Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

رواية شاتيلا
رواية شاتيلا
رواية شاتيلا
Ebook525 pages3 hours

رواية شاتيلا

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

رواية شاتيلا  محيدب سارة عن دار الماهر للنشر والطباعة والتوزيع، الجزائر.

 

نبدة عن رواية (شاتيلا)

رواية ملغزة تعنى بالمجهول وبكل ما تكتنفه الأسرار ومن بينها نشاطات المنظمات السرية كما أنها تستند على الكثير من الأحداث التاريخية، تنتقل بكم بين أحقاب زمنية مختلفة ودول متعددة (كندا، غانا، الجزائر).

أهم ما تطرقت له رواية شاتيلا

* المنعطفات الأخيرة لبداية عصر النورانيين التي أدت لتأسيس أول محفل ماسوني من عالم الجن وذلك منتصف عام
571م (كيف تم تحريف تحريف الديانات السماوية وإضلال أهل الكتاب).

* اجتماع أول محفل ماسوني من عالم الشياطين على اختلاف مراتبهم (المردة، العفاريت الجن) وأول مهمة كانت
إخفاء أسرار القوة والمعرفة والعلوم الخطيرة.

* ظهور منظمة تدعى (منظمة الفينكس العالمية هدفها تغيير الحدود الجغرافية لبعض الدول من خلال اعتماد خطة
البناء بعد التدمير) ومن بين خططها الربيع العربي.

* القتل الاقتصادي للدول وذلك عبر صناعة الخونة من الداخل وخلق ما يعرف بالمناطق الرمادية.

* منظمة سرية تدير عمليات التهريب من قارة افريقيا عبر أغرب وأذكى الطرق والتي لا تخطر على البال.
علوم العلاج بالطاقة (الشعوذة المتمدنة).

* البروتوكول 25 السري من بروتوكولات حكماء صهيون الذي يسعى لتحقيقه اليهود الصهاينة الماسونيين الذين يمهدون لحكم إبليس والدجال على عكس الصنف الآخر الذي يسعى لإعادة بناء الهيكل في اورشليم وخروج ملك من سلالة داوود يحكمون به العالم ويرتكز البروتوكول على أهم أربعة محاور (الفوضى الخلاقة، اختفاء القارة الأمريكية والاحتباس الحراري، ظهور دولة البرابرة ودولة الأفارقة، حرب كنز الفرات وانتصار ابليس الأكبر).

Languageالعربية
Publishersara mehideb
Release dateFeb 18, 2024
ISBN9789931742777
رواية شاتيلا
Author

sara mehideb

Sara Mehideb Algerian novelist and writer, graduate of Master's in Communication and Public Relations, recipient of the Young Creators Award.

Related authors

Related to رواية شاتيلا

Related ebooks

Related categories

Reviews for رواية شاتيلا

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    رواية شاتيلا - sara mehideb

    شاتيلا

    ﺟَﻤﻴﻊُ ﺍﳊُﻘُﻮﻕ ﻣَﺤْﻔُﻮﻇَﺔ

    ﻋﻨﻮان اﻟﻜﺘﺎب: ﺷﺎﺗﻴﻼ.

    المؤلف: سارة محيدب.

    ﺗﻌﺎوﻧﯿﺔ اﻟﻔﻼح، اﻟﻌﻠﻤﺔ وﻻﯾﺔ سطيف.

    البريد الإلكتروني: dar.elmaher@outlook.fr

    الهاتف الثابت: 036.48.00.17

    النقال: 0777.23.38.83

    واتساب: 00213777233883

    محيدب سارة

    شاتيلا

    رواية

    الماهر للطباعة والنشر والتوزيع.

    الطبعة الأولى 2019.

    قبلَ أن تقرأ الرواية

    أودكَ أن تفكرَ جيّدًا، أننا لا نتعرضُ لمؤامرةٍ كونيةٍ

    ولسنَا من نرتدِي ثوبَ الضحية

    نحن مجرد خونة !

    خونة من الداخِل.

    دعونا نمحقُ خنفساءَ خلية النحل فالعسلُ عسلنَا

    الحراك الشعبي الجزائري، 2019.

    "عندمَا احتل الإنجليز مصر وزعوا أرضًا على الذين أعانوهم على احتلالِ مصر وكانوا عشراتٍ، لكنهم وضعوا في السجون ثلاثين ألفًا من الذين ثاروا، غير من ماتوا في الحربِ؛ فمن هم المصريون حقًا؟ وعندما جاءَ اليهودُ باع لهم بعضُ الفلسطينيين أرضًا وكانوا عشراتٍ لكنّ آلافًا ماتُوا في الثوراتِ على اليهود؛ وفي الحربِ معهم، فمن هم الفلسطينيون حقًا؟

    يا صديقي في داخِل كلّ شعبٍ جماعة تنبحُ وراءَ من يُلقِي لها العظمة؛ وهل تريدُ ما هو أكثر؟ في داخِل كلّ إنسانٍ ذلك الكلب الذي ينبحُ والمهِمُ أن نُخرِسهُ".

    ––––––––

    بهاء طاهر.

    -1-

    في دُجى الليل أشعلتُ النيران بأعوادِ الاشتياق وأقمتُ طقوسِي لأعلِنُ حُبِي لكِ ولكني لم أكن أعلمُ بأنها بداية اللعنة؛ لعنة الشياطين.

    أسطورة أورميس

    منتصف عام 571م.

    انبسطت أساريرُ وجههَا وهي تداعِبُ مياه الشاطئ اللازوردية، آنذاك بدأت خيوط الفجرِ الأولى تطفئ النجوم البراقة الآفِلة، سرعانَ بعدها ما أقبلتِ الشمسُ متبخترة وهاجة؛ إنه صباحٌ جميلٌ بهوائه العليل الذي يغْمُر القلب، أغمضت أورميس عيونها وأخذت تستشعِرُ الطبيعة من حولها وفجأةً دوى صوتٌ انفجاري من أعالي الجبل هز المنطقة بأكملها؛ صوتٌ يُنذرُ بقدومِ الغرباء، جَسَدَ الدم في عروقها وانتصبت شُعيرات جسدهَا وكأنّ روحًا شيطانية احتضنتها بقوة؛ ألقت مباشرة بنظرها في أفقِ البحر فلم تُبصِر شيئاً سِوى هدوئِه المرعِب.

    أخذت تسيرُ نحو الخلفِ مُوسعةً مجال النظر حتى ما عادت قدماها تُلامس رمال الشاطئ الذهبية اللامعة؛ همست بداخلهَا متعجبةً: أيعقلُ أن يكون الإنذارُ زائفًا ! ...

    زمجرت الأمواجُ وحلقتِ الطيورُ فزعةً، فصرخت أورميس بداخلهَا:

    −  اللعنة؛ هناك خطب ما  !  

    ذهبت ركضًا نحو الصخورِ الشاطئية، هناك وقفت بشموخٍ تاركةً نفسهَا لدغدغةِ ريحٍ عقيمٍ لا يأتي بالخير؛ لمحت راياتٍ مُرفرفةٍ في قلبِ الأفقِ الأزرقِ، اتسعَ بؤبؤهَا من هولِ ما رأته، إنه أسطولٌ ضخمٌ قادِمٌ نحوهَا مباشرةً، بدأ قلبهَا يدقُ بعنفٍ وهي تنظرُ لعددِ السفن، بدأت أطرافهَا بالارتجافِ وفقدتِ السيطرةَ على نفسهَا حتى كادت تهوِي فوقَ الصخورِ المسننةِ كالرماح؛ لولاَ تلك اليدِ التي أنقدتهَا في آخر لحظة.

    رفعهَا نحوهُ بقوة فالتصق جسدها به؛ وغمرتهَا أنفاسهُ الرجولية ممَا زادَ من ارتباكِهَا فهي لم تكن يومًا قريبةً من رجلٍ إلى هذا الحد !  ظلاَ يقفانِ مُقابلَ بعضهمَا البعض، وكأنّ ثقبًا ابتلعهمَا في غياباتِ اللاوعي، حيث لا وجود للزمنِ ولا وجودَ حتى للتفكير، رزأهَا أُوار مُلتهبٌ فحاولت التملصَ منه وعيناهَا ترميانِه بشررٍ لكنها لم تستطع ذلك.

    التقطت أورميس أنفاسهَا؛ وهجمت عليه:

    −  من تكون؟ (لم يردَ عليها وبقيّ غائصًا في عينيْها).

    صوتٌ مجلجلٌ من أسفلِ الشاطئ:

    −  بطرس، هيا تعال، لقد جاء البرابرة.

    أفلتهَا من يدهِ وغادر بخطواتٍ ثابتةٍ حتى أصبحَ يترأى لها من بعيدٍ كأنهُ سراب؛ 

    همست بداخلهَا مستغربة:

    −  هذه ليست جيوش جائِرة، بل حملة تبشيرية !

    وقفت أورميس بقلبٍ مشتعل تراقبُ السفن وهي ترسُو بشواطئ شمالِ إفريقيا الساحِرة، صحيح أنه لم يكن الأولَ من نوعِهِ لكنهُ الأضخمَ بالتأكيد، في تلك الفترة كانت هذه المناطق تشهدُ عنفوان الحملاتِ التبشيرية التي تدعو لاعتناقِ الدين المسيحي بقيادةِ الإمبراطورية الرومانية الغربية، هذه الأساطيل لم تكن لتقابلَ بالسلاح مادام أنها ترفعُ راية السلم؛ ومن الأساس لا يوجد منفذ آخر فالقوة لن تنفعهم لمواجهة أهالي هذه المناطق، فرجالها أشداء لا يهابون الموت؛ حتى أنهم أطلقوا عليهم لقب فيرتوس[1] لشدة بطشِهم بمن يتعدى على حُرماتهم، رجالٌ كالصواعِق إذا هوت على رؤوسِ الأعداء، يفتدون أرضهم بأرواحهم ولا يسألون في ذلك تكريمًا أو تهليلاً.

    ...

    بعد مضي خمسةَ عشر يوماً على وصولِ الأسطول الروماني المسيحي ...

    بطرس بغضب:

    −  آااه أتسمع أُذناكَ ما تقوله؟ الميدان هو من يتحدث، فنحن لم نَرَ سوءًا من الغجر عكسَ البربر الذين أذهبوا النوم من جفوننَا.

    يوحنا في محاولة لإقناعِه:

    −  ولكنّ البابا حدثنا عن أفعالهم الدنيئة وحذرنا منهم.

    رفعَ بطرس أكتافهُ مستهزئًا:

    −  أعلم، أعلم جدُّ الغجرِ أسرفَ في شربِ الخمر وثمِل فلم يستطِع الدفاعَ عن المسيح  (حركّ رأسهُ مستخِفًا) مُجَرَدُ تُرهات ..

    قرن يوحنا حواجبهُ ممتعضًا؛ وجلجلَ بقوة:

    −  أكاد لا أعرفكَ يا بطرس ! إن كان الخمرُ أذهب عقلَ جَد الغجر فالعِشقُ أذهب عقلكَ؛ بحق ياسوع المسيح ومريم العذراء قد جننت عن آخرك (حدّ بصرهُ بغضب) دعني أذكركَ؛ أنت قسيس[2] يا بطرس (كزّ أسنانهُ)  قِسيس !

    تقدم بطرس بِضعَ خطواتٍ نحو مخرجِ الخيمة، وردّ عليهِ بهدوء:

    −  على العموم لقد جِئت لأحذركَ من تصرفاتِ الجنود الطائشة فهم لا يتوقفون عن مغازلة نساء قبيلة تمنارت[3]، إن تفطن رجالهن بذلك لن يغادِر أحدٌ منا هذا المكانَ اللعين.

    رماه بهذا الكلام مُنهيًا هذا النقاش العقيم ثم خرج غاضبًا، فلو بقيّ طُول الليل يُكلمه ولو ضربَ رأسهُ القاسي كالحِجارةِ بألفِ كلمةٍ لما فهِم عليه، ما علمتهُ الكنيسة يجري مجرى الدَمِ منه، هو ومن معهُ يعيشون في قلبِ دياجيرِ الظلام الفكريّ والعقائدي ...

    أطلقَ تنهيدةً مزمجرةً آملاً وَأْدَ القلقِ الذي ينهشُ روحهُ بوحشية، وأخذ يفكرُ في حلٍّ سريعٍ لمعضلتهِ قبل مغادرةِ الأسطول نحو القدس بعد يومين من الآن، ولم ينتشلهُ من صفوتهِ سوى أصواتِ الغناءِ والضحكاتِ التي أخذت تتعالى على مسمعِه، تقدّم تحتَ السماء المرصعة بالنجوم ليستكشفَ ما هناك؛ وعلى مقربةٍ رأى الرجال الرومانيين سُكارى يرقصون في أحضانِ الغجريات، وسطَ الحلبةِ أورميس بجسدها المغري تهزُ الأرض تحتَ أقدامهَا على وَقَعِ الموسيقى فشعرَ بغيرةٍ تعتصرُ قلبهُ وتمنى لو امتلكَ الجسارة لينتشلهَا من بؤبؤ أعينهم؛ ولكنهُ مجرد عاشقٍ عاجزٍ لم يتبقَّ له سِوى النظر من بعيد إلى هذه الفاتنة التي اعتصرت قلبه بعيونها الواسعة كالمحيط؛ ورموشها المقلوبة وصولاً لحواجبهَا، خدودها المرفوعة وشفاههَا البراقة وبشعرهَا الفضي المُتموج على كتفيهَا ... من بلاغة جمالهَا اعتقد البربر أنّ آلهة الجمالِ والإغراء قبلتهَا عند ولادتهَا.

    لمحته أورميس من بعيد واقفًا بين الأشجار يرميهَا بنظراتٍ مهمومة كمن يبكي على الأطلال؛ فأحدثت هذه النظرات ثقوبًا غائرة في قلبها وفي غفلةٍ عن الجميع هرولت إليه.

    أورميس (متسللةً من ورائهِ هامسةً في أذنهِ):

    −  منذ قدومكَ وأنا أفكِرُ في تعويذةٍ تجعلكَ تخلعُ عنك لباسَ القِس؛ لعلك تخطفني بعيدًا من هنا.

    ابتسمَ القسيس بطرس واقتربَ منهَا حتى ارتطمت أنفاسهُ بشفتيهَا:

    −  وهل وجدتِ هذه التعويذة؟

    ابتعدت عنه قليلاً لتزيد عذابهُ:

    −  نعم؛ ألاّ تظنُ بأنّ العِشقَ أخطرُ من طلاسِمِنا نحنُ السحرة؟ (انبلجت ابتسامةٌ أنثويةٌ طاغية) بالمناسبة أشكرك على هديتكَ، لقد أخبروني أنكَ نحتّ الكرسي بيديك ورصعتهُ بالذهبِ من أجلي.

    وضعَ بطرس يدهُ أسفل خِصرها وضمهَا إليهِ وقال:

    −  تستحقينَ أكثر من ذلك، آهٍ يا أورميس لسنواتٍ وأنا أكبحُ نفسي الجامِحة؛ والآن تخورُ أمامك وكأنّ الشياطين تساعدكِ في إغوائِي، أنا أريدكِ ...

    أخذ يشمُ رائحتهَا العطرة فشعرَ بنشوةٍ كبيرة تُحطِم جُهد سنواتٍ من لعبِ دورِ القسيس، ف أورميس بجمالهَا الباهِر تغريهِ بإشباع روحهِ النهِمة، فجأةً ابتعدَ مصدومًا عندما رأى وحمةً على شكلِ ثعبانٍ تتوسطُ ظهرهَا !

    صرخ بطرس بجسدٍ مُرتعد:

    −  ما هذا وربُ موسى؟ إنه أنتِ "ديفيرا"[4] ابنة الحاخام "آريئيل"[5]  أنت من عمدتكِ الساحرة الغجرية وأخذتكِ استعدادًا لبدْءِ عَصرِ النورانيين.

    أورميس (وهي تبدُو أكثرَ اندهاشًا منه):

    −  هل أنتَ يهودي؟

    تلاقت عيناهُمَا بمزيجٍ من مشاعِر الخوفِ والحيرة، فاختلطَ الحابِلُ بالنابِل ولم يعد أحدٌ منهمَا يعِي شيئاً؛ والبشائر الأولى لا تنذرُ بالخير.

    جلجلَ بطرس مدهوشًا:

    −  جُبْتُ البِحار بحثًا عنكِ وأنتِ طيلةَ هذه السنوات مطمورةٌ بين قبائلِ البربر.

    دوى المكان بضحِكاتٍ مستفزةٍ؛ تلاهَا صوتٌ مُتفجِر:

    −  وهل تظنون أنكم أذكى مني؟ لكن علي الاعتراف: أنا لم أتنبأ بمجيئكَ.

    أورميس:

    −  جدتي ! (نهضت مسرعة لترتدي ملابسها) هل ما قالهُ صحيح؟ أني ابنةُ حاخامٍ يهودي؟ لستُ حفيدتكِ؟ (صرخت بغضب).

    ردت الجدّة بنبرةٍ عصبية:

    −  لم تخلق الساحِرات لإمتاعِ الرجال وإشباعِ رغباتهم، نحن فقط نتزاوجُ مع الشياطين ..

    بطرس وهو يكزُ على أسنانهِ بحنق:

    −  ساحرة ملعونة فالتحُل عليكِ لعنة الإله.

    رفعتِ الجدّة حواجبهَا مُتحدية:

    −  هل أغضبكَ كلامي؟ هل ظننتَ حقًا بأنكَ ستستمتعُ بجسدِ أورميس هذه الليلة؟  آه لم تكن لتتوغل أكثر..

    أورميس مندهشة:

    −  هل سحرتنِي يا جدتي ! (لطمت وجههَا)  لا أصدِقُ ذلك .

    بطرس (وغضبهُ يزداد):

    −  كُفي عن قولِ جدّتي، هذه العجوز ساحرة من بلاد الهند اسمها أليشا[6]، وهي من أخطر السحرة في العالم.

    الساحرة أليشا (الجدّة):

    −  ولماذا لا تخبرهَا من تكون !؟ لنجعلهَا ليلة كشفِ الحقائق إذن، هيا أخبرهَا أنك يهودي؛ اسمك الحقيقي "بن عزرا"؛ أخذ بابا كنيسة القيامة[7] حبيبتكَ "إيريلا" ولن يعيدهَا لكَ حتى تجلبَ له عصا الماسون وتفشِلَ يومَ الاستحضار، هيا أخبرهَا، لماذا تقف بجمودٍ كأنّ صاعقةً دوت عليك؟ ... هيا تكلم ... ألم تجُب بِقاعَ الأرضِ بحثًا عني؟ ألم يطلب منكَ البابا الانتقام للقساوسة الذين شربتُ دمهم؟ (ترفعهُ بسحرهَا قليلاً وترميه أرضًا) ألم يطلب مِنك إضرامَ النيران في جسدِي حتى أغذُو رمادًا تناثرهُ الرياح؟

    هرعت أورميس لمساعدته على النهوض؛ وهي تصرخُ فيها بحنق:

    −  توقفي؛ ما هذا الهراء؟

    تقدمت الساحرة أليشا بخطواتٍ ثابتةٍ نحو صندوقٍ كبيرٍ:

    −  رغم أني حميتُ قلبكِ بسحرِ الفودو الإفريقي (فتحتِ الصندوق) انتزعتُ قلبَ طفلٍ لحظةَ ولادتهِ وقدمتهُ قربانًا للآلهة "تانيت"[8] حتى لا تقعِي في الحب ولا تشتهي رجُلاً يومًا؛ كيف بعد كل هذا تقعينَ في حُبِ هذا اليهودي الفاسِق؟ (استدارت نحوى أورميس وهي تحملُ دميةً في يدهَا) يؤسفني أن أخبركِ بأنه تأخر عن إنقاذِ قلبكِ (عضت على شفتهَا السفلى وتابعت بأنفاسٍ مُلتهبة) لقد خططتُ لكلّ شيء ففي عالمنَا لا وجود للعبثية (قهقهت) لا يمكننا التحكم في كلّ شيء أليس كذلك؟.

    حدقت أورميس في أعماقِ عينيها؛ وقالت بيأس:

    −  أريدُ حياةً طبيعية، أن أتزوجَ وأنجِبَ أولادًا (تجهمت تعابيرُ وجههَا التي لم تعد تتملقهَا) فُكّي الطلاسِم حالاً ..

    ردت الساحرة أليشا بملامح مستغربة من جرأتها:

    −  مازلت لم تفهمي! الأمرُ أكبرُ منا جميعًا؛ أنتِ من اصطفاكِ السيد لبداية مخططهِ الأكبر.

    صوت صاخب كالرعد (بطرس):

    −  إنّ روحكِ تعوم في القذارة ولا خلاصَ منكِ إلا بقتلكِ.

    أخرج خنجرًا من جيبه وتقدم مندفعًا بجسده الثقيل نحو الساحرة مُركزًا نظره نحو قلبهَا، وفجأةً أصبحَ بصرهُ أكثرَ ضبابية ولم يقوَ على الحِراك، تجمّد في مكانهِ ثم سقطَ على الأرضِ صارخًا من شدّة الألم؛ وكأنّ رِماحًا مُسننة تغرزه؛

    هرولت أورميس لمساعدته ولكنها لم تجد سبيلاً في ذلك ! استدارت نحو الساحرة أليشا فوجدتهَا تردِدُ كلماتٍ ليست بغريبة عنها، إنها أناشيد الفودو. 

    استغاثت أورميس مُترجية:

    −  كفي عن غرزِ الإبر في الدمية[9].

    أخرجت استغاثتها عبثاً؛ الساحرة جبارة وقوية ولم يكن ليردعهَا رادع؛ وعلى غرّة قفزت عبارة لطالمَا رددتها الساحرة لأورميس: سأعلمك إسمًا خطيرًا؛ لا تنادي به إلا إذا كانت حياتك على المِحك؛ هكذا كانت تقول لها ...

    جثت أورميس على ركبتيهَا وأخذت تصرخُ:

    −  أنا أناديكَ يا شامان[10]  أناديكَ يا شامان.

    انبلجَ غشاء رمادي فصلَ الخيمة إلى جزأين وعزلَ الساحرة عنهمَا، عندما رأتهُ أورميس عرفت أنه غلافُ الحماية؛ وهي لا تمتلكُ سِوى القليل من الوقت للفرارِ مع بطرس ..

    ***

    بدأت خيوطُ الفجرِ الأولى تُطفِئ النجومَ البراقة، أورميس لِوحدهَا بين الأشجارِ العملاقةِ وجُلُّ ما تُفَكِرُ فيه هو إنقادُ بطرس من بطشِ الساحِرة، بعد هروبهمَا من الخيمة توغلاَ إلى أعماقِ غُبسَةِ الغابة؛ حتى خارت قِواهمَا وأُغمي على بطرس من شدّة الألم، عدلت أورميس جلستهُ ثم رمت بجسدهَا المنهكِ على الأرض لترتاحَ قليلاً؛

    وبعد مضِي بعضٍ من الوقت انبعثت همهمة ملغزة في أذنيها: عودِي وإلا أرسلتُ أتباعِي لإيجادكِ، سيطاردونكِ بلا هوادة، عودي، عو... د ...

    قفزَ قلبهَا من مكانهِ وانتصبت واقفةً، بدأ هذا الصوت يندرسُ تدريجيًا ولم تعد تسمعُ سوى نعيقِ البوم وخريرِ مياهِ النهر، تنفست الصُعداء وتقدمت نحو النهر لتشطفَ وجههَا؛ فرأت انعكاسَ شحوبه على المياه المترقرقة، حاولت تذكر ماضيهَا ولكن لا شيء، مجردُ فراغٍ تامٍ.

    −  اختاركِ السيد يا أورميس، حان وقت البداية.

    هذه المرة بَدَا الصوت جليًا واضحًا ! نظرت أورميس مرة أخرى نحو مياهِ النهر فرأت انعكاس صورةٍ بجانبها؛

    غمغمت أورميس بهلع: (بطرس !).

    شعرت بالدمِ يتدفقُ بداخلها كالحِمَمِ البراكانية؛ فإن كان هذا الرجل المنتصب خلفها كالعمود هو بطرس فمن هو الرجل المغشي عليه هناك؟ انعقد لسانهَا وجحظت عيناهَا عندمَا استدارت لتنظرَ إليه مصعوقةً.

    خاطبهَا بغضب:

    −  لا يمكنكِ الهرب منها، لقد أرسلتهم لإحضاركِ.

    أورميس بصوت مبحوحٍ مرتعشٍ:

    −  من أنت؟

    بقيّ صامتًا يحدقُ فيها بغرابة، فارتبكت وتعتعت في كلامها:

    −  هل أنتَ شامان؟ أرجوك؛ أنا بحاجةٍ لأجوبةٍ تنتشلني من هذا الضياع، أخبرني بكلّ ما تعرفه !

    صفن قليلاً ثم رفع يديه وطقطقَ بإصبعيه الأوسط والإبهام فظهرت أمامها بِلَّوْرَة صغيرة:

    −  لن أنيرَ فوانيس عقلكِ بالكلام، بل سأجعلكِ تشاهدين.

    نظرت أورميس في قلبِ البلورة فرأت الساحرة أليشا العجوز الشمطاء التي اعتقدت طيلة حياتها أنها جدتها، وهي فتاة يافعة في أوجِ شبابها وقوتها.

    أردفَ قائلاً:

    −  أليشا ساحرة متجبرة تنحدرُ من عائلة هندية، جدها الأول جاء مع مجموعة من الرهبان البوذيين حوالي عام 125م إلى أورشاليم لينهلَ من التعاليم الإسرائيلية؛ فالروحانيات العبرية من أقوى الروحانيات في العالم، في تلك الحِقبة غارت الجيوش الرومانية على المدينة بقيادة الإمبراطور هادريان الذي طرد اليهود منها ومنع دخولهم...

    قاطعته أورميس مندهشة وهي تنظرُ عبر البلّورة:

    −  النسر ! فهمت الآن لماذا كانت تكرهُ النسور وتضعُ لها السم في الفرائِس (ابتسمت ساخرة) صدقَ العرب الرِعاع حينمَا وصفُوا النسر بالحيوان الوضيع الجبان مقولتهَا الشهيرة. 

    قالَ موضحًا:

    −  النسرُ شِعارُ الرومان علامة الدمار والخراب (ظهرت مشاهد لمدينةٍ مُحطمةٍ بداخلِ البلورة) لقد استولوا على أورشاليم وتبروهَا تتبيرَا فأصبحت المدينة كمن مرّ عليهَا إعصارٌ فيه نار، يومهَا رجلٌ واحد تكاتف الجميع على إخراجه عبر دهاليز المدينة، (جد أليشا) الذي وقعَ على عاتقهِ إكمالَ مهمةِ أجداده؛ وهي تحريف الديانات السماوية[11] بوحي من إبليس مختارين في ذلك طريق دسِ السمِ في العسل، وهكذا وصولاً إلى والد أليشا (ويراثو) الذي ظنهُ الجميع حاخامًا يهوديًا ولكنهُ مجردُ خادِم للشياطين اتخذ على عاتقه تحريف عدد كبير من اليهود عن عقيدتهم (رمقهَا بنظرةٍ ماكرةٍ خاطِفة) وهناك أشخاص قريبون منكِ يا أورميس تأثروا بما جاء به.

    أدغمتْ أورميس حواجبها:

    −  إنّ ما تقوله يُعد ضربًا من العَتَه !

    بلهجةٍ ساخرةٍ ردَ عليهَا:

    −  هَمُ إبليس الوحيد هو تكفير شعوبِ الأرض فيتوجهوا إلى عبادة الأوثان دون الله ويغيّروا ما جاء في دياناتهِ المنزلة، لكنه عاجز لوحده فهو بحاجة إلى شياطين الإنس لمساعدته لهذا اعتمد من جهة على المناهل الفكرية والفلسفية للديانات الوثنية والديانات السماوية المُحرفة؛ ومن الجهة الأخرى على قبضة القوة والسلطة التي يحوزها اليهود المغضوبِ عليهم؛ من الذين اتخذوا من أحبارهم ورهبانهم أربابًا.

    غمغمت أورميس بيأس:

    −  وما علاقتي أنا بكلّ هذا؟ 

    −  تابعت أليشا مهمة والدها فكانت توسوس للقساوسة حتى ينحرفوا عن ديانتهم ومن يرفضُ

    اتباعها تقتله بوحشية؛ وذات يوم في ليلة من ليالي التنجيم أخبرت الشياطين الساحرة أليشا أنّ هناك فتاة اختارها إبليس ستولدُ يوم كسوف الشمس، وهذه الفتاة هي أنتِ يا أورميس؛ أنتِ الفتاة الملعونة خلاص عبدة الشياطين وطريقهم لحكمِ العالم، عند ولادتكِ ظلت الشياطين تحتفلُ حتى انفلق الصبح.

    أرعبها كلامه فصخبت أورميس بغضب:

    −  لماذا أنا بالذات؟

    −  صبْرًا يا أورميس ستعرفين كلّ شيء في الوقت المناسب؛ والآن سأكتفي بقول: استعدي لِما هو قادم.

    قال ذلك واختفى من أمامها وغارت معه البلّورة، أطلقت أورميس تنهيدةً مفرقعة وبالرغم من هذه الظروف السريالية عقدت العزم على إنقاذِ بطرس، اقتربت منه وأخذت تستنشق أنفاسهُ مستشعرةً نبضَ عروقه، ثم دست رأسها لتتغنى بدقات قلبهِ فمهما بلغتِ المرأة من القوة تظلُ تبحثُ عن حضنِ رجلٍ يؤويهَا.

    ***

    لاحت تباشيرُ الصبح في الأفق والساحرة أليشا قد قرعت الطبول استعدادًا لإنجاحِ المحفل؛ فالإشارة التي كانت تنتظرها لسنوات قد حدثت بالأمس عندما استدعت أورميس (شامان) وبالرغم من أنّ الأمر كان مباغتًا إلا أنها استطاعت تلافِي الأمر ولم يتبقّ سوى لمساتٍ خفيفةٍ.

    دخل عليها الخيمة زعيم الغجر وبعض من أعيان الوفد المسيحي الروماني ...

    الساحرة أليشا (بنبرةٍ مريبةٍ وحادّةٍ):

    −  ماذا هناك يا سادة؟

    يوحنا (بقلق):

    −  القسيس "بطرس" مختفٍ منذ ليلة أمس وآخر شخص شوهِد معه كان حفيدتكِ.

    انفجرت الساحرة أليشا ضاحكةً:

    −  عن أي قسيسٍ تتحدث ! إنه يهودي عربيد وكاذب دسهُ كبيرُ الحاخاماتِ بينكم.

    صرخ الجميع:

    −  ماذا؟

    يوحنا بوجهٍ كامِدٍ:

    −  لا يعقل ذلك! أأنتِ متأكدة؟

    رمقتهُ بنظرةٍ سوداء:

    −  وهل تظنُ أنّ الكِبر أذهبَ عقلي؟  نعم أنا متأكدة مما أقول، هل نسيتَ أني ساحرة أعلمُ المكنونات والخبايا؟ (حاولَ يوحنا نقاشهَا فلم تعطهِ الفرصة، وأردفت مجلجلة) لقد فرّ مع حفيدتي ويجب محاسبتهمَا على ذلك.

    جحظت عينا شيخ الغجر وصرخ:

    −  بل سيكون الموت هو خلاصهمَا من الذنب الذي اقترفاه، إننا نتحدث هنا عن شرفنَا، عن خيانةٍ ألمت بالجميع.

    البطريرك اندروس[12] (بنبرةٍ شرسة):

    −  سنغادرُ بعد غدٍ إلى "إيليا" وقبل أن نذهبَ أريدُ ذلك العربيد المحتال مصلوبًا في مقدمةِ سفينتي؛ حتى يرى الجميع هرطقةَ اليهود الأرذال ..

    رفعت الساحرة أليشا أكتافها متحدية:

    −  افعل ما شئت بذلك اليهودي؛ لكن حفيدتي؛ لن يلمسَ أحدًا شعرةً منها (ثم رمقت زعيمَ الغجرِ بنظرةٍ شرسةٍ فالتزمَ الصمت).

    ***

    بالعودة إلى الطرفِ الآخر من الغابة كان بطرس قد فتحَ عينيْهِ برفقٍ فوجدَ أورميس تعْتَصِرُ أضلعهُ، غارقةً في نومٍ عميقٍ، شعرَ بثقلٍ في رأسهِ ولم يقوَ على تحريكِ جسده وكأنّ كلّ جزء منه شُلّ، حاول التحرك فاستيقظت أورميس فزعةً على إثر تنحْنُحِه؛ مدّ يدهُ ليضمَ رأسهَا إلى صدرهِ وهمسَ:

    −  لا تخافي، لا بأس.

    أورميس بجزع:

    −  لقد ظننتُ أنهم استطاعوا الإمساكَ بنا.

    بصعوبةٍ وقفَ بطرس على رجليه وأخذَ ينفضُ الترابَ عن ملابسه:

    −  علينا المغادرة قبل قدومِهم.

    تساءلت أورميس مُحتارة:

    −  أي وجهةٍ تقصد؟

    بطرس:

    −  سآخُذُكِ إلى حاخامٍ في دمشق، إنه الحاخامُ الوحيد المتبقي الذي يعرفُ سِر عصا الماسون وقد أمرَ بتدميرهَا والوقوفِ في وجهِ المخططاتِ الشيطانية.

    أورميس متعجبةً:

    −  أيّ مُخططاتٍ؟ وأيّ عصا؟ (رفعت يديها وضغطت على رأسهَا) حقًا أكادُ أجن (أزالت يدهَا ونظرت إليه بتضرع) وهل تعرفُ شيئًا عن والدي؟

    عقفَ بطرس حواجبهُ وأجابهَا مترددًا:

    −  لست متأكدًا فالأقاويلُ متضاربة حوله، ثقي بي سنفهمُ كلّ شيء عندمَا نذهبُ إلى دمشق  (وضعَ يدهُ على كتفهَا وحدّق في أعماقِ عينيها بقلق) الوقت يداهمنَا يا أورميس.

    أزالت أورميس يدهُ وتمتمت بحيرة:

    −  ماذا عن حبيبتكَ التي اختطفهَا البابا؟ وما علاقتهُ بعصا الماسون؟

    رد بطرس شارحًا:

    −  قبلَ سنواتٍ وصلتهُ شائعات عن المِحفل ومخططات بعض الحاخامات في استردادِ أورشاليم وإعادةِ بناءِ الهيكل فدبَ الخوفُ بداخله، الخوفُ من فقدانِ مفاتيحِ هذه المدينة المقدسة، لهذا أمرني بإفشال مُخططهم، أما إيريلا فاطمئني لن يفعل لها شيئا إن جِئتهُ بما طلب. 

    −   

    بَدَا الامتعاضُ جلِيًا على وجهها وكأنهَا ستقفز عليه وتخنقهُ؛ فانفجر ضاحكًا وهمسَ في أذنها:

    −  يا لكِ من غيورة، ألا تدركين بأن قلبي أصبح ملككِ الآن؟

    احمر وجهها خجلاً وابتعدت عنه فتركها هو الآخر وخَطَا بجسده الجريح بِضع فحيجاتٍ نحو النهر؛ ورشَ وجههُ بمائهِ العذب، أخذت أورميس نفسًا عميقًا سامحةً لكمياتٍ كبيرةٍ من

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1