المسيحية بعيون يهودية
()
About this ebook
من الطبيعى أن يسعى كل مؤمن بديانة ما الى معرفة وجهة نظر الأديان الأخرى فى ديانته ، فيتعامل مع المعتدلين منهم بالاعتدال ، ويأخذ الحيطة والحذر من الكارهين والمناهضين والحاقدين . المصادر التى ترجمنا عنها تطلق علي الديانة المسيحية اسم نصرانية وليس منا .
Read more from Nabil Mohammed Onsy Aly
الملك المخلص الماشيح اليهودي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتاريخ الطائفة اليهودية المسيحية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالبقرة اليهودية الحمراء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالرابي موسي بن ميمون ورسائله Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related to المسيحية بعيون يهودية
Related ebooks
الصهيونية العالمية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقصة الحضارة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتارتاريا - رموز المصفوفة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالإسلام والحضارة الإنسانية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحياة المسيح Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتاريخ الفكر العربي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsيوم الإسلام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاستشهاد الرسول بولس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتوراة والإنجيل والقرآن - الطبعة الثالثة - طبعة مزيدة ومنقحة: التوراة والإنجيل والقرآن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالبحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالصهيونية: ملخص تاريخها، غايتها وامتدادها حتى سنة ١٩٠٥م Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإنجيل تولستوي وديانته Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتعريف بشكسبير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحِكَم النَّبي مُحَمَّد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمسألة اليهودية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعزاء الفلسفة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالشهادة في انجيل يوحنا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsملخص كتاب أشهر خمسين خرافة عن الأديان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتارتاريا - المسيح عيسى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالإنجيل بحسب بارنبا - بشارة عيسى عليه السلام بنبوة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإنجيل بحسب بارنبا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالحداثة والسياسة: كيف يفكر العالم؟ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsملخص كتاب الاستشراق Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمُبرر إرسال الرسل: خطة التدخل الإلهي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإنجيل تولستوي وديانته Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمستعربون ودورهم في تاريخ الأندلس (138-483هـ/755-1090م) Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأهل العلم بين مصر وفلسطين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsThe Sociology of Religion Arabic Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related categories
Reviews for المسيحية بعيون يهودية
0 ratings0 reviews
Book preview
المسيحية بعيون يهودية - nabil mohammed onsy aly
مقدمـة المترجـم المحقق
من الطبيعى أن يسعى كل مؤمن بديانة ما الى معرفة وجهة نظر الأديان الأخرى فى ديانته ، فيتعامل مع المعتدلين منهم بالاعتدال ، ويأخذ الحيطة والحذر من الكارهين والمناهضين والحاقدين .
المصادر التى ترجمنا عنها تطلق علي الديانة المسيحية اسم نصرانية وليس منا .
تنبيه !!
هذا الكتاب نقلاً عن المصادر العبرية واليهودية المختلفة ولا دخل لنا فيه ، فإن كان فيه مدح ( لشخصيات يهودية ) أو ذم ( لشخصيات مسيحية ) أو تزييف للحقائق ، فليس منا ولا دخل لنا فيه ومعاذ الرب أن نقصد تضليل القارئ أو التعتيم عليه ، ولكنها الأمانة فى الترجمة .
المترجم
نبيل أنسى الغندور
جولة فى تاريخ الديانة النصرانية
النصرانية هى واحدة من الديانات الثلاثة التوحيدية الرئيسية ، وهى الديانة ذات أكبر عدد من المؤمنين فى العالم .
نشأت الديانة النصرانية فى أرض اسرائيل قبل حوالى ألفى عام ، وهى تدور حول شخصية يسوع الناصرى ، وفى غضون القرون الأربعة الميلادية الأولى ، وخصوصاً بعدما تحولت النصرانية لتصبح هى الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية فى القرن الرابع الميلادى ، أصبحت النصرانية هى الديانة المهيمنة والسائدة فى أوربا والعالم الغربى . وفى غضون الفترة الاستعمارية ( من نهاية العصور الوسطى وحتى منتصف القرن العشرين ) امتدت النصرانية لتصل الى أماكن الاستيطان التى نشأت فيها مستعمرات أوروبية ، ومعظم النصارى حالياً هم سكان بلدان خارج العالم الغربى . ويقدر عدد النصارى حالياً بحوالى 2.1 مليار مؤمن نصرانى .
وفيما يشبه ديانات أخرى ، وبعيداً عن العقيدة الدينية ، فإن النصرانية هى أيضاً وسيلة هيمنة وسيطرة ، ففى فترات مختلفة تم استخدامها أيضاً لأغراض سيادية ( متعلقة بالسلطة ) .
والهيكل الوظيفى فى النصرانية يؤكد بقوة وبشدة على استخدام الدين كأداة سلطة بعيداً عن العقيدة الدينية . وبمرور السنوات والسنين انقسم النصارى الى تيارات مختلفة على خلفية جدالات حول أركان العقيدة ، وحول طابع و كيان المؤسسة الدينية النصرانية ، وكذلك حول موضوع العادات والتقاليد وأساليب الطقوس والشعائر الدينية .
اسم الديانة
واسم الديانة فى اللغة العبرية مشتق على ما يبدو من اسم مدينة الناصرة . فالناصرة هى المدينة التى أقام فيها يسوع مع أسرته معظم أيام حياته ، حسب المؤلفات النصرانية ( على الرغم من أنه ولد فى بيت لحم على حد قولهم ) . وهناك لقب مشابه للنصارى يظهر أيضاً فى القرآن بين فريق من المسلمين ألا وهو نصارى .
وأما النصارى أنفسهم فيطلقون على أنفسهم ( كريستيانيين ) ( على سبيل المثال فى الانجليزية : Christians وكذلك فى معظم اللغات الاوربية ) أو ( مسيحيين ) . وتلك الأسماء مشتقة من العقيدة النصرانية القديمة القائلة بأن يسوع كان المسيح المخلص .
وفى اليونانية ومعظم اللغات الأوربية يُطلق على يسوع : كريستوس ( Χριστός ) ، وهى كلمة ترجمة حرفية للكلمة العبرية (משיח ماشيح أو مسيح ) ( وفى العهد القديم الماشيح
هو من تم مسحه بالزيت أو الدهن المقدس إشارة إلى تتويجه ملكاً ) .
نشأة الديانة النصرانية
إن كل واحدة من الأديان الثلاثة تروى بتفصيل عن نشأة جماعة المؤمنين بها . وفى تاريخ نشأة كل واحدة من الطوائف الثلاثة المؤمنة تم تكريس مكانة خاصة لشخصية واحدة : فبفضل زعامة موسى ، الذي اختاره الرب، حوّل جمهور العبيد الذي خرج من مصر إلى شعب إسرائيل ، وبفضله أيضا حصل شعب اسرائيل على التوراة ؛ وأما جماعة المؤمنين النصارى فقد نشأت حول الاعتقاد بأن يسوع هو المسيح المخلص وابن الرب ؛ كما نشأت الأمة الإسلامية على يد النبي محمد في أعقاب الوحى الإلهي الذي عبّر عنه .
إن التاريخ النصرانى القديم غير معروف بصورة كاملة . وهو قائم على المكتوب فى أناجيل ( أسفار البشارة ) العهد الجديد ، إلا أن تلك الأسفار ليست كتب تاريخية ، وما مهمتها الرئيسية إلا تشجيع الناس على الايمان بالديانة الجديدة . وهناك مصادر أخرى وهى مؤلفات المؤرخين الرومان ومؤلفات يوسف بن متتياهو ( يوسيفوس فلافيوس ) . ولكن المعلومات الموجودة فيها أيضاً غير كاملة ، وهناك مؤرخون يشككون فى مصداقية النصوص التى تهتم بالنصرانية فى مؤلفات يوسف ابن متتياهو .
وتروى أناجيل العهد الجديد أن يسوع مؤسس الديانة ولد فى مدينة بيت لحم الواقعة فى جبال يهودا فى أواخر أيام حكم هوردوس . واسمه العبرى المصدرى كان على ما يبدو يشوع .
وأباه هو يوسف الذى يعتبر حسب العهد الجديد من نسل الملك داوود ، ولكنه سكن فى الناصرة الواقعة فى الجليل وكان نجاراً فى حرفته . وعيد يوسف النجار (زوج أم يسوع باعتبار الفرضية اللاهوتية القائلة بأن أمه قد حملت من الروح القدس ) هو الموافق 19 / 3 من كل عام .
وأما أم يسوع فاسمها مريم ( باللغات الأوربية : ماريا ) . وتعتبر عند الكاثوليك بمثابة أم الرب . بشّرها جبريل فى الناصرة ببشارة الميلاد . حملت من الروح القدس ووضعت حملها فى بيت لحم وصعدت الى السماء فى اورشليم ( حسب رواية أخرى ـ فى افسوس ) . وقبر مريم هو كنيسة سانتا انا = البيت الذى ولدت فيه ، دورمتسيون = نوم عميق ، محطة 4 + 13 ، كنائس البشارة + الينبوع فى الناصرة . ويتم الاحتفال بالبشارة فى 25 / 12 ، وبالصعود للسماء فى 15 / 8 ، وبميلادها فى 8 / 9 .
وأم مريم اسمها حنّا وهى من مواليد صبورى . وأبو مريم اسمه يهويخيم وهو من مواليد صبورى أيضاً .
وتروى الأناجيل أن مريم لم تحبل من زوجها ، ولكنها حبلت من الروح القدس ، وهكذا احتفظت ببكارتها وبتوليتها على الرغم من حملها . وبما أنها ملقبة فى النصرانية باسم ( مريم العذراء ) ( أو البتول أو العذراء المقدسة ) فانها تحتل مرتبة ثانية فى أهميتها بالنسبة ليسوع نفسه ، حيث أنها المرأة الوحيدة التى لم تفتقر الى الخطيئة القديمة حتى تحبل ، كما أنها حملت فى رحمها ابن الرب .
يوسف الذى شك فى البداية أن زوجته حبلت من رجل آخر ، أراد تطليقها ، ولكنه رأى فى المنام أن زوجته حبلت من الروح القدس ولذلك يحرم عليه تطليقها . وما دام الأمر كذلك احتضن الطفل وتحول ليصبح بهذا أبو يسوع .
وحسب العهد الجديد ، فان الحكماء الذين جاءوا من الشرق ( المجوس أى حكماء الديانة الزورواسطرية ، وفى أناجيل أخرى أطلق عليهم ملوك ) لزيارة المولود قد أحضروا معهم هدايا لأنهم اعتبروه ملك اليهود الجديد وأعاروا لميلاده أهمية عظيمة . فلما سمع هوردوس الملك عن ذلك أمر بقتل جميع الأطفال فى بيت لحم ، ولكن يوسف بادر وهرب مع عائلته الى مصر وهكذا أنقذ الطفل .
وتجدر الاشارة الى أنه بينما يسوع منسوب فى العهد الجديد لآل داوود ، فإن هوردوس كان ملكاً من الأسرة الحشمونية .
وتجدر الاشارة إلى أن يسوع ولد بعد موت هوردوس ، وعلى ما يبدو فان هوردوس موضوع الحديث هنا ( أو المقصود به هنا ) هو هوردوس ارخيلاوس ابن الملك هوردوس .
فلما مات هوردوس عاد يوسف مع عائلته إلى أرض اسرائيل . فلما اشتد عود يسوع بدأ يعظ ، وجمع حوله أيضاً تلاميذ، ولكن التحول العظيم فى حياته بدأ عندما قابل يوحنا المعمدان .
لقد كان يوحنا المعمدان راهباً ناسكاً زاهداً ويومه هو الموافق 24 / 6 وعمّد يسوع فى قصر اليهود فى الأردن ، وعنّف ووبّخ هوردوس انطيفس على زواجه من هيروديا مطلقة أخيه ، وطلبت شلوميت ابنة هوردوس رأس يوحنا المعمدان على طبق ـ فقُتِل وهو فى السجن ، ودُفِن فى اسباستيا . وفى عين كرم تقع كنيسة يوحنا فى الجبال ، بجوار حجر الياقوت دير يوحنا فى الصحراء . وكانت رأسه مستقرة فى كنيسة الصعود الروسية . وزكريا هو أبو يوحنا المعمدان . تم تبشيره بأن زوجته ستحبل بابن عظيم أثناء خدمته ككاهن عظيم فى الهيكل وضُرِب بالبكم والخرس .
تبلور النصرانية على يد بولس
وحسب العقيدة النصرانية التى تطورت وتبلورت بصورة خاصة على يد بولس ( شاؤول الترسى ) ، فإن يسوع هو ابن الرب ( ويسمى أيضاً حَمَل الرب ) الذى هبط ليخلص البشرية عن طريق موته . وحسب تلك العقيدة فان صلبه على يد الوالى الرومانى فونطيوس بيلاطوس جاء كتكفير عن خطايا البشرية وعن الخطيئة القديمة .
وتروى لنا الأناجيل ان يسوع قام من موته بعد ثلاثة أيام من صلبه ، وصعد الى السماء فترة ما بعد ذلك . وحسب العقيدة النصرانية فانه سوف يعود مرة أخرى ليخلص العالم فى أواخر الأيام ( وهو الحدث المسمى بـ " أبو كاليبسا / مشهد يوم القيامة ) .
وفى بداية مشوارهم كان المسيحيون مبعثرين فرقاً فرقاً . وفى عام 180 م تم إقامة كنيسة مركزية رسمية . وبمرور السنوات والسنين تم ادراج تاريخ حياة يسوع ـ أى البشارات ـ ورسائل رسله الى طوائف المؤمنين فى كتاب العهد الجديد ، حيث تمثل أركان العقيدة المسيحية سوياً مع كتاب العهد القديم أو التناخ .
لقد كان أوائل النصارى هم اليهود الذين آمنوا بأن يسوع هو المسيح المخلص التناخى ( الذى ورد ذكره فى العهد القديم ) . وخلال القرن الأول الميلادى أدى نشاط الرسل ـ وهو لقب الاثنى عشر تلميذا الذين اختارهم يسوع لكى ينشروا شريعته ـ وخصوصا بولس الى انتشار النصرانية تدريجيا بين مجتمعات وشعوب وثنية فى ارجاء الامبراطورية الرومانية .
لقد كان بولس هو الذى وصف صلب يسوع بأنه الحدث الذى خلص البشرية جمعاء ( وليس اليهود فقط ) فأتاح بذلك المجال لأن تتحول النصرانية من طائفة يهودية الى ديانة بديلة لليهودية ـ كما خرج رسول آخر وهو القديس بطرس الى روما بعد أن عينه يسوع رئيساً للكنيسة وتحول ليصبح اول مطران أو أسقف لروما . ولعظيم أهميته أصبح أساقفة روما ( الباباوات ) زعماءً للعالم النصرانى كما أصبحت روما نفسها مركزه الروحانى .
وقرب نهاية القرن الأول الميلادى تم تدوين أحداث وتاريخ يسوع وبداية النصرانية فى أسفار البشارة ، تلك الأسفار التى أصبحت متأخراً جداً الأربعة أسفار التى يبدأ بها العهد الجديد .
تنصّر الامبراطورية الرومانية
وابتداء من القرن الاول الميلادى وحتى نهاية القرن الثالث الميلادى تمت مطاردة النصارى من قبل سلطات الامبراطورية الرومانية ، من بين الأمور الأخرى فى زمن حكم القياصرة : نيرون ( 37 ـ 68 م ) ودوميطينوس ( 51 ـ 96 م ) وداكيوس ( 201 ـ 251 م ) وآخرين .
وفى غضون القرن الرابع الميلادى ، قرر قونسطنطينوس قيصر الامبراطورية الرومانية التوقف عن مطاردة النصارى وفى النهاية تنصّر ولكن قرب موته ؛ وهو الحدث الذى منح النصرانية مكانة الديانة الرسمية فى الامبراطورية الرومانية . وتعتبر سنة ( 313 م ) هى بداية الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ، التى حكمت حكماً بدون حدود فى أوروبا خلال الألف سنة التالية ، فى فترة العصور الوسطى ، حيث أخذ الكهنوت مكانة السلطة ( السلم الوظيفى ) وتزعمه البابا ـ رئيس الكنيسة .
وفى فترة حكمه نقل قونسطننطينوس عاصمة الامبراطورية الرومانية من روما ـ التى كانت حتى ذلك الحين بمثابة المركز الدينى الذى لا يتزعزع للنصرانية ـ الى القسطنطينية فأثار خلافاً ونزاعاً بين العاصمتين فيما يتعلق بحق الأولويية والأفضلية الروحانية .
وبمبادرة قونسطنطينوس بدأت تنعقد أيضا المؤتمرات الكنسية ( حيث كان أول مؤتمر هو مؤتمر نيقية ( 325 م) وبعده مؤتمر القسطنطينية الأول ( 381 م ) ومؤتمر أفسس ( 431 م ) ومؤتمرات أخرى ، تلك المؤتمرات هى التى بلورت قانون ( أنا مؤمن ) ( كريدو أو كريد ) النصرانى ، وحددت أركان العقيدة النصرانية وصلاحيات أو سلطات الكنيسة وصلاحيات زعمائها والأسفار المقدسة .
وفى منتصف القرن الرابع الميلادى حاول القيصر يوليانوس أيضا استئناف العبادة الوثنية ، إلا أنه فى أيام القيصر ثياودوسيوس الأول ( 392 م) تم تحريم تلك العبادة تماماً وفُرِضت النصرانية على سكان الامبراطورية .
لقد ضاعف سقوط الامبراطورية الرومانية فى عام 476 م ( ذلك السقوط الذى يرمز الى نهاية الوحدة الدينية السياسية المشتركة ) من النزاعات الدينية بين النصارى فى شرق الامبراطورية وبين هؤلاء الذين فى غربها . ومع نهاية القرن الخامس الميلادى تزعزعت وحدة النصرانية بالشكل الذى أدى الى انقسامها الى الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية ( التى مركزها فى القسطنطينية ) والتى رفضت الاعتراف بالسلطة الروحانية الكاملة للبابا ، والى الكنيسة الغربية الكاثوليكية ( التى مركزها روما ) .
وفى القرون التالية اشتدت شوكة وتأثير الكنيسة فى أرجاء العالم . حيث نشطت الكنيسة الكاثوليكية فى جاليا ( احتمال فرنسا) وفى المانيا وبريطانيا بينما جلبت الكنيسة الارثوذكسية بشارة النصرانية للشعوب السلافية .
وقرب نهاية الألفية الأولى جمعت الباباوية والكنيسة قوة سياسية عظيمة ، مع ظهور الامبراطورية الرومانية المقدسة . وأدرجت فى حدود الامبراطورية معظم مناطق اوربا الرئيسية وأجزاءً من غرب اوربا ، وفى فترات زمنية مختلفة طَوّقت معظم منطقة اوربا اليابسة التىتقع غرب روسيا ما عدا فرنسا .
وكانت للبابا مهمة اساسية فى تتويج قيصر روما واضطر حكام الامبراطورية للعمل بمشورة واحدة معه وأحيانا طبقا لأوامره .
وفى عام 1054 م أدت الاختلافات فى التفاسير فيما يتعلق بالتصور الأساسى للديانة والتعاظم فى سلطة وقوة البابا الى مشكلة نهائية بين روما والقسطنطينية والى انقساماً رسمياً بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية .
الفترة البيزنطية 324 ـ 638 م
إن الانتقال من الفترة الرومانية إلى الفترة النصرانية ـ البيزنطية لم يكن مصحوباً بالخراب والدمار مثلما حدث فى الفترة التى سبقتها . ففى عام 324 م عندما أصبحت النصرانية هى الديانة الرسمية للمملكة البيزنطية ، حاول النصارى أن يعطوا لذلك تعبيراً فى أورشليم فتقدست أورشليم للنصرانية ، حيث وقعت فيها أحداثاً كثيرة مرتبطة بتطور الديانة النصرانية : حيث تمشّى يسوع فى شوارعها مع تلاميذه وتنبأ بخرابها . وتروى الرواية النصرانية عن الأعمال العجيبة ( المعجزات ) التى قام بها يسوع فى أورشليم . وفى أورشليم قُبِض عليه وحوكم بتهمة التمرد على المملكة ، وفيها صلب وفيها دفن ، وفى أورشليم حسب العقيدة النصرانية قام يسوع من موته وصعد إلى السماء من فوق جبل الزيتون ، شرق جبل الهيكل .
القيصر قونسطنطيوس الكبير هو الذى أعلن عن النصرانية ديانة للإمبراطورية وأفرد لأورشليم مكانة وأهمية خاصة . حيث حُرِّم على اليهود الاستيطان فى المدينة فى بداية الفترة البيزنطية ، ولكن قرب نهايتها تبلورت فيها مرة أخرى طائفة يهودية . وتشهد المصادر المختلفة التى ترجع لتلك الفترة على مشاريع بناء ضخمة فى المدينة . وأهم مصدر لمعلوماتنا حول أورشليم فى الفترة البيزنطية هو خريطة ميدبا . وهى خريطة أرض اسرائيل المرسومة بالفسيفساء ( قطع صغيرة ملونة من الرخام وغيره يؤلف بعضها على بعض فى أشكال مختلفة ) على أرضية كنيسة ترجع الى القرن السادس الميلادى ، ولقد اكتشف الفسيفساء فى مدينة ميدبا التى تقع شرقى الأردن .
وتظهر أورشليم فى الخريطة موصوفة كمدينة محاطة بسور ، شارع فسيح من الأعمدة يقطعها على امتدادها من الشمال إلى الجنوب .
ويمكن أن نرى فى الخريطة أيضاً العديد من الكنائس التى شُيِّدت إحياءً لذكرى الأحداث المختلفة التى وقعت فى حياة يسوع . فقد شيّدوا الكنيسة الرئيسية حول مكان قبره وهى كنيسة القيامة . ولقد شُيِّدت خلال عشرة سنوات ، وتم افتتاحها فى عام 335 م . وبعد ذلك خلال الفترة البيزنطية تم تشييد كنائس أيضاً فى منطقة جبل صهيون وكذلك فى منطقة السلوان وفى حوض بيت حيسدا . وأما أكبر كنيسة فقد بناها القيصر يوسطينيانوس فى القرن السادس الميلادى وهى كنيسة هنياه ، وكنيسة مريم الجديدة .
وبعض شوارع أورشليم فى تلك الفترة معروفة لنا اليوم أيضاً . وفى الحفريات الأثرية تم اكتشاف بعض الأجزاء من شارع هكردو ، وعثر على بقايا عديدة من المبانى الفخمة فى تلك الفترة . وبعض المبانى مازال موجوداً بتغييرات معينة أيضاً فى فترة متأخرة جداً ، وحتى إلى يومنا هذا . ومن مبانى أخرى تم اكتشاف بقايا ضئيلة جداً .
وفى عام 614 م احتل الفرس البلاد ، وألحقوا ضرراً بالسكان النصارى ، هدموا وأحرقوا بالنار مبانى الديانة النصرانية فى جميع البلاد . وهكذا صنعوا أيضاً بأورشليم . ولقد استمر الاحتلال الفارسى لمدة 14 سنة ، وكانت فترة تدهور وانحطاط صعبة فى تاريخ أورشليم . وبعد ذلك حاول القيصر هيراكليوس ترميم وإصلاح المدينة ، ولكن جهوده لم تُثمر . ولقد كان هو آخر الحكام البيزنطيين فى أورشليم . 10 سنوات بعد أن حرر المدينة من نير الفرس احتلها المسلمون .
لقد ضاعف سقوط الامبراطورية الرومانية فى عام 476 م ، التى وسمت نهاية الجنسية أو تكريس الحياة للخدمة الدينية ـ السياسية المشتركة ، من الخلافات الدينية وغيرها بين النصارى الذين فى شرق الامبراطورية وبين هؤلاء الذين فى غربها ، ومع نهاية القرن الخامس تزعزعت وتقوضت وحدة النصرانية بالشكل الذى أدى إلى انقسامها إلى الكنيسة الشرقية ـ الأرثوذكسية ( التى مركزها فى القسطنطينية ) ، التى رفضت الاعتراف بالسلطة الروحانية الكاملة للبابا ، وإلى الكنيسة الغربية الكاثوليكية ( التى مركزها فى روما ) .
وفى بداية العصور الوسطى كان الكهنوت خاضعاً بدرجة كبيرة للطبقة الراقية ، وكان يتم تعيين رجال الدين فى حالات كثيرة على يد النبلاء الوجهاء . وبمرور الزمن جمعت الكنيسة ثراءاً وقوة واستقلالاً عن السلطة العادية وقلبت الحقائق وامتلكت لنفسها قدرة كبيرة على التأثير حتى على الطبقة الراقية طبقة النبلاء .
ولتعميق سيطرتها أقامت الكنيسة الكاثوليكية التبشير النصرانى : وهى حركة تهدف الى اقحام الديانة النصرانية بين الشعوب الغير نصرانية ، والتى أدت أنشطتها على مر التاريخ الى انتشار النصرانية فى أرجاء العالم .
النصرانية فى العصور الوسطى
وأهم انقسام فى النصرانية يسمى ( سكيزما ) ومعناه انقسام أو انشطار فى اللغة اليونانية ، حدث فى القرن الـ 11 م مع انفصال الكنيسة الرومانية الكاثوليكية التى مركزها فى مدينة الفاتيكان الواقعة فى روما ، عن الكنيسة البيزنطية الأرثوذكسية التى مركزها فى القسطنطينية ( بيزنطه ، اسطنبول الحالية ) . الكنيستين انفصلتا لأسباب عقائدية لاهوتية ولغوية وسياسية وجغرافية .
ومع انتقال الحاكم الرومانى والثقة السياسية من روما إلى القسطنطينية ، نشأ انقسام فى المزاج ( الطبع ) الدينى للامبراطورية . وبسبب عادة الحاكم بأنه كان يُفوَّض ويُخوّل فى الموضوعات الدينية والغير دينية معاً ، نشأ فى نهاية الأمر انقسام بين الأساقفة ـ هؤلاء الذين ذهبوا فى أعقاب البابا من روما وهؤلاء الذين ذهبوا وراء الحاكم الذى فى القسطنطينية .
وفى عام 1096 بادرة الكنيسة بزعامة البابا أوربانوس الثانى الى الحملة الصليبية الأولى لاحتلال ارض اسرائيل من ايدى المسلمين والى حرب الكفار . ولقد استمرت الحملات الصليبية ( البالغ عددها 8 حملات ) بالتناوب ( بصورة متقطعة ) حتى عام 1270 م . وكانت الفترة المجيدة للغاية فى تاريخ النصرانية هى فى القرون الـ 11 وحتى الـ 14 وخصوصاً فى أيام اينوكنتيوس الثالث فى بداية القرن الـ 13 : حيث تبلورت السيكولاستية وأقيمت طرق القساوسة والرهبان التى كانت خاضعة لرقابة أساسية وتحولت بمرور الزمن الى مؤسسة رئيسية فى الكيان الدينى والثقافى لأوربا .
وفى ايام اينوكنتيوس الثالث انعقد المؤتمر اللترانى الرابع وهو من أعظم المؤتمرات اللترانية . وفى ذلك المؤتمر اتخذت قرارات صعبة وشديدة ضد اليهود بهدف التضييق عليهم ودفعهم الى التنصر ( حيث تم تقليدهم وصمة العار لتحجيم حرية حركتهم ، وتحريم تشغيل العمال اليهود ، وتحجيم صفقاتهم الاقتصادية ) . وفى عام 1231 أقيمت محاكم التفتيش ـ وهى محاكم أقامتها الكنيسة لمحاكمة من اتهموا بالكفر تحت طائلة التعذيب الشديد (من أعضاء الطوائف النصرانية ، المرتدين الذين عادوا لليهودية ، والسحرة واليهود ) .
––––––––
لقد كانت الحملات الصليبية سلسلة حملات بين القرون الـ 11 ـ 13 التى دعا اليها الباباوات النصارى . وبدأت كمحاولات لاحتلال أورشليم من المسلمين وجعلها تحت سلطة نصرانية ، ولكنها تحولت لحروب اقليمية . والمشتركين فى تلك الحملات يطلق عليهم اسم الصليبيين .
وبعد أن القيصر البيزنطى الخسيوس الأول استنجد للدفاع عن مملكته ضد الأتراك السلاجقة ، دعا البابا اورفانوس الثانى جميع النصارى للانضمام للحرب ضد الأتراك ، وأنها سَتُحسب لهم كفارة عن خطاياهم . فخطت جيوش الصليبيين صوب أورشليم ، وهو ما يعتبر الحملة الصليبية الأولى ، وفى طريقهم سلبوا ونهبوا بعض المدن . وفى عام 1099 تم احتلال اورشليم وتم جزر السكان اليهود والمسلمين . ونتيجة للحملة الصليبية الأولى تم إنشاء عدة دول صليبية وعلى رأسها مملكة أورشليم .
الحملات الصليبية الأولى حررت موجة غير مسبوقة من العنف الذى تمثل فى جزر اليهود فى جميع أوربا ، والعنف ضد النصارى المعتزلة الأرثوذكس فى الشرق .
وفى أعقاب الحملات الصليبية نشأت بعض الطرق العسكرية