Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

عشق واختيار
عشق واختيار
عشق واختيار
Ebook325 pages2 hours

عشق واختيار

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

أقسى اختيار في تلك الحياة هو ما تظن أنك تأخذه بكامل إرادتك بينما أنت مجبر عليه في حقيقة الأمر.. وفي تلك الرواية يجبر كل أبطالها على إختيار صعب بل ومصيري إلى أقصى درجة.. وفي مناخ درامي غاية في الإثارة والتشويق نحيا نتيجة قراراتهم ونتتبع التغييرات التي تحدث جميعها بسبب الحب.. إما لوجوده أو للحاجة إليه.
نختبر الوجه الآخر للعشق والذي أحيانًا ما يكون قاسيًا ونضطر إلى فقدان الأشياء بإرادتنا.
* نحيا التفاصيل الدرامية في حياة أسرة تفككت جراء الخوف والطمع ومشاعر إنسانية أخرى.
Languageالعربية
Release dateMar 31, 2024
ISBN9789778062939
عشق واختيار

Related to عشق واختيار

Related ebooks

Reviews for عشق واختيار

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    عشق واختيار - حنان حيدوس

    حنان حيدوس: عشق واختيار، روايــة

    الطبعة العربية الأولى: يناير ٢٠٢٢

    رقم الإيداع: ٣٠٣٩ /٢٠٢٢ - الترقيم الدولي: 9 - 293 - 806 - 977 - 978

    جَميــع حُـقـــوق الطبْــع والنَّشر محـْــــفُوظة للناشِر

    لا يجوز استخدام أو إعادة طباعة أي جزء من هذا الكتاب بأي طريقة

    بدون الحصول على الموافقة الخطية من الناشر.

    © دار دَوِّنْ

    عضو اتحاد الناشرين المصريين.

    عضو اتحاد الناشرين العرب.

    القاهرة - مصر

    Mob +2 - 01020220053

    info@dardawen.com

    www.Dardawen.com

    حنان حيدوس

    عـشـق واخـتـيـار

    روايــــــــة

    إهــــداء

    للقلب الذي أرهقته المحاولات، ولا زال يؤمن رغم ندوبه أنَّ الحب جميلٌ، وأنَّ تعويض الله أجمل.

    مدخل

    هناك من يعميهم الحب وهناك من يَغدون بعين الحب يُبصِرون. ظننته وهبني البصيرة لأعيش السعادة التي لم أحظَ بها يومًا، وما كان ذلك سوى ظنٍّ عابرٍ، فما كنت سوى مُغفلٍ حين وقعتُ في فخاخ قلبي وأنا مَن أبى أن يفتح للحب أبوابًا رافضًا المخاطرة والخيبة...

    لأجلها فقط عشقت التحدي والمغامرة.. لأجلها خاطرتُ، ثم بعدها عشتُ.

    شكر خاص:

    لماما، فلا أحد غيرها يستحق الشكر، ثم للوطن الذي أنجبَتْني فيه.

    دُمتم فخري

    الجزء الأول

    منفى داخل الوطن

    من القصبة إلى حي الدرب

    نجم

    ليلة الجمعة، عقارب السَّاعة تُشير إلى الواحدة صباحًا. بينما كنت أساعد والدي في أخذ دوائه، سمعت دقات الباب. تجاهلتها معتقدًا أنّه طفل من أولاد الجيران يلعب ويهرب كالعادة. حاولت أن أخفي قلقي عنه لكي لا يقلق الضِّعف، لكن تكررت الدَّقات وبات اعتقاد أنها من ابن الجيران مستُبعدًا..

    لم أكثرت لهوية الواقف في الخارج، بالرُّغم من أنَّني كدت أتعرف عليها حتى دونما أفتح الباب، فلا يمكن أن تكون زينة في ساعة متأخرة كتلك. كما استبعدت احتمال تواجُد لصٍّ، فاللصوص لا تقرع الأبواب ولا تستأذن قبل الدُّخول للسَّرقة، ثم أن أي لصٍ بليدٍ هذا ليُفكِّر في سرقة شقتنا وأثمن ما فيها رائحة والدي وحضوره.

    ظلَّ شعورٌ غريبٌ يُراودني منذ عودتي إلى القَصَبة(1)، ففترة مكوثي بحي الدَّرب في وهران لم تكن سهلة، خاصة في أواخرها.

    اقتربت من الباب وهتفت من ورائه بصوتٍ عالٍ: مَن هناك؟

    جاءني ذلك الصوت ليؤكد ظنوني: البوليس، افتح الباب.

    * * *

    تخرجت من جامعة جزائر العاصمة، قسم صيدلة منذ حوالي أربع سنوات. بعدما صبرت على الحياة كي تفتح لي أبواب الفرج ولم تفعل، فقررت الذهاب إلى وهران.

    كلمني صديقي إسحاق يخبرني أنَّ هناك فرصة عمل في إحدى صيدليات حي الدَّرب لصديق والدته. بعدما غرقت في قاع الحيرة لوقتٍ ليس بقصير قررتُ انتهاز الفرصة تاركًا والدي بمفرده لمستقبلٍ أفضل.

    كنت أتمشَّى في أزقة القصبة مُعتادًا على رؤية وجوه الشباب من أعمار مختلفة شاحبة، بعيُونٍ مُنطفئة. تتشابه الملامح هناك، ولا تختلف القصص عن بعضها كثيرًا ففحوى جميعها قدرٌ واحدٌ.

    مع شروق كل يومٍ جديد تبدأ العيون الحالمة في الاستيقاظ على الواقع نفسه، وتزداد القلوب العطشة للسَّعادة التي أنهكها الانتظار في الهُيام.

    البِطالة تعُم المكان، المدينة شرقًا وغربًا تموج بثباتٍ قاتلٍ. كأنَّ الطموح خطيئة والرغبة في النّجاح إثم، أما النَّجاح فكان أمنية أو بالأحرى معجزة.

    كما أن يأس السُّكان صغارًا وكبارًا انعكس على المدينة ولوَّنها بحسرة لا نهاية لها. دخلنا جميعنا في سجنٍ بلا ذنب مُعلَن ولا جريمة حقيقية. عسى ذنبنا الوحيد أننا وُلِدنا في مكانٍ كذاك.

    نموت في اليوم الكثير من المرَّات قبل السَّاعة المكتوبة لنا. مَن يخفق في مُحاولاته لإيجاد عملٍ، كمن يعمل ولا يجد ثمَار جُهده كَافية لتوفير المتطلبات اليومية.

    * * *

    حين وصلت إلى وهران وأخذَتْ الأمور تيارًا معاكسًا، وجدتني مضطرًا للموافقة على عرض إسحاق بالعمل في محل مجوهرات والدته.

    احتضن حي الدرب بمدينة وهران، اليهود أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩ - ١٩٤٥ وبعد استقلال(2) الجزائر سنة ١٩٦٢، صار التعايش بصفة جميلة جدًّا بين الأغلبية المُسلِمة والأقليَّة اليهوديَّة التي امتهنت التّجارة هناك.

    كانت مدام أديرا مثلما يعني اسمها «القويَّة»، ضمن الأُسَر اليهوديَّة المُتبقيَّة. تاجرة تكسب الكثير من المَال ومن سَيكُولوجِيتِها تبدو أنها إنسانة طموحة تسعى للحِفاظ على شُموخِها دومًا ورغم قدرتها الماديَّة على الرَّحيل من الحي، لم تفعل..

    لم يكن دخل والدي من المَعاش كافيًا لدفع مختلف مصاريف الحياة التي أُضيفت عليها قائمة طويلة عريضة لأدويته بعد وفاة أمي، ولم نكن قد انتهينا من دفع أقساط أغراض أختي زينة لزواجها. كان عليَّ أن أجد حلًا بسرعة فائقة قبل أن تتأزم الأمور أكثر.

    كان عملي في محل المجوهرات مؤقتًا لحين أجِد ما يناسبني. لكن مُدَّته قد زادت عن حدِّها على عكس ما تَوقعت. وصرتُ لا أعِدُّ الشُّهور بل أرَاها تركض بي. أودَعَ جَيبي مبلغًا معقولًا من المَال يَسمح لي أن أسدِّد جزءًا كبيرًا من الأقساط.

    كانت اتصالات والدي تشحنني بالصَّبر لكي لا أفقد الأمل في اقتراب الفرج، وتواجده في حياتي كان بمثابة الزَّهرة اليَافعة وسط حديقة ذابلة.

    * * *

    يختنق عقلي من تكرار محاولاته في إيجاد طريقة لخلاصي. منذ طفولتي لا أطيع سوى عقلي والصَّوت المنبعث من أعماقي. كان ذلك الصَّوت وقتها يدفع بي للأفضل، متيقنًا أن عملي في محل المجوهرات قرارٌ أبعد بكثير من أن يكون الأفضل الذي يُرشدني إليه الصوت الداخلي، لكنني رضيت به لأقضي على الوقت قبل أن يقضي عليَّ الملل، وعلى قول والدي: العمل عبادة، ومن يأكل بتعبه وعمل يديه فهو أخير النَّاس، حتى لو عمله بعيد عن رغبته أو مجال تخصصه، سيساعده بطريقة أو بأخرى في تطوير ذاته.. ولم يكن مخطئًا، فقد أتقنت فنّ التَّعامل مع الزَّبائن والعُملاء واكتسبتُ في فترة وجيزة مهارات الجوانب السُّلوكيّة التي تتمثل في فهم احتياجات العُملاء ومتطلباتهم مع محاولة حل مشاكلهم، وفن الإصغاء الجيد.

    أتذكر ما أخبرتني به مدام أديرا أول أيَّام عملي:

    - القاعدة الذهبية التي تميز التّاجر عن آخر هي:

    أن تستمع بالنسبة الأكبر وتتحدث بالنسبة الأقل٦٥٪ / ٣٥٪.

    كما أتذكر اليوم الذي جاءت فيه المحل، وظلت تُراقبني وتراقب تصرفاتي مع الزبائن حتى لم يتبقَّ هناك سوانا. أغلقت الأبواب واتجهت إلى مكتبها، أشارت إليَّ أن أدخل، رأيتها تفتح الخزنة وتُخرج منها تمثالًا من ذهب لاحظتُ أنَّه ثقيل الوزن والقيمة.

    سيطر عليّ الصمتُ فجأة، فجأة واختفت الطُّمأنينة على ملامحي. ابتلعت ريقي ببطءٍ ثم قلت مُجاملًا: ما أجمله!

    وصلها عدم ارتياحي رغم مجهودي الكبير في إظهار العكس. سألتها مباشرة:

    - ما الذي أفعله في مكتبك مدام أديرا؟

    - أردتك أن تكتشف هذه القطعة وتُشاركني برأيك فيها.

    - سبق وفعلت.

    - عذرًا؟ لاحَظت أنَّني لستُ أنسب الناس للانسجام في جو المُهمات السريَّة.

    - نعم لقد أبديت رأيي.

    نهَضَت من مكانها واقتربت مني تُمرِّر يَدها على وجنتيَّ، زاد ارتباكي وبنظرة دافئة همَسَت في أذني:

    - سأقدِّم لك خدمة كبيرة وستشكرني لاحقًا.. أعرف أنَّك ذكي والذّكي لا يرفس بقدميه فرصةً كهذه.

    صحيح أن مدام أديرا والدة إسحاق، والمفروض أنها بمثابة المرحومة أمي، لكنني كنت أجهل سِنَها، ثم إن اهتمامها بمظهرها المُغري على الدَّوام ساعدها وجعلها تبدو أصغر.

    لم تكن مثل باقي أرملات جيلها، مميَّزة، تفوقهنَّ جمَالًا وفتنةً ودهاءً. أما أنا فلم أكن شديدَ الورع، ولم أَكُن بالإيمان الكافي لأتذكر الممنوع والمُحَرَّم.

    كان هناك تمثالٌ يُفتَح، ثقيل الوزن وشديد اللمعان. طلبت مني أن أكتشف بنفسي ما بداخله فاستجبت بتردُّد.. لم أستغرب للكوكايين الذي يحتوي عليه ولم أدَّعِ أي علامة اندهاش تظهر عليَّ.

    - لدي زبون سيأتيك من شراقة إلى العاصمة صباح يوم الغد لتُسَّلِمه هذا التمثال، وفور حصولي على اتصالٍ منه سأحوِّل إلى رصيدك في البنك ما تطلبه من المال.

    - تظنين أنني سأنجو من سنوات السَّجن السَّوداء التي سأعيشها لو فُتشت وقُبِض عليَّ بالتمثال؟ لا أريد مَالكِ، ابحثي عن مُغفلٍ غيري يُنَفذ أوامرك.

    صارت ملامحها متهجمة غاضبة، ثم قالت بلهجة ذات معنى:

    - لست أطلب رأيك يا نجم، أنا أخبرك أنك ستُسلِّم التمثال للزّبون، ليس هناك أي مجال للنقاش.. ثم أنني لن أجعلك تخاطر بنفسك، كَلمتُ مَعارفي في الدرك الوطني وعرفت منهم أن الدَّورة التفتيشيَّة للغد ستُقَام بعد العصر. ستذهب الفجر عند السَّاعة الخامسة وستصل حوالي السَّاعة العاشرة إلى العاصمة وستجد الزبون في انتظارك عند بوابة مطعم اسمه الجنينة بمحطة القطار «أغا». يستلم التمثال وسأضع المال في رصيدك مثل المتفق عليه، وسأشتري الصيدلية التي جئتُ للعمل فيها وأضعها باسمك لتتأكد من قيمتك عندي.

    فكرتُ في خلدي أنني لو كانت لي قيمة عندها مثلما تحاول إقناعي لما رغبت بالمجازفة بحياتي بهذه الطريقة. كنت أراها ببشاعةٍ لا تُوصَف، كأن قناعها سقطَ أخيرًا.

    خطَّطت لكل شيء بأدق تفاصيله. كنت سأهدم كل شيء سعَتْ لأجله لو رفضت، لكنني فكرت لوهلة في أبي إذا عرف أنني سأسجن بتهمة تهريب المخدرات. فقاطعت تفكيري قبل أن أبوح لها بالرَّفض واقتربت تُمَرِّرُ يَديها على وجهي واتجهت لتقفل البَاب بالمفتاح ثم جاءت تهمس إليّ:

    - ستعود إليَّ سالِمًا فأنا بحاجة إليك.

    تعالت رنة هاتفي في نفس اللحظة، فنهضتُ مبتعدًا عنها لأضع حدًّا لمَ يحصل، وكأنها باتت تُثير اشمئزازي:

    - ألو زينة؟

    - بابا يا نجم.. كان كلامها غير مفهوم تبكي بحرقة غريبة.

    - ماذا جرى يا زينة؟ قولي..

    - تعالَ بسرعة أرجوك.

    تسارعت دقّات قلبي، وتسَّمرتُ مَكاَني غير قادر على التَّفكير.

    ألقيت على مدام أديرا نظرة حادة، مستوعبًا أنها حاولت أن تُخرج بطاقة الإغراء لتُقنعني، وضعت حدًّا لعلاقتنا وطلبت منها أن تنسى أنني مررتُ بحياتها.

    مضيتُ في عجلة من أمري أبحث عن تاكسي للعاصمة، وفي طريقي اتصلت بالإسعاف وبجارتنا الخالة خديجة لتقدم يد العون لزينة.

    أُفسدت خطتها بما حدث، فقد ذهبت دون أخذ التمثال معي. لم أكن أنا صاحب القرار حينها، فالأمور سارت على ذلك النَّحو بدون تدخلٍ مني.

    * * *

    اقتربت لأفتح الباب. تعرَّقت يَداي وأنا أدير القبضة، تَحَكَّم العَجز فيَّ وصارت الدَّقات أشدُّ عنفًا...

    اتسعت عيناي في ذهول رغم توقعي منذ البداية.

    - معنا أمر بتفتيش الشَّقة.

    - حسنًا، أوَدُّ أن ألقي نظرة عليه من فضلك.

    رمقني بنظرة احتقار قائلًا: لست بموقف يسمح لك بطلب أي شيء. نحن هنا لتنفيذ الأوامر.

    كانت شقتنا عتيقة وصغيرة الحجم من أقدِّم شُقق القصبة، لو قرَّرت القفز من النَّافذة ونحن في الطَّابق السَّادس لتهشَّم رأسي وتنكسر أضلاعي إلى مئة قطعة، وإذ قررت الفرار من سطح العمارة للأسطح الأخرى لانكسر قلب أبي وجعًا وحسرة عليَّ.

    شعرتُ منذ البداية أن مدام أديرا ستلحق بي إجحافًا شديدًا، لكنني لم أتخيل أن رغبتها الجامحة في الرِّبح ستدفع بها لأذيتي والمخاطرة بما تبقى من حياتي البائسة إلى درجة تسليمي ليَد البوليس.

    كسّرُوا بابي بالقوة، وسَاقوني إلى السَّجن. رأيتُ والدي يفقد أنفاسه ويقع أرضًا. أختي تصرخ بأعلى صوتها والخالة خديجة تَندب حظي مرددة:

    - يا لحظك الأسود يا ابن ليلى، يا لحظك الأسود.

    بذهنٍ مُشوش لم أستطع التَّركيز مع الضابط الذي اهتم بتفتيش الشَّقة. شعرتُ أنني في فيلم لم أستعد لأحد مَشَاهده أو مسلسلٍ قد غَفوت في إحدى حلقاته. ربما خَبّأت التمثال في حقيبتي دونما أنتبه أو أتذكر.. انتابني الشّك مع أنَّ الموضوع لا يُنسَى بتاتًا، فأنا لم أوافق عليه لأنساه بسهولة. استغربت وزاد تساؤلي عن سبب القبض عليَّ.

    بالكاد أدركتُ توصية الخالة خديجة وزينة على أبي، وخرجت من باب الشقة مُتهمًا بقضية دون معرفة التهمة.

    خفضت عينيَّ وتحاشيت النَّظر في وجوه الجيران خجلًا، وكأنَّني مُجرم بالفعل. إهانة لم أتمنَها لأحدٍ، وعلمتُ حينها أن طُبُول المُعاناة الحقيقيَّة ستُقرع لحظة وصولي إلى قسم النيابة لاستجوابي لأنَّ مَهما كان سبب توقيفي فإدانتي تحصيل حاصل.

    دَانا

    انطلقت السيَّارة في ذلك اليوم القائظ، أطرافي باردة وحلقي جافٌ غير مُصدِّق أنني وفي غمضة عينٍ لم أعد أنتمي للعالم الآخر خارجها. غدت حياتي كابوسًا في بدايته.

    كان الطَّريق طويلًا ومُضنيًا. كنت أتصبَب عرقًا مُنتظِرًا حدوث مُعجزة تُنقذني من المأزق الذي تواجدت فيه.. لكن زمن المعجزات مضى، لم يكن لدي خيار سوى مجابهة أزمتي بمفردي.

    سألني الضابط بنبرة جديّة وأنفاسه تلفح في وجهي:

    - أين خبأت التمثال؟

    استغربت سؤاله، لم أود النّظر إليه، التزمت الصَّمت مُوجهًا عينيَّ إلى النَّافذة.

    أضاف بعد ثوانٍ: على العموم سيتم استجوابك فور وصولنا المقر، في حين قررت الإنكار سنضطر للتوجُّه إلى طرقٍ أخرى تُجبرك على الاعتراف.

    نظرتُ إليه والتعجب يملأ قلبي. قلت في قرارة نفسي يا ترى من الذي سلَّطه عليَّ؟؟ بالغَ في حديثه الغاضب، صبَّ عليَّ حقده دون رأفةٍ بحالي وكأنني قتلتُ أعز أحبابه.

    بجهدٍ هائلٍ حافظتُ على دَمي البَارد دون أن أفصح عمَّا يدور في خلدي.

    استفزه سكوني، فرمقني بطرفة عين قائلًا: استعد للأسوأ.

    جهلتُ ما أراد فعله بي وأنا في أسوأ حالاتي. ظنَّ أن الحُكمَ في يد الأقوى مثله، لكن عبثًا فالحكم في يَد الخالق.

    بتفكيرٍ مُبعثَر مرت عليَّ غيمة شاردة أغرقتني في ظلمات روحي. عاصفة هَوجاء بانتظاري.. حاول مضايقتي مجددًا لكنَّني تَجاهلته لأُشعِرُه بمَكانته الحقيقية التي جمَّلَتْها بذلته وسَّمجتها أخلاقه.

    لم يكن ذراعي سلاحًا دفاعيًّا يومًا. علَّمَني والدي حفظَه الله أنَّ الرُّجولة مواقف أواجهها وأتجاوزها. سهلة كانت أم صعبة، وذلك الضابط كان من ضمن المواقف التي تطلبت مني كظم غيظي والتَّحلي بما ربَّاني عليه ذلك الرَّجل الطيب الذي فارقته وهو مُلقى على أرض الشقة قلبه محترق على أمري.

    لم أفهم دسيسة مدام أديرا وما الذي تود الوُصول إليه منذ البداية.

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1