Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

المسيحية بعيون يهودية
المسيحية بعيون يهودية
المسيحية بعيون يهودية
Ebook442 pages3 hours

المسيحية بعيون يهودية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

من الطبيعى أن يسعى كل مؤمن بديانة ما الى معرفة وجهة نظر الأديان الأخرى فى ديانته ، فيتعامل مع المعتدلين منهم بالاعتدال ، ويأخذ الحيطة والحذر من الكارهين والمناهضين والحاقدين . المصادر التى ترجمنا عنها تطلق علي الديانة المسيحية اسم نصرانية وليس منا .

Languageالعربية
Release dateApr 28, 2024
ISBN9798224439256
المسيحية بعيون يهودية

Read more from Nabil Mohammed Onsy Aly

Related to المسيحية بعيون يهودية

Related ebooks

Related categories

Reviews for المسيحية بعيون يهودية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    المسيحية بعيون يهودية - nabil mohammed onsy aly

    مقدمـة المترجـم المحقق

    من الطبيعى أن يسعى كل مؤمن بديانة ما الى معرفة وجهة نظر الأديان الأخرى فى ديانته ، فيتعامل مع المعتدلين منهم بالاعتدال ، ويأخذ الحيطة والحذر من الكارهين والمناهضين والحاقدين .

    المصادر التى ترجمنا عنها تطلق علي الديانة المسيحية اسم نصرانية وليس منا .

    تنبيه !!

    هذا الكتاب نقلاً عن المصادر العبرية واليهودية المختلفة ولا دخل لنا فيه ، فإن كان فيه مدح ( لشخصيات يهودية )  أو ذم ( لشخصيات مسيحية ) أو تزييف للحقائق ،  فليس منا ولا دخل لنا فيه ومعاذ الرب أن نقصد تضليل القارئ  أو التعتيم عليه ، ولكنها الأمانة فى الترجمة .

    المترجم

    نبيل أنسى الغندور

    جولة فى تاريخ الديانة النصرانية

    النصرانية هى واحدة من الديانات الثلاثة التوحيدية الرئيسية ، وهى الديانة ذات أكبر عدد من المؤمنين فى العالم .

    نشأت الديانة النصرانية فى أرض اسرائيل قبل حوالى ألفى عام ، وهى تدور حول شخصية يسوع الناصرى ، وفى غضون القرون الأربعة الميلادية الأولى ، وخصوصاً بعدما تحولت النصرانية لتصبح هى الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية فى القرن الرابع الميلادى ،  أصبحت النصرانية هى الديانة المهيمنة والسائدة فى أوربا  والعالم الغربى . وفى غضون الفترة الاستعمارية ( من نهاية العصور الوسطى وحتى منتصف القرن العشرين ) امتدت النصرانية لتصل الى أماكن الاستيطان التى نشأت فيها مستعمرات أوروبية ، ومعظم النصارى حالياً هم سكان بلدان خارج العالم الغربى . ويقدر عدد النصارى حالياً بحوالى 2.1  مليار مؤمن نصرانى .

    وفيما يشبه ديانات أخرى ، وبعيداً عن العقيدة الدينية ، فإن النصرانية هى أيضاً وسيلة هيمنة وسيطرة ، ففى فترات مختلفة تم استخدامها أيضاً لأغراض سيادية ( متعلقة  بالسلطة ) .

    والهيكل الوظيفى فى النصرانية يؤكد بقوة وبشدة على استخدام الدين كأداة سلطة بعيداً عن العقيدة الدينية . وبمرور السنوات والسنين انقسم النصارى الى تيارات مختلفة على خلفية جدالات حول أركان العقيدة ، وحول طابع و كيان المؤسسة الدينية النصرانية ، وكذلك حول موضوع العادات والتقاليد وأساليب الطقوس والشعائر الدينية .

    اسم الديانة 

    واسم الديانة فى اللغة العبرية مشتق على ما يبدو من اسم مدينة الناصرة . فالناصرة هى المدينة التى أقام فيها يسوع مع أسرته معظم أيام حياته ، حسب المؤلفات النصرانية ( على الرغم من أنه ولد فى بيت لحم على حد قولهم ) . وهناك لقب مشابه للنصارى يظهر أيضاً فى القرآن بين فريق من المسلمين ألا وهو نصارى .

    وأما النصارى أنفسهم فيطلقون على أنفسهم ( كريستيانيين ) ( على سبيل المثال فى الانجليزية : Christians وكذلك فى معظم اللغات الاوربية ) أو ( مسيحيين ) . وتلك الأسماء مشتقة من العقيدة النصرانية القديمة القائلة بأن يسوع كان المسيح المخلص .

    وفى اليونانية ومعظم اللغات الأوربية يُطلق على يسوع : كريستوس (  Χριστός ) ، وهى كلمة ترجمة حرفية للكلمة العبرية (משיח ماشيح أو مسيح  ) ( وفى العهد القديم الماشيح هو من تم مسحه بالزيت أو الدهن المقدس إشارة إلى تتويجه ملكاً ) .

    نشأة الديانة النصرانية

    إن كل واحدة من الأديان الثلاثة تروى بتفصيل عن  نشأة جماعة المؤمنين بها . وفى تاريخ نشأة كل واحدة من الطوائف الثلاثة المؤمنة تم تكريس مكانة خاصة لشخصية واحدة : فبفضل زعامة موسى ، الذي اختاره الرب، حوّل جمهور العبيد الذي خرج من مصر إلى شعب إسرائيل ، وبفضله أيضا حصل شعب اسرائيل على التوراة ؛ وأما جماعة المؤمنين النصارى فقد نشأت حول الاعتقاد بأن يسوع هو المسيح المخلص وابن الرب ؛ كما نشأت الأمة الإسلامية على يد النبي محمد في أعقاب الوحى الإلهي الذي عبّر عنه .

    إن التاريخ النصرانى القديم غير معروف بصورة كاملة . وهو قائم على المكتوب فى أناجيل ( أسفار البشارة ) العهد الجديد ، إلا أن تلك الأسفار ليست كتب تاريخية ، وما مهمتها الرئيسية إلا تشجيع الناس على الايمان بالديانة الجديدة . وهناك مصادر أخرى وهى مؤلفات المؤرخين الرومان ومؤلفات يوسف بن متتياهو ( يوسيفوس فلافيوس ) . ولكن المعلومات الموجودة فيها أيضاً غير كاملة ، وهناك مؤرخون يشككون فى مصداقية النصوص التى تهتم بالنصرانية فى مؤلفات يوسف ابن متتياهو .

    وتروى أناجيل العهد الجديد أن يسوع مؤسس الديانة ولد فى مدينة بيت لحم الواقعة فى جبال يهودا فى أواخر أيام حكم هوردوس . واسمه العبرى المصدرى كان على ما يبدو يشوع .

    وأباه هو يوسف الذى يعتبر حسب العهد الجديد من نسل الملك داوود ، ولكنه سكن فى الناصرة الواقعة فى الجليل وكان نجاراً فى حرفته . وعيد يوسف النجار  (زوج أم يسوع باعتبار الفرضية اللاهوتية القائلة بأن أمه قد حملت من الروح القدس )  هو الموافق  19 / 3 من كل عام .

    وأما أم يسوع فاسمها مريم ( باللغات الأوربية : ماريا ) . وتعتبر عند الكاثوليك بمثابة أم الرب . بشّرها جبريل فى الناصرة ببشارة الميلاد . حملت من الروح القدس ووضعت حملها فى بيت لحم وصعدت الى السماء فى اورشليم ( حسب رواية أخرى ـ  فى افسوس ) . وقبر مريم هو كنيسة سانتا انا = البيت الذى ولدت فيه ، دورمتسيون = نوم عميق ، محطة 4 + 13 ، كنائس البشارة + الينبوع فى الناصرة . ويتم الاحتفال بالبشارة فى  25 / 12 ، وبالصعود للسماء فى  15 / 8 ، وبميلادها فى  8 / 9 .

    وأم مريم اسمها حنّا وهى من مواليد  صبورى . وأبو مريم اسمه يهويخيم وهو من مواليد صبورى أيضاً .

    وتروى الأناجيل أن مريم لم تحبل من زوجها ، ولكنها حبلت من الروح القدس ، وهكذا احتفظت ببكارتها وبتوليتها على الرغم من حملها . وبما أنها ملقبة فى النصرانية باسم ( مريم العذراء ) ( أو البتول أو العذراء المقدسة ) فانها تحتل مرتبة ثانية فى أهميتها بالنسبة ليسوع نفسه ، حيث أنها المرأة الوحيدة التى لم تفتقر الى الخطيئة القديمة حتى تحبل ، كما أنها حملت فى رحمها ابن الرب .

    يوسف الذى شك فى البداية أن زوجته حبلت من رجل آخر ، أراد تطليقها ، ولكنه رأى فى المنام أن زوجته حبلت من الروح القدس ولذلك يحرم عليه تطليقها . وما دام الأمر كذلك احتضن الطفل وتحول ليصبح بهذا أبو يسوع .

    وحسب العهد الجديد ، فان الحكماء الذين جاءوا من الشرق ( المجوس أى حكماء الديانة الزورواسطرية ، وفى أناجيل أخرى أطلق عليهم ملوك ) لزيارة المولود قد أحضروا معهم هدايا لأنهم اعتبروه ملك اليهود الجديد وأعاروا لميلاده أهمية عظيمة . فلما سمع هوردوس الملك عن ذلك أمر بقتل جميع الأطفال فى بيت لحم ، ولكن يوسف بادر وهرب مع عائلته الى مصر وهكذا أنقذ الطفل .

    وتجدر الاشارة الى أنه بينما يسوع منسوب فى العهد الجديد لآل داوود ، فإن هوردوس كان ملكاً من الأسرة الحشمونية .

    وتجدر الاشارة إلى أن يسوع ولد بعد موت هوردوس ، وعلى ما يبدو فان هوردوس موضوع الحديث هنا ( أو المقصود به هنا ) هو هوردوس ارخيلاوس  ابن الملك هوردوس .

    فلما مات هوردوس عاد يوسف مع عائلته إلى أرض اسرائيل . فلما اشتد عود يسوع بدأ يعظ ، وجمع حوله أيضاً تلاميذ، ولكن التحول العظيم فى حياته بدأ عندما قابل يوحنا المعمدان .

    لقد كان يوحنا المعمدان راهباً ناسكاً زاهداً ويومه هو الموافق 24 / 6 وعمّد يسوع فى قصر اليهود فى الأردن ، وعنّف ووبّخ هوردوس انطيفس على زواجه من هيروديا مطلقة أخيه ، وطلبت شلوميت ابنة هوردوس رأس يوحنا المعمدان على طبق ـ فقُتِل وهو فى السجن ، ودُفِن فى اسباستيا . وفى عين كرم تقع كنيسة يوحنا فى الجبال ، بجوار حجر الياقوت دير يوحنا فى الصحراء . وكانت رأسه مستقرة فى كنيسة الصعود الروسية . وزكريا هو أبو يوحنا المعمدان . تم تبشيره بأن زوجته ستحبل بابن عظيم أثناء خدمته ككاهن عظيم فى الهيكل وضُرِب بالبكم والخرس .

    تبلور النصرانية على يد بولس

    وحسب العقيدة النصرانية التى تطورت وتبلورت بصورة خاصة على يد بولس ( شاؤول الترسى ) ، فإن يسوع هو ابن الرب ( ويسمى أيضاً حَمَل الرب ) الذى هبط ليخلص البشرية عن طريق موته . وحسب تلك العقيدة فان صلبه على يد الوالى الرومانى فونطيوس بيلاطوس جاء كتكفير عن خطايا البشرية وعن الخطيئة القديمة .

    وتروى لنا الأناجيل ان يسوع قام من موته بعد ثلاثة أيام من صلبه ، وصعد الى السماء فترة ما بعد ذلك . وحسب العقيدة النصرانية فانه سوف يعود مرة أخرى ليخلص العالم فى أواخر الأيام ( وهو الحدث المسمى بـ " أبو كاليبسا / مشهد يوم القيامة ) .

    وفى بداية مشوارهم كان المسيحيون مبعثرين فرقاً فرقاً . وفى عام 180 م تم إقامة كنيسة مركزية رسمية . وبمرور السنوات والسنين تم ادراج تاريخ حياة يسوع ـ أى البشارات ـ ورسائل رسله الى طوائف المؤمنين فى كتاب العهد الجديد ، حيث تمثل أركان العقيدة المسيحية سوياً مع كتاب العهد القديم أو التناخ .

    لقد كان أوائل النصارى هم اليهود الذين آمنوا بأن يسوع هو المسيح المخلص التناخى ( الذى ورد ذكره فى العهد القديم ) . وخلال القرن الأول الميلادى أدى نشاط الرسل ـ وهو لقب الاثنى عشر تلميذا الذين اختارهم يسوع لكى ينشروا شريعته ـ وخصوصا بولس الى انتشار النصرانية تدريجيا بين مجتمعات وشعوب وثنية فى ارجاء الامبراطورية الرومانية .

    لقد كان بولس هو الذى وصف صلب يسوع بأنه الحدث الذى خلص البشرية جمعاء ( وليس اليهود فقط ) فأتاح بذلك المجال لأن تتحول النصرانية من طائفة يهودية الى ديانة بديلة لليهودية ـ كما خرج رسول آخر وهو القديس بطرس الى روما بعد أن عينه يسوع رئيساً للكنيسة وتحول ليصبح اول مطران أو أسقف لروما . ولعظيم أهميته أصبح أساقفة روما ( الباباوات ) زعماءً للعالم النصرانى كما أصبحت روما نفسها مركزه الروحانى .

    وقرب نهاية القرن الأول الميلادى تم تدوين أحداث وتاريخ يسوع وبداية النصرانية فى أسفار البشارة ، تلك الأسفار التى أصبحت متأخراً جداً الأربعة أسفار التى يبدأ بها العهد الجديد .

    تنصّر الامبراطورية الرومانية

    وابتداء من القرن الاول الميلادى وحتى نهاية القرن الثالث الميلادى تمت مطاردة النصارى من قبل سلطات الامبراطورية الرومانية ، من بين الأمور الأخرى فى زمن حكم القياصرة : نيرون ( 37 ـ 68 م ) ودوميطينوس ( 51 ـ 96 م ) وداكيوس ( 201 ـ 251 م ) وآخرين .

    وفى غضون القرن الرابع الميلادى ، قرر قونسطنطينوس قيصر الامبراطورية الرومانية التوقف عن مطاردة النصارى وفى النهاية تنصّر ولكن قرب موته ؛ وهو الحدث الذى منح النصرانية مكانة الديانة الرسمية فى الامبراطورية الرومانية . وتعتبر سنة ( 313 م ) هى بداية الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ، التى حكمت حكماً بدون حدود فى أوروبا خلال الألف سنة التالية ، فى فترة العصور الوسطى ، حيث أخذ الكهنوت مكانة السلطة ( السلم الوظيفى ) وتزعمه البابا ـ رئيس الكنيسة .

    وفى فترة حكمه نقل قونسطننطينوس عاصمة الامبراطورية الرومانية من روما ـ التى كانت حتى ذلك الحين بمثابة المركز الدينى الذى لا يتزعزع للنصرانية ـ الى القسطنطينية فأثار خلافاً ونزاعاً بين العاصمتين فيما يتعلق بحق الأولويية والأفضلية الروحانية .

    وبمبادرة قونسطنطينوس بدأت تنعقد أيضا المؤتمرات الكنسية ( حيث كان أول مؤتمر هو مؤتمر نيقية ( 325 م) وبعده مؤتمر القسطنطينية الأول ( 381 م ) ومؤتمر أفسس ( 431 م ) ومؤتمرات أخرى ، تلك المؤتمرات هى التى بلورت قانون ( أنا مؤمن ) ( كريدو أو كريد ) النصرانى ، وحددت أركان العقيدة النصرانية وصلاحيات أو سلطات الكنيسة وصلاحيات زعمائها والأسفار المقدسة .

    وفى منتصف القرن الرابع الميلادى حاول القيصر يوليانوس أيضا استئناف العبادة الوثنية ، إلا أنه فى أيام القيصر ثياودوسيوس الأول ( 392 م) تم تحريم تلك العبادة تماماً وفُرِضت النصرانية على سكان الامبراطورية .

    لقد ضاعف سقوط الامبراطورية الرومانية فى عام 476 م ( ذلك السقوط الذى يرمز الى نهاية الوحدة الدينية السياسية المشتركة ) من النزاعات الدينية بين النصارى فى شرق الامبراطورية وبين هؤلاء الذين فى غربها . ومع نهاية القرن الخامس الميلادى تزعزعت وحدة النصرانية بالشكل الذى أدى الى انقسامها الى الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية ( التى مركزها فى القسطنطينية ) والتى رفضت الاعتراف بالسلطة الروحانية الكاملة للبابا ، والى الكنيسة الغربية الكاثوليكية ( التى مركزها روما ) .

    وفى القرون التالية اشتدت شوكة وتأثير الكنيسة فى أرجاء العالم . حيث نشطت الكنيسة الكاثوليكية فى جاليا ( احتمال فرنسا) وفى المانيا وبريطانيا بينما جلبت الكنيسة الارثوذكسية بشارة النصرانية للشعوب السلافية .

    وقرب نهاية الألفية الأولى جمعت الباباوية والكنيسة قوة سياسية عظيمة ، مع ظهور الامبراطورية الرومانية المقدسة . وأدرجت فى حدود الامبراطورية معظم مناطق اوربا الرئيسية وأجزاءً من غرب اوربا ، وفى فترات زمنية مختلفة طَوّقت معظم منطقة اوربا اليابسة التىتقع غرب روسيا ما عدا فرنسا .

    وكانت للبابا مهمة اساسية فى تتويج قيصر روما واضطر حكام الامبراطورية للعمل بمشورة واحدة معه وأحيانا طبقا لأوامره .

    وفى عام 1054 م أدت الاختلافات فى التفاسير فيما يتعلق بالتصور الأساسى للديانة والتعاظم فى سلطة وقوة البابا الى مشكلة نهائية بين روما والقسطنطينية والى انقساماً رسمياً بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية .

    الفترة البيزنطية 324 ـ 638 م

    إن الانتقال من الفترة الرومانية إلى الفترة النصرانية ـ البيزنطية لم يكن مصحوباً بالخراب والدمار مثلما حدث فى الفترة التى سبقتها . ففى عام 324 م عندما أصبحت النصرانية هى الديانة الرسمية للمملكة البيزنطية ، حاول النصارى أن يعطوا لذلك تعبيراً فى أورشليم فتقدست أورشليم للنصرانية ، حيث وقعت فيها أحداثاً كثيرة مرتبطة بتطور الديانة النصرانية : حيث تمشّى يسوع فى شوارعها مع تلاميذه وتنبأ بخرابها . وتروى الرواية النصرانية عن الأعمال العجيبة ( المعجزات ) التى قام بها يسوع فى أورشليم . وفى أورشليم قُبِض عليه وحوكم بتهمة التمرد على المملكة ، وفيها صلب وفيها دفن ، وفى أورشليم حسب العقيدة النصرانية قام يسوع من موته وصعد إلى السماء من فوق جبل الزيتون ، شرق جبل الهيكل .

    القيصر قونسطنطيوس الكبير هو الذى أعلن عن النصرانية ديانة للإمبراطورية وأفرد لأورشليم مكانة وأهمية خاصة . حيث حُرِّم على اليهود الاستيطان فى المدينة فى بداية الفترة البيزنطية ، ولكن قرب نهايتها تبلورت فيها مرة أخرى طائفة يهودية . وتشهد المصادر المختلفة التى ترجع لتلك الفترة على مشاريع بناء ضخمة فى المدينة . وأهم مصدر لمعلوماتنا حول أورشليم فى الفترة البيزنطية هو خريطة ميدبا . وهى خريطة أرض اسرائيل المرسومة بالفسيفساء ( قطع صغيرة ملونة من الرخام وغيره يؤلف بعضها على بعض فى أشكال مختلفة ) على أرضية كنيسة ترجع الى القرن السادس الميلادى ، ولقد اكتشف الفسيفساء فى مدينة ميدبا التى تقع شرقى الأردن .

    وتظهر أورشليم فى الخريطة موصوفة كمدينة محاطة بسور ، شارع فسيح من الأعمدة يقطعها على امتدادها من الشمال إلى الجنوب .

    ويمكن أن نرى فى الخريطة أيضاً العديد من الكنائس التى شُيِّدت إحياءً لذكرى الأحداث المختلفة التى وقعت فى حياة يسوع . فقد شيّدوا الكنيسة الرئيسية حول مكان قبره وهى كنيسة القيامة . ولقد شُيِّدت خلال عشرة سنوات ، وتم افتتاحها فى عام 335 م . وبعد ذلك خلال الفترة البيزنطية تم تشييد كنائس أيضاً فى منطقة جبل صهيون وكذلك فى منطقة السلوان وفى حوض بيت حيسدا . وأما أكبر كنيسة فقد بناها القيصر يوسطينيانوس فى القرن السادس الميلادى وهى كنيسة هنياه ، وكنيسة مريم الجديدة .

    وبعض شوارع أورشليم فى تلك الفترة معروفة لنا اليوم أيضاً . وفى الحفريات الأثرية تم اكتشاف بعض الأجزاء من شارع هكردو ، وعثر على بقايا عديدة من المبانى الفخمة فى تلك الفترة . وبعض  المبانى مازال موجوداً بتغييرات معينة أيضاً فى فترة متأخرة جداً ، وحتى إلى يومنا هذا . ومن مبانى أخرى تم اكتشاف بقايا ضئيلة جداً  .

    وفى عام 614 م احتل الفرس البلاد ، وألحقوا ضرراً بالسكان النصارى ، هدموا وأحرقوا بالنار مبانى الديانة النصرانية فى جميع البلاد . وهكذا صنعوا أيضاً بأورشليم . ولقد استمر الاحتلال الفارسى لمدة 14 سنة ، وكانت فترة تدهور وانحطاط صعبة فى تاريخ أورشليم . وبعد ذلك حاول القيصر هيراكليوس ترميم وإصلاح المدينة ، ولكن جهوده لم تُثمر . ولقد كان هو آخر الحكام البيزنطيين فى أورشليم . 10 سنوات بعد أن حرر المدينة من نير الفرس احتلها المسلمون .

    لقد ضاعف سقوط الامبراطورية الرومانية فى عام 476 م ، التى وسمت نهاية الجنسية أو تكريس الحياة للخدمة الدينية ـ السياسية المشتركة ، من الخلافات الدينية وغيرها بين النصارى الذين فى شرق الامبراطورية وبين هؤلاء الذين فى غربها ، ومع نهاية القرن الخامس تزعزعت وتقوضت وحدة النصرانية بالشكل الذى أدى إلى انقسامها إلى الكنيسة الشرقية ـ الأرثوذكسية ( التى مركزها فى القسطنطينية ) ، التى رفضت الاعتراف بالسلطة الروحانية الكاملة للبابا ، وإلى الكنيسة الغربية الكاثوليكية ( التى مركزها فى روما ) .

    وفى بداية العصور الوسطى كان الكهنوت خاضعاً بدرجة كبيرة للطبقة الراقية ، وكان يتم تعيين رجال الدين فى حالات كثيرة على يد النبلاء الوجهاء . وبمرور الزمن جمعت الكنيسة ثراءاً وقوة واستقلالاً عن السلطة العادية وقلبت الحقائق وامتلكت لنفسها قدرة كبيرة على التأثير حتى على الطبقة الراقية طبقة النبلاء .

    ولتعميق سيطرتها أقامت الكنيسة الكاثوليكية التبشير النصرانى : وهى حركة تهدف الى اقحام الديانة النصرانية بين الشعوب الغير نصرانية ، والتى أدت أنشطتها على مر التاريخ الى انتشار النصرانية فى أرجاء العالم .

    النصرانية فى العصور الوسطى

    وأهم انقسام فى النصرانية يسمى ( سكيزما ) ومعناه انقسام أو انشطار فى اللغة اليونانية ، حدث فى القرن الـ 11 م مع انفصال الكنيسة الرومانية الكاثوليكية التى مركزها فى مدينة الفاتيكان الواقعة فى روما ، عن الكنيسة البيزنطية الأرثوذكسية التى مركزها فى القسطنطينية ( بيزنطه ، اسطنبول الحالية ) . الكنيستين انفصلتا لأسباب عقائدية لاهوتية ولغوية وسياسية وجغرافية .

    ومع انتقال الحاكم الرومانى والثقة السياسية من روما إلى القسطنطينية ، نشأ انقسام فى المزاج ( الطبع ) الدينى للامبراطورية . وبسبب عادة الحاكم بأنه كان يُفوَّض ويُخوّل فى الموضوعات الدينية والغير دينية معاً ، نشأ فى نهاية الأمر انقسام بين الأساقفة ـ هؤلاء الذين ذهبوا فى أعقاب البابا من روما وهؤلاء الذين ذهبوا وراء الحاكم الذى فى القسطنطينية .

    وفى عام 1096 بادرة الكنيسة بزعامة البابا أوربانوس الثانى الى الحملة الصليبية الأولى لاحتلال ارض اسرائيل من ايدى المسلمين والى حرب الكفار . ولقد استمرت الحملات الصليبية ( البالغ عددها 8 حملات ) بالتناوب ( بصورة متقطعة ) حتى عام 1270 م . وكانت الفترة المجيدة للغاية فى تاريخ النصرانية هى فى القرون الـ 11 وحتى الـ 14 وخصوصاً فى أيام اينوكنتيوس الثالث فى بداية القرن الـ 13 : حيث تبلورت السيكولاستية وأقيمت طرق القساوسة والرهبان التى كانت خاضعة لرقابة أساسية وتحولت بمرور الزمن الى مؤسسة رئيسية فى الكيان الدينى والثقافى لأوربا .

    وفى ايام اينوكنتيوس الثالث انعقد المؤتمر اللترانى الرابع وهو من أعظم المؤتمرات اللترانية . وفى ذلك المؤتمر اتخذت قرارات صعبة وشديدة ضد اليهود بهدف التضييق عليهم ودفعهم الى التنصر ( حيث تم تقليدهم وصمة العار لتحجيم حرية حركتهم ، وتحريم تشغيل العمال اليهود ، وتحجيم صفقاتهم الاقتصادية ) . وفى عام 1231 أقيمت محاكم التفتيش ـ وهى محاكم أقامتها الكنيسة لمحاكمة من اتهموا بالكفر تحت طائلة التعذيب الشديد (من أعضاء الطوائف النصرانية ، المرتدين الذين عادوا لليهودية ، والسحرة واليهود ) .

    ––––––––

    لقد كانت الحملات الصليبية سلسلة حملات بين القرون الـ 11 ـ 13 التى دعا اليها الباباوات النصارى . وبدأت كمحاولات لاحتلال أورشليم من المسلمين وجعلها تحت سلطة نصرانية ، ولكنها تحولت لحروب اقليمية . والمشتركين فى تلك الحملات يطلق عليهم اسم الصليبيين .

    وبعد أن القيصر البيزنطى الخسيوس الأول استنجد للدفاع عن مملكته ضد الأتراك السلاجقة ، دعا البابا اورفانوس الثانى جميع النصارى للانضمام للحرب ضد الأتراك ، وأنها سَتُحسب لهم كفارة عن خطاياهم . فخطت جيوش الصليبيين صوب أورشليم ، وهو ما يعتبر الحملة الصليبية الأولى ، وفى طريقهم سلبوا ونهبوا بعض المدن . وفى عام 1099 تم احتلال اورشليم وتم جزر السكان اليهود والمسلمين . ونتيجة للحملة الصليبية الأولى تم إنشاء عدة دول صليبية وعلى رأسها مملكة أورشليم .

    الحملات الصليبية الأولى حررت موجة غير مسبوقة من العنف الذى تمثل فى جزر اليهود فى جميع أوربا ، والعنف ضد النصارى المعتزلة الأرثوذكس فى الشرق .

    وفى أعقاب الحملات الصليبية نشأت بعض الطرق العسكرية

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1