث الملازم، وضعت الكاهنة الصغرى سلطانية مما يسميه الشيس-أورنيون شاياً – سائل ثقيل ودافئ ومُحلّى – والذي لا يكاد أن يمت بصلة للشاي الحقيقي.

    وها أنا أيضا أقف خارج أبواب المعبد، في الساحة المغطاة بالاخضرار، أراقب الناس يمرون بي. يرتدي أغلبهم نفس التنورة البسيطة ذات الألوان الزاهية التي ترتديها كبيرة الكاهنات، ولم يرتدي القفازات سوى القليل منهم. وبين المارة رأيت بعض "المزدرعين": أناس من الرادتشآي تم تعيينهم في وظائف أو منحهم ممتلكات هنا في أورس بعد الإلحاق. تبنى أغلبهم التنورة البسيطة وأضافوا لها قميصاً خفيفاً وواسعاً، كما فعلت الملازم أوْن، بينما تمسّك البعض بعناد بالبناطل والسترات، متصببين عرقا أثناء تجوالهم في الساحة. ارتدوا جميعاً المجوهرات التي لن يتخلى عنها سوى القليل من الرادتشآي – هدايا من أصدقاء أو عشاق أو قطع تذكارية للموتى وأيقونات تشير إلى ارتباطات مواليهم وعائلاتهم.

    في الشمال، بعد امتداد من الماء على شكل مستطيل يدعى صدارة المعبد، يقع مرتفع في منطقة كانت تقع فيها المدينة على أرض يابسة أثناء الموسم الجاف – منطقة لا زالت تسمى بالمدينة العلوية، والتي أتواجد فيها أيضاً بغرض الحراسة. عندما أسير على حافة الماء أتمكن من رؤية جسدي الآخر واقف في الساحة.

    تتحرك القوارب ببطء مستخدمة عصي تعينها على الحركة عبر المستنقع، وفي القنوات الموجودة بين البلاطات. بدا الماء رغوي وامتلأ بعصب الطحالب المنفوشة فوق أطراف حشيش الماء. بعيداً عن البلدة، من الطرفين الشرقي والغربي، تشير الطافيات على المناطق المحظورة من الماء. وتبرق أجنحة ذباب المستنقع فوق الحشائش الطافية، كثيفة ومتشعبة. تطفو حولها قوارب أكبر وجرافات كبيرة، صامتة وخامدة. قبل عملية الإلحاق عملت تلك الجرافات على استخراج الطين النتن من قاع البحيرة.

    في الجنوب المنظر متشابه، تكسره لمحة بعيدة للبحر في الأفق، بعد امتداد اللسان الساحلي الذي يشكل حدود المستنقع. أبصرتُ هذا كله أثناء وقوفي في مختلف الأماكن حول المعبد وتجوالي في شوارع البلدة. بلغت درجة الحرارة سبعة وعشرون درجة مئوية، والهواء رطب على عادته.

    كنت متيقظة في نصف أجسادي العشرين. نام البقية أو عملوا في المنزل الذي تسكنه الملازم أوْن – وهو منزل واسع بثلاث طوابق، سابقاً سكنته عائلة كبيرة ومحل تأجير قوارب. طلت الجهة الخلفية على قناة خضراء عريضة ممتلئة بالطين، بينما فتحت الجهة الأمامية على أكبر الشوارع المحلية.

    ثلاثٌ من الملحقات المتواجدات في المنزل يقظات، يؤدين أعمالهن الإدارية (جلستُ على حصير فوق منصة منخفضة في وسط الطابق الأول للمنزل استمعُ لأورسية تشكي لي عن توزيع حقوق الصيد).

    عليك يا مواطنة مراجعة قاضي المقاطعة.

    تحدثتُ مع الأورسية باللهجة المحلية. لأنني أعرف الجميع هنا، أعلم بأنها أنثى، وأنها جدة، أمران يجب عليّ الإشارة إليهما إن أردت الحديث معها – ليس من باب البلاغة النحوية فقط، بل أيضاً من باب اللباقة.

    اعترَضَت المرأة بسخط: أنا لا أعرف قاضي المقاطعة!

    تسكن قاضية المقاطعة في مدينة كبيرة وذات تعداد سكاني عال، بعيداً عن أورس.

    ما الذي يعرفه قاضي المقاطعة عن أورس؟ ربما حتى لا وجود له. وتابعت شرحها للتاريخ الطويل لعلاقة أسرتها بالمنطقة المحصورة بالطافيات، والممنوع الذهاب إليها، ومن المؤكد أنها لن تفتح للصيد طوال الثلاثة سنوات القادمة.

    وكالعادة، هناك وعي دائم في ذهني بتواجدي في مداري في الفضاء.

    قالت كبيرة الكاهنات: فلنكن صريحين يا ملازم، لا يوجد من يحب أورس سوى تعيسوا الحظ الذين ولدوا فيها. أغلب الشيس-أورنيين الذين أعرفهم، ناهيك عن الرادتشآي، يفضلون السكن على أرض جافة ومواسم حقيقية متنوعة غير الموسم الممطر والآخر غير الممطر.

    قبلت الملازم أوْن كوباً مما يسمونه شاي، وشربت دون أن تلوي قسمات وجهها اشمئزازا – أمر ما كانت تقوى عليه لولا الممارسة والعزيمة. قالت: رؤسائي يطالبون برجوعي.

    في الطرف الشمالي للبلدة – والذي يعتبر جافا مقارنة ببقية البلدة – لمحتني جنديتان ترتديان زياً رسمياً بني اللون أثناء مرورهما، وأديتا التحية لي فرددت عليهما. هن جنديات عاديات من الوحدة العسكرية (الثانية) التابعة لعدالة إينتيه، تحت قيادة الملازم سكآيات. تقتصر مهمتهن على حراسة البراح ما بين أورس والطرف الجنوبي الغربي البعيد لـكولد فيس، المدينة التي نشأت حول مصب النهر الجديد. جنود تلك الوحدة بشريات، ويعلمن بأنني لست بشر، فيعاملنني بلطف يشوبه بعض التحفظ.

    تحدثت كبيرة الكاهنات مع الملازم أوْن: أفضّلُ أن تبقين.

    بالطبع، تعرف الملازم أوْن ذلك، فمن المفترض رجوعنا إلى عدالة تورين قبل سنتين، إلا أن الكاهنة استمرت في طلب بقائنا هنا.

    قالت الملازم أوْن: أرجو أن تفهمي بأنهم يفضلون استبدال وحدتي بوحدة عسكرية بشرية، فيمكن للملحقات البقاء في التجميد لأجل غير مسمى، بينما البشر ...

    وضعت كوبها من الشاي، وأخذت قطعة مسطحة من الكعك ذو اللون الأصفر المائل للبني، لدى البشر أسر يرغبون في رؤيتهم، لديهم حياة خارج خدمتهم العسكرية. لا يمكنهم البقاء مجمدين لعدة قرون مثل الملحقات. ومن غير المنطقي أن تعمل الملحقات خارج عنابر السفينة بينما يتواجد الجنود البشر القادرين على تأدية الوجب ذاته.

    بالرغم من تواجد الملازم أوْن هنا لمدة خمسة سنوات، ولقاءاتها الروتينية مع كبيرة الكاهنات، فإنها أول مرة يتطرق فيها إلى الموضوع بكل وضوح. عبست الملازم، وأشارت التغييرات في معدلات تنفسها وهورموناتها إلى أنها فكرت في شيء مقلق. هل واجهتك مشاكل مع الوحدة التابعة لعدالة إينتيه؟

    أجابتها كبيرة الكاهنات: لا. نظرت إلى الملازم أوْن ولوت فمها: أنا أعرفك، وأعرف وحدتك، لكنني لن أعرف من سيرسلون إليّ، وكذلك لن يعرفهم رعاياي.

    فأجابتها الملازم أوْن: "أعلم أن عمليات

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1