المحلى بالآثار
By ابن حزم
()
About this ebook
Read more from ابن حزم
المحلى بالآثار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالفصل في الملل والأهواء والنحل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجوامع السيرة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمحلى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحجة الوداع لابن حزم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجوامع السيرة ط المعارف Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمراتب الإجماع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالناسخ والمنسوخ لابن حزم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجوامع السيرة النبوية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالنبذة الكافية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجمهرة أنساب العرب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsطوق الحمامة لابن حزم Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related authors
Related to المحلى بالآثار
Related ebooks
المحلى بالآثار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمغني لابن قدامة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالكامل في ضعفاء الرجال Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمجموع الفتاوى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsزاد المعاد في هدي خير العباد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالحث على حفظ العلم وذكر كبار الحفاظ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأحكام القرآن لابن العربي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالفتاوى الكبرى لابن تيمية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسبل السلام شرح بلوغ المرام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلسان العرب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح المغيث بشرح ألفية الحديث Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح معاني الآثار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنتقى شرح الموطإ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنيل الأوطار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمعارج القبول بشرح سلم الوصول Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتلخيص الحبير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمجموع شرح المهذب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاقتطاف الأزاهر والتقاط الجواهر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح مشكل الآثار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتفسير الطبري Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsخلق الإنسان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح منتهى الإرادات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالدلائل في غريب الحديث - الجزء الأول Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالإتقان في علوم القرآن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتبصرة لابن الجوزي Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related categories
Reviews for المحلى بالآثار
0 ratings0 reviews
Book preview
المحلى بالآثار - ابن حزم
المحلى بالآثار
الجزء 10
ابن حزم
456
المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار لمؤلفه الأمام علي بن حزم الأندلسي ناشر المذهب الظاهري، ويعتبر كتاب المحلى من أهم كتب ابن حزم الأندلسي، وقد شهر به وأعتبر بذللك ناشر المذهب الظاهري، الذي يأخذ بظاهر النص ومدلوله اللفظي والمعنوية، ومجتهدا لا يعتبر القياس في المعاني البتّة، ويعتبر القياس اللفظي إنما هو دلالة اللفظ أو دلالة المعنى من اللفظ، وإنما الخلاف بين أهل أصول الفقه في الألفاظ، ولا يعتبر العلة ولا يحكم إلا بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة، والكتاب ثروة فقهية وموسوعة جامعة في الفقة المقارن حوت ما يعادل 2312 مسألة بدأها المؤلف بالعقائد وأنهاها بمسائل التعزير، واستعرض ابن حزم خلالها آراء الفقهاء والمجتهدين جميعا قبل أن ينقض عليهم مبدياً رأيه.
مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الظَّاهِرِ دُونَ الْمَغِيبِ
1428 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا بَيْعُ الظَّاهِرِ دُونَ الْمَغِيبِ فِيهَا فَحَلَالٌ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَصٌّ، فَجَائِزٌ بَيْعُ الثَّمَرَةِ وَاسْتِثْنَاءُ نَوَاهَا، وَبَيْعُ جِلْدِ النَّافِجَةِ دُونَ الْمِسْكِ الَّذِي فِيهَا، وَالْجِرَابِ، وَالظُّرُوفِ كُلِّهَا دُونَ مَا فِيهَا، وَقِشْرِ الْبَيْضِ، وَاللَّوْزِ، وَالْجَوْزِ، وَالْجِلَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْبَلُّوطِ، وَالْقَسْطَلِ، وَكُلِّ قِشْرٍ لَا تُحَاشِي شَيْئًا دُونَ مَا تَحْتَهَا، وَبَيْعُ الشَّمْعِ دُونَ الْعَسَلِ الَّذِي فِيهِ، وَبَيْعُ التِّبْنِ دُونَ الْحَبِّ الَّذِي فِيهِ، وَجِلْدِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ أَوْ الْمَنْحُورِ دُونَ لَحْمِهِ، أَوْ دُونَ عُضْوٍ مُسَمًّى مِنْهَا، وَبَيْعُ الْأَرْضِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ بَذْرٍ، أَوْ خَضْرَاوَاتٍ مُغَيَّبَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ، وَدُونَ الزَّرْعِ الَّذِي فِيهَا، وَدُونَ الشَّجَرِ الَّذِي فِيهَا، وَالْحَيَوَانِ اللَّبُونِ دُونَ لَبَنِهِ الَّذِي اجْتَمَعَ فِي ضُرُوعِهِ، وَلَا يَحِلُّ اسْتِثْنَاءُ لَبَنٍ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ وَلَا اجْتَمَعَ فِي ضُرُوعِهِ.
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَامِلِ دُونَ حَمْلِهَا سَوَاءٌ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ أَوْ لَمْ يُنْفَخْ. وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ حَيَوَانٍ حَيٍّ وَاسْتِثْنَاءُ عُضْوٍ مِنْهُ أَصْلًا.
وَيَجُوزُ بَيْعُ عُصَارَةِ الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ، دُونَ الدُّهْنِ قَبْلَ عَصْرِهِ.
وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ جِلْدِ حَيَوَانٍ حَيٍّ دُونَ لَحْمِهِ، وَلَا دُونَ عُضْوٍ مُسَمًّى مِنْهُ أَصْلًا.
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَخِيضِ لَبَنٍ قَبْلَ أَنْ يُمْخَضَ، وَلَا الْمَيْشِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ.
بُرْهَانُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] .
فَكُلُّ بَيْعٍ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ تَحْرِيمُهُ بِاسْمِهِ مُفَصَّلًا فَهُوَ حَلَالٌ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى - وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَمَالٌ لِلْبَائِعِ وَمِلْكٌ لَهُ يَبِيعُ مِنْهُ مَا شَاءَ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ وَيُمْسِكُ مِنْهُ مَا شَاءَ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ، فَمَا ظَهَرَ مِنْ مَالِهِ وَرُئِيَ، أَوْ وَصَفَهُ مَنْ رَآهُ: فَبَيْعُهُ جَائِزٌ - وَيُمْسِكُ مَا لَمْ يَرَهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمَجْهُولِ - كَمَا قَدَّمْنَا - أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا حَاضِرًا أَوْ مَوْصُوفًا غَائِبًا.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَحِلُّ اسْتِثْنَاءُ لَبَنٍ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ، فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْدُثُ إذَا أَحْدَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَالِ غَيْرِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِيمَا بَاعَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ - وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ بَيْعِ حَيَوَانٍ إلَّا عُضْوًا مُسَمًّى مِنْهُ.
وَأَجَزْنَا بَيْعَ الْحَامِلِ دُونَ حَمْلِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ، أَوْ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُ: أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِذَبْحِهِ، فَفِي هَذَا الْبَيْعِ اشْتِرَاطُ ذَبْحِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ عَلَى بَائِعِ الْعُضْوِ مِنْهُ، أَوْ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا عُضْوًا مِنْهُ، وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ جُمْلَةً، وَهَذَا مِمَّا يُوَافِقُنَا الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ مِنْ خُصُومِنَا.
وَأَمَّا الْحَمْلُ، وَالصُّوفُ، وَالْوَبَرُ، وَالشَّعْرُ، وَقَرْنُ الْإِبِلِ، وَكُلُّ مَا يُزَايِلُ الْحَيَوَانَ بِغَيْرِ مُثْلَةٍ وَلَا تَعْذِيبٍ، فَكَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَالٌ لِبَائِعِهِ يَبِيعُ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ وَيُمْسِكُ مَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ، أَوْ مُثْلَةٌ بِحَيَوَانٍ أَوْ إضْرَارٌ بِهِ فَلَا يَحِلُّ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ، وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْعُنَا مِنْ بَيْعِ الْمَخِيضِ دُونَ السَّمْنِ قَبْلَ الْمَخْضِ، وَمِنْ بَيْعِ الْمَيْشِ دُونَ الْجُبْنِ قَبْلَ عَصْرِهِ، فَلِأَنَّهُ لَا يُرَى، وَلَا يَتَمَيَّزُ، وَلَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ، فَقَدْ يَخْرُجُ الْمَخْضُ وَالْعَصِيرُ قَلِيلًا، وَقَدْ يَخْرُجُ كَثِيرًا - وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ عُصَارَةِ الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ، دُونَ الدُّهْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الزَّيْتُونَ، وَالسِّمْسِمَ، وَاللَّوْزَ، وَالْجَوْزَ كُلُّ ذَلِكَ مَرْئِيٌّ مَعْرُوفٌ، وَإِنَّمَا الْخَافِي فَهُوَ الدُّهْنُ فَقَطْ، وَيَحِلُّ بَيْعُهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ - وَيَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ إبْقَاءٌ لَهُ فِي مِلْكِ مَالِكِهِ - وَهَذَا مُبَاحٌ حَسَنٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» .
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» .
وَقَدْ أَبَاحَهُ بَعْضُ السَّلَفِ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ هِشَامٍ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِبَيْعِ الْغَرَرِ إذَا كَانَ عِلْمُهُمَا فِيهِ سَوَاءً.
وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ عُلَيَّةَ - هُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَا أَعْلَمُ بِبَيْعِ الْغَرَرِ بَأْسًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ نا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: مِنْ الْغَرَرِ مَا يَجُوزُ وَمِنْهُ مَا لَا يَجُوزُ، فَأَمَّا مَا يَجُوزُ فَشِرَاءُ السِّلْعَةِ الْمَرِيضَةِ، وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ فَشِرَاءُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ.
وَقَدْ رُوِّينَا إجَازَةَ بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُتَصَيَّدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي ذَكَرَ إبْرَاهِيمُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ غَرَرًا، أَمَّا الْمَرِيضَةُ فَكُلُّ النَّاسِ يَمْرَضُ وَيَمُوتُ، وَقَدْ يَمُوتُ الصَّحِيحُ فَجْأَةً، وَيَبْرَأُ الْمَرِيضُ الْمُدْنَفُ، فَلَا غَرَرَ هَهُنَا أَصْلًا.
وَأَمَّا السَّمَكُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ قَدْ مُلِكَ قَبْلُ فَلَيْسَ بَيْعُهُ غَرَرًا بَلْ هُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ وَافَقَنَا الْحَاضِرُونَ مِنْ خُصُومِنَا عَلَى أَنَّ بِرْكَةً فِي دَارٍ لِإِنْسَانٍ صَغِيرَةً صَادَ صَاحِبُهَا سَمَكَةً وَرَمَاهَا فِيهَا حَيَّةً، فَإِنَّ بَيْعَهَا فِيهَا جَائِزٌ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُمْلَكْ مِنْ السَّمَكِ بَعْدُ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ السَّمَكَةُ مَقْدُورًا عَلَيْهَا بِالضَّمَانِ مَا حَلَّ بَيْعُهَا، وَإِنَّمَا حُرِّمَ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ لَهُ وَهَذَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا قُرَّةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ بَاعَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا؟ قَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ - وَقَدْ صَحَّ هَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعِتْقِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا هُشَيْمٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ بَاعَ حُبْلَى، أَوْ أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا؟ فَلَهُ ثُنْيَاهُ فِيمَا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: سَوَاءٌ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ، أَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ؟ لَهُ ثُنْيَاهُ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَالُهُ يَسْتَثْنِيه إنْ شَاءَ فَلَا يَبِيعُهُ، أَوْ يَدْخُلُ فِي صَفْقَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهَا مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَلَكِنْ مَنْ اسْتَثْنَى حَمْلَ الْحَامِلِ الَّذِي بَاعَ كَمَا ذَكَرْنَا فَمَا وَلَدَتْ إنْ كَانَتْ مِنْ بَنِي آدَمَ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ غَيْرَ سَاعَةٍ، فَهُوَ لَهُ إلَّا أَنْ يُوقِنَ أَنَّ حَمْلَهَا بِهِ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَيُنْظَرُ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ كَذَلِكَ، فَمَا وَلَدَتْ لِأَقْصَى مَا يَلِدُ لَهُ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ فَهُوَ لِلَّذِي اسْتَثْنَاهُ، وَمَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ فَلَيْسَ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ ثُنْيَا الْحَمْلِ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يُجِيزُهُ فِي الْعِتْقِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي ثَوْرٍ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، وَهُوَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَوْلُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ.
وَرُوِّينَا: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أُبَيٌّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا عَبَّادُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ - ثِقَةٌ مَأْمُونٌ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْتَقَ ابْنُ عُمَرَ أَمَةً لَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا - وَبِهِ يَقُولُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ هِشَامٍ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَ: لَهُ - ثُنْيَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ جَابِرٍ، وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ جَابِرٌ: عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ إبْرَاهِيمُ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ، قَالُوا كُلُّهُمْ: إذَا أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا: فَلَهُ ثُنْيَاهُ.
وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبٍ نا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ ذَلِكَ - يَعْنِي مَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا - فَقَالَا جَمِيعًا: ذَلِكَ لَهُ.
نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا أَبُو ثَوْرٍ نا أَسْبَاطٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ كَاتَبَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْعِتْقِ، وَالْبَيْعِ.
وَبِهِ يَقُولُ أَيْضًا إِسْحَاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ.
فَهَؤُلَاءِ جُمْهُورُ التَّابِعِينَ -: الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، بَعْضُهُمْ فِي الْبَيْعِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْعِتْقِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا - وَمَا نَعْلَمُ الْآنَ مُخَالِفًا لَهُمْ إلَّا الزُّهْرِيَّ؛ وَقَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا -: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ هُمْ عَنْ حُجَّتِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ؟ وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْجِلْدِ، وَالسَّوَاقِطِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ نا أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرَيْنِ، إلَى الْمَدِينَةِ اشْتَرَيَا مِنْ رَاعِي غَنَمٍ شَاةً وَشَرَطَا لَهُ إهَابَهَا» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا بَاطِلٌ - عَبْدُ الْمَلِكِ هَالِكٌ، وَعُمَارَةُ ضَعِيفٌ - ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا، لِأَنَّهُ كَمَا تَرَى قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبَيْعُ لَحْمِ شَاةٍ حَيَّةٍ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَهَزِيلٌ أَمْ سَمِينٌ.
أَوْ ذُو عَاهَةٍ أَمْ سَالِمٌ، ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ السَّفَرِ، فَإِنَّ هَذَا ظَنٌّ لَا يَصِحُّ.
فَإِنْ قَالُوا: كَانَ فِي سَفَرٍ؟ قُلْنَا: وَكَانَ فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ لَا تُجِيزُوهُ فِي غَيْرِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ بَقَرَةً وَاشْتَرَطَ رَأْسَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَمْسَكَهَا فَقَضَى لَهُ زَيْدٌ بِشَرْوَى رَأْسِهَا، قَالَ سُفْيَانُ: نَحْنُ نَقُولُ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا أُبَيٌّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ الْأَشْجَعِيِّ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ بُخْتِيَّةً وَاشْتَرَطَ ثُنْيَاهَا فَبَرِئَتْ فَرَغِبَ فِيهَا فَاخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: اذْهَبَا إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: اذْهَبْ بِهَا إلَى السُّوقِ فَإِذَا بَلَغَتْ أَفْضَلَ ثَمَنِهَا، فَأَعْطُوهُ حِسَابَ ثُنْيَاهَا مِنْ ثَمَنِهَا.
وَرَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ بَعِيرًا مَرِيضًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ فَبَرَأَ الْبَعِيرُ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: يُقَوِّمُ الْبَعِيرَ فِي السُّوقِ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُ شِرَاؤُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ حَدَّثَنِي أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ اشْتَرَى رَجُلٌ رَأْسَ جَمَلٍ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ وَاشْتَرَى آخَرُ بَقِيَّتَهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ لِيَنْحَرَاهُ فَعَاشَ الْجَمَلُ وَصَلُحَ؟ فَقَالَ مُشْتَرِي الْجَمَلِ لِمُشْتَرِي الرَّأْسِ: إنَّمَا لَك ثَمَنُ الرَّأْسِ؟ فَاخْتَصَمَا إلَى شُرَيْحٍ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: هُوَ شَرِيكُك فِيهِ بِحِصَّةِ مَا نَقَدَ وَبِحُكْمِ شُرَيْحٌ هَذَا يَأْخُذُ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ اسْتِثْنَاءَ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ إلَّا فِي السَّفَرِ، لَا فِي الْحَضَرِ، فَخَالَفَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا - وَلَمْ يُجِزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا الشَّافِعِيُّ أَصْلًا.
وَأَجَازَ الْأَوْزَاعِيُّ اسْتِثْنَاءَ الْيَدِ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ الْجِلْدِ عِنْدَ الذَّبْحِ خَاصَّةً، وَكَرِهَهُ إنْ تَأَخَّرَ الذَّبْحُ - وَالْحَنَفِيُّونَ - وَالْمَالِكِيُّونَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ - وَخَالَفُوا هَهُنَا: زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ رَأَوْا فِيمَنْ بَاعَ بَعِيرًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ، فَاسْتَحْيَاهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ: أَنَّ لَهُ شَرْوَى جِلْدِهِ أَوْ قِيمَتَهُ - هَذَا فِي السَّفَرِ خَاصَّةً، وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا بِذَلِكَ مُطْلَقًا، لَمْ يَخُصُّوا سَفَرًا مِنْ حَضَرٍ؛ وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: أَبِيعُ الشَّاةَ وَأَسْتَثْنِي بَعْضَهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ قُلْ: أَبِيعُك نِصْفَهَا - قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي الْجَارُودِ سَأَلْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَمَّنْ بَاعَ بَيْعًا وَاسْتَثْنَى بَعْضَهُ؟ قَالَ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ بَاعَ مُغَيَّبًا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِصِفَةٍ
1429 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا الظَّاهِرَ دُونَ الْمُغَيَّبِ، أَوْ بَاعَ مُغَيَّبًا: يَجُوزُ بَيْعُهُ بِصِفَةٍ، كَالصُّوفِ فِي الْفِرَاشِ، وَالْعَسَلِ فِي الظَّرْفِ، وَالثَّوْبِ فِي الْجِرَابِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْبَائِعِ فَعَلَيْهِ تَمْكِينُ الْمُشْتَرِي مِنْ أَخْذِ مَا اشْتَرَى وَلَا بُدَّ، وَإِلَّا كَانَ غَاصِبًا مَانِعَ حَقٍّ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي إزَالَةُ مَالِهِ عَنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا كَانَ غَاصِبًا لِلْمَكَانِ مَانِعَ حَقٍّ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْمُشْتَرِي فَعَلَى الْبَائِعِ نَزْعُ مَالِهِ عَنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا كَانَ ظَالِمًا مَانِعَ حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لَهُمَا جَمِيعًا فَأَيُّهُمَا أَرَادَ تَعْجِيلَ انْتِفَاعِهِ بِمَتَاعِهِ فَعَلَيْهِ أَخْذَهُ، وَلَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ تَعْجِيلَهُ مِنْ أَخْذِ مَتَاعِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِغَيْرِهِمَا فَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا أَنْ يَنْزِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ مِنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ ظَالِمٌ مَانِعُ حَقٍّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
«وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَالَ سَلْمَانُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَصَدَّقَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَصَوَّبَ قَوْلَهُ» .
فَمَنْ بَاعَ تَمْرًا دُونَ نَوَاهَا، فَأَخْذُ التَّمْرَةِ وَتَخْلِيصُهَا مِنْ النَّوَى عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَخْذِ مَتَاعِهِ وَنَقْلِهِ وَتَرْكِ النَّوَى مَكَانَهُ - إنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْبَائِعِ - فَإِنْ أَبَى أُجْبِرَ، وَاسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ مَنْ يُزِيلُ التَّمْرَ عَنْ النَّوَى، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَائِعُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فَتْحُ ثَمَرَةِ غَيْرِهِ، وَلَا أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِيهِ عَمَلًا.
فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي قَلْعَ ثَمَرَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَتْرُكُ غَيْرَهُ يُؤَثِّرُ لَهُ فِيهَا أَثَرًا لَا يُرِيدُهُ، فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُ نَوَاهُ وَنَقْلُهُ عَلَى أَلْطَفِ مَا يُمْكِنُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ مِقْدَارَ تَعَدِّيه فِي إفْسَادِ الثَّمَرَةِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لَهُمَا؟ فَكَمَا قُلْنَا: أَيُّهُمَا أَرَادَ تَعْجِيلَ أَخْذِ مَتَاعِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الَّذِي لَهُ النَّوَى كَانَ لَهُ إخْرَاجُ نَوَاهُ بِأَلْطَفِ مَا يُمْكِنُ، إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُبَاحًا لَهُ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ.
فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِغَيْرِهِمَا أُجْبِرَا جَمِيعًا عَلَى الْعَمَلِ مَعًا فِي تَخْلِيصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ.
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي نَافِجَةِ الْمِسْكِ، وَالظُّرُوفِ دُونَ مَا فِيهَا، وَالْقُشُورِ دُونَ مَا فِيهَا، وَالشَّمْعِ دُونَ الْعَسَلِ، وَالتِّبْنِ دُونَ الْحَبِّ، وَجِلْدِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ أَوْ الْمَنْحُورِ، وَلَحْمَةِ الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ، وَكُلِّ ذِي دُهْنٍ.
وَأَمَّا مَنْ بَاعَ الْأَرْضَ دُونَ الْبَذْرِ، أَوْ دُونَ الزَّرْعِ، أَوْ دُونَ الشَّجَرِ، أَوْ دُونَ الْبِنَاءِ، فَالْحَصَادُ عَلَى الَّذِي لَهُ الزَّرْعُ، وَالْقَلْعُ عَلَى الَّذِي لَهُ الشَّجَرُ، وَالْبِنَاءُ وَالْقَطْعُ أَيْضًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ إزَالَةُ مَالِهِ عَنْ أَرْضِ غَيْرِهِ.
وَمَنْ بَاعَ الْحَيَوَانَ دُونَ اللَّبَنِ، أَوْ دُونَ الْحَمْلِ، فَالْحَلْبُ عَلَى الَّذِي لَهُ اللَّبَنُ وَلَا بُدَّ - وَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ وَاجِبًا عَلَيْهِ إزَالَةُ لَبَنِهِ عَنْ ضَرْعِ حَيَوَانِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ إلَّا إمْكَانُهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَطْ، لَا خِدْمَتُهُ فِي حَلْبِ لَبَنِهِ.
وَكَذَلِكَ عَلَى الَّذِي لَهُ مِلْكِ الْوَلَدِ: الْعَمَلُ فِي الْعَوْنِ فِي أَخْذِ مَمْلُوكِهِ، أَوْ مَمْلُوكَتِهِ فِي بَطْنِ أَمَةِ غَيْرِهِ بِمَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَمَنْ بَاعَ سَارِيَةَ خَشَبٍ، أَوْ حَجَرٍ فِي بِنَاءٍ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُ ذَلِكَ بِأَلْطَفِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّدْعِيمِ لِمَا حَوْلَ السَّارِيَةِ مِنْ الْبِنَاءِ، وَهَدْمُ مَا حَوَالَيْهَا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَدْمِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَخْذَ مَتَاعِهِ كَمَا يَقْدِرُ.
وَمَنْ هُوَ مَأْمُورٌ بِشَيْءٍ، وَيَعْمَلُ فِي شَيْءٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ: مُحْسِنٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42] فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ لِمَا ذَكَرْنَا.
مَسْأَلَةٌ بَاعَ صُوفًا أَوْ وَبَرًّا أَوْ شَعْرًا عَلَى الْحَيَوَانِ
1430 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ صُوفًا، أَوْ وَبَرًّا، أَوْ شَعْرًا عَلَى الْحَيَوَانِ فَالْجَزُّ عَلَى الَّذِي لَهُ الصُّوفُ، وَالشَّعْرُ، وَالْوَبَرُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ إزَالَةَ مَالِهِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَمَكَانِ الشَّعْرِ، وَالْوَبَرِ، وَالصُّوفِ - وَهُوَ جِلْدُ الْحَيَوَانِ - فَعَلَى الَّذِي لَهُ كُلُّ ذَلِكَ إزَالَةُ مَالِهِ عَنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَعَلَى الَّذِي لَهُ الْمَكَانُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَطْ.
وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى خَابِيَةً فِي بَيْتٍ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، وَلَهُ أَنْ يَهْدِمَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَدْمِهِ لِإِخْرَاجِ الْخَابِيَةِ - وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى عَمَلِ مَا كُلِّفَ إلَّا بِذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ
1431 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْصِدُ الْمُشْتَرِي مَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ - فَهُوَ غَرَرٌ، وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» .
مَسْأَلَةٌ حُكْم بَيْع مَا نَخَلَهُ الْغَبَّارُونَ مِنْ التُّرَابِ
1432 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا نَخَلَهُ الْغَبَّارُونَ مِنْ التُّرَابِ، أَوْ اسْتَخْرَجَهُ غَسَّالُوا الطِّينِ مِنْ الطِّينِ، أَوْ اُسْتُخْرِجَ مِنْ تُرَابِ الصَّاغَةِ، فَهُوَ لُقَطَةٌ مَا أَمْكَنَ أَنْ يُعَرَّفَ، كَالْفَصِّ، أَوْ الدِّينَارِ، أَوْ الدِّرْهَمِ، فَمَا زَادَ فَتَعْرِيفُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي اللُّقَطَةِ ثُمَّ هُوَ لِلْمُلْتَقِطِ مَضْمُونًا لِصَاحِبِهِ إنْ جَاءَ - وَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ صَاحِبُهُ أَبَدًا مِنْ قِطْعَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَهُوَ حَلَالٌ لِوَاجِدِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ حُكْم بَيْع تُرَابُ الْمَعَادِنِ
1433 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا تُرَابُ الْمَعَادِنِ: فَمَا كَانَ مِنْهُ مَعْدِنَ ذَهَبٍ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ أَلْبَتَّةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، لِأَنَّ الذَّهَبَ فِيهِ مَخْلُوقٌ فِي خِلَالِهِ مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ.
فَلَوْ كَانَ الذَّهَبُ الَّذِي فِيهِ مَرْئِيًّا كُلُّهُ مُحَاطًا بِهِ: جَازَ بَيْعُهُ بِمَا يَجُوزُ بِهِ بَيْعُ الذَّهَبِ - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمَا كَانَ مِنْهُ تُرَابَ مَعْدِنِ فِضَّةٍ: جَازَ بَيْعُهُ بِدَرَاهِمَ وَبِذَهَبٍ نَقْدًا، وَإِلَى أَجَلٍ وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ، وَبِالْعَرْضِ نَقْدًا، وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ تُرَابُ سَائِرِ الْمَعَادِنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْفِضَّةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ تُرَابٌ مَحْضٌ، لَا يَصِيرُ فِضَّةً إلَّا بِمُعَانَاةٍ وَطَبْخٍ، فَيَسْتَحِيلُ بَعْضُهُ فِضَّةً كَمَا يَسْتَحِيلُ الْمَاءُ مِلْحًا، وَالْبَيْضُ فَرَارِيجَ، وَالنَّوَى شَجَرًا - وَلَا فَرْقَ.
مَسْأَلَةٌ حُكْم بَيْع الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ
مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ: جَائِزٌ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَتَطَوَّعَ لِلْمُشْتَرِي بِتَرْكِهِ مَا شَاءَ إلَى أَنْ يَرْعَاهُ، أَوْ إلَى أَنْ يَحْصُدَهُ، أَوْ إلَى أَنْ - يَيْبَسَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى زَادَ فِيهِ أَوْلَادًا مِنْ أَصْلِهِ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً إذَا اشْتَرَاهُ فَاخْتَصَمَا فِيهَا: فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ: قُضِيَ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي اشْتَرَى، وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَوْلَادِ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ: حَلَفَا، وَقُسِّمَتْ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَتَدَاعَيَانِهَا بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا السُّنْبُلُ، وَالْخَرُّوبُ، وَالْحَبُّ: فَلِلْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ فِي طُولِهِ، فَإِذَا سَنْبَلَ الزَّرْعُ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ أَصْلًا - لَا عَلَى الْقَطْعِ وَلَا عَلَى التَّرْكِ - إلَّا حَتَّى يَشْتَدَّ، فَإِذَا اشْتَدَّ: حَلَّ بَيْعُهَا حِينَئِذٍ.
بُرْهَانُ صِحَّةِ بَيْعِ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
وقَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَالْبَيْعُ كُلُّهُ حَلَالٌ، إلَّا بَيْعًا مَنَعَ مِنْهُ نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَلَمْ يَأْتِ فِي مَنْعِ بَيْعِ الزَّرْعِ مُذْ يَنْبُتُ إلَى أَنْ يُسَنْبِلَ: نَصٌّ أَصْلًا.
وَبُرْهَانُ تَحْرِيمِ بَيْعِهِ إذَا سَنْبَلَ إلَى أَنْ يَشْتَدَّ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ - نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» .
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا أَبُو الْوَلِيدِ - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ» وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا.
وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَا جَمِيعًا: لَا يُبَاعُ النَّخْلُ حَتَّى يَحْمَرَّ، وَلَا السُّنْبُلُ حَتَّى يَصْفَرَّ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: نَهْي عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَا يُشْتَرَى السُّنْبُلُ حَتَّى يَبْيَضَّ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا الرَّبِيعُ - هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ - عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْت عِكْرِمَةَ عَنْ بَيْعِ الْقَصِيلِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ، فَقُلْت: إنَّهُ يُسَنْبِلُ؟ فَكَرِهَهُ - وَهَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا، فَلَمْ يَسْتَثْنِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَشْتَدَّ، أَوْ يَبْيَضَّ: جَوَازَ بَيْعِهِ عَلَى الْحَصَادِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .
وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، لَا مُخَالِفَ لَهُمَا نَعْلَمُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنَّ حَصَادَ السُّنْبُلِ رُطَبًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سُنْبُلٌ يُمْكِنُ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَشْتَدَّ وَيَبْيَضَّ - وَكَذَلِكَ إنْ صُفِّيَ فَصَارَ حَبًّا وَلَا فَرْقَ، لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا.
فَإِنْ كَانَ إنْ تُرِكَ لَمْ يَيْبَسْ، وَلَكِنْ يَفْسُدُ: جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي جَاءَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا هِيَ فِيهِ.
وَالسُّنْبُلُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ فِي الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ، وَالْعَلَسِ، وَالدُّخْنِ، وَالسَّلْتِ، وَسَائِرِ مَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ سُنْبُلًا
مَسْأَلَةٌ حُكْم بَيْعُ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ عَلَى الْقَطْعِ
1435 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا بَيْعُ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ عَلَى الْقَطْعِ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُزِيلَ مَالَهُ عَنْ أَرْضِ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يَشْغَلَهَا بِهِ، فَهَذَا شَرْطٌ وَاجِبٌ، مُفْتَرَضٌ، فَإِنْ تَطَوَّعَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِالتَّرْكِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ: فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ إبَاحَةُ أَرْضِهِ لِمَنْ شَاءَ، وَلِمَا شَاءَ، مِمَّا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ، فَإِنْ زَادَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَتَطَوَّعَ لَهُ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ يَهَبُهُ لِمَنْ شَاءَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ قُرْآنٌ، أَوْ سُنَّةٌ، وَالْهِبَةُ فِعْلُ خَيْرٍ وَفَضْلٍ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] .
فَإِنْ أَبَى فَالْبَيِّنَةُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَهُمَا مُتَدَاعِيَانِ فِي الزِّيَادَةِ - وَهِيَ بِأَيْدِيهِمَا مَعًا - فَكُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ: هِيَ لِي، فَيَحْلِفَانِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ، ثُمَّ يَبْقَى لِكُلِّ أَحَدٍ مَا بِيَدِهِ لِبَرَاءَتِهِ مِنْ دَعْوَى خَصْمِهِ بِيَمِينِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، مِنْ بَيْعِ الْقَصِيلِ حَتَّى يَصِيرَ حَبًّا يَابِسًا، وَلَمْ يَأْتِ بِهَذَا نَصٌّ أَصْلًا - ثُمَّ تَنَاقَضُوا، فَأَجَازُوا بَيْعَهُ عَلَى الْقَطْعِ -.
وَكُلُّ هَذَا بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى مَا مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا عَلَى مَا أَبَاحُوا مِنْهُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَصِيلِ لَا عَلَى الْقَطْعِ وَلَا عَلَى التَّرْكِ - وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ أَطْرُدُ وَأَصَحُّ فِي السُّنْبُلِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ.
وَاخْتَلَفُوا إنْ تُرِكَ الزَّرْعُ فَزَادَ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ جُمْلَةً.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْمُشْتَرِي الْمِقْدَارُ الَّذِي اشْتَرَى وَيَتَصَدَّقُ بِالزِّيَادَةِ - وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ فَقَالَ: لِلْمُشْتَرِي الْمِقْدَارُ الَّذِي اشْتَرَى، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلِلْبَائِعِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْبَائِعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدَعَ لَهُ الزِّيَادَةَ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ مَعًا أَوْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ - وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ مَا اشْتَرَى.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا فَسْخُ مَالِكٍ لِلْبَيْعِ فَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، وَلِأَيِّ مَعْنًى يَفْسَخُ بَيْعًا وَقَعَ عَلَى صِحَّةٍ بِإِقْرَارِهِ؟ هَذَا مَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ.
وَأَمَّا أَوَّلُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إذْ جَعَلَهَا لِلْمُشْتَرِي فَلِأَيِّ شَيْءٍ يَأْمُرُهُ بِالصَّدَقَةِ بِهَا دُونَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقَدْرِ الَّذِي اشْتَرَى وَكِلَاهُمَا لَهُ - وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ: فَصَحِيحٌ، إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِهَا وَبِمِقْدَارِ مَا اشْتَرَى.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ إذْ جَعَلَ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ؛ فَلِأَيِّ مَعْنًى أَجْبَرَهُ عَلَى هِبَتِهَا لِلْمُشْتَرِي أَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ؟ وَلِأَيِّ دَلِيلٍ مَنَعَهُ مِنْ طَلَبِ حَقِّهِ وَالْخِصَامِ فِيهِ وَالْبَقَاءِ عَلَيْهِ؟
فَهَذِهِ آرَاءُ الْقَوْمِ كَمَا تَرَى فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ: إنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا اشْتَرَى قَدْرًا مَعْلُومًا فَلَهُ مَا حَدَثَ فِي الْعَيْنِ الَّذِي اشْتَرَى، وَلِلْبَائِعِ مَا زَادَ فِيمَا اسْتَبْقَى لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَبِعْهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَالزِّيَادَةُ فِي طُولِ السَّاقِ لِلْبَائِعِ لِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا زَرْعُ مَا اشْتَرَى فَقَطْ، وَإِنَّمَا تَأْتِي الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَصْلِ.
وَأَمَّا السُّنْبُلُ، وَالْحَبُّ، وَالنَّوْرُ، وَالْوَرَقُ، وَالتِّبْنُ، وَالْخَرُّوبُ فَلِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِي عَيْنِ مَالِهِ حَدَثَ - وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ لِلْعَلَفِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ إذَا كَانَ يَحْصُدُهُ مِنْ مَكَانِهِ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى يَصِيرَ طَعَامًا فَلَا بَأْسَ بِهِ.
مَسْأَلَةٌ بَيْعُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَقَاثِي
1436 - مَسْأَلَةٌ: وَيَجُوزُ بَيْعُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَقَاثِي - وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا - لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ - وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ مَا لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ مِنْ الْمَقَاثِي، وَالْيَاسَمِينِ، وَالنَّوْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا جِزَّةً ثَانِيَةً مِنْ الْقَصِيلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ - وَلَعَلَّهُ لَا يُخْلَقُ - وَإِنْ خُلِقَ فَلَا يَدْرِي أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مَا كَمِّيَّتُهُ، وَلَا مَا صِفَاتُهُ: فَهُوَ حَرَامٌ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَبَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.
وَأَجَازَ مَالِكٌ كُلَّ ذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ فِي تَخْصِيصِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَلَفًا، وَلَا أَحَدٌ قَالَهُ غَيْرُهُ قَبْلَهُ، وَلَا حُجَّةً.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِاسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ - وَهَذَا تَحْرِيفٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوْضِعِهِ وَأَيْنَ الِاسْتِئْجَارُ مِنْ الْبَيْعِ، ثُمَّ أَيْنَ اللَّبَنُ الْمُرْتَضَعُ مِنْ الْقِثَّاءِ، وَالْيَاسَمِينِ؟ وَهُمْ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ لَبَنِ شَاةٍ قَبْلَ حَلْبِهِ، وَلَا يَقِيسُونَهُ عَلَى الظِّئْرِ ثُمَّ يَقِيسُونَ عَلَيْهِ بَيْعَ الْقِثَّاءِ، وَالنَّوْرِ، وَالْيَاسَمِينَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الرِّطَابِ جِزَّتَيْنِ جِزَّتَيْنِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا شَرِيكٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، قَالَا جَمِيعًا: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الرِّطَابِ جِزَّةً جِزَّةً.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ بَيْعِ الرَّطْبَةِ جِزَّتَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا تَصْلُحُ إلَّا جِزَّةً.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْقَضْبِ، وَالْحِنَّاءِ، إلَّا جِزَّةً - وَكَرِهَ بَيْعَ الْخِيَارِ وَالْخِرْبِزِ إلَّا جَنِيَّةً.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ ابْنِ أَشْوَعَ، وَالْقَاسِمِ: أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَ الرِّطَابِ إلَّا جِزَّةً - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ.
مَسْأَلَةٌ بَاعَهُ الْمَقْثَأَةَ بِأُصُولِهَا وَالْمَوْزَ بِأُصُولِهِ
1437 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ بَاعَهُ الْمَقْثَأَةَ بِأُصُولِهَا، وَالْمَوْزَ بِأُصُولِهِ، وَتَطَوَّعَ لَهُ إبْقَاءَ كُلِّ ذَلِكَ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ذَلِكَ - فَإِذَا مَلَكَ مَا ابْتَاعَ كَانَ لَهُ كُلُّ مَا تَوَلَّدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ فِي مَالِهِ، وَلَهُ أَخْذُهُ بِقَلْعِ كُلِّ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ لِأَنَّهُ أُمْلَكُ بِمَالِهِ.
وَلَا يَحِلُّ لَهُ اشْتِرَاطُ إبْقَاءِ ذَلِكَ فِي أَرْضِهِ مُدَّةً مُسَمَّاةً أَوْ غَيْرَ مُسَمَّاةٍ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ - فَإِنْ احْتَجُّوا ب الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ
، قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ، وَأَنْتُمْ تُصَحِّحُونَهُ، فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَنْهُ فِي مَنْعِكُمْ جَوَازَ بَيْعِ الْقَصِيلِ عَلَى شَرْطِ التَّرْكِ، وَإِبَاحَتِكُمْ بَيْعَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَكِلَاهُمَا شَرْطٌ مُجَرَّدٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ أَصْلًا، فَفَرَّقْتُمْ بِلَا دَلِيلٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْأَمَةِ وَبَيَانُ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا
1438 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْأَمَةِ، وَبَيَانُ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، لَكِنْ مِنْ زَوْجٍ، أَوْ زِنًى، أَوْ إكْرَاهٍ -: بَيْعٌ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ رَائِعَةً أَوْ وَخْشًا كَانَ الْبَيْعُ فِي أَوَّلِ الْحَمْلِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ فِي الْوَخْشِ وَلَا يَجُوزُ فِي الرَّائِعَةِ - وَهَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ صْلًا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إلَيْهِ أَصْلًا، وَقَالَ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَمَا خَصَّ حَامِلًا مِنْ حَائِلٍ، وَلَا رَائِعَةً مِنْ وَخْشٍ، وَلَا امْرَأَةً مِنْ سَائِرِ إنَاثِ الْحَيَوَانِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .
مَسْأَلَةٌ بَيْعُ السَّيْفِ دُونَ غِمْدِهِ
1439 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ السَّيْفِ دُونَ غِمْدِهِ جَائِزٌ.
وَبَيْعُ الْغِمْدِ دُونَ النَّصْلِ جَائِزٌ.
وَبَيْعُ الْحِلْيَةِ دُونَهُمَا جَائِزٌ - وَبَيْعُ نِصْفِهَا مُشَاعٌ، أَوْ ثُلُثِهَا، أَوْ عُشْرِهَا، أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ: كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ بَعْضِ ذَلِكَ - وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُ دَلِيلًا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَكَذَلِكَ بَيْعُ قِطَعٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ مِنْ خَشَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مَحْدُودَةٍ: جَائِزٌ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
مَسْأَلَةٌ بَيْعُ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ دُونَ الْفَصِّ
1440 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ دُونَ الْفَصِّ جَائِزٌ، وَقَلْعُ الْفَصِّ حِينَئِذٍ عَلَى الْبَائِعِ، وَبَيْعُ الْفَصِّ دُونَ الْحَلْقَةِ جَائِزٌ، وَقَلْعُ الْفَصِّ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَالْفَصُّ فِي الْحَلْقَةِ فَهِيَ مَكَانٌ لِلْفَصِّ، فَفُرِضَ عَلَى الَّذِي لَهُ الْفَصُّ إخْرَاجُ الْفَصِّ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْغَلَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَلْقَةِ إلَّا إمْكَانُهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَطْ، وَأَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ.
وَلِمُتَوَلِّي إخْرَاجِ الْفَصِّ تَوْسِيعُ الْحَلْقَةِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي اسْتِخْرَاجِ مَتَاعِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهِ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ.
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْجِذْعِ يُبَاعُ دُونَ الْحَائِطِ، أَوْ الْحَائِطِ يُبَاعُ دُونَهُ وَالشَّجَرَةِ دُونَ الْأَرْضِ، أَوْ الْأَرْضِ دُونَ الشَّجَرَةِ وَلَا فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ بَاعَ شَيْئًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْفَعُ الثَّمَنَ حَتَّى أَقْبِضَ مَا ابْتَعْت
1441 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَدْفَعُ الثَّمَنَ حَتَّى أَقْبِضَ مَا ابْتَعْت؟ وَقَالَ الْبَائِعُ: لَا أَدْفَعُ حَتَّى أَقْبِضَ: أُجْبِرَا مَعًا عَلَى دَفْعِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَحَقَّ بِالْإِنْصَافِ وَالِانْتِصَافِ مِنْ الْآخَرِ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ لِلْآخَرِ، وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرَ حَقَّهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ أَحَدُهُمَا بِالتَّقَدُّمِ، وَفِعْلُ ذَلِكَ جَوْرٌ، وَحَيْفٌ، وَظُلْمٌ - وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ.
مَسْأَلَةٌ أَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضَ
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ أَنْ