المغني لابن قدامة
By ابن قدامة
()
About this ebook
Read more from ابن قدامة
تحريم النظر في كتب الكلام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsروضة الناظر وجنة المناظر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإثبات صفة العلو - ابن قدامة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبلغة الطالب الحثيث في صحيح عوالي الحديث لابن قدامة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتوابين لابن قدامة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالرقة والبكاء لابن قدامة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالطرفة في النحو Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنتخب من علل الخلال Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرسالة في القرآن وكلام الله Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsذم التأويل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتوابين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلمعة الاعتقاد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمتحابين في الله Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالكافي في فقه الإمام أحمد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعمدة الحازم في الزوائد على مختصر أبي القاسم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمغني لابن قدامة Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related to المغني لابن قدامة
Related ebooks
أسنى المطالب في شرح روض الطالب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمغني لابن قدامة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمحلى بالآثار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالغرر البهية في شرح البهجة الوردية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنتقى شرح الموطإ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبداية المجتهد ونهاية المقتصد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsزاد المعاد في هدي خير العباد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمجموع الفتاوى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالفتاوى الكبرى لابن تيمية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمجموع شرح المهذب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح منتهى الإرادات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحاشية السندي على سنن ابن ماجه Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلسان العرب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالجامع الصغير وزيادته Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمنتهى الإرادات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح الوهاب بشرح منهج الطلاب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسبل السلام شرح بلوغ المرام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكشاف القناع عن متن الإقناع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالحاوي للفتاوي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنتقى شرح الموطأ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتفسير الوسيط للواحدي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأحكام القرآن لابن العربي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتفسير الطبري Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمنحة الباري بشرح صحيح البخاري Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمدونة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح الموطأ - جـ103 Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالدلائل في غريب الحديث - الجزء الأول Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related categories
Reviews for المغني لابن قدامة
0 ratings0 reviews
Book preview
المغني لابن قدامة - ابن قدامة
المغني لابن قدامة
الجزء 2
ابن قدامة المقدسي
620
كتاب المغني من مستودعات الفقه الحنبلي، ويمكن اعتباره من أكبر كتب الفقه في الإسلام،وهو و شرحٌ لمختصر أبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي، كما ذكر المؤلف ذلك بنفسه في أول كتابه ويقع في 15 مجلداً مع الفهارس
مَسْأَلَةٌ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ
(472) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ، قَعَدَتْ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتًّا أَوْ سَبْعًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ النِّسَاءِ هَكَذَا يَحِضْنَ) قَوْلُهُ: اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ
. يَعْنِي زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَتَمَيَّزْ
. يَعْنِي لَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُنْفَصِلًا، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. فَهَذِهِ حُكْمُهَا أَنْ تَجْلِسَ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً. وَقَدْ ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ عِلَّتَهُ، وَهِيَ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ النِّسَاءِ هَكَذَا يَحِضْنَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَيْضَ هَذِهِ كَحَيْضِ غَالِبِ النِّسَاءِ، فَيَجِبُ رَدُّهَا إلَيْهِ، كَرَدِّهَا فِي الْوَقْتِ إلَى حَيْضَةٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَلَا تَزُولُ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّهَا تَجْلِسُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ الْحَيْضِ، فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ فِيهِ جَلَسَتْهُ، كَالْمُعْتَادَةِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا تَجْلِسُ عَادَةَ نِسَائِهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا تُشْبِهُهُنَّ فِي عَادَتِهِنَّ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِحَدِيثِ حَمْنَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ، وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَى الْيَقِينِ، وَلَا إلَى عَادَةِ نِسَائِهَا، وَلَا إلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ تُرَدُّ إلَى غَالِبِ عَادَاتِ النِّسَاءِ فِي وَقْتِهَا؛ لِكَوْنِهَا تَجْلِسُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً؛ فَكَذَلِكَ فِي عَدَدِ أَيَّامِهَا؛ وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَا ذَكَرْنَاهُ لِلْيَقِينِ، وَلِعَادَةِ نِسَائِهَا.
(473) فَصْلٌ: وَهَلْ تُرَدُّ إلَى ذَلِكَ إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ أَوْ الثَّانِي؟ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ إلَّا فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ؛ لِأَنَّا لَمْ نُحَيِّضْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَاضَةً. فَأَوْلَى أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً. قَالَ الْقَاضِي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَيْهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي بِغَيْرِ تَكْرَارٍ؛ لِأَنَّنَا قَدْ عَلِمْنَا اسْتِحَاضَتَهَا، فَلَا مَعْنَى لِلتَّكْرَارِ فِي حَقِّهَا.
فَصْلٌ كَانَتْ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ مُمَيَّزَةً عَادَةٌ
(474) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ مُمَيِّزَةً، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى جَلَسَتْ بِالتَّمْيِيزِ فِيمَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ، وَتَجْلِسُ فِي الثَّلَاثَةِ الْيَقِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، إلَّا أَنْ نَقُولَ: الْعَادَةُ تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ، فَإِنَّهَا تَعُودُ إلَى التَّمْيِيزِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَيُعْمَلُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا بَدَأَ بِهَا الْحَيْضُ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا الدَّمُ، وَلَمْ تَعْرِفْ أَيَّامَهَا قَعَدَتْ إقْبَالَ الدَّمِ إذَا أَقْبَلَ سَوَادُهُ وَغِلَظُهُ وَرِيحُهُ، فَإِذَا أَدْبَرَ وَصَفَا وَذَهَبَ رِيحُهُ صَلَّتْ وَصَامَتْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ مُمَيِّزَةٌ، فَتُرَدُّ إلَى تَمْيِيزِهَا، كَمَا فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ فِي التَّمْيِيزِ بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ كَوْنَهَا مُسْتَحَاضَةً، عَلَى مَا نَصَرْنَاهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَجْلِسُ مِنْهُ إلَّا مَا تَكَرَّرَ. فَعَلَى هَذَا إذَا رَأَتْ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، جَلَسَتْ زَمَانَ الْأَسْوَدِ، فَكَانَ حَيْضَهَا، وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ. وَهَلْ تَجْلِسُ زَمَانَ الْأَسْوَدِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الرَّابِعِ؟ يُخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ. وَلَوْ رَأَتْ عَشَرَةً أَحْمَرَ، ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، فَالْحُكْمُ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنْ اتَّصَلَ الْأَسْوَدُ، وَعَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَلَيْسَ لَهَا تَمْيِيزٌ، وَنُحَيِّضُهَا مِنْ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِدَمِ الْحَيْضِ. وَلَوْ رَأَتْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ، فَلَا تَمْيِيزَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، لِقِلَّتِهِ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ.
وَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَحْمَرَ كُلَّهُ، وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، وَفِي الْخَامِسِ كُلِّهِ أَحْمَرَ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الْيَقِينَ، وَفِي الرَّابِعِ أَيَّامَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَفِي الْخَامِسِ تَجْلِسُ خَمْسَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ مُعْتَادَةً. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَجْلِسُ مِنْ الرَّابِعِ إلَّا الْيَقِينَ، إلَّا أَنْ نَقُولَ بِثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّتَيْنِ.
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُقَدَّرُ فِيهَا أَنَّهَا لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ، وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ، لَجَلَسَتْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، فَكَذَا هَاهُنَا وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ التَّكْرَارَ فِي التَّمْيِيزِ فَهَذِهِ مُمَيِّزَةٌ، وَمَنْ قَالَ إنَّ الْمُمَيِّزَةَ تَجْلِسُ بِالتَّمْيِيزِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، قَالَ إنَّهَا تَجْلِسُ الدَّمَ الْأَسْوَدَ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّهَا مُمَيِّزَةٌ قَبْلَهُ، وَلَوْ رَأَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ صَارَ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، وَفِي الثَّانِي كَذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثِ كُلِّهِ أَحْمَرَ، وَالرَّابِعِ رَأَتْ خَمْسَةً أَحْمَرَ، ثُمَّ صَارَ أَسْوَدَ وَاتَّصَلَ، جَلَسَتْ الْيَقِينَ مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ، وَالرَّابِعُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا فِيهِ، فَتَصِيرُ فِيهِ إلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ، فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ، إلَّا أَنْ نَقُولَ الْعَادَةُ تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ، فَتَجْلِسُ مِنْ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ خَمْسَةً خَمْسَةً.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَجْلِسُ فِي الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا الْيَقِينَ، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَوْ كَانَتْ رَأَتْ فِي الرَّابِعِ خَمْسَةً أَسْوَدَ، وَالْبَاقِيَ كُلَّهُ أَحْمَرَ، صَارَ عَادَةً بِذَلِكَ.
مَسْأَلَةُ الصُّفْرَةِ وَالْكَدِرَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ
(475) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ مِنْ الْحَيْضِ) يَعْنِي إذَا رَأَتْ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً، فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا يَكُونُ حَيْضًا، إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ دَمٌ أَسْوَدُ؛ لِأَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ، وَكَانَتْ بَايَعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: كُنَّا لَا نَعْتَدُّ بِالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ بَعْدَ الْغُسْلِ شَيْئًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: بَعْدَ الطُّهْرِ.
وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222]، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَبْعَثُ إلَيْهَا النِّسَاءُ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهَا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ، فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ. وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا بَعْدَ الطُّهْرِ وَالِاغْتِسَالِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا كُنَّا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ حَيْضًا. مَعَ قَوْلِهَا الْمُتَقَدِّمِ، الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
(476) فَصْلٌ: وَحُكْمُ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ حُكْمُ الدَّمِ الْعَبِيطِ فِي أَنَّهَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ، وَتَجْلِسُ مِنْهَا الْمُبْتَدَأَةُ كَمَا تَجْلِسُ مِنْ غَيْرِهَا. وَإِنْ رَأَتْهَا فِيمَا بَعْدَ الْعَادَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَأَتْ غَيْرَهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِنْ طَهُرَتْ ثُمَّ رَأَتْ كُدْرَةً أَوْ صُفْرَةً، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا؛ لِخَبَرِ أُمِّ عَطِيَّةَ وَعَائِشَةَ، وَقَدْ رَوَى النَّجَّادُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: كُنَّا فِي حِجْرِهَا مَعَ بَنَاتِ بِنْتِهَا، فَكَانَتْ إحْدَانَا تَطْهُرُ ثُمَّ تُصَلِّي، ثُمَّ تُنَكِّسُ بِالصُّفْرَةِ الْيَسِيرَةِ، فَنَسْأَلُهَا، فَتَقُولُ: اعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ حَتَّى لَا تَرَيْنَ إلَّا الْبَيَاضَ خَالِصًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُ عَائِشَةَ وَأُمِّ عَطِيَّةَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَسْمَاءَ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ قَبْلَ التَّكْرَارِ، وَقَوْلُ أَسْمَاءَ فِيمَا إذَا تَكَرَّرَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَخْبَارِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ يَسْتَمْتِعُ مِنْ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَسْتَمْتِعُ مِنْ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ مِنْ الْحَائِضِ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَدُونَ الرُّكْبَةِ جَائِزٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَالْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ مُحَرَّمٌ بِهِمَا. وَاخْتُلِفَ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَهُمَا؛ فَذَهَبَ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى إبَاحَتِهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَنَحْوَهُ قَالَ الْحَكَمُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَضَعَ عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا مَا لَمْ يَدْخُلْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُبَاحُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ: فَوْقَ الْإِزَارِ»
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]، وَالْمَحِيضُ: اسْمٌ لِمَكَانِ الْحَيْضِ، كَالْمَقِيلِ وَالْمَبِيتِ، فَتَخْصِيصُهُ مَوْضِعَ الدَّمِ بِالِاعْتِزَالِ دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَتِهِ فِيمَا عَدَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ الْمَحِيضُ الْحَيْضُ، مَصْدَرُ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ حَيْضًا وَمَحِيضًا، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222]. وَالْأَذَى: هُوَ الْحَيْضُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4]. قُلْنَا: اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ، وَإِرَادَةُ مَكَانِ الدَّمِ أَرْجَحُ، بِدَلِيلِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْحَيْضَ لَكَانَ أَمْرًا بِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْإِجْمَاعُ بِخِلَافِهِ.
وَالثَّانِي، أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ، أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ اعْتَزَلُوهَا، فَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُشَارِبُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّكَاحِ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِمُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَتَحَقَّقُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ بِحَمْلِهَا عَلَى إرَادَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُوَافِقًا لَهُمْ، وَمِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّكَاحِ»، وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «اجْتَنِبْ مِنْهَا شِعَارَ الدَّمِ» .
وَلِأَنَّهُ مَنَعَ الْوَطْءَ لِأَجْلِ الْأَذَى، فَاخْتَصَّ مَكَانُهُ كَالدُّبُرِ، وَمَا رَوَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ دَلِيلٌ عَلَى حِلِّ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ، لَا عَلَى تَحْرِيمِ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَتْرُكُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ الْمُبَاحِ تَقَذُّرًا، كَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ وَالْأَرْنَبِ، وَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مَنْطُوقٌ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَفْهُومِ.
فَصْلٌ وَطْءُ الْحَائِضِ فِي الْفَرْجِ
(478) فَصْلٌ: فَإِنْ وَطِئَ الْحَائِضَ فِي الْفَرْجِ أَثِمَ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، بِإِسْنَادِهِمَا، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ، فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ». وَالثَّانِيَةُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا قَالَ، أَوْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، أَوْ أَتَى حَائِضًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ نُهِيَ عَنْهُ لِأَجْلِ الْأَذَى، فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَحَدِيثُ الْكَفَّارَةِ مَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَدْ قِيلَ لِأَحْمَدَ: فِي نَفْسِك مِنْهُ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ فُلَانٍ. أَظُنُّهُ قَالَ: عَبْدُ الْحَمِيدِ وَقَالَ: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنَّا نَرَى عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَدْ رَوَى النَّاسُ عَنْهُ. فَاخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي الْكَفَّارَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي الْحَدِيثِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَتْ لَهُ مَقْدِرَةٌ تَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ؛ كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا، أَوْ عَنْ بَعْضِهَا، كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ.
فَصْلٌ فِي قَدْرِ كَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ
(479) فَصْلٌ: وَفِي قَدْرِ الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، أَنَّهَا دِينَارٌ، أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ، عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ، أَيَّهُمَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّانِيَةُ، أَنَّ الدَّمَ إنْ كَانَ أَحْمَرَ فَهِيَ دِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ، فَنِصْفُ دِينَارٍ.
وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إنْ كَانَ فِي فَوْرِ الدَّمِ فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَنِصْفُ دِينَارٍ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنْ كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ أَبُو دَاوُد الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ
. وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْحَيْضِ، فَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تُخَيَّرُ بَيْنَ شَيْءٍ وَنِصْفِهِ؟ قُلْنَا: كَمَا يُخَيَّرُ الْمُسَافِرُ بَيْنَ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَإِتْمَامِهَا، فَأَيُّهُمَا فَعَلَ كَانَ وَاجِبًا، كَذَا هَاهُنَا.
فَصْلٌ وَطِئَ بَعْدَ طُهْرِهَا وَقَبْلَ غُسْلِهَا
(480) فَصْلٌ: وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ طُهْرِهَا، وَقَبْلَ غُسْلِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ. وَلَوْ وَطِئَ فِي حَالِ جَرَيَانِ الدَّمِ، لَزِمَهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ، فَثَبَتَ قَبْلَ الْغُسْلِ، كَالتَّحْرِيمِ. وَلَنَا أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِالشَّرْعِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ بِهَا الْخَبَرُ فِي الْحَائِضِ، وَغَيْرُهَا لَا يُسَاوِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَذَى الْمَانِعَ مِنْ وَطْئِهَا قَدْ زَالَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَطَأُ حَائِضًا، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ، وَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِهِ.
فَصْلٌ هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي
(481) فَصْلٌ: وَهَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، تَجِبُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ تَجِبُ بِالْوَطْءِ، أَشْبَهَتْ كَفَّارَةَ الْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ. وَالثَّانِي، لَا تَجِبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ». وَلِأَنَّهَا تَجِبُ لِمَحْوِ الْمَأْثَمِ، فَلَا تَجِبُ مَعَ النِّسْيَانِ، كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَ طَاهِرًا، فَحَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ وَطْئِهِ، لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، قَالَ: وَلَوْ وَطِئَ الصَّبِيُّ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَقِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ التَّكْلِيفِ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّهِ، وَهَذَا مِنْ فُرُوعِهَا، فَلَا تَثْبُتُ.
فَصْلٌ هَلْ تَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَة وَهِيَ حائض كَفَّارَةٌ
(482) فَصْلٌ: وَهَلْ تَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كَفَّارَةٌ؟ الْمَنْصُوصُ أَنَّ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ. قَالَ أَحْمَدُ فِي امْرَأَةٍ غَرَّتْ زَوْجَهَا: إنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَعَلَيْهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُطَاوِعَةِ، كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِهَا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَتَلَقَّى الْوُجُوبَ مِنْ الشَّرْعِ. وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ غَيْرَ عَالِمَةٍ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .
(483) فَصْلٌ: وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهَا تُسَاوِيهَا فِي سَائِرِ أَحْكَامِهَا، وَيُجْزِئُ نِصْفُ دِينَارٍ مِنْ أَيِّ ذَهَبٍ كَانَ إذَا كَانَ صَافِيًا مِنْ الْغِشِّ، وَيَسْتَوِي تِبْرُهُ وَمَضْرُوبُهُ، لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ. وَهَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُ قِيمَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِإِخْرَاجِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ، عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ الْمَالِ، فَجَازَ بِأَيِّ مَالٍ كَانَ، كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ.
وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ، فَاخْتُصَّ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْمَالِ، كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ هَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُ الدَّرَاهِمِ مَكَانَ الدِّينَارِ فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى إخْرَاجِهَا عَنْهُ فِي الزَّكَاةِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يُجْزِئُ فِيهِ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ، فَأَجْزَأَ فِيهِ الْآخَرُ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَمَصْرِفُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ إلَى مَصْرِفِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ؛ لِكَوْنِهَا كَفَّارَةً؛ وَلِأَنَّ الْمَسَاكِينَ مَصْرِفُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا مِنْهَا.
مَسْأَلَةٌ فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فَلَا تُوطَأُ حَتَّى تَغْتَسِلَ
(484) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا، فَلَا تُوطَأُ حَتَّى تَغْتَسِلَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ وَطْءَ الْحَائِضِ قَبْلَ الْغُسْلِ حَرَامٌ، وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا كَالْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرُّوذِيُّ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ، حَلَّ وَطْؤُهَا، وَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ ذَلِكَ، لَمْ يُبَحْ حَتَّى تَغْتَسِلَ، أَوْ تَتَيَمَّمَ، أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ بِالْجَنَابَةِ.
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. يَعْنِي إذَا اغْتَسَلْنَ. هَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَةِ: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مِنْهُمْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِهِ، وَفِعْلُهُمْ هُوَ الِاغْتِسَالُ دُونَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَشَرَطَ لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ شَرْطَيْنِ: انْقِطَاعَ الدَّمِ، وَالِاغْتِسَالَ، فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. لَمَّا اشْتَرَطَ لِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِمْ بُلُوغَ النِّكَاحِ وَالرُّشْدَ لَمْ يُبَحْ إلَّا بِهِمَا. كَذَا هَاهُنَا؛ وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ لِحَدَثِ الْحَيْضِ، فَلَمْ يُبَحْ وَطْؤُهَا كَمَا لَوْ انْقَطَعَ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ؛ وَلِأَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ آكَدُ مِنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ لَا تُوطَأُ مُسْتَحَاضَةٌ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ
(485) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا تُوطَأُ مُسْتَحَاضَةٌ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ) اُخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَرُوِيَ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَاكِمِ؛ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا.
وَلِأَنَّ بِهَا أَذًى، فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ وَطْءَ الْحَائِضِ مُعَلِّلًا بِالْأَذَى بِقَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]. أَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ عَقِيبَ الْأَذَى مَذْكُورًا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا ذُكِرَ مَعَ وَصْفٍ يَقْتَضِيهِ وَيَصْلُحُ لَهُ، عُلِّلَ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَالْأَذَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً. فَيُعَلَّلُ بِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّهَا وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ إبَاحَةُ وَطْئِهَا مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً، وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا.
وَقَالَ: كَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا يَغْشَاهَا؛ وَلِأَنَّ حَمْنَةَ كَانَتْ تَحْتَ طَلْحَةَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ سَأَلَتَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَبَيَّنَهُ لَهُمَا.
وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ إنْ تَرَكَ الْوَطْءَ، أُبِيحَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْحَائِضِ، وَلَوْ وَطِئَهَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِهَا فِي حَقِّهَا، وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْحَائِضِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِاخْتِلَافِ.
وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، أُبِيحَ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ؛ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، أَشْبَهَ سَلَسَ الْبَوْلِ.
مَسْأَلَةٌ الْمُبْتَلَى بِسَلَسِ الْبَوْلِ وَكَثْرَةِ الْمَذْيِ
(486) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمُبْتَلَى بِسَلَسِ الْبَوْلِ، وَكَثْرَةِ الْمَذْيِ، فَلَا يَنْقَطِعُ، كَالْمُسْتَحَاضَةِ، يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ أَوْ الْمَذْيُ، أَوْ الْجَرِيحَ الَّذِي لَا يَرْقَأُ دَمُهُ، وَأَشْبَاهَهُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِرُّ مِنْهُ الْحَدَثُ وَلَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ طَهَارَتِهِ، عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَ غَسْلِ مَحَلِّ الْحَدَثِ، وَشَدِّهِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ خُرُوجِ الْحَدَثِ بِمَا يُمْكِنُهُ. فَالْمُسْتَحَاضَةُ تَغْسِلُ الْمَحَلَّ، ثُمَّ تَحْشُوهُ بِقُطْنٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، لِيَرُدَّ الدَّمَ؛ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَمْنَةَ، حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ كَثْرَةَ الدَّمِ: أَنْعَتُ لَك الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ. فَإِنْ لَمْ يَرْتَدَّ الدَّمُ بِالْقُطْنِ، اسْتَثْفَرَتْ بِخِرْقَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ، تَشُدُّهَا عَلَى جَنْبَيْهَا وَوَسَطُهَا عَلَى الْفَرْجِ»، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ " لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ.
وَقَالَ لِحَمْنَةَ تَلَجَّمِي
. لَمَّا قَالَتْ: إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ لِرَخَاوَةِ الشَّدِّ، فَعَلَيْهَا إعَادَةُ الشَّدِّ وَالطَّهَارَةُ، وَإِنْ كَانَ لِغَلَبَةِ الْخَارِجِ وَقُوَّتِهِ وَكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ شَدُّهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ تَبْطُلْ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَتُصَلِّي وَلَوْ قَطَرَ الدَّمُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي حَدِيثٍ: «صَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ». وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، أَوْ كَثْرَةُ الْمَذْيِ، يَعْصِبُ رَأْسَ ذَكَرِهِ بِخِرْقَةٍ، وَيَحْتَرِسُ حَسَبَ مَا يُمْكِنُهُ، وَيَفْعَلُ مَا ذُكِرَ.
وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ جُرْحٌ يَفُورُ مِنْهُ الدَّمُ، أَوْ بِهِ رِيحٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْدَاثِ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ قَطْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَصْبُهُ، مِثْلُ مَنْ بِهِ جُرْحٌ لَا يُمْكِنُ شَدُّهُ، أَوْ بِهِ بَاسُورٌ أَوْ نَاصُورٌ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَصْبِهِ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حِينَ طُعِنَ صَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا.
(487) فَصْلٌ: وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْوُضُوءُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَرَبِيعَةَ.
وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهُ الْبَرْدُ، فَإِنْ آذَاهُ قَالَ: فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ ضِيقٌ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: «فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي». وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْوُضُوءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَادٍ، وَلَنَا مَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «الْمُسْتَحَاضَةِ: تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ
، وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ خَبَرَهَا، ثُمَّ قَالَ: اغْتَسِلِي، ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلِّي». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ، فَنَقَضَ الْوُضُوءَ، كَالْمَذْيِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ طَهَارَةَ هَؤُلَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِالْوَقْتِ؛ لِقَوْلِهِ: تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ
. وَقَوْلِهِ: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ
. وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ، كَالتَّيَمُّمِ.
(488) فَصْلٌ: فَإِنْ تَوَضَّأَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ يَخْرُجُ بِهِ الْوَقْتُ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ مُبْطِلٌ لِهَذِهِ الطَّهَارَةِ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَدَثَ مُبْطِلٌ لِلطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الطَّهَارَةِ. وَإِنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ الْوَقْتِ صَحَّ، وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ الْحَدَثِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ عَقِيبَ طَهَارَتِهِ، أَوْ أَخَّرَهَا لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، كَلُبْسِ الثِّيَابِ، وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، جَازَ. وَإِنْ أَخَّرَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ أُرِيدَتْ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا، فَأَشْبَهَتْ التَّيَمُّمَ؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ، كَالتَّيَمُّمِ.
وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا. وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ، أَوْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا سِوَى هَذَا الْخَارِجِ، بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ: إنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ، حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَتَتَوَضَّأُ أَيْضًا. وَهَذَا يَقْتَضِي إلْحَاقَهَا بِالتَّيَمُّمِ، فِي أَنَّهَا بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ الْوَقْتِ، يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِهَا، وَتَقْضِيَ بِهَا الْفَوَائِتَ، وَتَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، مَا لَمْ تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ، أَوْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ.
فَصْلٌ لِلْمُسْتَحَاضَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ
(489) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَرَ بِهِ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ» وَغَيْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ مَقِيسٌ عَلَيْهَا، وَمُلْحَقٌ بِهَا.
فَصْلٌ تَوَضَّأْت الْمُسْتَحَاضَةُ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا
(490) فَصْلٌ: إذَا تَوَضَّأْت الْمُسْتَحَاضَةُ، ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ انْقَطَعَ لِبُرْئِهَا بِاتِّصَالِ الِانْقِطَاعِ، تَبَيَّنَّا أَنَّ وُضُوءَهَا بَطَلَ بِانْقِطَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْخَارِجَ مُبْطِلٌ لِلطَّهَارَةِ عُفِيَ عَنْهُ لِلْعُذْرِ، فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ زَالَتْ الضَّرُورَةُ، فَظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ. وَإِنْ عَادَ الدَّمُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الِانْقِطَاعِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْت: إنَّ هَؤُلَاءِ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ، وَيُوَقِّتُونَ بِوَقْتٍ، يَقُولُونَ: إذَا تَوَضَّأَتْ لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ انْقَطَعَ الدَّمُ ثُمَّ سَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ، تُعِيدُ الْوُضُوءَ. وَيَقُولُونَ: إذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلًا، فَتَوَضَّأَتْ، ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ، قَوْلًا آخَرَ.
قَالَ: لَسْت أَنْظُرُ فِي انْقِطَاعِهِ حِينَ تَوَضَّأَتْ سَالَ أَمْ لَمْ يَسِلْ، إنَّمَا آمُرُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالْفَائِتَةَ، حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَالتَّفْصِيلُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا يَشُقُّ، وَالْعَادَةُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ أَنَّ الْخَارِجَ يَجْرِي وَيَنْقَطِعُ، وَاعْتِبَارُ مِقْدَارِ الِانْقِطَاعِ فِيمَا يُمْكِنُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ فِيهِ يَشُقُّ، وَإِيجَابُ الْوُضُوءِ بِهِ حَرَجٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، وَلَا سَأَلَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْتَحَاضَةَ الَّتِي اسْتَفْتَتْهُ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرًا عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ هَذَا التَّفْصِيلُ.
وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: إنْ تَطَهَّرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ حَالَ جَرَيَانِ دَمِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ قَبْلَ دُخُولِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى تَتَوَضَّأَ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ عُفِيَ عَنْ الْحَدَثِ فِيهَا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ زَالَتْ الضَّرُورَةُ، فَظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ فَاتَّصَلَ الِانْقِطَاعُ زَمَنًا يُمْكِنُ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فِيهِ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ طَهَارَتِهَا بِانْقِطَاعِهِ.
وَإِنْ عَادَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَطَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا عَدَمَ الطُّهْرِ الْمُبْطِلِ لِلطَّهَارَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ. وَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يَصِحُّ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا صِحَّةَ طَهَارَتِهَا؛ لِبَقَاءِ اسْتِحَاضَتِهَا وَالثَّانِي، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ بِطَهَارَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِهَا فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، فَصَلَّى، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا.
وَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ قَبْلَ دُخُولِهَا فِي الصَّلَاةِ لِمُدَّةٍ تَتَّسِعُ لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَّسِعُ، لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا عَدَمَ الطُّهْرِ الْمُبْطِلِ لِلطَّهَارَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ، وَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَفِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ يَرَى الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ.
ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَامِدٍ. وَإِنْ عَاوَدَ الدَّمُ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى فِي انْقِطَاعِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. وَإِنْ تَوَضَّأَتْ فِي زَمَنِ انْقِطَاعِهِ، ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا، أَوْ كَانَتْ مُدَّةُ انْقِطَاعِهِ تَتَّسِعُ لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا بِعَوْدِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهَا بِهَذَا الِانْقِطَاعِ صَارَتْ فِي حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ، فَصَارَ عَوْدُ الدَّمِ كَسَبْقِ الْحَدَثِ. وَإِنْ كَانَ انْقِطَاعًا لَا يَتَّسِعُ لِذَلِكَ، لَمْ يُؤَثِّرْ عَوْدُهُ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، وَلَا حُكْمَ لِهَذَا الِانْقِطَاعِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الِانْقِطَاعِ، بَلْ مَتَى كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ بِهَا عُذْرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ، فَتَحَرَّزَتْ وَتَطَهَّرَتْ، فَطَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ، وَصَلَاتُهَا بِهَا مَاضِيَةٌ، مَا لَمْ يَزُلْ عُذْرُهَا، وَتَبْرَأْ مِنْ مَرَضِهَا، أَوْ يَخْرُجْ وَقْتُ الصَّلَاةِ، أَوْ تُحْدِثْ حَدَثًا سِوَى حَدَثِهَا.
فَصْلٌ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ زَمَنًا لَا يَتَّسِعُ لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ
(491) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ زَمَنًا لَا يَتَّسِعُ لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَتَوَضَّأَتْ، ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا، لَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ طَهَارَتِهَا، وَلَا صَلَاتِهَا، إنْ كَانَتْ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الِانْقِطَاعَ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ. وَإِنْ اتَّصَلَ الِانْقِطَاعُ وَبَرَأَتْ، وَكَانَ قَدْ جَرَى مِنْهَا دَمٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ، بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا وَالصَّلَاةُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ بِذَلِكَ الِانْقِطَاعِ. وَإِنْ اتَّصَلَ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي الَّتِي لَمْ يَجْرِ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِيهِ. وَإِنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِهِ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، لَمْ تُصَلِّ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ، وَتَنْتَظِرُ إمْسَاكَهُ، إلَّا أَنْ تَخْشَى خُرُوجَ الْوَقْتِ، فَتَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ. فَإِنْ شَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ، فَأَمْسَكَ الدَّمُ عَنْهَا، بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا؛ لِأَنَّهَا أَمْكَنَتْهَا الصَّلَاةُ بِطَهَارَةٍ غَيْرِ ضَرُورِيَّةٍ، فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا بِغَيْرِهَا، كَغَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ.
وَإِنْ كَانَ زَمَنُ إمْسَاكِهِ يَخْتَلِفُ، فَتَارَةً يَتَّسِعُ. وَتَارَةً لَا يَتَّسِعُ، فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، إلَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ انْقِطَاعَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَتَّسِعُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا إذَا شَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ، لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا شَرَعَتْ فِيهَا بِطَهَارَةٍ يَقِينِيَّةٍ، وَانْقِطَاعُ الدَّمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَّسِعًا، فَتَبْطُلُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَيِّقًا، فَلَا تَبْطُلُ، وَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ. فَإِنْ اتَّصَلَ الِانْقِطَاعُ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مُبْطِلًا، فَبَطَلَتْ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ بِهِ.
مَسْأَلَةٌ أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا
(492) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَأَكْثَرُ النِّفَاسَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: أَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا.
وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً مِثْلَ قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ وَجَدَهُ. وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْوُجُودِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ غَالِبُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا.
وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو سَهْلٍ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُسَّةَ الْأَزْدِيَّةِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَهْلٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَثْنَى مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. وَرَوَى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، عَنْ مُسَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا سَأَلَتْهُ: كَمْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَقَدْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ إجْمَاعًا، وَنَحْوَهُ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ، وَمَا حَكَوْهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، يَحْتَمِلُ أَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ حَيْضًا أَوْ اسْتِحَاضَةً، كَمَا لَوْ زَادَ دَمُهَا عَنْ السِّتِّينَ، أَوْ كَمَا لَوْ زَادَ دَمُ الْحَائِضِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
فَصْلٌ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا
(493) فَصْلٌ: فَإِنْ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَصَادَفَ عَادَةَ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً، فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الَّذِي تَقْعُدُهُ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْتِهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، يَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي إنْ أَدْرَكَهَا رَمَضَانُ، وَلَا تَقْضِي. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا قُلْنَا.
مَسْأَلَةٌ لَيْسَ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ حَدٌّ
(494) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَقَلِّهِ حَدٌّ، أَيَّ وَقْتٍ رَأَتْ الطُّهْرَ اغْتَسَلَتْ، وَهِيَ طَاهِرٌ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا فِي الْفَرْجِ حَتَّى تُتِمَّ الْأَرْبَعِينَ اسْتِحْبَابًا) وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: إذَا لَمْ تَرَ دَمًا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ: أَقَلُّهُ سَاعَةٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَقَلُّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ تَحْدِيدُهُ، فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ قَلِيلًا وَكَثِيرًا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ تَرَ دَمًا، فَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْجُفُوفِ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: ذَاكَرْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثَ جَرِيرٍ: كَانَتْ امْرَأَةٌ تُسَمَّى الطَّاهِرَ، تَضَعُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَتَطْهُرُ آخِرَهُ فَجَعَلَ يَعْجَبُ مِنْهُ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَحِلُّ لِلنُّفَسَاءِ إذَا